فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا لَا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ مِنَ الصَّيْدِ

رقم الحديث 793 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ: إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ.


( ما لا يحل للمحرم أكله من الصيد)

( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن عبيد الله) بضم العين ( ابن عبد الله) بفتحها ( ابن عتبة) بضمها ( ابن مسعود) الهذلي أحد الفقهاء ( عن عبد الله بن عباس) الحبر الترجمان ( عن الصعب بن جثامة) بفتح الجيم والمثلثة الثقيلة فألف فميم ابن قيس بن ربيعة بن عبد الله بن يعمر الليثي حليف قريش أمه أخت أبي سفيان بن حرب واسمها فاختة وقيل زينب ويقال هو أخو محلم بن جثامة وكان الصعب ينزل ودان مات في خلافة عثمان على الأصح ويقال في آخر خلافة عمر ويقال الصديق وهو غلط فقد روى ابن السكن بإسناد صالح عن راشد بن سعد قال لما فتحت اصطخر نادى منادٍ ألا إن الدجال قد خرج فقال الصعب بن جثامة لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره وفتحها في خلافة عمر وروى ابن إسحاق عن عروة قال لما ركب أهل العراق في الوليد بن عقبة أي يشكونه لعثمان كانوا خمسة منهم الصعب بن جثامة وله أحاديث وآخى صلى الله عليه وسلم بينه وبين عوف بن مالك ثم لم يختلف على مالك في إسناد هذا الحديث وأنه من مسند الصعب ووقع في موطأ ابن وهب عن ابن عباس أن الصعب فجعله من مسند ابن عباس وكذا أخرجه مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الحافظ والمحفوظ في حديث مالك الأول يعني أنه من مسند الصعب بن جثامة ( أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارًا وحشيًا) لا خلاف عن مالك أيضًا في هذا وتابعه معمر وابن جريج وعبد الرحمن بن الحارث وصالح بن كيسان والليث وابن أبي ذئب وشعيب بن أبي حمزة ويونس ومحمد بن عمرو بن علقمة كلهم قالوا حمارًا وحشيًا كما قال مالك وخالفهم سفيان بن عيينة عن الزهري فقال أهديت له من لحم حمار وحش رواه مسلم وله عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رجل حمار وحش وله عن شعبة عن الحكم عجز حمار وحش يقطر دمًا وفي أخرى له شق حمار وحش فهذه الروايات صريحة في أنه عقير وأنه إنما أهدى بعضه لا كله ولا معارضة بين رجل وعجز وشق لأنه يحمل على أنه أهدى رجلاً معها الفخذ وبعض جانب الذبيحة فمنهم من رجح رواية مالك وموافقيه قال الشافعي في الأم حديث مالك أن الصعب أهدى حمارًا أثبت من حديث من روى أنه أهدى لحم حمار وقال الترمذي روى بعض أصحاب الزهري في حديث الصعب لحم حمار وحش وهو غير محفوظ وقال البيهقي كان ابن عيينة يضطرب فيه فرواية العدد الذين لم يشكوا فيه أولى وقد قال ابن جريج قلت لابن شهاب الحمار عقير قال لا أدري ومنهم من جمع بحمل رواية أهدى حمارًا على أنه من إطلاق اسم الكل على البعض ويمتنع عكسه إذ إطلاق الرجل على كل الحيوان غير معهود إذ لا يطلق على زيد أصبع ونحوه إذ شرط إطلاق اسم البعض على الكل التلازم كالرقبة على الإنسان والرأس فإنه لا إنسان دونهما بخلاف نحو الرجل والظفر وقال القرطبي يحتمل أن الصعب أحضر الحمار مذبوحًا ثم قطع منه عضوًا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فقدمه له فمن قال أهدى حمارًا أراد بتمامه مذبوحًا لا حيًا ومن قال لحم حمار أراد ما قدمه للنبي صلى الله عليه وسلم قال ويحتمل أنه أحضره له حيًا فلما رده عليه ذكاه وأتاه بعضو منه ظنًا منه أنه إنما رده لمعنى يختص بجملته فأعلمه بامتناعه أن حكم الجزء حكم الكل انتهى وهذا الجمع قريب وفيه إبقاء اللفظ على المتبادر منه الذي ترجم عليه البخاري إذا أهدي للمحرم حمارًا وحشيًا حيًا لم يقبل مع أنه لم يقل في الحديث حيًا فكأنه فهمه من قوله حمارًا وفي التمهيد قال إسماعيل سمعت سليمان بن حرب يتأول الحديث على أنه صيد من أجله صلى الله عليه وسلم ويدل عليه قوله فرده يقطر دمًا كأنه صيد في ذلك الوقت ولولا ذلك لجاز أكله قال إسماعيل وإنما تأول رواية لحم حمار لاحتياجها للتأويل فأما رواية حمار وحش فلا تحتاج لتأويل لأن المحرم لا يجوز له مسك صيد حيًا ولا يذكيه وعلى هذا التأويل تتفق الأحاديث ( وهو بالأبواء) بفتح الهمزة وسكون الموحدة والمد جبل بينه وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً سمي بذلك لتبوئ السيول به لا لما فيه من الوباء إذ لو كان كذلك لقيل الأوباء أو هو مقلوب منه ( أو بودان) بفتح الواو وشد الدال المهملة فألف فنون موضع قرب الجحفة أو قرية جامعة أقرب إلى الجحفة من الأبواء بينهما ثمانية أميال والشك من الراوي وجزم ابن إسحاق وصالح بن كيسان عن الزهري بودان وجزم معمر وعبد الرحمن بن إسحاق ومحمد بن عمرو بالأبواء ( فرده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي رد الحمار على الصعب واتفقت الروايات كلها على رده إلا ما رواه ابن وهب والبيهقي من طريقه بإسناد حسن عن عمرو بن أمية أن الصعب أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم عجز حمار وحش وهو بالجحفة فأكل منه وأكل القوم قال البيهقي إن كان هذا محفوظًا فلعله رد الحي وقيل اللحم قال الحافظ وفيه نظر فإن كانت الطرق كلها محفوظة فلعله رده حيًا لكونه صيد لأجله ورد اللحم تارة لذلك وقيل تارة أخرى حيث علم أنه لم يصد لأجله وقد قال الشافعي إن كان الصعب أهدى حمارًا حيًا فليس للمحرم أن يذبح حمارًا وحشيًا حيًا وإن كان أهدى لحمًا فيحتمل أن يكون علم أنه صيد له ونقل الترمذي عن الشافعي أنه رده لظنه أنه صيد من أجله فتركه على وجه التنزه ويحتمل أن يحمل القبول المذكور في حديث عمرو بن أمية على حال رجوعه صلى الله عليه وسلم من مكة ويؤيده أنه جازم فيه بوقوع ذلك في الجحفة وفي غيرها من الروايات بالأبواء أو بودان ( فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في وجهه) من الكراهة لما حصل له من الكسر برد هديته ( قال) تطييبًا لقلبه ( إنا) بكسر الهمزة لوقوعها في الابتداء ( لم نرده) بفتح الدال رواه المحدثون وقال محققو النحاة إنه غلط والصواب ضم الدال كآخر المضاعف من كل مضاعف مجزوم اتصل به ضمير المذكر مراعاة للواو التي توجبها ضمة الهاء بعدها لخفاء الهاء فكأن ما قبلها ولي الواو ولا يكون ما قبل الواو إلا مضمومًا هذا في المذكر أما المؤنث مثل ردها فمفتوح الدال مراعاة للألف ذكره عياض وغيره وجوز الكسر وهو ضعيف أضعف من الفتح وإن أوهم ثعلب فصاحة الفتح وقد غلطوه لأنه ذكره في الفصيح ولم ينبه على ضعفه ( عليك) لعلة من العلل ( إلا أنا) بفتح الهمزة أي لأجل أنا ( حرم) بضم الحاء والراء جمع حرام والحرام المحرم أي محرمون وتمسك بظاهره من حرم لحم الصيد على المحرم مطلقًا صاده المحرم أو صاده حل له أو لم يقصده به وقال به علي وابن عمر وابن عباس لأنه صلى الله عليه وسلم علل رده بأنه محرم ولم يقل بأنك صدته لنا وهو ظاهر قوله تعالى { { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا } } وذهب الجمهور والأئمة الثلاثة إلى أن ما صاده حلال لنفسه ولم يقصد المحرم يجوز أكله للمحرم بخلاف ما قصد به وقال أبو حنيفة بجواز ما صيد له بلا إعانة منه واحتج الجمهور بحديث أبي قتادة السابق وحديث جابر مرفوعًا صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم الرواية يصاد بالألف على لغة كقوله ألم يأتيك وحملوا حديث الصعب على أنه قصدهم باصطياده لأنه كان عالمًا بأنه صلى الله عليه وسلم يمر به فصاده لأجله والآية الكريمة على الاصطياد وعلى لحم ما صيد للمحرم للأحاديث المذكورة المبينة للمراد من الآية وتعليله صلى الله عليه وسلم للصعب بأنه محرم لا يمنع كونه صيد له ولأنه بين الشرط الذي يحرم الصيد على الإنسان إذا صيد له وهو الإحرام وقبل حمار البهزي وفرقه على الرفاق لأنه كان يتكسب بالصيد فحمله على عادته في أنه لم يصد لأجله صلى الله عليه وسلم وفي معناه حديث أبي قتادة ودعوى نسخه لأنه كان عام الحديبية بحديث الصعب لأنه كان في حجة الوداع إنما يصار إليها إذا تعذر الجمع كيف والحديث المتأخر لا دلالة فيه على الحرمة العامة صريحًا ولا ظاهرًا حتى يعارض الأول فينسخه هذا على رواية أنه أهدى لحمًا أما على أنه أهداه حيًا فواضح فالإجماع على أنه يحرم على المحرم قبول صيد وهب له وشراؤه واصطياده واستحداث ملكه بوجه من الوجوه وأصل الإجماع الآية وحديث الصعب بناء على أنه حي وفيه كراهية رد هدية الصديق لما يقع في قلبه فإنه صلى الله عليه وسلم طيب نفسه بذكر عذر الرد وفيه رد ما لا يجوز للمهدي الانتفاع به وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به والترمذي والنسائي وابن ماجه كلهم من طريق مالك أيضًا ( مالك عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم ( عن عبد الله بن عامر بن ربيعة) العدوي مولاهم العنزي ولد على العهد النبوي وأبوه صحابي شهير ( قال رأيت عثمان بن عفان بالعرج) بفتح العين المهملة وسكون الراء وبالجيم ( وهو محرم في يوم صائف قد غطى وجهه بقطيفة) كساء له خمل ( أرجوان) بضم الهمزة والجيم بينهما راء ساكنة ثم واو مفتوحة فألف فنون صوف أحمر وذلك لأنه يرى حل تغطية الوجه للمحرم كجمع من الصحابة وغيرهم كما مر ( ثم أتي بلحم صيد فقال لأصحابه كلوا فقالوا أولا تأكل أنت فقال إني لست كهيئتكم) كصفتكم ( إنما صيد من أجلي) وأنا محرم وقد اختلف قول مالك فيما صيد لمحرم بعينه هل لغير من صيد من أجله أن يأكله من سائر من معه من المحرمين والمشهور من مذهبه عند أصحابه أنه لا يؤكل ما صيد لمحرم معين أو غير معين ولم يأخذوا