فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ رَمْيِ الْجِمَارِ

رقم الحديث 924 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقِفُ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وُقُوفًا طَوِيلًا حَتَّى يَمَلَّ الْقَائِمُ.


( مالك أنه بلغه) أخرجه عبد الرزاق بسنده عن سليمان بن ربيعة ( أن عمر بن الخطاب كان يقف عند الجمرتين الأوليين) إحداهما الأولى التي تلي مسجد منى والثانية الوسطى ( وقوفًا طويلاً حتى يمل القائم) بفتح الميم اتباعًا لما صح عنه صلى الله عليه وسلم في البخاري وغيره أنه أطال الوقوف عندهما



رقم الحديث 925 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ.


( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يكبر عند رمي الجمرة كلما رمى بحصاة) اتباعًا لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال خذوا عني مناسككم



رقم الحديث 926 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مَنْ غَرَبَتْ لَهُ الشَّمْسُ مِنْ أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهُوَ بِمِنًى فَلَا يَنْفِرَنَّ حَتَّى يَرْمِيَ الْجِمَارَ مِنَ الْغَدِ.


( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول من غربت له الشمس) أي عليه أو معناه من ظهر له غروبها ( من أوسط أيام التشريق) وهو ثانيها ( وهو بمنى فلا ينفرن حتى يرمي الجمار من الغد) لأنه لا يصدق عليه أنه تعجل في يومين



رقم الحديث 927 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ جَمِيعًا.


( صلاة المزدلفة)

( مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعًا) أي جمع بينهما جمع تأخير كما دل على ذلك روايات أخر منها التي تليها وقوله في رواية ابن أبي ذئب عن ابن شهاب بإقامة إقامة جمع بينهما وإن كان ليس في هذا اللفظ من حيث هو ما يدل على أنه جمع بينهما لأن مدلول جميعًا تأكيد كونه صلاهما بالمزدلفة وأما جمعهما أو كل واحدة في وقتها فلا دليل فيه على ذلك وإن كان الواقف أنه جمع بينهما للروايات الأخر ولأنه إنما نفر من عرفة بعد الغروب فلا يمكن أنه وصل إلى المزدلفة قبل دخول وقت العشاء بحيث يصلي كل واحدة في وقتها وفيه الجمع بالعشاءين بالمزدلفة جمع تأخير وهو متفق عليه وأخرجه مسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي والنسائي من طريق ابن مهدي الثلاثة عن مالك به وتابعه ابن أبي ذئب في البخاري وغيره عن الزهري نحوه ( مالك عن موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف المدني ( عن كريب) بضم الكاف وفتح الراء وسكون التحتية وموحدة ( مولى ابن عباس) المدني المتوفى سنة ثمان وتسعين ( عن أسامة بن زيد) قال أبو عمر كذا رواه الحفاظ الأثبات عن مالك إلا أشهب وابن الماجشون فقالا عن كريب عن ابن عباس عن أسامة والصحيح إسقاط ابن عباس من إسناده أنه سمعه يقول دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة أي رجع من وقوف عرفة بعرفات لأن عرفة اسم لليوم وعرفات بلفظ الجمع اسم للموضع وحينئذ فيكون المضاف إليه محذوفًا لكن على مذهب من يقول إن عرفة اسم للمكان أيضًا لا حاجة إلى التقدير ( حتى إذا كان بالشعب) بكسر المعجمة وإسكان المهملة واللام للعهد والمراد الذي دون المزدلفة كما في رواية محمد بن أبي حرملة عن موسى بن عقبة في الصحيحين ( نزل فبال) ولمسلم من طريق محمد بن عقبة عن كريب لما أتى الشعب الذي ينزله الأمراء وله من طريق إبراهيم بن عقبة عن كريب الشعب الذي ينيخ الناس فيه للمغرب وللفاكهي عن عطاء الشعب الذي يصلي فيه الخلفاء الآن المغرب والمراد بالخلفاء والأمراء بنو أمية كانوا يصلون فيه المغرب قبل دخول وقت العشاء وهو خلاف السنة وقد أنكره عكرمة فقال اتخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم مبالاً واتخذتموه مصلى رواه الفاكهي ولابن المنذر عن جابر لا صلاة إلا بجمع وسنده صحيح ونقل عن الكوفيين وابن القاسم وجوب الإعادة والجمهور على الإجزاء وقاله أبو يوسف وأحمد ( فتوضأ) بماء زمزم كما رواه عبد الله بن أحمد في زوائد مسند أبيه بإسناد حسن عن علي وفيه رد على من منع استعماله لغير الشرب ( فلم يسبغ الوضوء) أي خففه ففي رواية محمد بن أبي حرملة فتوضأ وضوءًا خفيفًا وقيل معناه توضأ مرة مرة أو خفف استعمال الماء بالنسبة إلى غالب إعادته أو المراد اللغوي واستبعد وقال ابن عبد البر أي استنجى به وأطلق عليه اسم الوضوء اللغوي لأنه من الوضاءة وهي النظافة ومعنى الإسباغ الإكمال أي لم يكمل وضوءه فيتوضأ للصلاة قال وقد قيل إنه توضأ وضوءًا خفيفًا لكن الأصول تدفعه لأنه لا يشرع الوضوء لصلاة واحدة مرتين وليس ذلك في رواية مالك وقيل معناه لم يتوضأ في جميع أعضاء الوضوء بل اقتصر على بعضها وهو ضعيف وحكى ابن بطال أن عيسى بن دينار سبق أبا عمر إلى ما اختاره قال الحافظ وهو متعقب بهذه الرواية الصريحة وقد تابع محمد بن أبي حرملة عليها محمد بن عقبة أخو موسى عند مسلم بمثل لفظه وإبراهيم بن عقبة أخوهما في مسلم أيضًا بلفظ فتوضأ وضوءًا ليس بالبالغ وفي البخاري عن يحيى بن سعيد عن موسى بن عقبة بلفظ فجعلت أصب عليه ويتوضأ ولم يكن عادته صلى الله عليه وسلم أن يباشر ذلك منه أحد حال الاستنجاء وأما اعتلال ابن عبد البر بأن الوضوء لا يشرع مرتين لصلاة واحدة فليس بلازم لاحتمال أنه توضأ ثانيًا عن حدث طار وليس شرط تجديده إلا لمن صلى به فرضًا أو نفًلا بمتفق عليه بل أجازه جماعة وإن كان الأصح خلافه أو إنما توضأ أولاً ليستديم الطهارة ولا سيما في تلك الحالة لكثرة ذكر الله حينئذ وخفف الوضوء لقلة الماء وقال الخطابي إنما ترك إسباغه حتى نزل الشعب ليكون مستصحبًا للطهارة في طريقه وتجوز فيه لأنه لم يرد أن يصلي به فلما نزل وأرادها أسبغه ( فقلت له الصلاة) بالنصب على الإغراء أو بتقدير أتذكر أو تريد قال الحافظ ويؤيده رواية أتصلي ( يا رسول الله) ويجوز الرفع على تقدير حضرت الصلاة مثلاً ( قال الصلاة) بالرفع على الابتداء خبره ( أمامك) بفتح الهمزة والنصب على الظرفية أي موضع هذه الصلاة قدامك وهو المزدلفة فهو من ذكر الحال وإرادة المحل أو التقدير وقت الصلاة قدامك ففيه حذف مضاف إذ الصلاة نفسها لا توجد قبل إيجادها وإذا وجدت لا تكون أمامه أو معنى أمامك لا تفوتك وستدركها وفيه تذكير التابع ما تركه متبوعه ليفعله أو يعتذر عنه أو يبين له وجه صوابه ( فركب) ناقته القصواء ( فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ) بماء زمزم ( فأسبغ الوضوء) فيه تجديد الوضوء دون فصل بصلاة قال الخطابي وفيه نظر لاحتمال أنه أحدث ( ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب) بالناس قبل حط الرحال كما في رواية ( ثم أناخ كل إنسان) منا ( بعيره في منزله) رفقًا بالدواب أو للأمن من تشويشهم بها ( ثم أقيمت العشاء فصلاها) بالناس وبين مسلم عن إبراهيم بن عقبة عن كريب أنهم لم يزيدوا بين الصلاتين على الإناخة ولفظه فأقام المغرب ثم أناخ الناس ولم يحلوا حتى أقام العشاء فصلوا ثم حلوا وفيه إشعار بأنه خفف القراءة