فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ

رقم الحديث 844 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ، أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ،.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِصَائِمٍ.
فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ فَشَرِبَ.


( صيام يوم عرفة)

( مالك عن أبي النضر) سالم بن أمية ( مولى عمر) بضم العين ( ابن عبيد الله) بتصغير عبيد ( عن عمير) بضم العين وفتح الميم مصغرًا عمر بن عبد الله الهلال المدني ( مولى عبد الله بن عباس) وفي رواية مولى أم الفضل ولا منافاة فهذا باعتبار الأصل والأول باعتبار ما آل إليه لأنه انتقل إلى ابن عباس من أمه ولملازمته له وأخذه عنه ثقة مات سنة أربع ومائة ( عن أم الفضل) لبابة بضم اللام وخفة الموحدتين ( بنت الحارث) الهلالية أم بني العباس الستة النجباء كنيت كأبيهم باسم أكبرهم ( أن ناسًا تماروا) أي اختلفوا كما في رواية ( عندها يوم عرفة) وهم بها ( في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم) بعرفة ( فقال بعضهم هو صائم) على عادته في صيام عرفة ( وقال بعضهم ليس بصائم) لكونه مسافرًا ففيه إشعار بأن صوم يوم عرفة كان معروفًا عندهم معتادًا لهم في الحضر فمن قال صائم أخذ بما كان من عادته ومن نفاه أخذ بأنه مسافر ( فأرسلت) بضم الفوقية بلفظ المتكلم ( إليه بقدح لبن) ولم يسم الرسول بذلك نعم في النسائي عن ابن عباس ما يدل على أنه كان الرسول بذلك وفي الصحيحين عن ميمونة أم المؤمنين أنها أرسلت فيحمل على التعدد بأن يكون الأختان أرسلتا معًا أو أرسلتا قدحًا واحدًا ونسب إلى كل منهما لأن ميمونة أرسلت بسؤال أختها أم الفضل لها ذلك لكشف الحال أو عكسه وفيه التحيل على الاطلاع على الحكم بغير سؤال وفطنة المرسلة لاستكشافها عن الحكم الشرعي بهذه الوسيلة اللطيفة اللائقة بالحال لأن ذلك كان في يوم حار بعد الظهيرة ( وهو واقف على بعيره) هذا هو الصواب المذكور في الأصول الصحيحة خلاف ما في نسخ سقيمة على بعير له وإن صح المعنى لكن المدار على الرواية ( فشرب) زاد في حديث ميمونة والناس ينظرون وفي رواية أبي نعيم وهو يخطب الناس بعرفة أي ليراه الناس ويعلمون أنه مفطر لأن العيان أقوى من الخبر ففطر يوم عرفة للحاج أفضل من صومه لأنه الذي اختاره صلى الله عليه وسلم لنفسه وللتقوى على عمل الحج ولما فيه من العون على الاجتهاد في الدعاء والتضرع المطلوب في ذلك الموضع ولذا قال الجمهور يستحب فطره للحاج وإن كان قويًا ثم اختلفوا هل صومه مكروه وصححه المالكية أو خلاف الأولى وصححه الشافعية وتعقب بأن فعله المجرد لا يدل على عدم استحباب صومه إذ قد يتركه لبيان الجواز ويكون في حقه أفضل لمصلحة التبليغ وأجيب بأنه قد روى أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة والحاكم عن أبي هريرة قال نهى صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفة وأخذ بظاهره قوم منهم يحيى بن سعيد الأنصاري فقال يجب فطره للحاج والجمهور على استحبابه حتى قال عطاء كل من أفطره ليتقوى به على الذكر كان له مثل أجر الصائم وفي الحديث قبول الهدية من القرابة والأصهار وترك السؤال عما وجد بأيدي الفضلاء لأنه صلى الله عليه وسلم شرب ولم يسأل هل هو من مالها أو من مال العباس زوجها وقد يكون هذا مما أذن للنساء في التصرف فيه أو علم أن العباس يسر بذلك وفيه أن الوقوف راكبًا أفضل وإليه ذهب الجمهور لأنه صلى الله عليه وسلم وقف راكبًا وفي حديث جابر عند مسلم ثم ركب إلى الموقف فلم يزل واقفًا حتى غربت الشمس ومن حيث النظر أن في الركوب عونًا على الاجتهاد في الدعاء والتضرع المطلوب حينئذ كما ذكروا مثله في الفطر وذهب آخرون إلى أن استحباب الركوب يختص بمن يحتاج الناس إلى التعلم منه وقيل هما سواء وفيه أن الوقوف على ظهر الدواب مباح إذا لم يجحف بها وذلك مستثنى من النهي عن اتخاذ ظهورها منابر أو محمول على ما إذا أجحف بها لا مطلقًا وأخرجه البخاري هنا عن القعنبي وفي الصيام عن التنيسي ويحيى القطان ومسلم في الصوم عن يحيى التميمي الأربعة عن مالك به وتابعه سفيان بن عيينة في الصحيحين وعمرو بن الحارث وسفيان الثوري عند مسلم الثلاثة عن أبي النضر به ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن القاسم بن محمد أن) عمته ( عائشة كانت تصوم يوم عرفة) وهي حاجة لأنها كانت لا ترى استحباب فطره ( قال القاسم ولقد رأيتها عشية عرفة يدفع الإمام ثم تقف) هي ( حتى يبيض ما بينها وبين الناس من الأرض) لخلوها بذهابهم ( ثم تدعو بشراب) ما ( فتفطر) عليه قال مالك إنما أرادت أن يخلو لها الموضع من الناس ولا يرى شيء منها غير فطرها ولم ترد بها شيئًا من طلوع قمر ولا غيره قال والدفع مع الناس أحب إلي يريد لمن لا عذر له كعذر عائشة فالأحب ما فعلت لأن الناس يقتدون بها ولا يعلمون العذر كذا قاله البوني وكذا روي عن عبد الله بن الزبير أنه كان يصومه وعثمان بن أبي العاصي وابن راهويه وقال قتادة لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء وقال عطاء أصومه في الشتاء ولا أصومه في الصيف أي لئلا يضعفه مع الحر عن الدعاء وروى ابن عبد البر عن ابن عمر قال حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر ومع عمر ومع عثمان فكلهم كان لا يصومه وأنا لا أصومه.



