فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ جَامِعِ الْحَجِّ

رقم الحديث 953 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّهُ قَالَ: وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ بِمِنًى.
وَالنَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ.
لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْحَرْ وَلَا حَرَجَ، ثُمَّ جَاءَهُ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ.
لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ.
قَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ، قَالَ: فَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ، قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ، إِلَّا قَالَ: افْعَلْ وَلَا حَرَجَ.


( جامع الحج)

( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم وللنسائي من طريق يحيى القطان عن مالك حدثني الزهري ( عن عيسى بن طلحة) بن عبيد الله القرشي التيمي المدني أبي محمد ثقة فاضل مات سنة مائة وأبوه طلحة أحد العشرة وفي رواية ابن جريج عند مسلم وصالح بن كيسان عند البخاري كلاهما عن ابن شهاب قال حدثني عيسى بن طلحة ( عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ( ابن العاصي) بالياء وحذفها والإثبات أصح وفي رواية ابن جريج حدثني عبد الله وللبخاري عنه أن عبد الله حدثه وكذا في رواية صالح أن عبد الله حدثه ( أنه قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم) على ناقته كما في رواية صالح عند البخاري ويونس عند مسلم بلفظ على راحلته ومعمر عند أحمد والنسائي كلهم عن ابن شهاب فرواية يحيى القطان عن مالك جلس في حجة الوداع فقام رجل محمول على أنه ركب ناقته وجلس عليها ( للناس بمنى) زاد التنيسي والنيسابوري وغيرهما في حجة الوداع وفي رواية وقف عند الجمرة وأخرى فخطب يوم النحر قال عياض جمع بعضهم بأنه موقف واحد ومعنى خطب أي علم الناس لا أنها من خطب الحج المشروعة قال ويحتمل أن ذلك في موطنين أحدهما على راحلته عند الجمرة ولم يقل في هذا خطب والثاني يوم النحر بعد صلاة الظهر وذلك في وقت الخطبة المشروعة من خطب الحج يعلم الإمام فيها الناس ما بقي عليهم من مناسكهم وصوب النووي هذا الثاني قال الحافظ فإن قيل لا فرق بين الاحتمالين فإنه ليس في شيء من طريق حديث ابن عمرو وابن عباس بيان الوقت الذي خطب فيه من النهار قلنا نعم لم يقع التصريح بذلك لكن في رواية ابن عباس أن بعض السائلين قال رميت بعد ما أمسيت فدل على أن القصة كانت بعد الزوال لإطلاق المساء على ما بعده فكأن السائل علم أن السنة رمي الجمرة ضحى فلما أخرها إلى الزوال سأل عنه على أن حديث ابن عمرو مخرجه واحد لا يعرف إلا من طريق الزهري ولا خلاف فيه بين أصحابه غايته أن بعضهم ذكر ما لم يذكره الآخر واجتمع من مرويهم ومروي ابن عباس أن ذلك كان يوم النحر بعد الزوال وهو على راحلته يخطب عند الجمرة فإذا تقرر ذلك تعين أنها الخطبة المشروعة لتعلم بقية المناسك فليس قوله خطب مجازًا عن مجرد التعليم بل هي حقيقية ولا يلزم من وقوعه عند الجمرة أن يكون حينئذ رماها ففي البخاري وغيره عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات فذكر خطبته فلعل ذلك وقع بعد أن أفاض ورجع إلى منى انتهى وقال الأبي ترجم البخاري الفتيا على الدابة عند الجمرة فهو يدل على أنها لم تكن خطبة ( والناس يسألونه) وفي رواية فجعلوا يسألونه وأخرى فطفق ناس يسألونه ( فجاءه رجل) قال الحافظ لم أقف على اسمه بعد البحث الشديد ولا على اسم أحد ممن سأل في هذه القصة وكانوا جماعة لكن في حديث أسامة بن شريك عند الطحاوي وغيره كان الأعراب يسألونه فكان هذا هو السبب في عدم ضبط أسمائهم ( فقال له يا رسول الله لم أشعر) بضم العين أي أفطن يقال شعرت بالشيء شعورًا إذا فطنت له وقيل الشعور العلم ولم يفصح في رواية مالك بمتعلق الشعور وبينه يونس عند مسلم بلفظ لم أشعر أن الرمي قبل الحلق ( فحلقت) شعر رأسي ( قبل أن أنحر) وفي رواية قبل أن أذبح والفاء سببية جعل الحلق مسببًا عن عدم الشعور كأنه يعتذر لتقصيره ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انحر) وفي رواية اذبح ( ولا حرج) قال عياض ليس أمرًا بالإعادة وإنما هو إباحة لما فعل لأنه سأل عن أمر فرغ منه فالمعنى افعل ذلك متى شئت ونفي الحرج بين في رفع الفدية عن العامد والساهي وفي رفع الإثم عن الساهي وأما العامد فالأصل أن تارك السنة عمدًا لا يأثم إلا أن يتهاون فيأثم للتهاون لا للترك ( ثم جاءه آخر فقال يا رسول الله لم أشعر) أفطن أو أعلم زاد يونس أن الرمي قبل النحر ( فنحرت) الهدي ( قبل أن أرمي) الجمرة ( قال ارم ولا حرج) أي لا ضيق عليك في ذلك زاد في رواية ابن جريج في الصحيحين وأشباه ذلك وفي رواية محمد بن أبي حفصة عن الزهري عند مسلم وقال آخر أفضت إلى البيت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج وفي رواية معمر عند أحمد زيادة الحلق قبل الرمي فحاصل ما في حديث عبد الله بن عمرو السؤال عن أربعة أشياء الحلق قبل الذبح والنحر قبل الرمي والحلق قبل الرمي والإفاضة قبل الرمي والأوليان في حديث ابن عباس أيضًا في الصحيح وللدارقطني من حديثه أيضًا السؤال عن الحلق قبل الرمي وكذا في حديث جابر وأبي سعيد عند الطحاوي وفي حديث علي عند أحمد السؤال عن الإفاضة قبل الحلق وفي حديثه عند الطحاوي السؤال عن الرمي والإفاضة معًا قبل الحلق وفي حديث جابر عند ابن حبان وغيره السؤال عن الإفاضة قبل الذبح وفي حديث أسامة بن شريك السؤال عن السعي قبل الطواف وهو محمول على من سعى بعد طواف القدوم ثم طاف طواف الإفاضة فإنه يصدق عليه أنه سعى قبل الطواف أي الركن فهذا ما تحرر من مجموع الأحاديث وبقي عدة صور لم يذكرها الرواة إما اختصارًا وإما لأنها لم تقع وبلغت بالتقسيم أربعًا وعشرين صورة منها صورة الترتيب المتفق عليها وهي رمي جمرة العقبة ثم نحر الهدي أو ذبحه ثم الحلق أو التقصير ثم طواف الإفاضة وفي الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزله بمنى فنحر وقال للحالق جز ولأبي داود رمى ثم نحر ثم حلق أجمع العلماء على مطلوبية هذا الترتيب إلا أن ابن الجهم استثنى القارن فقال لا يحلق حتى يطوف كأنه لا حظ أنه في عمل العمرة والعمرة يتأخر فيها الحلق عن الطواف ورد عليه النووي وأجمع العلماء على الإجزاء في التقديم والتأخير إلا أنهم اختلفوا في الدم فأوجبه مالك في تقديم الإفاضة على الرمي لأنه لم يقع في روايته حديث الباب ولا يلزم بزيادة غيره لأنه أثبت الناس في ابن شهاب وأوجب الفدية في تقديم الحلق على الرمي لوقوعه قبل شيء من التحلل وذلك أبو حنيفة إلى أن الترتيب واجب وعليه الدم في كل المخالفة وتأول لا حرج على نفي الإثم لأنه فعل على الجهل لا القصد فأسقط الحرج وعذرهم لعدم العلم بدليل قول السائل لم أشعر وذهب الجمهور والشافعي وأحمد في رواية إلى الجواز وعدم وجوب الدم في شيء لعموم قوله ( قال) عبد الله بن عمرو ( فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد في رواية يومئذ ( عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج) عليك فإنه ظاهر في نفي الإثم والفدية والدم لأن اسم الضيق يشمل ذلك قال الطحاوي لكن يحتمل أنه لا إثم في ذلك الفعل لمن كان ناسيًا أو جاهلاً أي كالسائلين قال وأما من تعمد المخالفة فيجب عليه الفدية وتعقب بأن وجوبها يحتاج إلى دليل ولو وجبت لبينه صلى الله عليه وسلم حينئذ وقت الحاجة فلا يجوز تأخيره قال الطبري ولم يسقط النبي صلى الله عليه وسلم الحرج إلا وقد أجزأ الفعل إذ لو لم يجز لأمره بالإعادة لأن الجهل والنسيان لا يضعان الحكم اللازم في الحج كما لو ترك الرمي ونحوه فلا يأثم بتركه جاهلاً أو ناسيًا لكن تجب عليه الإعادة قال والعجب ممن يحمل قوله ولا حرج على نفي الإثم فقط ثم يخص ذلك ببعض الأمور دون بعض فإن كان الترتيب واجبًا يجب بتركه دم فليكن في الجميع وإلا فما وجه تخصيص بعض دون بعض مع تعميم الشارع الجميع بنفي الحرج كذا قال وجوابه إن مالكًا خص من العموم تقديم الحلق على الرمي فأوجب فيه الفدية لعلة أخرى وهي إلقاء التفث قبل فعل شيء من التحلل وقد أوجب الله ورسوله الفدية على المريض أو من برأسه أذى إذا حلق قبل محل الحلق مع جواز ذلك له لضرورته فكيف بالجاهل والناسي وخص منه أيضًا تقديم الإفاضة على الرمي لئلا يكون وسيلة إلى النساء والصيد قبل الرمي ولأنه خلاف الواقع منه صلى الله عليه وسلم وقد قال خذوا عني مناسككم ولم يثبت عنده زيادة ذلك في حديث الباب فلا يلزمه زيادة غيره وهو أثبت الناس في ابن شهاب ومحل قبول زيادة الثقة ما لم يكن من لم يزدها أوثق منه وابن أبي حفصة الذي روى ذلك عن ابن شهاب وإن كان صدوقًا وروى له الشيخان لكنه يخطئ بل ضعفه النسائي واختلف قول ابن معين في تضعيفه وكان يحيى بن سعيد يتكلم فيه وقال أحمد في رواية إن كان ناسيًا أو جاهلاً فلا شيء عليه وإن كان عالمًا فلا لقوله لم أشعر وأجيب بأن الترتيب لو وجب لما سقط بالسهو كالترتيب بين السعي والطواف إذ لو سعى قبله وجبت إعادة السعي لكن قال ابن دقيق العيد ما قاله أحمد قوي لأن الدليل دل على وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم في الحج لقوله خذوا عني مناسككم وهذه الأحاديث المرخصة قد قرنت بقول السائل لم أشعر فيختص الحكم بهذه الحالة وتبقى حالة العمد على أصل وجوب الاتباع في الحج وأيضًا الحكم إذا رتب على وصف يمكن أنه معتبر لم يجز طرحه ولا شك أن عدم الشعور وصف مناسب لعدم المؤاخذة وقد علق به الحكم فلا يمكن طرحه بإلحاق العمد به إذ لا يساويه والتمسك بقوله فما سئل إلخ لإشعاره بأن الترتيب مطلقًا غير مراعى جوابه إن هذا الإخبار من الراوي يتعلق بما وقع السؤال عنه وهو مطلق بالنسبة إلى حالة السائل والمطلق لا يدل على أحد الخاصين فلا يبقى فيه حجة في حالة العمد انتهى وفيه وجوب اتباع أفعاله صلى الله عليه وسلم لأن الذين خالفوه لما علموا سألوا عن حكم ذلك وجواز سؤال العالم واقفًا وراكبًا ولا يعارضه ما روي عن مالك من كراهة ذكر العلم والحديث في الطريق لأن الوقوف بمنى لا يعد من الطرق لأنه موقف عبادة وذكر ووقت حاجة إلى التعلم خوف الفوات إما بالزمان أو المكان وأخرجه البخاري في العلم عن إسماعيل وهنا عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى الثلاثة عن مالك وتابعه جماعة عن ابن شهاب به في الصحيحين وغيرهما ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل) بقاف ثم فاء بزنة رجع ومعناه ( من غزو أو حج أو عمرة يكبر) الله تعالى ( على كل شرف) بفتح المعجمة والراء ثم فاء أي مكان عال ( من الأرض) ولمسلم من رواية عبيد الله عن نافع إذا أوفى على ثنية أو فدفد كبر أي ارتفع على ثنية بمثلثة فنون فتحتية هي العقبة وفدفد بفتح الفاءين بعد كل دال مهملة الأشهر أنه المكان المرتفع وقيل الأرض المستوية وقيل الفلاة الخالية من شجر وغيره وقيل غليظ الأودية ذات الحصى ( ثلاث تكبيرات) قال الطيبي وجه التكبير على الأماكن العالية هو ندب الذكر عند تجدد الأحوال والتقلبات وكان صلى الله عليه وسلم يراعي ذلك في الزمان والمكان وقال الحافظ الزين العراقي مناسبته أن الاستعلاء محبوب للنفس وفيه ظهور وغلبة فينبغي للمتلبس به أن يذكر عنده أن الله أكبر من كل شيء ويكرر ذلك ويستمطر منه المزيد ( ثم يقول لا إله إلا الله) بالرفع على الخبرية بلا أو على البدلية من الضمير المستتر في الخبر المقدر أو من اسم لا باعتبار محله قبل دخولها ( وحده) حال أي منفردًا ( لا شريك له) عقلاً لاستحالته ونقلاً { { وإلهكم إله واحد } } في آيات أخر وهو تأكيد لوحده لأن المتصف بها لا شريك له ( له الملك) بضم الميم السلطان والقدرة وأصناف المخلوقات ( وله الحمد) زاد في رواية للطبراني يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير ( وهو على كل شيء قدير) قال الحافظ يحتمل أنه كان يأتي بهذا الذكر عقب التكبير على المكان المرتفع ويحتمل أنه يكمل الذكر مطلقًا ثم يأتي بالتسبيح إذا هبط قال القرطبي وفي تعقيب التكبير بالتهليل إشارة إلى أنه المنفرد بإيجاد جميع الموجودات وأنه المعبود في جميع الأماكن ( آيبون) بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي نحن آيبون جمع آيب بوزن راجع ومعناه أي راجعون إلى الله وليس المراد الإخبار بمحض الرجوع فإنه تحصيل الحاصل بل الرجوع في حالة مخصوصة وهي تلبسهم بالعبادة المخصوصة والاتصاف بالأوصاف المذكورة ( تائبون) من التوبة وهي الرجوع عما هو مذموم شرعًا إلى ما هو محمود شرعًا وفيه إشارة إلى التقصير في العبادة وقاله صلى الله عليه وسلم تواضعًا أو تعليمًا لأمته أو المراد أمته وقد تستعمل التوبة لإرادة الاستمرار على الطاعة فيكون المراد أن لا يقع منهم ذنب ( عابدون ساجدون لربنا حامدون) كلها رفع بتقدير نحن وقوله لربنا متعلق بساجدون أو بسائر الصفات على طريق التنازع ( صدق الله وعده) فيما وعد به من إظهار دينه بقوله { { وعدكم الله مغانم كثيرة } } وقوله تعالى { { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض } } الآية وهذا في سفر الغزو ومناسبته للحج والعمرة قوله { { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } } ( ونصر عبده) محمدًا صلى الله عليه وسلم ( وهزم الأحزاب وحده) من غير فعل أحد من الآدميين ولا سبب من جهتهم وهذا معنى الحقيقة فإن العبد وفعله خلق لربه والكل منه وإليه ولو شاء أن يبيد الكفار بلا قتال لفعل وفيه التفويض إلى الله تعالى قيل الأحزاب هنا كفار قريش ومن وافقهم الذين تحزبوا أي تجمعوا في غزوة الخندق ونزل فيهم سورة الأحزاب وقيل المراد أعم من ذلك أي أحزاب الكفار في جميع الأيام والمواطن قال النووي والمشهور الأول قيل فيه نظر لأنه يتوقف على أن هذا الذكر إنما شرع من بعد الخندق وأجيب بأن غزواته صلى الله عليه وسلم التي خرج فيها بنفسه محصورة والمطابق منها لذلك غزوة الخندق لظاهر قوله تعالى { { ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال } } وقوله قبل ذلك { { إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها } } الآية وأصل الحزب القطعة المجتمعة من الناس فاللام إما جنسية أي كل من تحزب من الكفار وإما عهدية والمراد من تقدم وهو الأقرب قال القرطبي ويحتمل أن يكون هذا الخبر بمعنى الدعاء أي اللهم اهزم الأحزاب والأول أظهر ثم ظاهر الحديث اختصاص ذلك بالغزو والحج والعمرة والجمهور على أنه يشرع قول ذلك في كل سفر طاعة كصلة رحم وطلب علم لما يشمل الجميع من اسم الطاعة وإنما اقتصر الصحابي على الثلاث لانحصار سفره صلى الله عليه وسلم فيها وقيل يتعدى أيضًا إلى السفر المباح لأن المسافر فيه لا ثواب له فلا يمتنع عليه فعل ما يحصل له الثواب وقيل يشرع في سفر المعصية أيضًا لأن مرتكبها أحوج إلى تحصيل الثواب من غيره وتعقب بأن الذي يخصه بسفر الطاعة لا يمنع من سافر في مباح ولا معصية من الإكثار من ذكر الله وإنما النزاع في خصوص هذا الذكر في هذا الوقت المخصوص فذهب قوم إلى الاختصاص لكونها عبادات مخصوصة شرع لها ذكر مخصوص فتختص به كالذكر المأثور عقب الأذان وعقب الصلاة انتهى وفيه جواز السجع في الدعاء والكلام بلا تكلف وإنما ينهى عن المتكلف لأنه يشغل عن الإخلاص ويقدح في النية ورواه البخاري هنا عن عبد الله بن يوسف وفي الدعوات عن إسماعيل ومسلم من طريق معن الثلاثة عن مالك به وتابعه عبيد الله وأيوب والضحاك عن نافع عند مسلم ( مالك عن إبراهيم بن عقبة) بالقاف ابن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني وثقه أحمد وابن معين والنسائي وروى عنه أيضًا السفيانان وحماد بن زيد وابن المبارك وآخرون وقال ابن عبد البر ثقة حجة أسن من أخيه موسى ومحمد أسن منه وسمع إبراهيم من أم خالد بنت خالد بن سعيد وهي من المبايعات وزعم ابن معين أنهم مواليها لم يتابع عليه والصواب أنهم موالي آل الزبير كما قال مالك والبخاري وغيرهما له في الموطأ مرفوعًا هذا الحديث الواحد ( عن كريب مولى عبد الله بن عباس) مرسلاً عند أكثر رواة الموطأ ووصله الشافعي وابن وهب ومحمد بن خالد وأبو مصعب وعبد الله بن يوسف فزادوا ( عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بامرأة) ولمسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم لقي ركبًا بالروحاء فقال من القوم فقالوا المسلمون فقالوا من أنت قال رسول الله فرفعت إليه امرأة صبيًا ( وهي في محفتها) بكسر الميم كما جزم به الجوهري وغيره وحكى في المشارق الكسر والفتح بلا ترجيح شبه الهودج إلا أنه لا قبة عليها ( فقيل لها هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بضبعي صبي) بفتح الضاد المعجمة وإسكان الموحدة وفتح العين مثنى وهما باطنًا الساعد ( كان معها) ولأبي داود ففزعت امرأة فأخذت بعضد صبي فأخرجته من محفتها وهو بكسر الزاي أي ذعرت خوفًا أن يفوتها المصطفى ويتعذر عليها سؤاله ويحتمل أن المراد بالفزع هنا الاستغاثة والالتجاء أي استغاثت به أو بادرت أو قصدته صلى الله عليه وسلم ( فقالت ألهذا حج يا رسول الله قال نعم) له حج وزادها على السؤال ( ولك أجر) ترغيبًا لها قال عياض والأجر لها فيما تتكلفه من أمره في ذلك وتعليمه وتجنيبه ما يجتنب المحرم وقال عمر وكثيرون إن الصبي يثاب وتكتب حسناته دون السيئات واختلف هل هو مخاطب على وجه الندب أو إنما المخاطب الولي بحمله على أدب الشريعة للتمرين وهذا هو الصحيح وعلى هذا فلا يبعد أن الله سبحانه يدخر للصبي ثواب ما عمل قال النووي والصبي الذي يحرم عنه الولي الصحيح عندنا أنه الولي الذي له النظر في ما له من أب أو جد أو وصي أو مقدم قاض أو ناظر ولا يصح إحرام الأم عنه إلا أن تكون وصية أو مقدمة من القاضي وقيل يصح إحرامها وإحرام العصبة وإن لم يكن لهم نظر في المال نقله الأبي وأقره وهو مقتضى مذهب مالك رحمه الله قال الشيخ ولي الدين لا يصح الاستدلال بهذا الحديث على صحة الإحرام عنه مطلقًا لاحتمال أن هذا الصبي كان مميزًا فأحرم هو عن نفسه وعلى تقدير أنه لم يميز فلعل له وليًا أحرم عنه وعلى تقدير أنها التي أحرمت فلعلها ولية مال وفيه المبادرة إلى استفتاء العلماء والأخذ عنهم قبل فواتهم وجواز ركوب المحفة والمحمل وإن كان الأفضل الركوب على القتب في حق من أطاقه لكن الظاهر أن المحمل في حق المرأة أولى لأنه أستر لها وفيه مشروعية الحج بالصغار وبه قال الأئمة قال ابن عبد البر وعليه جمهور العلماء في كل قرن وقالت طائفة لا يحج بهم وهو قول لا يشتغل به ولا يعرج عليه وقال عياض لا خلاف بين العلماء في جواز الحج بالصبيان وإنما منعه طائفة من أهل البدع لا يلتفت إليهم بل هو مردود بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإجماع الأمة وفيه انعقاد حج الصبي وصحته ووقوعه نفلاً وأنه مثاب عليه فيجتنب ما يجتنبه الكبير مما يمنعه الإحرام ويلزمه من الفدية والهدي ما يلزمه وبه قال الأئمة الثلاثة والجمهور وقال أبو حنيفة لا ينعقد وإنما يجنب من ذلك ويفعل للتمرين ليفعله إذا بلغ قال المازري وغيره والحديث حجة للجمهور وتأوله الحنفية على أنه إنما يفعل به ذلك للتمرين واحتمال أن الصبي كان بالغًا لا يصح إذ لا فائدة لقولها ألهذا حج على أنه في بعض طرق الحديث صرح بأنه صغير ويدل عليه رفعها له إذ لا يرفع الكبير ويدل له أيضًا فأخذت بضبعي صبي وهي في محفة وفي رواية فأخرجته من محفتها قال عياض وأجمعوا على أنه لا يجزيه إذا بلغ عن حجة الفرض إلا فرقة شذت فقالت يجزيه ولم يلتفت العلماء إلى قولها وحكى ابن عبد البر عن داود في المملوك البالغ إذا حج قبل عتقه يجزئه عن حجة الإسلام دون الصبي وفرق بخطاب المملوك عنده به والصبي غير مخاطب وجمهور العلماء على أن العبد لا يخاطب بالحج وأنه لا يجزئه عن الفرض كالصبي وهذا الحديث رواه النسائي من طريق محمد بن خالد وابن وهب والطحاوي وغيره من طريق الشافعي وابن عبد البر من طريق ابن أبي مصعب الأربعة عن مالك به متصلاً وتابعه سفيان بن عيينة عند مسلم وأبي داود والنسائي وغيرهم ولم يختلف عليه في اتصاله وعبد العزيز بن أبي سلمة وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة كلاهما عند البيهقي موصولاً وأخوه موسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق رواهما ابن عبد البر متصلاً وسفيان الثوري مرسلاً في رواية ابن مهدي عنه عند مسلم وموصولاً في رواية أبي نعيم الفضل بن دكين عنه عند النسائي فاختلف عليه في وصله وإرساله كما اختلف على مالك في ذلك والظاهر أن كلاً من مالك وشيخه إبراهيم حدث به على الوجهين فإن الرواة عن كل منهما بالوصل والإرسال حفاظ ثقات ويقوي ذلك أنه اختلف على ابن القاسم فرواه سحنون عنه عن مالك مرسلاً ورواه يوسف بن عمرو والحارث بن مسكين عنه عن مالك متصلاً فكأنه سمعه من مالك بالوجهين وقد أخرجه مسلم بالوجهين من طريق السفيانين وكأن البخاري ترك تخريجه في صحيحه لهذا الاختلاف لكن قال ابن عبد البر من وصل هذا الحديث وأسنده فقوله أولى وأصح والحديث صحيح مسند ثابت الاتصال لا يضره تقصير من قصر به لأن الذين أسندوه حفاظ ثقات انتهى وسبقه إلى ذلك الإمام أحمد فصحح وصله ( مالك عن إبراهيم بن أبي عبلة) بفتح المهملة وسكون الموحدة واسمه شمر بكسر المعجمة ابن يقظان العقيلي ثم الشامي يكنى أبا إسماعيل ثقة تابعي سمع أنسًا وأبا أمامة ووائلة سكن الشام وبها مات سنة اثنين أو إحدى وخمسين ومائة لمالك عنه مرفوعًا هذا الحديث الواحد ( عن طلحة بن عبيد الله) بضم العين ( ابن كريز) بفتح الكاف وكسر الراء وإسكان التحتية وزاي منقوطة الخزاعي وثقه أحمد والنسائي يكنى أبا المطرف وهو تابعي مات بالشام سنة ثمان عشرة ومائة ووهم من ظنه أحد العشرة لأنه تيمي واسم جده عثمان وهذا خزاعي وجده كريز فحديثه مرسل وزعم ابن الحذاء أنه من الغرائب التي لم يوجد لها إسناد ولا نعلم أحدًا أسنده من قصوره الشديد فقد وصله الحاكم في المستدرك عن أبي الدرداء ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما رئي) بالبناء للمجهول ( الشيطان يومًا) أي في يوم ( هو فيه أصغر) أي أذل ( ولا أدحر) بإسكان الدال وفتح الحاء وبالراء مهملات أي أبعد عن الخير قال تعالى { { مدحورًا } } أي مبعدًا من رحمة الله ( ولا أحقر) أذل وأهون عند نفسه لأنه عند الناس حقير أبدًا ( ولا أغيظ) أشد غيظًا محيطًا بكبده وهو أشد الحنق ( منه في يوم عرفة وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة) أي الملائكة النازلين بها على الواقفين بعرفة وهو لعنة الله لا يحب ذلك وليس المراد أنه يرى الرحمة نفسها ولعله رأى الملائكة تبسط أجنحتها بالدعاء للحاج ويحتمل أنه سمع الملائكة تقول غفر لهؤلاء أو نحو ذلك فعلم أنهم نزلوا بالرحمة ورؤيته الملائكة للغيظ لا للإكرام قاله أبو عبد الملك البوني ( وتجاوز الله عن الذنوب العظام) الكبائر التي زينها لهم لعنه الله وكان يود أن يهلكهم بها وانتقالهم منها إلى الكفر لأنها كما قيل بريده فيخلدوا في العذاب الأليم مثله ( إلا ما أري يوم بدر) أول غزوة وقع فيها القتال وكانت في ثانية الهجرة ( قيل وما رأى يوم بدر يا رسول الله قال أما) بالتخفيف ( إنه قد رأى جبريل يزع) بفتح الياء والزاي المنقوطة وعين مهملة أي يصف ( الملائكة) للقتال ويمنعهم أن يخرج بعضهم عن بعض في الصف قال الشاعر

ولا يزع النفس اللحوح عن الهوى
من الناس إلا وافر العقل كامله

وقيل معناه يكفهم قال ابن حبيب وليس كذلك إذ لو رأى ذلك لأحبه ولكنه رآه يعبيهم للقتال والمعبي يسمى وازعًا ومنه قوله تعالى { { وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } } أي يحبس أولهم على آخرهم وفيه فضل الحج وشهود عرفة وسعة فضل الله على المذنبين وفي مسلم والنسائي وابن ماجه عن عائشة مرفوعًا ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبيدًا من النار من يوم عرفة وأنه ليدنو ويتجلى ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء ولأحمد وصححه ابن حبان والحاكم عن أبي هريرة رفعه إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء فيقول لهم انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثًا غبرًا وروى ابن خزيمة وابن حبان والبزار وأبو يعلى والبيهقي عن جابر رفعه ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثًا غبرًا ضاجين جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عقابي فلم ير يوما أكثر عتقًا من النار من يوم عرفة زاد البيهقي فتقول الملائكة إن فلانًا فيهم وهو مرهق فيقول الله عز وجل قد غفرت له ( مالك عن زياد بن أبي زياد) ميسرة المدني الثقة العابد ( مولى عبد الله بن عياش) بتحتية ومعجمة ( ابن أبي ربيعة) القرشي المخزومي الصحابي ابن الصحابي ( عن طلحة بن عبيد الله بن كريز) الخزاعي فكافه مفتوحة وأما بضمها ففي عبد شمس من قريش قال ابن عبد البر لا خلاف عن مالك في إرساله ولا أحفظ بهذا الإسناد مسندًا من وجه يحتج به وأحاديث الفضائل لا تحتاج إلى محتج به وقد جاء مسندًا من حديث علي وابن عمرو ثم أخرج حديث علي من طريق ابن أبي شيبة وجاء أيضًا عن أبي هريرة أخرجه البيهقي هو وحديث ابن عمرو ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفضل الدعاء) مبتدأ خبره ( دعاء يوم عرفة) قال الباجي أي أعظمه ثوابًا وأقربه إجابة ويحتمل أن يريد به اليوم ويحتمل أن يريد الحاج خاصة ( وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي) ولفظ حديث علي أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له) زاد في حديث أبي هريرة له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير وكذا في حديث علي لكن ليس فيه يحيي ويميت قال ابن عبد البر يريد أنه أكثر ثوابًا ويحتمل أن يريد أفضل ما دعا به والأول أظهر لأنه أورده في تفضيل الأذكار بعضها على بعض والنبيون يدعون بأفضل الدعاء قال وفيه تفضيل الدعاء بعضه على بعض والأيام بعضها على بعض وأن ذلك أفضل الذكر لأنها كلمة الإسلام والتقوى وإليه ذهب جماعة وقال آخرون أفضله الحمد لله رب العالمين لأن فيه معنى الشكر وفيه من الإخلاص ما في لا إله إلا الله وافتتح الله كلامه به وختم به وهو آخر دعوى أهل الجنة وروت كل فرقة بما قالت أحاديث كثيرة وساق جملة منها في التمهيد وقدم الإمام هذا الحديث بسنده ومتنه في الدعاء وقدمت ثمة أنه وقع في تجريد الصحاح لرزين بن معاوية الأندلسي زيادة في أول هذا الحديث هي أفضل الأيام يوم عرفة وافق يوم جمعة وهو أفضل من سبعين حجة في غير يوم الجمعة وأفضل الدعاء إلخ قال الحافظ حديث لا أعرف حاله لأنه لم يذكر صحابيه ولا من خرجه بل أدرجه في حديث الموطأ هذا وليست هذه الزيادة في شيء من الموطآت فإن كان له أصل احتمل أن يريد بالسبعين التحديد أو المبالغة في الكثرة وعلى كل حال منهما تثبت المزية انتهى وفي الهدي لابن القيم ما استفاض على ألسنة العوام أن وقفة الجمعة تعدل ثنتين وسبعين حجة فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة والتابعين انتهى ( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري له في الموطأ مرفوعًا مائة واحد وثلاثون حديثًا منها ( عن أنس بن مالك) الأنصاري خمسة أحاديث هذا ثالثها ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح) في رمضان سنة ثمان ( وعلى رأسه المغفر) بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الفاء ثم راء قال صاحب المحكم ما يجعل من فضل درع الحديد على الرأس مثل القلنسوة وقال في التمهيد ما غطى الرأس من السلاح كالبيضة وشبهها من حديد كان أو غيره وقد زاد بشر بن عمر عن مالك من حديد ولا أعلم أحدًا ذكره غيره ولعله أراد في الموطأ وإلا فقد رواه خارجه عشرة عن مالك كذلك أخرجها الدارقطني ولمسلم وأحمد وأصحاب السنن عن جابر دخل صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام ورواه ابن عبد البر من طريق مالك عن أبي الزبير عن جابر وقال إنه غريب عن مالك ولا معارضة بينه وبين حديث أنس لإمكان أن المغفر فوق العمامة انتهى أي وهي تحته وقاية لرأسه من صدأ الحديد قال غيره أو كانت العمامة السوداء ملفوفة فوق المغفر إشارة للسؤدد وثبات دينه وأنه لا يغير وجمع عياض باحتمال أن يكون أول دخوله كان على رأسه المغفر ثم أزاله ولبس العمامة بعد ذلك فحكى كل من أنس وجابر ما رآه ويؤيده أن في حديث عمرو بن حريث أنه صلى الله عليه وسلم خطب الناس وعليه عمامة سوداء رواه مسلم وكانت الخطبة عند باب الكعبة وذلك بعد تمام الدخول فزعم الحاكم في الإكليل تعارض الحديثين متعقب لأنه إنما يتحقق التعارض إذا لم يمكن الجمع وقد أمكن هنا بثلاث وجوه حسان ( فلما نزعه) أي المغفر ( جاءه رجل) قال الحافظ لم يسم وكأن مراده في رواية وإلا فقد جزم الفاكهاني في شرح العمدة والكرماني بأنه أبو برزة وكذا ذكره ابن طاهر وغيره وقيل سعيد بن حريث ( فقال له يا رسول الله ابن خطل) بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة ولام اسمه عبد العزى فلما أسلم سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله ومن قال اسمه هلال التبس عليه بأخ له يسمى بذلك وهو أحد من أهدر دمه يوم الفتح وقال لا أؤمنهم في حل ولا حرم ( متعلق بأستار الكعبة) وذلك كما ذكر الواقدي أنه خرج إلى الخندمة ليقاتل على فرس وبيده قناة فلما رأى خيل الله والقتال دخله رعب حتى ما يستمسك من الرعدة فرجع حتى انتهى إلى الكعبة فنزل عن فرسه وطرح سلاحه ودخل تحت أستارها فأخذ رجل من بني كعب سلاحه وفرسه فاستوى عليه وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتلوه) زاد الوليد بن مسلم عن مالك فقتل أخرجه ابن عائذ وصححه ابن حبان وأخرج عمر بن شبة في كتاب مكة عن السائب بن يزيد قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استخرج من تحت أستار الكعبة ابن خطل فضربت عنقه صبرًا بين زمزم ومقام إبراهيم وقال لا يقتل قرشي بعد هذا صبرًا رجاله ثقات إلا أن في أبي معشر مقالاً واختلف هل قاتله سعيد بن حريث أو عمار بن ياسر أو سعد بن أبي وقاص أو سعيد بن زيد أو أبو برزة بفتح الموحدة وإسكان الراء ثم زاي منقوطة مفتوحة الأسلمي وهو أصح ما جاء في تعيين قاتله ورجحه الواقدي وجزم به البلاذري وغيره وتحمل بقية الروايات المخالفة له على أنهم ابتدروا قتله فكان المباشر منهم أبو برزة وجزم ابن هشام في تهذيب السيرة بأن سعيد بن حريث وأبا برزة اشتركا في قتله قال ابن إسحاق وغيره وإنما أمر بقتل ابن خطل لأنه أسلم فبعثه صلى الله عليه وسلم مصدقًا وبعث معه رجلاً من الأنصار وكان معه مولى مسلم يخدمه فنزل منزلاً فأمر المولى أن يذبح تيسًا ويصنع له طعامًا ونام فاستيقظ ولم يصنع له شيئًا فقتله ثم ارتد ولحق بمكة واتخذ قينتين تغنيان له بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم ( قال مالك) جوابًا عن كون المغفر على رأسه ( ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ) أي يوم فتح مكة ( محرمًا) إذ لم يرو أحد أنه تحلل يومئذ من إحرامه وظاهره الجزم بذلك ولا ينافيه قوله ( والله أعلم) لأنها للتبرك والتقوية ووقع في البخاري عن يحيى بن قزعة عن مالك ولم يكن فيما نرى والله أعلم يومئذ محرمًا وقد وراه عبد الرحمن بن مهدي عن مالك جزمًا عند الدارقطني بإسقاط فيما نرى والله أعلم وصرح جابر بما جزم به مالك أو ظنه فقال بغير إحرام كما في مسلم وغيره ودخولها بلا إحرام من الخصائص النبوية عند الجمهور وخالف ابن شهاب فأجاز ذلك لغيره قال أبو عمر لا أعلم من تابعه على ذلك إلا الحسن البصري وروي عن الشافعي والمشهور عنه أنها لا تدخل إلا بإحرام فإن دخلها أساء ولا شيء عليه عنده وعند مالك وجماعة وقال أبو حنيفة وأصحابه عليه حجة أو عمرة وفيه أن الحرم لا يجير من وجب عليه القتل وقال أبو حنيفة لا يجوز وتأول الحديث على أنه كان في الساعة التي أبيح له القتل بها وأجيب بأنه إنما أبيحت له ساعة الدخول حتى استولى عليها وقتل ابن خطل بعد ذلك وتعقب بأن الساعة ما بين أول النهار ودخول وقت العصر كما في مسند أحمد وقتل ابن خطل كان قبل ذلك قطعًا لقوله فلما نزع المغفر وذلك عند استقراره بمكة فلا يستقيم هذا الجواب وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف وفي الجهاد عن إسماعيل وفي المغازي عن يحيى بن قزعة بفتح القاف والزاي والعين المهملة وفي اللباس عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك ومسلم عن القعنبي ويحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد السبعة عن مالك به قال ابن عبد البر حديث انفرد به مالك لا يحفظ عن غيره ولم يروه أحد عن الزهري سواه من طريق صحيح وقد روي عن ابن أخي ابن شهاب عن عمه ولا يكاد يصح وروي أيضًا من غير هذا الوجه ولا يثبت العلماء بالنقل إسنادًا غير إسناد مالك وقد رواه عنه جماعة من الأئمة يطول ذكرهم من أجلهم ابن جريج وكذا قال ابن الصلاح وغيره أن مالكًا تفرد به وقد تعقبه الحافظ الزين العراقي في نكته بأنه ورد من عدة طرق عن ابن شهاب من رواية ابن أخي الزهري عند البزار وأبي أويس عند ابن سعد وابن عدي ومعمر ذكره ابن عدي في الكامل والأوزاعي ذكره المزي قال وروى ابن مسدي في معجم شيوخه أن أبا بكر بن العربي قال لأبي جعفر بن المرخي حين ذكر أنه لا يعرف إلا من حديث مالك عن الزهري قد رويته من ثلاثة عشر طريقًا غير طريق مالك فقالوا له أفدنا هذه الفوائد فوعدهم ولم يخرج لهم شيئًا قال الحافظ في نكته قد استبعد أهل أشبيلية قول ابن العربي حتى قال قائلهم

يا أهل حمص ومن بها أوصيكم
بالبر والتقوى وصية مشفق

فخذوا عن العربي أسمار الدجى
وخذوا الرواية عن إمام متق

إن الفتى ذرب اللسان مهذب
إن لم يجد خبرًا صحيحًا يخلق

وعنى بأهل حمص أهل أشبيلية قال وقد تتبعت طرقه فوجدته كما قال ابن العربي بل أزيد فرويناه من طريق الأربعة الذين ذكرهم شيخنا يعني العراقي ورواية معمر في معجم أبي بكر بن المقري ورواية الأوزاعي في فوائد تمام ومن رواية عقيل بن خالد في معجم أبي الحسين بن جميع ويونس بن يزيد في الإرشاد للخليلي ومحمد بن أبي حفصة في رواة مالك للخطيب وسفيان بن عيينة في مسند أبي يعلى وأسامة بن زيد الليثي في الضعفاء لابن حبان وابن أبي ذئب في الحلية لأبي نعيم وعبد الرحمن ومحمد أبي عبد العزيز في فوائد أبي محمد عبد الله بن إسحاق الخراساني ومحمد بن إسحاق في مسند مالك لابن عدي ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي الموالي في الإفراد للدارقطني وبحر بن كثير السقاء ذكره أبو محمد جعفر الأندلسي نزيل مصر في تخريج له وصالح بن أبي الأخضر ذكره الحافظ أبو ذر الهروي فهؤلاء ستة عشر نفسًا غير مالك رووه عن الزهري وروي من طريق يزيد الرقاشي عن أنس متابعًا للزهري في فوائد أبي الحسين الفراء الموصلي ومن حديث سعد بن أبي وقاص وأبي برزة الأسلمي وهما في سنن الدارقطني وعلي بن أبي طالب في المشيخة الكبرى لأبي محمد الجوهري وسعيد بن يربوع والسائب بن يزيد وهما في مستدرك الحاكم فهذه طرق كثيرة غير طريق مالك عن الزهري عن أنس فكيف يحل لأحد أن يتهم إمامًا من أئمة المسلمين يعني ابن العربي بغير علم ولا اطلاع وذكر نحوه في الفتح وزاد لكن ليس في طرقه شيء على شرط الصحيح إلا طريق مالك وأقربها طريق ابن أخي الزهري ويليها رواية أبي أويس فيحمل قول من قال تفرد به مالك أي بشرط الصحة وقول من قال توبع أي في الجملة انتهى وهذا الحمل أشار إليه ابن عبد البر فيما نقلته أولاً عنه والله أعلم ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر أقبل من مكة) يريد المدينة ( حتى إذا كان بقديد) بضم القاف ( جاءه خبر من المدينة) بالفتنة كما في رواية عبد الرزاق عن عبيد الله عن نافع ( فرجع فدخل مكة بغير إحرام) لقرب الموضع ( مالك عن ابن شهاب بمثل ذلك) واحتج به ابن شهاب والحسن البصري وداود وأتباعه على جواز دخولها بلا إحرام وقالوا إن موجب الإحرام عليه بحج أو عمرة لم يوجبه الله ولا رسوله ولا اتفق عليه وأبى ذلك الجمهور قال ابن وهب عن مالك لست آخذ بقول ابن شهاب وكرهه وقال إنما يكون ذلك على مثل ما عمل ابن عمر من القرب إلا رجلاً يأتي بالفاكهة من الطائف أو ينقل الحطب يبيعه فلا أرى بذلك بأسًا وقال إسماعيل القاضي كره الأكثر دخولها بلا إحرام ورخصوا للحطابين ومن أشبههم ممن يكثر اختلافه إلى مكة ولمن خرج منها يريد بلده ثم بدا له أن يرجع كما صنع ابن عمر وأما من سافر إليها في تجارة أو غيرها فلا يدخلها إلا محرمًا لأنه يأتي الحرم ويؤيد ذلك أنه لو نذر المشي إليها وجب عليه أن يدخلها محرمًا بحج أو عمرة وما دخلها صلى الله عليه وسلم قط إلا محرمًا إلا يوم الفتح ( مالك عن محمد بن عمرو) بفتح العين ( ابن حلحلة) بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة ( الديلي) بكسر الدال وسكون التحتية المدني ( عن محمد بن عمران الأنصاري) قال ابن عبد البر لا أعرفه إلا بهذا الحديث ( عن أبيه) إن لم يكن عمران بن حيان الأنصاري أو عمران بن عوادة فلا أدري من هو ( أنه قال عدل إلي عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( وأنا نازل تحت سرحة) بفتح السين والحاء المهملتين بينهما راء ساكنة شجرة طويلة لها شعب ( بطريق مكة فقال ما أنزلك تحت هذه السرحة فقلت أردت ظلها فقال هل غير ذلك فقلت لا ما أنزلني) تحتها ( إلا ذلك) إرادة ظلها ( فقال عبد الله بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنت بين الأخشبين من منى) قال ابن وهب أراد بهما الجبلين اللذين تحت العقبة بمنى فوق المسجد والأخاشب الجبال وقال إسماعيل الأخاشب يقال إنها اسم لجبال مكة ومنى خاصة ( ونفخ) بخاء معجمة أي أشار ( بيده نحو المشرق) قال البوني أحسب أن ابن عمر ظن أن عمران يعلم الوادي الذي فيه المزدلفة ولذلك ما كرر عليه السؤال ( فإن هناك واديًا يقال له السرر) بضم السين وكسرها ( به شجرة سر تحتها سبعون نبيًا) أي ولدوا تحتها فقطع سرهم بالضم وهو ما تقطعه القابلة من سرة الصبي كما في النهاية وغيرها فقول السيوطي أي قمعت سرتهم إذ ولدوا تحتها مجاز سمى السرسرة لعلاقة المجاورة وقال مالك بشروا تحتها بما يسرهم قال ابن حبيب فهو من السرور أي تنبؤوا تحتها واحدًا بعد واحد فسروا بذلك وبه أقول وفيه التبرك بمواضع النبيين وأخرجه النسائي من طريق ابن القاسم عن مالك به ( مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم) نسبه إلى جده لشهرته وإلا فأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم بمهملة وزاي ( عن ابن أبي مليكة) هو عبد الله بفتح العين ابن عبيد الله بضمها ابن عبد الله بفتحها ابن أبي مليكة بضم الميم بالتصغير يقال اسمه زهير التيمي مولى عبد الله بن جدعان أدرك ثلاثين من الصحابة وكان ثقة فقيهًا مات سنة سبع عشرة ومائة ( أن عمر بن الخطاب مر بامرأة مجذومة) أصابها داء الجذام يقطع اللحم ويسقطه ( وهي تطوف بالبيت فقال لها يا أمة الله لا تؤذي الناس) بريح الجذام ( لو جلست في بيتك) كان خيرًا لك أو لو للتمني فلا جواب لها ( فجلست فمر بها رجل) لم يسم ( بعد ذلك فقال لها إن الذي قد نهاك قد مات فاخرجي) لعله جاهل أو رجل سوء أو يكون مختبرًا لها قاله أبو عبد الملك ( فقالت ما كنت لأطيعه حيًا وأعصيه ميتًا) لأنه إنما أمر بحق قال أبو عمر فيه أنه يحال بين المجذوم ومخالطة الناس لما فيه من الأذى وهو لا يجوز وإذا منع آكل الثوم من المسجد وكان ربما أخرج إلى البقيع في العهد النبوي فما ظنك بالجذام وهو عند بعض الناس يعدي وعند جميعهم يؤذي وألان عمر للمرأة القول بعد أن أخبرها أنها تؤذي لأنه لم يتقدم إليها ورحمها للبلاء الذي بها وقد عرف منه أنه كان يعتقد أن شيئًا لا يعدي وكان يجالس معيقيبًا الدوسي ويؤاكله ويشاربه وربما وضع فمه على موضع فمه وكان على بيت ماله ولعله علم من عقلها ودينها أنها تكتفي بإشارته فلم يحتج إلى نهيها ألم تر إلى أنه لم تخط فراسته فيها فأطاعته حيًا وميتًا ( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقول ما بين الركن والباب الملتزم) هكذا رواه ابن وضاح عن يحيى وهو الصواب وفي رواية ابنه عبيد الله ما بين الركن والمقام وهو خطأ لم يتابع عليه فالرواية في الموطأ وغيره والباب وروى عن ابن عباس مرفوعًا ما بين الركن والباب ملتزم من دعا الله عنده من ذي حاجة أو ذي كربة أو ذي غم فرج عنه قاله ابن عبد البر وفي أبي داود وابن ماجه أن عبد الله بن عمرو بن العاصي طاف ثم قال نعوذ بالله من النار ثم مضى حتى استلم الحجر وقام بين الركن والباب فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطهما ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح المهملة والموحدة الثقيلة ( أنه سمعه يذكر أن رجلاً) لم يسم ( مر على أبي ذر بالربذة) بفتح الراء والموحدة والذال المعجمة ( وأن أبا ذر سأله أين تريد فقال أردت الحج فقال هل نزعك) بزاي ومهملة أي أخرجك ( غيره) قال تعالى { { ونزع يده } } أي أخرجها ( فقال لا قال فائتنف العمل) استقبله لغفر ذنبك ومراده أنه إذا لم يخرج إلا للحج وحده كان أعظم لأجره ( قال الرجل فخرجت حتى قدمت مكة فمكثت) بضم الكاف وفتحها أقمت ( ما شاء الله) أن أمكث ( ثم إذا أنا بالناس منقصفين) أي مزدحمين ( على رجل) حتى كأن بعضهم يقصف بعضًا بدارًا إليه ( فضاغطت) بضاد وغين معجمتين وطاء مهملة زاحمت وضايقت ( عليه الناس) لأن أراه ( فإذا أنا بالشيخ الذي وجدت بالربذة يعني أبا ذر قال فلما رآني عرفني فقال هو الذي حدثتك) قال ابن عبد البر هذا لا يجوز أن يكون مثله رأيًا وإنما يدرك بالتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم قال وفيه أن الله رضي من عباده بقصد بيته مرة في عمر العبد ليحط أوزاره ويغفر ذنوبه ويخرج منها كيوم ولدته أمه كما قال في الحديث الآخر من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وقال ابن مسعود من حج بنية صادقة ونفقة طيبة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وفيه ما كان عليه أبو ذر من الفقه والعلم وقد سئل علي عنه فقال وعاء مليء علمًا عجز الناس عنه وأوكئ عليه فلم يخرج شيئًا ونظر عمر إلى ركب صادرين من الحج فقال لو يعلم الركب ما ينقلبون به من الفضل بعد المغفرة لا تكلوا ولكن ليستأنفوا العمل وسئل الثوري حين دفع الناس من عرفة إلى المزدلفة عن أخسر الناس صفقة وهو يعرض بالظلمة وأهل الفسق فقال أخسر الناس صفقة من ظن أن الله لا يغفر لهؤلاء ( مالك أنه سأل ابن شهاب عن الاستثناء في الحج) وهو أن يشترط أن يتحلل حيث أصابه مانع ( فقال أو يصنع ذلك أحد وأنكر ذلك) وإلى عدم جوازه ونفعه ذهب مالك وأبو حنيفة والأكثرون وكان ابن عمر ينكر الاشتراط في الحج ويقول أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم يحل من كل شيء حتى يحج عامًا قابلاً فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديًا رواه الشيخان والترمذي وغيرهم وذهب الشافعي وأحمد وطائفة إلى جوازه ونفعه لحديث الصحيحين وغيرهما عن عائشة دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب فقالت يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية فقال النبي صلى الله عليه وسلم حجي واشترطي وقولي اللهم محلي حيث حبستني وفي الصحيح عن ابن عباس أن ضباعة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني امرأة ثقيلة وإني أريد الحج فما تأمرني قال أهلي بالحج واشترطي أن محلي حيث تحبسني قال فأدركت وأجاب الأولون بأنها قضية عين خاصة بضباعة إذ لا عموم فيها وتأوله آخرون على أن المراد التحلل بعمرة وكذلك جاء مفسرًا من رواية ابن المسيب أنه صلى الله عليه وسلم أمر ضباعة أن تشترط اللهم الحج أردت فإن تيسر وإلا فعمرة وعن عروة أن عائشة قالت له هل تشترط إذا حججت قال ماذا أقول قالت قل اللهم الحج أردت وله عمدت فإن يسرته فهو الحج وإن حبسني حابس فهو عمرة رواه الشافعي والبيهقي ( سئل مالك هل يحتش الرجل لدابته من الحرم فقال لا) لقوله صلى الله عليه وسلم لا يعضد شجره ولا يختلى خلاه والخلا ما يبس من النبات وقال صلى الله عليه وسلم إلا الإذخر وقيس عليه السنا للحاجة العامة إليه فإن احتش فلا جزاء وقال الشافعي عليه القيمة ويجوز أن يرعى الإبل في الحرم لأنه لا يمكن الاحتراز عنه ولو منع منه امتنع السفر في الحرم والمقام فيه لتعذر الاحتراز عنه قاله الباجي.