في الصلاتين وأنه لا بأس بالعمل اليسير بين الصلاتين اللتين يجمع بينهما ولا يقطع ذلك الجمع وجمع التأخير بمزدلفة وهو إجماع لكنه عند الشافعية وطائفة بسبب السفر وعند الحنفية والمالكية بسب النسك وأغرب الخطابي فقال لا يجوز أن يصلي الحاج المغرب إذا أفاض من عرفة حتى يبلغ المزدلفة ولو أجزأته في غيرها لما أخرها النبي صلى الله عليه وسلم عن وقتها الموقت لها في سائر الأيام ( ولم يصل بينهما شيئًا) أي لم يتنفل بينهما لأنه يخل بالجمع لأن الجمع يجعلهما كصلاة واحدة فوجب الولاء كركعات الصلاة ولولا اشتراط الولاء لما ترك صلى الله عليه وسلم الرواتب وظاهر الحديث أنه لم يؤذن لهما لأنه اقتصر على الإقامة وبه قال الشافعي في الجديد والثوري وأحمد في رواية وفي البخاري والنسائي عن ابن مسعود أنه أتى المزدلفة فأمر رجلاً فأذن وأقام ثم صلى المغرب ثم أمر فأذن وأقام ثم صلى العشاء ركعتين فذكر الحديث وقال في آخره رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله ففيه مشروعية الأذان والإقامة لهما وبه أخذ مالك واختاره البخاري قال ابن عبد البر ولا أعلم في ذلك حديثًا مرفوعًا وقال ابن حزم لو ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم لقلت به وتعقب ذلك الحافظ العراقي في شرح الترمذي بأن قول ابن مسعود رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله إن أراد به جميع ما ذكره في الحديث فهو مرفوع وإن أراد به كون العشاءين في هذا الوقت فيكون ذكر الأذانين والإقامتين موقوفًا عليه وهو الظاهر وروى ابن عبد البر أن أحمد بن خالد كان يتعجب من مالك حيث أخذ بحديث ابن مسعود وهو من رواية الكوفيين مع كونه موقوفًا عليه ومع كونه لم يروه ويترك ما روى عن أهل المدينة وهو مرفوع قال ابن عبد البر وأنا أعجب من الكوفيين حيث أخذوا برواية أهل المدينة وهو أن يجمع بينهما بأذان وإقامة واحدة وتركوا قول ابن مسعود مع أنهم لا يعدلون به أحدًا وأجاب الحافظ بأن مالكًا اعتمد صنيع عمر في ذلك وإن كان لم يروه في الموطأ فقد رواه الطحاوي بإسناد صحيح عنه ثم أوله بأنه محمول على أن أصحابه تفرقوا عنه فأذن لهم ليجتمعوا ليجمع بهم ولا يخفى تكلفه ولو تأتى له ذلك في حق عمر لكونه الإمام الذي يقيم للناس حجهم لم يتأت له في حق ابن مسعود لأنه إنما كان معه ناس من أصحابه لا يحتاج في جمعهم إلى من يؤذنهم واختار الطحاوي حديث جابر في مسلم أنه صلى الله عليه وسلم جمع بينهما بأذان واحد وإقامتين وهذا قول الشافعي في القديم وابن الماجشون ورواية عن أحمد وجاء عن ابن عمر كل واحدة من هذه الصفات الثلاثة أخرجه الطحاوي وغيره وكأنه رآه من الأمر المخير فيه وعنه صفة رابعة الإقامة لهما مرة واحدة رواه مسلم وأبو داود والنسائي وخامسة الأذان والإقامة مرة واحدة رواه النسائي وسادسة ترك الأذان والإقامة فيهما رواه ابن حزم انتهى ملخصًا فلله در مالك ما أدق نظره لما اختلفت الروايات عن ابن عمر لم يأخذ به وأخذ بما جاء عن عمر وابن مسعود لاعتضاده كما قال ابن عبد البر من جهة النظر فإن النبي صلى الله عليه وسلم سن في الصلاتين بعرفة والمزدلفة أن الوقت لهما جميعًا وقت واحد وإذا كان كذلك وكانت كل واحدة تصلى في وقتها لم تكن واحدة أولى بالأذان والإقامة من الأخرى لأنه ليس واحدة منهما فائتة تقضى وإنما هي صلاة تصلى في وقتها وكل صلاة صليت في وقتها فسنتها أن يؤذن لها وتقام في الجماعة وهذا بين انتهى وهذا الحديث رواه البخاري في الوضوء وأبو داود عن القعنبي والبخاري أيضًا هنا عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى الثلاثة عن مالك به وتابعه يحيى بن سعيد الأنصاري عن موسى في الصحيحين ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن عدي) بالدال ( ابن ثابت الأنصاري) الكوفي المتوفى سنة ست عشرة ومائة وفيه رواية تابعي عن تابعي يحيى عن عدي ( أن عبد الله بن يزيد) بياء قبل الزاي ابن زيد بلا ياء ابن حصين الأنصاري ( الخطمي) بفتح المعجمة وسكون المهملة نسبة إلى بني خطمة بطن من الأنصار صحابي صغير زاد في رواية الليث عند مسلم وكان أميرًا على الكوفة على عهد ابن الزبير ( أخبره أن أبا أيوب) خالد بن زيد ( الأنصاري أخبره أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعًا) أي جمع بينهما جمع تأخير زاد الطبراني من طريق جابر الجعفي ومحمد بن أبي ليلى كلاهما عن عدي بهذا الإسناد بإقامة واحدة والجعفي ضعيف لكن تقوى بمتابعة محمد ففيه رد على قول ابن حزم ليس في حديث أبي أيوب ذكر أذان ولا إقامة كذا قال الحافظ والظاهر أن نفي ابن حزم بالنظر إلى الصحة وهذا الحديث رواه البخاري في المغازي عن القعنبي عن مالك به وتابعه سليمان بن بلال عند الشيخين والليث بن سعد عند مسلم كلاهما عن يحيى بن سعيد ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يصلي المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعًا) اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وعقب المرفوع بالموقوف إشارة إلى بقاء العمل به وأنه لا يطرقه احتمال النسخ وفي رواية جويرية عن نافع كان ابن عمر يجمع بين المغرب والعشاء يجمع غير أنه يمر بالشعب الذي أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدخل فينتفض ويتوضأ ولا يصلي حتى يصلي بجمع رواه البخاري وهو بالفاء وضاد معجمة من الانتفاض كناية عن قضاء الحاجة فقد اتبعه حتى في قضاء الحاجة بالشعب لأنه كان شديد الاتباع.



