فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّحْرِ فِي الْحَجِّ

رقم الحديث 892 وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: لَا يَشْتَرِكُ الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ فِي بَدَنَةٍ وَاحِدَةٍ.
لِيُهْدِ كُلُّ وَاحِدٍ بَدَنَةً بَدَنَةً وَسُئِلَ مَالِكٌ: عَمَّنْ بُعِثَ مَعَهُ بِهَدْيٍ يَنْحَرُهُ فِي حَجٍّ، وَهُوَ مُهِلٌّ بِعُمْرَةٍ.
هَلْ يَنْحَرُهُ إِذَا حَلَّ؟ أَمْ يُؤَخِّرُهُ حَتَّى يَنْحَرَهُ فِي الْحَجِّ وَيُحِلُّ هُوَ مِنْ عُمْرَتِهِ؟ فَقَالَ: بَلْ يُؤَخِّرُهُ حَتَّى يَنْحَرَهُ فِي الْحَجِّ، وَيُحِلُّ هُوَ مِنْ عُمْرَتِهِ قَالَ مَالِكٌ: وَالَّذِي يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْهَدْيِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ، أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ هَدْيٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ.
فَإِنَّ هَدْيَهُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِمَكَّةَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: { { هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ } } وَأَمَّا مَا عُدِلَ بِهِ الْهَدْيُ مِنَ الصِّيَامِ أَوِ الصَّدَقَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِغَيْرِ مَكَّةَ حَيْثُ أَحَبَّ صَاحِبُهُ أَنْ يَفْعَلَهُ فَعَلَهُ.


( جامع الهدي)

( مالك عن صدقة بن يسار) بفتح التحتية والمهملة الخفيفة الجرزي ( المكي) نزيل مكة مات سنة اثنين وثلاثين ومائة ( أن رجلاً من أهل اليمن جاء إلى عبد الله بن عمر وقد ضفر رأسه) بفتح المعجمة والفاء الخفيفة ( فقال يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن عمر ( إني قدمت بعمرة منفردة فقال عبد الله بن عمر لو كنت معك أو سألتني لأمرتك أن تقرن) بضم الراء وكسرها أي لأعلمتك بإباحة ذلك وأن القران مثل التمتع ( فقال اليماني قد كان ذلك) الذي أخبرتك من التمتع قال أبو عبد الملك معناه قد فاتني الذي تقول لأني طفت وسعيت للعمرة فماذا علي الحلاق أو التقصير ( فقال عبد الله بن عمر خذ ما تطاير) أي ارتفع ( من) شعر ( رأسك) أي قصر ( وأهد) للتمتع ( فقالت امرأة من أهل العراق ما هديه) بفتح فسكون فتحتية خفيفة وبكسر الدال وشد التحتية قال أبو عمر هو أولى لأنه مما يهدى لله تعالى ( يا أبا عبد الرحمن فقال هديه فقالت له ما هديه) بالتثقيل والتخفيف فيهما أيضًا واحدة الهدي ما يهدى إلى الحرم من النعم بالتثقيل والخفة أيضًا وقيل المثقل جمع المخفف أجمل الهدي أولاً وثانيًا رجاء أنه يأخذ بالأفضل فلما اضطر للكلام صرح ( فقال عبد الله بن عمر لو لم أجد إلا أن أذبح شاة لكان أحب إلي من أن أصوم) وهذا لا يخالف قوله أولاً ما استيسر من الهدي بدنة أو بقرة إما لأنه رجع عنه أو لأنه قيد بعدم الوجود فمن وجد البقرة أو البدنة فهو أفضل له قال أبو عمر هذا أصح من رواية من روى عن ابن عمر الصيام أحب إلي من الشاة لأنه معروف من مذهب ابن عمر تفضيل إراقة الدماء في الحج على سائر الأعمال ( مالك عن نافع أن ابن عمر كان يقول المرأة المحرمة) بحج أو عمرة ( إذا حلت) من إحرامها ( لم تمتشط) تسرح شعرها ( حتى تأخذ من قرون رأسها) للتحلل بذلك ( وإن كان لها هدي لم تأخذ من شعر رأسها شيئًا حتى تنحر هديها) لقوله تعالى { { ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله } } ( مالك أنه سمع بعض أهل العلم يقول لا يشترك الرجل وامرأته في بدنة واحدة لينحر كل منهما بدنة بدنة) بالتكرير وبه قال مالك وأجاز الأكثر الاشتراك في الهدي لحديث أبي داود والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح عمن اعتمر من نسائه بقرة بينهن ويأتي لذلك مزيد قريبًا ( وسئل مالك عمن بعث معه بهدي ينحره في حج وهو) أي المبعوث معه ( مهل بعمرة هل ينحره إذا حل) من العمرة ( أم يؤخره حتى ينحره في الحج ويحل هو من عمرته) قبل نحره ( فقال بل يؤخره حتى ينحره في الحج) لقوله تعالى { { ثم محلها إلى البيت العتيق } } وقال { { هديًا بالغ الكعبة } } أي يوم النحر وسائر أيام منى ( ويحل هو من عمرته) قبل نحره لأنه ليس له فلا ارتباط له بعمرته ( قال مالك والذي يحكم عليه بالهدي في قتل الصيد أو يجب عليه هدي في غير ذلك) كتمتع وقران ( فإن هديه لا يكون إلا بمكة كما قال تعالى { { هديًا بالغ الكعبة } } ) ويستحب المروة وليس المراد نفس الكعبة للإجماع على أنه لا يجوز ذبح ولا نحر فيها ولا في المسجد ( فأما ما عدل به الهدي من الصيام أو الصدقة فإن ذلك يكون بغير مكة حيث أحب صاحبه أن يفعله فعله) لأنه لا نفع في الصيام لأهل مكة ولا أهل الحرم وعلى هذا اتفق العلماء واختلفوا في الصدقة ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن يعقوب بن خالد المخزومي عن أبي أسماء مولى عبد الله بن جعفر) الصحابي ابن الصحابي الجواد ابن الجواد ( أنه أخبره أنه كان مع عبد الله بن جعفر فخرج معه من المدينة فمروا على حسين بن علي) بن أبي طالب ( وهو مريض بالسقيا) بضم السين المهملة وإسكان القاف وتحتية والقصر ( فأقام عليه عبد الله بن جعفر حتى إذا خاف الفوات) للحج ( خرج وبعث إلى علي بن أبي طالب وأسماء بنت عميس) بضم العين الصحابية زوجة علي يومئذ ( وهما بالمدينة فقدما عليه ثم إن حسينا أشار إلى رأسه) يشكو وجعه ( فأمر علي برأسه فحلق ثم نسك عنه بالسقيا فنحر عنه بعيرًا) كما قال تعالى { { أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } } ( قال يحيى بن سعيد وكان حسين خرج مع عثمان بن عفان) أمير المؤمنين ( في سفره ذلك إلى مكة) ولم يخرج أبوه علي.



