فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ

رقم الحديث 779 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ وَرَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ فَزَوَّجَاهُ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ.


( نكاح المحرم)

( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار) هكذا رواه مالك مرسلاً وتابعه سليمان بن بلال عن ربيعة ووصله مطر الوراق عن ربيعة عن سليمان عن أبي رافع أخرجه النسائي والترمذي وقال حسن ولا نعلم أحدًا أسنده غير مطر وقال ابن عبد البر هذا غلط من مطر لأن سليمان بن يسار ولد سنة أربع وثلاثين وقيل سبع وعشرين ومات أبو رافع بالمدينة بعد عثمان بقليل وقتل عثمان في الحجة سنة خمس وثلاثين فلا يمكن أن يسمع سليمان من أبي رافع انتهى.
وهو ممكن على القول الثاني في ولادته لأنه أدرك نحو ثمان سنين من حياة أبي رافع فلا يستغرب سماعه منه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع) اسمه على أشهر الأقوال العشرة أسلم ( مولاه) صلى الله عليه وسلم ( ورجلاً من الأنصار) هو أوس بن خولي كما في رواية ابن سعد ( فزوجاه ميمونة بنت الحارث) الهلالية آخر امرأة تزوجها ممن دخل بهن وظاهر قوله فزوجاه أنه وكلهما في قبول النكاح له لكن روى أحمد والنسائي عن ابن عباس لما خطبها النبي صلى الله عليه وسلم جعلت أمرها إلى العباس فأنكحها النبي صلى الله عليه وسلم فظاهره أنه قبل النكاح بنفسه ويقويه رواية ابن سعد عن سعيد بن المسيب أنه صلى الله عليه وسلم قدم وهو محرم فلما حل تزوجها فيحمل قوله فزوجاه على معنى خطبا له فقط مجازًا ( ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قبل أن يخرج) إلى عمرة القضية وفي مسلم وأبي داود والترمذي وابن ماجه عن ميمونة تزوجني صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف زاد البرقاني وبنى بي حلالاً فأفادت هذه الزيادة وقوع العقد وهو حلال وأخرج الترمذي وابن خزيمة وابن حبان عن أبي رافع قال تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال وبنى بها وهو حلال وكنت أنا الرسول بينهما وأخرج ابن سعد عن ميمون بن مهران قال دخلت على صفية بنت شيبة وهي عجوز كبيرة فسألتها أتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم فقالت لا والله لقد تزوجها وإنهما لحلالان وأخرج يونس بن بكير في زيادات المغازي وغيره عن يزيد بن الأصم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال وبنى بها بسرف في قبة لها وماتت بعد ذلك فيها قال ابن عبد البر الرواية بأنه تزوجها وهو حلال متواترة عن ميمونة نفسها وعن أبي رافع وعن سليمان بن يسار مولاها وعن يزيد بن الأصم وهو ابن أختها وما أعلم أحدًا من الصحابة روى أنه نكحها وهو محرم إلا ابن عباس ورواية من ذكر معارضة لروايته والقلب إلى رواية الجماعة أميل لأن الواحد أقرب إلى الغلط انتهى.
وفي البخاري وغيره عن سعيد بن المسيب وهم ابن عباس في تزويج ميمونة وهو محرم وإن كانت خالته ما تزوجها صلى الله عليه وسلم إلا بعد ما حل ( مالك عن نافع) مولى ابن عمر ( عن نبيه) بضم النون مصغر ( ابن وهب) بن عثمان العبدري ( أخي بني عبد الدار) بن قصي أي واحد منهم المدني من صغار التابعين ومات قبل نافع الراوي عنه سنة ست وعشرين ومائة ( أن عمر بن عبيد الله) بضم العينين ابن معمر بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة القرشي التيمي وجده معتمر صحابي وهو ابن عم أبي قحافة والد الصديق روى عمر عن أبان وابن عمر وجابر وعنه عطاء بن أبي رباح وعبد الله بن عون وذكره ابن حبان في الثقات وكان أحد وجوه قريش وأشرافها جوادًا ممدحًا شجاعًا مات بدمشق سنة اثنين وثمانين ( أرسل) نبيها الراوي المذكور كما في رواية لمسلم ( إلى أبان) بفتح الهمزة والموحدة ( ابن عثمان) بن عفان الأموي المدني الثقة مات سنة خمس ومائة ( وأبان يومئذ أمير الحاج) من جهة عبد الملك ( وهما محرمان إني قد أردت أن أنكح) بضم فسكون أزوج ابني ( طلحة بن عمر) القرشي التيمي وقال بعضهم الأنصاري والأول الصحيح ففي مسلم من رواية أيوب عن نافع عن نبيه بعثني عمر بن عبيد الله وكان يخطب بنت شيبة على ابنه ( بنت شيبة) اسمها أمة الحميد كما ذكره الزبير بن بكار وغيره ( ابن جبير) بن عثمان بن أبي طلحة العبدري وفي رواية أيوب عند مسلم بنت شيبة بن عثمان قال النووي وزعم أبو داود أنه الصواب وإن مالكًا وهم فيه وقال الجمهور بل قول مالك هو الصواب فإنها بنت شيبة بن جبير بن عثمان الحجبي كما حكاه الدارقطني عن رواية الأكثرين قال القاضي عياض ولعل من قال شيبة بن عثمان نسبه إلى جده فلا يكون خطأ بل الروايتان صحيحتان إحداهما حقيقة والأخرى مجاز ( وأردت أن تحضر) فيه ندب الاستئذان لحضور العقد ( فأنكر ذلك عليه أبان) فقال ألا أراه عراقيًا جافيًا كما في رواية لمسلم وله في أخرى أعرابيًا أي جاهلاً بالسنة كالأعراب ومعنى رواية القاف آخذًا بمذهب أهل العراق تاركًا للسنة ( وقال سمعت عثمان بن عفان) يعني أباه وفي تصريحه بسمعت رد على من قال أنه لم يسمع أباه فالمثبت مقدم ( يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينكح) بفتح أوله أي لا يعقد لنفسه ( المحرم) بحج أو عمرة أو بهما ( ولا ينكح) بضم أوله أي لا يعقد لغيره بولاية ولا وكالة وهو بالجزم فيهما على النهي كما ذكر الخطابي أنه الرواية الصحيحة ( ولا يخطب) فيمنع من الخطبة أيضًا كما هو ظاهر الحديث وبه قال الجمهور كما في المفهم وحمل الشافعية النهي في الخطبة على التنزيه وقال الباجي يحتمل أن يريد به السفارة في النكاح ويحتمل أن يريد الخطبة حالة النكاح فأما السفارة فيه فممنوعة فإن سفر وعقد سواه أو سفر لنفسه وعقد بعد التحلل أساء ولم يفسخ ولم أر فيه نصًا انتهى وفيه حرمة العقد وبه قال الجمهور من الصحابة فمن بعدهم فلو عقد لم يصح ويفسخ أبدًا بطلقة عند مالك للاختلاف فيه فيزال الاختلاف بالطلاق احتياطًا للفرج وقال الشافعي بلا طلاق وقال أبو حنيفة والكوفيون يصح نكاحه وإنكاحه وأجابوا عن هذا الحديث بأنه ليس نهيًا عن نكاح المحرم بل هو إخبار عن حاله وأنه لاشتغاله بنسكه لا يتسع زمانه لعقد النكاح ولا يتفرغ له وبأن المراد بالنكاح هنا الوطء لا العقد فقوله لا ينكح أي لا يطأ وتعقب بأن الرواية الصحيحة بالجزم على النهي لا على حكاية الحال وحمله عليها لا يكون إخبارًا عن أمر شرعي بل عن قضية يشترك في معرفتها الخاص والعام وحمل كلام الشارع على الشرعيات التي لا تعلم إلا من جهته أولى وأيضًا فإن أبان راوي الحديث فهم أن المراد النهي وأنكر على عمر بن عبيد الله وأقام عليه الحجة بالحديث وحمل النكاح على الوطء لا فائدة فيه إذ هو أمر مقرر يعلمه كل أحد وأيضًا فهو خلاف فهم راويه ولو صح في الجملة الأولى لم يصح في الثانية فإن قوله ولا ينكح نهي عن التزويج بلا شك وإذا منع من العقد لغيره فأولى لنفسه ولا حجة لهم في قول ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن لأن ابن المسيب وغيره وهموه في ذلك فإنه انفرد به وخالفته ميمونة وأبو رافع فرويا أنه نكحها وهو حلال وهو أولى بالقبول لأن ميمونة هي الزوجة وأبو رافع هو السفير بينهما فهما أعرف بالواقعة من ابن عباس لأنه ليس له من التعلق بالقصة ما لهما ولصغره حينئذ عنهما إذ لم يكن في سنهما ولا يقرب منه فإن لم يكن وهما فهو قابل للتأويل بأن معنى وهو محرم في الحرم لأن ابن عباس عربي فصيح يتكلم بكلام العرب وهم يقولون أحرم وأنجد واتهم إذا دخل الحرم ونجدا وتهامة أو في الشهر الحرام كقوله