رقم الحديث 927 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّاسَ كَانُوا، إِذَا رَمَوُا الْجِمَارَ، مَشَوْا ذَاهِبِينَ وَرَاجِعِينَ.
وَأَوَّلُ مَنْ رَكِبَ، مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ.


( مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن الناس كانوا إذا رموا الجمار مشوا ذاهبين وراجعين) مراده بالناس الصحابة وقد روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن عمر كان يمشي إلى الجمار مقبلاً ومدبرًا وروى أبو داود عن ابن عمر أنه كان يأتي الجمار في الأيام الثلاثة بعد يوم النحر ماشيًا ذاهبًا وراجعًا ويخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ( وأول من ركب معاوية بن أبي سفيان) لعذره بالسمن ولابن أبي شيبة أن جابر بن عبد الله كان لا يركب إلا من ضرورة



رقم الحديث 928 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ: مِنْ أَيْنَ كَانَ الْقَاسِمُ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ؟ فَقَالَ: مِنْ حَيْثُ تَيَسَّرَ قَالَ يَحْيَى: سُئِلَ مَالِكٌ: هَلْ يُرْمَى عَنِ الصَّبِيِّ وَالْمَرِيضِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.
وَيَتَحَرَّى الْمَرِيضُ حِينَ يُرْمَى عَنْهُ فَيُكَبِّرُ وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ وَيُهَرِيقُ دَمًا.
فَإِنْ صَحَّ الْمَرِيضُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ رَمَى الَّذِي رُمِيَ عَنْهُ.
وَأَهْدَى وُجُوبًا قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى عَلَى الَّذِي يَرْمِي الْجِمَارَ، أَوْ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَوَضٍّ، إِعَادَةً.
وَلَكِنْ لَا يَتَعَمَّدُ ذَلِكَ.