رقم الحديث 954 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الْأَرْضِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ.
لِرَبِّنَا حَامِدُونَ.
صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ.
وَنَصَرَ عَبْدَهُ.
وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ.


( جامع الحج)

( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم وللنسائي من طريق يحيى القطان عن مالك حدثني الزهري ( عن عيسى بن طلحة) بن عبيد الله القرشي التيمي المدني أبي محمد ثقة فاضل مات سنة مائة وأبوه طلحة أحد العشرة وفي رواية ابن جريج عند مسلم وصالح بن كيسان عند البخاري كلاهما عن ابن شهاب قال حدثني عيسى بن طلحة ( عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ( ابن العاصي) بالياء وحذفها والإثبات أصح وفي رواية ابن جريج حدثني عبد الله وللبخاري عنه أن عبد الله حدثه وكذا في رواية صالح أن عبد الله حدثه ( أنه قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم) على ناقته كما في رواية صالح عند البخاري ويونس عند مسلم بلفظ على راحلته ومعمر عند أحمد والنسائي كلهم عن ابن شهاب فرواية يحيى القطان عن مالك جلس في حجة الوداع فقام رجل محمول على أنه ركب ناقته وجلس عليها ( للناس بمنى) زاد التنيسي والنيسابوري وغيرهما في حجة الوداع وفي رواية وقف عند الجمرة وأخرى فخطب يوم النحر قال عياض جمع بعضهم بأنه موقف واحد ومعنى خطب أي علم الناس لا أنها من خطب الحج المشروعة قال ويحتمل أن ذلك في موطنين أحدهما على راحلته عند الجمرة ولم يقل في هذا خطب والثاني يوم النحر بعد صلاة الظهر وذلك في وقت الخطبة المشروعة من خطب الحج يعلم الإمام فيها الناس ما بقي عليهم من مناسكهم وصوب النووي هذا الثاني قال الحافظ فإن قيل لا فرق بين الاحتمالين فإنه ليس في شيء من طريق حديث ابن عمرو وابن عباس بيان الوقت الذي خطب فيه من النهار قلنا نعم لم يقع التصريح بذلك لكن في رواية ابن عباس أن بعض السائلين قال رميت بعد ما أمسيت فدل على أن القصة كانت بعد الزوال لإطلاق المساء على ما بعده فكأن السائل علم أن السنة رمي الجمرة ضحى فلما أخرها إلى الزوال سأل عنه على أن حديث ابن عمرو مخرجه واحد لا يعرف إلا من طريق الزهري ولا خلاف فيه بين أصحابه غايته أن بعضهم ذكر ما لم يذكره الآخر واجتمع من مرويهم ومروي ابن عباس أن ذلك كان يوم النحر بعد الزوال وهو على راحلته يخطب عند الجمرة فإذا تقرر ذلك تعين أنها الخطبة المشروعة لتعلم بقية المناسك فليس قوله خطب مجازًا عن مجرد التعليم بل هي حقيقية ولا يلزم من وقوعه عند الجمرة أن يكون حينئذ رماها ففي البخاري وغيره عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات فذكر خطبته فلعل ذلك وقع بعد أن أفاض ورجع إلى منى انتهى وقال الأبي ترجم البخاري الفتيا على الدابة عند الجمرة فهو يدل على أنها لم تكن خطبة ( والناس يسألونه) وفي رواية فجعلوا يسألونه وأخرى فطفق ناس يسألونه ( فجاءه رجل) قال الحافظ لم أقف على اسمه بعد البحث الشديد ولا على اسم أحد ممن سأل في هذه القصة وكانوا جماعة لكن في حديث أسامة بن شريك عند الطحاوي وغيره كان الأعراب يسألونه فكان هذا هو السبب في عدم ضبط أسمائهم ( فقال له يا رسول الله لم أشعر) بضم العين أي أفطن يقال شعرت بالشيء شعورًا إذا فطنت له وقيل الشعور العلم ولم يفصح في رواية مالك بمتعلق الشعور وبينه يونس عند مسلم بلفظ لم أشعر أن الرمي قبل الحلق ( فحلقت) شعر رأسي ( قبل أن أنحر) وفي رواية قبل أن أذبح والفاء سببية جعل الحلق مسببًا عن عدم الشعور كأنه يعتذر لتقصيره ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انحر) وفي رواية اذبح ( ولا حرج) قال عياض ليس أمرًا بالإعادة وإنما هو إباحة لما فعل لأنه سأل عن أمر فرغ منه فالمعنى افعل ذلك متى شئت ونفي الحرج بين في رفع الفدية عن العامد والساهي وفي رفع الإثم عن الساهي وأما العامد فالأصل أن تارك السنة عمدًا لا يأثم إلا أن يتهاون فيأثم للتهاون لا للترك ( ثم جاءه آخر فقال يا رسول الله لم أشعر) أفطن أو أعلم زاد يونس أن الرمي قبل النحر ( فنحرت) الهدي ( قبل أن أرمي) الجمرة ( قال ارم ولا حرج) أي لا ضيق عليك في ذلك زاد في رواية ابن جريج في الصحيحين وأشباه ذلك وفي رواية محمد بن أبي حفصة عن الزهري عند مسلم وقال آخر أفضت إلى البيت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج وفي رواية معمر عند أحمد زيادة الحلق قبل الرمي فحاصل ما في حديث عبد الله بن عمرو السؤال عن أربعة أشياء الحلق قبل الذبح والنحر قبل الرمي والحلق قبل الرمي والإفاضة قبل الرمي والأوليان في حديث ابن عباس أيضًا في الصحيح وللدارقطني من حديثه أيضًا السؤال عن الحلق قبل الرمي وكذا في حديث جابر وأبي سعيد عند الطحاوي وفي حديث علي عند أحمد السؤال عن الإفاضة قبل الحلق وفي حديثه عند الطحاوي السؤال عن الرمي والإفاضة معًا قبل الحلق وفي حديث جابر عند ابن حبان وغيره السؤال عن الإفاضة قبل الذبح وفي حديث أسامة بن شريك السؤال عن السعي قبل الطواف وهو محمول على من سعى بعد طواف القدوم ثم طاف طواف الإفاضة فإنه يصدق عليه أنه سعى قبل الطواف أي الركن فهذا ما تحرر من مجموع الأحاديث وبقي عدة صور لم يذكرها الرواة إما اختصارًا وإما لأنها لم تقع وبلغت بالتقسيم أربعًا وعشرين صورة منها صورة الترتيب المتفق عليها وهي رمي جمرة العقبة ثم نحر الهدي أو ذبحه ثم الحلق أو التقصير ثم طواف الإفاضة وفي الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزله بمنى فنحر وقال للحالق جز ولأبي داود رمى ثم نحر ثم حلق أجمع العلماء على مطلوبية هذا الترتيب إلا أن ابن الجهم استثنى القارن فقال لا يحلق حتى يطوف كأنه لا حظ أنه في عمل العمرة والعمرة يتأخر فيها الحلق عن الطواف ورد عليه النووي وأجمع العلماء على الإجزاء في التقديم والتأخير إلا أنهم اختلفوا في الدم فأوجبه مالك في تقديم الإفاضة على الرمي لأنه لم يقع في روايته حديث الباب ولا يلزم بزيادة غيره لأنه أثبت الناس في ابن شهاب وأوجب الفدية في تقديم الحلق على الرمي لوقوعه قبل شيء من التحلل وذلك أبو حنيفة إلى أن الترتيب واجب وعليه الدم في كل المخالفة وتأول لا حرج على نفي الإثم لأنه فعل على الجهل لا القصد فأسقط الحرج وعذرهم لعدم العلم بدليل قول السائل لم أشعر وذهب الجمهور والشافعي وأحمد في رواية إلى الجواز وعدم وجوب الدم في شيء لعموم قوله ( قال) عبد الله بن عمرو ( فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد في رواية يومئذ ( عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج) عليك فإنه ظاهر في نفي الإثم والفدية والدم لأن اسم الضيق يشمل ذلك قال الطحاوي لكن يحتمل أنه لا إثم في ذلك الفعل لمن كان ناسيًا أو جاهلاً أي كالسائلين قال وأما من تعمد المخالفة فيجب عليه الفدية وتعقب بأن وجوبها يحتاج إلى دليل ولو وجبت لبينه صلى الله عليه وسلم حينئذ وقت الحاجة فلا يجوز تأخيره قال الطبري ولم يسقط النبي صلى الله عليه وسلم الحرج إلا وقد أجزأ الفعل إذ لو لم يجز لأمره بالإعادة لأن الجهل والنسيان لا يضعان الحكم اللازم في الحج كما لو ترك الرمي ونحوه فلا يأثم بتركه جاهلاً أو ناسيًا لكن تجب عليه الإعادة قال والعجب ممن يحمل قوله ولا حرج على نفي الإثم فقط ثم يخص ذلك ببعض الأمور دون بعض فإن كان الترتيب واجبًا يجب بتركه دم فليكن في الجميع وإلا فما وجه تخصيص بعض دون بعض مع تعميم الشارع الجميع بنفي الحرج كذا قال وجوابه إن مالكًا خص من العموم تقديم الحلق على الرمي فأوجب فيه الفدية لعلة أخرى وهي إلقاء التفث قبل فعل شيء من التحلل وقد أوجب الله ورسوله الفدية على المريض أو من برأسه أذى إذا حلق قبل محل الحلق مع جواز ذلك له لضرورته فكيف بالجاهل والناسي وخص منه أيضًا تقديم الإفاضة على الرمي لئلا يكون وسيلة إلى النساء والصيد قبل الرمي ولأنه خلاف الواقع منه صلى الله عليه وسلم وقد قال خذوا عني مناسككم ولم يثبت عنده زيادة ذلك في حديث الباب فلا يلزمه زيادة غيره وهو أثبت الناس في ابن شهاب ومحل قبول زيادة الثقة ما لم يكن من لم يزدها أوثق منه وابن أبي حفصة الذي روى ذلك عن ابن شهاب وإن كان صدوقًا وروى له الشيخان لكنه يخطئ بل ضعفه النسائي واختلف قول ابن معين في تضعيفه وكان يحيى بن سعيد يتكلم فيه وقال أحمد في رواية إن كان ناسيًا أو جاهلاً فلا شيء عليه وإن كان عالمًا فلا لقوله لم أشعر وأجيب بأن الترتيب لو وجب لما سقط بالسهو كالترتيب بين السعي والطواف إذ لو سعى قبله وجبت إعادة السعي لكن قال ابن دقيق العيد ما قاله أحمد قوي لأن الدليل دل على وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم في الحج لقوله خذوا عني مناسككم وهذه الأحاديث المرخصة قد قرنت بقول السائل لم أشعر فيختص الحكم بهذه الحالة وتبقى حالة العمد على أصل وجوب الاتباع في الحج وأيضًا الحكم إذا رتب على وصف يمكن أنه معتبر لم يجز طرحه ولا شك أن عدم الشعور وصف مناسب لعدم المؤاخذة وقد علق به الحكم فلا يمكن طرحه بإلحاق العمد به إذ لا يساويه والتمسك بقوله فما سئل إلخ لإشعاره بأن الترتيب مطلقًا غير مراعى جوابه إن هذا الإخبار من الراوي يتعلق بما وقع السؤال عنه وهو مطلق بالنسبة إلى حالة السائل والمطلق لا يدل على أحد الخاصين فلا يبقى فيه حجة في حالة العمد انتهى وفيه وجوب اتباع أفعاله صلى الله عليه وسلم لأن الذين خالفوه لما علموا سألوا عن حكم ذلك وجواز سؤال العالم واقفًا وراكبًا ولا يعارضه ما روي عن مالك من كراهة ذكر العلم والحديث في الطريق لأن الوقوف بمنى لا يعد من الطرق لأنه موقف عبادة وذكر ووقت حاجة إلى التعلم خوف الفوات إما بالزمان أو المكان وأخرجه البخاري في العلم عن إسماعيل وهنا عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى الثلاثة عن مالك وتابعه جماعة عن ابن شهاب به في الصحيحين وغيرهما ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل) بقاف ثم فاء بزنة رجع ومعناه ( من غزو أو حج أو عمرة يكبر) الله تعالى ( على كل شرف) بفتح المعجمة والراء ثم فاء أي مكان عال ( من الأرض) ولمسلم من رواية عبيد الله عن نافع إذا أوفى على ثنية أو فدفد كبر أي ارتفع على ثنية بمثلثة فنون فتحتية هي العقبة وفدفد بفتح الفاءين بعد كل دال مهملة الأشهر أنه المكان المرتفع وقيل الأرض المستوية وقيل الفلاة الخالية من شجر وغيره وقيل غليظ الأودية ذات الحصى ( ثلاث تكبيرات) قال الطيبي وجه التكبير على الأماكن العالية هو ندب الذكر عند تجدد الأحوال والتقلبات وكان صلى الله عليه وسلم يراعي ذلك في الزمان والمكان وقال الحافظ الزين العراقي مناسبته أن الاستعلاء محبوب للنفس وفيه ظهور وغلبة فينبغي للمتلبس به أن يذكر عنده أن الله أكبر من كل شيء ويكرر ذلك ويستمطر منه المزيد ( ثم يقول لا إله إلا الله) بالرفع على الخبرية بلا أو على البدلية من الضمير المستتر في الخبر المقدر أو من اسم لا باعتبار محله قبل دخولها ( وحده) حال أي منفردًا ( لا شريك له) عقلاً لاستحالته ونقلاً { { وإلهكم إله واحد } } في آيات أخر وهو تأكيد لوحده لأن المتصف بها لا شريك له ( له الملك) بضم الميم السلطان والقدرة وأصناف المخلوقات ( وله الحمد) زاد في رواية للطبراني يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير ( وهو على كل شيء قدير) قال الحافظ يحتمل أنه كان يأتي بهذا الذكر عقب التكبير على المكان المرتفع ويحتمل أنه يكمل الذكر مطلقًا ثم يأتي بالتسبيح إذا هبط قال القرطبي وفي تعقيب التكبير بالتهليل إشارة إلى أنه المنفرد بإيجاد جميع الموجودات وأنه المعبود في جميع الأماكن ( آيبون) بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي نحن آيبون جمع آيب بوزن راجع ومعناه أي راجعون إلى الله وليس المراد الإخبار بمحض الرجوع فإنه تحصيل الحاصل بل الرجوع في حالة مخصوصة وهي تلبسهم بالعبادة المخصوصة والاتصاف بالأوصاف المذكورة ( تائبون) من التوبة وهي الرجوع عما هو مذموم شرعًا إلى ما هو محمود شرعًا وفيه إشارة إلى التقصير في العبادة وقاله صلى الله عليه وسلم تواضعًا أو تعليمًا لأمته أو المراد أمته وقد تستعمل التوبة لإرادة الاستمرار على الطاعة فيكون المراد أن لا يقع منهم ذنب ( عابدون ساجدون لربنا حامدون) كلها رفع بتقدير نحن وقوله لربنا متعلق بساجدون أو بسائر الصفات على طريق التنازع ( صدق الله وعده) فيما وعد به من إظهار دينه بقوله { { وعدكم الله مغانم كثيرة } } وقوله تعالى { { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض } } الآية وهذا في سفر الغزو ومناسبته للحج والعمرة قوله { { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } } ( ونصر عبده) محمدًا صلى الله عليه وسلم ( وهزم الأحزاب وحده) من غير فعل أحد من الآدميين ولا سبب من جهتهم وهذا معنى الحقيقة فإن العبد وفعله خلق لربه والكل منه وإليه ولو شاء أن يبيد الكفار بلا قتال لفعل وفيه التفويض إلى الله تعالى قيل الأحزاب هنا كفار قريش ومن وافقهم الذين تحزبوا أي تجمعوا في غزوة الخندق ونزل فيهم سورة الأحزاب وقيل المراد أعم من ذلك أي أحزاب الكفار في جميع الأيام والمواطن قال النووي والمشهور الأول قيل فيه نظر لأنه يتوقف على أن هذا الذكر إنما شرع من بعد الخندق وأجيب بأن غزواته صلى الله عليه وسلم التي خرج فيها بنفسه محصورة والمطابق منها لذلك غزوة الخندق لظاهر قوله تعالى { { ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال } } وقوله قبل ذلك { { إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها } } الآية وأصل الحزب القطعة المجتمعة من الناس فاللام إما جنسية أي كل من تحزب من الكفار وإما عهدية والمراد من تقدم وهو الأقرب قال القرطبي ويحتمل أن يكون هذا الخبر بمعنى الدعاء أي اللهم اهزم الأحزاب والأول أظهر ثم ظاهر الحديث اختصاص ذلك بالغزو والحج والعمرة والجمهور على أنه يشرع قول ذلك في كل سفر طاعة كصلة رحم وطلب علم لما يشمل الجميع من اسم الطاعة وإنما اقتصر الصحابي على الثلاث لانحصار سفره صلى الله عليه وسلم فيها وقيل يتعدى أيضًا إلى السفر المباح لأن المسافر فيه لا ثواب له فلا يمتنع عليه فعل ما يحصل له الثواب وقيل يشرع في سفر المعصية أيضًا لأن مرتكبها أحوج إلى تحصيل الثواب من غيره وتعقب بأن الذي يخصه بسفر الطاعة لا يمنع من سافر في مباح ولا معصية من الإكثار من ذكر الله وإنما النزاع في خصوص هذا الذكر في هذا الوقت المخصوص فذهب قوم إلى الاختصاص لكونها عبادات مخصوصة شرع لها ذكر مخصوص فتختص به كالذكر المأثور عقب الأذان وعقب الصلاة انتهى وفيه جواز السجع في الدعاء والكلام بلا تكلف وإنما ينهى عن المتكلف لأنه يشغل عن الإخلاص ويقدح في النية ورواه البخاري هنا عن عبد الله بن يوسف وفي الدعوات عن إسماعيل ومسلم من طريق معن الثلاثة عن مالك به وتابعه عبيد الله وأيوب والضحاك عن نافع عند مسلم ( مالك عن إبراهيم بن عقبة) بالقاف ابن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني وثقه أحمد وابن معين والنسائي وروى عنه أيضًا السفيانان وحماد بن زيد وابن المبارك وآخرون وقال ابن عبد البر ثقة حجة أسن من أخيه موسى ومحمد أسن منه وسمع إبراهيم من أم خالد بنت خالد بن سعيد وهي من المبايعات وزعم ابن معين أنهم مواليها لم يتابع عليه والصواب أنهم موالي آل الزبير كما قال مالك والبخاري وغيرهما له في الموطأ مرفوعًا هذا الحديث الواحد ( عن كريب مولى عبد الله بن عباس) مرسلاً عند أكثر رواة الموطأ ووصله الشافعي وابن وهب ومحمد بن خالد وأبو مصعب وعبد الله بن يوسف فزادوا ( عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بامرأة) ولمسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم لقي ركبًا بالروحاء فقال من القوم فقالوا المسلمون فقالوا من أنت قال رسول الله فرفعت إليه امرأة صبيًا ( وهي في محفتها) بكسر الميم كما جزم به الجوهري وغيره وحكى في المشارق الكسر والفتح بلا ترجيح شبه الهودج إلا أنه لا قبة عليها ( فقيل لها هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بضبعي صبي) بفتح الضاد المعجمة وإسكان الموحدة وفتح العين مثنى وهما باطنًا الساعد ( كان معها) ولأبي داود ففزعت امرأة فأخذت بعضد صبي فأخرجته من محفتها وهو بكسر الزاي أي ذعرت خوفًا أن يفوتها المصطفى ويتعذر عليها سؤاله ويحتمل أن المراد بالفزع هنا الاستغاثة والالتجاء أي استغاثت به أو بادرت أو قصدته صلى الله عليه وسلم ( فقالت ألهذا حج يا رسول الله قال نعم) له حج وزادها على السؤال ( ولك أجر) ترغيبًا لها قال عياض والأجر لها فيما تتكلفه من أمره في ذلك وتعليمه وتجنيبه ما يجتنب المحرم وقال عمر وكثيرون إن الصبي يثاب وتكتب حسناته دون السيئات واختلف هل هو مخاطب على وجه الندب أو إنما المخاطب الولي بحمله على أدب الشريعة للتمرين وهذا هو الصحيح وعلى هذا فلا يبعد أن الله سبحانه يدخر للصبي ثواب ما عمل قال النووي والصبي الذي يحرم عنه الولي الصحيح عندنا أنه الولي الذي له النظر في ما له من أب أو جد أو وصي أو مقدم قاض أو ناظر ولا يصح إحرام الأم عنه إلا أن تكون وصية أو مقدمة من القاضي وقيل يصح إحرامها وإحرام العصبة وإن لم يكن لهم نظر في المال نقله الأبي وأقره وهو مقتضى مذهب مالك رحمه الله قال الشيخ ولي الدين لا يصح الاستدلال بهذا الحديث على صحة الإحرام عنه مطلقًا لاحتمال أن هذا الصبي كان مميزًا فأحرم هو عن نفسه وعلى تقدير أنه لم يميز فلعل له وليًا أحرم عنه وعلى تقدير أنها التي أحرمت فلعلها ولية مال وفيه المبادرة إلى استفتاء العلماء والأخذ عنهم قبل فواتهم وجواز ركوب المحفة والمحمل وإن كان الأفضل الركوب على القتب في حق من أطاقه لكن الظاهر أن المحمل في حق المرأة أولى لأنه أستر لها وفيه مشروعية الحج بالصغار وبه قال الأئمة قال ابن عبد البر وعليه جمهور العلماء في كل قرن وقالت طائفة لا يحج بهم وهو قول لا يشتغل به ولا يعرج عليه وقال عياض لا خلاف بين العلماء في جواز الحج بالصبيان وإنما منعه طائفة من أهل البدع لا يلتفت إليهم بل هو مردود بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإجماع الأمة وفيه انعقاد حج الصبي وصحته ووقوعه نفلاً وأنه مثاب عليه فيجتنب ما يجتنبه الكبير مما يمنعه الإحرام ويلزمه من الفدية والهدي ما يلزمه وبه قال الأئمة الثلاثة والجمهور وقال أبو حنيفة لا ينعقد وإنما يجنب من ذلك ويفعل للتمرين ليفعله إذا بلغ قال المازري وغيره والحديث حجة للجمهور وتأوله الحنفية على أنه إنما يفعل به ذلك للتمرين واحتمال أن الصبي كان بالغًا لا يصح إذ لا فائدة لقولها ألهذا حج على أنه في بعض طرق الحديث صرح بأنه صغير ويدل عليه رفعها له إذ لا يرفع الكبير ويدل له أيضًا فأخذت بضبعي صبي وهي في محفة وفي رواية فأخرجته من محفتها قال عياض وأجمعوا على أنه لا يجزيه إذا بلغ عن حجة الفرض إلا فرقة شذت فقالت يجزيه ولم يلتفت العلماء إلى قولها وحكى ابن عبد البر عن داود في المملوك البالغ إذا حج قبل عتقه يجزئه عن حجة الإسلام دون الصبي وفرق بخطاب المملوك عنده به والصبي غير مخاطب وجمهور العلماء على أن العبد لا يخاطب بالحج وأنه لا يجزئه عن الفرض كالصبي وهذا الحديث رواه النسائي من طريق محمد بن خالد وابن وهب والطحاوي وغيره من طريق الشافعي وابن عبد البر من طريق ابن أبي مصعب الأربعة عن مالك به متصلاً وتابعه سفيان بن عيينة عند مسلم وأبي داود والنسائي وغيرهم ولم يختلف عليه في اتصاله وعبد العزيز بن أبي سلمة وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة كلاهما عند البيهقي موصولاً وأخوه موسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق رواهما ابن عبد البر متصلاً وسفيان الثوري مرسلاً في رواية ابن مهدي عنه عند مسلم وموصولاً في رواية أبي نعيم الفضل بن دكين عنه عند النسائي فاختلف عليه في وصله وإرساله كما اختلف على مالك في ذلك والظاهر أن كلاً من مالك وشيخه إبراهيم حدث به على الوجهين فإن الرواة عن كل منهما بالوصل والإرسال حفاظ ثقات ويقوي ذلك أنه اختلف على ابن القاسم فرواه سحنون عنه عن مالك مرسلاً ورواه يوسف بن عمرو والحارث بن مسكين عنه عن مالك متصلاً فكأنه سمعه من مالك بالوجهين وقد أخرجه مسلم بالوجهين من طريق السفيانين وكأن البخاري ترك تخريجه في صحيحه لهذا الاختلاف لكن قال ابن عبد البر من وصل هذا الحديث وأسنده فقوله أولى وأصح والحديث صحيح مسند ثابت الاتصال لا يضره تقصير من قصر به لأن الذين أسندوه حفاظ ثقات انتهى وسبقه إلى ذلك الإمام أحمد فصحح وصله ( مالك عن إبراهيم بن أبي عبلة) بفتح المهملة وسكون الموحدة واسمه شمر بكسر المعجمة ابن يقظان العقيلي ثم الشامي يكنى أبا إسماعيل ثقة تابعي سمع أنسًا وأبا أمامة ووائلة سكن الشام وبها مات سنة اثنين أو إحدى وخمسين ومائة لمالك عنه مرفوعًا هذا الحديث الواحد ( عن طلحة بن عبيد الله) بضم العين ( ابن كريز) بفتح الكاف وكسر الراء وإسكان التحتية وزاي منقوطة الخزاعي وثقه أحمد والنسائي يكنى أبا المطرف وهو تابعي مات بالشام سنة ثمان عشرة ومائة ووهم من ظنه أحد العشرة لأنه تيمي واسم جده عثمان وهذا خزاعي وجده كريز فحديثه مرسل وزعم ابن الحذاء أنه من الغرائب التي لم يوجد لها إسناد ولا نعلم أحدًا أسنده من قصوره الشديد فقد وصله الحاكم في المستدرك عن أبي الدرداء ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما رئي) بالبناء للمجهول ( الشيطان يومًا) أي في يوم ( هو فيه أصغر) أي أذل ( ولا أدحر) بإسكان الدال وفتح الحاء وبالراء مهملات أي أبعد عن الخير قال تعالى { { مدحورًا } } أي مبعدًا من رحمة الله ( ولا أحقر) أذل وأهون عند نفسه لأنه عند الناس حقير أبدًا ( ولا أغيظ) أشد غيظًا محيطًا بكبده وهو أشد الحنق ( منه في يوم عرفة وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة) أي الملائكة النازلين بها على الواقفين بعرفة وهو لعنة الله لا يحب ذلك وليس المراد أنه يرى الرحمة نفسها ولعله رأى الملائكة تبسط أجنحتها بالدعاء للحاج ويحتمل أنه سمع الملائكة تقول غفر لهؤلاء أو نحو ذلك فعلم أنهم نزلوا بالرحمة ورؤيته الملائكة للغيظ لا للإكرام قاله أبو عبد الملك البوني ( وتجاوز الله عن الذنوب العظام) الكبائر التي زينها لهم لعنه الله وكان يود أن يهلكهم بها وانتقالهم منها إلى الكفر لأنها كما قيل بريده فيخلدوا في العذاب الأليم مثله ( إلا ما أري يوم بدر) أول غزوة وقع فيها القتال وكانت في ثانية الهجرة ( قيل وما رأى يوم بدر يا رسول الله قال أما) بالتخفيف ( إنه قد رأى جبريل يزع) بفتح الياء والزاي المنقوطة وعين مهملة أي يصف ( الملائكة) للقتال ويمنعهم أن يخرج بعضهم عن بعض في الصف قال الشاعر

ولا يزع النفس اللحوح عن الهوى
من الناس إلا وافر العقل كامله

وقيل معناه يكفهم قال ابن حبيب وليس كذلك إذ لو رأى ذلك لأحبه ولكنه رآه يعبيهم للقتال والمعبي يسمى وازعًا ومنه قوله تعالى { { وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } } أي يحبس أولهم على آخرهم وفيه فضل الحج وشهود عرفة وسعة فضل الله على المذنبين وفي مسلم والنسائي وابن ماجه عن عائشة مرفوعًا ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبيدًا من النار من يوم عرفة وأنه ليدنو ويتجلى ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء ولأحمد وصححه ابن حبان والحاكم عن أبي هريرة رفعه إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء فيقول لهم انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثًا غبرًا وروى ابن خزيمة وابن حبان والبزار وأبو يعلى والبيهقي عن جابر رفعه ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثًا غبرًا ضاجين جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عقابي فلم ير يوما أكثر عتقًا من النار من يوم عرفة زاد البيهقي فتقول الملائكة إن فلانًا فيهم وهو مرهق فيقول الله عز وجل قد غفرت له ( مالك عن زياد بن أبي زياد) ميسرة المدني الثقة العابد ( مولى عبد الله بن عياش) بتحتية ومعجمة ( ابن أبي ربيعة) القرشي المخزومي الصحابي ابن الصحابي ( عن طلحة بن عبيد الله بن كريز) الخزاعي فكافه مفتوحة وأما بضمها ففي عبد شمس من قريش قال ابن عبد البر لا خلاف عن مالك في إرساله ولا أحفظ بهذا الإسناد مسندًا من وجه يحتج به وأحاديث الفضائل لا تحتاج إلى محتج به وقد جاء مسندًا من حديث علي وابن عمرو ثم أخرج حديث علي من طريق ابن أبي شيبة وجاء أيضًا عن أبي هريرة أخرجه البيهقي هو وحديث ابن عمرو ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفضل الدعاء) مبتدأ خبره ( دعاء يوم عرفة) قال الباجي أي أعظمه ثوابًا وأقربه إجابة ويحتمل أن يريد به اليوم ويحتمل أن يريد الحاج خاصة ( وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي) ولفظ حديث علي أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له) زاد في حديث أبي هريرة له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير وكذا في حديث علي لكن ليس فيه يحيي ويميت قال ابن عبد البر يريد أنه أكثر ثوابًا ويحتمل أن يريد أفضل ما دعا به والأول أظهر لأنه أورده في تفضيل الأذكار بعضها على بعض والنبيون يدعون بأفضل الدعاء قال وفيه تفضيل الدعاء بعضه على بعض والأيام بعضها على بعض وأن ذلك أفضل الذكر لأنها كلمة الإسلام والتقوى وإليه ذهب جماعة وقال آخرون أفضله الحمد لله رب العالمين لأن فيه معنى الشكر وفيه من الإخلاص ما في لا إله إلا الله وافتتح الله كلامه به وختم به وهو آخر دعوى أهل الجنة وروت كل فرقة بما قالت أحاديث كثيرة وساق جملة منها في التمهيد وقدم الإمام هذا الحديث بسنده ومتنه في الدعاء وقدمت ثمة أنه وقع في تجريد الصحاح لرزين بن معاوية الأندلسي زيادة في أول هذا الحديث هي أفضل الأيام يوم عرفة وافق يوم جمعة وهو أفضل من سبعين حجة في غير يوم الجمعة وأفضل الدعاء إلخ قال الحافظ حديث لا أعرف حاله لأنه لم يذكر صحابيه ولا من خرجه بل أدرجه في حديث الموطأ هذا وليست هذه الزيادة في شيء من الموطآت فإن كان له أصل احتمل أن يريد بالسبعين التحديد أو المبالغة في الكثرة وعلى كل حال منهما تثبت المزية انتهى وفي الهدي لابن القيم ما استفاض على ألسنة العوام أن وقفة الجمعة تعدل ثنتين وسبعين حجة فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة والتابعين انتهى ( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري له في الموطأ مرفوعًا مائة واحد وثلاثون حديثًا منها ( عن أنس بن مالك) الأنصاري خمسة أحاديث هذا ثالثها ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح) في رمضان سنة ثمان ( وعلى رأسه المغفر) بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الفاء ثم راء قال صاحب المحكم ما يجعل من فضل درع الحديد على الرأس مثل القلنسوة وقال في التمهيد ما غطى الرأس من السلاح كالبيضة وشبهها من حديد كان أو غيره وقد زاد بشر بن عمر عن مالك من حديد ولا أعلم أحدًا ذكره غيره ولعله أراد في الموطأ وإلا فقد رواه خارجه عشرة عن مالك كذلك أخرجها الدارقطني ولمسلم وأحمد وأصحاب السنن عن جابر دخل صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام ورواه ابن عبد البر من طريق مالك عن أبي الزبير عن جابر وقال إنه غريب عن مالك ولا معارضة بينه وبين حديث أنس لإمكان أن المغفر فوق العمامة انتهى أي وهي تحته وقاية لرأسه من صدأ الحديد قال غيره أو كانت العمامة السوداء ملفوفة فوق المغفر إشارة للسؤدد وثبات دينه وأنه لا يغير وجمع عياض باحتمال أن يكون أول دخوله كان على رأسه المغفر ثم أزاله ولبس العمامة بعد ذلك فحكى كل من أنس وجابر ما رآه ويؤيده أن في حديث عمرو بن حريث أنه صلى الله عليه وسلم خطب الناس وعليه عمامة سوداء رواه مسلم وكانت الخطبة عند باب الكعبة وذلك بعد تمام الدخول فزعم الحاكم في الإكليل تعارض الحديثين متعقب لأنه إنما يتحقق التعارض إذا لم يمكن الجمع وقد أمكن هنا بثلاث وجوه حسان ( فلما نزعه) أي المغفر ( جاءه رجل) قال الحافظ لم يسم وكأن مراده في رواية وإلا فقد جزم الفاكهاني في شرح العمدة والكرماني بأنه أبو برزة وكذا ذكره ابن طاهر وغيره وقيل سعيد بن حريث ( فقال له يا رسول الله ابن خطل) بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة ولام اسمه عبد العزى فلما أسلم سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله ومن قال اسمه هلال التبس عليه بأخ له يسمى بذلك وهو أحد من أهدر دمه يوم الفتح وقال لا أؤمنهم في حل ولا حرم ( متعلق بأستار الكعبة) وذلك كما ذكر الواقدي أنه خرج إلى الخندمة ليقاتل على فرس وبيده قناة فلما رأى خيل الله والقتال دخله رعب حتى ما يستمسك من الرعدة فرجع حتى انتهى إلى الكعبة فنزل عن فرسه وطرح سلاحه ودخل تحت أستارها فأخذ رجل من بني كعب سلاحه وفرسه فاستوى عليه وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتلوه) زاد الوليد بن مسلم عن مالك فقتل أخرجه ابن عائذ وصححه ابن حبان وأخرج عمر بن شبة في كتاب مكة عن السائب بن يزيد قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استخرج من تحت أستار الكعبة ابن خطل فضربت عنقه صبرًا بين زمزم ومقام إبراهيم وقال لا يقتل قرشي بعد هذا صبرًا رجاله ثقات إلا أن في أبي معشر مقالاً واختلف هل قاتله سعيد بن حريث أو عمار بن ياسر أو سعد بن أبي وقاص أو سعيد بن زيد أو أبو برزة بفتح الموحدة وإسكان الراء ثم زاي منقوطة مفتوحة الأسلمي وهو أصح ما جاء في تعيين قاتله ورجحه الواقدي وجزم به البلاذري وغيره وتحمل بقية الروايات المخالفة له على أنهم ابتدروا قتله فكان المباشر منهم أبو برزة وجزم ابن هشام في تهذيب السيرة بأن سعيد بن حريث وأبا برزة اشتركا في قتله قال ابن إسحاق وغيره وإنما أمر بقتل ابن خطل لأنه أسلم فبعثه صلى الله عليه وسلم مصدقًا وبعث معه رجلاً من الأنصار وكان معه مولى مسلم يخدمه فنزل منزلاً فأمر المولى أن يذبح تيسًا ويصنع له طعامًا ونام فاستيقظ ولم يصنع له شيئًا فقتله ثم ارتد ولحق بمكة واتخذ قينتين تغنيان له بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم ( قال مالك) جوابًا عن كون المغفر على رأسه ( ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ) أي يوم فتح مكة ( محرمًا) إذ لم يرو أحد أنه تحلل يومئذ من إحرامه وظاهره الجزم بذلك ولا ينافيه قوله ( والله أعلم) لأنها للتبرك والتقوية ووقع في البخاري عن يحيى بن قزعة عن مالك ولم يكن فيما نرى والله أعلم يومئذ محرمًا وقد وراه عبد الرحمن بن مهدي عن مالك جزمًا عند الدارقطني بإسقاط فيما نرى والله أعلم وصرح جابر بما جزم به مالك أو ظنه فقال بغير إحرام كما في مسلم وغيره ودخولها بلا إحرام من الخصائص النبوية عند الجمهور وخالف ابن شهاب فأجاز ذلك لغيره قال أبو عمر لا أعلم من تابعه على ذلك إلا الحسن البصري وروي عن الشافعي والمشهور عنه أنها لا تدخل إلا بإحرام فإن دخلها أساء ولا شيء عليه عنده وعند مالك وجماعة وقال أبو حنيفة وأصحابه عليه حجة أو عمرة وفيه أن الحرم لا يجير من وجب عليه القتل وقال أبو حنيفة لا يجوز وتأول الحديث على أنه كان في الساعة التي أبيح له القتل بها وأجيب بأنه إنما أبيحت له ساعة الدخول حتى استولى عليها وقتل ابن خطل بعد ذلك وتعقب بأن الساعة ما بين أول النهار ودخول وقت العصر كما في مسند أحمد وقتل ابن خطل كان قبل ذلك قطعًا لقوله فلما نزع المغفر وذلك عند استقراره بمكة فلا يستقيم هذا الجواب وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف وفي الجهاد عن إسماعيل وفي المغازي عن يحيى بن قزعة بفتح القاف والزاي والعين المهملة وفي اللباس عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك ومسلم عن القعنبي ويحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد السبعة عن مالك به قال ابن عبد البر حديث انفرد به مالك لا يحفظ عن غيره ولم يروه أحد عن الزهري سواه من طريق صحيح وقد روي عن ابن أخي ابن شهاب عن عمه ولا يكاد يصح وروي أيضًا من غير هذا الوجه ولا يثبت العلماء بالنقل إسنادًا غير إسناد مالك وقد رواه عنه جماعة من الأئمة يطول ذكرهم من أجلهم ابن جريج وكذا قال ابن الصلاح وغيره أن مالكًا تفرد به وقد تعقبه الحافظ الزين العراقي في نكته بأنه ورد من عدة طرق عن ابن شهاب من رواية ابن أخي الزهري عند البزار وأبي أويس عند ابن سعد وابن عدي ومعمر ذكره ابن عدي في الكامل والأوزاعي ذكره المزي قال وروى ابن مسدي في معجم شيوخه أن أبا بكر بن العربي قال لأبي جعفر بن المرخي حين ذكر أنه لا يعرف إلا من حديث مالك عن الزهري قد رويته من ثلاثة عشر طريقًا غير طريق مالك فقالوا له أفدنا هذه الفوائد فوعدهم ولم يخرج لهم شيئًا قال الحافظ في نكته قد استبعد أهل أشبيلية قول ابن العربي حتى قال قائلهم

يا أهل حمص ومن بها أوصيكم
بالبر والتقوى وصية مشفق

فخذوا عن العربي أسمار الدجى
وخذوا الرواية عن إمام متق

إن الفتى ذرب اللسان مهذب
إن لم يجد خبرًا صحيحًا يخلق

وعنى بأهل حمص أهل أشبيلية قال وقد تتبعت طرقه فوجدته كما قال ابن العربي بل أزيد فرويناه من طريق الأربعة الذين ذكرهم شيخنا يعني العراقي ورواية معمر في معجم أبي بكر بن المقري ورواية الأوزاعي في فوائد تمام ومن رواية عقيل بن خالد في معجم أبي الحسين بن جميع ويونس بن يزيد في الإرشاد للخليلي ومحمد بن أبي حفصة في رواة مالك للخطيب وسفيان بن عيينة في مسند أبي يعلى وأسامة بن زيد الليثي في الضعفاء لابن حبان وابن أبي ذئب في الحلية لأبي نعيم وعبد الرحمن ومحمد أبي عبد العزيز في فوائد أبي محمد عبد الله بن إسحاق الخراساني ومحمد بن إسحاق في مسند مالك لابن عدي ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي الموالي في الإفراد للدارقطني وبحر بن كثير السقاء ذكره أبو محمد جعفر الأندلسي نزيل مصر في تخريج له وصالح بن أبي الأخضر ذكره الحافظ أبو ذر الهروي فهؤلاء ستة عشر نفسًا غير مالك رووه عن الزهري وروي من طريق يزيد الرقاشي عن أنس متابعًا للزهري في فوائد أبي الحسين الفراء الموصلي ومن حديث سعد بن أبي وقاص وأبي برزة الأسلمي وهما في سنن الدارقطني وعلي بن أبي طالب في المشيخة الكبرى لأبي محمد الجوهري وسعيد بن يربوع والسائب بن يزيد وهما في مستدرك الحاكم فهذه طرق كثيرة غير طريق مالك عن الزهري عن أنس فكيف يحل لأحد أن يتهم إمامًا من أئمة المسلمين يعني ابن العربي بغير علم ولا اطلاع وذكر نحوه في الفتح وزاد لكن ليس في طرقه شيء على شرط الصحيح إلا طريق مالك وأقربها طريق ابن أخي الزهري ويليها رواية أبي أويس فيحمل قول من قال تفرد به مالك أي بشرط الصحة وقول من قال توبع أي في الجملة انتهى وهذا الحمل أشار إليه ابن عبد البر فيما نقلته أولاً عنه والله أعلم ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر أقبل من مكة) يريد المدينة ( حتى إذا كان بقديد) بضم القاف ( جاءه خبر من المدينة) بالفتنة كما في رواية عبد الرزاق عن عبيد الله عن نافع ( فرجع فدخل مكة بغير إحرام) لقرب الموضع ( مالك عن ابن شهاب بمثل ذلك) واحتج به ابن شهاب والحسن البصري وداود وأتباعه على جواز دخولها بلا إحرام وقالوا إن موجب الإحرام عليه بحج أو عمرة لم يوجبه الله ولا رسوله ولا اتفق عليه وأبى ذلك الجمهور قال ابن وهب عن مالك لست آخذ بقول ابن شهاب وكرهه وقال إنما يكون ذلك على مثل ما عمل ابن عمر من القرب إلا رجلاً يأتي بالفاكهة من الطائف أو ينقل الحطب يبيعه فلا أرى بذلك بأسًا وقال إسماعيل القاضي كره الأكثر دخولها بلا إحرام ورخصوا للحطابين ومن أشبههم ممن يكثر اختلافه إلى مكة ولمن خرج منها يريد بلده ثم بدا له أن يرجع كما صنع ابن عمر وأما من سافر إليها في تجارة أو غيرها فلا يدخلها إلا محرمًا لأنه يأتي الحرم ويؤيد ذلك أنه لو نذر المشي إليها وجب عليه أن يدخلها محرمًا بحج أو عمرة وما دخلها صلى الله عليه وسلم قط إلا محرمًا إلا يوم الفتح ( مالك عن محمد بن عمرو) بفتح العين ( ابن حلحلة) بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة ( الديلي) بكسر الدال وسكون التحتية المدني ( عن محمد بن عمران الأنصاري) قال ابن عبد البر لا أعرفه إلا بهذا الحديث ( عن أبيه) إن لم يكن عمران بن حيان الأنصاري أو عمران بن عوادة فلا أدري من هو ( أنه قال عدل إلي عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( وأنا نازل تحت سرحة) بفتح السين والحاء المهملتين بينهما راء ساكنة شجرة طويلة لها شعب ( بطريق مكة فقال ما أنزلك تحت هذه السرحة فقلت أردت ظلها فقال هل غير ذلك فقلت لا ما أنزلني) تحتها ( إلا ذلك) إرادة ظلها ( فقال عبد الله بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنت بين الأخشبين من منى) قال ابن وهب أراد بهما الجبلين اللذين تحت العقبة بمنى فوق المسجد والأخاشب الجبال وقال إسماعيل الأخاشب يقال إنها اسم لجبال مكة ومنى خاصة ( ونفخ) بخاء معجمة أي أشار ( بيده نحو المشرق) قال البوني أحسب أن ابن عمر ظن أن عمران يعلم الوادي الذي فيه المزدلفة ولذلك ما كرر عليه السؤال ( فإن هناك واديًا يقال له السرر) بضم السين وكسرها ( به شجرة سر تحتها سبعون نبيًا) أي ولدوا تحتها فقطع سرهم بالضم وهو ما تقطعه القابلة من سرة الصبي كما في النهاية وغيرها فقول السيوطي أي قمعت سرتهم إذ ولدوا تحتها مجاز سمى السرسرة لعلاقة المجاورة وقال مالك بشروا تحتها بما يسرهم قال ابن حبيب فهو من السرور أي تنبؤوا تحتها واحدًا بعد واحد فسروا بذلك وبه أقول وفيه التبرك بمواضع النبيين وأخرجه النسائي من طريق ابن القاسم عن مالك به ( مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم) نسبه إلى جده لشهرته وإلا فأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم بمهملة وزاي ( عن ابن أبي مليكة) هو عبد الله بفتح العين ابن عبيد الله بضمها ابن عبد الله بفتحها ابن أبي مليكة بضم الميم بالتصغير يقال اسمه زهير التيمي مولى عبد الله بن جدعان أدرك ثلاثين من الصحابة وكان ثقة فقيهًا مات سنة سبع عشرة ومائة ( أن عمر بن الخطاب مر بامرأة مجذومة) أصابها داء الجذام يقطع اللحم ويسقطه ( وهي تطوف بالبيت فقال لها يا أمة الله لا تؤذي الناس) بريح الجذام ( لو جلست في بيتك) كان خيرًا لك أو لو للتمني فلا جواب لها ( فجلست فمر بها رجل) لم يسم ( بعد ذلك فقال لها إن الذي قد نهاك قد مات فاخرجي) لعله جاهل أو رجل سوء أو يكون مختبرًا لها قاله أبو عبد الملك ( فقالت ما كنت لأطيعه حيًا وأعصيه ميتًا) لأنه إنما أمر بحق قال أبو عمر فيه أنه يحال بين المجذوم ومخالطة الناس لما فيه من الأذى وهو لا يجوز وإذا منع آكل الثوم من المسجد وكان ربما أخرج إلى البقيع في العهد النبوي فما ظنك بالجذام وهو عند بعض الناس يعدي وعند جميعهم يؤذي وألان عمر للمرأة القول بعد أن أخبرها أنها تؤذي لأنه لم يتقدم إليها ورحمها للبلاء الذي بها وقد عرف منه أنه كان يعتقد أن شيئًا لا يعدي وكان يجالس معيقيبًا الدوسي ويؤاكله ويشاربه وربما وضع فمه على موضع فمه وكان على بيت ماله ولعله علم من عقلها ودينها أنها تكتفي بإشارته فلم يحتج إلى نهيها ألم تر إلى أنه لم تخط فراسته فيها فأطاعته حيًا وميتًا ( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقول ما بين الركن والباب الملتزم) هكذا رواه ابن وضاح عن يحيى وهو الصواب وفي رواية ابنه عبيد الله ما بين الركن والمقام وهو خطأ لم يتابع عليه فالرواية في الموطأ وغيره والباب وروى عن ابن عباس مرفوعًا ما بين الركن والباب ملتزم من دعا الله عنده من ذي حاجة أو ذي كربة أو ذي غم فرج عنه قاله ابن عبد البر وفي أبي داود وابن ماجه أن عبد الله بن عمرو بن العاصي طاف ثم قال نعوذ بالله من النار ثم مضى حتى استلم الحجر وقام بين الركن والباب فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطهما ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح المهملة والموحدة الثقيلة ( أنه سمعه يذكر أن رجلاً) لم يسم ( مر على أبي ذر بالربذة) بفتح الراء والموحدة والذال المعجمة ( وأن أبا ذر سأله أين تريد فقال أردت الحج فقال هل نزعك) بزاي ومهملة أي أخرجك ( غيره) قال تعالى { { ونزع يده } } أي أخرجها ( فقال لا قال فائتنف العمل) استقبله لغفر ذنبك ومراده أنه إذا لم يخرج إلا للحج وحده كان أعظم لأجره ( قال الرجل فخرجت حتى قدمت مكة فمكثت) بضم الكاف وفتحها أقمت ( ما شاء الله) أن أمكث ( ثم إذا أنا بالناس منقصفين) أي مزدحمين ( على رجل) حتى كأن بعضهم يقصف بعضًا بدارًا إليه ( فضاغطت) بضاد وغين معجمتين وطاء مهملة زاحمت وضايقت ( عليه الناس) لأن أراه ( فإذا أنا بالشيخ الذي وجدت بالربذة يعني أبا ذر قال فلما رآني عرفني فقال هو الذي حدثتك) قال ابن عبد البر هذا لا يجوز أن يكون مثله رأيًا وإنما يدرك بالتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم قال وفيه أن الله رضي من عباده بقصد بيته مرة في عمر العبد ليحط أوزاره ويغفر ذنوبه ويخرج منها كيوم ولدته أمه كما قال في الحديث الآخر من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وقال ابن مسعود من حج بنية صادقة ونفقة طيبة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وفيه ما كان عليه أبو ذر من الفقه والعلم وقد سئل علي عنه فقال وعاء مليء علمًا عجز الناس عنه وأوكئ عليه فلم يخرج شيئًا ونظر عمر إلى ركب صادرين من الحج فقال لو يعلم الركب ما ينقلبون به من الفضل بعد المغفرة لا تكلوا ولكن ليستأنفوا العمل وسئل الثوري حين دفع الناس من عرفة إلى المزدلفة عن أخسر الناس صفقة وهو يعرض بالظلمة وأهل الفسق فقال أخسر الناس صفقة من ظن أن الله لا يغفر لهؤلاء ( مالك أنه سأل ابن شهاب عن الاستثناء في الحج) وهو أن يشترط أن يتحلل حيث أصابه مانع ( فقال أو يصنع ذلك أحد وأنكر ذلك) وإلى عدم جوازه ونفعه ذهب مالك وأبو حنيفة والأكثرون وكان ابن عمر ينكر الاشتراط في الحج ويقول أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم يحل من كل شيء حتى يحج عامًا قابلاً فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديًا رواه الشيخان والترمذي وغيرهم وذهب الشافعي وأحمد وطائفة إلى جوازه ونفعه لحديث الصحيحين وغيرهما عن عائشة دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب فقالت يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية فقال النبي صلى الله عليه وسلم حجي واشترطي وقولي اللهم محلي حيث حبستني وفي الصحيح عن ابن عباس أن ضباعة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني امرأة ثقيلة وإني أريد الحج فما تأمرني قال أهلي بالحج واشترطي أن محلي حيث تحبسني قال فأدركت وأجاب الأولون بأنها قضية عين خاصة بضباعة إذ لا عموم فيها وتأوله آخرون على أن المراد التحلل بعمرة وكذلك جاء مفسرًا من رواية ابن المسيب أنه صلى الله عليه وسلم أمر ضباعة أن تشترط اللهم الحج أردت فإن تيسر وإلا فعمرة وعن عروة أن عائشة قالت له هل تشترط إذا حججت قال ماذا أقول قالت قل اللهم الحج أردت وله عمدت فإن يسرته فهو الحج وإن حبسني حابس فهو عمرة رواه الشافعي والبيهقي ( سئل مالك هل يحتش الرجل لدابته من الحرم فقال لا) لقوله صلى الله عليه وسلم لا يعضد شجره ولا يختلى خلاه والخلا ما يبس من النبات وقال صلى الله عليه وسلم إلا الإذخر وقيس عليه السنا للحاجة العامة إليه فإن احتش فلا جزاء وقال الشافعي عليه القيمة ويجوز أن يرعى الإبل في الحرم لأنه لا يمكن الاحتراز عنه ولو منع منه امتنع السفر في الحرم والمقام فيه لتعذر الاحتراز عنه قاله الباجي.