قتلوا ابن عفان الخليفة محرمًا

أي في الشهر الحرام فإنه لم يكن محرمًا بحج ولا بعمرة أو هو على مذهبه أن من قلد هديه صار محرمًا بالتقليد فلعل ابن عباس علم بنكاحه بعد أن قلد هديه صلى الله عليه وسلم أو أن عقد الإحرام من خصائصه صلى الله عليه وسلم كما هو المعتمد عند المالكية والشافعية وعلى تقدير الإغضاء عن هذا كله فقد تعارض هو وحديث ميمونة وأبي رافع فسقط الاحتجاج بالخبرين ووجب الرجوع إلى حديث عثمان لأنه لا معارض له ذكره ابن عبد البر وغيره ويرجحه أن الصحيح عند أهل الأصول ترجيح القول إذا تعارض هو والفعل لقوة القول لدلالته بنفسه على الفعل فإنما يدل بواسطة القول ولتعدي القول إلى الغير والفعل يحتمل قصره عليه وقد أخرج حديث عثمان هذا مسلم في النكاح عن يحيى وأبو داود في الحج عن القعنبي كلاهما عن مالك به ورواه أيضًا عن النسائي والترمذي وابن ماجه وابن حبان كلهم من طريق مالك به وتابعه مطر الوراق ويعلى بن حكيم وأيوب السختياني كلهم عن نافع عند مسلم وغيره وتابع نافعًا عليه أيوب بن موسى وسعيد بن أبي هلال عن نبيه في مسلم ( مالك عن داود بن الحصين) بضم المهملة وفتح الصاد الأموي مولاهم المدني ( أن أبا غطفان) بفتح المعجمة والمهملة والفاء ( ابن طريف) بفتح المهملة وقيل ابن مالك ( المري) بالراء المدني قيل اسمه سعد ثقة تابعي ( أخبره أن أباه طريفًا تزوج امرأة وهو محرم فرد عمر بن الخطاب نكاحه) لفساده ففيه دلالة على العمل بالحديث على ظاهره ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول لا ينكح المحرم ولا يخطب على نفسه ولا على غيره) موافقة للحديث إذ لفظه عام ( مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار) والثلاثة من الفقهاء ( سئلوا عن نكاح المحرم فقالوا لا ينكح) بفتح أوله ( المحرم ولا ينكح) بضمه والغرض من هذا كله بعد الحديث المرفوع أن العمل اتصل به والفتوى فلا يمكن دعوى نسخه ( قال مالك في الرجل المحرم أنه يراجع امرأته إن شاء إذا كانت في عدة منه) لأن الرجعة ليست بنكاح فلم تدخل في الحديث فإما أن خرجت من عدتها فلا يعيدها لأنه نكاح فدخل فيه قال أبو عمر لا خلاف في ذلك بين أئمة الفتوى بالأمصار لأن المراجعة لا تحتاج إلى ولي ولا صداق قال الباجي وعن أحمد منعه من الرجعة.



رقم الحديث 780 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ، أَخِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَرْسَلَ إِلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَأَبَانُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْحَاجِّ، وَهُمَا مُحْرِمَانِ، إِنِّي قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أُنْكِحَ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ بِنْتَ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ.
وَأَرَدْتُ أَنْ تَحْضُرَ.
فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَبَانُ،.

     وَقَالَ : سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَنْكِحِ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكِحُ وَلَا يَخْطُبُ.


( نكاح المحرم)

( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار) هكذا رواه مالك مرسلاً وتابعه سليمان بن بلال عن ربيعة ووصله مطر الوراق عن ربيعة عن سليمان عن أبي رافع أخرجه النسائي والترمذي وقال حسن ولا نعلم أحدًا أسنده غير مطر وقال ابن عبد البر هذا غلط من مطر لأن سليمان بن يسار ولد سنة أربع وثلاثين وقيل سبع وعشرين ومات أبو رافع بالمدينة بعد عثمان بقليل وقتل عثمان في الحجة سنة خمس وثلاثين فلا يمكن أن يسمع سليمان من أبي رافع انتهى.
وهو ممكن على القول الثاني في ولادته لأنه أدرك نحو ثمان سنين من حياة أبي رافع فلا يستغرب سماعه منه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع) اسمه على أشهر الأقوال العشرة أسلم ( مولاه) صلى الله عليه وسلم ( ورجلاً من الأنصار) هو أوس بن خولي كما في رواية ابن سعد ( فزوجاه ميمونة بنت الحارث) الهلالية آخر امرأة تزوجها ممن دخل بهن وظاهر قوله فزوجاه أنه وكلهما في قبول النكاح له لكن روى أحمد والنسائي عن ابن عباس لما خطبها النبي صلى الله عليه وسلم جعلت أمرها إلى العباس فأنكحها النبي صلى الله عليه وسلم فظاهره أنه قبل النكاح بنفسه ويقويه رواية ابن سعد عن سعيد بن المسيب أنه صلى الله عليه وسلم قدم وهو محرم فلما حل تزوجها فيحمل قوله فزوجاه على معنى خطبا له فقط مجازًا ( ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قبل أن يخرج) إلى عمرة القضية وفي مسلم وأبي داود والترمذي وابن ماجه عن ميمونة تزوجني صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف زاد البرقاني وبنى بي حلالاً فأفادت هذه الزيادة وقوع العقد وهو حلال وأخرج الترمذي وابن خزيمة وابن حبان عن أبي رافع قال تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال وبنى بها وهو حلال وكنت أنا الرسول بينهما وأخرج ابن سعد عن ميمون بن مهران قال دخلت على صفية بنت شيبة وهي عجوز كبيرة فسألتها أتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم فقالت لا والله لقد تزوجها وإنهما لحلالان وأخرج يونس بن بكير في زيادات المغازي وغيره عن يزيد بن الأصم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال وبنى بها بسرف في قبة لها وماتت بعد ذلك فيها قال ابن عبد البر الرواية بأنه تزوجها وهو حلال متواترة عن ميمونة نفسها وعن أبي رافع وعن سليمان بن يسار مولاها وعن يزيد بن الأصم وهو ابن أختها وما أعلم أحدًا من الصحابة روى أنه نكحها وهو محرم إلا ابن عباس ورواية من ذكر معارضة لروايته والقلب إلى رواية الجماعة أميل لأن الواحد أقرب إلى الغلط انتهى.
وفي البخاري وغيره عن سعيد بن المسيب وهم ابن عباس في تزويج ميمونة وهو محرم وإن كانت خالته ما تزوجها صلى الله عليه وسلم إلا بعد ما حل ( مالك عن نافع) مولى ابن عمر ( عن نبيه) بضم النون مصغر ( ابن وهب) بن عثمان العبدري ( أخي بني عبد الدار) بن قصي أي واحد منهم المدني من صغار التابعين ومات قبل نافع الراوي عنه سنة ست وعشرين ومائة ( أن عمر بن عبيد الله) بضم العينين ابن معمر بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة القرشي التيمي وجده معتمر صحابي وهو ابن عم أبي قحافة والد الصديق روى عمر عن أبان وابن عمر وجابر وعنه عطاء بن أبي رباح وعبد الله بن عون وذكره ابن حبان في الثقات وكان أحد وجوه قريش وأشرافها جوادًا ممدحًا شجاعًا مات بدمشق سنة اثنين وثمانين ( أرسل) نبيها الراوي المذكور كما في رواية لمسلم ( إلى أبان) بفتح الهمزة والموحدة ( ابن عثمان) بن عفان الأموي المدني الثقة مات سنة خمس ومائة ( وأبان يومئذ أمير الحاج) من جهة عبد الملك ( وهما محرمان إني قد أردت أن أنكح) بضم فسكون أزوج ابني ( طلحة بن عمر) القرشي التيمي وقال بعضهم الأنصاري والأول الصحيح ففي مسلم من رواية أيوب عن نافع عن نبيه بعثني عمر بن عبيد الله وكان يخطب بنت شيبة على ابنه ( بنت شيبة) اسمها أمة الحميد كما ذكره الزبير بن بكار وغيره ( ابن جبير) بن عثمان بن أبي طلحة العبدري وفي رواية أيوب عند مسلم بنت شيبة بن عثمان قال النووي وزعم أبو داود أنه الصواب وإن مالكًا وهم فيه وقال الجمهور بل قول مالك هو الصواب فإنها بنت شيبة بن جبير بن عثمان الحجبي كما حكاه الدارقطني عن رواية الأكثرين قال القاضي عياض ولعل من قال شيبة بن عثمان نسبه إلى جده فلا يكون خطأ بل الروايتان صحيحتان إحداهما حقيقة والأخرى مجاز ( وأردت أن تحضر) فيه ندب الاستئذان لحضور العقد ( فأنكر ذلك عليه أبان) فقال ألا أراه عراقيًا جافيًا كما في رواية لمسلم وله في أخرى أعرابيًا أي جاهلاً بالسنة كالأعراب ومعنى رواية القاف آخذًا بمذهب أهل العراق تاركًا للسنة ( وقال سمعت عثمان بن عفان) يعني أباه وفي تصريحه بسمعت رد على من قال أنه لم يسمع أباه فالمثبت مقدم ( يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينكح) بفتح أوله أي لا يعقد لنفسه ( المحرم) بحج أو عمرة أو بهما ( ولا ينكح) بضم أوله أي لا يعقد لغيره بولاية ولا وكالة وهو بالجزم فيهما على النهي كما ذكر الخطابي أنه الرواية الصحيحة ( ولا يخطب) فيمنع من الخطبة أيضًا كما هو ظاهر الحديث وبه قال الجمهور كما في المفهم وحمل الشافعية النهي في الخطبة على التنزيه وقال الباجي يحتمل أن يريد به السفارة في النكاح ويحتمل أن يريد الخطبة حالة النكاح فأما السفارة فيه فممنوعة فإن سفر وعقد سواه أو سفر لنفسه وعقد بعد التحلل أساء ولم يفسخ ولم أر فيه نصًا انتهى وفيه حرمة العقد وبه قال الجمهور من الصحابة فمن بعدهم فلو عقد لم يصح ويفسخ أبدًا بطلقة عند مالك للاختلاف فيه فيزال الاختلاف بالطلاق احتياطًا للفرج وقال الشافعي بلا طلاق وقال أبو حنيفة والكوفيون يصح نكاحه وإنكاحه وأجابوا عن هذا الحديث بأنه ليس نهيًا عن نكاح المحرم بل هو إخبار عن حاله وأنه لاشتغاله بنسكه لا يتسع زمانه لعقد النكاح ولا يتفرغ له وبأن المراد بالنكاح هنا الوطء لا العقد فقوله لا ينكح أي لا يطأ وتعقب بأن الرواية الصحيحة بالجزم على النهي لا على حكاية الحال وحمله عليها لا يكون إخبارًا عن أمر شرعي بل عن قضية يشترك في معرفتها الخاص والعام وحمل كلام الشارع على الشرعيات التي لا تعلم إلا من جهته أولى وأيضًا فإن أبان راوي الحديث فهم أن المراد النهي وأنكر على عمر بن عبيد الله وأقام عليه الحجة بالحديث وحمل النكاح على الوطء لا فائدة فيه إذ هو أمر مقرر يعلمه كل أحد وأيضًا فهو خلاف فهم راويه ولو صح في الجملة الأولى لم يصح في الثانية فإن قوله ولا ينكح نهي عن التزويج بلا شك وإذا منع من العقد لغيره فأولى لنفسه ولا حجة لهم في قول ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن لأن ابن المسيب وغيره وهموه في ذلك فإنه انفرد به وخالفته ميمونة وأبو رافع فرويا أنه نكحها وهو حلال وهو أولى بالقبول لأن ميمونة هي الزوجة وأبو رافع هو السفير بينهما فهما أعرف بالواقعة من ابن عباس لأنه ليس له من التعلق بالقصة ما لهما ولصغره حينئذ عنهما إذ لم يكن في سنهما ولا يقرب منه فإن لم يكن وهما فهو قابل للتأويل بأن معنى وهو محرم في الحرم لأن ابن عباس عربي فصيح يتكلم بكلام العرب وهم يقولون أحرم وأنجد واتهم إذا دخل الحرم ونجدا وتهامة أو في الشهر الحرام كقوله

قتلوا ابن عفان الخليفة محرمًا

أي في الشهر الحرام فإنه لم يكن محرمًا بحج ولا بعمرة أو هو على مذهبه أن من قلد هديه صار محرمًا بالتقليد فلعل ابن عباس علم بنكاحه بعد أن قلد هديه صلى الله عليه وسلم أو أن عقد الإحرام من خصائصه صلى الله عليه وسلم كما هو المعتمد عند المالكية والشافعية وعلى تقدير الإغضاء عن هذا كله فقد تعارض هو وحديث ميمونة وأبي رافع فسقط الاحتجاج بالخبرين ووجب الرجوع إلى حديث عثمان لأنه لا معارض له ذكره ابن عبد البر وغيره ويرجحه أن الصحيح عند أهل الأصول ترجيح القول إذا تعارض هو والفعل لقوة القول لدلالته بنفسه على الفعل فإنما يدل بواسطة القول ولتعدي القول إلى الغير والفعل يحتمل قصره عليه وقد أخرج حديث عثمان هذا مسلم في النكاح عن يحيى وأبو داود في الحج عن القعنبي كلاهما عن مالك به ورواه أيضًا عن النسائي والترمذي وابن ماجه وابن حبان كلهم من طريق مالك به وتابعه مطر الوراق ويعلى بن حكيم وأيوب السختياني كلهم عن نافع عند مسلم وغيره وتابع نافعًا عليه أيوب بن موسى وسعيد بن أبي هلال عن نبيه في مسلم ( مالك عن داود بن الحصين) بضم المهملة وفتح الصاد الأموي مولاهم المدني ( أن أبا غطفان) بفتح المعجمة والمهملة والفاء ( ابن طريف) بفتح المهملة وقيل ابن مالك ( المري) بالراء المدني قيل اسمه سعد ثقة تابعي ( أخبره أن أباه طريفًا تزوج امرأة وهو محرم فرد عمر بن الخطاب نكاحه) لفساده ففيه دلالة على العمل بالحديث على ظاهره ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول لا ينكح المحرم ولا يخطب على نفسه ولا على غيره) موافقة للحديث إذ لفظه عام ( مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار) والثلاثة من الفقهاء ( سئلوا عن نكاح المحرم فقالوا لا ينكح) بفتح أوله ( المحرم ولا ينكح) بضمه والغرض من هذا كله بعد الحديث المرفوع أن العمل اتصل به والفتوى فلا يمكن دعوى نسخه ( قال مالك في الرجل المحرم أنه يراجع امرأته إن شاء إذا كانت في عدة منه) لأن الرجعة ليست بنكاح فلم تدخل في الحديث فإما أن خرجت من عدتها فلا يعيدها لأنه نكاح فدخل فيه قال أبو عمر لا خلاف في ذلك بين أئمة الفتوى بالأمصار لأن المراجعة لا تحتاج إلى ولي ولا صداق قال الباجي وعن أحمد منعه من الرجعة.