بقول عثمان هذا قاله أبو عمر ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت له يا ابن أختي) أسماء ذات النطاقين ( إنما هي) أي مدة الإحرام ( عشر ليال فإن تخلج) بفتح الفوقية والخاء المعجمة واللام المشددة وجيم أي تحرك ويروى بالحاء المهملة أي دخل ( في نفسك شيء) شككت فيه ( فدعه) مخافة أن يكون إثمًا أو خطأ ( تعني) عائشة ( أكل لحم الصيد) بقولها المذكور قال أبو عمر إنما خاطبت بهذا من أحرم قبل يوم التروية أن يكف عن لحم الصيد جملة ما صاده حلال لنفسه أو لغيره فيدع ما يريبه إلى ما لا يريبه ويترك ما شك فيه وحاك في صدره ( قال مالك في الرجل المحرم يصاد من أجله صيد فيصنع له ذلك الصيد فيأكل منه وهو يعلم أن من أجله صيد فإن عليه جزاء ذلك الصيد كله) لا بقدر أكله لأن الجزاء لا يتبعض وقيل بقدر أكله وقيل لا جزاء لأن الله إنما جعله على قاتل الصيد وهذا لم يقتله ( وسئل مالك عن الرجل يضطر إلى أكل الميتة وهو محرم أيصيد الصيد فيأكله أم يأكل الميتة فقال بل يأكل الميتة و) دليل ( ذلك أن الله تبارك وتعالى لم يرخص للمحرم في أكل الصيد ولا في أخذه على حال من الأحوال) بل أطلق المنع فقال { { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } } وقال { { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } } ( وقد أرخص في الميتة على حال الضرورة) بنحو قوله تعالى { { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه } } ( قال مالك وأما ما قتل المحرم) نفسه ( أو ذبح من الصيد فلا يحل أكله لحلال ولا لمحرم لأنه ليس بذكي) أي مذكى بل ميتة سواء ( كان خطأ أو عمدًا فأكله لا يحل) لأحد ( وقد سمعت ذلك من غير واحد) من العلماء إشارة إلى أنه لم ينفرد بذلك لا تقليدًا لهم وزيادة أشهب عن مالك ممن كنت أقتدي به وأتعلم منه فمراده أنهم من شيوخه إذ المجتهد لا يقلد غيره ( والذي يقتل الصيد ثم يأكله إنما عليه كفارة) أي جزاء ( واحدة مثل من قتله ولم يأكل منه) فلا يتعدد الجزاء وبهذا قال الجمهور خلافًا لقول عطاء وطائفة إن ذبحه المحرم ثم أكله فكفارتان ولا خلاف أن من زنى مرارًا قبل الحد إنما عليه حد واحد وكذا المحرم يقتل الصيد في الحرم فيجتمع عليه حرمة الإحرام وحرمة الحرم إنما عليه جزاء واحد عند الجمهور؛ قاله أبو عمر.



رقم الحديث 794 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِالْعَرْجِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فِي يَوْمٍ صَائِفٍ قَدْ غَطَّى وَجْهَهُ بِقَطِيفَةِ أُرْجُوَانٍ، ثُمَّ أُتِيَ بِلَحْمِ صَيْدٍ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا، فَقَالُوا: أَوَلَا تَأْكُلُ أَنْتَ؟ فَقَالَ: إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنَّمَا صِيدَ مِنْ أَجْلِي.


( ما لا يحل للمحرم أكله من الصيد)

( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن عبيد الله) بضم العين ( ابن عبد الله) بفتحها ( ابن عتبة) بضمها ( ابن مسعود) الهذلي أحد الفقهاء ( عن عبد الله بن عباس) الحبر الترجمان ( عن الصعب بن جثامة) بفتح الجيم والمثلثة الثقيلة فألف فميم ابن قيس بن ربيعة بن عبد الله بن يعمر الليثي حليف قريش أمه أخت أبي سفيان بن حرب واسمها فاختة وقيل زينب ويقال هو أخو محلم بن جثامة وكان الصعب ينزل ودان مات في خلافة عثمان على الأصح ويقال في آخر خلافة عمر ويقال الصديق وهو غلط فقد روى ابن السكن بإسناد صالح عن راشد بن سعد قال لما فتحت اصطخر نادى منادٍ ألا إن الدجال قد خرج فقال الصعب بن جثامة لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره وفتحها في خلافة عمر وروى ابن إسحاق عن عروة قال لما ركب أهل العراق في الوليد بن عقبة أي يشكونه لعثمان كانوا خمسة منهم الصعب بن جثامة وله أحاديث وآخى صلى الله عليه وسلم بينه وبين عوف بن مالك ثم لم يختلف على مالك في إسناد هذا الحديث وأنه من مسند الصعب ووقع في موطأ ابن وهب عن ابن عباس أن الصعب فجعله من مسند ابن عباس وكذا أخرجه مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الحافظ والمحفوظ في حديث مالك الأول يعني أنه من مسند الصعب بن جثامة ( أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارًا وحشيًا) لا خلاف عن مالك أيضًا في هذا وتابعه معمر وابن جريج وعبد الرحمن بن الحارث وصالح بن كيسان والليث وابن أبي ذئب وشعيب بن أبي حمزة ويونس ومحمد بن عمرو بن علقمة كلهم قالوا حمارًا وحشيًا كما قال مالك وخالفهم سفيان بن عيينة عن الزهري فقال أهديت له من لحم حمار وحش رواه مسلم وله عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رجل حمار وحش وله عن شعبة عن الحكم عجز حمار وحش يقطر دمًا وفي أخرى له شق حمار وحش فهذه الروايات صريحة في أنه عقير