رقم الحديث 955 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِامْرَأَةٍ وَهِيَ فِي مِحَفَّتِهَا فَقِيلَ لَهَا: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَتْ بِضَبْعَيْ صَبِيٍّ كَانَ مَعَهَا.
فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ.


( جامع الحج)

( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم وللنسائي من طريق يحيى القطان عن مالك حدثني الزهري ( عن عيسى بن طلحة) بن عبيد الله القرشي التيمي المدني أبي محمد ثقة فاضل مات سنة مائة وأبوه طلحة أحد العشرة وفي رواية ابن جريج عند مسلم وصالح بن كيسان عند البخاري كلاهما عن ابن شهاب قال حدثني عيسى بن طلحة ( عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ( ابن العاصي) بالياء وحذفها والإثبات أصح وفي رواية ابن جريج حدثني عبد الله وللبخاري عنه أن عبد الله حدثه وكذا في رواية صالح أن عبد الله حدثه ( أنه قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم) على ناقته كما في رواية صالح عند البخاري ويونس عند مسلم بلفظ على راحلته ومعمر عند أحمد والنسائي كلهم عن ابن شهاب فرواية يحيى القطان عن مالك جلس في حجة الوداع فقام رجل محمول على أنه ركب ناقته وجلس عليها ( للناس بمنى) زاد التنيسي والنيسابوري وغيرهما في حجة الوداع وفي رواية وقف عند الجمرة وأخرى فخطب يوم النحر قال عياض جمع بعضهم بأنه موقف واحد ومعنى خطب أي علم الناس لا أنها من خطب الحج المشروعة قال ويحتمل أن ذلك في موطنين أحدهما على راحلته عند الجمرة ولم يقل في هذا خطب والثاني يوم النحر بعد صلاة الظهر وذلك في وقت الخطبة المشروعة من خطب الحج يعلم الإمام فيها الناس ما بقي عليهم من مناسكهم وصوب النووي هذا الثاني قال الحافظ فإن قيل لا فرق بين الاحتمالين فإنه ليس في شيء من طريق حديث ابن عمرو وابن عباس بيان الوقت الذي خطب فيه من النهار قلنا نعم لم يقع التصريح بذلك لكن في رواية ابن عباس أن بعض السائلين قال رميت بعد ما أمسيت فدل على أن القصة كانت بعد الزوال لإطلاق المساء على ما بعده فكأن السائل علم أن السنة رمي الجمرة ضحى فلما أخرها إلى الزوال سأل عنه على أن حديث ابن عمرو مخرجه واحد لا يعرف إلا من طريق الزهري ولا خلاف فيه بين أصحابه غايته أن بعضهم ذكر ما لم يذكره الآخر واجتمع من مرويهم ومروي ابن عباس أن ذلك كان يوم النحر بعد الزوال وهو على راحلته يخطب عند الجمرة فإذا تقرر ذلك تعين أنها الخطبة المشروعة لتعلم بقية المناسك فليس قوله خطب مجازًا عن مجرد التعليم بل هي حقيقية ولا يلزم من وقوعه عند الجمرة أن يكون حينئذ رماها ففي البخاري وغيره عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات فذكر خطبته فلعل ذلك وقع بعد أن أفاض ورجع إلى منى انتهى وقال الأبي ترجم البخاري الفتيا على الدابة عند الجمرة فهو يدل على أنها لم تكن خطبة ( والناس يسألونه) وفي رواية فجعلوا يسألونه وأخرى فطفق ناس يسألونه ( فجاءه رجل) قال الحافظ لم أقف على اسمه بعد البحث الشديد ولا على اسم أحد ممن سأل في هذه القصة وكانوا جماعة لكن في حديث أسامة بن شريك عند الطحاوي وغيره كان الأعراب يسألونه فكان هذا هو السبب في عدم ضبط أسمائهم ( فقال له يا رسول الله لم أشعر) بضم العين أي أفطن يقال شعرت بالشيء شعورًا إذا فطنت له وقيل الشعور العلم ولم يفصح في رواية مالك بمتعلق الشعور وبينه يونس عند مسلم بلفظ لم أشعر أن الرمي قبل الحلق ( فحلقت) شعر رأسي ( قبل أن أنحر) وفي رواية قبل أن أذبح والفاء سببية جعل الحلق مسببًا عن عدم الشعور كأنه يعتذر لتقصيره ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انحر) وفي رواية اذبح ( ولا حرج) قال عياض ليس أمرًا بالإعادة وإنما هو إباحة لما فعل لأنه سأل عن أمر فرغ منه فالمعنى افعل ذلك متى شئت ونفي الحرج بين في رفع الفدية عن العامد والساهي وفي رفع الإثم عن الساهي وأما العامد فالأصل أن تارك السنة عمدًا لا يأثم إلا أن يتهاون فيأثم للتهاون لا للترك ( ثم جاءه آخر فقال يا رسول الله لم أشعر) أفطن أو أعلم زاد يونس أن الرمي قبل النحر ( فنحرت) الهدي ( قبل أن أرمي) الجمرة ( قال ارم ولا حرج) أي لا ضيق عليك في ذلك زاد في رواية ابن جريج في الصحيحين وأشباه ذلك وفي رواية محمد بن أبي حفصة عن الزهري عند مسلم وقال آخر أفضت إلى البيت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج وفي رواية معمر عند أحمد زيادة الحلق قبل الرمي فحاصل ما في حديث عبد الله بن عمرو السؤال عن أربعة أشياء الحلق قبل الذبح والنحر قبل الرمي والحلق قبل الرمي والإفاضة قبل الرمي والأوليان في حديث ابن عباس أيضًا في الصحيح وللدارقطني من حديثه أيضًا السؤال عن الحلق قبل الرمي وكذا في حديث جابر وأبي سعيد عند الطحاوي وفي حديث علي عند أحمد السؤال عن الإفاضة قبل الحلق وفي حديثه عند الطحاوي السؤال عن الرمي والإفاضة معًا قبل الحلق وفي حديث جابر عند ابن حبان وغيره السؤال عن الإفاضة قبل الذبح وفي حديث أسامة بن شريك السؤال عن السعي قبل الطواف وهو محمول على من سعى بعد طواف القدوم ثم طاف طواف الإفاضة فإنه يصدق عليه أنه سعى قبل الطواف أي الركن فهذا ما تحرر من مجموع الأحاديث وبقي عدة صور لم يذكرها الرواة إما اختصارًا وإما لأنها لم تقع وبلغت بالتقسيم أربعًا وعشرين صورة منها صورة الترتيب المتفق عليها وهي رمي جمرة العقبة ثم نحر الهدي أو ذبحه ثم الحلق أو التقصير ثم طواف الإفاضة وفي الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزله بمنى فنحر وقال للحالق جز ولأبي داود رمى ثم نحر ثم حلق أجمع العلماء على مطلوبية هذا الترتيب إلا أن ابن الجهم استثنى القارن فقال لا يحلق حتى يطوف كأنه لا حظ أنه في عمل العمرة والعمرة يتأخر فيها الحلق عن الطواف ورد عليه النووي وأجمع العلماء على الإجزاء في التقديم والتأخير إلا أنهم اختلفوا في الدم فأوجبه مالك في تقديم الإفاضة على الرمي لأنه لم يقع في روايته حديث الباب ولا يلزم بزيادة غيره لأنه أثبت الناس في ابن شهاب وأوجب الفدية في تقديم الحلق على الرمي لوقوعه قبل شيء من التحلل وذلك أبو حنيفة إلى أن الترتيب واجب وعليه الدم في كل المخالفة وتأول لا حرج على نفي الإثم لأنه فعل على الجهل لا القصد فأسقط الحرج وعذرهم لعدم العلم بدليل قول السائل لم أشعر وذهب الجمهور والشافعي وأحمد في رواية إلى الجواز وعدم وجوب الدم في شيء لعموم قوله ( قال) عبد الله بن عمرو ( فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد في رواية يومئذ ( عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج) عليك فإنه ظاهر في نفي الإثم والفدية والدم لأن اسم الضيق يشمل ذلك قال الطحاوي لكن يحتمل أنه لا إثم في ذلك الفعل لمن كان ناسيًا أو جاهلاً أي كالسائلين قال وأما من تعمد المخالفة فيجب عليه الفدية وتعقب بأن وجوبها يحتاج إلى دليل ولو وجبت لبينه صلى الله عليه وسلم حينئذ وقت الحاجة فلا يجوز تأخيره قال الطبري ولم يسقط النبي صلى الله عليه وسلم الحرج إلا وقد أجزأ الفعل إذ لو لم يجز لأمره بالإعادة لأن الجهل والنسيان لا يضعان الحكم اللازم في الحج كما لو ترك الرمي ونحوه فلا يأثم بتركه جاهلاً أو ناسيًا لكن تجب عليه الإعادة قال والعجب ممن يحمل قوله ولا حرج على نفي الإثم فقط ثم يخص ذلك ببعض الأمور دون بعض فإن كان الترتيب واجبًا يجب بتركه دم فليكن في الجميع وإلا فما وجه تخصيص بعض دون بعض مع تعميم الشارع الجميع بنفي الحرج كذا قال وجوابه إن مالكًا خص من العموم تقديم الحلق على الرمي فأوجب فيه الفدية لعلة أخرى وهي إلقاء التفث قبل فعل شيء من التحلل وقد أوجب الله ورسوله الفدية على المريض أو من برأسه أذى إذا حلق قبل محل الحلق مع جواز ذلك له لضرورته فكيف بالجاهل والناسي وخص منه أيضًا تقديم الإفاضة على الرمي لئلا يكون وسيلة إلى النساء والصيد قبل الرمي ولأنه خلاف الواقع منه صلى الله عليه وسلم وقد قال خذوا عني مناسككم ولم يثبت عنده زيادة ذلك في حديث الباب فلا يلزمه زيادة غيره وهو أثبت الناس في ابن شهاب ومحل قبول زيادة الثقة ما لم يكن من لم يزدها أوثق منه وابن أبي حفصة الذي روى ذلك عن ابن شهاب وإن كان صدوقًا وروى له الشيخان لكنه يخطئ بل ضعفه النسائي واختلف قول ابن معين في تضعيفه وكان يحيى بن سعيد يتكلم فيه وقال أحمد في رواية إن كان ناسيًا أو جاهلاً فلا شيء عليه وإن كان عالمًا فلا لقوله لم أشعر وأجيب بأن الترتيب لو وجب لما سقط بالسهو كالترتيب بين السعي والطواف إذ لو سعى قبله وجبت إعادة السعي لكن قال ابن دقيق العيد ما قاله أحمد قوي لأن الدليل دل على وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم في الحج لقوله خذوا عني مناسككم وهذه الأحاديث المرخصة قد قرنت بقول السائل لم أشعر فيختص الحكم بهذه الحالة وتبقى حالة العمد على أصل وجوب الاتباع في الحج وأيضًا الحكم إذا رتب على وصف يمكن أنه معتبر لم يجز طرحه ولا شك أن عدم الشعور وصف مناسب لعدم المؤاخذة وقد علق به الحكم فلا يمكن طرحه بإلحاق العمد به إذ لا يساويه والتمسك بقوله فما سئل إلخ لإشعاره بأن الترتيب مطلقًا غير مراعى جوابه إن هذا الإخبار من الراوي يتعلق بما وقع السؤال عنه وهو مطلق بالنسبة إلى حالة السائل والمطلق لا يدل على أحد الخاصين فلا يبقى فيه حجة في حالة العمد انتهى وفيه وجوب اتباع أفعاله صلى الله عليه وسلم لأن الذين خالفوه لما علموا سألوا عن حكم ذلك وجواز سؤال العالم واقفًا وراكبًا ولا يعارضه ما روي عن مالك من كراهة ذكر العلم والحديث في الطريق لأن الوقوف بمنى لا يعد من الطرق لأنه موقف عبادة وذكر ووقت حاجة إلى التعلم خوف الفوات إما بالزمان أو المكان وأخرجه البخاري في العلم عن إسماعيل وهنا عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى الثلاثة عن مالك وتابعه جماعة عن ابن شهاب به في الصحيحين وغيرهما ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل) بقاف ثم فاء بزنة رجع ومعناه ( من غزو أو حج أو عمرة يكبر) الله تعالى ( على كل شرف) بفتح المعجمة والراء ثم فاء أي مكان عال ( من الأرض) ولمسلم من رواية عبيد الله عن نافع إذا أوفى على ثنية أو فدفد كبر أي ارتفع على ثنية بمثلثة فنون فتحتية هي العقبة وفدفد بفتح الفاءين بعد كل دال مهملة الأشهر أنه المكان المرتفع وقيل الأرض المستوية وقيل الفلاة الخالية من شجر وغيره وقيل غليظ الأودية ذات الحصى ( ثلاث تكبيرات) قال الطيبي وجه التكبير على الأماكن العالية هو ندب الذكر عند تجدد الأحوال والتقلبات وكان صلى الله عليه وسلم يراعي ذلك في الزمان والمكان وقال الحافظ الزين العراقي مناسبته أن الاستعلاء محبوب للنفس وفيه ظهور وغلبة فينبغي للمتلبس به أن يذكر عنده أن الله أكبر من كل شيء ويكرر ذلك ويستمطر منه المزيد ( ثم يقول لا إله إلا الله) بالرفع على الخبرية بلا أو على البدلية من الضمير المستتر في الخبر المقدر أو من اسم لا باعتبار محله قبل دخولها ( وحده) حال أي منفردًا ( لا شريك له) عقلاً لاستحالته ونقلاً { { وإلهكم إله واحد } } في آيات أخر وهو تأكيد لوحده لأن المتصف بها لا شريك له ( له الملك) بضم الميم السلطان والقدرة وأصناف المخلوقات ( وله الحمد) زاد في رواية للطبراني يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير ( وهو على كل شيء قدير) قال الحافظ يحتمل أنه كان يأتي بهذا الذكر عقب التكبير على المكان المرتفع ويحتمل أنه يكمل الذكر مطلقًا ثم يأتي بالتسبيح إذا هبط قال القرطبي وفي تعقيب التكبير بالتهليل إشارة إلى أنه المنفرد بإيجاد جميع الموجودات وأنه المعبود في جميع الأماكن ( آيبون) بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي نحن آيبون جمع آيب بوزن راجع ومعناه أي راجعون إلى الله وليس المراد الإخبار بمحض الرجوع فإنه تحصيل الحاصل بل الرجوع في حالة مخصوصة وهي تلبسهم بالعبادة المخصوصة والاتصاف بالأوصاف المذكورة ( تائبون) من التوبة وهي الرجوع عما هو مذموم شرعًا إلى ما هو محمود شرعًا وفيه إشارة إلى التقصير في العبادة وقاله صلى الله عليه وسلم تواضعًا أو تعليمًا لأمته أو المراد أمته وقد تستعمل التوبة لإرادة الاستمرار على الطاعة فيكون المراد أن لا يقع منهم ذنب ( عابدون ساجدون لربنا حامدون) كلها رفع بتقدير نحن وقوله لربنا متعلق بساجدون أو بسائر الصفات على طريق التنازع ( صدق الله وعده) فيما وعد به من إظهار دينه بقوله { { وعدكم الله مغانم كثيرة } } وقوله تعالى { { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض } } الآية وهذا في سفر الغزو ومناسبته للحج والعمرة قوله { { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } } ( ونصر عبده) محمدًا صلى الله عليه وسلم ( وهزم الأحزاب وحده) من غير فعل أحد من الآدميين ولا سبب من جهتهم وهذا معنى الحقيقة فإن العبد وفعله خلق لربه والكل منه وإليه ولو شاء أن يبيد الكفار بلا قتال لفعل وفيه التفويض إلى الله تعالى قيل الأحزاب هنا كفار قريش ومن وافقهم الذين تحزبوا أي تجمعوا في غزوة الخندق ونزل فيهم سورة الأحزاب وقيل المراد أعم من ذلك أي أحزاب الكفار في جميع الأيام والمواطن قال النووي والمشهور الأول قيل فيه نظر لأنه يتوقف على أن هذا الذكر إنما شرع من بعد الخندق وأجيب بأن غزواته صلى الله عليه وسلم التي خرج فيها بنفسه محصورة والمطابق منها لذلك غزوة الخندق لظاهر قوله تعالى { { ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال } } وقوله قبل ذلك { { إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها } } الآية وأصل الحزب القطعة المجتمعة من الناس فاللام إما جنسية أي كل من تحزب من الكفار وإما عهدية والمراد من تقدم وهو الأقرب قال القرطبي ويحتمل أن يكون هذا الخبر بمعنى الدعاء أي اللهم اهزم الأحزاب والأول أظهر ثم ظاهر الحديث اختصاص ذلك بالغزو والحج والعمرة والجمهور على أنه يشرع قول ذلك في كل سفر طاعة كصلة رحم وطلب علم لما يشمل الجميع من اسم الطاعة وإنما اقتصر الصحابي على الثلاث لانحصار سفره صلى الله عليه وسلم فيها وقيل يتعدى أيضًا إلى السفر المباح لأن المسافر فيه لا ثواب له فلا يمتنع عليه فعل ما يحصل له الثواب وقيل يشرع في سفر المعصية أيضًا لأن مرتكبها أحوج إلى تحصيل الثواب من غيره وتعقب بأن الذي يخصه بسفر الطاعة لا يمنع من سافر في مباح ولا معصية من الإكثار من ذكر الله وإنما النزاع في خصوص هذا الذكر في هذا الوقت المخصوص فذهب قوم إلى الاختصاص لكونها عبادات مخصوصة شرع لها ذكر مخصوص فتختص به كالذكر المأثور عقب الأذان وعقب الصلاة انتهى وفيه جواز السجع في الدعاء والكلام بلا تكلف وإنما ينهى عن المتكلف لأنه يشغل عن الإخلاص ويقدح في النية ورواه البخاري هنا عن عبد الله بن يوسف وفي الدعوات عن إسماعيل ومسلم من طريق معن الثلاثة عن مالك به وتابعه عبيد الله وأيوب والضحاك عن نافع عند مسلم ( مالك عن إبراهيم بن عقبة) بالقاف ابن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني وثقه أحمد وابن معين والنسائي وروى عنه أيضًا السفيانان وحماد بن زيد وابن المبارك وآخرون وقال ابن عبد البر ثقة حجة أسن من أخيه موسى ومحمد أسن منه وسمع إبراهيم من أم خالد بنت خالد بن سعيد وهي من المبايعات وزعم ابن معين أنهم مواليها لم يتابع عليه والصواب أنهم موالي آل الزبير كما قال مالك والبخاري وغيرهما له في الموطأ مرفوعًا هذا الحديث الواحد ( عن كريب مولى عبد الله بن عباس) مرسلاً عند أكثر رواة الموطأ ووصله الشافعي وابن وهب ومحمد بن خالد وأبو مصعب وعبد الله بن يوسف فزادوا ( عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بامرأة) ولمسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم لقي ركبًا بالروحاء فقال من القوم فقالوا المسلمون فقالوا من أنت قال رسول الله فرفعت إليه امرأة صبيًا ( وهي في محفتها) بكسر الميم كما جزم به الجوهري وغيره وحكى في المشارق الكسر والفتح بلا ترجيح شبه الهودج إلا أنه لا قبة عليها ( فقيل لها هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بضبعي صبي) بفتح الضاد المعجمة وإسكان الموحدة وفتح العين مثنى وهما باطنًا الساعد ( كان معها) ولأبي داود ففزعت امرأة فأخذت بعضد صبي فأخرجته من محفتها وهو بكسر الزاي أي ذعرت خوفًا أن يفوتها المصطفى ويتعذر عليها سؤاله ويحتمل أن المراد بالفزع هنا الاستغاثة والالتجاء أي استغاثت به أو بادرت أو قصدته صلى الله عليه وسلم ( فقالت ألهذا حج يا رسول الله قال نعم) له حج وزادها على السؤال ( ولك أجر) ترغيبًا لها قال عياض والأجر لها فيما تتكلفه من أمره في ذلك وتعليمه وتجنيبه ما يجتنب المحرم وقال عمر وكثيرون إن الصبي يثاب وتكتب حسناته دون السيئات واختلف هل هو مخاطب على وجه الندب أو إنما المخاطب الولي بحمله على أدب الشريعة للتمرين وهذا هو الصحيح وعلى هذا فلا يبعد أن الله سبحانه يدخر للصبي ثواب ما عمل قال النووي والصبي الذي يحرم عنه الولي الصحيح عندنا أنه الولي الذي له النظر في ما له من أب أو جد أو وصي أو مقدم قاض أو ناظر ولا يصح إحرام الأم عنه إلا أن تكون وصية أو مقدمة من القاضي وقيل يصح إحرامها وإحرام العصبة وإن لم يكن لهم نظر في المال نقله الأبي وأقره وهو مقتضى مذهب مالك رحمه الله قال الشيخ ولي الدين لا يصح الاستدلال بهذا الحديث على صحة الإحرام عنه مطلقًا لاحتمال أن هذا الصبي كان مميزًا فأحرم هو عن نفسه وعلى تقدير أنه لم يميز فلعل له وليًا أحرم عنه وعلى تقدير أنها التي أحرمت فلعلها ولية مال وفيه المبادرة إلى استفتاء العلماء والأخذ عنهم قبل فواتهم وجواز ركوب المحفة والمحمل وإن كان الأفضل الركوب على القتب في حق من أطاقه لكن الظاهر أن المحمل في حق المرأة أولى لأنه أستر لها وفيه مشروعية الحج بالصغار وبه قال الأئمة قال ابن عبد البر وعليه جمهور العلماء في كل قرن وقالت طائفة لا يحج بهم وهو قول لا يشتغل به ولا يعرج عليه وقال عياض لا خلاف بين العلماء في جواز الحج بالصبيان وإنما منعه طائفة من أهل البدع لا يلتفت إليهم بل هو مردود بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإجماع الأمة وفيه انعقاد حج الصبي وصحته ووقوعه نفلاً وأنه مثاب عليه فيجتنب ما يجتنبه الكبير مما يمنعه الإحرام ويلزمه من الفدية والهدي ما يلزمه وبه قال الأئمة الثلاثة والجمهور وقال أبو حنيفة لا ينعقد وإنما يجنب من ذلك ويفعل للتمرين ليفعله إذا بلغ قال المازري وغيره والحديث حجة للجمهور وتأوله الحنفية على أنه إنما يفعل به ذلك للتمرين واحتمال أن الصبي كان بالغًا لا يصح إذ لا فائدة لقولها ألهذا حج على أنه في بعض طرق الحديث صرح بأنه صغير ويدل عليه رفعها له إذ لا يرفع الكبير ويدل له أيضًا فأخذت بضبعي صبي وهي في محفة وفي رواية فأخرجته من محفتها قال عياض وأجمعوا على أنه لا يجزيه إذا بلغ عن حجة الفرض إلا فرقة شذت فقالت يجزيه ولم يلتفت العلماء إلى قولها وحكى ابن عبد البر عن داود في المملوك البالغ إذا حج قبل عتقه يجزئه عن حجة الإسلام دون الصبي وفرق بخطاب المملوك عنده به والصبي غير مخاطب وجمهور العلماء على أن العبد لا يخاطب بالحج وأنه لا يجزئه عن الفرض كالصبي وهذا الحديث رواه النسائي من طريق محمد بن خالد وابن وهب والطحاوي وغيره من طريق الشافعي وابن عبد البر من طريق ابن أبي مصعب الأربعة عن مالك به متصلاً وتابعه سفيان بن عيينة عند مسلم وأبي داود والنسائي وغيرهم ولم يختلف عليه في اتصاله وعبد العزيز بن أبي سلمة وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة كلاهما عند البيهقي موصولاً وأخوه موسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق رواهما ابن عبد البر متصلاً وسفيان الثوري مرسلاً في رواية ابن مهدي عنه عند مسلم وموصولاً في رواية أبي نعيم الفضل بن دكين عنه عند النسائي فاختلف عليه في وصله وإرساله كما اختلف على مالك في ذلك والظاهر أن كلاً من مالك وشيخه إبراهيم حدث به على الوجهين فإن الرواة عن كل منهما بالوصل والإرسال حفاظ ثقات ويقوي ذلك أنه اختلف على ابن القاسم فرواه سحنون عنه عن مالك مرسلاً ورواه يوسف بن عمرو والحارث بن مسكين عنه عن مالك متصلاً فكأنه سمعه من مالك بالوجهين وقد أخرجه مسلم بالوجهين من طريق السفيانين وكأن البخاري ترك تخريجه في صحيحه لهذا الاختلاف لكن قال ابن عبد البر من وصل هذا الحديث وأسنده فقوله أولى وأصح والحديث صحيح مسند ثابت الاتصال لا يضره تقصير من قصر به لأن الذين أسندوه حفاظ ثقات انتهى وسبقه إلى ذلك الإمام أحمد فصحح وصله ( مالك عن إبراهيم بن أبي عبلة) بفتح المهملة وسكون الموحدة واسمه شمر بكسر المعجمة ابن يقظان العقيلي ثم الشامي يكنى أبا إسماعيل ثقة تابعي سمع أنسًا وأبا أمامة ووائلة سكن الشام وبها مات سنة اثنين أو إحدى وخمسين ومائة لمالك عنه مرفوعًا هذا الحديث الواحد ( عن طلحة بن عبيد الله) بضم العين ( ابن كريز) بفتح الكاف وكسر الراء وإسكان التحتية وزاي منقوطة الخزاعي وثقه أحمد والنسائي يكنى أبا المطرف وهو تابعي مات بالشام سنة ثمان عشرة ومائة ووهم من ظنه أحد العشرة لأنه تيمي واسم جده عثمان وهذا خزاعي وجده كريز فحديثه مرسل وزعم ابن الحذاء أنه من الغرائب التي لم يوجد لها إسناد ولا نعلم أحدًا أسنده من قصوره الشديد فقد وصله الحاكم في المستدرك عن أبي الدرداء ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما رئي) بالبناء للمجهول ( الشيطان يومًا) أي في يوم ( هو فيه أصغر) أي أذل ( ولا أدحر) بإسكان الدال وفتح الحاء وبالراء مهملات أي أبعد عن الخير قال تعالى { { مدحورًا } } أي مبعدًا من رحمة الله ( ولا أحقر) أذل وأهون عند نفسه لأنه عند الناس حقير أبدًا ( ولا أغيظ) أشد غيظًا محيطًا بكبده وهو أشد الحنق ( منه في يوم عرفة وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة) أي الملائكة النازلين بها على الواقفين بعرفة وهو لعنة الله لا يحب ذلك وليس المراد أنه يرى الرحمة نفسها ولعله رأى الملائكة تبسط أجنحتها بالدعاء للحاج ويحتمل أنه سمع الملائكة تقول غفر لهؤلاء أو نحو ذلك فعلم أنهم نزلوا بالرحمة ورؤيته الملائكة للغيظ لا للإكرام قاله أبو عبد الملك البوني ( وتجاوز الله عن الذنوب العظام) الكبائر التي زينها لهم لعنه الله وكان يود أن يهلكهم بها وانتقالهم منها إلى الكفر لأنها كما قيل بريده فيخلدوا في العذاب الأليم مثله ( إلا ما أري يوم بدر) أول غزوة وقع فيها القتال وكانت في ثانية الهجرة ( قيل وما رأى يوم بدر يا رسول الله قال أما) بالتخفيف ( إنه قد رأى جبريل يزع) بفتح الياء والزاي المنقوطة وعين مهملة أي يصف ( الملائكة) للقتال ويمنعهم أن يخرج بعضهم عن بعض في الصف قال الشاعر

ولا يزع النفس اللحوح عن الهوى
من الناس إلا وافر العقل كامله

وقيل معناه يكفهم قال ابن حبيب وليس كذلك إذ لو رأى ذلك لأحبه ولكنه رآه يعبيهم للقتال والمعبي يسمى وازعًا ومنه قوله تعالى { { وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } } أي يحبس أولهم على آخرهم وفيه فضل الحج وشهود عرفة وسعة فضل الله على المذنبين وفي مسلم والنسائي وابن ماجه عن عائشة مرفوعًا ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبيدًا من النار من يوم عرفة وأنه ليدنو ويتجلى ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء ولأحمد وصححه ابن حبان والحاكم عن أبي هريرة رفعه إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء فيقول لهم انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثًا غبرًا وروى ابن خزيمة وابن حبان والبزار وأبو يعلى والبيهقي عن جابر رفعه ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثًا غبرًا ضاجين جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عقابي فلم ير يوما أكثر عتقًا من النار من يوم عرفة زاد البيهقي فتقول الملائكة إن فلانًا فيهم وهو مرهق فيقول الله عز وجل قد غفرت له ( مالك عن زياد بن أبي زياد) ميسرة المدني الثقة العابد ( مولى عبد الله بن عياش) بتحتية ومعجمة ( ابن أبي ربيعة) القرشي المخزومي الصحابي ابن الصحابي ( عن طلحة بن عبيد الله بن كريز) الخزاعي فكافه مفتوحة وأما بضمها ففي عبد شمس من قريش قال ابن عبد البر لا خلاف عن مالك في إرساله ولا أحفظ بهذا الإسناد مسندًا من وجه يحتج به وأحاديث الفضائل لا تحتاج إلى محتج به وقد جاء مسندًا من حديث علي وابن عمرو ثم أخرج حديث علي من طريق ابن أبي شيبة وجاء أيضًا عن أبي هريرة أخرجه البيهقي هو وحديث ابن عمرو ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفضل الدعاء) مبتدأ خبره ( دعاء يوم عرفة) قال الباجي أي أعظمه ثوابًا وأقربه إجابة ويحتمل أن يريد به اليوم ويحتمل أن يريد الحاج خاصة ( وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي) ولفظ حديث علي أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له) زاد في حديث أبي هريرة له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير وكذا في حديث علي لكن ليس فيه يحيي ويميت قال ابن عبد البر يريد أنه أكثر ثوابًا ويحتمل أن يريد أفضل ما دعا به والأول أظهر لأنه أورده في تفضيل الأذكار بعضها على بعض والنبيون يدعون بأفضل الدعاء قال وفيه تفضيل الدعاء بعضه على بعض والأيام بعضها على بعض وأن ذلك أفضل الذكر لأنها كلمة الإسلام والتقوى وإليه ذهب جماعة وقال آخرون أفضله الحمد لله رب العالمين لأن فيه معنى الشكر وفيه من الإخلاص ما في لا إله إلا الله وافتتح الله كلامه به وختم به وهو آخر دعوى أهل الجنة وروت كل فرقة بما قالت أحاديث كثيرة وساق جملة منها في التمهيد وقدم الإمام هذا الحديث بسنده ومتنه في الدعاء وقدمت ثمة أنه وقع في تجريد الصحاح لرزين بن معاوية الأندلسي زيادة في أول هذا الحديث هي أفضل الأيام يوم عرفة وافق يوم جمعة وهو أفضل من سبعين حجة في غير يوم الجمعة وأفضل الدعاء إلخ قال الحافظ حديث لا أعرف حاله لأنه لم يذكر صحابيه ولا من خرجه بل أدرجه في حديث الموطأ هذا وليست هذه الزيادة في شيء من الموطآت فإن كان له أصل احتمل أن يريد بالسبعين التحديد أو المبالغة في الكثرة وعلى كل حال منهما تثبت المزية انتهى وفي الهدي لابن القيم ما استفاض على ألسنة العوام أن وقفة الجمعة تعدل ثنتين وسبعين حجة فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة والتابعين انتهى ( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري له في الموطأ مرفوعًا مائة واحد وثلاثون حديثًا منها ( عن أنس بن مالك) الأنصاري خمسة أحاديث هذا ثالثها ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح) في رمضان سنة ثمان ( وعلى رأسه المغفر) بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الفاء ثم راء قال صاحب المحكم ما يجعل من فضل درع الحديد على الرأس مثل القلنسوة وقال في التمهيد ما غطى الرأس من السلاح كالبيضة وشبهها من حديد كان أو غيره وقد زاد بشر بن عمر عن مالك من حديد ولا أعلم أحدًا ذكره غيره ولعله أراد في الموطأ وإلا فقد رواه خارجه عشرة عن مالك كذلك أخرجها الدارقطني ولمسلم وأحمد وأصحاب السنن عن جابر دخل صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام ورواه ابن عبد البر من طريق مالك عن أبي الزبير عن جابر وقال إنه غريب عن مالك ولا معارضة بينه وبين حديث أنس لإمكان أن المغفر فوق العمامة انتهى أي وهي تحته وقاية لرأسه من صدأ الحديد قال غيره أو كانت العمامة السوداء ملفوفة فوق المغفر إشارة للسؤدد وثبات دينه وأنه لا يغير وجمع عياض باحتمال أن يكون أول دخوله كان على رأسه المغفر ثم أزاله ولبس العمامة بعد ذلك فحكى كل من أنس وجابر ما رآه ويؤيده أن في حديث عمرو بن حريث أنه صلى الله عليه وسلم خطب الناس وعليه عمامة سوداء رواه مسلم وكانت الخطبة عند باب الكعبة وذلك بعد تمام الدخول فزعم الحاكم في الإكليل تعارض الحديثين متعقب لأنه إنما يتحقق التعارض إذا لم يمكن الجمع وقد أمكن هنا بثلاث وجوه حسان ( فلما نزعه) أي المغفر ( جاءه رجل) قال الحافظ لم يسم وكأن مراده في رواية وإلا فقد جزم الفاكهاني في شرح العمدة والكرماني بأنه أبو برزة وكذا ذكره ابن طاهر وغيره وقيل سعيد بن حريث ( فقال له يا رسول الله ابن خطل) بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة ولام اسمه عبد العزى فلما أسلم سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله ومن قال اسمه هلال التبس عليه بأخ له يسمى بذلك وهو أحد من أهدر دمه يوم الفتح وقال لا أؤمنهم في حل ولا حرم ( متعلق بأستار الكعبة) وذلك كما ذكر الواقدي أنه خرج إلى الخندمة ليقاتل على فرس وبيده قناة فلما رأى خيل الله والقتال دخله رعب حتى ما يستمسك من الرعدة فرجع حتى انتهى إلى الكعبة فنزل عن فرسه وطرح سلاحه ودخل تحت أستارها فأخذ رجل من بني كعب سلاحه وفرسه فاستوى عليه وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتلوه) زاد الوليد بن مسلم عن مالك فقتل أخرجه ابن عائذ وصححه ابن حبان وأخرج عمر بن شبة في كتاب مكة عن السائب بن يزيد قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استخرج من تحت أستار الكعبة ابن خطل فضربت عنقه صبرًا بين زمزم ومقام إبراهيم وقال لا يقتل قرشي بعد هذا صبرًا رجاله ثقات إلا أن في أبي معشر مقالاً واختلف هل قاتله سعيد بن حريث أو عمار بن ياسر أو سعد بن أبي وقاص أو سعيد بن زيد أو أبو برزة بفتح الموحدة وإسكان الراء ثم زاي منقوطة مفتوحة الأسلمي وهو أصح ما جاء في تعيين قاتله ورجحه الواقدي وجزم به البلاذري وغيره وتحمل بقية الروايات المخالفة له على أنهم ابتدروا قتله فكان المباشر منهم أبو برزة وجزم ابن هشام في تهذيب السيرة بأن سعيد بن حريث وأبا برزة اشتركا في قتله قال ابن إسحاق وغيره وإنما أمر بقتل ابن خطل لأنه أسلم فبعثه صلى الله عليه وسلم مصدقًا وبعث معه رجلاً من الأنصار وكان معه مولى مسلم يخدمه فنزل منزلاً فأمر المولى أن يذبح تيسًا ويصنع له طعامًا ونام فاستيقظ ولم يصنع له شيئًا فقتله ثم ارتد ولحق بمكة واتخذ قينتين تغنيان له بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم ( قال مالك) جوابًا عن كون المغفر على رأسه ( ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ) أي يوم فتح مكة ( محرمًا) إذ لم يرو أحد أنه تحلل يومئذ من إحرامه وظاهره الجزم بذلك ولا ينافيه قوله ( والله أعلم) لأنها للتبرك والتقوية ووقع في البخاري عن يحيى بن قزعة عن مالك ولم يكن فيما نرى والله أعلم يومئذ محرمًا وقد وراه عبد الرحمن بن مهدي عن مالك جزمًا عند الدارقطني بإسقاط فيما نرى والله أعلم وصرح جابر بما جزم به مالك أو ظنه فقال بغير إحرام كما في مسلم وغيره ودخولها بلا إحرام من الخصائص النبوية عند الجمهور وخالف ابن شهاب فأجاز ذلك لغيره قال أبو عمر لا أعلم من تابعه على ذلك إلا الحسن البصري وروي عن الشافعي والمشهور عنه أنها لا تدخل إلا بإحرام فإن دخلها أساء ولا شيء عليه عنده وعند مالك وجماعة وقال أبو حنيفة وأصحابه عليه حجة أو عمرة وفيه أن الحرم لا يجير من وجب عليه القتل وقال أبو حنيفة لا يجوز وتأول الحديث على أنه كان في الساعة التي أبيح له القتل بها وأجيب بأنه إنما أبيحت له ساعة الدخول حتى استولى عليها وقتل ابن خطل بعد ذلك وتعقب بأن الساعة ما بين أول النهار ودخول وقت العصر كما في مسند أحمد وقتل ابن خطل كان قبل ذلك قطعًا لقوله فلما نزع المغفر وذلك عند استقراره بمكة فلا يستقيم هذا الجواب وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف وفي الجهاد عن إسماعيل وفي المغازي عن يحيى بن قزعة بفتح القاف والزاي والعين المهملة وفي اللباس عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك ومسلم عن القعنبي ويحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد السبعة عن مالك به قال ابن عبد البر حديث انفرد به مالك لا يحفظ عن غيره ولم يروه أحد عن الزهري سواه من طريق صحيح وقد روي عن ابن أخي ابن شهاب عن عمه ولا يكاد يصح وروي أيضًا من غير هذا الوجه ولا يثبت العلماء بالنقل إسنادًا غير إسناد مالك وقد رواه عنه جماعة من الأئمة يطول ذكرهم من أجلهم ابن جريج وكذا قال ابن الصلاح وغيره أن مالكًا تفرد به وقد تعقبه الحافظ الزين العراقي في نكته بأنه ورد من عدة طرق عن ابن شهاب من رواية ابن أخي الزهري عند البزار وأبي أويس عند ابن سعد وابن عدي ومعمر ذكره ابن عدي في الكامل والأوزاعي ذكره المزي قال وروى ابن مسدي في معجم شيوخه أن أبا بكر بن العربي قال لأبي جعفر بن المرخي حين ذكر أنه لا يعرف إلا من حديث مالك عن الزهري قد رويته من ثلاثة عشر طريقًا غير طريق مالك فقالوا له أفدنا هذه الفوائد فوعدهم ولم يخرج لهم شيئًا قال الحافظ في نكته قد استبعد أهل أشبيلية قول ابن العربي حتى قال قائلهم

يا أهل حمص ومن بها أوصيكم
بالبر والتقوى وصية مشفق

فخذوا عن العربي أسمار الدجى
وخذوا الرواية عن إمام متق

إن الفتى ذرب اللسان مهذب
إن لم يجد خبرًا صحيحًا يخلق

وعنى بأهل حمص أهل أشبيلية قال وقد تتبعت طرقه فوجدته كما قال ابن العربي بل أزيد فرويناه من طريق الأربعة الذين ذكرهم شيخنا يعني العراقي ورواية معمر في معجم أبي بكر بن المقري ورواية الأوزاعي في فوائد تمام ومن رواية عقيل بن خالد في معجم أبي الحسين بن جميع ويونس بن يزيد في الإرشاد للخليلي ومحمد بن أبي حفصة في رواة مالك للخطيب وسفيان بن عيينة في مسند أبي يعلى وأسامة بن زيد الليثي في الضعفاء لابن حبان وابن أبي ذئب في الحلية لأبي نعيم وعبد الرحمن ومحمد أبي عبد العزيز في فوائد أبي محمد عبد الله بن إسحاق الخراساني ومحمد بن إسحاق في مسند مالك لابن عدي ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي الموالي في الإفراد للدارقطني وبحر بن كثير السقاء ذكره أبو محمد جعفر الأندلسي نزيل مصر في تخريج له وصالح بن أبي الأخضر ذكره الحافظ أبو ذر الهروي فهؤلاء ستة عشر نفسًا غير مالك رووه عن الزهري وروي من طريق يزيد الرقاشي عن أنس متابعًا للزهري في فوائد أبي الحسين الفراء الموصلي ومن حديث سعد بن أبي وقاص وأبي برزة الأسلمي وهما في سنن الدارقطني وعلي بن أبي طالب في المشيخة الكبرى لأبي محمد الجوهري وسعيد بن يربوع والسائب بن يزيد وهما في مستدرك الحاكم فهذه طرق كثيرة غير طريق مالك عن الزهري عن أنس فكيف يحل لأحد أن يتهم إمامًا من أئمة المسلمين يعني ابن العربي بغير علم ولا اطلاع وذكر نحوه في الفتح وزاد لكن ليس في طرقه شيء على شرط الصحيح إلا طريق مالك وأقربها طريق ابن أخي الزهري ويليها رواية أبي أويس فيحمل قول من قال تفرد به مالك أي بشرط الصحة وقول من قال توبع أي في الجملة انتهى وهذا الحمل أشار إليه ابن عبد البر فيما نقلته أولاً عنه والله أعلم ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر أقبل من مكة) يريد المدينة ( حتى إذا كان بقديد) بضم القاف ( جاءه خبر من المدينة) بالفتنة كما في رواية عبد الرزاق عن عبيد الله عن نافع ( فرجع فدخل مكة بغير إحرام) لقرب الموضع ( مالك عن ابن شهاب بمثل ذلك) واحتج به ابن شهاب والحسن البصري وداود وأتباعه على جواز دخولها بلا إحرام وقالوا إن موجب الإحرام عليه بحج أو عمرة لم يوجبه الله ولا رسوله ولا اتفق عليه وأبى ذلك الجمهور قال ابن وهب عن مالك لست آخذ بقول ابن شهاب وكرهه وقال إنما يكون ذلك على مثل ما عمل ابن عمر من القرب إلا رجلاً يأتي بالفاكهة من الطائف أو ينقل الحطب يبيعه فلا أرى بذلك بأسًا وقال إسماعيل القاضي كره الأكثر دخولها بلا إحرام ورخصوا للحطابين ومن أشبههم ممن يكثر اختلافه إلى مكة ولمن خرج منها يريد بلده ثم بدا له أن يرجع كما صنع ابن عمر وأما من سافر إليها في تجارة أو غيرها فلا يدخلها إلا محرمًا لأنه يأتي الحرم ويؤيد ذلك أنه لو نذر المشي إليها وجب عليه أن يدخلها محرمًا بحج أو عمرة وما دخلها صلى الله عليه وسلم قط إلا محرمًا إلا يوم الفتح ( مالك عن محمد بن عمرو) بفتح العين ( ابن حلحلة) بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة ( الديلي) بكسر الدال وسكون التحتية المدني ( عن محمد بن عمران الأنصاري) قال ابن عبد البر لا أعرفه إلا بهذا الحديث ( عن أبيه) إن لم يكن عمران بن حيان الأنصاري أو عمران بن عوادة فلا أدري من هو ( أنه قال عدل إلي عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( وأنا نازل تحت سرحة) بفتح السين والحاء المهملتين بينهما راء ساكنة شجرة طويلة لها شعب ( بطريق مكة فقال ما أنزلك تحت هذه السرحة فقلت أردت ظلها فقال هل غير ذلك فقلت لا ما أنزلني) تحتها ( إلا ذلك) إرادة ظلها ( فقال عبد الله بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنت بين الأخشبين من منى) قال ابن وهب أراد بهما الجبلين اللذين تحت العقبة بمنى فوق المسجد والأخاشب الجبال وقال إسماعيل الأخاشب يقال إنها اسم لجبال مكة ومنى خاصة ( ونفخ) بخاء معجمة أي أشار ( بيده نحو المشرق) قال البوني أحسب أن ابن عمر ظن أن عمران يعلم الوادي الذي فيه المزدلفة ولذلك ما كرر عليه السؤال ( فإن هناك واديًا يقال له السرر) بضم السين وكسرها ( به شجرة سر تحتها سبعون نبيًا) أي ولدوا تحتها فقطع سرهم بالضم وهو ما تقطعه القابلة من سرة الصبي كما في النهاية وغيرها فقول السيوطي أي قمعت سرتهم إذ ولدوا تحتها مجاز سمى السرسرة لعلاقة المجاورة وقال مالك بشروا تحتها بما يسرهم قال ابن حبيب فهو من السرور أي تنبؤوا تحتها واحدًا بعد واحد فسروا بذلك وبه أقول وفيه التبرك بمواضع النبيين وأخرجه النسائي من طريق ابن القاسم عن مالك به ( مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم) نسبه إلى جده لشهرته وإلا فأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم بمهملة وزاي ( عن ابن أبي مليكة) هو عبد الله بفتح العين ابن عبيد الله بضمها ابن عبد الله بفتحها ابن أبي مليكة بضم الميم بالتصغير يقال اسمه زهير التيمي مولى عبد الله بن جدعان أدرك ثلاثين من الصحابة وكان ثقة فقيهًا مات سنة سبع عشرة ومائة ( أن عمر بن الخطاب مر بامرأة مجذومة) أصابها داء الجذام يقطع اللحم ويسقطه ( وهي تطوف بالبيت فقال لها يا أمة الله لا تؤذي الناس) بريح الجذام ( لو جلست في بيتك) كان خيرًا لك أو لو للتمني فلا جواب لها ( فجلست فمر بها رجل) لم يسم ( بعد ذلك فقال لها إن الذي قد نهاك قد مات فاخرجي) لعله جاهل أو رجل سوء أو يكون مختبرًا لها قاله أبو عبد الملك ( فقالت ما كنت لأطيعه حيًا وأعصيه ميتًا) لأنه إنما أمر بحق قال أبو عمر فيه أنه يحال بين المجذوم ومخالطة الناس لما فيه من الأذى وهو لا يجوز وإذا منع آكل الثوم من المسجد وكان ربما أخرج إلى البقيع في العهد النبوي فما ظنك بالجذام وهو عند بعض الناس يعدي وعند جميعهم يؤذي وألان عمر للمرأة القول بعد أن أخبرها أنها تؤذي لأنه لم يتقدم إليها ورحمها للبلاء الذي بها وقد عرف منه أنه كان يعتقد أن شيئًا لا يعدي وكان يجالس معيقيبًا الدوسي ويؤاكله ويشاربه وربما وضع فمه على موضع فمه وكان على بيت ماله ولعله علم من عقلها ودينها أنها تكتفي بإشارته فلم يحتج إلى نهيها ألم تر إلى أنه لم تخط فراسته فيها فأطاعته حيًا وميتًا ( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقول ما بين الركن والباب الملتزم) هكذا رواه ابن وضاح عن يحيى وهو الصواب وفي رواية ابنه عبيد الله ما بين الركن والمقام وهو خطأ لم يتابع عليه فالرواية في الموطأ وغيره والباب وروى عن ابن عباس مرفوعًا ما بين الركن والباب ملتزم من دعا الله عنده من ذي حاجة أو ذي كربة أو ذي غم فرج عنه قاله ابن عبد البر وفي أبي داود وابن ماجه أن عبد الله بن عمرو بن العاصي طاف ثم قال نعوذ بالله من النار ثم مضى حتى استلم الحجر وقام بين الركن والباب فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطهما ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح المهملة والموحدة الثقيلة ( أنه سمعه يذكر أن رجلاً) لم يسم ( مر على أبي ذر بالربذة) بفتح الراء والموحدة والذال المعجمة ( وأن أبا ذر سأله أين تريد فقال أردت الحج فقال هل نزعك) بزاي ومهملة أي أخرجك ( غيره) قال تعالى { { ونزع يده } } أي أخرجها ( فقال لا قال فائتنف العمل) استقبله لغفر ذنبك ومراده أنه إذا لم يخرج إلا للحج وحده كان أعظم لأجره ( قال الرجل فخرجت حتى قدمت مكة فمكثت) بضم الكاف وفتحها أقمت ( ما شاء الله) أن أمكث ( ثم إذا أنا بالناس منقصفين) أي مزدحمين ( على رجل) حتى كأن بعضهم يقصف بعضًا بدارًا إليه ( فضاغطت) بضاد وغين معجمتين وطاء مهملة زاحمت وضايقت ( عليه الناس) لأن أراه ( فإذا أنا بالشيخ الذي وجدت بالربذة يعني أبا ذر قال فلما رآني عرفني فقال هو الذي حدثتك) قال ابن عبد البر هذا لا يجوز أن يكون مثله رأيًا وإنما يدرك بالتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم قال وفيه أن الله رضي من عباده بقصد بيته مرة في عمر العبد ليحط أوزاره ويغفر ذنوبه ويخرج منها كيوم ولدته أمه كما قال في الحديث الآخر من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وقال ابن مسعود من حج بنية صادقة ونفقة طيبة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وفيه ما كان عليه أبو ذر من الفقه والعلم وقد سئل علي عنه فقال وعاء مليء علمًا عجز الناس عنه وأوكئ عليه فلم يخرج شيئًا ونظر عمر إلى ركب صادرين من الحج فقال لو يعلم الركب ما ينقلبون به من الفضل بعد المغفرة لا تكلوا ولكن ليستأنفوا العمل وسئل الثوري حين دفع الناس من عرفة إلى المزدلفة عن أخسر الناس صفقة وهو يعرض بالظلمة وأهل الفسق فقال أخسر الناس صفقة من ظن أن الله لا يغفر لهؤلاء ( مالك أنه سأل ابن شهاب عن الاستثناء في الحج) وهو أن يشترط أن يتحلل حيث أصابه مانع ( فقال أو يصنع ذلك أحد وأنكر ذلك) وإلى عدم جوازه ونفعه ذهب مالك وأبو حنيفة والأكثرون وكان ابن عمر ينكر الاشتراط في الحج ويقول أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم يحل من كل شيء حتى يحج عامًا قابلاً فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديًا رواه الشيخان والترمذي وغيرهم وذهب الشافعي وأحمد وطائفة إلى جوازه ونفعه لحديث الصحيحين وغيرهما عن عائشة دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب فقالت يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية فقال النبي صلى الله عليه وسلم حجي واشترطي وقولي اللهم محلي حيث حبستني وفي الصحيح عن ابن عباس أن ضباعة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني امرأة ثقيلة وإني أريد الحج فما تأمرني قال أهلي بالحج واشترطي أن محلي حيث تحبسني قال فأدركت وأجاب الأولون بأنها قضية عين خاصة بضباعة إذ لا عموم فيها وتأوله آخرون على أن المراد التحلل بعمرة وكذلك جاء مفسرًا من رواية ابن المسيب أنه صلى الله عليه وسلم أمر ضباعة أن تشترط اللهم الحج أردت فإن تيسر وإلا فعمرة وعن عروة أن عائشة قالت له هل تشترط إذا حججت قال ماذا أقول قالت قل اللهم الحج أردت وله عمدت فإن يسرته فهو الحج وإن حبسني حابس فهو عمرة رواه الشافعي والبيهقي ( سئل مالك هل يحتش الرجل لدابته من الحرم فقال لا) لقوله صلى الله عليه وسلم لا يعضد شجره ولا يختلى خلاه والخلا ما يبس من النبات وقال صلى الله عليه وسلم إلا الإذخر وقيس عليه السنا للحاجة العامة إليه فإن احتش فلا جزاء وقال الشافعي عليه القيمة ويجوز أن يرعى الإبل في الحرم لأنه لا يمكن الاحتراز عنه ولو منع منه امتنع السفر في الحرم والمقام فيه لتعذر الاحتراز عنه قاله الباجي.