رقم الحديث 781 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، أَنَّ أَبَا غَطَفَانَ بْنَ طَرِيفٍ الْمُرِّيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ طَرِيفًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ نِكَاحَهُ.


( نكاح المحرم)

( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار) هكذا رواه مالك مرسلاً وتابعه سليمان بن بلال عن ربيعة ووصله مطر الوراق عن ربيعة عن سليمان عن أبي رافع أخرجه النسائي والترمذي وقال حسن ولا نعلم أحدًا أسنده غير مطر وقال ابن عبد البر هذا غلط من مطر لأن سليمان بن يسار ولد سنة أربع وثلاثين وقيل سبع وعشرين ومات أبو رافع بالمدينة بعد عثمان بقليل وقتل عثمان في الحجة سنة خمس وثلاثين فلا يمكن أن يسمع سليمان من أبي رافع انتهى.
وهو ممكن على القول الثاني في ولادته لأنه أدرك نحو ثمان سنين من حياة أبي رافع فلا يستغرب سماعه منه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع) اسمه على أشهر الأقوال العشرة أسلم ( مولاه) صلى الله عليه وسلم ( ورجلاً من الأنصار) هو أوس بن خولي كما في رواية ابن سعد ( فزوجاه ميمونة بنت الحارث) الهلالية آخر امرأة تزوجها ممن دخل بهن وظاهر قوله فزوجاه أنه وكلهما في قبول النكاح له لكن روى أحمد والنسائي عن ابن عباس لما خطبها النبي صلى الله عليه وسلم جعلت أمرها إلى العباس فأنكحها النبي صلى الله عليه وسلم فظاهره أنه قبل النكاح بنفسه ويقويه رواية ابن سعد عن سعيد بن المسيب أنه صلى الله عليه وسلم قدم وهو محرم فلما حل تزوجها فيحمل قوله فزوجاه على معنى خطبا له فقط مجازًا ( ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قبل أن يخرج) إلى عمرة القضية وفي مسلم وأبي داود والترمذي وابن ماجه عن ميمونة تزوجني صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف زاد البرقاني وبنى بي حلالاً فأفادت هذه الزيادة وقوع العقد وهو حلال وأخرج الترمذي وابن خزيمة وابن حبان عن أبي رافع قال تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال وبنى بها وهو حلال وكنت أنا الرسول بينهما وأخرج ابن سعد عن ميمون بن مهران قال دخلت على صفية بنت شيبة وهي عجوز كبيرة فسألتها أتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم فقالت لا والله لقد تزوجها وإنهما لحلالان وأخرج يونس بن بكير في زيادات المغازي وغيره عن يزيد بن الأصم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال وبنى بها بسرف في قبة لها وماتت بعد ذلك فيها قال ابن عبد البر الرواية بأنه تزوجها وهو حلال متواترة عن ميمونة نفسها وعن أبي رافع وعن سليمان بن يسار مولاها وعن يزيد بن الأصم وهو ابن أختها وما أعلم أحدًا من الصحابة روى أنه نكحها وهو محرم إلا ابن عباس ورواية من ذكر معارضة لروايته والقلب إلى رواية الجماعة أميل لأن الواحد أقرب إلى الغلط انتهى.
وفي البخاري وغيره عن سعيد بن المسيب وهم ابن عباس في تزويج ميمونة وهو محرم وإن كانت خالته ما تزوجها صلى الله عليه وسلم إلا بعد ما حل ( مالك عن نافع) مولى ابن عمر ( عن نبيه) بضم النون مصغر ( ابن وهب) بن عثمان العبدري ( أخي بني عبد الدار) بن قصي أي واحد منهم المدني من صغار التابعين ومات قبل نافع الراوي عنه سنة ست وعشرين ومائة ( أن عمر بن عبيد الله) بضم العينين ابن معمر بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة القرشي التيمي وجده معتمر صحابي وهو ابن عم أبي قحافة والد الصديق روى عمر عن أبان وابن عمر وجابر وعنه عطاء بن أبي رباح وعبد الله بن عون وذكره ابن حبان في الثقات وكان أحد وجوه قريش وأشرافها جوادًا ممدحًا شجاعًا مات بدمشق سنة اثنين وثمانين ( أرسل) نبيها الراوي المذكور كما في رواية لمسلم ( إلى أبان) بفتح الهمزة والموحدة ( ابن عثمان) بن عفان الأموي المدني الثقة مات سنة خمس ومائة ( وأبان يومئذ أمير الحاج) من جهة عبد الملك ( وهما محرمان إني قد أردت أن أنكح) بضم فسكون أزوج ابني ( طلحة بن عمر) القرشي التيمي وقال بعضهم الأنصاري والأول الصحيح ففي مسلم من رواية أيوب عن نافع عن نبيه بعثني عمر بن عبيد الله وكان يخطب بنت شيبة على ابنه ( بنت شيبة) اسمها أمة الحميد كما ذكره الزبير بن بكار وغيره ( ابن جبير) بن عثمان بن أبي طلحة العبدري وفي رواية أيوب عند مسلم بنت شيبة بن عثمان قال النووي وزعم أبو داود أنه الصواب وإن مالكًا وهم فيه وقال الجمهور بل قول مالك هو الصواب فإنها بنت شيبة بن جبير بن عثمان الحجبي كما حكاه الدارقطني عن رواية الأكثرين قال القاضي عياض ولعل من قال شيبة بن عثمان نسبه إلى جده فلا يكون خطأ بل الروايتان صحيحتان إحداهما حقيقة والأخرى مجاز ( وأردت أن تحضر) فيه ندب الاستئذان لحضور العقد ( فأنكر ذلك عليه أبان) فقال ألا أراه عراقيًا جافيًا كما في رواية لمسلم وله في أخرى أعرابيًا أي جاهلاً بالسنة كالأعراب ومعنى رواية القاف آخذًا بمذهب أهل العراق تاركًا للسنة ( وقال سمعت عثمان بن عفان) يعني أباه وفي تصريحه بسمعت رد على من قال أنه لم يسمع أباه فالمثبت مقدم ( يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينكح) بفتح أوله أي لا يعقد لنفسه ( المحرم) بحج أو عمرة أو بهما ( ولا ينكح) بضم أوله أي لا يعقد لغيره بولاية ولا وكالة وهو بالجزم فيهما على النهي كما ذكر الخطابي أنه الرواية الصحيحة ( ولا يخطب) فيمنع من الخطبة أيضًا كما هو ظاهر الحديث وبه قال الجمهور كما في المفهم وحمل الشافعية النهي في الخطبة على التنزيه وقال الباجي يحتمل أن يريد به السفارة في النكاح ويحتمل أن يريد الخطبة حالة النكاح فأما السفارة فيه فممنوعة فإن سفر وعقد سواه أو سفر لنفسه وعقد بعد التحلل أساء ولم يفسخ ولم أر فيه نصًا انتهى وفيه حرمة العقد وبه قال الجمهور من الصحابة فمن بعدهم فلو عقد لم يصح ويفسخ أبدًا بطلقة عند مالك للاختلاف فيه فيزال الاختلاف بالطلاق احتياطًا للفرج وقال الشافعي بلا طلاق وقال أبو حنيفة والكوفيون يصح نكاحه وإنكاحه وأجابوا عن هذا الحديث بأنه ليس نهيًا عن نكاح المحرم بل هو إخبار عن حاله وأنه لاشتغاله بنسكه لا يتسع زمانه لعقد النكاح ولا يتفرغ له وبأن المراد بالنكاح هنا الوطء لا العقد فقوله لا ينكح أي لا يطأ وتعقب بأن الرواية الصحيحة بالجزم على النهي لا على حكاية الحال وحمله عليها لا يكون إخبارًا عن أمر شرعي بل عن قضية يشترك في معرفتها الخاص والعام وحمل كلام الشارع على الشرعيات التي لا تعلم إلا من جهته أولى وأيضًا فإن أبان راوي الحديث فهم أن المراد النهي وأنكر على عمر بن عبيد الله وأقام عليه الحجة بالحديث وحمل النكاح على الوطء لا فائدة فيه إذ هو أمر مقرر يعلمه كل أحد وأيضًا فهو خلاف فهم راويه ولو صح في الجملة الأولى لم يصح في الثانية فإن قوله ولا ينكح نهي عن التزويج بلا شك وإذا منع من العقد لغيره فأولى لنفسه ولا حجة لهم في قول ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن لأن ابن المسيب وغيره وهموه في ذلك فإنه انفرد به وخالفته ميمونة وأبو رافع فرويا أنه نكحها وهو حلال وهو أولى بالقبول لأن ميمونة هي الزوجة وأبو رافع هو السفير بينهما فهما أعرف بالواقعة من ابن عباس لأنه ليس له من التعلق بالقصة ما لهما ولصغره حينئذ عنهما إذ لم يكن في سنهما ولا يقرب منه فإن لم يكن وهما فهو قابل للتأويل بأن معنى وهو محرم في الحرم لأن ابن عباس عربي فصيح يتكلم بكلام العرب وهم يقولون أحرم وأنجد واتهم إذا دخل الحرم ونجدا وتهامة أو في الشهر الحرام كقوله

