فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ صَلَاةِ مِنًى

رقم الحديث 914 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصَّلَاةَ الرُّبَاعِيَّةَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّاهَا بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّاهَا بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَأَنَّ عُثْمَانَ صَلَّاهَا بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ شَطْرَ إِمَارَتِهِ ثُمَّ أَتَمَّهَا بَعْدُ.


( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه) مرسل وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن مسعود وابن عمر ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الصلاة) الرباعية ( بمنى) زاد في رواية لمسلم عن ابن عمر وعرفة ( ركعتين) قصرًا ( وأن أبا بكر صلاها بمنى ركعتين) في خلافته ( وأن عمر بن الخطاب صلاها بمنى ركعتين وأن عثمان صلاها بمنى ركعتين) وفائدة ذكر الخلفاء مع قيام الحجة بالفعل النبوي وحده أن هذا الحكم لم ينسخ إذ لو نسخ ما فعله الخلفاء بعده ( شطر) أي نصف ( إمارته) بكسر الهمزة أي خلافته وفي مسلم عن ابن عمر وعثمان ثمان سنين أو ست سنين بالشك وتبين من رواية الموطأ أن الصحيح ست لأن خلافته كانت ثنتي عشرة سنة ( ثم أتمها بعد) بالبناء على الضم لأن القصر والإتمام جائزان للمسافر فرأى عثمان ترجيح طرف الإتمام لأن فيه زيادة مشقة وفي الصحيح عن ابن شهاب قلت لعروة ما بال عائشة تتم قال تأولت كما تأول عثمان وهذا فيه رد على من زعم أن عثمان إنما أتم لأنه تأهل بمكة أو لأنه أمير المؤمنين فكل موضع له دار أو لعزمه على الإقامة بمكة أو لأنه استجد له أرضًا بمنى أو لأنه كان سبق الناس إلى مكة لأن جميع ذلك منتف في حق عائشة وأكثره لا دليل عليه بل هي ظنون ممن قالها ويرد الأول أنه صلى الله عليه وسلم كان يسافر بزوجاته وقصر والثاني أنه صلى الله عليه وسلم كان أولى بذلك والثالث أن الإقامة بمكة على المهاجر حرام والرابع والخامس لم ينقلا فلا يكفي الظن في ذلك والأول وإن نقل وأخرجه أحمد والبيهقي عن عثمان وأنه لما صلى بمنى أربع ركعات أنكر عليه الناس فقال إني تأهلت بمكة لما قدمت وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من تأهل ببلد فإنه يصلي صلاة مقيم فهذا حديث لا يصح لأنه منقطع وفي رواته من لا يحتج به ويرده قول عروة إن عائشة تأولت ما تأول عثمان ولا جائز أن تتأهل عائشة أصلاً فدل على وهاء ذلك الخبر ثم ظهر لي أنه يمكن أن مراد عروة التشبيه بعثمان في الإتمام بتأويل لا اتحاد تأويلهما ويقويه أن الأسباب اختلفت في تأول عثمان وتكاثرت بخلاف تأويل عائشة والمنقول أن سبب إتمام عثمان أنه كان يرى القصر مختصًا بمن كان شاخصًا سائرًا وأما من أقام في مكان أثناء سفره فله حكم المقيم فيتم لما رواه أحمد بإسناد حسن عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال لما قدم معاوية حاجًا صلى بنا الظهر ركعتين بمكة ثم انصرف إلى دار الندوة فدخل عليه مروان وعمرو بن عثمان فقالا لقد عبت أمر ابن عمك لأنه كان قد أتم الصلاة قال وكان عثمان حيث أتم الصلاة إذا قدم مكة صلى بها الظهر أربعًا والعصر والعشاء أربعًا أربعًا ثم إذا خرج إلى منى وعرفة قصر الصلاة فإذا فرغ من الحج وقام بمنى أتم الصلاة وقال ابن بطال الصحيح أن عثمان وعائشة رأيًا أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قصر لأنه أخذ بالأيسر على أمته فأخذا أنفسهما بالشدة ورجحه جماعة من آخرهم القرطبي لكن ما قبله أولى لتصريح الراوي بالسبب وروى الطحاوي وغيره عن الزهري قال إنما صلى عثمان أربعًا لأن الأعراب كثروا في ذلك العام فأحب أن يعلمهم أن الصلاة أربع وروى البيهقي عن عثمان أنه أتم بمنى ثم خطب فقال إن القصر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ولكنه حدث طغام يعني بفتح الطاء والمعجمة فخفت أن يستنوا وله عن ابن جريج أن أعرابيًا ناداه بمنى يا أمير المؤمنين ما زلت أصليهما منذ رأيتكم عام أول ركعتين ولا مانع أن يكون هذا أصل سبب الإتمام ولا يعارض الوجه الأول الذي اخترته بل يقويه من حيث إن حالة الإقامة في أثناء السفر قريب إلى قياس الإقامة المطلقة