( مالك أنه سأل عبد الرحمن بن القاسم من أين كان القاسم) أبوك ( يرمي جمرة العقبة فقال من حيث تيسر) من بطن الوادي بمعنى أنه لم يعين محلاً منها للرمي وليس المراد من فوقها أو تحتها أو بظهرها لما صح أن النبي صلى الله عليه وسلم رماها من بطن الوادي وفي الصحيحين عن عبد الرحمن بن يزيد قال رمى عبد الله يعني ابن مسعود جمرة العقبة من بطن الوادي فقلت يا أبا عبد الرحمن إن أناسًا يرمونها من فوقها فقال والذي لا إله غيره هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة صلى الله عليه وسلم وعند ابن أبي شيبة وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلو إذا رمى الجمر وجمع بأن التي ترمى من بطن الوادي هي جمرة العقبة لأنها عند الوادي بخلاف الجمرتين الأخيرتين وتمتاز جمرة العقبة عنهما بأربعة أشياء اختصاصها بيوم النحر وأن لا يوقف عندها وترمى ضحى ومن أسفلها ندبًا ( سئل مالك هل يرمى عن الصبي والمريض فقال نعم) يرمى عنهما إن لم يمكن حملهما فإن أمكن حملاً ورميًا بأنفسهما كما قاله الإمام في المدونة ( ويتحرى المريض حين يرمى) بالبناء للمجهول ( عنه) وقت رمي النائب ( فيكبر وهو في منزله ويهريق) بضم الياء وفتح الهاء وكسر الراء ( دمًا) وجوبًا ( فإن صح المريض في أيام التشريق رمى الذي رمي) بضم الراء ( عنه وأهدى وجوبًا) فيهما ( قال مالك لا أرى على الذي يرمي الجمار أو يسعى بين الصفا والمروة وهو غير متوضئ إعادة) لأنه ليس شرط صحة فيهما ( ولكن لا يتعمد ذلك) لتفويته الفضيلة على نفسه



رقم الحديث 929 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ، صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ.
فَقَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ، ثُمَّ صَلَّى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَكْعَتَيْنِ بِمِنًى، وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ شَيْئًا.


( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه) مرسل وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن مسعود وابن عمر ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الصلاة) الرباعية ( بمنى) زاد في رواية لمسلم عن ابن عمر وعرفة ( ركعتين) قصرًا ( وأن أبا بكر صلاها بمنى ركعتين) في خلافته ( وأن عمر بن الخطاب صلاها بمنى ركعتين وأن عثمان صلاها بمنى ركعتين) وفائدة ذكر الخلفاء مع قيام الحجة بالفعل النبوي وحده أن هذا الحكم لم ينسخ إذ لو نسخ ما فعله الخلفاء بعده ( شطر) أي نصف ( إمارته) بكسر الهمزة أي خلافته وفي مسلم عن ابن عمر وعثمان ثمان سنين أو ست سنين بالشك وتبين من رواية الموطأ أن الصحيح ست لأن خلافته كانت ثنتي عشرة سنة ( ثم أتمها بعد) بالبناء على الضم لأن القصر والإتمام جائزان للمسافر فرأى عثمان ترجيح طرف الإتمام لأن فيه زيادة مشقة وفي الصحيح عن ابن شهاب قلت لعروة ما بال عائشة تتم قال تأولت كما تأول عثمان وهذا فيه رد على من زعم أن عثمان إنما أتم لأنه تأهل بمكة أو لأنه أمير المؤمنين فكل موضع له دار أو لعزمه على الإقامة بمكة أو لأنه استجد له أرضًا بمنى أو لأنه كان سبق الناس إلى مكة لأن جميع ذلك منتف في حق عائشة وأكثره لا دليل عليه بل هي ظنون ممن قالها ويرد الأول أنه صلى الله عليه وسلم كان يسافر بزوجاته وقصر والثاني أنه صلى الله عليه وسلم كان أولى بذلك والثالث أن الإقامة بمكة على المهاجر حرام والرابع والخامس لم ينقلا فلا يكفي الظن في ذلك والأول وإن نقل وأخرجه أحمد والبيهقي عن عثمان وأنه لما صلى بمنى أربع ركعات أنكر عليه الناس فقال إني تأهلت بمكة لما قدمت وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من تأهل ببلد فإنه يصلي صلاة مقيم فهذا حديث لا يصح لأنه منقطع وفي رواته من لا يحتج به ويرده قول عروة إن عائشة تأولت ما تأول عثمان ولا جائز أن تتأهل عائشة أصلاً فدل على وهاء ذلك الخبر ثم ظهر لي أنه يمكن أن مراد عروة التشبيه بعثمان في الإتمام بتأويل لا اتحاد تأويلهما ويقويه أن الأسباب اختلفت في تأول عثمان وتكاثرت بخلاف تأويل عائشة والمنقول أن سبب إتمام عثمان أنه كان يرى القصر مختصًا بمن كان شاخصًا سائرًا وأما من أقام في مكان أثناء سفره فله حكم المقيم فيتم لما رواه أحمد بإسناد حسن عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال لما قدم معاوية حاجًا صلى بنا الظهر ركعتين بمكة ثم انصرف إلى دار الندوة فدخل عليه مروان وعمرو بن عثمان فقالا لقد عبت أمر ابن عمك لأنه كان قد أتم الصلاة قال وكان عثمان حيث أتم الصلاة إذا قدم مكة صلى بها الظهر أربعًا والعصر والعشاء أربعًا أربعًا ثم إذا خرج إلى منى وعرفة قصر الصلاة فإذا فرغ من الحج وقام بمنى أتم الصلاة وقال ابن بطال الصحيح أن عثمان وعائشة رأيًا أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قصر لأنه أخذ بالأيسر على أمته فأخذا أنفسهما بالشدة ورجحه جماعة من آخرهم القرطبي لكن ما قبله أولى لتصريح الراوي بالسبب وروى الطحاوي وغيره عن الزهري قال إنما صلى عثمان أربعًا لأن الأعراب كثروا في ذلك العام فأحب أن يعلمهم أن الصلاة أربع وروى البيهقي عن عثمان أنه أتم بمنى ثم خطب فقال إن القصر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ولكنه حدث طغام يعني بفتح الطاء والمعجمة فخفت أن يستنوا وله عن ابن جريج أن أعرابيًا ناداه بمنى يا أمير المؤمنين ما زلت أصليهما منذ رأيتكم عام أول ركعتين ولا مانع أن يكون هذا أصل سبب الإتمام ولا يعارض الوجه الأول الذي اخترته بل يقويه من حيث إن حالة الإقامة في أثناء السفر قريب إلى قياس الإقامة المطلقة عليها بخلاف السائر وهذا ما أدى إليه اجتهاد عثمان قاله الحافظ واستدل مالك بهذا الحديث على أن الحجاج يقصرون الصلاة بمنى وعرفة ولو كانوا من أهل مكة وبمكة ولو كانوا من أهل منى وعرفة وإنما يمتنع أن يقصر أهل مكة بها أو أهل منى بها أو عرفة بها لقصرهم مع النبي صلى الله عليه وسلم قال عياض ولأن في تكرار مشاعر الحج ومناسكه مقدار المسافة التي يجوز فيها قصر الصلاة عند الجميع وقال الأكثر إنما يجوز القصر لغير أهل مكة ومنى وعرفة لأنهم مقيمون