رقم الحديث 956 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا، هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَغْيَظُ، مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ.
وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ، وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ، إِلَّا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ.
قِيلَ وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ.


( جامع الحج)

( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم وللنسائي من طريق يحيى القطان عن مالك حدثني الزهري ( عن عيسى بن طلحة) بن عبيد الله القرشي التيمي المدني أبي محمد ثقة فاضل مات سنة مائة وأبوه طلحة أحد العشرة وفي رواية ابن جريج عند مسلم وصالح بن كيسان عند البخاري كلاهما عن ابن شهاب قال حدثني عيسى بن طلحة ( عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ( ابن العاصي) بالياء وحذفها والإثبات أصح وفي رواية ابن جريج حدثني عبد الله وللبخاري عنه أن عبد الله حدثه وكذا في رواية صالح أن عبد الله حدثه ( أنه قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم) على ناقته كما في رواية صالح عند البخاري ويونس عند مسلم بلفظ على راحلته ومعمر عند أحمد والنسائي كلهم عن ابن شهاب فرواية يحيى القطان عن مالك جلس في حجة الوداع فقام رجل محمول على أنه ركب ناقته وجلس عليها ( للناس بمنى) زاد التنيسي والنيسابوري وغيرهما في حجة الوداع وفي رواية وقف عند الجمرة وأخرى فخطب يوم النحر قال عياض جمع بعضهم بأنه موقف واحد ومعنى خطب أي علم الناس لا أنها من خطب الحج المشروعة قال ويحتمل أن ذلك في موطنين أحدهما على راحلته عند الجمرة ولم يقل في هذا خطب والثاني يوم النحر بعد صلاة الظهر وذلك في وقت الخطبة المشروعة من خطب الحج يعلم الإمام فيها الناس ما بقي عليهم من مناسكهم وصوب النووي هذا الثاني قال الحافظ فإن قيل لا فرق بين الاحتمالين فإنه ليس في شيء من طريق حديث ابن عمرو وابن عباس بيان الوقت الذي خطب فيه من النهار قلنا نعم لم يقع التصريح بذلك لكن في رواية ابن عباس أن بعض السائلين قال رميت بعد ما أمسيت فدل على أن القصة كانت بعد الزوال لإطلاق المساء على ما بعده فكأن السائل علم أن السنة رمي الجمرة ضحى فلما أخرها إلى الزوال سأل عنه على أن حديث ابن عمرو مخرجه واحد لا يعرف إلا من طريق الزهري ولا خلاف فيه بين أصحابه غايته أن بعضهم ذكر ما لم يذكره الآخر واجتمع من مرويهم ومروي ابن عباس أن ذلك كان يوم النحر بعد الزوال وهو على راحلته يخطب عند الجمرة فإذا تقرر ذلك تعين أنها الخطبة المشروعة لتعلم بقية المناسك فليس قوله خطب مجازًا عن مجرد التعليم بل هي حقيقية ولا يلزم من وقوعه عند الجمرة أن يكون حينئذ رماها ففي البخاري وغيره عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات فذكر خطبته فلعل ذلك وقع بعد أن أفاض ورجع إلى منى انتهى وقال الأبي ترجم البخاري الفتيا على الدابة عند الجمرة فهو يدل على أنها لم تكن خطبة ( والناس يسألونه) وفي رواية فجعلوا يسألونه وأخرى فطفق ناس يسألونه ( فجاءه رجل) قال الحافظ لم أقف على اسمه بعد البحث الشديد ولا على اسم أحد ممن سأل في هذه القصة وكانوا جماعة لكن في حديث أسامة بن شريك عند الطحاوي وغيره كان الأعراب يسألونه فكان هذا هو السبب في عدم ضبط أسمائهم ( فقال له يا رسول الله لم أشعر) بضم العين أي أفطن يقال شعرت بالشيء شعورًا إذا فطنت له وقيل الشعور العلم ولم يفصح في رواية مالك بمتعلق الشعور وبينه يونس عند مسلم بلفظ لم أشعر أن الرمي قبل الحلق ( فحلقت) شعر رأسي ( قبل أن أنحر) وفي رواية قبل أن أذبح والفاء سببية جعل الحلق مسببًا عن عدم الشعور كأنه يعتذر لتقصيره ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انحر) وفي رواية اذبح ( ولا حرج) قال عياض ليس أمرًا بالإعادة وإنما هو إباحة لما فعل لأنه سأل عن أمر فرغ منه فالمعنى افعل ذلك متى شئت ونفي الحرج بين في رفع الفدية عن العامد والساهي وفي رفع الإثم عن الساهي وأما العامد فالأصل أن تارك السنة عمدًا لا يأثم إلا أن يتهاون فيأثم للتهاون لا للترك ( ثم جاءه آخر فقال يا رسول الله لم أشعر) أفطن أو أعلم زاد يونس أن الرمي قبل النحر ( فنحرت) الهدي ( قبل أن أرمي) الجمرة ( قال ارم ولا حرج) أي لا ضيق عليك في ذلك زاد في رواية ابن جريج في الصحيحين وأشباه ذلك وفي رواية محمد بن أبي حفصة عن الزهري عند مسلم وقال آخر أفضت إلى البيت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج وفي رواية معمر عند أحمد زيادة الحلق قبل الرمي فحاصل ما في حديث عبد الله بن عمرو السؤال عن أربعة أشياء الحلق قبل الذبح والنحر قبل الرمي والحلق قبل الرمي والإفاضة قبل الرمي والأوليان في حديث ابن عباس أيضًا في الصحيح وللدارقطني من حديثه أيضًا السؤال عن الحلق قبل الرمي وكذا في حديث جابر وأبي سعيد عند الطحاوي وفي حديث علي عند أحمد السؤال عن الإفاضة قبل الحلق وفي حديثه عند الطحاوي السؤال عن الرمي والإفاضة معًا قبل الحلق وفي حديث جابر عند ابن حبان وغيره السؤال عن الإفاضة قبل الذبح وفي حديث أسامة بن شريك السؤال عن السعي قبل الطواف وهو محمول على من سعى بعد طواف القدوم ثم طاف طواف الإفاضة فإنه يصدق عليه أنه سعى قبل الطواف أي الركن فهذا ما تحرر من مجموع الأحاديث وبقي عدة صور لم يذكرها الرواة إما اختصارًا وإما لأنها لم تقع وبلغت بالتقسيم أربعًا وعشرين صورة منها صورة الترتيب المتفق عليها وهي رمي جمرة العقبة ثم نحر الهدي أو ذبحه ثم الحلق أو التقصير ثم طواف الإفاضة وفي الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزله بمنى فنحر وقال للحالق جز ولأبي داود رمى ثم نحر ثم حلق أجمع العلماء على مطلوبية هذا الترتيب إلا أن ابن الجهم استثنى القارن فقال لا يحلق حتى يطوف كأنه لا حظ أنه في عمل العمرة والعمرة يتأخر فيها الحلق عن الطواف ورد عليه النووي وأجمع العلماء على الإجزاء في التقديم والتأخير إلا أنهم اختلفوا في الدم فأوجبه مالك في تقديم الإفاضة على الرمي لأنه لم يقع في روايته حديث الباب ولا يلزم بزيادة غيره لأنه أثبت الناس في ابن شهاب وأوجب الفدية في تقديم الحلق على الرمي لوقوعه قبل شيء من التحلل وذلك أبو حنيفة إلى أن الترتيب واجب وعليه الدم في كل المخالفة وتأول لا حرج على نفي الإثم لأنه فعل على الجهل لا القصد فأسقط الحرج وعذرهم لعدم العلم بدليل قول السائل لم أشعر وذهب الجمهور والشافعي وأحمد في رواية إلى الجواز وعدم وجوب الدم في شيء لعموم قوله ( قال) عبد الله بن عمرو ( فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد في رواية يومئذ ( عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج) عليك فإنه ظاهر في نفي الإثم والفدية والدم لأن اسم الضيق يشمل ذلك قال الطحاوي لكن يحتمل أنه لا إثم في ذلك الفعل لمن كان ناسيًا أو جاهلاً أي كالسائلين قال وأما من تعمد المخالفة فيجب عليه الفدية وتعقب بأن وجوبها يحتاج إلى دليل ولو وجبت لبينه صلى الله عليه وسلم حينئذ وقت الحاجة فلا يجوز تأخيره قال الطبري ولم يسقط النبي صلى الله عليه وسلم الحرج إلا وقد أجزأ الفعل إذ لو لم يجز لأمره بالإعادة لأن الجهل والنسيان لا يضعان الحكم اللازم في الحج كما لو ترك الرمي ونحوه فلا يأثم بتركه جاهلاً أو ناسيًا لكن تجب عليه الإعادة قال والعجب ممن يحمل قوله ولا حرج على نفي الإثم فقط ثم يخص ذلك ببعض الأمور دون بعض فإن كان الترتيب واجبًا يجب بتركه دم فليكن في الجميع وإلا فما وجه تخصيص بعض دون بعض مع تعميم الشارع الجميع بنفي الحرج كذا قال وجوابه إن مالكًا خص من العموم تقديم الحلق على الرمي فأوجب فيه الفدية لعلة أخرى وهي إلقاء التفث قبل فعل شيء من التحلل وقد أوجب الله ورسوله الفدية على المريض أو من برأسه أذى إذا حلق قبل محل الحلق مع جواز ذلك له لضرورته فكيف بالجاهل والناسي وخص منه أيضًا تقديم الإفاضة على الرمي لئلا يكون وسيلة إلى النساء والصيد قبل الرمي ولأنه خلاف الواقع منه صلى الله عليه وسلم وقد قال خذوا عني مناسككم ولم يثبت عنده زيادة ذلك في حديث الباب فلا يلزمه زيادة غيره وهو أثبت الناس في ابن شهاب ومحل قبول زيادة الثقة ما لم يكن من لم يزدها أوثق منه وابن أبي حفصة الذي روى ذلك عن ابن شهاب وإن كان صدوقًا وروى له الشيخان لكنه يخطئ بل ضعفه النسائي واختلف قول ابن معين في تضعيفه وكان يحيى بن سعيد يتكلم فيه وقال أحمد في رواية إن كان ناسيًا أو جاهلاً فلا شيء عليه وإن كان عالمًا فلا لقوله لم أشعر وأجيب بأن الترتيب لو وجب لما سقط بالسهو كالترتيب بين السعي والطواف إذ لو سعى قبله وجبت إعادة السعي لكن قال ابن دقيق العيد ما قاله أحمد قوي لأن الدليل دل على وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم في الحج لقوله خذوا عني مناسككم وهذه الأحاديث المرخصة قد قرنت بقول السائل لم أشعر فيختص الحكم بهذه الحالة وتبقى حالة العمد على أصل وجوب الاتباع في الحج وأيضًا الحكم إذا رتب على وصف يمكن أنه معتبر لم يجز طرحه ولا شك أن عدم الشعور وصف مناسب لعدم المؤاخذة وقد علق به الحكم فلا يمكن طرحه بإلحاق العمد به إذ لا يساويه والتمسك بقوله فما سئل إلخ لإشعاره بأن الترتيب مطلقًا غير مراعى جوابه إن هذا الإخبار من الراوي يتعلق بما وقع السؤال عنه وهو مطلق بالنسبة إلى حالة السائل والمطلق لا يدل على أحد الخاصين فلا يبقى فيه حجة في حالة العمد انتهى وفيه وجوب اتباع أفعاله صلى الله عليه وسلم لأن الذين خالفوه لما علموا سألوا عن حكم ذلك وجواز سؤال العالم واقفًا وراكبًا ولا يعارضه ما روي عن مالك من كراهة ذكر العلم والحديث في الطريق لأن الوقوف بمنى لا يعد من الطرق لأنه موقف عبادة وذكر ووقت حاجة إلى التعلم خوف الفوات إما بالزمان أو المكان وأخرجه البخاري في العلم عن إسماعيل وهنا عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى الثلاثة عن مالك وتابعه جماعة عن ابن شهاب به في الصحيحين وغيرهما ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل) بقاف ثم فاء بزنة رجع ومعناه ( من غزو أو حج أو عمرة يكبر) الله تعالى ( على كل شرف) بفتح المعجمة والراء ثم فاء أي مكان عال ( من الأرض) ولمسلم من رواية عبيد الله عن نافع إذا أوفى على ثنية أو فدفد كبر أي ارتفع على ثنية بمثلثة فنون فتحتية هي العقبة وفدفد بفتح الفاءين بعد كل دال مهملة الأشهر أنه المكان المرتفع وقيل الأرض المستوية وقيل الفلاة الخالية من شجر وغيره وقيل غليظ الأودية ذات الحصى ( ثلاث تكبيرات) قال الطيبي وجه التكبير على الأماكن العالية هو ندب الذكر عند تجدد الأحوال والتقلبات وكان صلى الله عليه وسلم يراعي ذلك في الزمان والمكان وقال الحافظ الزين العراقي مناسبته أن الاستعلاء محبوب للنفس وفيه ظهور وغلبة فينبغي للمتلبس به أن يذكر عنده أن الله أكبر من كل شيء ويكرر ذلك ويستمطر منه المزيد ( ثم يقول لا إله إلا الله) بالرفع على الخبرية بلا أو على البدلية من الضمير المستتر في الخبر المقدر أو من اسم لا باعتبار محله قبل دخولها ( وحده) حال أي منفردًا ( لا شريك له) عقلاً لاستحالته ونقلاً { { وإلهكم إله واحد } } في آيات أخر وهو تأكيد لوحده لأن المتصف بها لا شريك له ( له الملك) بضم الميم السلطان والقدرة وأصناف المخلوقات ( وله الحمد) زاد في رواية للطبراني يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير ( وهو على كل شيء قدير) قال الحافظ يحتمل أنه كان يأتي بهذا الذكر عقب التكبير على المكان المرتفع ويحتمل أنه يكمل الذكر مطلقًا ثم يأتي بالتسبيح إذا هبط قال القرطبي وفي تعقيب التكبير بالتهليل إشارة إلى أنه المنفرد بإيجاد جميع الموجودات وأنه المعبود في جميع الأماكن ( آيبون) بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي نحن آيبون جمع آيب بوزن راجع ومعناه أي راجعون إلى الله وليس المراد الإخبار بمحض الرجوع فإنه تحصيل الحاصل بل الرجوع في حالة مخصوصة وهي تلبسهم بالعبادة المخصوصة والاتصاف بالأوصاف المذكورة ( تائبون) من التوبة وهي الرجوع عما هو مذموم شرعًا إلى ما هو محمود شرعًا وفيه إشارة إلى التقصير في العبادة وقاله صلى الله عليه وسلم تواضعًا أو تعليمًا لأمته أو المراد أمته وقد تستعمل التوبة لإرادة الاستمرار على الطاعة فيكون المراد أن لا يقع منهم ذنب ( عابدون ساجدون لربنا حامدون) كلها رفع بتقدير نحن وقوله لربنا متعلق بساجدون أو بسائر الصفات على طريق التنازع ( صدق الله وعده) فيما وعد به من إظهار دينه بقوله { { وعدكم الله مغانم كثيرة } } وقوله تعالى { { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض } } الآية وهذا في سفر الغزو ومناسبته للحج والعمرة قوله { { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } } ( ونصر عبده) محمدًا صلى الله عليه وسلم ( وهزم الأحزاب وحده) من غير فعل أحد من الآدميين ولا سبب من جهتهم وهذا معنى الحقيقة فإن العبد وفعله خلق لربه والكل منه وإليه ولو شاء أن يبيد الكفار بلا قتال لفعل وفيه التفويض إلى الله تعالى قيل الأحزاب هنا كفار قريش ومن وافقهم الذين تحزبوا أي تجمعوا في غزوة الخندق ونزل فيهم سورة الأحزاب وقيل المراد أعم من ذلك أي أحزاب الكفار في جميع الأيام والمواطن قال النووي والمشهور الأول قيل فيه نظر لأنه يتوقف على أن هذا الذكر إنما شرع من بعد الخندق وأجيب بأن غزواته صلى الله عليه وسلم التي خرج فيها بنفسه محصورة والمطابق منها لذلك غزوة الخندق لظاهر قوله تعالى { { ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال } } وقوله قبل ذلك { { إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها } } الآية وأصل الحزب القطعة المجتمعة من الناس فاللام إما جنسية أي كل من تحزب من الكفار وإما عهدية والمراد من تقدم وهو الأقرب قال القرطبي ويحتمل أن يكون هذا الخبر بمعنى الدعاء أي اللهم اهزم الأحزاب والأول أظهر ثم ظاهر الحديث اختصاص ذلك بالغزو والحج والعمرة والجمهور على أنه يشرع قول ذلك في كل سفر طاعة كصلة رحم وطلب علم لما يشمل الجميع من اسم الطاعة وإنما اقتصر الصحابي على الثلاث لانحصار سفره صلى الله عليه وسلم فيها وقيل يتعدى أيضًا إلى السفر المباح لأن المسافر فيه لا ثواب له فلا يمتنع عليه فعل ما يحصل له الثواب وقيل يشرع في سفر المعصية أيضًا لأن مرتكبها أحوج إلى تحصيل الثواب من غيره وتعقب بأن الذي يخصه بسفر الطاعة لا يمنع من سافر في مباح ولا معصية من الإكثار من ذكر الله وإنما النزاع في خصوص هذا الذكر في هذا الوقت المخصوص فذهب قوم إلى الاختصاص لكونها عبادات مخصوصة شرع لها ذكر مخصوص فتختص به كالذكر المأثور عقب الأذان وعقب الصلاة انتهى وفيه جواز السجع في الدعاء والكلام بلا تكلف وإنما ينهى عن المتكلف لأنه يشغل عن الإخلاص ويقدح في النية ورواه البخاري هنا عن عبد الله بن يوسف وفي الدعوات عن إسماعيل ومسلم من طريق معن الثلاثة عن مالك به وتابعه عبيد الله وأيوب والضحاك عن نافع عند مسلم ( مالك عن إبراهيم بن عقبة) بالقاف ابن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني وثقه أحمد وابن معين والنسائي وروى عنه أيضًا السفيانان وحماد بن زيد وابن المبارك وآخرون وقال ابن عبد البر ثقة حجة أسن من أخيه موسى ومحمد أسن منه وسمع إبراهيم من أم خالد بنت خالد بن سعيد وهي من المبايعات وزعم ابن معين أنهم مواليها لم يتابع عليه والصواب أنهم موالي آل الزبير كما قال مالك والبخاري وغيرهما له في الموطأ مرفوعًا هذا الحديث الواحد ( عن كريب مولى عبد الله بن عباس) مرسلاً عند أكثر رواة الموطأ ووصله الشافعي وابن وهب ومحمد بن خالد وأبو مصعب وعبد الله بن يوسف فزادوا ( عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بامرأة) ولمسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم لقي ركبًا بالروحاء فقال من القوم فقالوا المسلمون فقالوا من أنت قال رسول الله فرفعت إليه امرأة صبيًا ( وهي في محفتها) بكسر الميم كما جزم به الجوهري وغيره وحكى في المشارق الكسر والفتح بلا ترجيح شبه الهودج إلا أنه لا قبة عليها ( فقيل لها هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بضبعي صبي) بفتح الضاد المعجمة وإسكان الموحدة وفتح العين مثنى وهما باطنًا الساعد ( كان معها) ولأبي داود ففزعت امرأة فأخذت بعضد صبي فأخرجته من محفتها وهو بكسر الزاي أي ذعرت خوفًا أن يفوتها المصطفى ويتعذر عليها سؤاله ويحتمل أن المراد بالفزع هنا الاستغاثة والالتجاء أي استغاثت به أو بادرت أو قصدته صلى الله عليه وسلم ( فقالت ألهذا حج يا رسول الله قال نعم) له حج وزادها على السؤال ( ولك أجر) ترغيبًا لها قال عياض والأجر لها فيما تتكلفه من أمره في ذلك وتعليمه وتجنيبه ما يجتنب المحرم وقال عمر وكثيرون إن الصبي يثاب وتكتب حسناته دون السيئات واختلف هل هو مخاطب على وجه الندب أو إنما المخاطب الولي بحمله على أدب الشريعة للتمرين وهذا هو الصحيح وعلى هذا فلا يبعد أن الله سبحانه يدخر للصبي ثواب ما عمل قال النووي والصبي الذي يحرم عنه الولي الصحيح عندنا أنه الولي الذي له النظر في ما له من أب أو جد أو وصي أو مقدم قاض أو ناظر ولا يصح إحرام الأم عنه إلا أن تكون وصية أو مقدمة من القاضي وقيل يصح إحرامها وإحرام العصبة وإن لم يكن لهم نظر في المال نقله الأبي وأقره وهو مقتضى مذهب مالك رحمه الله قال الشيخ ولي الدين لا يصح الاستدلال بهذا الحديث على صحة الإحرام عنه مطلقًا لاحتمال أن هذا الصبي كان مميزًا فأحرم هو عن نفسه وعلى تقدير أنه لم يميز فلعل له وليًا أحرم عنه وعلى تقدير أنها التي أحرمت فلعلها ولية مال وفيه المبادرة إلى استفتاء العلماء والأخذ عنهم قبل فواتهم وجواز ركوب المحفة والمحمل وإن كان الأفضل الركوب على القتب في حق من أطاقه لكن الظاهر أن المحمل في حق المرأة أولى لأنه أستر لها وفيه مشروعية الحج بالصغار وبه قال الأئمة قال ابن عبد البر وعليه جمهور العلماء في كل قرن وقالت طائفة لا يحج بهم وهو قول لا يشتغل به ولا يعرج عليه وقال عياض لا خلاف بين العلماء في جواز الحج بالصبيان وإنما منعه طائفة من أهل البدع لا يلتفت إليهم بل هو مردود بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإجماع الأمة وفيه انعقاد حج الصبي وصحته ووقوعه نفلاً وأنه مثاب عليه فيجتنب ما يجتنبه الكبير مما يمنعه الإحرام ويلزمه من الفدية والهدي ما يلزمه وبه قال الأئمة الثلاثة والجمهور وقال أبو حنيفة لا ينعقد وإنما يجنب من ذلك ويفعل للتمرين ليفعله إذا بلغ قال المازري وغيره والحديث حجة للجمهور وتأوله الحنفية على أنه إنما يفعل به ذلك للتمرين واحتمال أن الصبي كان بالغًا لا يصح إذ لا فائدة لقولها ألهذا حج على أنه في بعض طرق الحديث صرح بأنه صغير ويدل عليه رفعها له إذ لا يرفع الكبير ويدل له أيضًا فأخذت بضبعي صبي وهي في محفة وفي رواية فأخرجته من محفتها قال عياض وأجمعوا على أنه لا يجزيه إذا بلغ عن حجة الفرض إلا فرقة شذت فقالت يجزيه ولم يلتفت العلماء إلى قولها وحكى ابن عبد البر عن داود في المملوك البالغ إذا حج قبل عتقه يجزئه عن حجة الإسلام دون الصبي وفرق بخطاب المملوك عنده به والصبي غير مخاطب وجمهور العلماء على أن العبد لا يخاطب بالحج وأنه لا يجزئه عن الفرض كالصبي وهذا الحديث رواه النسائي من طريق محمد بن خالد وابن وهب والطحاوي وغيره من طريق الشافعي وابن عبد البر من طريق ابن أبي مصعب الأربعة عن مالك به متصلاً وتابعه سفيان بن عيينة عند مسلم وأبي داود والنسائي وغيرهم ولم يختلف عليه في اتصاله وعبد العزيز بن أبي سلمة وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة كلاهما عند البيهقي موصولاً وأخوه موسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق رواهما ابن عبد البر متصلاً وسفيان الثوري مرسلاً في رواية ابن مهدي عنه عند مسلم وموصولاً في رواية أبي نعيم الفضل بن دكين عنه عند النسائي فاختلف عليه في وصله وإرساله كما اختلف على مالك في ذلك والظاهر أن كلاً من مالك وشيخه إبراهيم حدث به على الوجهين فإن الرواة عن كل منهما بالوصل والإرسال حفاظ ثقات ويقوي ذلك أنه اختلف على ابن القاسم فرواه سحنون عنه عن مالك مرسلاً ورواه يوسف بن عمرو والحارث بن مسكين عنه عن مالك متصلاً فكأنه سمعه من مالك بالوجهين وقد أخرجه مسلم بالوجهين من طريق السفيانين وكأن البخاري ترك تخريجه في صحيحه لهذا الاختلاف لكن قال ابن عبد البر من وصل هذا الحديث وأسنده فقوله أولى وأصح والحديث صحيح مسند ثابت الاتصال لا يضره تقصير من قصر به لأن الذين أسندوه حفاظ ثقات انتهى وسبقه إلى ذلك الإمام أحمد فصحح وصله ( مالك عن إبراهيم بن أبي عبلة) بفتح المهملة وسكون الموحدة واسمه شمر بكسر المعجمة ابن يقظان العقيلي ثم الشامي يكنى أبا إسماعيل ثقة تابعي سمع أنسًا وأبا أمامة ووائلة سكن الشام وبها مات سنة اثنين أو إحدى وخمسين ومائة لمالك عنه مرفوعًا هذا الحديث الواحد ( عن طلحة بن عبيد الله) بضم العين ( ابن كريز) بفتح الكاف وكسر الراء وإسكان التحتية وزاي منقوطة الخزاعي وثقه أحمد والنسائي يكنى أبا المطرف وهو تابعي مات بالشام سنة ثمان عشرة ومائة ووهم من ظنه أحد العشرة لأنه تيمي واسم جده عثمان وهذا خزاعي وجده كريز فحديثه مرسل وزعم ابن الحذاء أنه من الغرائب التي لم يوجد لها إسناد ولا نعلم أحدًا أسنده من قصوره الشديد فقد وصله الحاكم في المستدرك عن أبي الدرداء ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما رئي) بالبناء للمجهول ( الشيطان يومًا) أي في يوم ( هو فيه أصغر) أي أذل ( ولا أدحر) بإسكان الدال وفتح الحاء وبالراء مهملات أي أبعد عن الخير قال تعالى { { مدحورًا } } أي مبعدًا من رحمة الله ( ولا أحقر) أذل وأهون عند نفسه لأنه عند الناس حقير أبدًا ( ولا أغيظ) أشد غيظًا محيطًا بكبده وهو أشد الحنق ( منه في يوم عرفة وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة) أي الملائكة النازلين بها على الواقفين بعرفة وهو لعنة الله لا يحب ذلك وليس المراد أنه يرى الرحمة نفسها ولعله رأى الملائكة تبسط أجنحتها بالدعاء للحاج ويحتمل أنه سمع الملائكة تقول غفر لهؤلاء أو نحو ذلك فعلم أنهم نزلوا بالرحمة ورؤيته الملائكة للغيظ لا للإكرام قاله أبو عبد الملك البوني ( وتجاوز الله عن الذنوب العظام) الكبائر التي زينها لهم لعنه الله وكان يود أن يهلكهم بها وانتقالهم منها إلى الكفر لأنها كما قيل بريده فيخلدوا في العذاب الأليم مثله ( إلا ما أري يوم بدر) أول غزوة وقع فيها القتال وكانت في ثانية الهجرة ( قيل وما رأى يوم بدر يا رسول الله قال أما) بالتخفيف ( إنه قد رأى جبريل يزع) بفتح الياء والزاي المنقوطة وعين مهملة أي يصف ( الملائكة) للقتال ويمنعهم أن يخرج بعضهم عن بعض في الصف قال الشاعر

ولا يزع النفس اللحوح عن الهوى
من الناس إلا وافر العقل كامله

وقيل معناه يكفهم قال ابن حبيب وليس كذلك إذ لو رأى ذلك لأحبه ولكنه رآه يعبيهم للقتال والمعبي يسمى وازعًا ومنه قوله تعالى { { وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } } أي يحبس أولهم على آخرهم وفيه فضل الحج وشهود عرفة وسعة فضل الله على المذنبين وفي مسلم والنسائي وابن ماجه عن عائشة مرفوعًا ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبيدًا من النار من يوم عرفة وأنه ليدنو ويتجلى ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء ولأحمد وصححه ابن حبان والحاكم عن أبي هريرة رفعه إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء فيقول لهم انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثًا غبرًا وروى ابن خزيمة وابن حبان والبزار وأبو يعلى والبيهقي عن جابر رفعه ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثًا غبرًا ضاجين جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عقابي فلم ير يوما أكثر عتقًا من النار من يوم عرفة زاد البيهقي فتقول الملائكة إن فلانًا فيهم وهو مرهق فيقول الله عز وجل قد غفرت له ( مالك عن زياد بن أبي زياد) ميسرة المدني الثقة العابد ( مولى عبد الله بن عياش) بتحتية ومعجمة ( ابن أبي ربيعة) القرشي المخزومي الصحابي ابن الصحابي ( عن طلحة بن عبيد الله بن كريز) الخزاعي فكافه مفتوحة وأما بضمها ففي عبد شمس من قريش قال ابن عبد البر لا خلاف عن مالك في إرساله ولا أحفظ بهذا الإسناد مسندًا من وجه يحتج به وأحاديث الفضائل لا تحتاج إلى محتج به وقد جاء مسندًا من حديث علي وابن عمرو ثم أخرج حديث علي من طريق ابن أبي شيبة وجاء أيضًا عن أبي هريرة أخرجه البيهقي هو وحديث ابن عمرو ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفضل الدعاء) مبتدأ خبره ( دعاء يوم عرفة) قال الباجي أي أعظمه ثوابًا وأقربه إجابة ويحتمل أن يريد به اليوم ويحتمل أن يريد الحاج خاصة ( وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي) ولفظ حديث علي أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له) زاد في حديث أبي هريرة له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير وكذا في حديث علي لكن ليس فيه يحيي ويميت قال ابن عبد البر يريد أنه أكثر ثوابًا ويحتمل أن يريد أفضل ما دعا به والأول أظهر لأنه أورده في تفضيل الأذكار بعضها على بعض والنبيون يدعون بأفضل الدعاء قال وفيه تفضيل الدعاء بعضه على بعض والأيام بعضها على بعض وأن ذلك أفضل الذكر لأنها كلمة الإسلام والتقوى وإليه ذهب جماعة وقال آخرون أفضله الحمد لله رب العالمين لأن فيه معنى الشكر وفيه من الإخلاص ما في لا إله إلا الله وافتتح الله كلامه به وختم به وهو آخر دعوى أهل الجنة وروت كل فرقة بما قالت أحاديث كثيرة وساق جملة منها في التمهيد وقدم الإمام هذا الحديث بسنده ومتنه في الدعاء وقدمت ثمة أنه وقع في تجريد الصحاح لرزين بن معاوية الأندلسي زيادة في أول هذا الحديث هي أفضل الأيام يوم عرفة وافق يوم جمعة وهو أفضل من سبعين حجة في غير يوم الجمعة وأفضل الدعاء إلخ قال الحافظ حديث لا أعرف حاله لأنه لم يذكر صحابيه ولا من خرجه بل أدرجه في حديث الموطأ هذا وليست هذه الزيادة في شيء من الموطآت فإن كان له أصل احتمل أن يريد بالسبعين التحديد أو المبالغة في الكثرة وعلى كل حال منهما تثبت المزية انتهى وفي الهدي لابن القيم ما استفاض على ألسنة العوام أن وقفة الجمعة تعدل ثنتين وسبعين حجة فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة والتابعين انتهى ( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري له في الموطأ مرفوعًا مائة واحد وثلاثون حديثًا منها ( عن أنس بن مالك) الأنصاري خمسة أحاديث هذا ثالثها ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح) في رمضان سنة ثمان ( وعلى رأسه المغفر) بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الفاء ثم راء قال صاحب المحكم ما يجعل من فضل درع الحديد على الرأس مثل القلنسوة وقال في التمهيد ما غطى الرأس من السلاح كالبيضة وشبهها من حديد كان أو غيره وقد زاد بشر بن عمر عن مالك من حديد ولا أعلم أحدًا ذكره غيره ولعله أراد في الموطأ وإلا فقد رواه خارجه عشرة عن مالك كذلك أخرجها الدارقطني ولمسلم وأحمد وأصحاب السنن عن جابر دخل صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام ورواه ابن عبد البر من طريق مالك عن أبي الزبير عن جابر وقال إنه غريب عن مالك ولا معارضة بينه وبين حديث أنس لإمكان أن المغفر فوق العمامة انتهى أي وهي تحته وقاية لرأسه من صدأ الحديد قال غيره أو كانت العمامة السوداء ملفوفة فوق المغفر إشارة للسؤدد وثبات دينه وأنه لا يغير وجمع عياض باحتمال أن يكون أول دخوله كان على رأسه المغفر ثم أزاله ولبس العمامة بعد ذلك فحكى كل من أنس وجابر ما رآه ويؤيده أن في حديث عمرو بن حريث أنه صلى الله عليه وسلم خطب الناس وعليه عمامة سوداء رواه مسلم وكانت الخطبة عند باب الكعبة وذلك بعد تمام الدخول فزعم الحاكم في الإكليل تعارض الحديثين متعقب لأنه إنما يتحقق التعارض إذا لم يمكن الجمع وقد أمكن هنا بثلاث وجوه حسان ( فلما نزعه) أي المغفر ( جاءه رجل) قال الحافظ لم يسم وكأن مراده في رواية وإلا فقد جزم الفاكهاني في شرح العمدة والكرماني بأنه أبو برزة وكذا ذكره ابن طاهر وغيره وقيل سعيد بن حريث ( فقال له يا رسول الله ابن خطل) بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة ولام اسمه عبد العزى فلما أسلم سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله ومن قال اسمه هلال التبس عليه بأخ له يسمى بذلك وهو أحد من أهدر دمه يوم الفتح وقال لا أؤمنهم في حل ولا حرم ( متعلق بأستار الكعبة) وذلك كما ذكر الواقدي أنه خرج إلى الخندمة ليقاتل على فرس وبيده قناة فلما رأى خيل الله والقتال دخله رعب حتى ما يستمسك من الرعدة فرجع حتى انتهى إلى الكعبة فنزل عن فرسه وطرح سلاحه ودخل تحت أستارها فأخذ رجل من بني كعب سلاحه وفرسه فاستوى عليه وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتلوه) زاد الوليد بن مسلم عن مالك فقتل أخرجه ابن عائذ وصححه ابن حبان وأخرج عمر بن شبة في كتاب مكة عن السائب بن يزيد قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استخرج من تحت أستار الكعبة ابن خطل فضربت عنقه صبرًا بين زمزم ومقام إبراهيم وقال لا يقتل قرشي بعد هذا صبرًا رجاله ثقات إلا أن في أبي معشر مقالاً واختلف هل قاتله سعيد بن حريث أو عمار بن ياسر أو سعد بن أبي وقاص أو سعيد بن زيد أو أبو برزة بفتح الموحدة وإسكان الراء ثم زاي منقوطة مفتوحة الأسلمي وهو أصح ما جاء في تعيين قاتله ورجحه الواقدي وجزم به البلاذري وغيره وتحمل بقية الروايات المخالفة له على أنهم ابتدروا قتله فكان المباشر منهم أبو برزة وجزم ابن هشام في تهذيب السيرة بأن سعيد بن حريث وأبا برزة اشتركا في قتله قال ابن إسحاق وغيره وإنما أمر بقتل ابن خطل لأنه أسلم فبعثه صلى الله عليه وسلم مصدقًا وبعث معه رجلاً من الأنصار وكان معه مولى مسلم يخدمه فنزل منزلاً فأمر المولى أن يذبح تيسًا ويصنع له طعامًا ونام فاستيقظ ولم يصنع له شيئًا فقتله ثم ارتد ولحق بمكة واتخذ قينتين تغنيان له بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم ( قال مالك) جوابًا عن كون المغفر على رأسه ( ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ) أي يوم فتح مكة ( محرمًا) إذ لم يرو أحد أنه تحلل يومئذ من إحرامه وظاهره الجزم بذلك ولا ينافيه قوله ( والله أعلم) لأنها للتبرك والتقوية ووقع في البخاري عن يحيى بن قزعة عن مالك ولم يكن فيما نرى والله أعلم يومئذ محرمًا وقد وراه عبد الرحمن بن مهدي عن مالك جزمًا عند الدارقطني بإسقاط فيما نرى والله أعلم وصرح جابر بما جزم به مالك أو ظنه فقال بغير إحرام كما في مسلم وغيره ودخولها بلا إحرام من الخصائص النبوية عند الجمهور وخالف ابن شهاب فأجاز ذلك لغيره قال أبو عمر لا أعلم من تابعه على ذلك إلا الحسن البصري وروي عن الشافعي والمشهور عنه أنها لا تدخل إلا بإحرام فإن دخلها أساء ولا شيء عليه عنده وعند مالك وجماعة وقال أبو حنيفة وأصحابه عليه حجة أو عمرة وفيه أن الحرم لا يجير من وجب عليه القتل وقال أبو حنيفة لا يجوز وتأول الحديث على أنه كان في الساعة التي أبيح له القتل بها وأجيب بأنه إنما أبيحت له ساعة الدخول حتى استولى عليها وقتل ابن خطل بعد ذلك وتعقب بأن الساعة ما بين أول النهار ودخول وقت العصر كما في مسند أحمد وقتل ابن خطل كان قبل ذلك قطعًا لقوله فلما نزع المغفر وذلك عند استقراره بمكة فلا يستقيم هذا الجواب وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف وفي الجهاد عن إسماعيل وفي المغازي عن يحيى بن قزعة بفتح القاف والزاي والعين المهملة وفي اللباس عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك ومسلم عن القعنبي ويحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد السبعة عن مالك به قال ابن عبد البر حديث انفرد به مالك لا يحفظ عن غيره ولم يروه أحد عن الزهري سواه من طريق صحيح وقد روي عن ابن أخي ابن شهاب عن عمه ولا يكاد يصح وروي أيضًا من غير هذا الوجه ولا يثبت العلماء بالنقل إسنادًا غير إسناد مالك وقد رواه عنه جماعة من الأئمة يطول ذكرهم من أجلهم ابن جريج وكذا قال ابن الصلاح وغيره أن مالكًا تفرد به وقد تعقبه الحافظ الزين العراقي في نكته بأنه ورد من عدة طرق عن ابن شهاب من رواية ابن أخي الزهري عند البزار وأبي أويس عند ابن سعد وابن عدي ومعمر ذكره ابن عدي في الكامل والأوزاعي ذكره المزي قال وروى ابن مسدي في معجم شيوخه أن أبا بكر بن العربي قال لأبي جعفر بن المرخي حين ذكر أنه لا يعرف إلا من حديث مالك عن الزهري قد رويته من ثلاثة عشر طريقًا غير طريق مالك فقالوا له أفدنا هذه الفوائد فوعدهم ولم يخرج لهم شيئًا قال الحافظ في نكته قد استبعد أهل أشبيلية قول ابن العربي حتى قال قائلهم