عليها بخلاف السائر وهذا ما أدى إليه اجتهاد عثمان قاله الحافظ واستدل مالك بهذا الحديث على أن الحجاج يقصرون الصلاة بمنى وعرفة ولو كانوا من أهل مكة وبمكة ولو كانوا من أهل منى وعرفة وإنما يمتنع أن يقصر أهل مكة بها أو أهل منى بها أو عرفة بها لقصرهم مع النبي صلى الله عليه وسلم قال عياض ولأن في تكرار مشاعر الحج ومناسكه مقدار المسافة التي يجوز فيها قصر الصلاة عند الجميع وقال الأكثر إنما يجوز القصر لغير أهل مكة ومنى وعرفة لأنهم مقيمون أو في سفر قصير وقال بعض المالكية لو لم يجز القصر لأهل مكة بمنى لقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم أتموا وليس بين منى ومكة مسافة قصر فدل على أن القصر للنسك وأجيب بأن الترمذي روى عن عمران بن حصين شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتح فأقام بمكة ثمان عشرة ليلة يصلي ركعتين ويقول يا أهل مكة أتموا فإنا قوم سفر فكأنه ترك إعلامهم بذلك بمنى استغناء بما تقدم بمكة قال الحافظ وهذا ضعيف لأن الحديث من رواية علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف ولو صح فالقصة في الفتح وقصة منى في حجة الوداع فكان لا بد من بيان ذلك لبعد العهد قال ولا يخفى أن أصل البحث مبني على تسليم أن المسافة بين مكة ومنى لا قصر فيها وهي من محال الخلاف انتهى على أنه قد يدعى أن حديث عمران لو صح من أدلتنا إذ قوله ذلك لأهل مكة فيها دون قوله لهم لما حجوا معه بمنى وعرفة دليل على أنهم يقصرون في ذلك كما فهمه أسلم وابن المسيب كما ذكره بقوله ( مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب لما قدم مكة صلى بهم) إمامًا لأنه الخليفة ولا يؤم الرجل في سلطانه ( ركعتين ثم انصرف) من الصلاة بالسلام ( فقال يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر) بفتح فسكون جمع سافر كركب وراكب ( ثم صلى عمر بن الخطاب ركعتين بمنى) بالناس ( ولم يبلغنا أنه قال لهم شيئًا) أي لأهل مكة لخروجهم منها للحج فدل على أن سنتهم حينئذ القصر ( مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب صلى للناس) أي بهم إمامًا ( بمكة ركعتين فلما انصرف) سلم من الصلاة ( قال يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر ثم صلى عمر) الرباعية ( ركعتين بمنى ولم يبلغنا أنه قال لهم شيئًا) فدل ذلك على أن أهل مكة يقصرون بمنى إذا حجوا إذ لو لزمهم الإتمام لبينه لهم كما بينه في مكة وزعم أنه تركه اكتفاء بالبيان بمكة ممنوع وسنده أن الأصل عدم الاكتفاء في بيان الأحكام لا سيما مع اختلاف المحل وتقدم في القصر طريق ثالث لأثر عمر وهو مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن عمر كان إذا قدم مكة صلى بهم فذكره ( سئل مالك عن أهل مكة كيف صلاتهم بعرفة) الرباعية ( أركعتان) هي ( أم أربع وكيف بأمير الحاج إن كان من أهل مكة أيصلي الظهر والعصر بعرفة أربع ركعات) إتمامًا ( أو ركعتين) قصرًا ( وكيف صلاة أهل مكة في إقامتهم) أيام الرمي ( فقال مالك يصلي أهل مكة بعرفة ومنى ما أقاموا) مدة إقامتهم ( بهما ركعتين ركعتين) بكل رباعية ( يقصرون الصلاة حتى يرجعوا إلى مكة) عملاً بالسنة ( قال وأمير الحاج أيضًا إذا كان من أهل مكة قصر الصلاة بعرفة وأيام منى) لأن سبب القصر النسك فلا فرق بين بعيد وقريب ( وإن كان أحد ساكنًا بمنى مقيمًا بها فإن ذلك) الأحد ( يتم الصلاة بمنى وإن كان أحد ساكنًا بعرفة مقيمًا بها) وإن لم يكن من أصل أهلها فالمدار على الإقامة ( فإن ذلك يتم الصلاة بها أيضًا) لأنهما في أوطانهما كأهل مكة إذا أحرموا بالحج بمكة يتمون قبل الخروج إلى منى وعرفة فالضابط أن أهل كل مكان يتمون فيه ويقصرون فيما عداه قال ابن المنير السر في القصر في هذه المواضع المتقاربة إظهار الله تعالى لفضله على عباده حتى اعتد لهم بالحركة القريبة اعتداده بالسفر البعيد فجعل الوافدين من عرفة إلى مكة كأنهم سافروا إليها ثلاثة أسفار سفر إلى المزدلفة ولهذا يقصر أهل عرفة بالمزدلفة وسفر إلى منى ولهذا يقصر أهل المزدلفة بمنى وسفر إلى مكة ولهذا يقصر أهل مكة فهي على قربها من عرفة معدودة بثلاث مسافات كل مسافة منها سفر طويل وسر ذلك والله أعلم أنهم كلهم وفد الله وأن البعيد كالقريب في إسباغ الفضل انتهى.