رقم الحديث 892 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بِمِنًى: هَذَا الْمَنْحَرُ وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ،.

     وَقَالَ  فِي الْعُمْرَةِ: هَذَا الْمَنْحَرُ يَعْنِي الْمَرْوَةَ وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ وَطُرُقِهَا مَنْحَرٌ.


( ما جاء في النحر في الحج)

( مالك أنه بلغه) وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم عن جابر ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بمنى هذا) المكان الذي نحرت فيه ( المنحر) الأفضل ( وكل منى منحر) يجوز النحر فيه زاد في حديث جابر فانحروا في رحالكم وهو أمر إباحة لا إيجاب ولا ندب قال ابن التين منحر النبي صلى الله عليه وسلم عند الجمرة الأولى التي تلي المسجد قال الحافظ وكأنه أخذه مما رواه الفاكهي من طريق ابن جريج عن طاوس قال كان منزل النبي صلى الله عليه وسلم بمنى عن يسار المصلى قال وقال غير طاوس من أشياخنا مثله وزاد فأمر بنسائه أن ينزلن حيث الدار بمنى وأمر الأنصار أن ينزلوا بالشعب وراء الدار قلت والشعب عند الجمرة المذكورة قال ابن التين فللنحر فيه فضيلة على غيره لقوله هذا المنحر وكل منى منحر ( وقال في العمرة هذا المنحر) الأفضل ( يعني المروة) بيان لاسم الإشارة ( وكل فجاج مكة) بكسر الفاء وجيمين جمع فج بفتح الفاء وهو الطريق الواسع بين الجبلين ( وطرقها منحر) يجوز النحر فيها قال أبو عبد الملك يريد كل ما قارب بيوت مكة من فجاجها وطرقها منحر وما تباعد من البيوت فليس بمنحر ( مالك عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري ( قال أخبرتني عمرة بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة الأنصارية ( أنها سمعت عائشة أم المؤمنين تقول خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) من المدينة سنة عشر من الهجرة ( لخمس ليال بقين من ذي القعدة) بفتح القاف وكسرها سمي بذلك لأنهم كانوا يقعدون فيه عن القتال ومثل هذا التاريخ في حديث ابن عباس عند البخاري واحتج به ابن حزم على أن خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة كان يوم الخميس قال لأن أول ذي الحجة كان يوم الخميس بلا شك لأن الوقفة كانت يوم الجمعة بلا خلاف وظاهر قوله يقتضي أن خروجه من المدينة يوم الجمعة بناء على ترك عد يوم الخروج وقد ثبت في الصحيح من حديث أنس أنه صلى الظهر بالمدينة أربعًا فبان أنه لم يكن يوم الجمعة فتعين أنه يوم الخميس بإلغاء يوم الخروج وتعقبه ابن القيم بأن المتعين أن يكون يوم السبت بناء على عد يوم الخروج أو على ترك عده ويكون ذو القعدة تسعًا وعشرين يومًا وأيده الحافظ بما رواه ابن سعد والحاكم في الإكليل أن خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة كان يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة وفيه رد على منع إطلاق القول في التاريخ لئلا يكون الشهر ناقصًا فلا يصح الكلام فيقول مثلاً إن بقين بأداة الشرط ووجه الجواز أن الإطلاق يكون على الغالب ( ولا نرى) بضم النون أي نظن ( إلا أنه الحج) لأنهم كانوا لا يعرفون العمرة في أشهر الحج وفي البخاري رواية أبي الأسود عن عروة عنها مهلين بالحج ولمسلم من طريق القاسم عنها لا نذكر إلا الحج وله من هذا الوجه لبينا بالحج فظاهره أن عائشة مع غيرها من الصحابة كانوا أولا محرمين بالحج لكن في رواية عروة السابقة في الموطأ فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحجة وعمرة ومنا من أهل بالحج فيحمل الأول على أنها ذكرت ما كانوا يعهدونه من ترك الاعتمار في أشهر الحج فخرجوا لا يعرفون إلا هو ثم بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم وجوه الإحرام وجواز العمرة في أشهر الحج تقدم مزيد لذلك ( فلما دنونا) قربنا ( من مكة) بسرف كما جاء عن عائشة أو بعد طوافهم بالبيت وسعيهم كما في رواية جابر ويحتمل تكريره الأمر بذلك مرتين في الموضعين وأن العزيمة كانت آخرًا حين أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة ( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة أن يحل) بفتح أوله وكسر ثانيه أي يصير حلالاً بأن يتمتع وهذا فسخ الحج إلى العمرة والأكثر على أنه خاص بالصحابة تلك السنة خاصة أو منسوخ ( قالت عائشة فدخل) بضم الدال وكسر الخاء مبني للمجهول ( علينا يوم النحر) بالنصب ظرفًا أي في يوم النحر ( بلحم بقر فقلت ما هذا فقالوا نحر) وللبخاري ومسلم من رواية سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد ذبح ( رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه) ففيه دلالة على جواز ذبح البقر واتفق عليه العلماء إلا أن الذبح يستحب عندهم لقوله تعالى { { إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة } } وخالف الحسن بن صالح فاستحب نحرها وأخذ من الاستفهام عن اللحم أنه لم يستأذنهن في ذلك إذ لو كان بعلمها لم تحتج إلى الاستفهام لكن لا يدفع ذلك احتمال أنه استأذنهن ولما رأت اللحم احتمل عندها أنه الذي وقع فيه الاستئذان وأنه غيره فاستفهمت عنه لذلك قال ابن بطال أخذ بظاهره جماعة فأجازوا الاشتراك في الهدي ولا حجة فيه لاحتمال أن يكون عن كل واحدة بقرة وأما رواية يونس عن الزهري عن عمرة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر عن أزواجه بقرة واحدة فقال إسماعيل القاضي تفرد يونس بذلك وقد خالفه غيره قال الحافظ ورواية يونس أخرجها النسائي وأبو داود وغيرهما ويونس ثقة حافظ وقد تابعه معمر عند النسائي