وأنه إنما أهدى بعضه لا كله ولا معارضة بين رجل وعجز وشق لأنه يحمل على أنه أهدى رجلاً معها الفخذ وبعض جانب الذبيحة فمنهم من رجح رواية مالك وموافقيه قال الشافعي في الأم حديث مالك أن الصعب أهدى حمارًا أثبت من حديث من روى أنه أهدى لحم حمار وقال الترمذي روى بعض أصحاب الزهري في حديث الصعب لحم حمار وحش وهو غير محفوظ وقال البيهقي كان ابن عيينة يضطرب فيه فرواية العدد الذين لم يشكوا فيه أولى وقد قال ابن جريج قلت لابن شهاب الحمار عقير قال لا أدري ومنهم من جمع بحمل رواية أهدى حمارًا على أنه من إطلاق اسم الكل على البعض ويمتنع عكسه إذ إطلاق الرجل على كل الحيوان غير معهود إذ لا يطلق على زيد أصبع ونحوه إذ شرط إطلاق اسم البعض على الكل التلازم كالرقبة على الإنسان والرأس فإنه لا إنسان دونهما بخلاف نحو الرجل والظفر وقال القرطبي يحتمل أن الصعب أحضر الحمار مذبوحًا ثم قطع منه عضوًا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فقدمه له فمن قال أهدى حمارًا أراد بتمامه مذبوحًا لا حيًا ومن قال لحم حمار أراد ما قدمه للنبي صلى الله عليه وسلم قال ويحتمل أنه أحضره له حيًا فلما رده عليه ذكاه وأتاه بعضو منه ظنًا منه أنه إنما رده لمعنى يختص بجملته فأعلمه بامتناعه أن حكم الجزء حكم الكل انتهى وهذا الجمع قريب وفيه إبقاء اللفظ على المتبادر منه الذي ترجم عليه البخاري إذا أهدي للمحرم حمارًا وحشيًا حيًا لم يقبل مع أنه لم يقل في الحديث حيًا فكأنه فهمه من قوله حمارًا وفي التمهيد قال إسماعيل سمعت سليمان بن حرب يتأول الحديث على أنه صيد من أجله صلى الله عليه وسلم ويدل عليه قوله فرده يقطر دمًا كأنه صيد في ذلك الوقت ولولا ذلك لجاز أكله قال إسماعيل وإنما تأول رواية لحم حمار لاحتياجها للتأويل فأما رواية حمار وحش فلا تحتاج لتأويل لأن المحرم لا يجوز له مسك صيد حيًا ولا يذكيه وعلى هذا التأويل تتفق الأحاديث ( وهو بالأبواء) بفتح الهمزة وسكون الموحدة والمد جبل بينه وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً سمي بذلك لتبوئ السيول به لا لما فيه من الوباء إذ لو كان كذلك لقيل الأوباء أو هو مقلوب منه ( أو بودان) بفتح الواو وشد الدال المهملة فألف فنون موضع قرب الجحفة أو قرية جامعة أقرب إلى الجحفة من الأبواء بينهما ثمانية أميال والشك من الراوي وجزم ابن إسحاق وصالح بن كيسان عن الزهري بودان وجزم معمر وعبد الرحمن بن إسحاق ومحمد بن عمرو بالأبواء ( فرده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي رد الحمار على الصعب واتفقت الروايات كلها على رده إلا ما رواه ابن وهب والبيهقي من طريقه بإسناد حسن عن عمرو بن أمية أن الصعب أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم عجز حمار وحش وهو بالجحفة فأكل منه وأكل القوم قال البيهقي إن كان هذا محفوظًا فلعله رد الحي وقيل اللحم قال الحافظ وفيه نظر فإن كانت الطرق كلها محفوظة فلعله رده حيًا لكونه صيد لأجله ورد اللحم تارة لذلك وقيل تارة أخرى حيث علم أنه لم يصد لأجله وقد قال الشافعي إن كان الصعب أهدى حمارًا حيًا فليس للمحرم أن يذبح حمارًا وحشيًا حيًا وإن كان أهدى لحمًا فيحتمل أن يكون علم أنه صيد له ونقل الترمذي عن الشافعي أنه رده لظنه أنه صيد من أجله فتركه على وجه التنزه ويحتمل أن يحمل القبول المذكور في حديث عمرو بن أمية على حال رجوعه صلى الله عليه وسلم من مكة ويؤيده أنه جازم فيه بوقوع ذلك في الجحفة وفي غيرها من الروايات بالأبواء أو بودان ( فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في وجهه) من الكراهة لما حصل له من الكسر برد هديته ( قال) تطييبًا لقلبه ( إنا) بكسر الهمزة لوقوعها في الابتداء ( لم نرده) بفتح الدال رواه المحدثون وقال محققو النحاة إنه غلط والصواب ضم الدال كآخر المضاعف من كل مضاعف مجزوم اتصل به ضمير المذكر مراعاة للواو التي توجبها ضمة الهاء بعدها لخفاء الهاء فكأن ما قبلها ولي الواو ولا يكون ما قبل الواو إلا مضمومًا هذا في المذكر أما المؤنث مثل ردها فمفتوح الدال مراعاة للألف ذكره عياض وغيره وجوز الكسر وهو ضعيف أضعف من الفتح وإن أوهم ثعلب فصاحة الفتح وقد غلطوه لأنه ذكره في الفصيح ولم ينبه على ضعفه ( عليك) لعلة من العلل ( إلا أنا) بفتح الهمزة أي لأجل أنا ( حرم) بضم الحاء والراء جمع حرام والحرام المحرم أي محرمون وتمسك بظاهره من حرم لحم الصيد على المحرم مطلقًا صاده المحرم أو صاده حل له أو لم يقصده به وقال به علي وابن عمر وابن عباس لأنه صلى الله عليه وسلم علل رده بأنه محرم ولم يقل بأنك صدته لنا وهو ظاهر قوله تعالى { { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا } } وذهب الجمهور والأئمة الثلاثة إلى أن ما صاده حلال لنفسه ولم يقصد المحرم