قتلوا ابن عفان الخليفة محرمًا

أي في الشهر الحرام فإنه لم يكن محرمًا بحج ولا بعمرة أو هو على مذهبه أن من قلد هديه صار محرمًا بالتقليد فلعل ابن عباس علم بنكاحه بعد أن قلد هديه صلى الله عليه وسلم أو أن عقد الإحرام من خصائصه صلى الله عليه وسلم كما هو المعتمد عند المالكية والشافعية وعلى تقدير الإغضاء عن هذا كله فقد تعارض هو وحديث ميمونة وأبي رافع فسقط الاحتجاج بالخبرين ووجب الرجوع إلى حديث عثمان لأنه لا معارض له ذكره ابن عبد البر وغيره ويرجحه أن الصحيح عند أهل الأصول ترجيح القول إذا تعارض هو والفعل لقوة القول لدلالته بنفسه على الفعل فإنما يدل بواسطة القول ولتعدي القول إلى الغير والفعل يحتمل قصره عليه وقد أخرج حديث عثمان هذا مسلم في النكاح عن يحيى وأبو داود في الحج عن القعنبي كلاهما عن مالك به ورواه أيضًا عن النسائي والترمذي وابن ماجه وابن حبان كلهم من طريق مالك به وتابعه مطر الوراق ويعلى بن حكيم وأيوب السختياني كلهم عن نافع عند مسلم وغيره وتابع نافعًا عليه أيوب بن موسى وسعيد بن أبي هلال عن نبيه في مسلم ( مالك عن داود بن الحصين) بضم المهملة وفتح الصاد الأموي مولاهم المدني ( أن أبا غطفان) بفتح المعجمة والمهملة والفاء ( ابن طريف) بفتح المهملة وقيل ابن مالك ( المري) بالراء المدني قيل اسمه سعد ثقة تابعي ( أخبره أن أباه طريفًا تزوج امرأة وهو محرم فرد عمر بن الخطاب نكاحه) لفساده ففيه دلالة على العمل بالحديث على ظاهره ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول لا ينكح المحرم ولا يخطب على نفسه ولا على غيره) موافقة للحديث إذ لفظه عام ( مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار) والثلاثة من الفقهاء ( سئلوا عن نكاح المحرم فقالوا لا ينكح) بفتح أوله ( المحرم ولا ينكح) بضمه والغرض من هذا كله بعد الحديث المرفوع أن العمل اتصل به والفتوى فلا يمكن دعوى نسخه ( قال مالك في الرجل المحرم أنه يراجع امرأته إن شاء إذا كانت في عدة منه) لأن الرجعة ليست بنكاح فلم تدخل في الحديث فإما أن خرجت من عدتها فلا يعيدها لأنه نكاح فدخل فيه قال أبو عمر لا خلاف في ذلك بين أئمة الفتوى بالأمصار لأن المراجعة لا تحتاج إلى ولي ولا صداق قال الباجي وعن أحمد منعه من الرجعة.



رقم الحديث 782 قَالَ مَالِكٌ: مَنِ اعْتَمَرَ فِي شَوَّالٍ أَوْ ذِي الْقَعْدَةِ، أَوْ ذِي الْحِجَّةِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ.
فَلَيْسَ عَلَيْهِ هَدْيٌ.
إِنَّمَا الْهَدْيُ عَلَى مَنِ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ.
ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى الْحَجِّ.
ثُمَّ حَجَّ.
وَكُلُّ مَنِ انْقَطَعَ إِلَى مَكَّةَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ وَسَكَنَهَا.
ثُمَّ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ.
ثُمَّ أَنْشَأَ الْحَجَّ مِنْهَا، فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ.
وَلَيْسَ عَلَيْهِ هَدْيٌ وَلَا صِيَامٌ.
وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ مَكَّةَ إِذَا كَانَ مِنْ سَاكِنِيهَا سُئِلَ مَالِكٌ: عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ خَرَجَ إِلَى الرِّبَاطِ أَوْ إِلَى سَفَرٍ مِنَ الْأَسْفَارِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ.
وَهُوَ يُرِيدُ الْإِقَامَةَ بِهَا.
كَانَ لَهُ أَهْلٌ بِمَكَّةَ أَوْ لَا أَهْلَ لَهُ بِهَا.
فَدَخَلَهَا بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ أَنْشَأَ الْحَجَّ، وَكَانَتْ عُمْرَتُهُ الَّتِي دَخَلَ بِهَا مِنْ مِيقَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ دُونَهُ، أَمُتَمَتِّعٌ مَنْ كَانَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ مِنَ الْهَدْيِ أَوِ الصِّيَامِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ { { ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } }



( ما لا يجب فيه التمتع)

أي دمه أو صومه.

( قال مالك: من اعتمر في شوّال أو ذي القعدة أو ذي الحجة) أي في أوائلها بدليل قوله ( ثم رجع إلى أهله ثم حج من عامه ذلك فليس عليه هدي) أو بدله ( إنما الهدي على من اعتمر في أشهر الحج ثم أقام حتى الحج ثم حج) وبهذا قال الجمهور لأن شرط التمتع الجمع بينهما في سفر واحد في أشهر الحج في عام واحد وأن تقدم العمرة وأن لا يكون مكيًا فمتى اختل شرط من الثلاثة لم يكن متمتعًا وقال الحسن البصري يكون متمتعًا إذا اعتمر في أشهر الحج ثم عاد لبلده ثم حج منها بناء على أن التمتع إيقاع العمرة في أشهر الحج فقط ( وكل من انقطع إلى مكة من أهل الآفاق وسكنها ثم اعتمر في أشهر الحج ثم أنشأ الحج منها فليس بمتمتع وليس عليه هدي ولا صيام) إيضاح لما قبله ( وهو بمنزلة أهل مكة إذا كان من ساكنيها) لأنه يصدق عليه قوله حاضري المسجد الحرام ( سئل مالك عن رجل من أهل مكة خرج إلى الرباط) بثغر ( أو إلى سفر من الأسفار ثم رجع إلى مكة وهو يريد الإقامة بها) سواء ( كان له أهل بمكة أو لا أهل له بها فدخلها بعمرة في أشهر الحج ثم أنشأ الحج) من عامه ( وكانت عمرته التي دخل بها من ميقات النبي صلى الله عليه وسلم أو دونه) من بقية المواقيت ( أمتمتع من كان على تلك الحالة) أم لا ( فقال مالك ليس عليه ما على المتمتع من الهدي أو الصيام) إن لم يجده ( و) دليل ( ذلك أن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه) العزيز { { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } } وهذا من حاضريه غاب عنه لحاجة ثم رجع.



رقم الحديث 782 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يَخْطُبُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا عَلَى غَيْرِهِ.