رقم الحديث 916 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنِ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ.


صَلَاةِ الْمُسَافِرِ إِذَا كَانَ إِمَامًا أَوْ كَانَ وَرَاءَ إِمَامٍ

( مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ) أباه ( عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ) إمامًا لأنه الخليفة ولا يؤمّ الرجل في سلطانه ( رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ) بفتح فسكون جمع سافر كراكب وركب، قال أبو عمر: امتثل عمر فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال عمران بن حصين: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتح فأقام بمكة ثمان عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين ثم يقول لأهل البلد: صلوا أربعًا فإنا سفر انتهى.
وهذا رواه الترمذي وفي إسناده ضعف.

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِثْلَ ذَلِكَ) فله طريقان عن عمر كل منهما صحيح وذكر الإمام لفظ هذه الطريق في الحج.
قال الباجي: كان عمر لا يستوطن مكة لأن المهاجري ممنوع من استيطانها لأنه قد هجرها لله تعالى، وكان عمر أمير المؤمنين والمستحق للإمامة ومحل كون الأفضل تقديم غير المسافر في الإمامة في غير موضع الأمراء والإمام الراتب.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي وَرَاءَ الْإِمَامِ بِمِنًى أَرْبَعًا) لوجوب متابعة الإمام وترك الخلاف له وإن اعتقد المأموم أن القصر أفضل لكن فضيلة الجماعة آكد للاتفاق عليها والاختلاف في القصر ( فَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ) على سنته لأنه مسافر.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ صَفْوَانَ) بن عبد الله بن صفوان بن أمية القرشي التابعي ( أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَعُودُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَفْوَانَ) بن أمية بن خلف الجمحي المالكي، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبوه صحابي مشهور، وقتل عبد الله مع ابن الزبير وهو متعلق بأستار الكعبة سنة ثلاث وسبعين ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من التابعين ( فَصَلَّى) ابن عمر ( لَنَا) أي بنا إمامًا ( رَكْعَتَيْنِ) لأنه مسافر ( ثُمَّ انْصَرَفَ) سلم من الصلاة ( فَقُمْنَا فَأَتْمَمْنَا) لأنهم مقيمون ولا كراهة في إمامة المسافر للمقيم لأن صلاته لم تتغير بخلاف عكسه كذا قاله الباجي، والمذهب كراهة الصورتين غايته أن عكسه أقوى فلعله أراد لا كراهة أكيدة وإنما أمّ ابن عمر الحضريين لأنه أعلمهم وأفضلهم.