يجوز أكله للمحرم بخلاف ما قصد به وقال أبو حنيفة بجواز ما صيد له بلا إعانة منه واحتج الجمهور بحديث أبي قتادة السابق وحديث جابر مرفوعًا صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم الرواية يصاد بالألف على لغة كقوله ألم يأتيك وحملوا حديث الصعب على أنه قصدهم باصطياده لأنه كان عالمًا بأنه صلى الله عليه وسلم يمر به فصاده لأجله والآية الكريمة على الاصطياد وعلى لحم ما صيد للمحرم للأحاديث المذكورة المبينة للمراد من الآية وتعليله صلى الله عليه وسلم للصعب بأنه محرم لا يمنع كونه صيد له ولأنه بين الشرط الذي يحرم الصيد على الإنسان إذا صيد له وهو الإحرام وقبل حمار البهزي وفرقه على الرفاق لأنه كان يتكسب بالصيد فحمله على عادته في أنه لم يصد لأجله صلى الله عليه وسلم وفي معناه حديث أبي قتادة ودعوى نسخه لأنه كان عام الحديبية بحديث الصعب لأنه كان في حجة الوداع إنما يصار إليها إذا تعذر الجمع كيف والحديث المتأخر لا دلالة فيه على الحرمة العامة صريحًا ولا ظاهرًا حتى يعارض الأول فينسخه هذا على رواية أنه أهدى لحمًا أما على أنه أهداه حيًا فواضح فالإجماع على أنه يحرم على المحرم قبول صيد وهب له وشراؤه واصطياده واستحداث ملكه بوجه من الوجوه وأصل الإجماع الآية وحديث الصعب بناء على أنه حي وفيه كراهية رد هدية الصديق لما يقع في قلبه فإنه صلى الله عليه وسلم طيب نفسه بذكر عذر الرد وفيه رد ما لا يجوز للمهدي الانتفاع به وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به والترمذي والنسائي وابن ماجه كلهم من طريق مالك أيضًا ( مالك عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم ( عن عبد الله بن عامر بن ربيعة) العدوي مولاهم العنزي ولد على العهد النبوي وأبوه صحابي شهير ( قال رأيت عثمان بن عفان بالعرج) بفتح العين المهملة وسكون الراء وبالجيم ( وهو محرم في يوم صائف قد غطى وجهه بقطيفة) كساء له خمل ( أرجوان) بضم الهمزة والجيم بينهما راء ساكنة ثم واو مفتوحة فألف فنون صوف أحمر وذلك لأنه يرى حل تغطية الوجه للمحرم كجمع من الصحابة وغيرهم كما مر ( ثم أتي بلحم صيد فقال لأصحابه كلوا فقالوا أولا تأكل أنت فقال إني لست كهيئتكم) كصفتكم ( إنما صيد من أجلي) وأنا محرم وقد اختلف قول مالك فيما صيد لمحرم بعينه هل لغير من صيد من أجله أن يأكله من سائر من معه من المحرمين والمشهور من مذهبه عند أصحابه أنه لا يؤكل ما صيد لمحرم معين أو غير معين ولم يأخذوا بقول عثمان هذا قاله أبو عمر ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت له يا ابن أختي) أسماء ذات النطاقين ( إنما هي) أي مدة الإحرام ( عشر ليال فإن تخلج) بفتح الفوقية والخاء المعجمة واللام المشددة وجيم أي تحرك ويروى بالحاء المهملة أي دخل ( في نفسك شيء) شككت فيه ( فدعه) مخافة أن يكون إثمًا أو خطأ ( تعني) عائشة ( أكل لحم الصيد) بقولها المذكور قال أبو عمر إنما خاطبت بهذا من أحرم قبل يوم التروية أن يكف عن لحم الصيد جملة ما صاده حلال لنفسه أو لغيره فيدع ما يريبه إلى ما لا يريبه ويترك ما شك فيه وحاك في صدره ( قال مالك في الرجل المحرم يصاد من أجله صيد فيصنع له ذلك الصيد فيأكل منه وهو يعلم أن من أجله صيد فإن عليه جزاء ذلك الصيد كله) لا بقدر أكله لأن الجزاء لا يتبعض وقيل بقدر أكله وقيل لا جزاء لأن الله إنما جعله على قاتل الصيد وهذا لم يقتله ( وسئل مالك عن الرجل يضطر إلى أكل الميتة وهو محرم أيصيد الصيد فيأكله أم يأكل الميتة فقال بل يأكل الميتة و) دليل ( ذلك أن الله تبارك وتعالى لم يرخص للمحرم في أكل الصيد ولا في أخذه على حال من الأحوال) بل أطلق المنع فقال { { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } } وقال { { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } } ( وقد أرخص في الميتة على حال الضرورة) بنحو قوله تعالى { { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه } } ( قال مالك وأما ما قتل المحرم) نفسه ( أو ذبح من الصيد فلا يحل أكله لحلال ولا لمحرم لأنه ليس بذكي) أي مذكى بل ميتة سواء ( كان خطأ أو عمدًا فأكله لا يحل) لأحد ( وقد سمعت ذلك من غير واحد) من العلماء إشارة إلى أنه لم ينفرد بذلك لا تقليدًا لهم وزيادة أشهب عن مالك ممن كنت أقتدي به وأتعلم منه فمراده أنهم من شيوخه إذ المجتهد لا يقلد غيره ( والذي يقتل الصيد ثم يأكله إنما عليه كفارة) أي جزاء ( واحدة مثل من قتله ولم يأكل منه) فلا يتعدد الجزاء وبهذا قال الجمهور خلافًا لقول عطاء وطائفة إن ذبحه المحرم ثم أكله فكفارتان ولا خلاف أن من زنى مرارًا قبل الحد إنما عليه حد واحد وكذا المحرم يقتل الصيد في الحرم فيجتمع عليه حرمة الإحرام وحرمة الحرم إنما عليه جزاء واحد عند الجمهور؛ قاله أبو عمر.