يا أهل حمص ومن بها أوصيكم
بالبر والتقوى وصية مشفق

فخذوا عن العربي أسمار الدجى
وخذوا الرواية عن إمام متق

إن الفتى ذرب اللسان مهذب
إن لم يجد خبرًا صحيحًا يخلق

وعنى بأهل حمص أهل أشبيلية قال وقد تتبعت طرقه فوجدته كما قال ابن العربي بل أزيد فرويناه من طريق الأربعة الذين ذكرهم شيخنا يعني العراقي ورواية معمر في معجم أبي بكر بن المقري ورواية الأوزاعي في فوائد تمام ومن رواية عقيل بن خالد في معجم أبي الحسين بن جميع ويونس بن يزيد في الإرشاد للخليلي ومحمد بن أبي حفصة في رواة مالك للخطيب وسفيان بن عيينة في مسند أبي يعلى وأسامة بن زيد الليثي في الضعفاء لابن حبان وابن أبي ذئب في الحلية لأبي نعيم وعبد الرحمن ومحمد أبي عبد العزيز في فوائد أبي محمد عبد الله بن إسحاق الخراساني ومحمد بن إسحاق في مسند مالك لابن عدي ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي الموالي في الإفراد للدارقطني وبحر بن كثير السقاء ذكره أبو محمد جعفر الأندلسي نزيل مصر في تخريج له وصالح بن أبي الأخضر ذكره الحافظ أبو ذر الهروي فهؤلاء ستة عشر نفسًا غير مالك رووه عن الزهري وروي من طريق يزيد الرقاشي عن أنس متابعًا للزهري في فوائد أبي الحسين الفراء الموصلي ومن حديث سعد بن أبي وقاص وأبي برزة الأسلمي وهما في سنن الدارقطني وعلي بن أبي طالب في المشيخة الكبرى لأبي محمد الجوهري وسعيد بن يربوع والسائب بن يزيد وهما في مستدرك الحاكم فهذه طرق كثيرة غير طريق مالك عن الزهري عن أنس فكيف يحل لأحد أن يتهم إمامًا من أئمة المسلمين يعني ابن العربي بغير علم ولا اطلاع وذكر نحوه في الفتح وزاد لكن ليس في طرقه شيء على شرط الصحيح إلا طريق مالك وأقربها طريق ابن أخي الزهري ويليها رواية أبي أويس فيحمل قول من قال تفرد به مالك أي بشرط الصحة وقول من قال توبع أي في الجملة انتهى وهذا الحمل أشار إليه ابن عبد البر فيما نقلته أولاً عنه والله أعلم ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر أقبل من مكة) يريد المدينة ( حتى إذا كان بقديد) بضم القاف ( جاءه خبر من المدينة) بالفتنة كما في رواية عبد الرزاق عن عبيد الله عن نافع ( فرجع فدخل مكة بغير إحرام) لقرب الموضع ( مالك عن ابن شهاب بمثل ذلك) واحتج به ابن شهاب والحسن البصري وداود وأتباعه على جواز دخولها بلا إحرام وقالوا إن موجب الإحرام عليه بحج أو عمرة لم يوجبه الله ولا رسوله ولا اتفق عليه وأبى ذلك الجمهور قال ابن وهب عن مالك لست آخذ بقول ابن شهاب وكرهه وقال إنما يكون ذلك على مثل ما عمل ابن عمر من القرب إلا رجلاً يأتي بالفاكهة من الطائف أو ينقل الحطب يبيعه فلا أرى بذلك بأسًا وقال إسماعيل القاضي كره الأكثر دخولها بلا إحرام ورخصوا للحطابين ومن أشبههم ممن يكثر اختلافه إلى مكة ولمن خرج منها يريد بلده ثم بدا له أن يرجع كما صنع ابن عمر وأما من سافر إليها في تجارة أو غيرها فلا يدخلها إلا محرمًا لأنه يأتي الحرم ويؤيد ذلك أنه لو نذر المشي إليها وجب عليه أن يدخلها محرمًا بحج أو عمرة وما دخلها صلى الله عليه وسلم قط إلا محرمًا إلا يوم الفتح ( مالك عن محمد بن عمرو) بفتح العين ( ابن حلحلة) بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة ( الديلي) بكسر الدال وسكون التحتية المدني ( عن محمد بن عمران الأنصاري) قال ابن عبد البر لا أعرفه إلا بهذا الحديث ( عن أبيه) إن لم يكن عمران بن حيان الأنصاري أو عمران بن عوادة فلا أدري من هو ( أنه قال عدل إلي عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( وأنا نازل تحت سرحة) بفتح السين والحاء المهملتين بينهما راء ساكنة شجرة طويلة لها شعب ( بطريق مكة فقال ما أنزلك تحت هذه السرحة فقلت أردت ظلها فقال هل غير ذلك فقلت لا ما أنزلني) تحتها ( إلا ذلك) إرادة ظلها ( فقال عبد الله بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنت بين الأخشبين من منى) قال ابن وهب أراد بهما الجبلين اللذين تحت العقبة بمنى فوق المسجد والأخاشب الجبال وقال إسماعيل الأخاشب يقال إنها اسم لجبال مكة ومنى خاصة ( ونفخ) بخاء معجمة أي أشار ( بيده نحو المشرق) قال البوني أحسب أن ابن عمر ظن أن عمران يعلم الوادي الذي فيه المزدلفة ولذلك ما كرر عليه السؤال ( فإن هناك واديًا يقال له السرر) بضم السين وكسرها ( به شجرة سر تحتها سبعون نبيًا) أي ولدوا تحتها فقطع سرهم بالضم وهو ما تقطعه القابلة من سرة الصبي كما في النهاية وغيرها فقول السيوطي أي قمعت سرتهم إذ ولدوا تحتها مجاز سمى السرسرة لعلاقة المجاورة وقال مالك بشروا تحتها بما يسرهم قال ابن حبيب فهو من السرور أي تنبؤوا تحتها واحدًا بعد واحد فسروا بذلك وبه أقول وفيه التبرك بمواضع النبيين وأخرجه النسائي من طريق ابن القاسم عن مالك به ( مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم) نسبه إلى جده لشهرته وإلا فأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم بمهملة وزاي ( عن ابن أبي مليكة) هو عبد الله بفتح العين ابن عبيد الله بضمها ابن عبد الله بفتحها ابن أبي مليكة بضم الميم بالتصغير يقال اسمه زهير التيمي مولى عبد الله بن جدعان أدرك ثلاثين من الصحابة وكان ثقة فقيهًا مات سنة سبع عشرة ومائة ( أن عمر بن الخطاب مر بامرأة مجذومة) أصابها داء الجذام يقطع اللحم ويسقطه ( وهي تطوف بالبيت فقال لها يا أمة الله لا تؤذي الناس) بريح الجذام ( لو جلست في بيتك) كان خيرًا لك أو لو للتمني فلا جواب لها ( فجلست فمر بها رجل) لم يسم ( بعد ذلك فقال لها إن الذي قد نهاك قد مات فاخرجي) لعله جاهل أو رجل سوء أو يكون مختبرًا لها قاله أبو عبد الملك ( فقالت ما كنت لأطيعه حيًا وأعصيه ميتًا) لأنه إنما أمر بحق قال أبو عمر فيه أنه يحال بين المجذوم ومخالطة الناس لما فيه من الأذى وهو لا يجوز وإذا منع آكل الثوم من المسجد وكان ربما أخرج إلى البقيع في العهد النبوي فما ظنك بالجذام وهو عند بعض الناس يعدي وعند جميعهم يؤذي وألان عمر للمرأة القول بعد أن أخبرها أنها تؤذي لأنه لم يتقدم إليها ورحمها للبلاء الذي بها وقد عرف منه أنه كان يعتقد أن شيئًا لا يعدي وكان يجالس معيقيبًا الدوسي ويؤاكله ويشاربه وربما وضع فمه على موضع فمه وكان على بيت ماله ولعله علم من عقلها ودينها أنها تكتفي بإشارته فلم يحتج إلى نهيها ألم تر إلى أنه لم تخط فراسته فيها فأطاعته حيًا وميتًا ( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقول ما بين الركن والباب الملتزم) هكذا رواه ابن وضاح عن يحيى وهو الصواب وفي رواية ابنه عبيد الله ما بين الركن والمقام وهو خطأ لم يتابع عليه فالرواية في الموطأ وغيره والباب وروى عن ابن عباس مرفوعًا ما بين الركن والباب ملتزم من دعا الله عنده من ذي حاجة أو ذي كربة أو ذي غم فرج عنه قاله ابن عبد البر وفي أبي داود وابن ماجه أن عبد الله بن عمرو بن العاصي طاف ثم قال نعوذ بالله من النار ثم مضى حتى استلم الحجر وقام بين الركن والباب فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطهما ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح المهملة والموحدة الثقيلة ( أنه سمعه يذكر أن رجلاً) لم يسم ( مر على أبي ذر بالربذة) بفتح الراء والموحدة والذال المعجمة ( وأن أبا ذر سأله أين تريد فقال أردت الحج فقال هل نزعك) بزاي ومهملة أي أخرجك ( غيره) قال تعالى { { ونزع يده } } أي أخرجها ( فقال لا قال فائتنف العمل) استقبله لغفر ذنبك ومراده أنه إذا لم يخرج إلا للحج وحده كان أعظم لأجره ( قال الرجل فخرجت حتى قدمت مكة فمكثت) بضم الكاف وفتحها أقمت ( ما شاء الله) أن أمكث ( ثم إذا أنا بالناس منقصفين) أي مزدحمين ( على رجل) حتى كأن بعضهم يقصف بعضًا بدارًا إليه ( فضاغطت) بضاد وغين معجمتين وطاء مهملة زاحمت وضايقت ( عليه الناس) لأن أراه ( فإذا أنا بالشيخ الذي وجدت بالربذة يعني أبا ذر قال فلما رآني عرفني فقال هو الذي حدثتك) قال ابن عبد البر هذا لا يجوز أن يكون مثله رأيًا وإنما يدرك بالتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم قال وفيه أن الله رضي من عباده بقصد بيته مرة في عمر العبد ليحط أوزاره ويغفر ذنوبه ويخرج منها كيوم ولدته أمه كما قال في الحديث الآخر من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وقال ابن مسعود من حج بنية صادقة ونفقة طيبة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وفيه ما كان عليه أبو ذر من الفقه والعلم وقد سئل علي عنه فقال وعاء مليء علمًا عجز الناس عنه وأوكئ عليه فلم يخرج شيئًا ونظر عمر إلى ركب صادرين من الحج فقال لو يعلم الركب ما ينقلبون به من الفضل بعد المغفرة لا تكلوا ولكن ليستأنفوا العمل وسئل الثوري حين دفع الناس من عرفة إلى المزدلفة عن أخسر الناس صفقة وهو يعرض بالظلمة وأهل الفسق فقال أخسر الناس صفقة من ظن أن الله لا يغفر لهؤلاء ( مالك أنه سأل ابن شهاب عن الاستثناء في الحج) وهو أن يشترط أن يتحلل حيث أصابه مانع ( فقال أو يصنع ذلك أحد وأنكر ذلك) وإلى عدم جوازه ونفعه ذهب مالك وأبو حنيفة والأكثرون وكان ابن عمر ينكر الاشتراط في الحج ويقول أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم يحل من كل شيء حتى يحج عامًا قابلاً فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديًا رواه الشيخان والترمذي وغيرهم وذهب الشافعي وأحمد وطائفة إلى جوازه ونفعه لحديث الصحيحين وغيرهما عن عائشة دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب فقالت يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية فقال النبي صلى الله عليه وسلم حجي واشترطي وقولي اللهم محلي حيث حبستني وفي الصحيح عن ابن عباس أن ضباعة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني امرأة ثقيلة وإني أريد الحج فما تأمرني قال أهلي بالحج واشترطي أن محلي حيث تحبسني قال فأدركت وأجاب الأولون بأنها قضية عين خاصة بضباعة إذ لا عموم فيها وتأوله آخرون على أن المراد التحلل بعمرة وكذلك جاء مفسرًا من رواية ابن المسيب أنه صلى الله عليه وسلم أمر ضباعة أن تشترط اللهم الحج أردت فإن تيسر وإلا فعمرة وعن عروة أن عائشة قالت له هل تشترط إذا حججت قال ماذا أقول قالت قل اللهم الحج أردت وله عمدت فإن يسرته فهو الحج وإن حبسني حابس فهو عمرة رواه الشافعي والبيهقي ( سئل مالك هل يحتش الرجل لدابته من الحرم فقال لا) لقوله صلى الله عليه وسلم لا يعضد شجره ولا يختلى خلاه والخلا ما يبس من النبات وقال صلى الله عليه وسلم إلا الإذخر وقيس عليه السنا للحاجة العامة إليه فإن احتش فلا جزاء وقال الشافعي عليه القيمة ويجوز أن يرعى الإبل في الحرم لأنه لا يمكن الاحتراز عنه ولو منع منه امتنع السفر في الحرم والمقام فيه لتعذر الاحتراز عنه قاله الباجي.



رقم الحديث 957 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ.
فَقِيلَ لَهُ: قَدْ حَاضَتْ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَعَلَّهَا حَابِسَتُنَا؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا قَدْ طَافَتْ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلَا إِذًا.
قَالَ مَالِكٌ: قَالَ هِشَامٌ، قَالَ عُرْوَةُ، قَالَتْ عَائِشَةُ.
وَنَحْنُ نَذْكُرُ ذَلِكَ.
فَلِمَ يُقَدِّمُ النَّاسُ نِسَاءَهُمْ إِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُنَّ.
وَلَوْ كَانَ الَّذِي يَقُولُونَ لَأَصْبَحَ بِمِنًى أَكْثَرُ مِنْ سِتَّةِ آلَافِ امْرَأَةٍ حَائِضٍ، كُلُّهُنَّ قَدْ أَفَاضَتْ.


( إفاضة الحائض)

( مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أن صفية بنت حيي) بضم الحاء المهملة وتكسر وفتح التحتية الأولى ابن أخطب بالفتح وإسكان المعجمة الإسرائيلية من سبط لآوى بن يعقوب ثم من سبط هارون بن عمران أم المؤمنين تزوجها بعد خيبر وقيل كان اسمها زينب فلما صارت من الصفا سميت صفية وماتت في رمضان سنة خمسين أو ثنتين وخمسين وقيل سنة ست وثلاثين وغلط قائله بأن علي بن الحسين لم يكن ولد وقد ثبت سماعه منها في الصحيحين ودفنت بالبقيع ولها نحو سنتين لقولها ما بلغت سبع عشرة سنة يوم دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ( حاضت) بعد أن فاضت يوم النحر كما في البخاري عن أبي سلمة عن عائشة ( فذكرت) بسكون الراء وضم التاء مبني للفاعل أي قالت عائشة فذكرت ( ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي رواية أبي سلمة فقلت يا رسول الله إنها حائض ونحوه في رواية عمرة ( فقال أحابستنا) بهمزة الاستفهام أي مانعتنا ( هي) من السفر في الوقت الذي أردناه ظنًا منه صلى الله عليه وسلم أنها لم تطف للإفاضة وهو لا يتركها ويسافر ولا يأمرها بالتوجه معه وهي باقية على إحرامها فيحتاج إلى أن يقيم حتى تطهر وتطوف وتحل الحل الثاني ( فقيل إنها قد أفاضت) أي طافت طواف الإفاضة والقائل نساؤه كما في الطريق الثانية ومنهن صفية كما في الصحيحين عن الأسود عن عائشة أنه قال لصفية إنك لحابستنا أما كنت طفت يوم النحر قالت بلى وفي رواية أبي سلمة عن عائشة فأفضنا يوم النحر فحاضت صفية فأراد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يريد الرجل من أهله فقلت إنها حائض الحديث وهو مشكل لأنه إن كان علم أنها طافت طواف الإفاضة فكيف يقول أحابستنا هي وإن كان ما علم فكيف يريد وقاعها قبل التحلل الثاني وأجيب بأنه صلى الله عليه وسلم إنما أراد ذلك منها بعد أن استأذنه نساؤه في طواف الإفاضة فأذن لهن فبنى على أنها قد حلت فلما قيل إنها حائض جوز وقوعه لها قبل ذلك حتى منعها فاستفهم فأعلم بطوافها ( فقال فلا) حبس علينا ( إذا) بالتنوين أي إذا أفاضت لأنها فعلت ما وجب عليها وحديث أحمد والنسائي وأبي داود عن الحارث بن عبد الله بن أويس الثقفي قال أتيت عمر فسألته عن المرأة تطوف بالبيت يوم النحر ثم تحيض قال ليكن آخر عهدها بالبيت فقال الحارث كذلك أفتاني ولفظ أبي داود كذلك حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاب عنه الطحاوي بأنه منسوخ في حق الحائض بحديث عائشة وحديث أم سليم الآتي قال ابن المنذر عامة الفقهاء بالأمصار ليس على الحائض التي أفاضت طواف وداع وعن عمر وابنه وزيد بن ثابت أمرها بالمقام لطواف الوداع فكأنهم أوجبوه عليها كطواف الإفاضة إذ لو حاضت قبله لم يسقط وثبت رجوع ابن عمر وزيد عن ذلك وبقي عمر فخالفناه لثبوت حديث عائشة وروى ابن أبي شيبة عن القاسم بن محمد قال كان الصحابة يقولون إذا أفاضت قبل أن تحيض فقد فرغت إلا عمر فإنه قال يكون آخر عهدها بالبيت وروى ابن المنذر بإسناد صحيح عن ابن عمر قال طافت امرأة بالبيت يوم النحر ثم حاضت فأمر عمر بحبسها بمكة بعد أن سافر الناس حتى تطهر وتطوف وحديث عائشة أحق بالقبول وقد رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به ( مالك عن عبد الله بن أبي بكر) ابن محمد بن عمرو ( بن حزم) الأنصاري قال أحمد حديثه شفاء ( عن أبيه) أبي بكر ولي القضاء والإمرة والموسم زمن عمر بن عبد العزيز ( عن عمرة بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة الأنصارية ( عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إن صفية بنت حيي قد حاضت) أي في أيام منى ليلة النفر من منى كما في الصحيحين عن الأسود عن عائشة ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلها تحبسنا) تمنعنا عن الخروج من مكة إلى المدينة حتى تطهر وتطوف قال الكرماني لعل هنا ليس للترجي بل للاستفهام أو للظن وما شاكله أي كالتوهم ( ألم تكن طافت معكن بالبيت) طواف الإفاضة وفي رواية مسلم ألم تكن أفاضت ( قلن بلى) طافت معنا وفي رواية التنيسي قالوا بلى أي النساء ومن معهن من المحارم ( قال فأخرجن) كذا للأكثر وهو المناسب للسياق وفي رواية قال فاخرجي خطابًا لصفية لأنها كانت حاضرة كما في مسلم أو لعائشة لأنها المخبرة له أي قال لعائشة اخرجي فإنها توافقك أو قال لعائشة قولي لها اخرجي وهذا الحديث رواه مسلم هنا عن يحيى والبخاري في الحيض عن عبد الله بن يوسف كلاهما عن مالك به ( مالك عن أبي الرجال) بكسر الراء وخفة الجيم مشهور بهده الكنية وهي لقب كنيته في الأصل أبو عبد الرحمن ( محمد بن عبد الرحمن) ابن حارثة الأنصاري ( عن) أمه ( عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة أم المؤمنين كانت إذا حجت ومعها نساء تخاف أن يحضن) قبل طواف الإفاضة ( قدمتهن يوم النحر فأفضن) واستنبطت ذلك من استفهامه صلى الله عليه وسلم عن طواف صفية يوم النحر ( فإن حضن بعد ذلك لم تنتظرهن) لأنهن فعلن الواجب ( تنفر بهن وهن حيض) بالتثقيل جمع حائض ( إذا كن قد أفضن) طفن طواف الإفاضة عقب المرفوع بالموقوف للإشارة إلى بقاء العمل به وأنه لا يطرقه احتمال النسخ بل هو ناسخ لما أوهم خلافه كما مر ولذا رجع إليها ابن عمر كما رجع زيد لحديث أم سليم كما يأتي ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر صفية بنت حيي) بضم الحاء وفتح الياء الأولى وشد الثانية ولعل المراد بالذكر إرادة الوقاع كما في البخاري عن أبي سلمة عن عائشة وحاضت صفية فأراد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يريد الرجل من أهله ( فقيل له) وفي رواية أبي سلمة فقلت ( إنها قد حاضت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلها حابستنا) مانعتنا من السفر ( فقالوا) أي النسوة ومن معهن من المحارم بعد استفهامه عن طوافها كما مر في رواية عمرة ( يا رسول الله إنها قد طافت) طواف الإفاضة يوم النحر ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا) حبس علينا ( إذا) بالتنوين لأنها فعلت الفرض وهذا الحديث رواه أبو داود عن القعنبي عن مالك به وفي الصحيحين عن الأسود عن عائشة حاضت صفية ليلة النفر فقالت ما أراني إلا حابستكم فقال النبي صلى الله عليه وسلم عقرى حلقى أطافت يوم النحر قيل نعم قال فانفري وفي مسلم عن عائشة لما أراد صلى الله عليه وسلم أن ينفر إذا صفية على باب خبائها كئيبة حزينة فقال عقرا حلقا إنك لحابستنا ثم قال لها أكنت أفضت يوم النحر قالت نعم قال فانفري وفي رواية فلا بأس انفري وأخرى أخرجي وأخرى فلتنفر وكلها بيان لرواية فلا إذا ومعانيها متقاربة والمراد بها كلها الرحيل إلى المدينة وفي أحاديث الباب أن طواف الإفاضة ركن وأن الطهارة شرط في صحته وأن طواف الوداع لا يجب وأن أمير الحاج يلزمه تأخير الرحيل لأجل الحائض وقيده مالك بيومين فقط وإكرام صفية بالاحتباس كما احتبس بالناس على عقد عائشة وأما قوله عقرى حلقى بالفتح فيهما ثم السكون والقصر بلا تنوين في الرواية ويجوز لغة التنوين وصوبه أبو عبيد لأن معناه الدعاء بالعقر والحلق كسقيا ورعيا من المصادر التي يدعى بها وعلى الأول هو نعت لا دعاء ومعناها عقرها الله أي جرحها أو جعلها عاقرًا لا تلد أو عقر قومها ومعنى حلقى حلق شعرها وهو زينة المرأة وأصابها وجع في حلقها أو حلق قومها أي أهلكهم وحكى أنها كلمة يقولها اليهود للحائض فلا دلالة فيه على وضيعة صفية عنده لأن ذلك أصل هاتين الكلمتين ثم اتسع العرب في قولهما بغير إرادة حقيقتهما كما قالوا قاتله الله وتربت يداك ونحوهما وقول القرطبي وغيره شتان بين قوله صلى الله عليه وسلم هذا لصفية وبين قوله لعائشة لما حاضت في الحج هذا شيء كتبه الله على بنات آدم لما فيه من الميل لها والحنو عليها بخلاف صفية تعقبه الحافظ بأنه ليس فيه دليل على اتضاع قدر صفية عنده لكن اختلف الكلام باختلاف المقام فعائشة دخل عليها وهي تبكي أسفًا على ما فاتها من النسك فسلاها بذلك وصفية أراد منها ما يريد الرجل من أهله فأبدت المانع فناسب كلاً منهما ما خاطبها به في تلك الحالة ( قال مالك قال هشام قال عروة قالت عائشة ونحن نذكر ذلك) الحديث جملة حالية ومقولها هو ( فلم يقدم الناس نساءهم إن كان ذلك لا ينفعهن ولو كان الذي يقولون) من وجوب طواف الوداع ( لأصبح بمنى أكثر من ستة آلاف امرأة حائض كلهن قد أفاضت) ولابن وضاح قد أفضن أي لو كان طواف الوداع واجبًا لأصبح بمنى هذا العدد ينتظرن الطهر حتى يطفن للوداع لكنه لم يكن ذلك فدل أنه ليس بواجب وكذا يدل عليه أن المكي ليس عليه وداع وكذا من حج من غيرها ولم يرد الخروج إذ لو كان من أمر الحج لكان على المكي وغيره ( مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه) أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ( أن أبا سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف اسمه كنيته أو عبد الله أو إسماعيل ( أخبره أن أم سليم) بضم السين ( بنت ملحان) بكسر الميم وإسكان اللام ابن خالد الأنصارية والدة أنس بن مالك يقال اسمها سهلة أو رميلة أو رميثة أو مليكة أو أنيفة من الصحابيات الفاضلات ( استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم و) قد ( حاضت أو ولدت) شك الراوي ( بعد ما أفاضت يوم النحر) عن طواف الوداع ( فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن تخرج ( فخرجت) إلى المدينة بلا طوف وداع وهذا الحديث إن سلم أن فيه انقطاعًا لأن أبا سلمة لم يسمع أم سليم فله شواهد فأخرج الطيالسي في مسنده حدثنا هشام هو الدستوائي عن قتادة عن عكرمة قال اختلف ابن عباس وزيد بن ثابت في المرأة إذا حاضت وقد طافت بالبيت يوم النحر فقال زيد يكون آخر عهدها بالبيت وقال ابن عباس تنفر إن شاءت فقالت الأنصار لا نتابعك يا ابن عباس وأنت تخالف زيدًا فقال سلوا صاحبتكم أم سليم فقالت حضت بعد ما طفت بالبيت فأمرني صلى الله عليه وسلم أن أنفر وفي مسلم والنسائي والإسماعيلي عن طاوس كنت مع ابن عباس فقال له زيد بن ثابت تفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت فقال إما لا فسل فلانة الأنصارية هل أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فرجع إليه فقال ما أراك إلا قد صدقت ولفظ النسائي فسألها ثم رجع وهو يضحك فقال الحديث كما حدثتني وللإسماعيلي فقال ابن عباس سل أم سليم وصواحبها هل أمرهن صلى الله عليه وسلم بذلك قال الحافظ وقد عرف برواية عكرمة أن الأنصارية هي أم سليم وأما صواحبها فلم أقف على تسميتهن انتهى وفي هذا كله تعقب على قول أبي عمر لا أعرفه عن أم سليم إلا من هذا الوجه ومن حديث هشام عن قتادة عن عكرمة أن أم سليم فذكره بمعناه وهما منقطعان والمحفوظ في هذا حديث أبي سلمة عن عائشة بقصة صفية انتهى وكون حديثه عن عائشة بذلك محفوظًا لا يمنع أنه روى حديث أم سليم وأرسله كيف ولم ينفرد به بل وافقه عكرمة وطاوس في مسلم وغيره عن ابن عباس فكيف لا يعرف ابن عبد البر ما في مسلم والنسائي وهما في يده وقلبه إن هذا لعجب ( قال مالك والمرأة تحيض) قبل الإفاضة ( بمنى تقيم حتى تطوف بالبيت لا بد) لا فراق ولا محالة ( لها من ذلك) لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال أحابستنا هي ( وإن كانت قد أفاضت فحاضت بعد الإفاضة فلتنصرف إلى بلدها) إن شاءت بدون طواف وداع ( فإنه قد بلغنا في ذلك رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم للحائض) لصفية وغيرها وفي البخاري عن طاوس رخص بالبناء للمجهول وفي النسائي رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للحائض أن تنفر إذا أفاضت قال أي طاوس وسمعت ابن عمر يقول إنها لا تنفر ثم سمعته يقول بعد أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهن وهذا من مراسيل الصحابة وكذا ما رواه النسائي والترمذي وصححه هو والحاكم عن ابن عمر قال من حج فليكن آخر عهده بالبيت إلا الحيض رخص لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن ابن عمر لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم فللنسائي عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس أن ابن عمر كان يقول قريبًا من سنتين الحائض لا تنفر حتى يكون آخر عهدها بالبيت ثم قال بعد إنه رخص للنساء وله وللطحاوي عن الزهري عن طاوس أنه سمع ابن عمر يسأل عن النساء إذا حضن قبل النفر وقد أفضن يوم النحر فقال إن عائشة كانت تذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم رخصة لهن وذلك قبل موت ابن عمر بعام ولابن أبي شيبة أن ابن عمر كان يقيم على الحائض سبعة أيام حتى تطوف طواف الوداع قال الشافعي كان ابن عمر سمع الأمر بالوداع ولم يسمع الرخصة ثم بلغته فعمل بها ( قال وإن حاضت المرأة) أو ولدت ( بمنى قبل أن تفيض فإن كربها يحبس عليها أكثر مما يحبس النساء الدم) وهو نصف شهر في الحيض واستشكله ابن المواز بأن فيه تعرضًا للفساد كقطع الطريق وأجابه عياض بأن محل ذلك مع أمن الطريق كما أن محله أن يكون مع المرأة محرم وروى البزار وغيره عن جابر والثقفي في فوائده عن أبي هريرة كلاهما مرفوعًا أميران وليسا بأميرين المرأة تحج مع القوم فتحيض قبل أن تطوف بالبيت طواف الزيارة فليس لأصحابها أن ينفروا حتى يستأمروها والرجل يتبع الجنازة فيصلي عليها فليس له أن يرجع حتى يستأمر أهلها لكن في إسناد كل منهما ضعفًا شديدًا.



رقم الحديث 957 وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ مَا.

قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.


( مالك عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر أو عمرو بن عامر ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكل نبي دعوة) مستجابة ( يدعو بها) بهذه الدعوة مقطوع فيها بالإجابة وما عداها على رجاء الإجابة على غير يقين ولا وعد وبهذا أجيب عن إشكال ظاهره بما وقع لكثير من الأنبياء من الدعوات المجابة ولا سيما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبأن معناه أفضل دعوات كل نبي ولهم دعوات أخرى وبأن معناه لكل منهم دعوة عامة مستجابة في أمته إما بإهلاكهم وإما بنجاتهم وأما الدعوات الخاصة فمنها ما يستجاب ومنها ما لا يستجاب وقيل لكل منهم دعوة تخصه لدنياه أو لنفسه كقول نوح: { { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا } } وقول زكريا: { { رب هب لي من لدنك وليا } } وقول سليمان: { { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَّ يَنبَغِي لأحَدٍ مِّن بَعْدِي } } حكاه ابن التين.

وقال ابن عبد البر: معناه عندي أن كل نبي أعطي أمنية يتمنى بها لأنه محال أن يكون نبينا أو غيره من الأنبياء لا يجاب من دعائه إلا دعوة واحدة وما يكاد أحد يخلو من إجابة دعوته إذا شاء ربه قال تعالى: { { فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ } } وقال صلى الله عليه وسلم: دعوة المظلوم لا ترد ولو كانت من كافر.
وقال عليه السلام: ما من داع إلا كان بين إحدى ثلاث إما أن يستجاب له فيما دعا وإما أن يدخر له مثله وإما أن يكفر عنه وجاء في ساعة الجمعة لا يسأل فيها عبد ربه شيئا إلا أعطاه وقال في الدعاء بين الأذان والإقامة وعند الصف في سبيل الله وعند الغيث وغير ذلك أنها أوقات ترجى فيها إجابة الدعاء ( فأريد أن أختبئ) بسكون المعجمة وفتح الفوقية وكسر الموحدة، فهمزة أي أدخر ( دعوتي) المقطوع بإجابتها ( شفاعة لأمتي في الآخرة) في أهم أوقات حاجتهم ففيه كمال شفقته على أمته ورأفته بهم واعتناؤه بالنظر في مصالحهم جزاه الله عنا أفضل ما جزى نبيًا عن أمته.

قال ابن بطال في الحديث بيان فضيلة نبينا على سائر الأنبياء حيث آثر أمته على نفسه وأهل بيته بدعوته المجابة ولم يجعلها أيضًا دعاء عليهم كما وقع لغيره ممن تقدم وقال ابن الجوزي هذا من حسن تصرفه صلى الله عليه وسلم لأنه جعل الدعوة فيما ينبغي ومن كثرة كرمه لأنه آثر أمته على نفسه ومن صحة نظره لأنه جعلها للمذنبين من أمته لكونهم أحوج إليها من الطائعين هذا وقول بعض شراح المصابيح جميع دعوات الأنبياء مجابة والمراد بهذا الحديث أن كل نبي دعا على أمته بالإهلاك إلا أنا فلم أدع فأعطيت الشفاعة عوضا عن ذلك للصبر على أذاهم والمراد بالأمة أمة الدعوة لا أمة الإجابة تعقبه الطيبي بأنه صلى الله عليه وسلم دعا على أحياء العرب وعلى أناس من قريش بأسمائهم ودعا على رعل وذكوان ومضر قال والأولى أن يقال جعل الله لكل نبي دعوة تستجاب في حق أمته فنالها كل منهم في الدنيا وأما نبينا فإنه لما دعا على بعض أمته نزل عليه { { لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } } فأبقى تلك الدعوة المستجابة مدخرة للآخرة وغالب من دعا عليهم لم يرد إهلاكهم وإنما أراد ردعهم ليتوبوا قال وأما جزمه أولا بأن جميع أدعية الأنبياء مجابة فغفلة عن الحديث سألت الله ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة الحديث انتهى وفيه إثبات الشفاعة.

قال ابن عبد البر: وهي ركن من أركان اعتقاد أهل السنة قال: وأجمعوا على أن قوله تعالى: { { عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا } } هو الشفاعة في المذنبين من أمته إلا ما روي عن مجاهد أنه جلوسه على العرش وروى عنه كالجماعة فصار إجماعا وقد صح نصا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأحاديث الشفاعة متواترة صحاح منها شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي وقال جابر من لم يكن من أهل الكبائر فما له وللشفاعة ولا ينازع في ذلك إلا أهل البدع انتهى.

وهذا الحديث رواه البخاري في الدعوات حدثني إسماعيل قال: حدثني مالك به.
ومسلم من طريق ابن وهب عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة مرفوعًا به فلمالك فيه إسنادان.

( مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه) قال أبو عمر: لم تختلف الرواة عن مالك في سنده ولا في متنه ورواه أبو شيبة عن أبي خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد عن مسلم بن يسار ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول) وهو مرسل فمسلم تابعي ( اللهم فالق الإصباح) قال الباجي: أي خلقه وابتدأه وأظهره ( وجاعل الليل سكنًا) أي يسكن فيه قال الباجي: الجعل لغة الخلق والحكم والتسمية فإذا تعدى إلى مفعول واحد فهو بمعنى الخلق كقوله { { وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ } } وإلى مفعولين فيكون بمعنى الحكم والتسمية نحو: { { وَجَعَلُوا الْمَلاَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا } } وبمعنى الخلق كقولهم: الحمد لله الذي جعلني مسلمًا فقوله: ( وجاعل الليل سكنا) يحتمل الوجهين ( والشمس والقمر حسبانًا) قال أبو عمر: أي حسابًا أي بحساب معلوم وقد يكون جمع حساب كشهاب وشهبان وقال الباجي: أي يحسب بهما الأيام والشهور والأعوام قال تعالى: { { هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ } } ( اقض عني الدين) قال ابن عبد البر: الأظهر فيه ديون الناس ويدخل في ذلك ديون الله تعالى وفي الحديث دين الله أحق أن يقضى ( واغنني من الفقر) لأنه بئس الضجيع وهذا الفقر هو الذي لا يدرك معه القوت وقد أغناه الله تعالى كما قال: { { وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى } } ولم يكن غناه أكثر من اتخاذ قوت سنة لنفسه وعياله والغنى كله في قلبه ثقة بربه وقال: اللهم ارزق آل محمد قوتًا ولم يرد بهم إلا الأفضل وقال ما قل وكفى خير مما كثر وألهى وكان يستعيذ من فقر مبئس وغنى مطغ ويستعيذ من فتنة الغنى والفقر وقال: اللهم أحيني مسكينًا وأمتني مسكينًا واحشرني في زمرة المساكين ولا تجعلني جبارًا شقيًا.
والمسكين هنا المتواضع لا السائل لأنه صلى الله عليه وسلم كره السؤال ونهى عنه وحرمه على من يجد ما يغديه ويعشيه والآثار في هذا كثيرة وربما ظهر في بعضها تعارض وبهذا التأويل تتقارب معانيها فمن آتاه الله سعة وجب شكره عليها ومن ابتلي بالفقر وجب عليه الصبر إلا أن الفرائض تتوجه على الغني وهي ساقطة عن الفقير وللقيام بها فضل عظيم وللصبر على الفقر ثواب جسيم { { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } } وخير الأمور أوساطها أشار له أبو عمر.

وقال أبو عبد الملك قيل أراد فقر النفس وقيل الفقر من الحسنات وقيل الفقر من المال الذي يخشى على صاحبه إذا استولى عليه نسيان الفرائض وذكر الله وجاء في الأثر اللهم إني أعوذ بك من فقر ينسيني وغنى يطغيني وهذا التأويل يدل على أن الكفاف أفضل من الفقر والغنى لأنهما بليتان يختبر الله بهما عباده.
( وأمتعني بسمعي) لما فيه من التنعم بالذكر وسماع ما يسر ( وبصري) لما فيه من رؤية مخلوقات الله والتدبر فيها وغير ذلك وفيه لغيره تلاوة القرآن في المصحف ( و) أمتعني ( بقوتي) بفوقية قبل الياء واحدة القوي ويروى وقوني بنون بدل الفوقية قال ابن عبد البر والأول أكثر عند الرواة ( في سبيلك) قال الباجي يحتمل أن يريد الجهاد وأن يريد جميع أعمال البر من تبليغ الرسالة وغيرها فذلك كله سبيل الله وقد قال مالك من قال مالي في سبيل الله سبل الله تعالى كثيرة ولكن يوضع في الغزو فخصه بالعرف قال ابن عبد البر ولا يعارض هذا ما جاء عن الله تعالى إذا أخذت كريمتي عبدي فصبر واحتسب لم يكن له جزاء إلا الجنة لأن هذا من الفرائض والحض على الصبر بعد الوقوع فلا ينافي الدعاء بالإمتاع قبل وقوعه لأنه أقرب إلى الشكر قال مطرف بن الشخير لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن ابتلى فأصبر.
( مالك عن أبي الزناد) بكسر الزاي ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يقل أحدكم إذا دعا) طلب من الله ( اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت) زاد في رواية همام عن أبي هريرة عند البخاري: اللهم ارزقني إن شئت لأن التعليق بالمشيئة إنما يحتاج إليه إذا كان المطلوب منه يتأتى إكراهه على الشيء فيخفف الأمر عليه ويعلمه بأنه لا يطلب منه ذلك الشيء إلا برضاه والله تعالى منزه عن ذلك فلا فائدة للتعليق وقيل لأن فيه صورة الاستغناء عن المطلوب والمطلوب منه والأول أولى قال ابن عبد البر لا يجوز لأحد أن يقول اللهم أعطني إن شئت وغير ذلك من أمور الدين والدنيا لأنه كلام مستحيل لا وجه له إذ لا يفعل إلا ما يشاء وظاهره أنه حمل النهي على التحريم وهو الظاهر وحمله النووي على كراهة التنزيه وهو أولى ( ليعزم المسألة) قال الداودي أي يجتهد ويلح ولا يقول إن شئت كالمستثنى ولكن دعاء البائس الفقير وكأنه أشار بقوله كالمستثنى إلى أنه إذا قالها على سبيل التبرك لا يمنع وهو جيد قاله الحافظ وقال الباجي أي يخلي سؤاله ودعاءه من لفظ المشيئة لأنها إنما تشترط فيمن يصح أن يفعل دون أن يشاء لإكراه أو غيره فينبغي أن يسأل سؤال من يعلم أنه لا يفعل إلا ما يشاء وقد بين ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله ( فإنه) تعالى ( لا مكره له) بكسر الراء.

قال ابن بطال فيه أنه ينبغي للداعي أن يجتهد في الدعاء ويكون على رجاء الإجابة ولا يقنط من الرحمة فإنه يدعو كريما قال ابن عيينة لا يمنعن أحدا الدعاء ما يعلم من نفسه يعني من التقصير فإن الله تعالى قد أجاب دعاء شر خلقه وهو إبليس حين قال رب { { أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } } وفي الترمذي: وقال غريب عن أبي هريرة مرفوعا ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه قال التوربشتي أي كونوا على حالة تستحقون فيها الإجابة وذلك بإتيان المعروف واجتناب المنكر وغير ذلك من مراعاة أركان الدعاء وآدابه حتى تكون الإجابة على القلب أغلب من الرد أو المراد ادعوه معتقدين وقوع الإجابة لأن الداعي إذا لم يكن متحققا في الرجاء لم يكن رجاؤه صادقا وإذا لم يصدق رجاؤه لم يكن الرجاء خالصا والداعي مخلصا فإن الرجاء هو الباعث على الطلب ولا يتحقق الفرع إلا بتحقق الأصل وهذا الحديث رواه البخاري وأبو داود عن القعنبي عن مالك به وهو في الصحيحين من حديث أنس بنحوه.

( مالك عن ابن شهاب عن أبي عبيد) بضم العين وتنوين الدال واسمه سعد بسكون العين ابن عبيد ثقة من كبار التابعين وقيل له إدراك مات بالمدينة سنة ثمان وتسعين ( مولى ابن أزهر) بفتح الهمزة والهاء بينهما زاي ساكنة آخره راء عبد الرحمن الزهري المدني صحابي صغير ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يستجاب لأحدكم ما لم يعجل) بفتح التحتية والجيم بينهما عين ساكنة من الاستجابة بمعنى الإجابة قال الشاعر:

فلم يستجبه عند ذاك مجيب

أي يجاب دعاء كل واحد منكم لأن الاسم المضاف مفيد للعموم على الأصح ( فيقول) بالفاء بيان لقوله ما لم يعجل ( قد دعوت فلم يستجب لي) بضم التحتية وفتح الجيم.
قال الباجي: يحتمل أن يريد بقوله يستجاب الإخبار عن وجوب وقوع الإجابة أي تحقق وقوعها أو الإخبار عن جواز وقوعها فإن أريد الوجوب فهو بأحد ثلاثة أشياء تعجيل ما سأله أو يكفر عنه به أو يدخر له فإذا قال دعوت إلخ بطل وجوب أحد هذه الثلاثة وعرى الدعاء عن جميعها وإن أريد الجواز فيكون الإجابة بفعل ما دعا به ومنعه قوله دعوت فلم يستجب لأنه من ضعف اليقين والتسخط وفي مسلم والترمذي عن أبي هريرة مرفوعا لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم وما لم يستعجل قيل وما الاستعجال قال يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجاب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء ويستحسر بمهملات استفعال من حسر إذا أعيا وتعب وتكرار دعوت للاستمرار أي دعوت مرارًا كثيرة قال المظهري من له ملالة من الدعاء لا يقبل دعاؤه لأن الدعاء عبادة حصلت الإجابة أو لم تحصل فلا ينبغي للمؤمن أن يمل من العبادة وتأخير الإجابة إما لأنه لم يأت وقتها وإما لأنه لم يقدر في الأزل قبول دعائه في الدنيا ليعطى عوضه في الآخرة وإما أن يؤخر القبول ليلح ويبالغ في ذلك فإن الله يحب الملحين في الدعاء مع ما في ذلك من الانقياد والاستسلام وإظهار الافتقار ومن يكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له ومن يكثر الدعاء يوشك أن يستجاب له.

والحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى بن يحيى كلاهما عن مالك به.

( مالك عن ابن شهاب عن أبي عبد الله) سلمان بسكون اللام ( الأغر) بفتح الغين المعجمة وشد الراء الجهني مولاهم المدني وأصله من أصبهان ( وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف القرشي الزهري ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ينزل ربنا) اختلف فيه فالراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا على طريق الإجمال منزهين لله تعالى عن الكيفية والتشبيه ونقله البيهقي وغيره عن الأئمة الأربعة والسفيانين والحمادين والليث والأوزاعي وغيرهم قال البيهقي وهو أسلم ويدل عليه اتفاقهم على أن التأويل المعين لا يجب فحينئذ التفويض أسلم وقال ابن العربي النزول راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته بل ذلك عبارة عن ملكه الذي ينزل بأمره ونهيه فالنزول حسي صفة الملك المبعوث بذلك أو معنوي بمعنى لم يفعل ثم فعل فسمي ذلك نزولا عن مرتبة إلى مرتبة فهي عربية صحيحة والحاصل أنه تأوله بوجهين إما أن المعنى ينزل أمره أو الملك وإما أنه استعارة بمعنى التلطف بالداعين والإجابة لهم ونحوه وكذا حكي عن مالك أنه أوله بنزول رحمته وأمره أو ملائكته كما يقال فعل الملك كذا أي أتباعه بأمره لكن قال ابن عبد البر قال قوم ينزل أمره ورحمته وليس بشيء لأن أمره بما يشاء من رحمته ونعمته ينزل بالليل والنهار بلا توقيت ثلث الليل ولا غيره ولو صح ذلك عن مالك لكان معناه أن الأغلب في الاستجابة ذلك الوقت وقال الباجي هو إخبار عن إجابة الداعي وغفرانه للمستغفرين وتنبيه على فضل الوقت كحديث إذا تقرب إلي عبدي شبرًا تقربت إليه ذراعًا الحديث لم يرد قرب المسافة لعدم إمكانه وإنما أراد العمل من العبد ومنه تعالى الإجابة وحكى ابن فورك أن بعض المشايخ ضبطه بضم أوله على حذف المفعول أي ينزل ملكا قال الحافظ ويقويه ما رواه النسائي من طريق الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد أن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل ثم يأمر مناديا يقول هل من داع فيستجاب له الحديث وحديث عثمان بن أبي العاص عند أحمد ينادي مناد هل من داع يستجاب له الحديث قال القرطبي وبهذا يرتفع الإشكال ولا يعكر عليه حديث رفاعة الجهني عند النسائي ينزل الله إلى سماء الدنيا فيقول لا أسأل عن عبادي غيري لأنه لا يلزم من إنزاله الملك أن يسأله عن صنع العباد بل يجوز أنه مأمور بالمناداة ولا يسأل البتة عما بعدها فهو أعلم سبحانه بما كان وما يكون انتهى ولك أن تقول الإشكال مدفوع حتى على أنه ينزل بفتح أوله الذي هو الرواية الصحيحة وكل من حديثي النسائي وأحمد يقوي تأويله بأنه من مجاز الحذف أو الاستعارة وقال البيضاوي لما ثبت بالقواطع أنه سبحانه منزه عن الجسمية والتحيز امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع إلى موضع أخفض منه فالمراد دنو رحمته أي ينتقل من مقتضى صفة الجلال التي تقتضي الغضب والانتقام إلى مقتضى صفة الإكرام التي تقتضي الرأفة والرحمة ( تبارك وتعالى) جملتان معترضتان بين الفعل وظرفه وهو ( كل ليلة) لما أسند النزول إلى ما لا يليق إسناده حقيقة إليه اعترض بما يدل على التنزيه كقوله تعالى { { وَيَجْعَلُونَ للهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ } } ( إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر) برفعه صفة ثلث وتخصيصه بالليل وثلثه الآخر لأنه وقت التهجد وغفلة الناس عن التعرض لنفحات رحمة الله وعند ذلك تكون النية خالصة والرغبة إلى الله وافرة وذلك مظنة القبول والإجابة ولم تختلف الروايات عن الزهري في تعيين الوقت واختلف عن أبي هريرة وغيره.

قال الترمذي: رواية أبي هريرة أصح الروايات في ذلك ويقويه أن الروايات المخالفة له اختلف فيها على راويها وانحصرت في ستة هذه، ثانيها: إذا مضى الثلث الأول.
ثالثها: الثلث الأول أو النصف.
رابعها: النصف.
خامسها: الثلث الأخير أو النصف.
سادسها: الإطلاق فجمع بينها بحمل المطلقة على المقيدة، وأما التي بأو فإن كانت للشك فالجزم مقدم على الشك، وإن كانت للتردد بين حالتين فيجمع بأن ذلك يقع بحسب اختلاف الأحوال لأن أوقات الليل تختلف في الزيادة وفي الأوقات باختلاف تقدم الليل عند قوم وتأخره عند قوم أو النزول يقع في الثلث الأول والقول يقع في النصف وفي الثلث الثاني أو يحمل ذلك على وقوعه في جميع الأوقات التي وردت بها الأحاديث ويحمل على أنه صلى الله عليه وسلم أعلم بأحد الأمور في وقت فأخبر به ثم أعلم به في وقت آخر فأخبر به فنقل الصحابة ذلك عنه ( فيقول من يدعوني فأستجيب) أي أجيب ( له) دعاءه فليست السين للطلب ( من يسألني فأعطيه) مسؤوله ( من يستغفرني فأغفر له) ذنوبه بنصب الأفعال الثلاثة في جواب الاستفهام وبالرفع على الاستئناف وبهما قرئ { { مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ } } ولم تختلف الروايات عن الزهري في الاقتصار على الثلاثة والفرق بينها أن المطلوب إما رفع المضار أو جلب المسار وذلك إما دنيوي أو ديني ففي الاستغفار إشارة إلى الأول والدعاء إشارة إلى الثاني والسؤال إشارة إلى الثالث وقال الكرماني يحتمل أن الدعاء ما لا طلب فيه والسؤال الطلب ويحتمل أن المقصود واحد وإن اختلف اللفظ انتهى.

وزاد سعيد المقبري عن أبي هريرة هل من تائب فأتوب عليه، وزاد أبو جعفر عنه من ذا الذي يسترزقني فأرزقه من ذا الذي يستكشف الضر فأكشف عنه وزاد عطاء مولى أم صبية بضم الصاد المهملة وموحدة عنه ألا سقيم يستشفي فيشفى رواها النسائي ومعانيها داخلة فيما تقدم وزاد سعيد بن مرجانة عنه من يقرض غير عديم ولا ظلوم رواه مسلم وفيه تحريض على عمل الطاعة وإشارة إلى جزيل ثوابها وزاد حجاج بن أبي منيع عن الزهري عند الدارقطني حتى الفجر وفي رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة حتى يطلع الفجر وعليه اتفق معظم الروايات وللنسائي عن نافع بن جبير عن أبي هريرة حتى تحل الشمس وهي شاذة وفي الحديث تفضيل آخر الليل على أوله وأنه أفضل للدعاء والاستغفار ويشهد له قوله تعالى: { { وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ } } وأن الدعاء ذلك الوقت مجاب ولا يعترض بتخلفه عن بعض الداعين لأن سببه وقوع الخلل في شرط من شروط الدعاء كالاحتراز في المطعم والمشرب والملبس أو لاستعجال الداعي أو بأن يكون الدعاء بإثم أو قطيعة رحم أو تحصل الإجابة ويتأخر وجود المطلوب لمصلحة العبد أو لأمر يريده الله تعالى هذا وقد حمل المشبهة الحديث وأحاديث التشبيه كلها على ظاهرها تعالى الله عن قولهم وأما المعتزلة والخوارج فأنكروا صحتها جملة وهو مكابرة والعجب أنهم أولوا ما في القرآن من نحو ذلك وأنكروا الأحاديث جهلا أو عنادا ومن العلماء من فرق بين التأويل القريب المستعمل لغة وبين البعيد المهجور فأول في بعض وفوض في بعض وجزم به من المتأخرين ابن دقيق العيد ونقل عن الإمام قال الباجي منع مالك في العتبية التحديث بحديث اهتز العرش لموت سعد بن معاذ وحديث إن الله خلق آدم على صورته وحديث الساق وقال ما يدعو الإنسان إلى أن يحدث به وهو يرى ما فيه من التغرير ولم ير مثله حديث إن الله يضحك وحديث ينزل ربنا فأجاز التحديث بهما قال فيحتمل الفرق بينهما بأن حديث التنزل والضحك أحاديث صحاح لم يطعن في شيء منهما وحديث العرش والصورة والساق لا تبلغ أحاديثها في الصحة درجة التنزل والضحك وبأن التأويل في حديث التنزل أقرب وأبين والعذر بسوء التأويل فيها أبعد انتهى.

وأخرجه البخاري في الصلاة عن القعنبي وفي الدعوات عن عبد العزيز بن عبد الله الأويسي وفي التوحيد عن إسماعيل ومسلم في الصلاة عن يحيى بن يحيى كلهم عن مالك به.

( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي) تيم قريش ( أن عائشة أم المؤمنين) قال ابن عبد البر: لم يختلف عن مالك في إرساله وهو مسند من حديث الأعرج عن أبي هريرة عن عائشة ومن حديث عروة عن عائشة من طرق صحاح ثم أخرجه من الوجهين وطريق الأعرج أخرجها مسلم وأبو داود والنسائي من طريق عبيد الله بن عمر عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة عن عائشة ( قالت كنت نائمة إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم ففقدته) بفتح القاف، وفي رواية افتقدته وهما لغتان بمعنى عدمته ( من الليل) وفي رواية عروة وكان معي على فراشي ( فلمسته بيدي) وفي رواية فالتمسته في البيت وجعلت أطلبه بيدي ( فوضعت يدي على قدميه) زاد في رواية وهما منتصبتان ( وهو ساجد) وفيه أن اللمس بلا لذة لا ينقض الوضوء واحتمال أنه كان فوق حائل خلاف الأصل فسمعته ( يقول) زاد في رواية اللهم إني ( أعوذ برضاك من سخطك) أي بما يرضيك مما يسخطك فخرج عن حظ نفسه بإقامة حرمة محبوبه فهذا لله ثم الذي لنفسه قوله ( وبمعافاتك من عقوبتك) وفي إضافتها كالسخط إليه دليل لأهل السنة على جواز إضافة الشر إليه تعالى كالخير واستعاذ بها بعد استعاذته برضاه لأنه يحتمل أن يرضى من جهة حقوقه ويعاقب على حقوق غيره ( وبك منك) قال عياض: ترق من الأفعال إلى منشئ الأفعال مشاهدة للحق وغيبة عن الخلق الذي هو محض المعرفة الذي لا يعبر عنه قول ولا يضبطه وصف فهو محض التوحيد وقطع الالتفات إلى غيره وإفراده بالاستعانة وغيرها.