ولفظه أصرح من لفظ يونس قال ما ذبح عن آل محمد في حجة الوداع إلا بقرة وللنسائي أيضًا من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن اعتمر من نسائه في حجة الوداع بقرة بينهن صححه الحاكم وهو شاهد قوي لرواية الزهري وأما ما رواه عمار الدهني عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت ذبح عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حجنا بقرة بقرة أخرجه النسائي أيضًا فهو شاذ مخالف لما تقدم انتهى ولا شذوذ فإن عمار الدهني بضم الدال المهملة وسكون الهاء ونون ثقة صدوق روى له مسلم وأصحاب السنن فزيادته مقبولة فإنه قد حفظ ما لم يحفظ غيره وزيادته ليست مخالفة لغيره فإن قول معمر ما ذبح إلا بقرة المراد بها جنس بقرة أي لا بعير ولا غنم فلا ينافي الرواية الصريحة أنه عن كل واحدة بقرة فمن شرط الشذوذ أن يتعذر الجمع وقد أمكن فلا تأييد فيها لرواية يونس التي حكم إسماعيل القاضي بشذوذها لأنه انفرد بقوله واحدة وحديث أبي هريرة لا شاهد فيه فضلاً عن قوته إذ قوله ذبح بقرة بينهن لا صراحة فيه أنه لم يذبح سواها وإن كان ظاهره ذلك فتعارضه الرواية الصريحة في التعدد وقد رواه البخاري في الأضاحي ومسلم أيضًا من طريق ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم بلفظ ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر وأخرجه مسلم أيضًا من طريق عبد العزيز الماجشون عن عبد الرحمن لكن بلفظ أهدى بدل ضحى قال الحافظ والظاهر أن التصرف من الرواة لأنه ثبت في الحديث ذكر النحر فحمله بعضهم على الأضحية لكن رواية أبي هريرة صريحة في أنه كان عمن اعتمر من نسائه فقويت رواية من رواه بلفظ أهدى وتبين أنه هدي للتمتع فلا حجة فيه على مالك في قوله لا ضحايا على أهل منى قيل وفيه دلالة على أن الإنسان قد يلحقه من عمل غيره ما عمله عنه بغير أمره ولا علمه وتعقب باحتمال الاستئذان كما مر وفيه جواز الأكل من الهدي ( قال يحيى بن سعيد فذكرت هذا الحديث) الذي أخبرتني به عمرة ( للقاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق ( فقال أتتك) عمرة ( والله بالحديث على وجهه) أي ساقته لك سياقًا تامًا لم تختصر منه شيئًا وكأنه يشير إلى روايته هو عن عائشة فإنها مختصرة كما تقدمت الإشارة إليها ورواه البخاري هنا عن عبد الله بن يوسف وفي الجهاد عن القعنبي والترمذي والنسائي وابن ماجه من طريق ابن القاسم ثلاثتهم عن مالك به وتابعه سليمان بن بلال في الصحيحين وعبد الوهاب الثقفي وسفيان عن مسلم ويحيى القطان ويحيى بن أبي زائدة عند أصحاب السنن خمستهم عن يحيى بن سعيد به ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر عن) أخته ( حفصة أم المؤمنين أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأن) أي أمر وحال ( الناس حلوا) هكذا ليحيى الليثي النيسابوري وابن بكير والقعنبي وأبي مصعب وغيرهم وزاد التنيسي وإسماعيل بن أبي أويس وابن وهب بعمرة والمعنى واحد عند أهل العلم قاله ابن عبد البر أي أن إحرامهم بعمرة كان سببًا لسرعة حلهم ( ولم تحلل) بفتح أوله وكسر ثالثه ( أنت من عمرتك فقال إني لبدت رأسي) بفتح اللام والموحدة الثقيلة من التلبيد وهو جعل شيء فيه من نحو صمغ ليجتمع الشعر ولا يدخل فيه قمل ( وقلدت هديي) علقت شيئًا في عنقه ليعلم ( فلا أحل) بفتح الهمزة وكسر الحاء والرفع من إحرامي ( حتى أنحر) الهدي واحتج به أبو حنيفة وأحمد ومن وافقهما على أن من ساق الهدي لا يحل من العمرة حتى يهل بالحج ويفرغ منه لأنه جعل علة بقائه على إحرامه كونه أهدى وكذا في حديث جابر في الصحيحين وأخبرهم أنه لا يحل حتى ينحر الهدي والأحاديث بذلك متظافرة وأجاب بعض المالكية والشافعية بأن السبب في عدم تحلله من العمرة كونه أدخلها على الحج وهو مشكل عليه لأنه يقول إنه صلى الله عليه وسلم أفرد الحج وقال بعض العلماء ليس لمن قال كان مفردًا عن هذا الحديث انفصال لأنه إن قال به أشكل عليه بتعليله عدم التحلل بسوق الهدي لأن التحلل يمتنع على من كان قارنا عنده وجنح الأصيلي وغيره إلى توهيم مالك في قوله ولم تحلل أنت من عمرتك وأنه لم يقله أحد في حديث حفصة غيره وتعقبه ابن عبد البر على تقدير تسليم انفراده بأنها زيادة حافظ فيجب قبولها على أنه لم ينفرد فقد تابعه أيوب وعبيد الله بن عمر وهما مع مالك حفاظ أصحاب نافع انتهى ورواية عبيد الله عن مسلم وأخرجه البخاري عن موسى بن عقبة ومسلم عن ابن جريج والبيهقي عن شعيب بن أبي حمزة ثلاثتهم عن نافع بدونها وفي رواية عبيد الله عند الشيخين فلا أحل حتى أحل من الحج ولا تنافي هذه رواية مالك لأن القارن لا يحل من العمرة ولا من الحج حتى ينحر فلا حجة فيه لمن قال أنه صلى الله عليه وسلم كان متمتعًا لأن قول حفصة ولم تحلل من عمرتك وقوله حتى أحل من الحج ظاهر في أنه كان قارنًا وأجاب الإمام الشافعي بأن معنى قولها من عمرتك من إحرامك الذي ابتدأته معهم بنية واحدة بدليل قوله لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة أي فأطلقت اسم العمرة على الإحرام بنية الحجة الواحدة تجوزا وقيل معناه ولم تحلل من حجك بعمرة كما أمرت أصحابك ومن تأتي بمعنى الباء كقوله تعالى { { يحفظونه من أمر الله } } أي بأمره والتقدير ولم تحلل أنت بعمرة من إحرامك وقيل ظنت أنه فسخ حجه بعمرة كما صنع أصحابه بأمره فقالت لم لم تحلل أنت أيضًا من عمرتك وقيل المراد بالعمرة هنا الحج لأنهما يشتركان في كونهما قصدًا وجزم به المنذري وأيده بأنه روى حلوا ولم تحلل أنت من حجك وهذا نحو جواب الشافعي وضعفت هذه التأويلات