رقم الحديث 845 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ عَرَفَةَ، قَالَ الْقَاسِمُ: وَلَقَدْ رَأَيْتُهَا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، يَدْفَعُ الْإِمَامُ ثُمَّ تَقِفُ حَتَّى يَبْيَضَّ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ مِنَ الْأَرْضِ، ثُمَّ تَدْعُو بِشَرَابٍ فَتُفْطِرُ.


( صيام يوم عرفة)

( مالك عن أبي النضر) سالم بن أمية ( مولى عمر) بضم العين ( ابن عبيد الله) بتصغير عبيد ( عن عمير) بضم العين وفتح الميم مصغرًا عمر بن عبد الله الهلال المدني ( مولى عبد الله بن عباس) وفي رواية مولى أم الفضل ولا منافاة فهذا باعتبار الأصل والأول باعتبار ما آل إليه لأنه انتقل إلى ابن عباس من أمه ولملازمته له وأخذه عنه ثقة مات سنة أربع ومائة ( عن أم الفضل) لبابة بضم اللام وخفة الموحدتين ( بنت الحارث) الهلالية أم بني العباس الستة النجباء كنيت كأبيهم باسم أكبرهم ( أن ناسًا تماروا) أي اختلفوا كما في رواية ( عندها يوم عرفة) وهم بها ( في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم) بعرفة ( فقال بعضهم هو صائم) على عادته في صيام عرفة ( وقال بعضهم ليس بصائم) لكونه مسافرًا ففيه إشعار بأن صوم يوم عرفة كان معروفًا عندهم معتادًا لهم في الحضر فمن قال صائم أخذ بما كان من عادته ومن نفاه أخذ بأنه مسافر ( فأرسلت) بضم الفوقية بلفظ المتكلم ( إليه بقدح لبن) ولم يسم الرسول بذلك نعم في النسائي عن ابن عباس ما يدل على أنه كان الرسول بذلك وفي الصحيحين عن ميمونة أم المؤمنين أنها أرسلت فيحمل على التعدد بأن يكون الأختان أرسلتا معًا أو أرسلتا قدحًا واحدًا ونسب إلى كل منهما لأن ميمونة أرسلت بسؤال أختها أم الفضل لها ذلك لكشف الحال أو عكسه وفيه التحيل على الاطلاع على الحكم بغير سؤال وفطنة المرسلة لاستكشافها عن الحكم الشرعي بهذه الوسيلة اللطيفة اللائقة بالحال لأن ذلك كان في يوم حار بعد الظهيرة ( وهو واقف على بعيره) هذا هو الصواب المذكور في الأصول الصحيحة خلاف ما في نسخ سقيمة على بعير له وإن صح المعنى لكن المدار على الرواية ( فشرب) زاد في حديث ميمونة والناس ينظرون وفي رواية أبي نعيم وهو يخطب الناس بعرفة أي ليراه الناس ويعلمون أنه مفطر لأن العيان أقوى من الخبر ففطر يوم عرفة للحاج أفضل من صومه لأنه الذي اختاره صلى الله عليه وسلم لنفسه وللتقوى على عمل الحج ولما فيه من العون على الاجتهاد في الدعاء والتضرع المطلوب في ذلك الموضع ولذا قال الجمهور يستحب فطره للحاج وإن كان قويًا ثم اختلفوا هل صومه مكروه وصححه المالكية أو خلاف الأولى وصححه الشافعية وتعقب بأن فعله