أو في سفر قصير وقال بعض المالكية لو لم يجز القصر لأهل مكة بمنى لقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم أتموا وليس بين منى ومكة مسافة قصر فدل على أن القصر للنسك وأجيب بأن الترمذي روى عن عمران بن حصين شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتح فأقام بمكة ثمان عشرة ليلة يصلي ركعتين ويقول يا أهل مكة أتموا فإنا قوم سفر فكأنه ترك إعلامهم بذلك بمنى استغناء بما تقدم بمكة قال الحافظ وهذا ضعيف لأن الحديث من رواية علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف ولو صح فالقصة في الفتح وقصة منى في حجة الوداع فكان لا بد من بيان ذلك لبعد العهد قال ولا يخفى أن أصل البحث مبني على تسليم أن المسافة بين مكة ومنى لا قصر فيها وهي من محال الخلاف انتهى على أنه قد يدعى أن حديث عمران لو صح من أدلتنا إذ قوله ذلك لأهل مكة فيها دون قوله لهم لما حجوا معه بمنى وعرفة دليل على أنهم يقصرون في ذلك كما فهمه أسلم وابن المسيب كما ذكره بقوله ( مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب لما قدم مكة صلى بهم) إمامًا لأنه الخليفة ولا يؤم الرجل في سلطانه ( ركعتين ثم انصرف) من الصلاة بالسلام ( فقال يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر) بفتح فسكون جمع سافر كركب وراكب ( ثم صلى عمر بن الخطاب ركعتين بمنى) بالناس ( ولم يبلغنا أنه قال لهم شيئًا) أي لأهل مكة لخروجهم منها للحج فدل على أن سنتهم حينئذ القصر ( مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب صلى للناس) أي بهم إمامًا ( بمكة ركعتين فلما انصرف) سلم من الصلاة ( قال يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر ثم صلى عمر) الرباعية ( ركعتين بمنى ولم يبلغنا أنه قال لهم شيئًا) فدل ذلك على أن أهل مكة يقصرون بمنى إذا حجوا إذ لو لزمهم الإتمام لبينه لهم كما بينه في مكة وزعم أنه تركه اكتفاء بالبيان بمكة ممنوع وسنده أن الأصل عدم الاكتفاء في بيان الأحكام لا سيما مع اختلاف المحل وتقدم في القصر طريق ثالث لأثر عمر وهو مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن عمر كان إذا قدم مكة صلى بهم فذكره ( سئل مالك عن أهل مكة كيف صلاتهم بعرفة) الرباعية ( أركعتان) هي ( أم أربع وكيف بأمير الحاج إن كان من أهل مكة أيصلي الظهر والعصر بعرفة أربع ركعات) إتمامًا ( أو ركعتين) قصرًا ( وكيف صلاة أهل مكة في إقامتهم) أيام الرمي ( فقال مالك يصلي أهل مكة بعرفة ومنى ما أقاموا) مدة إقامتهم ( بهما ركعتين ركعتين) بكل رباعية ( يقصرون الصلاة حتى يرجعوا إلى مكة) عملاً بالسنة ( قال وأمير الحاج أيضًا إذا كان من أهل مكة قصر الصلاة بعرفة وأيام منى) لأن سبب القصر النسك فلا فرق بين بعيد وقريب ( وإن كان أحد ساكنًا بمنى مقيمًا بها فإن ذلك) الأحد ( يتم الصلاة بمنى وإن كان أحد ساكنًا بعرفة مقيمًا بها) وإن لم يكن من أصل أهلها فالمدار على الإقامة ( فإن ذلك يتم الصلاة بها أيضًا) لأنهما في أوطانهما كأهل مكة إذا أحرموا بالحج بمكة يتمون قبل الخروج إلى منى وعرفة فالضابط أن أهل كل مكان يتمون فيه ويقصرون فيما عداه قال ابن المنير السر في القصر في هذه المواضع المتقاربة إظهار الله تعالى لفضله على عباده حتى اعتد لهم بالحركة القريبة اعتداده بالسفر البعيد فجعل الوافدين من عرفة إلى مكة كأنهم سافروا إليها ثلاثة أسفار سفر إلى المزدلفة ولهذا يقصر أهل عرفة بالمزدلفة وسفر إلى منى ولهذا يقصر أهل المزدلفة بمنى وسفر إلى مكة ولهذا يقصر أهل مكة فهي على قربها من عرفة معدودة بثلاث مسافات كل مسافة منها سفر طويل وسر ذلك والله أعلم أنهم كلهم وفد الله وأن البعيد كالقريب في إسباغ الفضل انتهى.


رقم الحديث 929 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لَا تُرْمَى الْجِمَارُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ.


( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول لا ترمى الجمار في الأيام الثلاثة) بعد يوم النحر لغير المتعجل واليومين للمتعجل ( حتى تزول الشمس) فيستحب رميها عقبه قبل صلاة الظهر فإن رماها قبل الزوال أعاد رميها بعده عند الجمهور والأئمة الأربع.