( نكاح المحرم)

( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار) هكذا رواه مالك مرسلاً وتابعه سليمان بن بلال عن ربيعة ووصله مطر الوراق عن ربيعة عن سليمان عن أبي رافع أخرجه النسائي والترمذي وقال حسن ولا نعلم أحدًا أسنده غير مطر وقال ابن عبد البر هذا غلط من مطر لأن سليمان بن يسار ولد سنة أربع وثلاثين وقيل سبع وعشرين ومات أبو رافع بالمدينة بعد عثمان بقليل وقتل عثمان في الحجة سنة خمس وثلاثين فلا يمكن أن يسمع سليمان من أبي رافع انتهى.
وهو ممكن على القول الثاني في ولادته لأنه أدرك نحو ثمان سنين من حياة أبي رافع فلا يستغرب سماعه منه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع) اسمه على أشهر الأقوال العشرة أسلم ( مولاه) صلى الله عليه وسلم ( ورجلاً من الأنصار) هو أوس بن خولي كما في رواية ابن سعد ( فزوجاه ميمونة بنت الحارث) الهلالية آخر امرأة تزوجها ممن دخل بهن وظاهر قوله فزوجاه أنه وكلهما في قبول النكاح له لكن روى أحمد والنسائي عن ابن عباس لما خطبها النبي صلى الله عليه وسلم جعلت أمرها إلى العباس فأنكحها النبي صلى الله عليه وسلم فظاهره أنه قبل النكاح بنفسه ويقويه رواية ابن سعد عن سعيد بن المسيب أنه صلى الله عليه وسلم قدم وهو محرم فلما حل تزوجها فيحمل قوله فزوجاه على معنى خطبا له فقط مجازًا ( ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قبل أن يخرج) إلى عمرة القضية وفي مسلم وأبي داود والترمذي وابن ماجه عن ميمونة تزوجني صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف زاد البرقاني وبنى بي حلالاً فأفادت هذه الزيادة وقوع العقد وهو حلال وأخرج الترمذي وابن خزيمة وابن حبان عن أبي رافع قال تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال وبنى بها وهو حلال وكنت أنا الرسول بينهما وأخرج ابن سعد عن ميمون بن مهران قال دخلت على صفية بنت شيبة وهي عجوز كبيرة فسألتها أتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم فقالت لا والله لقد تزوجها وإنهما لحلالان وأخرج يونس بن بكير في زيادات المغازي وغيره عن يزيد بن الأصم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال وبنى بها بسرف في قبة لها وماتت بعد ذلك فيها قال ابن عبد البر الرواية بأنه تزوجها وهو حلال متواترة عن ميمونة نفسها وعن أبي رافع وعن سليمان بن يسار مولاها وعن يزيد بن الأصم وهو ابن أختها وما أعلم أحدًا من الصحابة روى أنه نكحها وهو محرم إلا ابن عباس ورواية من ذكر معارضة لروايته والقلب إلى رواية الجماعة أميل لأن الواحد أقرب إلى الغلط انتهى.
وفي البخاري وغيره عن سعيد بن المسيب وهم ابن عباس في تزويج ميمونة وهو محرم وإن كانت خالته ما تزوجها صلى الله عليه وسلم إلا بعد ما حل ( مالك عن نافع) مولى ابن عمر ( عن نبيه) بضم النون مصغر ( ابن وهب) بن عثمان العبدري ( أخي بني عبد الدار) بن قصي أي واحد منهم المدني من صغار التابعين ومات قبل نافع الراوي عنه سنة ست وعشرين ومائة ( أن عمر بن عبيد الله) بضم العينين ابن معمر بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة القرشي التيمي وجده معتمر صحابي وهو ابن عم أبي قحافة والد الصديق روى عمر عن أبان وابن عمر وجابر وعنه عطاء بن أبي رباح وعبد الله بن عون وذكره ابن حبان في الثقات وكان أحد وجوه قريش وأشرافها جوادًا ممدحًا شجاعًا مات بدمشق سنة اثنين وثمانين ( أرسل) نبيها الراوي المذكور كما في رواية لمسلم ( إلى أبان) بفتح الهمزة والموحدة ( ابن عثمان) بن عفان الأموي المدني الثقة مات سنة خمس ومائة ( وأبان يومئذ أمير الحاج) من جهة عبد الملك ( وهما محرمان إني قد أردت أن أنكح) بضم فسكون أزوج ابني ( طلحة بن عمر) القرشي التيمي وقال بعضهم الأنصاري والأول الصحيح ففي مسلم من رواية أيوب عن نافع عن نبيه بعثني عمر بن عبيد الله وكان يخطب بنت شيبة على ابنه ( بنت شيبة) اسمها أمة الحميد كما ذكره الزبير بن بكار وغيره ( ابن جبير) بن عثمان بن أبي طلحة العبدري وفي رواية أيوب عند مسلم بنت شيبة بن عثمان قال النووي وزعم أبو داود أنه الصواب وإن مالكًا وهم فيه وقال الجمهور بل قول مالك هو الصواب فإنها بنت شيبة بن جبير بن عثمان الحجبي كما حكاه الدارقطني عن رواية الأكثرين قال القاضي عياض ولعل من قال شيبة بن عثمان نسبه إلى جده فلا يكون خطأ بل الروايتان صحيحتان إحداهما حقيقة والأخرى مجاز ( وأردت أن تحضر) فيه ندب الاستئذان لحضور العقد ( فأنكر ذلك عليه أبان) فقال ألا أراه عراقيًا جافيًا كما في رواية لمسلم وله في أخرى أعرابيًا أي جاهلاً بالسنة كالأعراب ومعنى رواية القاف آخذًا بمذهب أهل العراق تاركًا للسنة ( وقال سمعت عثمان بن عفان) يعني أباه وفي تصريحه بسمعت رد على من قال أنه لم يسمع أباه فالمثبت مقدم ( يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينكح) بفتح أوله أي لا يعقد لنفسه ( المحرم) بحج أو عمرة أو بهما ( ولا ينكح) بضم أوله أي لا يعقد لغيره بولاية ولا وكالة وهو بالجزم فيهما على النهي كما ذكر الخطابي أنه الرواية الصحيحة ( ولا يخطب) فيمنع من الخطبة أيضًا كما هو ظاهر الحديث وبه قال الجمهور كما في المفهم وحمل الشافعية النهي في الخطبة على التنزيه وقال الباجي يحتمل أن يريد به السفارة في النكاح ويحتمل أن يريد الخطبة حالة النكاح فأما السفارة فيه فممنوعة فإن سفر وعقد سواه أو سفر لنفسه وعقد بعد التحلل أساء ولم يفسخ ولم أر فيه نصًا انتهى وفيه حرمة العقد وبه قال الجمهور من الصحابة فمن بعدهم فلو عقد لم يصح ويفسخ أبدًا بطلقة عند مالك للاختلاف فيه فيزال الاختلاف بالطلاق احتياطًا للفرج وقال الشافعي بلا طلاق وقال أبو حنيفة والكوفيون يصح نكاحه وإنكاحه وأجابوا عن هذا الحديث بأنه ليس نهيًا عن نكاح المحرم بل هو إخبار عن حاله وأنه لاشتغاله بنسكه لا يتسع زمانه لعقد النكاح ولا يتفرغ له وبأن المراد بالنكاح هنا الوطء لا العقد فقوله لا ينكح أي لا يطأ وتعقب بأن الرواية الصحيحة بالجزم على النهي لا على حكاية الحال وحمله عليها لا يكون إخبارًا عن أمر شرعي بل عن قضية يشترك في معرفتها الخاص والعام وحمل كلام الشارع على الشرعيات التي لا تعلم إلا من جهته أولى وأيضًا فإن أبان راوي الحديث فهم أن المراد النهي وأنكر على عمر بن عبيد الله وأقام عليه الحجة بالحديث وحمل النكاح على الوطء لا فائدة فيه إذ هو أمر مقرر يعلمه كل أحد وأيضًا فهو خلاف فهم راويه ولو صح في الجملة الأولى لم يصح في الثانية فإن قوله ولا ينكح نهي عن التزويج بلا شك وإذا منع من العقد لغيره فأولى لنفسه ولا حجة لهم في قول ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن لأن ابن المسيب وغيره وهموه في ذلك فإنه انفرد به وخالفته ميمونة وأبو رافع فرويا أنه نكحها وهو حلال وهو أولى بالقبول لأن ميمونة هي الزوجة وأبو رافع هو السفير بينهما فهما أعرف بالواقعة من ابن عباس لأنه ليس له من التعلق بالقصة ما لهما ولصغره حينئذ عنهما إذ لم يكن في سنهما ولا يقرب منه فإن لم يكن وهما فهو قابل للتأويل بأن معنى وهو محرم في الحرم لأن ابن عباس عربي فصيح يتكلم بكلام العرب وهم يقولون أحرم وأنجد واتهم إذا دخل الحرم ونجدا وتهامة أو في الشهر الحرام كقوله