قال الخطابي وفيه معنى لطيف لأنه استعاذ بالله وسأله أن يجيره برضاه من سخطه وبمعافاته من عقوبته والرضا والسخط ضدان كالمعافاة والعقوبة فلما ذكر ما لا ضد له وهو الله سبحانه وتعالى استعاذ به منه لا غير ومعناه الاستغفار من التقصير في بلوغ الواجب من عبادته والثناء عليه ولذا قال ( لا أحصي ثناء عليك) قال ابن الأثير: أي لا أبلغ الواجب في الثناء عليك وقال الراغب أي لا أحصل ثناء لعجزي عنه إذ هو نعمة تستدعي شكرًا وهكذا إلى غير نهاية وقيل معناه لا أعد كما في الصحاح لأن معنى الإحصاء العد بالحصى كما قال:

ولست بالأكثر منهم حصى
وإنما العزة للكاثر

وعليه فهو من نفي الملزوم المعبر عنه بالإحصاء المفسر بالعد وإرادة نفي اللازم وهو استيعاب المعدود فكأنه قيل لا أستوعب فالمراد نفي القدرة عن الإتيان بجميع الثناءات أو فرد منها يفي بنعمة من نعمه لا عدها إذ لا يمكن عد أفراد كثيرة من الثناء وقال ابن عبد البر روينا عن مالك أن معناه وإن اجتهدت في الثناء عليك فلن أحصي نعمك ومننك وإحسانك ( أنت) مبتدأ خبره ( كما أثنيت) أي الثناء عليك هو المماثل لثنائك ( على نفسك) ولا قدرة لأحد عليه ويحتمل أن أنت تأكيد للكاف من عليك باستعارة الضمير المنفصل للمتصل، والثناء بتقديم المثلثة والمد الوصف بالجميل على المشهور لغة، واستعماله في الشر مجاز وقال المجد: وصف بمدح أو ذم أو خاص بالمدح.
قال ابن عبد البر فيه دليل على أنه لا يبلغ وصفه وأنه إنما يوصف بما وصف به نفسه انتهى وقال النووي فيه اعتراف بالعجز عن الثناء عليه وأنه لا يقدر على بلوغ حقيقته ورد الثناء إلى الجملة دون التفصيل والتعيين فوكل ذلك إليه سبحانه المحيط بكل شيء جملة وتفصيلا وكما أنه لا نهاية لصفاته لا نهاية للثناء عليه لأن الثناء تابع للمثني عليه فكل شيء أثنى عليه به وإن كثر وطال وبولغ فيه فقدر الله أعظم وسلطانه أعز وصفاته أكثر وأكبر وفضله أوسع وأسبغ.

( مالك عن زياد بن أبي زياد) ميسرة المخزومي مولاهم المدني الثقة العابد قال مالك: كان يلبس الصوف ويكون وحده ولا يجالس أحدًا.
لمالك عنه مرفوعًا هذا الحديث الواحد رواه هنا.
وفي الحج ونسبه فزاد مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي ( عن طلحة بن عبيد الله) بضم العين ( بن كريز) بفتح الكاف وكسر الراء وإسكان التحتية وزاي منقوطة الخزاعي أبي المطرف المدني وثقه أحمد والنسائي وروى له مسلم وأصحاب السنن وهو تابعي قال الولي العراقي ووهم من ظنه أحد العشرة قال ابن عبد البر لا خلاف عن مالك في إرساله ولا أحفظه بهذا الإسناد مسندا من وجه يحتج به وقد جاء مسندا من حديث علي وابن عمرو والفضائل لا تحتاج إلى من يحتج به ثم أخرج حديث علي من طريق ابن أبي شيبة وجاء أيضا من حديث أبي هريرة أخرجه هو وحديث ابن عمر والبيهقي في الشعب.

( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفضل الدعاء) مبتدأ خبره ( دعاء يوم عرفة) قال الباجي: أي أعظمه ثوابًا وأقربه إجابة ويحتمل أن يريد به اليوم ويحتمل أن يريد الحاج خاصة ( وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي) ولفظ حديث علي أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له) زاد في حديث أبي هريرة: له الملك وله الحمد يحيي ويميت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
وكذا في حديث علي لكن ليس فيه بيده الخير وفي حديث ابن عمر ولكن ليس فيه يحيي ويميت وفيه بيده الخير قال ابن عبد البر فيه أن الثناء دعاء وفي المرفوع يقول الله عز وجل من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين وفيه تفضيل الدعاء بعضه على بعض والأيام بعضها على بعض وأن ذلك أفضل الذكر لأنها كلمة الإسلام والتقوى وقال آخرون أفضله الحمد لله رب العالمين لأن فيه معنى الشكر وفيه من الإخلاص ما في لا إله إلا الله وافتتح الله كلامه به وختم به وهو آخر دعوى أهل الجنة وروت كل فرقة بما قالت أحاديث كثيرة وساق جملة منها في التمهيد ووقع في تجريد الصحاح لرزين بن معاوية الأندلسي زيادة في أول هذا الحديث وهي أفضل الأيام يوم عرفة وافق يوم جمعة وهو أفضل من سبعين حجة في غير يوم الجمعة وأفضل الدعاء إلخ وتعقبه الحافظ فقال حديث لا أعرف حاله لأنه لم يذكر صحابيه ولا من خرجه بل أدرجه في حديث الموطأ هذا وليست هذه الزيادة في شيء من الموطآت فإن كان له أصل احتمل أن يراد بالسبعين التحديد أو المبالغة في الكثرة وعلى كل حال منهما ثبتت المزية انتهى وفي الهدي لابن القيم ما استفاض على ألسنة العوام أن وقفة الجمعة تعدل ثنتين وسبعين حجة فباطل لا أصل له عن رسول الله ولا عن أحد من الصحابة والتابعين انتهى.

( مالك عن أبي الزبير) محمد بن مسلم ( المكي) الأسدي مولاهم صدوق وقال ابن معين ثقة وقال أحمد لا بأس به وقال أبو عمر ثقة حافظ متقن.
روى عنه مالك والسفيانان والليث وابن جريج وجماعة من الأئمة لا يلتفت إلى قول شعبة فيه وروى له الجميع مات بمكة سنة ست وعشرين وقيل ثمان وعشرين ومائة ( عن طاوس) بن كيسان ( اليماني) الحضرمي مولاهم الفارسي يقال: اسمه ذكوان وطاوس لقب، ثقة فقيه فاضل مات سنة ست ومائة وقيل بعدها ( عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن) تشبيه في تحفيظ حروفه وترتيب كلماته ومنع الزيادة والنقص منه والدرس له والمحافظة عليه ( يقول اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم) أي عقوبتها والإضافة مجازية أو من إضافة المظروف إلى ظرفه ( وأعوذ بك من عذاب القبر) العذاب اسم للعقوبة والمصدر التعذيب فهو مضاف إلى الفاعل مجازًا أو الإضافة من إضافة المظروف إلى ظرفه على تقدير في أي من عذاب في القبر وفيه رد على من أنكره ( وأعوذ بك من فتنة) امتحان واختبار ( المسيح) بفتح الميم وخفة السين المكسورة وحاء مهملة وصحف من أعجمها يطلق على الدجال وعلى عيسى عليه السلام لكن إذا أريد الأول قيد كما قال ( الدجال) وقال أبو داود: المسيح مثقل الدجال ومخفف عيسى والمشهور الأول، ونقل المستملي عن الفربري عن خلف بن عامر الهمداني أحد الحفاظ المسيح بالتشديد والتخفيف واحد يقال للدجال ولعيسى لا فرق بينهما بمعنى لا اختصاص لأحدهما بأحد الأمرين لقب بذلك لأنه ممسوح العين أو لأن أحد شقي وجهه خلق ممسوحا لا عين فيه ولا حاجب أو لأنه يمسح الأرض إذا خرج وقال الجوهري من خففه فلمسحه الأرض ومن شدد فلأنه ممسوح العين وأما عيسى فقيل لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن أو لأن زكريا مسحه أو لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برئ أو لمسحه الأرض بسباحته أو لأن رجله لا أخمص لها أو للبسه المسوح وقيل هو بالعبرانية ماسح فعرب المسيح وقيل المسيح الصديق ( وأعوذ بك من فتنة المحيا) هي ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات وأعظمها والعياذ بالله أمر الخاتمة عند الموت ( و) فتنة ( الممات) قال الباجي: هي فتنة القبر.
وقال أبو عمر: يحتمل إذا احتضر ويحتمل في القبر أيضًا.
وقال ابن دقيق العيد: يجوز أنها الفتنة عند الموت أضيفت إليه لقربها منه وفتنة المحيا ما قبل ذلك ويجوز أنها فتنة القبر وقد صح إنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبًا من فتنة الدجال ولا يتكرر مع قوله عذاب القبر لأن العذاب مرتب على الفتنة والسبب غير المسبب وقيل فتنة المحيا الابتلاء مع زوال الصبر والممات السؤال في القبر مع الحيرة وهو من العام بعد الخاص لأن عذاب القبر داخل تحت فتنة الممات وفتنة الدجال داخلة تحت فتنة المحيا وروى الترمذي الحكيم عن سفيان الثوري إن الميت إذا سئل من ربك تراءى له الشيطان فيشير إلى نفسه أنا ربك فلذا ورد سؤال الثبات له حين يسأل ثم روي بسند جيد عن عمرو بن مرة كانوا يستحبون إذا وضع الميت في قبره أن يقولوا اللهم أعذه من الشيطان وفي مسلم عن أبي هريرة مرفوعًا إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ من أربع من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر المسيح الدجال قال الحافظ فهذا يعين أن هذه الاستعاذة بعد الفراغ من التشهد فيكون سابقا على غيره من الأدعية وما ورد أن المصلي يتخير من الدعاء ما شاء يكون بعد هذه الاستعاذة وقبل السلام انتهى وحديث ابن عباس أخرجه مسلم عن قتيبة بن سعيد عن مالك به وقال مسلم بعده بلغني أن طاوسا قال لابنه أدعوت بها في صلاتك قال لا قال أعد صلاتك لأن طاوسا رواه عن ثلاثة أو أربعة وهذا البلاغ أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح وهو يدل على أنه يرى وجوبه وبه قال بعض أهل الظاهر.

( مالك عن أبي الزبير) محمد بن مسلم ( المكي عن طاوس اليماني عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل يقول) في موضع نصب خبر كان وقال الطيبي: الظاهر أنه جواب إذا والجملة الشرطية خبر كان وظاهره أنه كان يقول أول ما يقوم إلى الصلاة ولابن خزيمة من طريق قيس بن سعد عن طاوس عن ابن عباس كان صلى الله عليه وسلم إذا قام للتهجد قال بعد ما يكبر ( اللهم لك الحمد) الوصف بالجميل على التفضيل وأل فيه للاستغراق ( أنت نور السموات والأرض) أي منورهما وبك يهتدي من فيهما وقيل معناه أنت المنزه من كل عيب يقال فلان منور أي مبرأ من كل عيب ويقال هو مدح تقول فلان نور البلد أي مزينه ( ولك الحمد أنت قيام) بفتح التحتية المشددة فألف وكذا في رواية قيس بن سعد الحنظلي المكي عند مسلم وأبي داود بزنة فعال صيغة مبالغة وفي رواية سليمان الأحول عن طاوس في الصحيحين قيم وهما والقيوم بمعنى واحد ( السموات والأرض) زاد في رواية ومن فيهن أي أنت الذي تقوم بحفظهما وحفظ من أحاطت به واشتملت عليه تؤتي كلا ما به قوامه وتقوم كل شيء من خلقك بما تراه من تدبيرك وفي البخاري قال مجاهد القيوم القائم على كل شيء وقرأ عمر القيام أي في آية الكرسي وكلاهما مدح أي بخلاف القيم فيستعمل في المدح والذم وقيل القيم القائم بأمور الخلق ومدبر العالم في جميع أحواله ومنه قيم الطفل والقيوم والقيام القائم بنفسه مطلقا لا بغيره ويقوم به كل موجود حتى لا يتصور وجود شيء ولا دوام وجوده إلا به فمن عرف ذلك استراح عن كد التدبير وتعب الاشتغال وعاش براحة التفويض فلا يضن بكريمة ولا يجعل في قلبه للدنيا كثر قيمة.

( ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن) عبر بمن تغليبًا للعقلاء على غيرهم فهو رب كل شيء ومليكه وكافله ومغذيه ومصلحه العواد عليه بنعمه وتكرير الحمد للاهتمام بشأنه وليناط به كل مرة معنى آخر وتقديم الجار والمجرور إفادة التخصيص وكأنه لما خص الحمد بالله قيل له لم خصصتني قال لأنك القائم بحفظ المخلوقات إلى غير ذلك.
( أنت الحق) أي المتحقق الوجود الثابت بلا شك فيه قال القرطبي هذا الوصف له سبحانه وتعالى بالحقيقة خاص به لا ينبغي لغيره إذ وجوده بنفسه فلم يسبقه عدم ولا يلحقه عدم بخلاف غيره وقال ابن التين يحتمل أنت الحق بالنسبة إلى من يدعي أنه إله أو بمعنى من سماك إلها فقد قال الحق ( وقولك الحق) أي مدلوله ثابت ( ووعدك الحق) لا يدخله خلف ولا شك في وقوعه وهو من الخاص بعد العام ( ولقاؤك حق) المراد به البعث بعد الموت وهو عبارة عن مآل الخلق في الآخرة بالنسبة إلى الجزاء على الأعمال وقيل معناه رؤيتك في الآخرة حيث لا مانع وقيل الموت قال النووي وهو باطل هنا قال الحافظ وهذا وما بعده داخل تحت الوعد لكن الوعد مصدر وما بعده هو الموعود به ويحتمل أنه من الخاص بعد العام.
( والجنة حق والنار حق) أي كل منهما موجود ( والساعة حق) أي يوم القيامة وأصل الساعة القطعة من الزمان وإطلاق اسم الحق على ما ذكر من الأمور معناه أنه لا بد من كونها وأنها مما يجب أن يصدق بها وتكرار لفظ حق مبالغة في التأكيد زاد في رواية سليمان عن طاوس عند الشيخين والنبيون حق ومحمد حق وعرف الحق في الثلاثة الأول قال الطيبي للحصر لأن الله هو الحق الثابت وما سواه في معرض الزوال قال لبيد:

ألا كل شيء ما خلا الله باطل

وكذا قوله: وكذا وعده مختص بالإنجاز دون وعد غيره والتنكير في البواقي للتعظيم.

وقال السهيلي التعريف للدلالة على أنه المستحق لهذا الاسم بالحقيقة إذ هو مقتضى الأداة وكذا قوله ووعده لأن وعده كلامه وتركت في البواقي لأنها أمور محدثة والمحدث لا يجب له البقاء من جهة ذاته وبقاء ما يدوم منه علم مخبر الصادق لا من جهة استحالة فنائه قال الطيبي وهنا سر دقيق وهو أنه صلى الله عليه وسلم لما نظر إلى المقام الإلهي ومقربي حضرة الربوبية عظم شأنه وفخم منزلته حيث ذكر النبيين وعرفها بلام الاستغراق ثم خص محمدا صلى الله عليه وسلم من بينهم وعطفه عليهم إيذانا بالتغاير وأنه فائق عليهم بأوصاف مختصة به فإن تغاير الوصف بمنزلة التغاير في الذات ثم حكم عليه استقلالا بأنه حق وجرده عن ذاته كأنه غيره وأوجب عليه تصديقه ولما رجع إلى مقام العبودية ونظر إلى افتقار نفسه نادى بلسان الاضطرار في مطاوي الانكسار فقال:

( اللهم لك أسلمت) انقدت وخضعت لأمرك ونهيك ( وبك آمنت) أي صدقت ( وعليك توكلت) أي فوضت أموري تاركًا النظر في الأسباب العادية ( وإليك أنبت) رجعت إليك مقبلاً بقلبي عليك ( وبك) أي بما أعطيتني من البرهان وبما لقنتني من الحجة ( خاصمت) من خاصمني من الكفار أو بتأييدك ونصرك قاتلت ( وإليك حاكمت) كل من جحد الحق وما أرسلتني به لا إلى من كانت الجاهلية تتحاكم إليه من كاهن ونحوه وقدم جميع صلات هذه الأفعال عليها إشعارًا بالتخصيص وإفادة للحصر وكذا قوله ولك الحمد.
( فاغفر لي ما قدمت) قبل هذا الوقت ( وأخرت) عنه ( وأسررت) أخفيت ( وأعلنت) أظهرت أو ما حدثت به نفسي وما تحرك به لساني زاد في رواية للبخاري وما أنت أعلم به مني وهو من العام بعد الخاص وقال ذلك مع أنه مغفور له إما تواضعا وهضما لنفسه وإجلالا وتعظيما لربه أو تعليمًا لأمته ليقتدى به قال الحافظ كذا قيل والأولى أنه لمجموع ذلك إذ لو كان للتعليم فقط لكفي فيه أمرهم بأن يقولوا زاد في رواية سليمان عن طاوس أنت المقدم والمؤخر أي المقدم لي في البعث يوم القيامة والمؤخر لي في البعث في الدنيا.

( أنت إلهي لا إله إلا أنت) زاد في رواية للبخاري: ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قال الكرماني: هذا الحديث من جوامع الكلم لأن لفظ القيم إشارة إلى أن وجود الجواهر وقوامها منه والنور إلى أن الأعراض أيضا منه والملك إلى أنه حاكم عليها إيجادا وعدما يفعل ما يشاء وكل ذلك من نعمه على عباده فلذا قرن كلا منها بالحمد وخصص الحمد به ثم قوله أنت الحق إشارة إلى المبتدأ والقول ونحوه إلى المعاش والساعة ونحوها إشارة إلى المعاد وفيه الإشارة إلى النبوة وإلى الجزاء ثوابا وعقابا ووجوب الإيمان به والإسلام والتوكل والإنابة والتضرع إلى الله والخضوع له انتهى وفيه زيادة معرفته صلى الله عليه وسلم بعظمة ربه وعظيم قدرته ومواظبته على الذكر والدعاء والثناء على ربه والاعتراف لله بحقوقه والإقرار بصدق وعده.

وأخرجه مسلم في الصلاة عن قتيبة بن سعيد والترمذي في الدعوات من طريق معن كليهما عن مالك به وله طرق في الصحيحين وغيرهما.

( مالك عن عبد الله بن عبد الله بن جابر) وقيل جبر ( بن عتيك) بفتح العين المهملة وكسر الفوقية وإسكان التحتية وكاف الأنصاري المدني تابعي صغير من الثقات ( أنه قال جاءنا عبد الله بن عمر) بن الخطاب هكذا رواه يحيى وطائفة لم يجعلوا بين عبد الله شيخ مالك وبين ابن عمر أحدًا.
ومنهم من أدخل بينهما عتيك بن الحارث بن عتيك، وهي رواية ابن القاسم ومنهم من جعل بينهما جابر بن عتيك وهي رواية القعنبي ومطرف قال ابن عبد البر ورواية يحيى أولى بالصواب ( في بني معاوية وهي قرية من قرى الأنصار) بالمدينة والنسبة إليها المعاوي بضم الميم ( فقال) زاد في رواية ابن وضاح لي ( هل تدرون أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجدكم هذا) لأصلي فيه وأتبرك به لأنه كان حريصًا على اقتفاء آثاره ( فقلت له نعم وأشرت له إلى ناحية منه) من المسجد ( فقال لي هل تدري ما الثلاث) دعوات ( التي دعا بهن فيه فقلت نعم) فيه طرح العالم المسألة على من دونه ليعلم ما عنده ( قال فأخبرني بهن فقلت دعا بأن لا يظهر) الله ( عليهم عدوا من غيرهم) أي من غير المؤمنين يعني يستأصل جميعهم ( ولا يهلكهم بالسنين) أي بالمحل والجدب والجوع ( فأعطيهما) بالبناء للمفعول ( ودعا بأن لا يجعل بأسهم بينهم) أي الحرب والفتن والاختلاف ( فمنعها قال صدقت) يدل على أنه كان يعلم ما سأله عنه ( قال ابن عمر فلن يزال الهرج) بفتح الهاء وسكون الراء وبالجيم القتل ( إلى يوم القيامة) قضاء نافذ من الله ففي مسلم عن ثوبان رفعه: إن الله زوى لي مشارق الأرض ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها الحديث، وفيه: وإني سألت الله أن لا يهلك أمتي بسنة عامة ولا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم وأن لا يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض فقال يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة وأن لا أسلط عليهم عدوا من غيرهم ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا.

قال ابن عبد البر: دعا صلى الله عليه وسلم في مسجد الفتح يوم الإثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين فعرف البشر في وجهه قال جابر فما نزل بي أمر يهمني إلا توخيت تلك الساعة فأعرف الإجابة.

( مالك عن زيد بن أسلم أنه كان يقول ما من داع يدعو إلا كان بين إحدى ثلاث إما أن يستجاب له) بعين ما سأل ( وإما أن يدخر له) يوم القيامة ( وإما أن يكفر عنه) من الذنوب في نظير دعائه.
قال ابن عبد البر: هذا لا يكون رأيًا بل توقيف وهو خبر محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخرج عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال دعاء المسلم بين إحدى ثلاث إما أن يعطى مسألته التي سأل أو يرفع بها درجة أو يحط بها عنه خطيئة ما لم يدع بقطيعة رحم أو مأثم أو يستعجل قال وأخرج ابن جرير وابن أبي شيبة عن أبي سعيد قال صلى الله عليه وسلم إن دعوة المسلم لا ترد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم إما أن تعجل له في الدنيا وإما أن تدخر له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء بقدر ما دعاه وهذا من التفسير المسند لقوله تعالى: { { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } } فهذه كلمة استجابة والله تعالى لا تنقضي حكمته ولذا لا تقع الإجابة في كل دعوة { { وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ } } وفي الحديث إن الله ليبتلي العبد وهو يحبه ليسمع تضرعه انتهى.



رقم الحديث 958 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ، وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ.
فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْتُلُوهُ
قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.


( جامع الحج)

( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم وللنسائي من طريق يحيى القطان عن مالك حدثني الزهري ( عن عيسى بن طلحة) بن عبيد الله القرشي التيمي المدني أبي محمد ثقة فاضل مات سنة مائة وأبوه طلحة أحد العشرة وفي رواية ابن جريج عند مسلم وصالح بن كيسان عند البخاري كلاهما عن ابن شهاب قال حدثني عيسى بن طلحة ( عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ( ابن العاصي) بالياء وحذفها والإثبات أصح وفي رواية ابن جريج حدثني عبد الله وللبخاري عنه أن عبد الله حدثه وكذا في رواية صالح أن عبد الله حدثه ( أنه قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم) على ناقته كما في رواية صالح عند البخاري ويونس عند مسلم بلفظ على راحلته ومعمر عند أحمد والنسائي كلهم عن ابن شهاب فرواية يحيى القطان عن مالك جلس في حجة الوداع فقام رجل محمول على أنه ركب ناقته وجلس عليها ( للناس بمنى) زاد التنيسي والنيسابوري وغيرهما في حجة الوداع وفي رواية وقف عند الجمرة وأخرى فخطب يوم النحر قال عياض جمع بعضهم بأنه موقف واحد ومعنى خطب أي علم الناس لا أنها من خطب الحج المشروعة قال ويحتمل أن ذلك في موطنين أحدهما على راحلته عند الجمرة ولم يقل في هذا خطب والثاني يوم النحر بعد صلاة الظهر وذلك في وقت الخطبة المشروعة من خطب الحج يعلم الإمام فيها الناس ما بقي عليهم من مناسكهم وصوب النووي هذا الثاني قال الحافظ فإن قيل لا فرق بين الاحتمالين فإنه ليس في شيء من طريق حديث ابن عمرو وابن عباس بيان الوقت الذي خطب فيه من النهار قلنا نعم لم يقع التصريح بذلك لكن في رواية ابن عباس أن بعض السائلين قال رميت بعد ما أمسيت فدل على أن القصة كانت بعد الزوال لإطلاق المساء على ما بعده فكأن السائل علم أن السنة رمي الجمرة ضحى فلما أخرها إلى الزوال سأل عنه على أن حديث ابن عمرو مخرجه واحد لا يعرف إلا من طريق الزهري ولا خلاف فيه بين أصحابه غايته أن بعضهم ذكر ما لم يذكره الآخر واجتمع من مرويهم ومروي ابن عباس أن ذلك كان يوم النحر بعد الزوال وهو على راحلته يخطب عند الجمرة فإذا تقرر ذلك تعين أنها الخطبة المشروعة لتعلم بقية المناسك فليس قوله خطب مجازًا عن مجرد التعليم بل هي حقيقية ولا يلزم من وقوعه عند الجمرة أن يكون حينئذ رماها ففي البخاري وغيره عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات فذكر خطبته فلعل ذلك وقع بعد أن أفاض ورجع إلى منى انتهى وقال الأبي ترجم البخاري الفتيا على الدابة عند الجمرة فهو يدل على أنها لم تكن خطبة ( والناس يسألونه) وفي رواية فجعلوا يسألونه وأخرى فطفق ناس يسألونه ( فجاءه رجل) قال الحافظ لم أقف على اسمه بعد البحث الشديد ولا على اسم أحد ممن سأل في هذه القصة وكانوا جماعة لكن في حديث أسامة بن شريك عند الطحاوي وغيره كان الأعراب يسألونه فكان هذا هو السبب في عدم ضبط أسمائهم ( فقال له يا رسول الله لم أشعر) بضم العين أي أفطن يقال شعرت بالشيء شعورًا إذا فطنت له وقيل الشعور العلم ولم يفصح في رواية مالك بمتعلق الشعور وبينه يونس عند مسلم بلفظ لم أشعر أن الرمي قبل الحلق ( فحلقت) شعر رأسي ( قبل أن أنحر) وفي رواية قبل أن أذبح والفاء سببية جعل الحلق مسببًا عن عدم الشعور كأنه يعتذر لتقصيره ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انحر) وفي رواية اذبح ( ولا حرج) قال عياض ليس أمرًا بالإعادة وإنما هو إباحة لما فعل لأنه سأل عن أمر فرغ منه فالمعنى افعل ذلك متى شئت ونفي الحرج بين في رفع الفدية عن العامد والساهي وفي رفع الإثم عن الساهي وأما العامد فالأصل أن تارك السنة عمدًا لا يأثم إلا أن يتهاون فيأثم للتهاون لا للترك ( ثم جاءه آخر فقال يا رسول الله لم أشعر) أفطن أو أعلم زاد يونس أن الرمي قبل النحر ( فنحرت) الهدي ( قبل أن أرمي) الجمرة ( قال ارم ولا حرج) أي لا ضيق عليك في ذلك زاد في رواية ابن جريج في الصحيحين وأشباه ذلك وفي رواية محمد بن أبي حفصة عن الزهري عند مسلم وقال آخر أفضت إلى البيت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج وفي رواية معمر عند أحمد زيادة الحلق قبل الرمي فحاصل ما في حديث عبد الله بن عمرو السؤال عن أربعة أشياء الحلق قبل الذبح والنحر قبل الرمي والحلق قبل الرمي والإفاضة قبل الرمي والأوليان في حديث ابن عباس أيضًا في الصحيح وللدارقطني من حديثه أيضًا السؤال عن الحلق قبل الرمي وكذا في حديث جابر وأبي سعيد عند الطحاوي وفي حديث علي عند أحمد السؤال عن الإفاضة قبل الحلق وفي حديثه عند الطحاوي السؤال عن الرمي والإفاضة معًا قبل الحلق وفي حديث جابر عند ابن حبان وغيره السؤال عن الإفاضة قبل الذبح وفي حديث أسامة بن شريك السؤال عن السعي قبل الطواف وهو محمول على من سعى بعد طواف القدوم ثم طاف طواف الإفاضة فإنه يصدق عليه أنه سعى قبل الطواف أي الركن فهذا ما تحرر من مجموع الأحاديث وبقي عدة صور لم يذكرها الرواة إما اختصارًا وإما لأنها لم تقع وبلغت بالتقسيم أربعًا وعشرين صورة منها صورة الترتيب المتفق عليها وهي رمي جمرة العقبة ثم نحر الهدي أو ذبحه ثم الحلق أو التقصير ثم طواف الإفاضة وفي الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزله بمنى فنحر وقال للحالق جز ولأبي داود رمى ثم نحر ثم حلق أجمع العلماء على مطلوبية هذا الترتيب إلا أن ابن الجهم استثنى القارن فقال لا يحلق حتى يطوف كأنه لا حظ أنه في عمل العمرة والعمرة يتأخر فيها الحلق عن الطواف ورد عليه النووي وأجمع العلماء على الإجزاء في التقديم والتأخير إلا أنهم اختلفوا في الدم فأوجبه مالك في تقديم الإفاضة على الرمي لأنه لم يقع في روايته حديث الباب ولا يلزم بزيادة غيره لأنه أثبت الناس في ابن شهاب وأوجب الفدية في تقديم الحلق على الرمي لوقوعه قبل شيء من التحلل وذلك أبو حنيفة إلى أن الترتيب واجب وعليه الدم في كل المخالفة وتأول لا حرج على نفي الإثم لأنه فعل على الجهل لا القصد فأسقط الحرج وعذرهم لعدم العلم بدليل قول السائل لم أشعر وذهب الجمهور والشافعي وأحمد في رواية إلى الجواز وعدم وجوب الدم في شيء لعموم قوله ( قال) عبد الله بن عمرو ( فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد في رواية يومئذ ( عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج) عليك فإنه ظاهر في نفي الإثم والفدية والدم لأن اسم الضيق يشمل ذلك قال الطحاوي لكن يحتمل أنه لا إثم في ذلك الفعل لمن كان ناسيًا أو جاهلاً أي كالسائلين قال وأما من تعمد المخالفة فيجب عليه الفدية وتعقب بأن وجوبها يحتاج إلى دليل ولو وجبت لبينه صلى الله عليه وسلم حينئذ وقت الحاجة فلا يجوز تأخيره قال الطبري ولم يسقط النبي صلى الله عليه وسلم الحرج إلا وقد أجزأ الفعل إذ لو لم يجز لأمره بالإعادة لأن الجهل والنسيان لا يضعان الحكم اللازم في الحج كما لو ترك الرمي ونحوه فلا يأثم بتركه جاهلاً أو ناسيًا لكن تجب عليه الإعادة قال والعجب ممن يحمل قوله ولا حرج على نفي الإثم فقط ثم يخص ذلك ببعض الأمور دون بعض فإن كان الترتيب واجبًا يجب بتركه دم فليكن في الجميع وإلا فما وجه تخصيص بعض دون بعض مع تعميم الشارع الجميع بنفي الحرج كذا قال وجوابه إن مالكًا خص من العموم تقديم الحلق على الرمي فأوجب فيه الفدية لعلة أخرى وهي إلقاء التفث قبل فعل شيء من التحلل وقد أوجب الله ورسوله الفدية على المريض أو من برأسه أذى إذا حلق قبل محل الحلق مع جواز ذلك له لضرورته فكيف بالجاهل والناسي وخص منه أيضًا تقديم الإفاضة على الرمي لئلا يكون وسيلة إلى النساء والصيد قبل الرمي ولأنه خلاف الواقع منه صلى الله عليه وسلم وقد قال خذوا عني مناسككم ولم يثبت عنده زيادة ذلك في حديث الباب فلا يلزمه زيادة غيره وهو أثبت الناس في ابن شهاب ومحل قبول زيادة الثقة ما لم يكن من لم يزدها أوثق منه وابن أبي حفصة الذي روى ذلك عن ابن شهاب وإن كان صدوقًا وروى له الشيخان لكنه يخطئ بل ضعفه النسائي واختلف قول ابن معين في تضعيفه وكان يحيى بن سعيد يتكلم فيه وقال أحمد في رواية إن كان ناسيًا أو جاهلاً فلا شيء عليه وإن كان عالمًا فلا لقوله لم أشعر وأجيب بأن الترتيب لو وجب لما سقط بالسهو كالترتيب بين السعي والطواف إذ لو سعى قبله وجبت إعادة السعي لكن قال ابن دقيق العيد ما قاله أحمد قوي لأن الدليل دل على وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم في الحج لقوله خذوا عني مناسككم وهذه الأحاديث المرخصة قد قرنت بقول السائل لم أشعر فيختص الحكم بهذه الحالة وتبقى حالة العمد على أصل وجوب الاتباع في الحج وأيضًا الحكم إذا رتب على وصف يمكن أنه معتبر لم يجز طرحه ولا شك أن عدم الشعور وصف مناسب لعدم المؤاخذة وقد علق به الحكم فلا يمكن طرحه بإلحاق العمد به إذ لا يساويه والتمسك بقوله فما سئل إلخ لإشعاره بأن الترتيب مطلقًا غير مراعى جوابه إن هذا الإخبار من الراوي يتعلق بما وقع السؤال عنه وهو مطلق بالنسبة إلى حالة السائل والمطلق لا يدل على أحد الخاصين فلا يبقى فيه حجة في حالة العمد انتهى وفيه وجوب اتباع أفعاله صلى الله عليه وسلم لأن الذين خالفوه لما علموا سألوا عن حكم ذلك وجواز سؤال العالم واقفًا وراكبًا ولا يعارضه ما روي عن مالك من كراهة ذكر العلم والحديث في الطريق لأن الوقوف بمنى لا يعد من الطرق لأنه موقف عبادة وذكر ووقت حاجة إلى التعلم خوف الفوات إما بالزمان أو المكان وأخرجه البخاري في العلم عن إسماعيل وهنا عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى الثلاثة عن مالك وتابعه جماعة عن ابن شهاب به في الصحيحين وغيرهما ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل) بقاف ثم فاء بزنة رجع ومعناه ( من غزو أو حج أو عمرة يكبر) الله تعالى ( على كل شرف) بفتح المعجمة والراء ثم فاء أي مكان عال ( من الأرض) ولمسلم من رواية عبيد الله عن نافع إذا أوفى على ثنية أو فدفد كبر أي ارتفع على ثنية بمثلثة فنون فتحتية هي العقبة وفدفد بفتح الفاءين بعد كل دال مهملة الأشهر أنه المكان المرتفع وقيل الأرض المستوية وقيل الفلاة الخالية من شجر وغيره وقيل غليظ الأودية ذات الحصى ( ثلاث تكبيرات) قال الطيبي وجه التكبير على الأماكن العالية هو ندب الذكر عند تجدد الأحوال والتقلبات وكان صلى الله عليه وسلم يراعي ذلك في الزمان والمكان وقال الحافظ الزين العراقي مناسبته أن الاستعلاء محبوب للنفس وفيه ظهور وغلبة فينبغي للمتلبس به أن يذكر عنده أن الله أكبر من كل شيء ويكرر ذلك ويستمطر منه المزيد ( ثم يقول لا إله إلا الله) بالرفع على الخبرية بلا أو على البدلية من الضمير المستتر في الخبر المقدر أو من اسم لا باعتبار محله قبل دخولها ( وحده) حال أي منفردًا ( لا شريك له) عقلاً لاستحالته ونقلاً { { وإلهكم إله واحد } } في آيات أخر وهو تأكيد لوحده لأن المتصف بها لا شريك له ( له الملك) بضم الميم السلطان والقدرة وأصناف المخلوقات ( وله الحمد) زاد في رواية للطبراني يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير ( وهو على كل شيء قدير) قال الحافظ يحتمل أنه كان يأتي بهذا الذكر عقب التكبير على المكان المرتفع ويحتمل أنه يكمل الذكر مطلقًا ثم يأتي بالتسبيح إذا هبط قال القرطبي وفي تعقيب التكبير بالتهليل إشارة إلى أنه المنفرد بإيجاد جميع الموجودات وأنه المعبود في جميع الأماكن ( آيبون) بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي نحن آيبون جمع آيب بوزن راجع ومعناه أي راجعون إلى الله وليس المراد الإخبار بمحض الرجوع فإنه تحصيل الحاصل بل الرجوع في حالة مخصوصة وهي تلبسهم بالعبادة المخصوصة والاتصاف بالأوصاف المذكورة ( تائبون) من التوبة وهي الرجوع عما هو مذموم شرعًا إلى ما هو محمود شرعًا وفيه إشارة إلى التقصير في العبادة وقاله صلى الله عليه وسلم تواضعًا أو تعليمًا لأمته أو المراد أمته وقد تستعمل التوبة لإرادة الاستمرار على الطاعة فيكون المراد أن لا يقع منهم ذنب ( عابدون ساجدون لربنا حامدون) كلها رفع بتقدير نحن وقوله لربنا متعلق بساجدون أو بسائر الصفات على طريق التنازع ( صدق الله وعده) فيما وعد به من إظهار دينه بقوله { { وعدكم الله مغانم كثيرة } } وقوله تعالى { { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض } } الآية وهذا في سفر الغزو ومناسبته للحج والعمرة قوله { { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } } ( ونصر عبده) محمدًا صلى الله عليه وسلم ( وهزم الأحزاب وحده) من غير فعل أحد من الآدميين ولا سبب من جهتهم وهذا معنى الحقيقة فإن العبد وفعله خلق لربه والكل منه وإليه ولو شاء أن يبيد الكفار بلا قتال لفعل وفيه التفويض إلى الله تعالى قيل الأحزاب هنا كفار قريش ومن وافقهم الذين تحزبوا أي تجمعوا في غزوة الخندق ونزل فيهم سورة الأحزاب وقيل المراد أعم من ذلك أي أحزاب الكفار في جميع الأيام والمواطن قال النووي والمشهور الأول قيل فيه نظر لأنه يتوقف على أن هذا الذكر إنما شرع من بعد الخندق وأجيب بأن غزواته صلى الله عليه وسلم التي خرج فيها بنفسه محصورة والمطابق منها لذلك غزوة الخندق لظاهر قوله تعالى { { ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال } } وقوله قبل ذلك { { إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها } } الآية وأصل الحزب القطعة المجتمعة من الناس فاللام إما جنسية أي كل من تحزب من الكفار وإما عهدية والمراد من تقدم وهو الأقرب قال القرطبي ويحتمل أن يكون هذا الخبر بمعنى الدعاء أي اللهم اهزم الأحزاب والأول أظهر ثم ظاهر الحديث اختصاص ذلك بالغزو والحج والعمرة والجمهور على أنه يشرع قول ذلك في كل سفر طاعة كصلة رحم وطلب علم لما يشمل الجميع من اسم الطاعة وإنما اقتصر الصحابي على الثلاث لانحصار سفره صلى الله عليه وسلم فيها وقيل يتعدى أيضًا إلى السفر المباح لأن المسافر فيه لا ثواب له فلا يمتنع عليه فعل ما يحصل له الثواب وقيل يشرع في سفر المعصية أيضًا لأن مرتكبها أحوج إلى تحصيل الثواب من غيره وتعقب بأن الذي يخصه بسفر الطاعة لا يمنع من سافر في مباح ولا معصية من الإكثار من ذكر الله وإنما النزاع في خصوص هذا الذكر في هذا الوقت المخصوص فذهب قوم إلى الاختصاص لكونها عبادات مخصوصة شرع لها ذكر مخصوص فتختص به كالذكر المأثور عقب الأذان وعقب الصلاة انتهى وفيه جواز السجع في الدعاء والكلام بلا تكلف وإنما ينهى عن المتكلف لأنه يشغل عن الإخلاص ويقدح في النية ورواه البخاري هنا عن عبد الله بن يوسف وفي الدعوات عن إسماعيل ومسلم من طريق معن الثلاثة عن مالك به وتابعه عبيد الله وأيوب والضحاك عن نافع عند مسلم ( مالك عن إبراهيم بن عقبة) بالقاف ابن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني وثقه أحمد وابن معين والنسائي وروى عنه أيضًا السفيانان وحماد بن زيد وابن المبارك وآخرون وقال ابن عبد البر ثقة حجة أسن من أخيه موسى ومحمد أسن منه وسمع إبراهيم من أم خالد بنت خالد بن سعيد وهي من المبايعات وزعم ابن معين أنهم مواليها لم يتابع عليه والصواب أنهم موالي آل الزبير كما قال مالك والبخاري وغيرهما له في الموطأ مرفوعًا هذا الحديث الواحد ( عن كريب مولى عبد الله بن عباس) مرسلاً عند أكثر رواة الموطأ ووصله الشافعي وابن وهب ومحمد بن خالد وأبو مصعب وعبد الله بن يوسف فزادوا ( عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بامرأة) ولمسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم لقي ركبًا بالروحاء فقال من القوم فقالوا المسلمون فقالوا من أنت قال رسول الله فرفعت إليه امرأة صبيًا ( وهي في محفتها) بكسر الميم كما جزم به الجوهري وغيره وحكى في المشارق الكسر والفتح بلا ترجيح شبه الهودج إلا أنه لا قبة عليها ( فقيل لها هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بضبعي صبي) بفتح الضاد المعجمة وإسكان الموحدة وفتح العين مثنى وهما باطنًا الساعد ( كان معها) ولأبي داود ففزعت امرأة فأخذت بعضد صبي فأخرجته من محفتها وهو بكسر الزاي أي ذعرت خوفًا أن يفوتها المصطفى ويتعذر عليها سؤاله ويحتمل أن المراد بالفزع هنا الاستغاثة والالتجاء أي استغاثت به أو بادرت أو قصدته صلى الله عليه وسلم ( فقالت ألهذا حج يا رسول الله قال نعم) له حج وزادها على السؤال ( ولك أجر) ترغيبًا لها قال عياض والأجر لها فيما تتكلفه من أمره في ذلك وتعليمه وتجنيبه ما يجتنب المحرم وقال عمر وكثيرون إن الصبي يثاب وتكتب حسناته دون السيئات واختلف هل هو مخاطب على وجه الندب أو إنما المخاطب الولي بحمله على أدب الشريعة للتمرين وهذا هو الصحيح وعلى هذا فلا يبعد أن الله سبحانه يدخر للصبي ثواب ما عمل قال النووي والصبي الذي يحرم عنه الولي الصحيح عندنا أنه الولي الذي له النظر في ما له من أب أو جد أو وصي أو مقدم قاض أو ناظر ولا يصح إحرام الأم عنه إلا أن تكون وصية أو مقدمة من القاضي وقيل يصح إحرامها وإحرام العصبة وإن لم يكن لهم نظر في المال نقله الأبي وأقره وهو مقتضى مذهب مالك رحمه الله قال الشيخ ولي الدين لا يصح الاستدلال بهذا الحديث على صحة الإحرام عنه مطلقًا لاحتمال أن هذا الصبي كان مميزًا فأحرم هو عن نفسه وعلى تقدير أنه لم يميز فلعل له وليًا أحرم عنه وعلى تقدير أنها التي أحرمت فلعلها ولية مال وفيه المبادرة إلى استفتاء العلماء والأخذ عنهم قبل فواتهم وجواز ركوب المحفة والمحمل وإن كان الأفضل الركوب على القتب في حق من أطاقه لكن الظاهر أن المحمل في حق المرأة أولى لأنه أستر لها وفيه مشروعية الحج بالصغار وبه قال الأئمة قال ابن عبد البر وعليه جمهور العلماء في كل قرن وقالت طائفة لا يحج بهم وهو قول لا يشتغل به ولا يعرج عليه وقال عياض لا خلاف بين العلماء في جواز الحج بالصبيان وإنما منعه طائفة من أهل البدع لا يلتفت إليهم بل هو مردود بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإجماع الأمة وفيه انعقاد حج الصبي وصحته ووقوعه نفلاً وأنه مثاب عليه فيجتنب ما يجتنبه الكبير مما يمنعه الإحرام ويلزمه من الفدية والهدي ما يلزمه وبه قال الأئمة الثلاثة والجمهور وقال أبو حنيفة لا ينعقد وإنما يجنب من ذلك ويفعل للتمرين ليفعله إذا بلغ قال المازري وغيره والحديث حجة للجمهور وتأوله الحنفية على أنه إنما يفعل به ذلك للتمرين واحتمال أن الصبي كان بالغًا لا يصح إذ لا فائدة لقولها ألهذا حج على أنه في بعض طرق الحديث صرح بأنه صغير ويدل عليه رفعها له إذ لا يرفع الكبير ويدل له أيضًا فأخذت بضبعي صبي وهي في محفة وفي رواية فأخرجته من محفتها قال عياض وأجمعوا على أنه لا يجزيه إذا بلغ عن حجة الفرض إلا فرقة شذت فقالت يجزيه ولم يلتفت العلماء إلى قولها وحكى ابن عبد البر عن داود في المملوك البالغ إذا حج قبل عتقه يجزئه عن حجة الإسلام دون الصبي وفرق بخطاب المملوك عنده به والصبي غير مخاطب وجمهور العلماء على أن العبد لا يخاطب بالحج وأنه لا يجزئه عن الفرض كالصبي وهذا الحديث رواه النسائي من طريق محمد بن خالد وابن وهب والطحاوي وغيره من طريق الشافعي وابن عبد البر من طريق ابن أبي مصعب الأربعة عن مالك به متصلاً وتابعه سفيان بن عيينة عند مسلم وأبي داود والنسائي وغيرهم ولم يختلف عليه في اتصاله وعبد العزيز بن أبي سلمة وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة كلاهما عند البيهقي موصولاً وأخوه موسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق رواهما ابن عبد البر متصلاً وسفيان الثوري مرسلاً في رواية ابن مهدي عنه عند مسلم وموصولاً في رواية أبي نعيم الفضل بن دكين عنه عند النسائي فاختلف عليه في وصله وإرساله كما اختلف على مالك في ذلك والظاهر أن كلاً من مالك وشيخه إبراهيم حدث به على الوجهين فإن الرواة عن كل منهما بالوصل والإرسال حفاظ ثقات ويقوي ذلك أنه اختلف على ابن القاسم فرواه سحنون عنه عن مالك مرسلاً ورواه يوسف بن عمرو والحارث بن مسكين عنه عن مالك متصلاً فكأنه سمعه من مالك بالوجهين وقد أخرجه مسلم بالوجهين من طريق السفيانين وكأن البخاري ترك تخريجه في صحيحه لهذا الاختلاف لكن قال ابن عبد البر من وصل هذا الحديث وأسنده فقوله أولى وأصح والحديث صحيح مسند ثابت الاتصال لا يضره تقصير من قصر به لأن الذين أسندوه حفاظ ثقات انتهى وسبقه إلى ذلك الإمام أحمد فصحح وصله ( مالك عن إبراهيم بن أبي عبلة) بفتح المهملة وسكون الموحدة واسمه شمر بكسر المعجمة ابن يقظان العقيلي ثم الشامي يكنى أبا إسماعيل ثقة تابعي سمع أنسًا وأبا أمامة ووائلة سكن الشام وبها مات سنة اثنين أو إحدى وخمسين ومائة لمالك عنه مرفوعًا هذا الحديث الواحد ( عن طلحة بن عبيد الله) بضم العين ( ابن كريز) بفتح الكاف وكسر الراء وإسكان التحتية وزاي منقوطة الخزاعي وثقه أحمد والنسائي يكنى أبا المطرف وهو تابعي مات بالشام سنة ثمان عشرة ومائة ووهم من ظنه أحد العشرة لأنه تيمي واسم جده عثمان وهذا خزاعي وجده كريز فحديثه مرسل وزعم ابن الحذاء أنه من الغرائب التي لم يوجد لها إسناد ولا نعلم أحدًا أسنده من قصوره الشديد فقد وصله الحاكم في المستدرك عن أبي الدرداء ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما رئي) بالبناء للمجهول ( الشيطان يومًا) أي في يوم ( هو فيه أصغر) أي أذل ( ولا أدحر) بإسكان الدال وفتح الحاء وبالراء مهملات أي أبعد عن الخير قال تعالى { { مدحورًا } } أي مبعدًا من رحمة الله ( ولا أحقر) أذل وأهون عند نفسه لأنه عند الناس حقير أبدًا ( ولا أغيظ) أشد غيظًا محيطًا بكبده وهو أشد الحنق ( منه في يوم عرفة وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة) أي الملائكة النازلين بها على الواقفين بعرفة وهو لعنة الله لا يحب ذلك وليس المراد أنه يرى الرحمة نفسها ولعله رأى الملائكة تبسط أجنحتها بالدعاء للحاج ويحتمل أنه سمع الملائكة تقول غفر لهؤلاء أو نحو ذلك فعلم أنهم نزلوا بالرحمة ورؤيته الملائكة للغيظ لا للإكرام قاله أبو عبد الملك البوني ( وتجاوز الله عن الذنوب العظام) الكبائر التي زينها لهم لعنه الله وكان يود أن يهلكهم بها وانتقالهم منها إلى الكفر لأنها كما قيل بريده فيخلدوا في العذاب الأليم مثله ( إلا ما أري يوم بدر) أول غزوة وقع فيها القتال وكانت في ثانية الهجرة ( قيل وما رأى يوم بدر يا رسول الله قال أما) بالتخفيف ( إنه قد رأى جبريل يزع) بفتح الياء والزاي المنقوطة وعين مهملة أي يصف ( الملائكة) للقتال ويمنعهم أن يخرج بعضهم عن بعض في الصف قال الشاعر