بما في الصحيح عن عمر مرفوعًا وقل عمرة في حجة وعن أنس ثم أهل بحج وعمرة ولمسلم عن عمران بن حصين جمع بين حجة وعمرة ولأبي داود والنسائي عن البراء مرفوعًا إني سقت الهدي وقرنت وللنسائي من حديث علي مثله ولأحمد عن سراقة أنه صلى الله عليه وسلم قرن في حجة الوداع وله عن طلحة وللدارقطني عن أبي سعيد وأبي قتادة والبزار عن ابن أبي أوفى أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الحج والعمرة وأجاب البيهقي عن هذه الأحاديث وغيرها نصرة لمن قال كان مفردًا فنقل عن سليمان بن حرب أن رواية أبي قتادة عن أنس أنه سمعهم يصرخون بهما جميعًا أثبت من رواية من روى عنه أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الحج والعمرة ثم تعقبه بأن قتادة وغيره من الحفاظ رووه عن أنس كذلك فالاختلاف فيه على أنس نفسه قال فلعله سمع النبي صلى الله عليه وسلم يعلم غيره كيف يهل بالقران فظن أنه أهل عن نفسه وأجاب عن حديث حفصة بما تقدم عن الشافعي وعن حديث عمر بأن جماعة رووه بلفظ صل في هذا الوادي وقال عمرة في حجة وهؤلاء أكثر عددًا ممن رواه وقل فقال ذلك ليكون إذنًا في القران لا أمرًا للنبي صلى الله عليه وسلم في حال نفسه وعن حديث عمران بأن المراد إذنه لأصحابه في القران بدليل روايته الأخرى أنه صلى الله عليه وسلم تمتع فإن مراده بكل ذلك إذنه وعن حديث البراء بأنه ساقه في قصة علي وقد رواها أنس يعني في الصحيحين وجابر في مسلم وليس فيها لفظ وقرنت وأجاب عن باقيها بما حاصله أنه أذن في ذلك لا أنه فعله في نفسه وقال الخطابي اختلفت الرواية فيما كان صلى الله عليه وسلم به محرمًا والراجح أنه أفرد الحج وأن كلاً أضاف إليه ما أمره به اتساعًا وهذا هو المشهور عند المالكية والشافعية ومر له مزيد وقال النووي الصواب أنه كان قارنًا ويؤيده أنه لم يعتمر في تلك السنة بعد الحج ولا شك أن القران أفضل من الإفراد الذي لم يعتمر في سنته ولم يقل أحد أن الحج وحده أفضل من القران وتعقبه الحافظ بأن الخلاف ثابت قديمًا وحديثًا أما قديمًا فالثابت عن عمر أنه قال إن أتم لحجكم ولعمرتكم أن تنشئوا لكل منهما سفرًا وعن ابن مسعود نحوه أخرجه ابن أبي شيبة وأما حديثًا فقد صرح القاضي حسين والمتولي بترجيح الإفراد ولو لم يعتمر في تلك السنة اهـ وهو مقتضى مذهب مالك وهذا الحديث رواه البخاري عن إسماعيل وعبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي ومسلم أيضًا من رواية خالد بن مخلد كلهم عن مالك به وتابعه عبيد الله بن عمر في الصحيحين وموسى بن عقبة في البخاري وابن جريج في مسلم عن نافع.



رقم الحديث 893 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَلَا نُرَى إِلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، أَنْ يَحِلَّ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ.
فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَزْوَاجِهِ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ فَقَالَ: أَتَتْكَ وَاللَّهِ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ.


( ما جاء في النحر في الحج)

( مالك أنه بلغه) وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم عن جابر ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بمنى هذا) المكان الذي نحرت فيه ( المنحر) الأفضل ( وكل منى منحر) يجوز النحر فيه زاد في حديث جابر فانحروا في رحالكم وهو أمر إباحة لا إيجاب ولا ندب قال ابن التين منحر النبي صلى الله عليه وسلم عند الجمرة الأولى التي تلي المسجد قال الحافظ وكأنه أخذه مما رواه الفاكهي من طريق ابن جريج عن طاوس قال كان منزل النبي صلى الله عليه وسلم بمنى عن يسار المصلى قال وقال غير طاوس من أشياخنا مثله وزاد فأمر بنسائه أن ينزلن حيث الدار بمنى وأمر الأنصار أن ينزلوا بالشعب وراء الدار قلت والشعب عند الجمرة المذكورة قال ابن التين فللنحر فيه فضيلة على غيره لقوله هذا المنحر وكل منى منحر ( وقال في العمرة هذا المنحر) الأفضل ( يعني المروة) بيان لاسم الإشارة ( وكل فجاج مكة) بكسر الفاء وجيمين جمع فج بفتح الفاء وهو الطريق الواسع بين الجبلين ( وطرقها منحر) يجوز النحر فيها قال أبو عبد الملك يريد كل ما قارب بيوت مكة من فجاجها وطرقها منحر وما تباعد من البيوت فليس بمنحر ( مالك عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري ( قال أخبرتني عمرة بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة الأنصارية ( أنها سمعت عائشة أم المؤمنين تقول خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) من المدينة سنة عشر من الهجرة ( لخمس ليال بقين من ذي القعدة) بفتح القاف وكسرها سمي بذلك لأنهم كانوا يقعدون فيه عن القتال ومثل هذا التاريخ في حديث ابن عباس عند البخاري واحتج به ابن حزم على أن خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة كان يوم الخميس قال لأن أول ذي الحجة كان يوم الخميس بلا شك لأن الوقفة كانت يوم الجمعة بلا خلاف وظاهر قوله يقتضي أن خروجه من المدينة يوم الجمعة بناء على ترك عد يوم الخروج وقد ثبت في الصحيح من حديث أنس أنه صلى الظهر بالمدينة أربعًا فبان أنه لم يكن يوم الجمعة فتعين أنه يوم الخميس بإلغاء يوم الخروج وتعقبه ابن القيم بأن المتعين أن يكون يوم السبت بناء على عد يوم الخروج أو على ترك عده ويكون ذو القعدة تسعًا وعشرين يومًا وأيده الحافظ بما رواه ابن سعد والحاكم في الإكليل أن خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة كان يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة وفيه رد على منع إطلاق القول في التاريخ لئلا يكون الشهر ناقصًا فلا يصح الكلام فيقول مثلاً إن بقين بأداة الشرط ووجه الجواز أن الإطلاق يكون على الغالب ( ولا نرى) بضم النون أي نظن ( إلا أنه الحج) لأنهم كانوا لا يعرفون العمرة في أشهر الحج وفي البخاري رواية أبي الأسود عن عروة عنها مهلين بالحج ولمسلم من طريق القاسم عنها لا نذكر إلا الحج وله من هذا الوجه لبينا بالحج فظاهره أن عائشة مع غيرها من الصحابة كانوا أولا محرمين بالحج لكن في رواية عروة السابقة في الموطأ فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحجة وعمرة ومنا من أهل بالحج فيحمل الأول على أنها ذكرت ما كانوا يعهدونه من ترك الاعتمار في أشهر الحج فخرجوا لا يعرفون إلا هو ثم بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم وجوه الإحرام وجواز العمرة في أشهر الحج تقدم مزيد لذلك ( فلما دنونا) قربنا ( من مكة) بسرف كما جاء عن عائشة أو بعد طوافهم بالبيت وسعيهم كما في رواية جابر ويحتمل تكريره الأمر بذلك مرتين في الموضعين وأن العزيمة كانت آخرًا حين أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة ( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة أن يحل) بفتح أوله وكسر ثانيه أي يصير حلالاً بأن يتمتع وهذا فسخ الحج إلى العمرة والأكثر على أنه خاص بالصحابة تلك السنة خاصة أو منسوخ ( قالت عائشة فدخل) بضم الدال وكسر الخاء مبني للمجهول ( علينا يوم النحر) بالنصب ظرفًا أي في يوم النحر ( بلحم بقر فقلت ما هذا فقالوا نحر) وللبخاري ومسلم من رواية سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد ذبح ( رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه) ففيه دلالة على جواز ذبح البقر واتفق عليه العلماء إلا أن الذبح يستحب عندهم لقوله تعالى { { إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة } } وخالف الحسن بن صالح فاستحب نحرها وأخذ من الاستفهام عن اللحم أنه لم يستأذنهن في ذلك إذ لو كان بعلمها لم تحتج إلى الاستفهام لكن لا يدفع ذلك احتمال أنه استأذنهن ولما رأت اللحم احتمل عندها أنه الذي وقع فيه الاستئذان وأنه غيره فاستفهمت عنه لذلك قال ابن بطال أخذ بظاهره جماعة فأجازوا الاشتراك في الهدي ولا حجة فيه لاحتمال أن يكون عن كل واحدة بقرة وأما رواية يونس عن الزهري عن عمرة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر عن أزواجه بقرة واحدة فقال إسماعيل القاضي تفرد يونس بذلك وقد خالفه غيره قال الحافظ ورواية يونس أخرجها النسائي وأبو داود وغيرهما ويونس ثقة حافظ وقد تابعه معمر عند النسائي ولفظه أصرح من لفظ يونس قال ما ذبح عن آل محمد في حجة الوداع إلا بقرة وللنسائي أيضًا من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن اعتمر من نسائه في حجة الوداع بقرة بينهن صححه الحاكم وهو شاهد قوي لرواية الزهري وأما ما رواه عمار الدهني عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت ذبح عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حجنا بقرة بقرة أخرجه النسائي أيضًا فهو شاذ مخالف لما تقدم انتهى ولا شذوذ فإن عمار الدهني بضم الدال المهملة وسكون الهاء ونون ثقة صدوق روى له مسلم وأصحاب السنن فزيادته مقبولة فإنه قد حفظ ما لم يحفظ غيره وزيادته ليست مخالفة لغيره فإن قول معمر ما ذبح إلا بقرة المراد بها جنس بقرة أي لا بعير ولا غنم فلا ينافي الرواية الصريحة أنه عن كل واحدة بقرة فمن شرط الشذوذ أن يتعذر الجمع وقد أمكن فلا تأييد فيها لرواية يونس التي حكم إسماعيل القاضي بشذوذها لأنه انفرد بقوله واحدة وحديث أبي هريرة لا شاهد فيه فضلاً عن قوته إذ قوله ذبح بقرة بينهن لا صراحة فيه أنه لم يذبح سواها وإن كان ظاهره ذلك فتعارضه الرواية الصريحة في التعدد وقد رواه البخاري في الأضاحي ومسلم أيضًا من طريق ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم بلفظ ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر وأخرجه مسلم أيضًا من طريق عبد العزيز الماجشون عن عبد الرحمن لكن بلفظ أهدى بدل ضحى قال الحافظ والظاهر أن التصرف من الرواة لأنه ثبت في الحديث ذكر النحر فحمله بعضهم على الأضحية لكن رواية أبي هريرة صريحة في أنه كان عمن اعتمر من نسائه فقويت رواية من رواه بلفظ أهدى وتبين أنه هدي للتمتع فلا حجة فيه على مالك في قوله لا ضحايا على أهل منى قيل وفيه دلالة على أن الإنسان قد يلحقه من عمل غيره ما عمله عنه بغير أمره ولا علمه وتعقب باحتمال الاستئذان كما مر وفيه جواز الأكل من الهدي ( قال يحيى بن سعيد فذكرت هذا الحديث) الذي أخبرتني به عمرة ( للقاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق ( فقال أتتك) عمرة ( والله بالحديث على وجهه) أي ساقته لك سياقًا تامًا لم تختصر منه شيئًا وكأنه يشير إلى روايته هو عن عائشة فإنها مختصرة كما تقدمت الإشارة إليها ورواه البخاري هنا عن عبد الله بن يوسف وفي الجهاد عن القعنبي والترمذي والنسائي وابن ماجه من طريق ابن القاسم ثلاثتهم عن مالك به وتابعه سليمان بن بلال في الصحيحين وعبد الوهاب الثقفي وسفيان عن مسلم ويحيى القطان ويحيى بن أبي زائدة عند أصحاب السنن خمستهم عن يحيى بن سعيد به ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر عن) أخته ( حفصة أم المؤمنين أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأن) أي أمر وحال ( الناس حلوا) هكذا ليحيى