قتلوا ابن عفان الخليفة محرمًا

أي في الشهر الحرام فإنه لم يكن محرمًا بحج ولا بعمرة أو هو على مذهبه أن من قلد هديه صار محرمًا بالتقليد فلعل ابن عباس علم بنكاحه بعد أن قلد هديه صلى الله عليه وسلم أو أن عقد الإحرام من خصائصه صلى الله عليه وسلم كما هو المعتمد عند المالكية والشافعية وعلى تقدير الإغضاء عن هذا كله فقد تعارض هو وحديث ميمونة وأبي رافع فسقط الاحتجاج بالخبرين ووجب الرجوع إلى حديث عثمان لأنه لا معارض له ذكره ابن عبد البر وغيره ويرجحه أن الصحيح عند أهل الأصول ترجيح القول إذا تعارض هو والفعل لقوة القول لدلالته بنفسه على الفعل فإنما يدل بواسطة القول ولتعدي القول إلى الغير والفعل يحتمل قصره عليه وقد أخرج حديث عثمان هذا مسلم في النكاح عن يحيى وأبو داود في الحج عن القعنبي كلاهما عن مالك به ورواه أيضًا عن النسائي والترمذي وابن ماجه وابن حبان كلهم من طريق مالك به وتابعه مطر الوراق ويعلى بن حكيم وأيوب السختياني كلهم عن نافع عند مسلم وغيره وتابع نافعًا عليه أيوب بن موسى وسعيد بن أبي هلال عن نبيه في مسلم ( مالك عن داود بن الحصين) بضم المهملة وفتح الصاد الأموي مولاهم المدني ( أن أبا غطفان) بفتح المعجمة والمهملة والفاء ( ابن طريف) بفتح المهملة وقيل ابن مالك ( المري) بالراء المدني قيل اسمه سعد ثقة تابعي ( أخبره أن أباه طريفًا تزوج امرأة وهو محرم فرد عمر بن الخطاب نكاحه) لفساده ففيه دلالة على العمل بالحديث على ظاهره ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول لا ينكح المحرم ولا يخطب على نفسه ولا على غيره) موافقة للحديث إذ لفظه عام ( مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار) والثلاثة من الفقهاء ( سئلوا عن نكاح المحرم فقالوا لا ينكح) بفتح أوله ( المحرم ولا ينكح) بضمه والغرض من هذا كله بعد الحديث المرفوع أن العمل اتصل به والفتوى فلا يمكن دعوى نسخه ( قال مالك في الرجل المحرم أنه يراجع امرأته إن شاء إذا كانت في عدة منه) لأن الرجعة ليست بنكاح فلم تدخل في الحديث فإما أن خرجت من عدتها فلا يعيدها لأنه نكاح فدخل فيه قال أبو عمر لا خلاف في ذلك بين أئمة الفتوى بالأمصار لأن المراجعة لا تحتاج إلى ولي ولا صداق قال الباجي وعن أحمد منعه من الرجعة.



رقم الحديث 783 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ سُئِلُوا عَنْ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ؟ فَقَالُوا: لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ قَالَ مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ الْمُحْرِمِ: إِنَّهُ يُرَاجِعُ امْرَأَتَهُ إِنْ شَاءَ.
إِذَا كَانَتْ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ.


( نكاح المحرم)

( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار) هكذا رواه مالك مرسلاً وتابعه سليمان بن بلال عن ربيعة ووصله مطر الوراق عن ربيعة عن سليمان عن أبي رافع أخرجه النسائي والترمذي وقال حسن ولا نعلم أحدًا أسنده غير مطر وقال ابن عبد البر هذا غلط من مطر لأن سليمان بن يسار ولد سنة أربع وثلاثين وقيل سبع وعشرين ومات أبو رافع بالمدينة بعد عثمان بقليل وقتل عثمان في الحجة سنة خمس وثلاثين فلا يمكن أن يسمع سليمان من أبي رافع انتهى.
وهو ممكن على القول الثاني في ولادته لأنه أدرك نحو ثمان سنين من حياة أبي رافع فلا يستغرب سماعه منه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع) اسمه على أشهر الأقوال العشرة أسلم ( مولاه) صلى الله عليه وسلم ( ورجلاً من الأنصار) هو أوس بن خولي كما في رواية ابن سعد ( فزوجاه ميمونة بنت الحارث) الهلالية آخر امرأة تزوجها ممن دخل بهن وظاهر قوله فزوجاه أنه وكلهما في قبول النكاح له لكن روى أحمد والنسائي عن ابن عباس لما خطبها النبي صلى الله عليه وسلم جعلت أمرها إلى العباس فأنكحها النبي صلى الله عليه وسلم فظاهره أنه قبل النكاح بنفسه ويقويه رواية ابن سعد عن سعيد بن المسيب أنه صلى الله عليه وسلم قدم وهو محرم فلما حل تزوجها فيحمل قوله فزوجاه على معنى خطبا له فقط مجازًا ( ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قبل أن يخرج) إلى عمرة القضية وفي مسلم وأبي داود والترمذي وابن ماجه عن ميمونة تزوجني صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف زاد البرقاني وبنى بي حلالاً فأفادت هذه الزيادة وقوع العقد وهو حلال وأخرج الترمذي وابن خزيمة وابن حبان عن أبي رافع قال تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال وبنى بها وهو حلال وكنت أنا الرسول بينهما وأخرج ابن سعد عن ميمون بن مهران قال دخلت على صفية بنت شيبة وهي عجوز كبيرة فسألتها أتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم فقالت لا والله لقد تزوجها وإنهما لحلالان وأخرج يونس بن بكير في زيادات المغازي وغيره عن يزيد بن الأصم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال وبنى بها بسرف في قبة لها وماتت بعد ذلك فيها قال ابن عبد البر الرواية بأنه تزوجها وهو حلال متواترة عن ميمونة نفسها وعن أبي رافع وعن سليمان بن يسار مولاها وعن يزيد بن الأصم وهو ابن أختها وما أعلم أحدًا من الصحابة روى أنه نكحها وهو محرم إلا ابن عباس ورواية من ذكر معارضة لروايته والقلب إلى رواية الجماعة أميل لأن الواحد أقرب إلى الغلط انتهى.
وفي البخاري وغيره عن سعيد بن المسيب وهم ابن عباس في تزويج ميمونة وهو محرم وإن كانت خالته ما تزوجها صلى الله عليه وسلم إلا بعد ما حل ( مالك عن نافع) مولى ابن عمر ( عن نبيه) بضم النون مصغر ( ابن وهب) بن عثمان العبدري ( أخي بني عبد الدار) بن قصي أي واحد منهم المدني من صغار التابعين ومات قبل نافع الراوي عنه سنة ست وعشرين ومائة ( أن عمر بن عبيد الله) بضم العينين ابن معمر بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة القرشي التيمي وجده معتمر صحابي وهو ابن عم أبي قحافة والد الصديق روى عمر عن أبان وابن عمر وجابر وعنه عطاء بن أبي رباح وعبد الله بن عون وذكره ابن حبان في الثقات وكان أحد وجوه قريش وأشرافها جوادًا ممدحًا شجاعًا مات بدمشق سنة اثنين وثمانين ( أرسل) نبيها الراوي المذكور كما في رواية لمسلم ( إلى أبان) بفتح الهمزة والموحدة ( ابن عثمان) بن عفان الأموي المدني الثقة مات سنة خمس ومائة ( وأبان يومئذ أمير الحاج) من جهة عبد الملك ( وهما محرمان إني قد أردت أن أنكح) بضم فسكون أزوج ابني ( طلحة بن عمر) القرشي التيمي وقال بعضهم الأنصاري والأول الصحيح ففي مسلم من رواية أيوب عن نافع عن نبيه بعثني عمر بن عبيد الله وكان يخطب بنت شيبة على ابنه ( بنت شيبة) اسمها أمة الحميد كما ذكره الزبير بن بكار وغيره ( ابن جبير) بن عثمان بن أبي طلحة العبدري وفي رواية أيوب عند مسلم بنت شيبة بن عثمان قال النووي وزعم أبو داود أنه الصواب وإن مالكًا وهم فيه وقال الجمهور بل قول مالك هو الصواب فإنها بنت شيبة بن جبير بن عثمان الحجبي كما حكاه الدارقطني عن رواية الأكثرين قال القاضي عياض ولعل من قال شيبة بن عثمان نسبه إلى جده فلا يكون خطأ بل الروايتان صحيحتان إحداهما حقيقة والأخرى مجاز ( وأردت أن تحضر) فيه ندب الاستئذان لحضور العقد ( فأنكر ذلك عليه أبان) فقال ألا أراه عراقيًا جافيًا كما في رواية لمسلم وله في أخرى أعرابيًا أي جاهلاً بالسنة كالأعراب ومعنى رواية القاف آخذًا بمذهب أهل العراق تاركًا للسنة ( وقال سمعت عثمان بن عفان) يعني أباه وفي تصريحه بسمعت رد على من قال أنه لم يسمع أباه فالمثبت مقدم ( يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينكح) بفتح أوله أي لا يعقد لنفسه ( المحرم) بحج أو عمرة أو بهما ( ولا ينكح) بضم أوله أي لا يعقد لغيره بولاية ولا وكالة وهو بالجزم فيهما على النهي كما ذكر الخطابي أنه الرواية الصحيحة ( ولا يخطب) فيمنع من الخطبة أيضًا كما هو ظاهر الحديث وبه قال الجمهور كما في المفهم وحمل الشافعية النهي في الخطبة على التنزيه وقال الباجي يحتمل أن يريد به السفارة في النكاح ويحتمل أن يريد الخطبة حالة النكاح فأما السفارة فيه فممنوعة فإن سفر وعقد سواه أو سفر لنفسه وعقد بعد التحلل أساء ولم يفسخ ولم أر فيه نصًا انتهى وفيه حرمة العقد وبه قال الجمهور من الصحابة فمن بعدهم فلو عقد لم يصح ويفسخ أبدًا بطلقة عند مالك للاختلاف فيه فيزال الاختلاف بالطلاق احتياطًا للفرج وقال الشافعي بلا طلاق وقال أبو حنيفة والكوفيون يصح نكاحه وإنكاحه وأجابوا عن هذا الحديث بأنه ليس نهيًا عن نكاح المحرم بل هو إخبار عن حاله وأنه لاشتغاله بنسكه لا يتسع زمانه لعقد النكاح ولا يتفرغ له وبأن المراد بالنكاح هنا الوطء لا العقد فقوله لا ينكح أي لا يطأ وتعقب بأن الرواية الصحيحة بالجزم على النهي لا على حكاية الحال وحمله عليها لا يكون إخبارًا عن أمر شرعي بل عن قضية يشترك في معرفتها الخاص والعام وحمل كلام الشارع على الشرعيات التي لا تعلم إلا من جهته أولى وأيضًا فإن أبان راوي الحديث فهم أن المراد النهي وأنكر على عمر بن عبيد الله وأقام عليه الحجة بالحديث وحمل النكاح على الوطء لا فائدة فيه إذ هو أمر مقرر يعلمه كل أحد وأيضًا فهو خلاف فهم راويه ولو صح في الجملة الأولى لم يصح في الثانية فإن قوله ولا ينكح نهي عن التزويج بلا شك وإذا منع من العقد لغيره فأولى لنفسه ولا حجة لهم في قول ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن لأن ابن المسيب وغيره وهموه في ذلك فإنه انفرد به وخالفته ميمونة وأبو رافع فرويا أنه نكحها وهو حلال وهو أولى بالقبول لأن ميمونة هي الزوجة وأبو رافع هو السفير بينهما فهما أعرف بالواقعة من ابن عباس لأنه ليس له من التعلق بالقصة ما لهما ولصغره حينئذ عنهما إذ لم يكن في سنهما ولا يقرب منه فإن لم يكن وهما فهو قابل للتأويل بأن معنى وهو محرم في الحرم لأن ابن عباس عربي فصيح يتكلم بكلام العرب وهم يقولون أحرم وأنجد واتهم إذا دخل الحرم ونجدا وتهامة أو في الشهر الحرام كقوله

قتلوا ابن عفان الخليفة محرمًا

أي في الشهر الحرام فإنه لم يكن محرمًا بحج ولا بعمرة أو هو على مذهبه أن من قلد هديه صار محرمًا بالتقليد فلعل ابن عباس علم بنكاحه بعد أن قلد هديه صلى الله عليه وسلم أو أن عقد الإحرام من خصائصه صلى الله عليه وسلم كما هو المعتمد عند المالكية والشافعية وعلى تقدير الإغضاء عن هذا كله فقد تعارض هو وحديث ميمونة وأبي رافع فسقط الاحتجاج بالخبرين ووجب الرجوع إلى حديث عثمان لأنه لا معارض له ذكره ابن عبد البر وغيره ويرجحه أن الصحيح عند أهل الأصول ترجيح القول إذا تعارض هو والفعل لقوة القول لدلالته بنفسه على الفعل فإنما يدل بواسطة القول ولتعدي القول إلى الغير والفعل يحتمل قصره عليه وقد أخرج حديث عثمان هذا مسلم في النكاح عن يحيى وأبو داود في الحج عن القعنبي كلاهما عن مالك به ورواه أيضًا عن النسائي والترمذي وابن ماجه وابن حبان كلهم من طريق مالك به وتابعه مطر الوراق ويعلى بن حكيم وأيوب السختياني كلهم عن نافع عند مسلم وغيره وتابع نافعًا عليه أيوب بن موسى وسعيد بن أبي هلال عن نبيه في مسلم ( مالك عن داود بن الحصين) بضم المهملة وفتح الصاد الأموي مولاهم المدني ( أن أبا غطفان) بفتح المعجمة والمهملة والفاء ( ابن طريف) بفتح المهملة وقيل ابن مالك ( المري) بالراء المدني قيل اسمه سعد ثقة تابعي ( أخبره أن أباه طريفًا تزوج امرأة وهو محرم فرد عمر بن الخطاب نكاحه) لفساده ففيه دلالة على العمل بالحديث على ظاهره ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول لا ينكح المحرم ولا يخطب على نفسه ولا على غيره) موافقة للحديث إذ لفظه عام ( مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار) والثلاثة من الفقهاء ( سئلوا عن نكاح المحرم فقالوا لا ينكح) بفتح أوله ( المحرم ولا ينكح) بضمه والغرض من هذا كله بعد الحديث المرفوع أن العمل اتصل به والفتوى فلا يمكن دعوى نسخه ( قال مالك في الرجل المحرم أنه يراجع امرأته إن شاء إذا كانت في عدة منه) لأن الرجعة ليست بنكاح فلم تدخل في الحديث فإما أن خرجت من عدتها فلا يعيدها لأنه نكاح فدخل فيه قال أبو عمر لا خلاف في ذلك بين أئمة الفتوى بالأمصار لأن المراجعة لا تحتاج إلى ولي ولا صداق قال الباجي وعن أحمد منعه من الرجعة.