ولا يزع النفس اللحوح عن الهوى
من الناس إلا وافر العقل كامله

وقيل معناه يكفهم قال ابن حبيب وليس كذلك إذ لو رأى ذلك لأحبه ولكنه رآه يعبيهم للقتال والمعبي يسمى وازعًا ومنه قوله تعالى { { وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } } أي يحبس أولهم على آخرهم وفيه فضل الحج وشهود عرفة وسعة فضل الله على المذنبين وفي مسلم والنسائي وابن ماجه عن عائشة مرفوعًا ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبيدًا من النار من يوم عرفة وأنه ليدنو ويتجلى ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء ولأحمد وصححه ابن حبان والحاكم عن أبي هريرة رفعه إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء فيقول لهم انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثًا غبرًا وروى ابن خزيمة وابن حبان والبزار وأبو يعلى والبيهقي عن جابر رفعه ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثًا غبرًا ضاجين جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عقابي فلم ير يوما أكثر عتقًا من النار من يوم عرفة زاد البيهقي فتقول الملائكة إن فلانًا فيهم وهو مرهق فيقول الله عز وجل قد غفرت له ( مالك عن زياد بن أبي زياد) ميسرة المدني الثقة العابد ( مولى عبد الله بن عياش) بتحتية ومعجمة ( ابن أبي ربيعة) القرشي المخزومي الصحابي ابن الصحابي ( عن طلحة بن عبيد الله بن كريز) الخزاعي فكافه مفتوحة وأما بضمها ففي عبد شمس من قريش قال ابن عبد البر لا خلاف عن مالك في إرساله ولا أحفظ بهذا الإسناد مسندًا من وجه يحتج به وأحاديث الفضائل لا تحتاج إلى محتج به وقد جاء مسندًا من حديث علي وابن عمرو ثم أخرج حديث علي من طريق ابن أبي شيبة وجاء أيضًا عن أبي هريرة أخرجه البيهقي هو وحديث ابن عمرو ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفضل الدعاء) مبتدأ خبره ( دعاء يوم عرفة) قال الباجي أي أعظمه ثوابًا وأقربه إجابة ويحتمل أن يريد به اليوم ويحتمل أن يريد الحاج خاصة ( وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي) ولفظ حديث علي أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له) زاد في حديث أبي هريرة له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير وكذا في حديث علي لكن ليس فيه يحيي ويميت قال ابن عبد البر يريد أنه أكثر ثوابًا ويحتمل أن يريد أفضل ما دعا به والأول أظهر لأنه أورده في تفضيل الأذكار بعضها على بعض والنبيون يدعون بأفضل الدعاء قال وفيه تفضيل الدعاء بعضه على بعض والأيام بعضها على بعض وأن ذلك أفضل الذكر لأنها كلمة الإسلام والتقوى وإليه ذهب جماعة وقال آخرون أفضله الحمد لله رب العالمين لأن فيه معنى الشكر وفيه من الإخلاص ما في لا إله إلا الله وافتتح الله كلامه به وختم به وهو آخر دعوى أهل الجنة وروت كل فرقة بما قالت أحاديث كثيرة وساق جملة منها في التمهيد وقدم الإمام هذا الحديث بسنده ومتنه في الدعاء وقدمت ثمة أنه وقع في تجريد الصحاح لرزين بن معاوية الأندلسي زيادة في أول هذا الحديث هي أفضل الأيام يوم عرفة وافق يوم جمعة وهو أفضل من سبعين حجة في غير يوم الجمعة وأفضل الدعاء إلخ قال الحافظ حديث لا أعرف حاله لأنه لم يذكر صحابيه ولا من خرجه بل أدرجه في حديث الموطأ هذا وليست هذه الزيادة في شيء من الموطآت فإن كان له أصل احتمل أن يريد بالسبعين التحديد أو المبالغة في الكثرة وعلى كل حال منهما تثبت المزية انتهى وفي الهدي لابن القيم ما استفاض على ألسنة العوام أن وقفة الجمعة تعدل ثنتين وسبعين حجة فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة والتابعين انتهى ( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري له في الموطأ مرفوعًا مائة واحد وثلاثون حديثًا منها ( عن أنس بن مالك) الأنصاري خمسة أحاديث هذا ثالثها ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح) في رمضان سنة ثمان ( وعلى رأسه المغفر) بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الفاء ثم راء قال صاحب المحكم ما يجعل من فضل درع الحديد على الرأس مثل القلنسوة وقال في التمهيد ما غطى الرأس من السلاح كالبيضة وشبهها من حديد كان أو غيره وقد زاد بشر بن عمر عن مالك من حديد ولا أعلم أحدًا ذكره غيره ولعله أراد في الموطأ وإلا فقد رواه خارجه عشرة عن مالك كذلك أخرجها الدارقطني ولمسلم وأحمد وأصحاب السنن عن جابر دخل صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام ورواه ابن عبد البر من طريق مالك عن أبي الزبير عن جابر وقال إنه غريب عن مالك ولا معارضة بينه وبين حديث أنس لإمكان أن المغفر فوق العمامة انتهى أي وهي تحته وقاية لرأسه من صدأ الحديد قال غيره أو كانت العمامة السوداء ملفوفة فوق المغفر إشارة للسؤدد وثبات دينه وأنه لا يغير وجمع عياض باحتمال أن يكون أول دخوله كان على رأسه المغفر ثم أزاله ولبس العمامة بعد ذلك فحكى كل من أنس وجابر ما رآه ويؤيده أن في حديث عمرو بن حريث أنه صلى الله عليه وسلم خطب الناس وعليه عمامة سوداء رواه مسلم وكانت الخطبة عند باب الكعبة وذلك بعد تمام الدخول فزعم الحاكم في الإكليل تعارض الحديثين متعقب لأنه إنما يتحقق التعارض إذا لم يمكن الجمع وقد أمكن هنا بثلاث وجوه حسان ( فلما نزعه) أي المغفر ( جاءه رجل) قال الحافظ لم يسم وكأن مراده في رواية وإلا فقد جزم الفاكهاني في شرح العمدة والكرماني بأنه أبو برزة وكذا ذكره ابن طاهر وغيره وقيل سعيد بن حريث ( فقال له يا رسول الله ابن خطل) بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة ولام اسمه عبد العزى فلما أسلم سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله ومن قال اسمه هلال التبس عليه بأخ له يسمى بذلك وهو أحد من أهدر دمه يوم الفتح وقال لا أؤمنهم في حل ولا حرم ( متعلق بأستار الكعبة) وذلك كما ذكر الواقدي أنه خرج إلى الخندمة ليقاتل على فرس وبيده قناة فلما رأى خيل الله والقتال دخله رعب حتى ما يستمسك من الرعدة فرجع حتى انتهى إلى الكعبة فنزل عن فرسه وطرح سلاحه ودخل تحت أستارها فأخذ رجل من بني كعب سلاحه وفرسه فاستوى عليه وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتلوه) زاد الوليد بن مسلم عن مالك فقتل أخرجه ابن عائذ وصححه ابن حبان وأخرج عمر بن شبة في كتاب مكة عن السائب بن يزيد قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استخرج من تحت أستار الكعبة ابن خطل فضربت عنقه صبرًا بين زمزم ومقام إبراهيم وقال لا يقتل قرشي بعد هذا صبرًا رجاله ثقات إلا أن في أبي معشر مقالاً واختلف هل قاتله سعيد بن حريث أو عمار بن ياسر أو سعد بن أبي وقاص أو سعيد بن زيد أو أبو برزة بفتح الموحدة وإسكان الراء ثم زاي منقوطة مفتوحة الأسلمي وهو أصح ما جاء في تعيين قاتله ورجحه الواقدي وجزم به البلاذري وغيره وتحمل بقية الروايات المخالفة له على أنهم ابتدروا قتله فكان المباشر منهم أبو برزة وجزم ابن هشام في تهذيب السيرة بأن سعيد بن حريث وأبا برزة اشتركا في قتله قال ابن إسحاق وغيره وإنما أمر بقتل ابن خطل لأنه أسلم فبعثه صلى الله عليه وسلم مصدقًا وبعث معه رجلاً من الأنصار وكان معه مولى مسلم يخدمه فنزل منزلاً فأمر المولى أن يذبح تيسًا ويصنع له طعامًا ونام فاستيقظ ولم يصنع له شيئًا فقتله ثم ارتد ولحق بمكة واتخذ قينتين تغنيان له بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم ( قال مالك) جوابًا عن كون المغفر على رأسه ( ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ) أي يوم فتح مكة ( محرمًا) إذ لم يرو أحد أنه تحلل يومئذ من إحرامه وظاهره الجزم بذلك ولا ينافيه قوله ( والله أعلم) لأنها للتبرك والتقوية ووقع في البخاري عن يحيى بن قزعة عن مالك ولم يكن فيما نرى والله أعلم يومئذ محرمًا وقد وراه عبد الرحمن بن مهدي عن مالك جزمًا عند الدارقطني بإسقاط فيما نرى والله أعلم وصرح جابر بما جزم به مالك أو ظنه فقال بغير إحرام كما في مسلم وغيره ودخولها بلا إحرام من الخصائص النبوية عند الجمهور وخالف ابن شهاب فأجاز ذلك لغيره قال أبو عمر لا أعلم من تابعه على ذلك إلا الحسن البصري وروي عن الشافعي والمشهور عنه أنها لا تدخل إلا بإحرام فإن دخلها أساء ولا شيء عليه عنده وعند مالك وجماعة وقال أبو حنيفة وأصحابه عليه حجة أو عمرة وفيه أن الحرم لا يجير من وجب عليه القتل وقال أبو حنيفة لا يجوز وتأول الحديث على أنه كان في الساعة التي أبيح له القتل بها وأجيب بأنه إنما أبيحت له ساعة الدخول حتى استولى عليها وقتل ابن خطل بعد ذلك وتعقب بأن الساعة ما بين أول النهار ودخول وقت العصر كما في مسند أحمد وقتل ابن خطل كان قبل ذلك قطعًا لقوله فلما نزع المغفر وذلك عند استقراره بمكة فلا يستقيم هذا الجواب وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف وفي الجهاد عن إسماعيل وفي المغازي عن يحيى بن قزعة بفتح القاف والزاي والعين المهملة وفي اللباس عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك ومسلم عن القعنبي ويحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد السبعة عن مالك به قال ابن عبد البر حديث انفرد به مالك لا يحفظ عن غيره ولم يروه أحد عن الزهري سواه من طريق صحيح وقد روي عن ابن أخي ابن شهاب عن عمه ولا يكاد يصح وروي أيضًا من غير هذا الوجه ولا يثبت العلماء بالنقل إسنادًا غير إسناد مالك وقد رواه عنه جماعة من الأئمة يطول ذكرهم من أجلهم ابن جريج وكذا قال ابن الصلاح وغيره أن مالكًا تفرد به وقد تعقبه الحافظ الزين العراقي في نكته بأنه ورد من عدة طرق عن ابن شهاب من رواية ابن أخي الزهري عند البزار وأبي أويس عند ابن سعد وابن عدي ومعمر ذكره ابن عدي في الكامل والأوزاعي ذكره المزي قال وروى ابن مسدي في معجم شيوخه أن أبا بكر بن العربي قال لأبي جعفر بن المرخي حين ذكر أنه لا يعرف إلا من حديث مالك عن الزهري قد رويته من ثلاثة عشر طريقًا غير طريق مالك فقالوا له أفدنا هذه الفوائد فوعدهم ولم يخرج لهم شيئًا قال الحافظ في نكته قد استبعد أهل أشبيلية قول ابن العربي حتى قال قائلهم

يا أهل حمص ومن بها أوصيكم
بالبر والتقوى وصية مشفق

فخذوا عن العربي أسمار الدجى
وخذوا الرواية عن إمام متق

إن الفتى ذرب اللسان مهذب
إن لم يجد خبرًا صحيحًا يخلق

وعنى بأهل حمص أهل أشبيلية قال وقد تتبعت طرقه فوجدته كما قال ابن العربي بل أزيد فرويناه من طريق الأربعة الذين ذكرهم شيخنا يعني العراقي ورواية معمر في معجم أبي بكر بن المقري ورواية الأوزاعي في فوائد تمام ومن رواية عقيل بن خالد في معجم أبي الحسين بن جميع ويونس بن يزيد في الإرشاد للخليلي ومحمد بن أبي حفصة في رواة مالك للخطيب وسفيان بن عيينة في مسند أبي يعلى وأسامة بن زيد الليثي في الضعفاء لابن حبان وابن أبي ذئب في الحلية لأبي نعيم وعبد الرحمن ومحمد أبي عبد العزيز في فوائد أبي محمد عبد الله بن إسحاق الخراساني ومحمد بن إسحاق في مسند مالك لابن عدي ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي الموالي في الإفراد للدارقطني وبحر بن كثير السقاء ذكره أبو محمد جعفر الأندلسي نزيل مصر في تخريج له وصالح بن أبي الأخضر ذكره الحافظ أبو ذر الهروي فهؤلاء ستة عشر نفسًا غير مالك رووه عن الزهري وروي من طريق يزيد الرقاشي عن أنس متابعًا للزهري في فوائد أبي الحسين الفراء الموصلي ومن حديث سعد بن أبي وقاص وأبي برزة الأسلمي وهما في سنن الدارقطني وعلي بن أبي طالب في المشيخة الكبرى لأبي محمد الجوهري وسعيد بن يربوع والسائب بن يزيد وهما في مستدرك الحاكم فهذه طرق كثيرة غير طريق مالك عن الزهري عن أنس فكيف يحل لأحد أن يتهم إمامًا من أئمة المسلمين يعني ابن العربي بغير علم ولا اطلاع وذكر نحوه في الفتح وزاد لكن ليس في طرقه شيء على شرط الصحيح إلا طريق مالك وأقربها طريق ابن أخي الزهري ويليها رواية أبي أويس فيحمل قول من قال تفرد به مالك أي بشرط الصحة وقول من قال توبع أي في الجملة انتهى وهذا الحمل أشار إليه ابن عبد البر فيما نقلته أولاً عنه والله أعلم ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر أقبل من مكة) يريد المدينة ( حتى إذا كان بقديد) بضم القاف ( جاءه خبر من المدينة) بالفتنة كما في رواية عبد الرزاق عن عبيد الله عن نافع ( فرجع فدخل مكة بغير إحرام) لقرب الموضع ( مالك عن ابن شهاب بمثل ذلك) واحتج به ابن شهاب والحسن البصري وداود وأتباعه على جواز دخولها بلا إحرام وقالوا إن موجب الإحرام عليه بحج أو عمرة لم يوجبه الله ولا رسوله ولا اتفق عليه وأبى ذلك الجمهور قال ابن وهب عن مالك لست آخذ بقول ابن شهاب وكرهه وقال إنما يكون ذلك على مثل ما عمل ابن عمر من القرب إلا رجلاً يأتي بالفاكهة من الطائف أو ينقل الحطب يبيعه فلا أرى بذلك بأسًا وقال إسماعيل القاضي كره الأكثر دخولها بلا إحرام ورخصوا للحطابين ومن أشبههم ممن يكثر اختلافه إلى مكة ولمن خرج منها يريد بلده ثم بدا له أن يرجع كما صنع ابن عمر وأما من سافر إليها في تجارة أو غيرها فلا يدخلها إلا محرمًا لأنه يأتي الحرم ويؤيد ذلك أنه لو نذر المشي إليها وجب عليه أن يدخلها محرمًا بحج أو عمرة وما دخلها صلى الله عليه وسلم قط إلا محرمًا إلا يوم الفتح ( مالك عن محمد بن عمرو) بفتح العين ( ابن حلحلة) بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة ( الديلي) بكسر الدال وسكون التحتية المدني ( عن محمد بن عمران الأنصاري) قال ابن عبد البر لا أعرفه إلا بهذا الحديث ( عن أبيه) إن لم يكن عمران بن حيان الأنصاري أو عمران بن عوادة فلا أدري من هو ( أنه قال عدل إلي عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( وأنا نازل تحت سرحة) بفتح السين والحاء المهملتين بينهما راء ساكنة شجرة طويلة لها شعب ( بطريق مكة فقال ما أنزلك تحت هذه السرحة فقلت أردت ظلها فقال هل غير ذلك فقلت لا ما أنزلني) تحتها ( إلا ذلك) إرادة ظلها ( فقال عبد الله بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنت بين الأخشبين من منى) قال ابن وهب أراد بهما الجبلين اللذين تحت العقبة بمنى فوق المسجد والأخاشب الجبال وقال إسماعيل الأخاشب يقال إنها اسم لجبال مكة ومنى خاصة ( ونفخ) بخاء معجمة أي أشار ( بيده نحو المشرق) قال البوني أحسب أن ابن عمر ظن أن عمران يعلم الوادي الذي فيه المزدلفة ولذلك ما كرر عليه السؤال ( فإن هناك واديًا يقال له السرر) بضم السين وكسرها ( به شجرة سر تحتها سبعون نبيًا) أي ولدوا تحتها فقطع سرهم بالضم وهو ما تقطعه القابلة من سرة الصبي كما في النهاية وغيرها فقول السيوطي أي قمعت سرتهم إذ ولدوا تحتها مجاز سمى السرسرة لعلاقة المجاورة وقال مالك بشروا تحتها بما يسرهم قال ابن حبيب فهو من السرور أي تنبؤوا تحتها واحدًا بعد واحد فسروا بذلك وبه أقول وفيه التبرك بمواضع النبيين وأخرجه النسائي من طريق ابن القاسم عن مالك به ( مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم) نسبه إلى جده لشهرته وإلا فأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم بمهملة وزاي ( عن ابن أبي مليكة) هو عبد الله بفتح العين ابن عبيد الله بضمها ابن عبد الله بفتحها ابن أبي مليكة بضم الميم بالتصغير يقال اسمه زهير التيمي مولى عبد الله بن جدعان أدرك ثلاثين من الصحابة وكان ثقة فقيهًا مات سنة سبع عشرة ومائة ( أن عمر بن الخطاب مر بامرأة مجذومة) أصابها داء الجذام يقطع اللحم ويسقطه ( وهي تطوف بالبيت فقال لها يا أمة الله لا تؤذي الناس) بريح الجذام ( لو جلست في بيتك) كان خيرًا لك أو لو للتمني فلا جواب لها ( فجلست فمر بها رجل) لم يسم ( بعد ذلك فقال لها إن الذي قد نهاك قد مات فاخرجي) لعله جاهل أو رجل سوء أو يكون مختبرًا لها قاله أبو عبد الملك ( فقالت ما كنت لأطيعه حيًا وأعصيه ميتًا) لأنه إنما أمر بحق قال أبو عمر فيه أنه يحال بين المجذوم ومخالطة الناس لما فيه من الأذى وهو لا يجوز وإذا منع آكل الثوم من المسجد وكان ربما أخرج إلى البقيع في العهد النبوي فما ظنك بالجذام وهو عند بعض الناس يعدي وعند جميعهم يؤذي وألان عمر للمرأة القول بعد أن أخبرها أنها تؤذي لأنه لم يتقدم إليها ورحمها للبلاء الذي بها وقد عرف منه أنه كان يعتقد أن شيئًا لا يعدي وكان يجالس معيقيبًا الدوسي ويؤاكله ويشاربه وربما وضع فمه على موضع فمه وكان على بيت ماله ولعله علم من عقلها ودينها أنها تكتفي بإشارته فلم يحتج إلى نهيها ألم تر إلى أنه لم تخط فراسته فيها فأطاعته حيًا وميتًا ( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقول ما بين الركن والباب الملتزم) هكذا رواه ابن وضاح عن يحيى وهو الصواب وفي رواية ابنه عبيد الله ما بين الركن والمقام وهو خطأ لم يتابع عليه فالرواية في الموطأ وغيره والباب وروى عن ابن عباس مرفوعًا ما بين الركن والباب ملتزم من دعا الله عنده من ذي حاجة أو ذي كربة أو ذي غم فرج عنه قاله ابن عبد البر وفي أبي داود وابن ماجه أن عبد الله بن عمرو بن العاصي طاف ثم قال نعوذ بالله من النار ثم مضى حتى استلم الحجر وقام بين الركن والباب فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطهما ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح المهملة والموحدة الثقيلة ( أنه سمعه يذكر أن رجلاً) لم يسم ( مر على أبي ذر بالربذة) بفتح الراء والموحدة والذال المعجمة ( وأن أبا ذر سأله أين تريد فقال أردت الحج فقال هل نزعك) بزاي ومهملة أي أخرجك ( غيره) قال تعالى { { ونزع يده } } أي أخرجها ( فقال لا قال فائتنف العمل) استقبله لغفر ذنبك ومراده أنه إذا لم يخرج إلا للحج وحده كان أعظم لأجره ( قال الرجل فخرجت حتى قدمت مكة فمكثت) بضم الكاف وفتحها أقمت ( ما شاء الله) أن أمكث ( ثم إذا أنا بالناس منقصفين) أي مزدحمين ( على رجل) حتى كأن بعضهم يقصف بعضًا بدارًا إليه ( فضاغطت) بضاد وغين معجمتين وطاء مهملة زاحمت وضايقت ( عليه الناس) لأن أراه ( فإذا أنا بالشيخ الذي وجدت بالربذة يعني أبا ذر قال فلما رآني عرفني فقال هو الذي حدثتك) قال ابن عبد البر هذا لا يجوز أن يكون مثله رأيًا وإنما يدرك بالتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم قال وفيه أن الله رضي من عباده بقصد بيته مرة في عمر العبد ليحط أوزاره ويغفر ذنوبه ويخرج منها كيوم ولدته أمه كما قال في الحديث الآخر من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وقال ابن مسعود من حج بنية صادقة ونفقة طيبة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وفيه ما كان عليه أبو ذر من الفقه والعلم وقد سئل علي عنه فقال وعاء مليء علمًا عجز الناس عنه وأوكئ عليه فلم يخرج شيئًا ونظر عمر إلى ركب صادرين من الحج فقال لو يعلم الركب ما ينقلبون به من الفضل بعد المغفرة لا تكلوا ولكن ليستأنفوا العمل وسئل الثوري حين دفع الناس من عرفة إلى المزدلفة عن أخسر الناس صفقة وهو يعرض بالظلمة وأهل الفسق فقال أخسر الناس صفقة من ظن أن الله لا يغفر لهؤلاء ( مالك أنه سأل ابن شهاب عن الاستثناء في الحج) وهو أن يشترط أن يتحلل حيث أصابه مانع ( فقال أو يصنع ذلك أحد وأنكر ذلك) وإلى عدم جوازه ونفعه ذهب مالك وأبو حنيفة والأكثرون وكان ابن عمر ينكر الاشتراط في الحج ويقول أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم يحل من كل شيء حتى يحج عامًا قابلاً فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديًا رواه الشيخان والترمذي وغيرهم وذهب الشافعي وأحمد وطائفة إلى جوازه ونفعه لحديث الصحيحين وغيرهما عن عائشة دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب فقالت يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية فقال النبي صلى الله عليه وسلم حجي واشترطي وقولي اللهم محلي حيث حبستني وفي الصحيح عن ابن عباس أن ضباعة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني امرأة ثقيلة وإني أريد الحج فما تأمرني قال أهلي بالحج واشترطي أن محلي حيث تحبسني قال فأدركت وأجاب الأولون بأنها قضية عين خاصة بضباعة إذ لا عموم فيها وتأوله آخرون على أن المراد التحلل بعمرة وكذلك جاء مفسرًا من رواية ابن المسيب أنه صلى الله عليه وسلم أمر ضباعة أن تشترط اللهم الحج أردت فإن تيسر وإلا فعمرة وعن عروة أن عائشة قالت له هل تشترط إذا حججت قال ماذا أقول قالت قل اللهم الحج أردت وله عمدت فإن يسرته فهو الحج وإن حبسني حابس فهو عمرة رواه الشافعي والبيهقي ( سئل مالك هل يحتش الرجل لدابته من الحرم فقال لا) لقوله صلى الله عليه وسلم لا يعضد شجره ولا يختلى خلاه والخلا ما يبس من النبات وقال صلى الله عليه وسلم إلا الإذخر وقيس عليه السنا للحاجة العامة إليه فإن احتش فلا جزاء وقال الشافعي عليه القيمة ويجوز أن يرعى الإبل في الحرم لأنه لا يمكن الاحتراز عنه ولو منع منه امتنع السفر في الحرم والمقام فيه لتعذر الاحتراز عنه قاله الباجي.



رقم الحديث 959 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَقْبَلَ مِنْ مَكَّةَ.
حَتَّى إِذَا كَانَ بِقُدَيْدٍ جَاءَهُ خَبَرٌ مِنَ الْمَدِينَةِ.
فَرَجَعَ فَدَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ.


( جامع الحج)

( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم وللنسائي من طريق يحيى القطان عن مالك حدثني الزهري ( عن عيسى بن طلحة) بن عبيد الله القرشي التيمي المدني أبي محمد ثقة فاضل مات سنة مائة وأبوه طلحة أحد العشرة وفي رواية ابن جريج عند مسلم وصالح بن كيسان عند البخاري كلاهما عن ابن شهاب قال حدثني عيسى بن طلحة ( عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ( ابن العاصي) بالياء وحذفها والإثبات أصح وفي رواية ابن جريج حدثني عبد الله وللبخاري عنه أن عبد الله حدثه وكذا في رواية صالح أن عبد الله حدثه ( أنه قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم) على ناقته كما في رواية صالح عند البخاري ويونس عند مسلم بلفظ على راحلته ومعمر عند أحمد والنسائي كلهم عن ابن شهاب فرواية يحيى القطان عن مالك جلس في حجة الوداع فقام رجل محمول على أنه ركب ناقته وجلس عليها ( للناس بمنى) زاد التنيسي والنيسابوري وغيرهما في حجة الوداع وفي رواية وقف عند الجمرة وأخرى فخطب يوم النحر قال عياض جمع بعضهم بأنه موقف واحد ومعنى خطب أي علم الناس لا أنها من خطب الحج المشروعة قال ويحتمل أن ذلك في موطنين أحدهما على راحلته عند الجمرة ولم يقل في هذا خطب والثاني يوم النحر بعد صلاة الظهر وذلك في وقت الخطبة المشروعة من خطب الحج يعلم الإمام فيها الناس ما بقي عليهم من مناسكهم وصوب النووي هذا الثاني قال الحافظ فإن قيل لا فرق بين الاحتمالين فإنه ليس في شيء من طريق حديث ابن عمرو وابن عباس بيان الوقت الذي خطب فيه من النهار قلنا نعم لم يقع التصريح بذلك لكن في رواية ابن عباس أن بعض السائلين قال رميت بعد ما أمسيت فدل على أن القصة كانت بعد الزوال لإطلاق المساء على ما بعده فكأن السائل علم أن السنة رمي الجمرة ضحى فلما أخرها إلى الزوال سأل عنه على أن حديث ابن عمرو مخرجه واحد لا يعرف إلا من طريق الزهري ولا خلاف فيه بين أصحابه غايته أن بعضهم ذكر ما لم يذكره الآخر واجتمع من مرويهم ومروي ابن عباس أن ذلك كان يوم النحر بعد الزوال وهو على راحلته يخطب عند الجمرة فإذا تقرر ذلك تعين أنها الخطبة المشروعة لتعلم بقية المناسك فليس قوله خطب مجازًا عن مجرد التعليم بل هي حقيقية ولا يلزم من وقوعه عند الجمرة أن يكون حينئذ رماها ففي البخاري وغيره عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات فذكر خطبته فلعل ذلك وقع بعد أن أفاض ورجع إلى منى انتهى وقال الأبي ترجم البخاري الفتيا على الدابة عند الجمرة فهو يدل على أنها لم تكن خطبة ( والناس يسألونه) وفي رواية فجعلوا يسألونه وأخرى فطفق ناس يسألونه ( فجاءه رجل) قال الحافظ لم أقف على اسمه بعد البحث الشديد ولا على اسم أحد ممن سأل في هذه القصة وكانوا جماعة لكن في حديث أسامة بن شريك عند الطحاوي وغيره كان الأعراب يسألونه فكان هذا هو السبب في عدم ضبط أسمائهم ( فقال له يا رسول الله لم أشعر) بضم العين أي أفطن يقال شعرت بالشيء شعورًا إذا فطنت له وقيل الشعور العلم ولم يفصح في رواية مالك بمتعلق الشعور وبينه يونس عند مسلم بلفظ لم أشعر أن الرمي قبل الحلق ( فحلقت) شعر رأسي ( قبل أن أنحر) وفي رواية قبل أن أذبح والفاء سببية جعل الحلق مسببًا عن عدم الشعور كأنه يعتذر لتقصيره ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انحر) وفي رواية اذبح ( ولا حرج) قال عياض ليس أمرًا بالإعادة وإنما هو إباحة لما فعل لأنه سأل عن أمر فرغ منه فالمعنى افعل ذلك متى شئت ونفي الحرج بين في رفع الفدية عن العامد والساهي وفي رفع الإثم عن الساهي وأما العامد فالأصل أن تارك السنة عمدًا لا يأثم إلا أن يتهاون فيأثم للتهاون لا للترك ( ثم جاءه آخر فقال يا رسول الله لم أشعر) أفطن أو أعلم زاد يونس أن الرمي قبل النحر ( فنحرت) الهدي ( قبل أن أرمي) الجمرة ( قال ارم ولا حرج) أي لا ضيق عليك في ذلك زاد في رواية ابن جريج في الصحيحين وأشباه ذلك وفي رواية محمد بن أبي حفصة عن الزهري عند مسلم وقال آخر أفضت إلى البيت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج وفي رواية معمر عند أحمد زيادة الحلق قبل الرمي فحاصل ما في حديث عبد الله بن عمرو السؤال عن أربعة أشياء الحلق قبل الذبح والنحر قبل الرمي والحلق قبل الرمي والإفاضة قبل الرمي والأوليان في حديث ابن عباس أيضًا في الصحيح وللدارقطني من حديثه أيضًا السؤال عن الحلق قبل الرمي وكذا في حديث جابر وأبي سعيد عند الطحاوي وفي حديث علي عند أحمد السؤال عن الإفاضة قبل الحلق وفي حديثه عند الطحاوي السؤال عن الرمي والإفاضة معًا قبل الحلق وفي حديث جابر عند ابن حبان وغيره السؤال عن الإفاضة قبل الذبح وفي حديث أسامة بن شريك السؤال عن السعي قبل الطواف وهو محمول على من سعى بعد طواف القدوم ثم طاف طواف الإفاضة فإنه يصدق عليه أنه سعى قبل الطواف أي الركن فهذا ما تحرر من مجموع الأحاديث وبقي عدة صور لم يذكرها الرواة إما اختصارًا وإما لأنها لم تقع وبلغت بالتقسيم أربعًا وعشرين صورة منها صورة الترتيب المتفق عليها وهي رمي جمرة العقبة ثم نحر الهدي أو ذبحه ثم الحلق أو التقصير ثم طواف الإفاضة وفي الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزله بمنى فنحر وقال للحالق جز ولأبي داود رمى ثم نحر ثم حلق أجمع العلماء على مطلوبية هذا الترتيب إلا أن ابن الجهم استثنى القارن فقال لا يحلق حتى يطوف كأنه لا حظ أنه في عمل العمرة والعمرة يتأخر فيها الحلق عن الطواف ورد عليه النووي وأجمع العلماء على الإجزاء في التقديم والتأخير إلا أنهم اختلفوا في الدم فأوجبه مالك في تقديم الإفاضة على الرمي لأنه لم يقع في روايته حديث الباب ولا يلزم بزيادة غيره لأنه أثبت الناس في ابن شهاب وأوجب الفدية في تقديم الحلق على الرمي لوقوعه قبل شيء من التحلل وذلك أبو حنيفة إلى أن الترتيب واجب وعليه الدم في كل المخالفة وتأول لا حرج على نفي الإثم لأنه فعل على الجهل لا القصد فأسقط الحرج وعذرهم لعدم العلم بدليل قول السائل لم أشعر وذهب الجمهور والشافعي وأحمد في رواية إلى الجواز وعدم وجوب الدم في شيء لعموم قوله ( قال) عبد الله بن عمرو ( فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد في رواية يومئذ ( عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج) عليك فإنه ظاهر في نفي الإثم والفدية والدم لأن اسم الضيق يشمل ذلك قال الطحاوي لكن يحتمل أنه لا إثم في ذلك الفعل لمن كان ناسيًا أو جاهلاً أي كالسائلين قال وأما من تعمد المخالفة فيجب عليه الفدية وتعقب بأن وجوبها يحتاج إلى دليل ولو وجبت لبينه صلى الله عليه وسلم حينئذ وقت الحاجة فلا يجوز تأخيره قال الطبري ولم يسقط النبي صلى الله عليه وسلم الحرج إلا وقد أجزأ الفعل إذ لو لم يجز لأمره بالإعادة لأن الجهل والنسيان لا يضعان الحكم اللازم في الحج كما لو ترك الرمي ونحوه فلا يأثم بتركه جاهلاً أو ناسيًا لكن تجب عليه الإعادة قال والعجب ممن يحمل قوله ولا حرج على نفي الإثم فقط ثم يخص ذلك ببعض الأمور دون بعض فإن كان الترتيب واجبًا يجب بتركه دم فليكن في الجميع وإلا فما وجه تخصيص بعض دون بعض مع تعميم الشارع الجميع بنفي الحرج كذا قال وجوابه إن مالكًا خص من العموم تقديم الحلق على الرمي فأوجب فيه الفدية لعلة أخرى وهي إلقاء التفث قبل فعل شيء من التحلل وقد أوجب الله ورسوله الفدية على المريض أو من برأسه أذى إذا حلق قبل محل الحلق مع جواز ذلك له لضرورته فكيف بالجاهل والناسي وخص منه أيضًا تقديم الإفاضة على الرمي لئلا يكون وسيلة إلى النساء والصيد قبل الرمي ولأنه خلاف الواقع منه صلى الله عليه وسلم وقد قال خذوا عني مناسككم ولم يثبت عنده زيادة ذلك في حديث الباب فلا يلزمه زيادة غيره وهو أثبت الناس في ابن شهاب ومحل قبول زيادة الثقة ما لم يكن من لم يزدها أوثق منه وابن أبي حفصة الذي روى ذلك عن ابن شهاب وإن كان صدوقًا وروى له الشيخان لكنه يخطئ بل ضعفه النسائي واختلف قول ابن معين في تضعيفه وكان يحيى بن سعيد يتكلم فيه وقال أحمد في رواية إن كان ناسيًا أو جاهلاً فلا شيء عليه وإن كان عالمًا فلا لقوله لم أشعر وأجيب بأن الترتيب لو وجب لما سقط بالسهو كالترتيب بين السعي والطواف إذ لو سعى قبله وجبت إعادة السعي لكن قال ابن دقيق العيد ما قاله أحمد قوي لأن الدليل دل على وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم في الحج لقوله خذوا عني مناسككم وهذه الأحاديث المرخصة قد قرنت بقول السائل لم أشعر فيختص الحكم بهذه الحالة وتبقى حالة العمد على أصل وجوب الاتباع في الحج وأيضًا الحكم إذا رتب على وصف يمكن أنه معتبر لم يجز طرحه ولا شك أن عدم الشعور وصف مناسب لعدم المؤاخذة وقد علق به الحكم فلا يمكن طرحه بإلحاق العمد به إذ لا يساويه والتمسك بقوله فما سئل إلخ لإشعاره بأن الترتيب مطلقًا غير مراعى جوابه إن هذا الإخبار من الراوي يتعلق بما وقع السؤال عنه وهو مطلق بالنسبة إلى حالة السائل والمطلق لا يدل على أحد الخاصين فلا يبقى فيه حجة في حالة العمد انتهى وفيه وجوب اتباع أفعاله صلى الله عليه وسلم لأن الذين خالفوه لما علموا سألوا عن حكم ذلك وجواز سؤال العالم واقفًا وراكبًا ولا يعارضه ما روي عن مالك من كراهة ذكر العلم والحديث في الطريق لأن الوقوف بمنى لا يعد من الطرق لأنه موقف عبادة وذكر ووقت حاجة إلى التعلم خوف الفوات إما بالزمان أو المكان وأخرجه البخاري في العلم عن إسماعيل وهنا عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى الثلاثة عن مالك وتابعه جماعة عن ابن شهاب به في الصحيحين وغيرهما ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل) بقاف ثم فاء بزنة رجع ومعناه ( من غزو أو حج أو عمرة يكبر) الله تعالى ( على كل شرف) بفتح المعجمة والراء ثم فاء أي مكان عال ( من الأرض) ولمسلم من رواية عبيد الله عن نافع إذا أوفى على ثنية أو فدفد كبر أي ارتفع على ثنية بمثلثة فنون فتحتية هي العقبة وفدفد بفتح الفاءين بعد كل دال مهملة الأشهر أنه المكان المرتفع وقيل الأرض المستوية وقيل الفلاة الخالية من شجر وغيره وقيل غليظ الأودية ذات الحصى ( ثلاث تكبيرات) قال الطيبي وجه التكبير على الأماكن العالية هو ندب الذكر عند تجدد الأحوال والتقلبات وكان صلى الله عليه وسلم يراعي ذلك في الزمان والمكان وقال الحافظ الزين العراقي مناسبته أن الاستعلاء محبوب للنفس وفيه ظهور وغلبة فينبغي للمتلبس به أن يذكر عنده أن الله أكبر من كل شيء ويكرر ذلك ويستمطر منه المزيد ( ثم يقول لا إله إلا الله) بالرفع على الخبرية بلا أو على البدلية من الضمير المستتر في الخبر المقدر أو من اسم لا باعتبار محله قبل دخولها ( وحده) حال أي منفردًا ( لا شريك له) عقلاً لاستحالته ونقلاً { { وإلهكم إله واحد } } في آيات أخر وهو تأكيد لوحده لأن المتصف بها لا شريك له ( له الملك) بضم الميم السلطان والقدرة وأصناف المخلوقات ( وله الحمد) زاد في رواية للطبراني يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير ( وهو على كل شيء قدير) قال الحافظ يحتمل أنه كان يأتي بهذا الذكر عقب التكبير على المكان المرتفع ويحتمل أنه يكمل الذكر مطلقًا ثم يأتي بالتسبيح إذا هبط قال القرطبي وفي تعقيب التكبير بالتهليل إشارة إلى أنه المنفرد بإيجاد جميع الموجودات وأنه المعبود في جميع الأماكن ( آيبون) بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي نحن آيبون جمع آيب بوزن راجع ومعناه أي راجعون إلى الله وليس المراد الإخبار بمحض الرجوع فإنه تحصيل الحاصل بل الرجوع في حالة مخصوصة وهي تلبسهم بالعبادة المخصوصة والاتصاف بالأوصاف المذكورة ( تائبون) من التوبة وهي الرجوع عما هو مذموم شرعًا إلى ما هو محمود شرعًا وفيه إشارة إلى التقصير في العبادة وقاله صلى الله عليه وسلم تواضعًا أو تعليمًا لأمته أو المراد أمته وقد تستعمل التوبة لإرادة الاستمرار على الطاعة فيكون المراد أن لا يقع منهم ذنب ( عابدون ساجدون لربنا حامدون) كلها رفع بتقدير نحن وقوله لربنا متعلق بساجدون أو بسائر الصفات على طريق التنازع ( صدق الله وعده) فيما وعد به من إظهار دينه بقوله { { وعدكم الله مغانم كثيرة } } وقوله تعالى { { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض } } الآية وهذا في سفر الغزو ومناسبته للحج والعمرة قوله { { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } } ( ونصر عبده) محمدًا صلى الله عليه وسلم ( وهزم الأحزاب وحده) من غير فعل أحد من الآدميين ولا سبب من جهتهم وهذا معنى الحقيقة فإن العبد وفعله خلق لربه والكل منه وإليه ولو شاء أن يبيد الكفار بلا قتال لفعل وفيه التفويض إلى الله تعالى قيل الأحزاب هنا كفار قريش ومن وافقهم الذين تحزبوا أي تجمعوا في غزوة الخندق ونزل فيهم سورة الأحزاب وقيل المراد أعم من ذلك أي أحزاب الكفار في جميع الأيام والمواطن قال النووي والمشهور الأول قيل فيه نظر لأنه يتوقف على أن هذا الذكر إنما شرع من بعد الخندق وأجيب بأن غزواته صلى الله عليه وسلم التي خرج فيها بنفسه محصورة والمطابق منها لذلك غزوة الخندق لظاهر قوله تعالى { { ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال } } وقوله قبل ذلك { { إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها } } الآية وأصل الحزب القطعة المجتمعة من الناس فاللام إما جنسية أي كل من تحزب من الكفار وإما عهدية والمراد من تقدم وهو الأقرب قال القرطبي ويحتمل أن يكون هذا الخبر بمعنى الدعاء أي اللهم اهزم الأحزاب والأول أظهر ثم ظاهر الحديث اختصاص ذلك بالغزو والحج والعمرة والجمهور على أنه يشرع قول ذلك في كل سفر طاعة كصلة رحم وطلب علم لما يشمل الجميع من اسم الطاعة وإنما اقتصر الصحابي على الثلاث لانحصار سفره صلى الله عليه وسلم فيها وقيل يتعدى أيضًا إلى السفر المباح لأن المسافر فيه لا ثواب له فلا يمتنع عليه فعل ما يحصل له الثواب وقيل يشرع في سفر المعصية أيضًا لأن مرتكبها أحوج إلى تحصيل الثواب من غيره وتعقب بأن الذي يخصه بسفر الطاعة لا يمنع من سافر في مباح ولا معصية من الإكثار من ذكر الله وإنما النزاع في خصوص هذا الذكر في هذا الوقت المخصوص فذهب قوم إلى الاختصاص لكونها عبادات مخصوصة شرع لها ذكر مخصوص فتختص به كالذكر المأثور عقب الأذان وعقب الصلاة انتهى وفيه جواز السجع في الدعاء والكلام بلا تكلف وإنما ينهى عن المتكلف لأنه يشغل عن الإخلاص ويقدح في النية ورواه البخاري هنا عن عبد الله بن يوسف وفي الدعوات عن إسماعيل ومسلم من طريق معن الثلاثة عن مالك به وتابعه عبيد الله وأيوب والضحاك عن نافع عند مسلم ( مالك عن إبراهيم بن عقبة) بالقاف ابن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني وثقه أحمد وابن معين والنسائي وروى عنه أيضًا السفيانان وحماد بن زيد وابن المبارك وآخرون وقال ابن عبد البر ثقة حجة أسن من أخيه موسى ومحمد أسن منه وسمع إبراهيم من أم خالد بنت خالد بن سعيد وهي من المبايعات وزعم ابن معين أنهم مواليها لم يتابع عليه والصواب أنهم موالي آل الزبير كما قال مالك والبخاري وغيرهما له في الموطأ مرفوعًا هذا الحديث الواحد ( عن كريب مولى عبد الله بن عباس) مرسلاً عند أكثر رواة الموطأ ووصله الشافعي وابن وهب ومحمد بن خالد وأبو مصعب وعبد الله بن يوسف فزادوا ( عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بامرأة) ولمسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم لقي ركبًا بالروحاء فقال من القوم فقالوا المسلمون فقالوا من أنت قال رسول الله فرفعت إليه امرأة صبيًا ( وهي في محفتها) بكسر الميم كما جزم به الجوهري وغيره وحكى في المشارق الكسر والفتح بلا ترجيح شبه الهودج إلا أنه لا قبة عليها ( فقيل لها هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بضبعي صبي) بفتح الضاد المعجمة وإسكان الموحدة وفتح العين مثنى وهما باطنًا الساعد ( كان معها) ولأبي داود ففزعت امرأة فأخذت بعضد صبي فأخرجته من محفتها وهو بكسر الزاي أي ذعرت خوفًا أن يفوتها المصطفى ويتعذر عليها سؤاله ويحتمل أن المراد بالفزع هنا الاستغاثة والالتجاء أي استغاثت به أو بادرت أو قصدته صلى الله عليه وسلم ( فقالت ألهذا حج يا رسول الله قال نعم) له حج وزادها على السؤال ( ولك أجر) ترغيبًا لها قال عياض والأجر لها فيما تتكلفه من أمره في ذلك وتعليمه وتجنيبه ما يجتنب المحرم وقال عمر وكثيرون إن الصبي يثاب وتكتب حسناته دون السيئات واختلف هل هو مخاطب على وجه الندب أو إنما المخاطب الولي بحمله على أدب الشريعة للتمرين وهذا هو الصحيح وعلى هذا فلا يبعد أن الله سبحانه يدخر للصبي ثواب ما عمل قال النووي والصبي الذي يحرم عنه الولي الصحيح عندنا أنه الولي الذي له النظر في ما له من أب أو جد أو وصي أو مقدم قاض أو ناظر ولا يصح إحرام الأم عنه إلا أن تكون وصية أو مقدمة من القاضي وقيل يصح إحرامها وإحرام العصبة وإن لم يكن لهم نظر في المال نقله الأبي وأقره وهو مقتضى مذهب مالك رحمه الله قال الشيخ ولي الدين لا يصح الاستدلال بهذا الحديث على صحة الإحرام عنه مطلقًا لاحتمال أن هذا الصبي كان مميزًا فأحرم هو عن نفسه وعلى تقدير أنه لم يميز فلعل له وليًا أحرم عنه وعلى تقدير أنها التي أحرمت فلعلها ولية مال وفيه المبادرة إلى استفتاء العلماء والأخذ عنهم قبل فواتهم وجواز ركوب المحفة والمحمل وإن كان الأفضل الركوب على القتب في حق من أطاقه لكن الظاهر أن المحمل في حق المرأة أولى لأنه أستر لها وفيه مشروعية الحج بالصغار وبه قال الأئمة قال ابن عبد البر وعليه جمهور العلماء في كل قرن وقالت طائفة لا يحج بهم وهو قول لا يشتغل به ولا يعرج عليه وقال عياض لا خلاف بين العلماء في جواز الحج بالصبيان وإنما منعه طائفة من أهل البدع لا يلتفت إليهم بل هو مردود بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإجماع الأمة وفيه انعقاد حج الصبي وصحته ووقوعه نفلاً وأنه مثاب عليه فيجتنب ما يجتنبه الكبير مما يمنعه الإحرام ويلزمه من الفدية والهدي ما يلزمه وبه قال الأئمة الثلاثة والجمهور وقال أبو حنيفة لا ينعقد وإنما يجنب من ذلك ويفعل للتمرين ليفعله إذا بلغ قال المازري وغيره والحديث حجة للجمهور وتأوله الحنفية على أنه إنما يفعل به ذلك للتمرين واحتمال أن الصبي كان بالغًا لا يصح إذ لا فائدة لقولها ألهذا حج على أنه في بعض طرق الحديث صرح بأنه صغير ويدل عليه رفعها له إذ لا يرفع الكبير ويدل له أيضًا فأخذت بضبعي صبي وهي في محفة وفي رواية فأخرجته من محفتها قال عياض وأجمعوا على أنه لا يجزيه إذا بلغ عن حجة الفرض إلا فرقة شذت فقالت يجزيه ولم يلتفت العلماء إلى قولها وحكى ابن عبد البر عن داود في المملوك البالغ إذا حج قبل عتقه يجزئه عن حجة الإسلام دون الصبي وفرق بخطاب المملوك عنده به والصبي غير مخاطب وجمهور العلماء على أن العبد لا يخاطب بالحج وأنه لا يجزئه عن الفرض كالصبي وهذا الحديث رواه النسائي من طريق محمد بن خالد وابن وهب والطحاوي وغيره من طريق الشافعي وابن عبد البر من طريق ابن أبي مصعب الأربعة عن مالك به متصلاً وتابعه سفيان بن عيينة عند مسلم وأبي داود والنسائي وغيرهم ولم يختلف عليه في اتصاله وعبد العزيز بن أبي سلمة وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة كلاهما عند البيهقي موصولاً وأخوه موسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق رواهما ابن عبد البر متصلاً وسفيان الثوري مرسلاً في رواية ابن مهدي عنه عند مسلم وموصولاً في رواية أبي نعيم الفضل بن دكين عنه عند النسائي فاختلف عليه في وصله وإرساله كما اختلف على مالك في ذلك والظاهر أن كلاً من مالك وشيخه إبراهيم حدث به على الوجهين فإن الرواة عن كل منهما بالوصل والإرسال حفاظ ثقات ويقوي ذلك أنه اختلف على ابن القاسم فرواه سحنون عنه عن مالك مرسلاً ورواه يوسف بن عمرو والحارث بن مسكين عنه عن مالك متصلاً فكأنه سمعه من مالك بالوجهين وقد أخرجه مسلم بالوجهين من طريق السفيانين وكأن البخاري ترك تخريجه في صحيحه لهذا الاختلاف لكن قال ابن عبد البر من وصل هذا الحديث وأسنده فقوله أولى وأصح والحديث صحيح مسند ثابت الاتصال لا يضره تقصير من قصر به لأن الذين أسندوه حفاظ ثقات انتهى وسبقه إلى ذلك الإمام أحمد فصحح وصله ( مالك عن إبراهيم بن أبي عبلة) بفتح المهملة وسكون الموحدة واسمه شمر بكسر المعجمة ابن يقظان العقيلي ثم الشامي يكنى أبا إسماعيل ثقة تابعي سمع أنسًا وأبا أمامة ووائلة سكن الشام وبها مات سنة اثنين أو إحدى وخمسين ومائة لمالك عنه مرفوعًا هذا الحديث الواحد ( عن طلحة بن عبيد الله) بضم العين ( ابن كريز) بفتح الكاف وكسر الراء وإسكان التحتية وزاي منقوطة الخزاعي وثقه أحمد والنسائي يكنى أبا المطرف وهو تابعي مات بالشام سنة ثمان عشرة ومائة ووهم من ظنه أحد العشرة لأنه تيمي واسم جده عثمان وهذا خزاعي وجده كريز فحديثه مرسل وزعم ابن الحذاء أنه من الغرائب التي لم يوجد لها إسناد ولا نعلم أحدًا أسنده من قصوره الشديد فقد وصله الحاكم في المستدرك عن أبي الدرداء ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما رئي) بالبناء للمجهول ( الشيطان يومًا) أي في يوم ( هو فيه أصغر) أي أذل ( ولا أدحر) بإسكان الدال وفتح الحاء وبالراء مهملات أي أبعد عن الخير قال تعالى { { مدحورًا } } أي مبعدًا من رحمة الله ( ولا أحقر) أذل وأهون عند نفسه لأنه عند الناس حقير أبدًا ( ولا أغيظ) أشد غيظًا محيطًا بكبده وهو أشد الحنق ( منه في يوم عرفة وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة) أي الملائكة النازلين بها على الواقفين بعرفة وهو لعنة الله لا يحب ذلك وليس المراد أنه يرى الرحمة نفسها ولعله رأى الملائكة تبسط أجنحتها بالدعاء للحاج ويحتمل أنه سمع الملائكة تقول غفر لهؤلاء أو نحو ذلك فعلم أنهم نزلوا بالرحمة ورؤيته الملائكة للغيظ لا للإكرام قاله أبو عبد الملك البوني ( وتجاوز الله عن الذنوب العظام) الكبائر التي زينها لهم لعنه الله وكان يود أن يهلكهم بها وانتقالهم منها إلى الكفر لأنها كما قيل بريده فيخلدوا في العذاب الأليم مثله ( إلا ما أري يوم بدر) أول غزوة وقع فيها القتال وكانت في ثانية الهجرة ( قيل وما رأى يوم بدر يا رسول الله قال أما) بالتخفيف ( إنه قد رأى جبريل يزع) بفتح الياء والزاي المنقوطة وعين مهملة أي يصف ( الملائكة) للقتال ويمنعهم أن يخرج بعضهم عن بعض في الصف قال الشاعر