رقم الحديث 795 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ: يَا ابْنَ أُخْتِي إِنَّمَا هِيَ عَشْرُ لَيَالٍ فَإِنْ تَخَلَّجَ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ فَدَعْهُ تَعْنِي أَكْلَ لَحْمِ الصَّيْدِ قَالَ مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ الْمُحْرِمِ يُصَادُ مِنْ أَجْلِهِ صَيْدٌ، فَيُصْنَعُ لَهُ ذَلِكَ الصَّيْدُ، فَيَأْكُلُ مِنْهُ.
وَهُوَ يَعْلَمُ، أَنَّهُ مِنْ أَجْلِهِ صِيدَ: فَإِنَّ عَلَيْهِ جَزَاءَ ذَلِكَ الصَّيْدِ كُلِّهِ وَسُئِلَ مالكٌ: عَنِ الرَّجُلِ يُضْطَرُّ إِلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ.
أَيَصِيدُ الصَّيْدَ فَيَأْكُلُهُ؟ أَمْ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ؟ فَقَالَ: بَلْ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ.
وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يُرَخِّصْ لِلْمُحْرِمِ فِي أَكْلِ الصَّيْدِ، وَلَا فِي أَخْذِهِ، فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ.
وَقَدْ أَرْخَصَ فِي الْمَيْتَةِ عَلَى حَالِ الضَّرُورَةِ قَالَ مَالِكٌ:.
وَأَمَّا مَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ أَوْ ذَبَحَ مِنَ الصَّيْدِ، فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِحَلَالٍ وَلَا لِمُحْرِمٍ.
لِأَنَّهُ لَيْسَ بِذَكِيٍّ.
كَانَ خَطَأً أَوْ عَمْدًا.
فَأَكْلُهُ لَا يَحِلُّ.
وَقَدْ سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ.
وَالَّذِي يَقْتُلُ الصَّيْدَ ثُمَّ يَأْكُلُهُ، إِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.
مِثْلُ مَنْ قَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ.


( ما لا يحل للمحرم أكله من الصيد)

( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن عبيد الله) بضم العين ( ابن عبد الله) بفتحها ( ابن عتبة) بضمها ( ابن مسعود) الهذلي أحد الفقهاء ( عن عبد الله بن عباس) الحبر الترجمان ( عن الصعب بن جثامة) بفتح الجيم والمثلثة الثقيلة فألف فميم ابن قيس بن ربيعة بن عبد الله بن يعمر الليثي حليف قريش أمه أخت أبي سفيان بن حرب واسمها فاختة وقيل زينب ويقال هو أخو محلم بن جثامة وكان الصعب ينزل ودان مات في خلافة عثمان على الأصح ويقال في آخر خلافة عمر ويقال الصديق وهو غلط فقد روى ابن السكن بإسناد صالح عن راشد بن سعد قال لما فتحت اصطخر نادى منادٍ ألا إن الدجال قد خرج فقال الصعب بن جثامة لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره وفتحها في خلافة عمر وروى ابن إسحاق عن عروة قال لما ركب أهل العراق في الوليد بن عقبة أي يشكونه لعثمان كانوا خمسة منهم الصعب بن جثامة وله أحاديث وآخى صلى الله عليه وسلم بينه وبين عوف بن مالك ثم لم يختلف على مالك في إسناد هذا الحديث وأنه من مسند الصعب ووقع في موطأ ابن وهب عن ابن عباس أن الصعب فجعله من مسند ابن عباس وكذا أخرجه مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الحافظ والمحفوظ في حديث مالك الأول يعني أنه من مسند الصعب بن جثامة ( أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارًا وحشيًا) لا خلاف عن مالك أيضًا في هذا وتابعه معمر وابن جريج وعبد الرحمن بن الحارث وصالح بن كيسان والليث وابن أبي ذئب وشعيب بن أبي حمزة ويونس ومحمد بن عمرو بن علقمة كلهم قالوا حمارًا وحشيًا كما قال مالك وخالفهم سفيان بن عيينة عن الزهري فقال أهديت له من لحم حمار وحش رواه مسلم وله عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رجل حمار وحش وله عن شعبة عن الحكم عجز حمار وحش يقطر دمًا وفي أخرى له شق حمار وحش فهذه الروايات صريحة في أنه عقير وأنه إنما أهدى بعضه لا كله ولا معارضة بين رجل وعجز وشق لأنه يحمل على أنه أهدى رجلاً معها الفخذ وبعض جانب الذبيحة فمنهم من رجح رواية مالك وموافقيه قال الشافعي في الأم حديث مالك أن الصعب أهدى حمارًا أثبت من حديث من روى أنه أهدى لحم حمار وقال الترمذي روى بعض أصحاب الزهري في حديث الصعب لحم حمار وحش وهو غير محفوظ وقال البيهقي كان ابن عيينة يضطرب فيه فرواية العدد الذين لم يشكوا فيه أولى وقد قال ابن جريج قلت لابن شهاب الحمار عقير قال لا أدري ومنهم من جمع بحمل رواية أهدى حمارًا على أنه من إطلاق اسم الكل على البعض ويمتنع عكسه إذ إطلاق الرجل على كل