المجرد لا يدل على عدم استحباب صومه إذ قد يتركه لبيان الجواز ويكون في حقه أفضل لمصلحة التبليغ وأجيب بأنه قد روى أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة والحاكم عن أبي هريرة قال نهى صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفة وأخذ بظاهره قوم منهم يحيى بن سعيد الأنصاري فقال يجب فطره للحاج والجمهور على استحبابه حتى قال عطاء كل من أفطره ليتقوى به على الذكر كان له مثل أجر الصائم وفي الحديث قبول الهدية من القرابة والأصهار وترك السؤال عما وجد بأيدي الفضلاء لأنه صلى الله عليه وسلم شرب ولم يسأل هل هو من مالها أو من مال العباس زوجها وقد يكون هذا مما أذن للنساء في التصرف فيه أو علم أن العباس يسر بذلك وفيه أن الوقوف راكبًا أفضل وإليه ذهب الجمهور لأنه صلى الله عليه وسلم وقف راكبًا وفي حديث جابر عند مسلم ثم ركب إلى الموقف فلم يزل واقفًا حتى غربت الشمس ومن حيث النظر أن في الركوب عونًا على الاجتهاد في الدعاء والتضرع المطلوب حينئذ كما ذكروا مثله في الفطر وذهب آخرون إلى أن استحباب الركوب يختص بمن يحتاج الناس إلى التعلم منه وقيل هما سواء وفيه أن الوقوف على ظهر الدواب مباح إذا لم يجحف بها وذلك مستثنى من النهي عن اتخاذ ظهورها منابر أو محمول على ما إذا أجحف بها لا مطلقًا وأخرجه البخاري هنا عن القعنبي وفي الصيام عن التنيسي ويحيى القطان ومسلم في الصوم عن يحيى التميمي الأربعة عن مالك به وتابعه سفيان بن عيينة في الصحيحين وعمرو بن الحارث وسفيان الثوري عند مسلم الثلاثة عن أبي النضر به ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن القاسم بن محمد أن) عمته ( عائشة كانت تصوم يوم عرفة) وهي حاجة لأنها كانت لا ترى استحباب فطره ( قال القاسم ولقد رأيتها عشية عرفة يدفع الإمام ثم تقف) هي ( حتى يبيض ما بينها وبين الناس من الأرض) لخلوها بذهابهم ( ثم تدعو بشراب) ما ( فتفطر) عليه قال مالك إنما أرادت أن يخلو لها الموضع من الناس ولا يرى شيء منها غير فطرها ولم ترد بها شيئًا من طلوع قمر ولا غيره قال والدفع مع الناس أحب إلي يريد لمن لا عذر له كعذر عائشة فالأحب ما فعلت لأن الناس يقتدون بها ولا يعلمون العذر كذا قاله البوني وكذا روي عن عبد الله بن الزبير أنه كان يصومه وعثمان بن أبي العاصي وابن راهويه وقال قتادة لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء وقال عطاء أصومه في الشتاء ولا أصومه في الصيف أي لئلا يضعفه مع الحر عن الدعاء وروى ابن عبد البر عن ابن عمر قال حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر ومع عمر ومع عثمان فكلهم كان لا يصومه وأنا لا أصومه.