الليثي النيسابوري وابن بكير والقعنبي وأبي مصعب وغيرهم وزاد التنيسي وإسماعيل بن أبي أويس وابن وهب بعمرة والمعنى واحد عند أهل العلم قاله ابن عبد البر أي أن إحرامهم بعمرة كان سببًا لسرعة حلهم ( ولم تحلل) بفتح أوله وكسر ثالثه ( أنت من عمرتك فقال إني لبدت رأسي) بفتح اللام والموحدة الثقيلة من التلبيد وهو جعل شيء فيه من نحو صمغ ليجتمع الشعر ولا يدخل فيه قمل ( وقلدت هديي) علقت شيئًا في عنقه ليعلم ( فلا أحل) بفتح الهمزة وكسر الحاء والرفع من إحرامي ( حتى أنحر) الهدي واحتج به أبو حنيفة وأحمد ومن وافقهما على أن من ساق الهدي لا يحل من العمرة حتى يهل بالحج ويفرغ منه لأنه جعل علة بقائه على إحرامه كونه أهدى وكذا في حديث جابر في الصحيحين وأخبرهم أنه لا يحل حتى ينحر الهدي والأحاديث بذلك متظافرة وأجاب بعض المالكية والشافعية بأن السبب في عدم تحلله من العمرة كونه أدخلها على الحج وهو مشكل عليه لأنه يقول إنه صلى الله عليه وسلم أفرد الحج وقال بعض العلماء ليس لمن قال كان مفردًا عن هذا الحديث انفصال لأنه إن قال به أشكل عليه بتعليله عدم التحلل بسوق الهدي لأن التحلل يمتنع على من كان قارنا عنده وجنح الأصيلي وغيره إلى توهيم مالك في قوله ولم تحلل أنت من عمرتك وأنه لم يقله أحد في حديث حفصة غيره وتعقبه ابن عبد البر على تقدير تسليم انفراده بأنها زيادة حافظ فيجب قبولها على أنه لم ينفرد فقد تابعه أيوب وعبيد الله بن عمر وهما مع مالك حفاظ أصحاب نافع انتهى ورواية عبيد الله عن مسلم وأخرجه البخاري عن موسى بن عقبة ومسلم عن ابن جريج والبيهقي عن شعيب بن أبي حمزة ثلاثتهم عن نافع بدونها وفي رواية عبيد الله عند الشيخين فلا أحل حتى أحل من الحج ولا تنافي هذه رواية مالك لأن القارن لا يحل من العمرة ولا من الحج حتى ينحر فلا حجة فيه لمن قال أنه صلى الله عليه وسلم كان متمتعًا لأن قول حفصة ولم تحلل من عمرتك وقوله حتى أحل من الحج ظاهر في أنه كان قارنًا وأجاب الإمام الشافعي بأن معنى قولها من عمرتك من إحرامك الذي ابتدأته معهم بنية واحدة بدليل قوله لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة أي فأطلقت اسم العمرة على الإحرام بنية الحجة الواحدة تجوزا وقيل معناه ولم تحلل من حجك بعمرة كما أمرت أصحابك ومن تأتي بمعنى الباء كقوله تعالى { { يحفظونه من أمر الله } } أي بأمره والتقدير ولم تحلل أنت بعمرة من إحرامك وقيل ظنت أنه فسخ حجه بعمرة كما صنع أصحابه بأمره فقالت لم لم تحلل أنت أيضًا من عمرتك وقيل المراد بالعمرة هنا الحج لأنهما يشتركان في كونهما قصدًا وجزم به المنذري وأيده بأنه روى حلوا ولم تحلل أنت من حجك وهذا نحو جواب الشافعي وضعفت هذه التأويلات بما في الصحيح عن عمر مرفوعًا وقل عمرة في حجة وعن أنس ثم أهل بحج وعمرة ولمسلم عن عمران بن حصين جمع بين حجة وعمرة ولأبي داود والنسائي عن البراء مرفوعًا إني سقت الهدي وقرنت وللنسائي من حديث علي مثله ولأحمد عن سراقة أنه صلى الله عليه وسلم قرن في حجة الوداع وله عن طلحة وللدارقطني عن أبي سعيد وأبي قتادة والبزار عن ابن أبي أوفى أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الحج والعمرة وأجاب البيهقي عن هذه الأحاديث وغيرها نصرة لمن قال كان مفردًا فنقل عن سليمان بن حرب أن رواية أبي قتادة عن أنس أنه سمعهم يصرخون بهما جميعًا أثبت من رواية من روى عنه أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الحج والعمرة ثم تعقبه بأن قتادة وغيره من الحفاظ رووه عن أنس كذلك فالاختلاف فيه على أنس نفسه قال فلعله سمع النبي صلى الله عليه وسلم يعلم غيره كيف يهل بالقران فظن أنه أهل عن نفسه وأجاب عن حديث حفصة بما تقدم عن الشافعي وعن حديث عمر بأن جماعة رووه بلفظ صل في هذا الوادي وقال عمرة في حجة وهؤلاء أكثر عددًا ممن رواه وقل فقال ذلك ليكون إذنًا في القران لا أمرًا للنبي صلى الله عليه وسلم في حال نفسه وعن حديث عمران بأن المراد إذنه لأصحابه في القران بدليل روايته الأخرى أنه صلى الله عليه وسلم تمتع فإن مراده بكل ذلك إذنه وعن حديث البراء بأنه ساقه في قصة علي وقد رواها أنس يعني في الصحيحين وجابر في مسلم وليس فيها لفظ وقرنت وأجاب عن باقيها بما حاصله أنه أذن في ذلك لا أنه فعله في نفسه وقال الخطابي اختلفت الرواية فيما كان صلى الله عليه وسلم به محرمًا والراجح أنه أفرد الحج وأن كلاً أضاف إليه ما أمره به اتساعًا وهذا هو المشهور عند المالكية والشافعية ومر له مزيد وقال النووي الصواب أنه كان قارنًا ويؤيده أنه لم يعتمر في تلك السنة بعد الحج ولا شك أن القران أفضل من الإفراد الذي لم يعتمر في سنته ولم يقل أحد أن الحج وحده أفضل من القران وتعقبه الحافظ بأن الخلاف ثابت قديمًا وحديثًا أما قديمًا فالثابت عن عمر أنه قال إن أتم لحجكم ولعمرتكم أن تنشئوا لكل منهما سفرًا وعن ابن مسعود نحوه أخرجه ابن أبي شيبة وأما حديثًا فقد صرح القاضي حسين والمتولي بترجيح الإفراد ولو لم يعتمر في تلك السنة اهـ وهو مقتضى مذهب مالك وهذا الحديث رواه البخاري عن إسماعيل وعبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي ومسلم أيضًا من رواية خالد بن مخلد كلهم عن مالك به وتابعه عبيد الله بن عمر في الصحيحين وموسى بن عقبة في البخاري وابن جريج في مسلم عن نافع.



رقم الحديث 894 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا، وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ فَقَالَ: إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ.