الحيوان غير معهود إذ لا يطلق على زيد أصبع ونحوه إذ شرط إطلاق اسم البعض على الكل التلازم كالرقبة على الإنسان والرأس فإنه لا إنسان دونهما بخلاف نحو الرجل والظفر وقال القرطبي يحتمل أن الصعب أحضر الحمار مذبوحًا ثم قطع منه عضوًا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فقدمه له فمن قال أهدى حمارًا أراد بتمامه مذبوحًا لا حيًا ومن قال لحم حمار أراد ما قدمه للنبي صلى الله عليه وسلم قال ويحتمل أنه أحضره له حيًا فلما رده عليه ذكاه وأتاه بعضو منه ظنًا منه أنه إنما رده لمعنى يختص بجملته فأعلمه بامتناعه أن حكم الجزء حكم الكل انتهى وهذا الجمع قريب وفيه إبقاء اللفظ على المتبادر منه الذي ترجم عليه البخاري إذا أهدي للمحرم حمارًا وحشيًا حيًا لم يقبل مع أنه لم يقل في الحديث حيًا فكأنه فهمه من قوله حمارًا وفي التمهيد قال إسماعيل سمعت سليمان بن حرب يتأول الحديث على أنه صيد من أجله صلى الله عليه وسلم ويدل عليه قوله فرده يقطر دمًا كأنه صيد في ذلك الوقت ولولا ذلك لجاز أكله قال إسماعيل وإنما تأول رواية لحم حمار لاحتياجها للتأويل فأما رواية حمار وحش فلا تحتاج لتأويل لأن المحرم لا يجوز له مسك صيد حيًا ولا يذكيه وعلى هذا التأويل تتفق الأحاديث ( وهو بالأبواء) بفتح الهمزة وسكون الموحدة والمد جبل بينه وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً سمي بذلك لتبوئ السيول به لا لما فيه من الوباء إذ لو كان كذلك لقيل الأوباء أو هو مقلوب منه ( أو بودان) بفتح الواو وشد الدال المهملة فألف فنون موضع قرب الجحفة أو قرية جامعة أقرب إلى الجحفة من الأبواء بينهما ثمانية أميال والشك من الراوي وجزم ابن إسحاق وصالح بن كيسان عن الزهري بودان وجزم معمر وعبد الرحمن بن إسحاق ومحمد بن عمرو بالأبواء ( فرده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي رد الحمار على الصعب واتفقت الروايات كلها على رده إلا ما رواه ابن وهب والبيهقي من طريقه بإسناد حسن عن عمرو بن أمية أن الصعب أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم عجز حمار وحش وهو بالجحفة فأكل منه وأكل القوم قال البيهقي إن كان هذا محفوظًا فلعله رد الحي وقيل اللحم قال الحافظ وفيه نظر فإن كانت الطرق كلها محفوظة فلعله رده حيًا لكونه صيد لأجله ورد اللحم تارة لذلك وقيل تارة أخرى حيث علم أنه لم يصد لأجله وقد قال الشافعي إن كان الصعب أهدى حمارًا حيًا فليس للمحرم أن يذبح حمارًا وحشيًا حيًا وإن كان أهدى لحمًا فيحتمل أن يكون علم أنه صيد له ونقل الترمذي عن الشافعي أنه رده لظنه أنه صيد من أجله فتركه على وجه التنزه ويحتمل أن يحمل القبول المذكور في حديث عمرو بن أمية على حال رجوعه صلى الله عليه وسلم من مكة ويؤيده أنه جازم فيه بوقوع ذلك في الجحفة وفي غيرها من الروايات بالأبواء أو بودان ( فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في وجهه) من الكراهة لما حصل له من الكسر برد هديته ( قال) تطييبًا لقلبه ( إنا) بكسر الهمزة لوقوعها في الابتداء ( لم نرده) بفتح الدال رواه المحدثون وقال محققو النحاة إنه غلط والصواب ضم الدال كآخر المضاعف من كل مضاعف مجزوم اتصل به ضمير المذكر مراعاة للواو التي توجبها ضمة الهاء بعدها لخفاء الهاء فكأن ما قبلها ولي الواو ولا يكون ما قبل الواو إلا مضمومًا هذا في المذكر أما المؤنث مثل ردها فمفتوح الدال مراعاة للألف ذكره عياض وغيره وجوز الكسر وهو ضعيف أضعف من الفتح وإن أوهم ثعلب فصاحة الفتح وقد غلطوه لأنه ذكره في الفصيح ولم ينبه على ضعفه ( عليك) لعلة من العلل ( إلا أنا) بفتح الهمزة أي لأجل أنا ( حرم) بضم الحاء والراء جمع حرام والحرام المحرم أي محرمون وتمسك بظاهره من حرم لحم الصيد على المحرم مطلقًا صاده المحرم أو صاده حل له أو لم يقصده به وقال به علي وابن عمر وابن عباس لأنه صلى الله عليه وسلم علل رده بأنه محرم ولم يقل بأنك صدته لنا وهو ظاهر قوله تعالى { { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا } } وذهب الجمهور والأئمة الثلاثة إلى أن ما صاده حلال لنفسه ولم يقصد المحرم يجوز أكله للمحرم بخلاف ما قصد به وقال أبو حنيفة بجواز ما صيد له بلا إعانة منه واحتج الجمهور بحديث أبي قتادة السابق وحديث جابر مرفوعًا صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم الرواية يصاد بالألف على لغة كقوله ألم يأتيك وحملوا حديث الصعب على أنه قصدهم باصطياده لأنه كان عالمًا بأنه صلى الله عليه وسلم يمر به فصاده لأجله والآية الكريمة على الاصطياد وعلى لحم ما صيد للمحرم للأحاديث المذكورة المبينة للمراد من الآية وتعليله صلى الله عليه وسلم للصعب بأنه محرم لا يمنع كونه صيد له ولأنه بين الشرط الذي يحرم الصيد على الإنسان إذا صيد له وهو الإحرام وقبل حمار البهزي وفرقه على الرفاق لأنه كان يتكسب بالصيد فحمله على عادته في أنه لم يصد لأجله صلى الله عليه وسلم وفي معناه حديث أبي قتادة ودعوى نسخه لأنه كان عام الحديبية بحديث الصعب لأنه كان في حجة الوداع إنما يصار إليها إذا تعذر الجمع كيف والحديث المتأخر لا دلالة فيه على الحرمة العامة صريحًا ولا ظاهرًا حتى يعارض الأول فينسخه هذا على رواية أنه أهدى لحمًا أما على أنه أهداه حيًا فواضح فالإجماع على أنه يحرم على المحرم قبول صيد وهب له وشراؤه واصطياده واستحداث ملكه بوجه من الوجوه وأصل الإجماع الآية وحديث الصعب بناء على أنه حي وفيه كراهية رد هدية الصديق لما يقع في قلبه فإنه صلى الله عليه وسلم طيب نفسه بذكر عذر الرد وفيه رد ما لا يجوز للمهدي الانتفاع به وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به والترمذي والنسائي وابن ماجه كلهم من طريق مالك أيضًا ( مالك عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم ( عن عبد الله بن عامر بن ربيعة) العدوي مولاهم العنزي ولد على العهد النبوي وأبوه صحابي شهير ( قال رأيت عثمان بن عفان بالعرج) بفتح العين المهملة وسكون الراء وبالجيم ( وهو محرم في يوم صائف قد غطى وجهه بقطيفة) كساء له خمل ( أرجوان) بضم الهمزة والجيم بينهما راء ساكنة ثم واو مفتوحة فألف فنون صوف أحمر وذلك لأنه يرى حل تغطية الوجه للمحرم كجمع من الصحابة وغيرهم كما مر ( ثم أتي بلحم صيد فقال لأصحابه كلوا فقالوا أولا تأكل أنت فقال إني لست كهيئتكم) كصفتكم ( إنما صيد من أجلي) وأنا محرم وقد اختلف قول مالك فيما صيد لمحرم بعينه هل لغير من صيد من أجله أن يأكله من سائر من معه من المحرمين والمشهور من مذهبه عند أصحابه أنه لا يؤكل ما صيد لمحرم معين أو غير معين ولم يأخذوا بقول عثمان هذا قاله أبو عمر ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت له يا ابن أختي) أسماء ذات النطاقين ( إنما هي) أي مدة الإحرام ( عشر ليال فإن تخلج) بفتح الفوقية والخاء المعجمة واللام المشددة وجيم أي تحرك ويروى بالحاء المهملة أي دخل ( في نفسك شيء) شككت فيه ( فدعه) مخافة أن يكون إثمًا أو خطأ ( تعني) عائشة ( أكل لحم الصيد) بقولها المذكور قال أبو عمر إنما خاطبت بهذا من أحرم قبل يوم التروية أن يكف عن لحم الصيد جملة ما صاده حلال لنفسه أو لغيره فيدع ما يريبه إلى ما لا يريبه ويترك ما شك فيه وحاك في صدره ( قال مالك في الرجل المحرم يصاد من أجله صيد فيصنع له ذلك الصيد فيأكل منه وهو يعلم أن من أجله صيد فإن عليه جزاء ذلك الصيد كله) لا بقدر أكله لأن الجزاء لا يتبعض وقيل بقدر أكله وقيل لا جزاء لأن الله إنما جعله على قاتل الصيد وهذا لم يقتله ( وسئل مالك عن الرجل يضطر إلى أكل الميتة وهو محرم أيصيد الصيد فيأكله أم يأكل الميتة فقال بل يأكل الميتة و) دليل ( ذلك أن الله تبارك وتعالى لم يرخص للمحرم في أكل الصيد ولا في أخذه على حال من الأحوال) بل أطلق المنع فقال { { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } } وقال { { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } } ( وقد أرخص في الميتة على حال الضرورة) بنحو قوله تعالى { { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه } } ( قال مالك وأما ما قتل المحرم) نفسه ( أو ذبح من الصيد فلا يحل أكله لحلال ولا لمحرم لأنه ليس بذكي) أي مذكى بل ميتة سواء ( كان خطأ أو عمدًا فأكله لا يحل) لأحد ( وقد سمعت ذلك من غير واحد) من العلماء إشارة إلى أنه لم ينفرد بذلك لا تقليدًا لهم وزيادة أشهب عن مالك ممن كنت أقتدي به وأتعلم منه فمراده أنهم من شيوخه إذ المجتهد لا يقلد غيره ( والذي يقتل الصيد ثم يأكله إنما عليه كفارة) أي جزاء ( واحدة مثل من قتله ولم يأكل منه) فلا يتعدد الجزاء وبهذا قال الجمهور خلافًا لقول عطاء وطائفة إن ذبحه المحرم ثم أكله فكفارتان ولا خلاف أن من زنى مرارًا قبل الحد إنما عليه حد واحد وكذا المحرم يقتل الصيد في الحرم فيجتمع عليه حرمة الإحرام وحرمة الحرم إنما عليه جزاء واحد عند الجمهور؛ قاله أبو عمر.