( ما جاء في النحر في الحج)

( مالك أنه بلغه) وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم عن جابر ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بمنى هذا) المكان الذي نحرت فيه ( المنحر) الأفضل ( وكل منى منحر) يجوز النحر فيه زاد في حديث جابر فانحروا في رحالكم وهو أمر إباحة لا إيجاب ولا ندب قال ابن التين منحر النبي صلى الله عليه وسلم عند الجمرة الأولى التي تلي المسجد قال الحافظ وكأنه أخذه مما رواه الفاكهي من طريق ابن جريج عن طاوس قال كان منزل النبي صلى الله عليه وسلم بمنى عن يسار المصلى قال وقال غير طاوس من أشياخنا مثله وزاد فأمر بنسائه أن ينزلن حيث الدار بمنى وأمر الأنصار أن ينزلوا بالشعب وراء الدار قلت والشعب عند الجمرة المذكورة قال ابن التين فللنحر فيه فضيلة على غيره لقوله هذا المنحر وكل منى منحر ( وقال في العمرة هذا المنحر) الأفضل ( يعني المروة) بيان لاسم الإشارة ( وكل فجاج مكة) بكسر الفاء وجيمين جمع فج بفتح الفاء وهو الطريق الواسع بين الجبلين ( وطرقها منحر) يجوز النحر فيها قال أبو عبد الملك يريد كل ما قارب بيوت مكة من فجاجها وطرقها منحر وما تباعد من البيوت فليس بمنحر ( مالك عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري ( قال أخبرتني عمرة بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة الأنصارية ( أنها سمعت عائشة أم المؤمنين تقول خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) من المدينة سنة عشر من الهجرة ( لخمس ليال بقين من ذي القعدة) بفتح القاف وكسرها سمي بذلك لأنهم كانوا يقعدون فيه عن القتال ومثل هذا التاريخ في حديث ابن عباس عند البخاري واحتج به ابن حزم على أن خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة كان يوم الخميس قال لأن أول ذي الحجة كان يوم الخميس بلا شك لأن الوقفة كانت يوم الجمعة بلا خلاف وظاهر قوله يقتضي أن خروجه من المدينة يوم الجمعة بناء على ترك عد يوم الخروج وقد ثبت في الصحيح من حديث أنس أنه صلى الظهر بالمدينة أربعًا فبان أنه لم يكن يوم الجمعة فتعين أنه يوم الخميس بإلغاء يوم الخروج وتعقبه ابن القيم بأن المتعين أن يكون يوم السبت بناء على عد يوم الخروج أو على ترك عده ويكون ذو القعدة تسعًا وعشرين يومًا وأيده الحافظ بما رواه ابن سعد والحاكم في الإكليل أن خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة كان يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة وفيه رد على منع إطلاق القول في التاريخ لئلا يكون الشهر ناقصًا فلا يصح الكلام فيقول مثلاً إن بقين بأداة الشرط ووجه الجواز أن الإطلاق يكون على الغالب ( ولا نرى) بضم النون أي نظن ( إلا أنه الحج) لأنهم كانوا لا يعرفون العمرة في أشهر الحج وفي البخاري رواية أبي الأسود عن عروة عنها مهلين بالحج ولمسلم من طريق القاسم عنها لا نذكر إلا الحج وله من هذا الوجه لبينا بالحج فظاهره أن عائشة مع غيرها من الصحابة كانوا أولا محرمين بالحج لكن في رواية عروة السابقة في الموطأ فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحجة وعمرة ومنا من أهل بالحج فيحمل الأول على أنها ذكرت ما كانوا يعهدونه من ترك الاعتمار في أشهر الحج فخرجوا لا يعرفون إلا هو ثم بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم وجوه الإحرام وجواز العمرة في أشهر الحج تقدم مزيد لذلك ( فلما دنونا) قربنا ( من مكة) بسرف كما جاء عن عائشة أو بعد طوافهم بالبيت وسعيهم كما في رواية جابر ويحتمل تكريره الأمر بذلك مرتين في الموضعين وأن العزيمة كانت آخرًا حين أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة ( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة أن يحل) بفتح أوله وكسر ثانيه أي يصير حلالاً بأن يتمتع وهذا فسخ الحج إلى العمرة والأكثر على أنه خاص بالصحابة تلك السنة خاصة أو منسوخ ( قالت عائشة فدخل) بضم الدال وكسر الخاء مبني للمجهول ( علينا يوم النحر) بالنصب ظرفًا أي في يوم النحر ( بلحم بقر فقلت ما هذا فقالوا نحر) وللبخاري ومسلم من رواية سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد ذبح ( رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه) ففيه دلالة على جواز ذبح البقر واتفق عليه العلماء إلا أن الذبح يستحب عندهم لقوله تعالى { { إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة } } وخالف الحسن بن صالح فاستحب نحرها وأخذ من الاستفهام عن اللحم أنه لم يستأذنهن في ذلك إذ لو كان بعلمها لم تحتج إلى الاستفهام لكن لا يدفع ذلك احتمال أنه استأذنهن ولما رأت اللحم احتمل عندها أنه الذي وقع فيه الاستئذان وأنه غيره فاستفهمت عنه لذلك قال ابن بطال أخذ بظاهره جماعة فأجازوا الاشتراك في الهدي ولا حجة فيه لاحتمال أن يكون عن كل واحدة بقرة وأما رواية يونس عن الزهري عن عمرة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر عن أزواجه بقرة واحدة فقال إسماعيل القاضي تفرد يونس بذلك وقد خالفه غيره قال الحافظ ورواية يونس أخرجها النسائي وأبو داود وغيرهما ويونس ثقة حافظ وقد تابعه معمر عند النسائي ولفظه أصرح من لفظ يونس قال ما ذبح عن آل محمد في حجة الوداع إلا بقرة وللنسائي أيضًا من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن اعتمر من نسائه في حجة الوداع بقرة بينهن صححه الحاكم وهو شاهد قوي لرواية الزهري وأما ما رواه عمار الدهني عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت ذبح عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حجنا بقرة بقرة أخرجه النسائي أيضًا فهو شاذ مخالف لما تقدم انتهى ولا شذوذ فإن عمار الدهني بضم الدال المهملة وسكون الهاء ونون ثقة صدوق روى له مسلم وأصحاب السنن فزيادته مقبولة فإنه قد حفظ ما لم يحفظ غيره وزيادته ليست مخالفة لغيره فإن قول معمر ما ذبح إلا بقرة المراد بها جنس بقرة أي لا بعير ولا غنم فلا ينافي الرواية الصريحة أنه عن كل واحدة بقرة فمن شرط الشذوذ أن يتعذر الجمع وقد أمكن فلا تأييد فيها لرواية يونس التي حكم إسماعيل القاضي بشذوذها لأنه انفرد بقوله واحدة وحديث أبي هريرة لا شاهد فيه فضلاً عن قوته إذ قوله ذبح بقرة بينهن لا صراحة فيه أنه لم يذبح سواها وإن كان ظاهره ذلك فتعارضه الرواية الصريحة في التعدد وقد رواه البخاري في الأضاحي ومسلم أيضًا من طريق ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم بلفظ ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر وأخرجه مسلم أيضًا من طريق عبد العزيز الماجشون عن عبد الرحمن لكن بلفظ أهدى بدل ضحى قال الحافظ والظاهر أن التصرف من الرواة لأنه ثبت في الحديث ذكر النحر فحمله بعضهم على الأضحية لكن رواية أبي هريرة صريحة في أنه كان عمن اعتمر من نسائه فقويت رواية من رواه بلفظ أهدى وتبين أنه هدي للتمتع فلا حجة فيه على مالك في قوله لا ضحايا على أهل منى قيل وفيه دلالة على أن الإنسان قد يلحقه من عمل غيره ما عمله عنه بغير أمره ولا علمه وتعقب باحتمال الاستئذان كما مر وفيه جواز الأكل من الهدي ( قال يحيى بن سعيد فذكرت هذا الحديث) الذي أخبرتني به عمرة ( للقاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق ( فقال أتتك) عمرة ( والله بالحديث على وجهه) أي ساقته لك سياقًا تامًا لم تختصر منه شيئًا وكأنه يشير إلى روايته هو عن عائشة فإنها مختصرة كما تقدمت الإشارة إليها ورواه البخاري هنا عن عبد الله بن يوسف وفي الجهاد عن القعنبي والترمذي والنسائي وابن ماجه من طريق ابن القاسم ثلاثتهم عن مالك به وتابعه سليمان بن بلال في الصحيحين وعبد الوهاب الثقفي وسفيان عن مسلم ويحيى القطان ويحيى بن أبي زائدة عند أصحاب السنن خمستهم عن يحيى بن سعيد به ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر عن) أخته ( حفصة أم المؤمنين أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأن) أي أمر وحال ( الناس حلوا) هكذا ليحيى الليثي النيسابوري وابن بكير والقعنبي وأبي مصعب وغيرهم وزاد التنيسي وإسماعيل بن أبي أويس وابن وهب بعمرة والمعنى واحد عند أهل العلم قاله ابن عبد البر أي أن إحرامهم بعمرة كان سببًا لسرعة حلهم ( ولم تحلل) بفتح أوله وكسر ثالثه ( أنت من عمرتك فقال إني لبدت رأسي) بفتح اللام والموحدة الثقيلة من التلبيد وهو جعل شيء فيه من نحو صمغ ليجتمع الشعر ولا يدخل فيه قمل ( وقلدت هديي) علقت شيئًا في عنقه ليعلم ( فلا أحل) بفتح الهمزة وكسر الحاء والرفع من إحرامي ( حتى أنحر) الهدي واحتج به أبو حنيفة وأحمد ومن وافقهما على أن من ساق الهدي لا يحل من العمرة حتى يهل بالحج ويفرغ منه لأنه جعل علة بقائه على إحرامه كونه أهدى وكذا في حديث جابر في الصحيحين وأخبرهم أنه لا يحل حتى ينحر الهدي والأحاديث بذلك متظافرة وأجاب بعض المالكية والشافعية بأن السبب في عدم تحلله من العمرة كونه أدخلها على الحج وهو مشكل عليه لأنه يقول إنه صلى الله عليه وسلم أفرد الحج وقال بعض العلماء ليس لمن قال كان مفردًا عن هذا الحديث انفصال لأنه إن قال به أشكل عليه بتعليله عدم التحلل بسوق الهدي لأن التحلل يمتنع على من كان قارنا عنده وجنح الأصيلي وغيره إلى توهيم مالك في قوله ولم تحلل أنت من عمرتك وأنه لم يقله أحد في حديث حفصة غيره وتعقبه ابن عبد البر على تقدير تسليم انفراده بأنها زيادة حافظ فيجب قبولها على أنه لم ينفرد فقد تابعه أيوب وعبيد الله بن عمر وهما مع مالك حفاظ أصحاب نافع انتهى ورواية عبيد الله عن مسلم وأخرجه البخاري عن موسى بن عقبة ومسلم عن ابن جريج والبيهقي عن شعيب بن أبي حمزة ثلاثتهم عن نافع بدونها وفي رواية عبيد الله عند الشيخين فلا أحل حتى أحل من الحج ولا تنافي هذه رواية مالك لأن القارن لا يحل من العمرة ولا من الحج حتى ينحر فلا حجة فيه لمن قال أنه صلى الله عليه وسلم كان متمتعًا لأن قول حفصة ولم تحلل من عمرتك وقوله حتى أحل من الحج ظاهر في أنه كان قارنًا وأجاب الإمام الشافعي بأن معنى قولها من عمرتك من إحرامك الذي ابتدأته معهم بنية واحدة بدليل قوله لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة أي فأطلقت اسم العمرة على الإحرام بنية الحجة الواحدة تجوزا وقيل معناه ولم تحلل من حجك بعمرة كما أمرت أصحابك ومن تأتي بمعنى الباء كقوله تعالى { { يحفظونه من أمر الله } } أي بأمره والتقدير ولم تحلل أنت بعمرة من إحرامك وقيل ظنت أنه فسخ حجه بعمرة كما صنع أصحابه بأمره فقالت لم لم تحلل أنت أيضًا من عمرتك وقيل المراد بالعمرة هنا الحج لأنهما يشتركان في كونهما قصدًا وجزم به المنذري وأيده بأنه روى حلوا ولم تحلل أنت من حجك وهذا نحو جواب الشافعي وضعفت هذه التأويلات بما في الصحيح عن عمر مرفوعًا وقل عمرة في حجة وعن أنس ثم أهل بحج وعمرة ولمسلم عن عمران بن حصين جمع بين حجة وعمرة ولأبي داود والنسائي عن البراء مرفوعًا إني سقت الهدي وقرنت وللنسائي من حديث علي مثله ولأحمد عن سراقة أنه صلى الله عليه وسلم قرن في حجة الوداع وله عن طلحة وللدارقطني عن أبي سعيد وأبي قتادة والبزار عن ابن أبي أوفى أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الحج والعمرة وأجاب البيهقي عن هذه الأحاديث وغيرها نصرة لمن قال كان مفردًا فنقل عن سليمان بن حرب أن رواية أبي قتادة عن أنس أنه سمعهم يصرخون بهما جميعًا أثبت من رواية من روى عنه أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الحج والعمرة ثم تعقبه بأن قتادة وغيره من الحفاظ رووه عن أنس كذلك فالاختلاف فيه على أنس نفسه قال فلعله سمع النبي صلى الله عليه وسلم يعلم غيره كيف يهل بالقران فظن أنه أهل عن نفسه وأجاب عن حديث حفصة بما تقدم عن الشافعي وعن حديث عمر بأن جماعة رووه بلفظ صل في هذا الوادي وقال عمرة في حجة وهؤلاء أكثر عددًا ممن رواه وقل فقال ذلك ليكون إذنًا في القران لا أمرًا للنبي صلى الله عليه وسلم في حال نفسه وعن حديث عمران بأن المراد إذنه لأصحابه في القران بدليل روايته الأخرى أنه صلى الله عليه وسلم تمتع فإن مراده بكل ذلك إذنه وعن حديث البراء بأنه ساقه في قصة علي وقد رواها أنس يعني في الصحيحين وجابر في مسلم وليس فيها لفظ وقرنت وأجاب عن باقيها بما حاصله أنه أذن في ذلك لا أنه فعله في نفسه وقال الخطابي اختلفت الرواية فيما كان صلى الله عليه وسلم به محرمًا والراجح أنه أفرد الحج وأن كلاً أضاف إليه ما أمره به اتساعًا وهذا هو المشهور عند المالكية والشافعية ومر له مزيد وقال النووي الصواب أنه كان قارنًا ويؤيده أنه لم يعتمر في تلك السنة بعد الحج ولا شك أن القران أفضل من الإفراد الذي لم يعتمر في سنته ولم يقل أحد أن الحج وحده أفضل من القران وتعقبه الحافظ بأن الخلاف ثابت قديمًا وحديثًا أما قديمًا فالثابت عن عمر أنه قال إن أتم لحجكم ولعمرتكم أن تنشئوا لكل منهما سفرًا وعن ابن مسعود نحوه أخرجه ابن أبي شيبة وأما حديثًا فقد صرح القاضي حسين والمتولي بترجيح الإفراد ولو لم يعتمر في تلك السنة اهـ وهو مقتضى مذهب مالك وهذا الحديث رواه البخاري عن إسماعيل وعبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي ومسلم أيضًا من رواية خالد بن مخلد كلهم عن مالك به وتابعه عبيد الله بن عمر في الصحيحين وموسى بن عقبة في البخاري وابن جريج في مسلم عن نافع.