ولا يزع النفس اللحوح عن الهوى
من الناس إلا وافر العقل كامله

وقيل معناه يكفهم قال ابن حبيب وليس كذلك إذ لو رأى ذلك لأحبه ولكنه رآه يعبيهم للقتال والمعبي يسمى وازعًا ومنه قوله تعالى { { وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } } أي يحبس أولهم على آخرهم وفيه فضل الحج وشهود عرفة وسعة فضل الله على المذنبين وفي مسلم والنسائي وابن ماجه عن عائشة مرفوعًا ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبيدًا من النار من يوم عرفة وأنه ليدنو ويتجلى ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء ولأحمد وصححه ابن حبان والحاكم عن أبي هريرة رفعه إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء فيقول لهم انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثًا غبرًا وروى ابن خزيمة وابن حبان والبزار وأبو يعلى والبيهقي عن جابر رفعه ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثًا غبرًا ضاجين جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عقابي فلم ير يوما أكثر عتقًا من النار من يوم عرفة زاد البيهقي فتقول الملائكة إن فلانًا فيهم وهو مرهق فيقول الله عز وجل قد غفرت له ( مالك عن زياد بن أبي زياد) ميسرة المدني الثقة العابد ( مولى عبد الله بن عياش) بتحتية ومعجمة ( ابن أبي ربيعة) القرشي المخزومي الصحابي ابن الصحابي ( عن طلحة بن عبيد الله بن كريز) الخزاعي فكافه مفتوحة وأما بضمها ففي عبد شمس من قريش قال ابن عبد البر لا خلاف عن مالك في إرساله ولا أحفظ بهذا الإسناد مسندًا من وجه يحتج به وأحاديث الفضائل لا تحتاج إلى محتج به وقد جاء مسندًا من حديث علي وابن عمرو ثم أخرج حديث علي من طريق ابن أبي شيبة وجاء أيضًا عن أبي هريرة أخرجه البيهقي هو وحديث ابن عمرو ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفضل الدعاء) مبتدأ خبره ( دعاء يوم عرفة) قال الباجي أي أعظمه ثوابًا وأقربه إجابة ويحتمل أن يريد به اليوم ويحتمل أن يريد الحاج خاصة ( وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي) ولفظ حديث علي أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له) زاد في حديث أبي هريرة له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير وكذا في حديث علي لكن ليس فيه يحيي ويميت قال ابن عبد البر يريد أنه أكثر ثوابًا ويحتمل أن يريد أفضل ما دعا به والأول أظهر لأنه أورده في تفضيل الأذكار بعضها على بعض والنبيون يدعون بأفضل الدعاء قال وفيه تفضيل الدعاء بعضه على بعض والأيام بعضها على بعض وأن ذلك أفضل الذكر لأنها كلمة الإسلام والتقوى وإليه ذهب جماعة وقال آخرون أفضله الحمد لله رب العالمين لأن فيه معنى الشكر وفيه من الإخلاص ما في لا إله إلا الله وافتتح الله كلامه به وختم به وهو آخر دعوى أهل الجنة وروت كل فرقة بما قالت أحاديث كثيرة وساق جملة منها في التمهيد وقدم الإمام هذا الحديث بسنده ومتنه في الدعاء وقدمت ثمة أنه وقع في تجريد الصحاح لرزين بن معاوية الأندلسي زيادة في أول هذا الحديث هي أفضل الأيام يوم عرفة وافق يوم جمعة وهو أفضل من سبعين حجة في غير يوم الجمعة وأفضل الدعاء إلخ قال الحافظ حديث لا أعرف حاله لأنه لم يذكر صحابيه ولا من خرجه بل أدرجه في حديث الموطأ هذا وليست هذه الزيادة في شيء من الموطآت فإن كان له أصل احتمل أن يريد بالسبعين التحديد أو المبالغة في الكثرة وعلى كل حال منهما تثبت المزية انتهى وفي الهدي لابن القيم ما استفاض على ألسنة العوام أن وقفة الجمعة تعدل ثنتين وسبعين حجة فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة والتابعين انتهى ( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري له في الموطأ مرفوعًا مائة واحد وثلاثون حديثًا منها ( عن أنس بن مالك) الأنصاري خمسة أحاديث هذا ثالثها ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح) في رمضان سنة ثمان ( وعلى رأسه المغفر) بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الفاء ثم راء قال صاحب المحكم ما يجعل من فضل درع الحديد على الرأس مثل القلنسوة وقال في التمهيد ما غطى الرأس من السلاح كالبيضة وشبهها من حديد كان أو غيره وقد زاد بشر بن عمر عن مالك من حديد ولا أعلم أحدًا ذكره غيره ولعله أراد في الموطأ وإلا فقد رواه خارجه عشرة عن مالك كذلك أخرجها الدارقطني ولمسلم وأحمد وأصحاب السنن عن جابر دخل صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام ورواه ابن عبد البر من طريق مالك عن أبي الزبير عن جابر وقال إنه غريب عن مالك ولا معارضة بينه وبين حديث أنس لإمكان أن المغفر فوق العمامة انتهى أي وهي تحته وقاية لرأسه من صدأ الحديد قال غيره أو كانت العمامة السوداء ملفوفة فوق المغفر إشارة للسؤدد وثبات دينه وأنه لا يغير وجمع عياض باحتمال أن يكون أول دخوله كان على رأسه المغفر ثم أزاله ولبس العمامة بعد ذلك فحكى كل من أنس وجابر ما رآه ويؤيده أن في حديث عمرو بن حريث أنه صلى الله عليه وسلم خطب الناس وعليه عمامة سوداء رواه مسلم وكانت الخطبة عند باب الكعبة وذلك بعد تمام الدخول فزعم الحاكم في الإكليل تعارض الحديثين متعقب لأنه إنما يتحقق التعارض إذا لم يمكن الجمع وقد أمكن هنا بثلاث وجوه حسان ( فلما نزعه) أي المغفر ( جاءه رجل) قال الحافظ لم يسم وكأن مراده في رواية وإلا فقد جزم الفاكهاني في شرح العمدة والكرماني بأنه أبو برزة وكذا ذكره ابن طاهر وغيره وقيل سعيد بن حريث ( فقال له يا رسول الله ابن خطل) بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة ولام اسمه عبد العزى فلما أسلم سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله ومن قال اسمه هلال التبس عليه بأخ له يسمى بذلك وهو أحد من أهدر دمه يوم الفتح وقال لا أؤمنهم في حل ولا حرم ( متعلق بأستار الكعبة) وذلك كما ذكر الواقدي أنه خرج إلى الخندمة ليقاتل على فرس وبيده قناة فلما رأى خيل الله والقتال دخله رعب حتى ما يستمسك من الرعدة فرجع حتى انتهى إلى الكعبة فنزل عن فرسه وطرح سلاحه ودخل تحت أستارها فأخذ رجل من بني كعب سلاحه وفرسه فاستوى عليه وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتلوه) زاد الوليد بن مسلم عن مالك فقتل أخرجه ابن عائذ وصححه ابن حبان وأخرج عمر بن شبة في كتاب مكة عن السائب بن يزيد قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استخرج من تحت أستار الكعبة ابن خطل فضربت عنقه صبرًا بين زمزم ومقام إبراهيم وقال لا يقتل قرشي بعد هذا صبرًا رجاله ثقات إلا أن في أبي معشر مقالاً واختلف هل قاتله سعيد بن حريث أو عمار بن ياسر أو سعد بن أبي وقاص أو سعيد بن زيد أو أبو برزة بفتح الموحدة وإسكان الراء ثم زاي منقوطة مفتوحة الأسلمي وهو أصح ما جاء في تعيين قاتله ورجحه الواقدي وجزم به البلاذري وغيره وتحمل بقية الروايات المخالفة له على أنهم ابتدروا قتله فكان المباشر منهم أبو برزة وجزم ابن هشام في تهذيب السيرة بأن سعيد بن حريث وأبا برزة اشتركا في قتله قال ابن إسحاق وغيره وإنما أمر بقتل ابن خطل لأنه أسلم فبعثه صلى الله عليه وسلم مصدقًا وبعث معه رجلاً من الأنصار وكان معه مولى مسلم يخدمه فنزل منزلاً فأمر المولى أن يذبح تيسًا ويصنع له طعامًا ونام فاستيقظ ولم يصنع له شيئًا فقتله ثم ارتد ولحق بمكة واتخذ قينتين تغنيان له بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم ( قال مالك) جوابًا عن كون المغفر على رأسه ( ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ) أي يوم فتح مكة ( محرمًا) إذ لم يرو أحد أنه تحلل يومئذ من إحرامه وظاهره الجزم بذلك ولا ينافيه قوله ( والله أعلم) لأنها للتبرك والتقوية ووقع في البخاري عن يحيى بن قزعة عن مالك ولم يكن فيما نرى والله أعلم يومئذ محرمًا وقد وراه عبد الرحمن بن مهدي عن مالك جزمًا عند الدارقطني بإسقاط فيما نرى والله أعلم وصرح جابر بما جزم به مالك أو ظنه فقال بغير إحرام كما في مسلم وغيره ودخولها بلا إحرام من الخصائص النبوية عند الجمهور وخالف ابن شهاب فأجاز ذلك لغيره قال أبو عمر لا أعلم من تابعه على ذلك إلا الحسن البصري وروي عن الشافعي والمشهور عنه أنها لا تدخل إلا بإحرام فإن دخلها أساء ولا شيء عليه عنده وعند مالك وجماعة وقال أبو حنيفة وأصحابه عليه حجة أو عمرة وفيه أن الحرم لا يجير من وجب عليه القتل وقال أبو حنيفة لا يجوز وتأول الحديث على أنه كان في الساعة التي أبيح له القتل بها وأجيب بأنه إنما أبيحت له ساعة الدخول حتى استولى عليها وقتل ابن خطل بعد ذلك وتعقب بأن الساعة ما بين أول النهار ودخول وقت العصر كما في مسند أحمد وقتل ابن خطل كان قبل ذلك قطعًا لقوله فلما نزع المغفر وذلك عند استقراره بمكة فلا يستقيم هذا الجواب وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف وفي الجهاد عن إسماعيل وفي المغازي عن يحيى بن قزعة بفتح القاف والزاي والعين المهملة وفي اللباس عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك ومسلم عن القعنبي ويحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد السبعة عن مالك به قال ابن عبد البر حديث انفرد به مالك لا يحفظ عن غيره ولم يروه أحد عن الزهري سواه من طريق صحيح وقد روي عن ابن أخي ابن شهاب عن عمه ولا يكاد يصح وروي أيضًا من غير هذا الوجه ولا يثبت العلماء بالنقل إسنادًا غير إسناد مالك وقد رواه عنه جماعة من الأئمة يطول ذكرهم من أجلهم ابن جريج وكذا قال ابن الصلاح وغيره أن مالكًا تفرد به وقد تعقبه الحافظ الزين العراقي في نكته بأنه ورد من عدة طرق عن ابن شهاب من رواية ابن أخي الزهري عند البزار وأبي أويس عند ابن سعد وابن عدي ومعمر ذكره ابن عدي في الكامل والأوزاعي ذكره المزي قال وروى ابن مسدي في معجم شيوخه أن أبا بكر بن العربي قال لأبي جعفر بن المرخي حين ذكر أنه لا يعرف إلا من حديث مالك عن الزهري قد رويته من ثلاثة عشر طريقًا غير طريق مالك فقالوا له أفدنا هذه الفوائد فوعدهم ولم يخرج لهم شيئًا قال الحافظ في نكته قد استبعد أهل أشبيلية قول ابن العربي حتى قال قائلهم

يا أهل حمص ومن بها أوصيكم
بالبر والتقوى وصية مشفق

فخذوا عن العربي أسمار الدجى
وخذوا الرواية عن إمام متق

إن الفتى ذرب اللسان مهذب
إن لم يجد خبرًا صحيحًا يخلق

وعنى بأهل حمص أهل أشبيلية قال وقد تتبعت طرقه فوجدته كما قال ابن العربي بل أزيد فرويناه من طريق الأربعة الذين ذكرهم شيخنا يعني العراقي ورواية معمر في معجم أبي بكر بن المقري ورواية الأوزاعي في فوائد تمام ومن رواية عقيل بن خالد في معجم أبي الحسين بن جميع ويونس بن يزيد في الإرشاد للخليلي ومحمد بن أبي حفصة في رواة مالك للخطيب وسفيان بن عيينة في مسند أبي يعلى وأسامة بن زيد الليثي في الضعفاء لابن حبان وابن أبي ذئب في الحلية لأبي نعيم وعبد الرحمن ومحمد أبي عبد العزيز في فوائد أبي محمد عبد الله بن إسحاق الخراساني ومحمد بن إسحاق في مسند مالك لابن عدي ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي الموالي في الإفراد للدارقطني وبحر بن كثير السقاء ذكره أبو محمد جعفر الأندلسي نزيل مصر في تخريج له وصالح بن أبي الأخضر ذكره الحافظ أبو ذر الهروي فهؤلاء ستة عشر نفسًا غير مالك رووه عن الزهري وروي من طريق يزيد الرقاشي عن أنس متابعًا للزهري في فوائد أبي الحسين الفراء الموصلي ومن حديث سعد بن أبي وقاص وأبي برزة الأسلمي وهما في سنن الدارقطني وعلي بن أبي طالب في المشيخة الكبرى لأبي محمد الجوهري وسعيد بن يربوع والسائب بن يزيد وهما في مستدرك الحاكم فهذه طرق كثيرة غير طريق مالك عن الزهري عن أنس فكيف يحل لأحد أن يتهم إمامًا من أئمة المسلمين يعني ابن العربي بغير علم ولا اطلاع وذكر نحوه في الفتح وزاد لكن ليس في طرقه شيء على شرط الصحيح إلا طريق مالك وأقربها طريق ابن أخي الزهري ويليها رواية أبي أويس فيحمل قول من قال تفرد به مالك أي بشرط الصحة وقول من قال توبع أي في الجملة انتهى وهذا الحمل أشار إليه ابن عبد البر فيما نقلته أولاً عنه والله أعلم ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر أقبل من مكة) يريد المدينة ( حتى إذا كان بقديد) بضم القاف ( جاءه خبر من المدينة) بالفتنة كما في رواية عبد الرزاق عن عبيد الله عن نافع ( فرجع فدخل مكة بغير إحرام) لقرب الموضع ( مالك عن ابن شهاب بمثل ذلك) واحتج به ابن شهاب والحسن البصري وداود وأتباعه على جواز دخولها بلا إحرام وقالوا إن موجب الإحرام عليه بحج أو عمرة لم يوجبه الله ولا رسوله ولا اتفق عليه وأبى ذلك الجمهور قال ابن وهب عن مالك لست آخذ بقول ابن شهاب وكرهه وقال إنما يكون ذلك على مثل ما عمل ابن عمر من القرب إلا رجلاً يأتي بالفاكهة من الطائف أو ينقل الحطب يبيعه فلا أرى بذلك بأسًا وقال إسماعيل القاضي كره الأكثر دخولها بلا إحرام ورخصوا للحطابين ومن أشبههم ممن يكثر اختلافه إلى مكة ولمن خرج منها يريد بلده ثم بدا له أن يرجع كما صنع ابن عمر وأما من سافر إليها في تجارة أو غيرها فلا يدخلها إلا محرمًا لأنه يأتي الحرم ويؤيد ذلك أنه لو نذر المشي إليها وجب عليه أن يدخلها محرمًا بحج أو عمرة وما دخلها صلى الله عليه وسلم قط إلا محرمًا إلا يوم الفتح ( مالك عن محمد بن عمرو) بفتح العين ( ابن حلحلة) بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة ( الديلي) بكسر الدال وسكون التحتية المدني ( عن محمد بن عمران الأنصاري) قال ابن عبد البر لا أعرفه إلا بهذا الحديث ( عن أبيه) إن لم يكن عمران بن حيان الأنصاري أو عمران بن عوادة فلا أدري من هو ( أنه قال عدل إلي عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( وأنا نازل تحت سرحة) بفتح السين والحاء المهملتين بينهما راء ساكنة شجرة طويلة لها شعب ( بطريق مكة فقال ما أنزلك تحت هذه السرحة فقلت أردت ظلها فقال هل غير ذلك فقلت لا ما أنزلني) تحتها ( إلا ذلك) إرادة ظلها ( فقال عبد الله بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنت بين الأخشبين من منى) قال ابن وهب أراد بهما الجبلين اللذين تحت العقبة بمنى فوق المسجد والأخاشب الجبال وقال إسماعيل الأخاشب يقال إنها اسم لجبال مكة ومنى خاصة ( ونفخ) بخاء معجمة أي أشار ( بيده نحو المشرق) قال البوني أحسب أن ابن عمر ظن أن عمران يعلم الوادي الذي فيه المزدلفة ولذلك ما كرر عليه السؤال ( فإن هناك واديًا يقال له السرر) بضم السين وكسرها ( به شجرة سر تحتها سبعون نبيًا) أي ولدوا تحتها فقطع سرهم بالضم وهو ما تقطعه القابلة من سرة الصبي كما في النهاية وغيرها فقول السيوطي أي قمعت سرتهم إذ ولدوا تحتها مجاز سمى السرسرة لعلاقة المجاورة وقال مالك بشروا تحتها بما يسرهم قال ابن حبيب فهو من السرور أي تنبؤوا تحتها واحدًا بعد واحد فسروا بذلك وبه أقول وفيه التبرك بمواضع النبيين وأخرجه النسائي من طريق ابن القاسم عن مالك به ( مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم) نسبه إلى جده لشهرته وإلا فأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم بمهملة وزاي ( عن ابن أبي مليكة) هو عبد الله بفتح العين ابن عبيد الله بضمها ابن عبد الله بفتحها ابن أبي مليكة بضم الميم بالتصغير يقال اسمه زهير التيمي مولى عبد الله بن جدعان أدرك ثلاثين من الصحابة وكان ثقة فقيهًا مات سنة سبع عشرة ومائة ( أن عمر بن الخطاب مر بامرأة مجذومة) أصابها داء الجذام يقطع اللحم ويسقطه ( وهي تطوف بالبيت فقال لها يا أمة الله لا تؤذي الناس) بريح الجذام ( لو جلست في بيتك) كان خيرًا لك أو لو للتمني فلا جواب لها ( فجلست فمر بها رجل) لم يسم ( بعد ذلك فقال لها إن الذي قد نهاك قد مات فاخرجي) لعله جاهل أو رجل سوء أو يكون مختبرًا لها قاله أبو عبد الملك ( فقالت ما كنت لأطيعه حيًا وأعصيه ميتًا) لأنه إنما أمر بحق قال أبو عمر فيه أنه يحال بين المجذوم ومخالطة الناس لما فيه من الأذى وهو لا يجوز وإذا منع آكل الثوم من المسجد وكان ربما أخرج إلى البقيع في العهد النبوي فما ظنك بالجذام وهو عند بعض الناس يعدي وعند جميعهم يؤذي وألان عمر للمرأة القول بعد أن أخبرها أنها تؤذي لأنه لم يتقدم إليها ورحمها للبلاء الذي بها وقد عرف منه أنه كان يعتقد أن شيئًا لا يعدي وكان يجالس معيقيبًا الدوسي ويؤاكله ويشاربه وربما وضع فمه على موضع فمه وكان على بيت ماله ولعله علم من عقلها ودينها أنها تكتفي بإشارته فلم يحتج إلى نهيها ألم تر إلى أنه لم تخط فراسته فيها فأطاعته حيًا وميتًا ( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقول ما بين الركن والباب الملتزم) هكذا رواه ابن وضاح عن يحيى وهو الصواب وفي رواية ابنه عبيد الله ما بين الركن والمقام وهو خطأ لم يتابع عليه فالرواية في الموطأ وغيره والباب وروى عن ابن عباس مرفوعًا ما بين الركن والباب ملتزم من دعا الله عنده من ذي حاجة أو ذي كربة أو ذي غم فرج عنه قاله ابن عبد البر وفي أبي داود وابن ماجه أن عبد الله بن عمرو بن العاصي طاف ثم قال نعوذ بالله من النار ثم مضى حتى استلم الحجر وقام بين الركن والباب فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطهما ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح المهملة والموحدة الثقيلة ( أنه سمعه يذكر أن رجلاً) لم يسم ( مر على أبي ذر بالربذة) بفتح الراء والموحدة والذال المعجمة ( وأن أبا ذر سأله أين تريد فقال أردت الحج فقال هل نزعك) بزاي ومهملة أي أخرجك ( غيره) قال تعالى { { ونزع يده } } أي أخرجها ( فقال لا قال فائتنف العمل) استقبله لغفر ذنبك ومراده أنه إذا لم يخرج إلا للحج وحده كان أعظم لأجره ( قال الرجل فخرجت حتى قدمت مكة فمكثت) بضم الكاف وفتحها أقمت ( ما شاء الله) أن أمكث ( ثم إذا أنا بالناس منقصفين) أي مزدحمين ( على رجل) حتى كأن بعضهم يقصف بعضًا بدارًا إليه ( فضاغطت) بضاد وغين معجمتين وطاء مهملة زاحمت وضايقت ( عليه الناس) لأن أراه ( فإذا أنا بالشيخ الذي وجدت بالربذة يعني أبا ذر قال فلما رآني عرفني فقال هو الذي حدثتك) قال ابن عبد البر هذا لا يجوز أن يكون مثله رأيًا وإنما يدرك بالتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم قال وفيه أن الله رضي من عباده بقصد بيته مرة في عمر العبد ليحط أوزاره ويغفر ذنوبه ويخرج منها كيوم ولدته أمه كما قال في الحديث الآخر من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وقال ابن مسعود من حج بنية صادقة ونفقة طيبة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وفيه ما كان عليه أبو ذر من الفقه والعلم وقد سئل علي عنه فقال وعاء مليء علمًا عجز الناس عنه وأوكئ عليه فلم يخرج شيئًا ونظر عمر إلى ركب صادرين من الحج فقال لو يعلم الركب ما ينقلبون به من الفضل بعد المغفرة لا تكلوا ولكن ليستأنفوا العمل وسئل الثوري حين دفع الناس من عرفة إلى المزدلفة عن أخسر الناس صفقة وهو يعرض بالظلمة وأهل الفسق فقال أخسر الناس صفقة من ظن أن الله لا يغفر لهؤلاء ( مالك أنه سأل ابن شهاب عن الاستثناء في الحج) وهو أن يشترط أن يتحلل حيث أصابه مانع ( فقال أو يصنع ذلك أحد وأنكر ذلك) وإلى عدم جوازه ونفعه ذهب مالك وأبو حنيفة والأكثرون وكان ابن عمر ينكر الاشتراط في الحج ويقول أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم يحل من كل شيء حتى يحج عامًا قابلاً فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديًا رواه الشيخان والترمذي وغيرهم وذهب الشافعي وأحمد وطائفة إلى جوازه ونفعه لحديث الصحيحين وغيرهما عن عائشة دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب فقالت يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية فقال النبي صلى الله عليه وسلم حجي واشترطي وقولي اللهم محلي حيث حبستني وفي الصحيح عن ابن عباس أن ضباعة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني امرأة ثقيلة وإني أريد الحج فما تأمرني قال أهلي بالحج واشترطي أن محلي حيث تحبسني قال فأدركت وأجاب الأولون بأنها قضية عين خاصة بضباعة إذ لا عموم فيها وتأوله آخرون على أن المراد التحلل بعمرة وكذلك جاء مفسرًا من رواية ابن المسيب أنه صلى الله عليه وسلم أمر ضباعة أن تشترط اللهم الحج أردت فإن تيسر وإلا فعمرة وعن عروة أن عائشة قالت له هل تشترط إذا حججت قال ماذا أقول قالت قل اللهم الحج أردت وله عمدت فإن يسرته فهو الحج وإن حبسني حابس فهو عمرة رواه الشافعي والبيهقي ( سئل مالك هل يحتش الرجل لدابته من الحرم فقال لا) لقوله صلى الله عليه وسلم لا يعضد شجره ولا يختلى خلاه والخلا ما يبس من النبات وقال صلى الله عليه وسلم إلا الإذخر وقيس عليه السنا للحاجة العامة إليه فإن احتش فلا جزاء وقال الشافعي عليه القيمة ويجوز أن يرعى الإبل في الحرم لأنه لا يمكن الاحتراز عنه ولو منع منه امتنع السفر في الحرم والمقام فيه لتعذر الاحتراز عنه قاله الباجي.



رقم الحديث 960 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ الدِّيلِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: عَدَلَ إِلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَنَا نَازِلٌ تَحْتَ سَرْحَةٍ بِطَرِيقِ مَكَّةَ.
فَقَالَ: مَا أَنْزَلَكَ تَحْتَ هَذِهِ السَّرْحَةِ؟ فَقُلْتُ: أَرَدْتُ ظِلَّهَا.
فَقَالَ: هَلْ غَيْرُ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ: لَا مَا أَنْزَلَنِي إِلَّا ذَلِكَ.
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا كُنْتَ بَيْنَ الْأَخْشَبَيْنِ مِنْ مِنًى، وَنَفَخَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، فَإِنَّ هُنَاكَ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ السِّرَرُ.
بِهِ شَجَرَةٌ سُرَّ تَحْتَهَا سَبْعُونَ نَبِيًّا.


( جامع الحج)

( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم وللنسائي من طريق يحيى القطان عن مالك حدثني الزهري ( عن عيسى بن طلحة) بن عبيد الله القرشي التيمي المدني أبي محمد ثقة فاضل مات سنة مائة وأبوه طلحة أحد العشرة وفي رواية ابن جريج عند مسلم وصالح بن كيسان عند البخاري كلاهما عن ابن شهاب قال حدثني عيسى بن طلحة ( عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ( ابن العاصي) بالياء وحذفها والإثبات أصح وفي رواية ابن جريج حدثني عبد الله وللبخاري عنه أن عبد الله حدثه وكذا في رواية صالح أن عبد الله حدثه ( أنه قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم) على ناقته كما في رواية صالح عند البخاري ويونس عند مسلم بلفظ على راحلته ومعمر عند أحمد والنسائي كلهم عن ابن شهاب فرواية يحيى القطان عن مالك جلس في حجة الوداع فقام رجل محمول على أنه ركب ناقته وجلس عليها ( للناس بمنى) زاد التنيسي والنيسابوري وغيرهما في حجة الوداع وفي رواية وقف عند الجمرة وأخرى فخطب يوم النحر قال عياض جمع بعضهم بأنه موقف واحد ومعنى خطب أي علم الناس لا أنها من خطب الحج المشروعة قال ويحتمل أن ذلك في موطنين أحدهما على راحلته عند الجمرة ولم يقل في هذا خطب والثاني يوم النحر بعد صلاة الظهر وذلك في وقت الخطبة المشروعة من خطب الحج يعلم الإمام فيها الناس ما بقي عليهم من مناسكهم وصوب النووي هذا الثاني قال الحافظ فإن قيل لا فرق بين الاحتمالين فإنه ليس في شيء من طريق حديث ابن عمرو وابن عباس بيان الوقت الذي خطب فيه من النهار قلنا نعم لم يقع التصريح بذلك لكن في رواية ابن عباس أن بعض السائلين قال رميت بعد ما أمسيت فدل على أن القصة كانت بعد الزوال لإطلاق المساء على ما بعده فكأن السائل علم أن السنة رمي الجمرة ضحى فلما أخرها إلى الزوال سأل عنه على أن حديث ابن عمرو مخرجه واحد لا يعرف إلا من طريق الزهري ولا خلاف فيه بين أصحابه غايته أن بعضهم ذكر ما لم يذكره الآخر واجتمع من مرويهم ومروي ابن عباس أن ذلك كان يوم النحر بعد الزوال وهو على راحلته يخطب عند الجمرة فإذا تقرر ذلك تعين أنها الخطبة المشروعة لتعلم بقية المناسك فليس قوله خطب مجازًا عن مجرد التعليم بل هي حقيقية ولا يلزم من وقوعه عند الجمرة أن يكون حينئذ رماها ففي البخاري وغيره عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات فذكر خطبته فلعل ذلك وقع بعد أن أفاض ورجع إلى منى انتهى وقال الأبي ترجم البخاري الفتيا على الدابة عند الجمرة فهو يدل على أنها لم تكن خطبة ( والناس يسألونه) وفي رواية فجعلوا يسألونه وأخرى فطفق ناس يسألونه ( فجاءه رجل) قال الحافظ لم أقف على اسمه بعد البحث الشديد ولا على اسم أحد ممن سأل في هذه القصة وكانوا جماعة لكن في حديث أسامة بن شريك عند الطحاوي وغيره كان الأعراب يسألونه فكان هذا هو السبب في عدم ضبط أسمائهم ( فقال له يا رسول الله لم أشعر) بضم العين أي أفطن يقال شعرت بالشيء شعورًا إذا فطنت له وقيل الشعور العلم ولم يفصح في رواية مالك بمتعلق الشعور وبينه يونس عند مسلم بلفظ لم أشعر أن الرمي قبل الحلق ( فحلقت) شعر رأسي ( قبل أن أنحر) وفي رواية قبل أن أذبح والفاء سببية جعل الحلق مسببًا عن عدم الشعور كأنه يعتذر لتقصيره ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انحر) وفي رواية اذبح ( ولا حرج) قال عياض ليس أمرًا بالإعادة وإنما هو إباحة لما فعل لأنه سأل عن أمر فرغ منه فالمعنى افعل ذلك متى شئت ونفي الحرج بين في رفع الفدية عن العامد والساهي وفي رفع الإثم عن الساهي وأما العامد فالأصل أن تارك السنة عمدًا لا يأثم إلا أن يتهاون فيأثم للتهاون لا للترك ( ثم جاءه آخر فقال يا رسول الله لم أشعر) أفطن أو أعلم زاد يونس أن الرمي قبل النحر ( فنحرت) الهدي ( قبل أن أرمي) الجمرة ( قال ارم ولا حرج) أي لا ضيق عليك في ذلك زاد في رواية ابن جريج في الصحيحين وأشباه ذلك وفي رواية محمد بن أبي حفصة عن الزهري عند مسلم وقال آخر أفضت إلى البيت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج وفي رواية معمر عند أحمد زيادة الحلق قبل الرمي فحاصل ما في حديث عبد الله بن عمرو السؤال عن أربعة أشياء الحلق قبل الذبح والنحر قبل الرمي والحلق قبل الرمي والإفاضة قبل الرمي والأوليان في حديث ابن عباس أيضًا في الصحيح وللدارقطني من حديثه أيضًا السؤال عن الحلق قبل الرمي وكذا في حديث جابر وأبي سعيد عند الطحاوي وفي حديث علي عند أحمد السؤال عن الإفاضة قبل الحلق وفي حديثه عند الطحاوي السؤال عن الرمي والإفاضة معًا قبل الحلق وفي حديث جابر عند ابن حبان وغيره السؤال عن الإفاضة قبل الذبح وفي حديث أسامة بن شريك السؤال عن السعي قبل الطواف وهو محمول على من سعى بعد طواف القدوم ثم طاف طواف الإفاضة فإنه يصدق عليه أنه سعى قبل الطواف أي الركن فهذا ما تحرر من مجموع الأحاديث وبقي عدة صور لم يذكرها الرواة إما اختصارًا وإما لأنها لم تقع وبلغت بالتقسيم أربعًا وعشرين صورة منها صورة الترتيب المتفق عليها وهي رمي جمرة العقبة ثم نحر الهدي أو ذبحه ثم الحلق أو التقصير ثم طواف الإفاضة وفي الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزله بمنى فنحر وقال للحالق جز ولأبي داود رمى ثم نحر ثم حلق أجمع العلماء على مطلوبية هذا الترتيب إلا أن ابن الجهم استثنى القارن فقال لا يحلق حتى يطوف كأنه لا حظ أنه في عمل العمرة والعمرة يتأخر فيها الحلق عن الطواف ورد عليه النووي وأجمع العلماء على الإجزاء في التقديم والتأخير إلا أنهم اختلفوا في الدم فأوجبه مالك في تقديم الإفاضة على الرمي لأنه لم يقع في روايته حديث الباب ولا يلزم بزيادة غيره لأنه أثبت الناس في ابن شهاب وأوجب الفدية في تقديم الحلق على الرمي لوقوعه قبل شيء من التحلل وذلك أبو حنيفة إلى أن الترتيب واجب وعليه الدم في كل المخالفة وتأول لا حرج على نفي الإثم لأنه فعل على الجهل لا القصد فأسقط الحرج وعذرهم لعدم العلم بدليل قول السائل لم أشعر وذهب الجمهور والشافعي وأحمد في رواية إلى الجواز وعدم وجوب الدم في شيء لعموم قوله ( قال) عبد الله بن عمرو ( فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد في رواية يومئذ ( عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج) عليك فإنه ظاهر في نفي الإثم والفدية والدم لأن اسم الضيق يشمل ذلك قال الطحاوي لكن يحتمل أنه لا إثم في ذلك الفعل لمن كان ناسيًا أو جاهلاً أي كالسائلين قال وأما من تعمد المخالفة فيجب عليه الفدية وتعقب بأن وجوبها يحتاج إلى دليل ولو وجبت لبينه صلى الله عليه وسلم حينئذ وقت الحاجة فلا يجوز تأخيره قال الطبري ولم يسقط النبي صلى الله عليه وسلم الحرج إلا وقد أجزأ الفعل إذ لو لم يجز لأمره بالإعادة لأن الجهل والنسيان لا يضعان الحكم اللازم في الحج كما لو ترك الرمي ونحوه فلا يأثم بتركه جاهلاً أو ناسيًا لكن تجب عليه الإعادة قال والعجب ممن يحمل قوله ولا حرج على نفي الإثم فقط ثم يخص ذلك ببعض الأمور دون بعض فإن كان الترتيب واجبًا يجب بتركه دم فليكن في الجميع وإلا فما وجه تخصيص بعض دون بعض مع تعميم الشارع الجميع بنفي الحرج كذا قال وجوابه إن مالكًا خص من العموم تقديم الحلق على الرمي فأوجب فيه الفدية لعلة أخرى وهي إلقاء التفث قبل فعل شيء من التحلل وقد أوجب الله ورسوله الفدية على المريض أو من برأسه أذى إذا حلق قبل محل الحلق مع جواز ذلك له لضرورته فكيف بالجاهل والناسي وخص منه أيضًا تقديم الإفاضة على الرمي لئلا يكون وسيلة إلى النساء والصيد قبل الرمي ولأنه خلاف الواقع منه صلى الله عليه وسلم وقد قال خذوا عني مناسككم ولم يثبت عنده زيادة ذلك في حديث الباب فلا يلزمه زيادة غيره وهو أثبت الناس في ابن شهاب ومحل قبول زيادة الثقة ما لم يكن من لم يزدها أوثق منه وابن أبي حفصة الذي روى ذلك عن ابن شهاب وإن كان صدوقًا وروى له الشيخان لكنه يخطئ بل ضعفه النسائي واختلف قول ابن معين في تضعيفه وكان يحيى بن سعيد يتكلم فيه وقال أحمد في رواية إن كان ناسيًا أو جاهلاً فلا شيء عليه وإن كان عالمًا فلا لقوله لم أشعر وأجيب بأن الترتيب لو وجب لما سقط بالسهو كالترتيب بين السعي والطواف إذ لو سعى قبله وجبت إعادة السعي لكن قال ابن دقيق العيد ما قاله أحمد قوي لأن الدليل دل على وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم في الحج لقوله خذوا عني مناسككم وهذه الأحاديث المرخصة قد قرنت بقول السائل لم أشعر فيختص الحكم بهذه الحالة وتبقى حالة العمد على أصل وجوب الاتباع في الحج وأيضًا الحكم إذا رتب على وصف يمكن أنه معتبر لم يجز طرحه ولا شك أن عدم الشعور وصف مناسب لعدم المؤاخذة وقد علق به الحكم فلا يمكن طرحه بإلحاق العمد به إذ لا يساويه والتمسك بقوله فما سئل إلخ لإشعاره بأن الترتيب مطلقًا غير مراعى جوابه إن هذا الإخبار من الراوي يتعلق بما وقع السؤال عنه وهو مطلق بالنسبة إلى حالة السائل والمطلق لا يدل على أحد الخاصين فلا يبقى فيه حجة في حالة العمد انتهى وفيه وجوب اتباع أفعاله صلى الله عليه وسلم لأن الذين خالفوه لما علموا سألوا عن حكم ذلك وجواز سؤال العالم واقفًا وراكبًا ولا يعارضه ما روي عن مالك من كراهة ذكر العلم والحديث في الطريق لأن الوقوف بمنى لا يعد من الطرق لأنه موقف عبادة وذكر ووقت حاجة إلى التعلم خوف الفوات إما بالزمان أو المكان وأخرجه البخاري في العلم عن إسماعيل وهنا عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى الثلاثة عن مالك وتابعه جماعة عن ابن شهاب به في الصحيحين وغيرهما ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل) بقاف ثم فاء بزنة رجع ومعناه ( من غزو أو حج أو عمرة يكبر) الله تعالى ( على كل شرف) بفتح المعجمة والراء ثم فاء أي مكان عال ( من الأرض) ولمسلم من رواية عبيد الله عن نافع إذا أوفى على ثنية أو فدفد كبر أي ارتفع على ثنية بمثلثة فنون فتحتية هي العقبة وفدفد بفتح الفاءين بعد كل دال مهملة الأشهر أنه المكان المرتفع وقيل الأرض المستوية وقيل الفلاة الخالية من شجر وغيره وقيل غليظ الأودية ذات الحصى ( ثلاث تكبيرات) قال الطيبي وجه التكبير على الأماكن العالية هو ندب الذكر عند تجدد الأحوال والتقلبات وكان صلى الله عليه وسلم يراعي ذلك في الزمان والمكان وقال الحافظ الزين العراقي مناسبته أن الاستعلاء محبوب للنفس وفيه ظهور وغلبة فينبغي للمتلبس به أن يذكر عنده أن الله أكبر من كل شيء ويكرر ذلك ويستمطر منه المزيد ( ثم يقول لا إله إلا الله) بالرفع على الخبرية بلا أو على البدلية من الضمير المستتر في الخبر المقدر أو من اسم لا باعتبار محله قبل دخولها ( وحده) حال أي منفردًا ( لا شريك له) عقلاً لاستحالته ونقلاً { { وإلهكم إله واحد } } في آيات أخر وهو تأكيد لوحده لأن المتصف بها لا شريك له ( له الملك) بضم الميم السلطان والقدرة وأصناف المخلوقات ( وله الحمد) زاد في رواية للطبراني يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير ( وهو على كل شيء قدير) قال الحافظ يحتمل أنه كان يأتي بهذا الذكر عقب التكبير على المكان المرتفع ويحتمل أنه يكمل الذكر مطلقًا ثم يأتي بالتسبيح إذا هبط قال القرطبي وفي تعقيب التكبير بالتهليل إشارة إلى أنه المنفرد بإيجاد جميع الموجودات وأنه المعبود في جميع الأماكن ( آيبون) بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي نحن آيبون جمع آيب بوزن راجع ومعناه أي راجعون إلى الله وليس المراد الإخبار بمحض الرجوع فإنه تحصيل الحاصل بل الرجوع في حالة مخصوصة وهي تلبسهم بالعبادة المخصوصة والاتصاف بالأوصاف المذكورة ( تائبون) من التوبة وهي الرجوع عما هو مذموم شرعًا إلى ما هو محمود شرعًا وفيه إشارة إلى التقصير في العبادة وقاله صلى الله عليه وسلم تواضعًا أو تعليمًا لأمته أو المراد أمته وقد تستعمل التوبة لإرادة الاستمرار على الطاعة فيكون المراد أن لا يقع منهم ذنب ( عابدون ساجدون لربنا حامدون) كلها رفع بتقدير نحن وقوله لربنا متعلق بساجدون أو بسائر الصفات على طريق التنازع ( صدق الله وعده) فيما وعد به من إظهار دينه بقوله { { وعدكم الله مغانم كثيرة } } وقوله تعالى { { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض } } الآية وهذا في سفر الغزو ومناسبته للحج والعمرة قوله { { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } } ( ونصر عبده) محمدًا صلى الله عليه وسلم ( وهزم الأحزاب وحده) من غير فعل أحد من الآدميين ولا سبب من جهتهم وهذا معنى الحقيقة فإن العبد وفعله خلق لربه والكل منه وإليه ولو شاء أن يبيد الكفار بلا قتال لفعل وفيه التفويض إلى الله تعالى قيل الأحزاب هنا كفار قريش ومن وافقهم الذين تحزبوا أي تجمعوا في غزوة الخندق ونزل فيهم سورة الأحزاب وقيل المراد أعم من ذلك أي أحزاب الكفار في جميع الأيام والمواطن قال النووي والمشهور الأول قيل فيه نظر لأنه يتوقف على أن هذا الذكر إنما شرع من بعد الخندق وأجيب بأن غزواته صلى الله عليه وسلم التي خرج فيها بنفسه محصورة والمطابق منها لذلك غزوة الخندق لظاهر قوله تعالى { { ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال } } وقوله قبل ذلك { { إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها } } الآية وأصل الحزب القطعة المجتمعة من الناس فاللام إما جنسية أي كل من تحزب من الكفار وإما عهدية والمراد من تقدم وهو الأقرب قال القرطبي ويحتمل أن يكون هذا الخبر بمعنى الدعاء أي اللهم اهزم الأحزاب والأول أظهر ثم ظاهر الحديث اختصاص ذلك بالغزو والحج والعمرة والجمهور على أنه يشرع قول ذلك في كل سفر طاعة كصلة رحم وطلب علم لما يشمل الجميع من اسم الطاعة وإنما اقتصر الصحابي على الثلاث لانحصار سفره صلى الله عليه وسلم فيها وقيل يتعدى أيضًا إلى السفر المباح لأن المسافر فيه لا ثواب له فلا يمتنع عليه فعل ما يحصل له الثواب وقيل يشرع في سفر المعصية أيضًا لأن مرتكبها أحوج إلى تحصيل الثواب من غيره وتعقب بأن الذي يخصه بسفر الطاعة لا يمنع من سافر في مباح ولا معصية من الإكثار من ذكر الله وإنما النزاع في خصوص هذا الذكر في هذا الوقت المخصوص فذهب قوم إلى الاختصاص لكونها عبادات مخصوصة شرع لها ذكر مخصوص فتختص به كالذكر المأثور عقب الأذان وعقب الصلاة انتهى وفيه جواز السجع في الدعاء والكلام بلا تكلف وإنما ينهى عن المتكلف لأنه يشغل عن الإخلاص ويقدح في النية ورواه البخاري هنا عن عبد الله بن يوسف وفي الدعوات عن إسماعيل ومسلم من طريق معن الثلاثة عن مالك به وتابعه عبيد الله وأيوب والضحاك عن نافع عند مسلم ( مالك عن إبراهيم بن عقبة) بالقاف ابن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني وثقه أحمد وابن معين والنسائي وروى عنه أيضًا السفيانان وحماد بن زيد وابن المبارك وآخرون وقال ابن عبد البر ثقة حجة أسن من أخيه موسى ومحمد أسن منه وسمع إبراهيم من أم خالد بنت خالد بن سعيد وهي من المبايعات وزعم ابن معين أنهم مواليها لم يتابع عليه والصواب أنهم موالي آل الزبير كما قال مالك والبخاري وغيرهما له في الموطأ مرفوعًا هذا الحديث الواحد ( عن كريب مولى عبد الله بن عباس) مرسلاً عند أكثر رواة الموطأ ووصله الشافعي وابن وهب ومحمد بن خالد وأبو مصعب وعبد الله بن يوسف فزادوا ( عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بامرأة) ولمسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم لقي ركبًا بالروحاء فقال من القوم فقالوا المسلمون فقالوا من أنت قال رسول الله فرفعت إليه امرأة صبيًا ( وهي في محفتها) بكسر الميم كما جزم به الجوهري وغيره وحكى في المشارق الكسر والفتح بلا ترجيح شبه الهودج إلا أنه لا قبة عليها ( فقيل لها هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بضبعي صبي) بفتح الضاد المعجمة وإسكان الموحدة وفتح العين مثنى وهما باطنًا الساعد ( كان معها) ولأبي داود ففزعت امرأة فأخذت بعضد صبي فأخرجته من محفتها وهو بكسر الزاي أي ذعرت خوفًا أن يفوتها المصطفى ويتعذر عليها سؤاله ويحتمل أن المراد بالفزع هنا الاستغاثة والالتجاء أي استغاثت به أو بادرت أو قصدته صلى الله عليه وسلم ( فقالت ألهذا حج يا رسول الله قال نعم) له حج وزادها على السؤال ( ولك أجر) ترغيبًا لها قال عياض والأجر لها فيما تتكلفه من أمره في ذلك وتعليمه وتجنيبه ما يجتنب المحرم وقال عمر وكثيرون إن الصبي يثاب وتكتب حسناته دون السيئات واختلف هل هو مخاطب على وجه الندب أو إنما المخاطب الولي بحمله على أدب الشريعة للتمرين وهذا هو الصحيح وعلى هذا فلا يبعد أن الله سبحانه يدخر للصبي ثواب ما عمل قال النووي والصبي الذي يحرم عنه الولي الصحيح عندنا أنه الولي الذي له النظر في ما له من أب أو جد أو وصي أو مقدم قاض أو ناظر ولا يصح إحرام الأم عنه إلا أن تكون وصية أو مقدمة من القاضي وقيل يصح إحرامها وإحرام العصبة وإن لم يكن لهم نظر في المال نقله الأبي وأقره وهو مقتضى مذهب مالك رحمه الله قال الشيخ ولي الدين لا يصح الاستدلال بهذا الحديث على صحة الإحرام عنه مطلقًا لاحتمال أن هذا الصبي كان مميزًا فأحرم هو عن نفسه وعلى تقدير أنه لم يميز فلعل له وليًا أحرم عنه وعلى تقدير أنها التي أحرمت فلعلها ولية مال وفيه المبادرة إلى استفتاء العلماء والأخذ عنهم قبل فواتهم وجواز ركوب المحفة والمحمل وإن كان الأفضل الركوب على القتب في حق من أطاقه لكن الظاهر أن المحمل في حق المرأة أولى لأنه أستر لها وفيه مشروعية الحج بالصغار وبه قال الأئمة قال ابن عبد البر وعليه جمهور العلماء في كل قرن وقالت طائفة لا يحج بهم وهو قول لا يشتغل به ولا يعرج عليه وقال عياض لا خلاف بين العلماء في جواز الحج بالصبيان وإنما منعه طائفة من أهل البدع لا يلتفت إليهم بل هو مردود بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإجماع الأمة وفيه انعقاد حج الصبي وصحته ووقوعه نفلاً وأنه مثاب عليه فيجتنب ما يجتنبه الكبير مما يمنعه الإحرام ويلزمه من الفدية والهدي ما يلزمه وبه قال الأئمة الثلاثة والجمهور وقال أبو حنيفة لا ينعقد وإنما يجنب من ذلك ويفعل للتمرين ليفعله إذا بلغ قال المازري وغيره والحديث حجة للجمهور وتأوله الحنفية على أنه إنما يفعل به ذلك للتمرين واحتمال أن الصبي كان بالغًا لا يصح إذ لا فائدة لقولها ألهذا حج على أنه في بعض طرق الحديث صرح بأنه صغير ويدل عليه رفعها له إذ لا يرفع الكبير ويدل له أيضًا فأخذت بضبعي صبي وهي في محفة وفي رواية فأخرجته من محفتها قال عياض وأجمعوا على أنه لا يجزيه إذا بلغ عن حجة الفرض إلا فرقة شذت فقالت يجزيه ولم يلتفت العلماء إلى قولها وحكى ابن عبد البر عن داود في المملوك البالغ إذا حج قبل عتقه يجزئه عن حجة الإسلام دون الصبي وفرق بخطاب المملوك عنده به والصبي غير مخاطب وجمهور العلماء على أن العبد لا يخاطب بالحج وأنه لا يجزئه عن الفرض كالصبي وهذا الحديث رواه النسائي من طريق محمد بن خالد وابن وهب والطحاوي وغيره من طريق الشافعي وابن عبد البر من طريق ابن أبي مصعب الأربعة عن مالك به متصلاً وتابعه سفيان بن عيينة عند مسلم وأبي داود والنسائي وغيرهم ولم يختلف عليه في اتصاله وعبد العزيز بن أبي سلمة وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة كلاهما عند البيهقي موصولاً وأخوه موسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق رواهما ابن عبد البر متصلاً وسفيان الثوري مرسلاً في رواية ابن مهدي عنه عند مسلم وموصولاً في رواية أبي نعيم الفضل بن دكين عنه عند النسائي فاختلف عليه في وصله وإرساله كما اختلف على مالك في ذلك والظاهر أن كلاً من مالك وشيخه إبراهيم حدث به على الوجهين فإن الرواة عن كل منهما بالوصل والإرسال حفاظ ثقات ويقوي ذلك أنه اختلف على ابن القاسم فرواه سحنون عنه عن مالك مرسلاً ورواه يوسف بن عمرو والحارث بن مسكين عنه عن مالك متصلاً فكأنه سمعه من مالك بالوجهين وقد أخرجه مسلم بالوجهين من طريق السفيانين وكأن البخاري ترك تخريجه في صحيحه لهذا الاختلاف لكن قال ابن عبد البر من وصل هذا الحديث وأسنده فقوله أولى وأصح والحديث صحيح مسند ثابت الاتصال لا يضره تقصير من قصر به لأن الذين أسندوه حفاظ ثقات انتهى وسبقه إلى ذلك الإمام أحمد فصحح وصله ( مالك عن إبراهيم بن أبي عبلة) بفتح المهملة وسكون الموحدة واسمه شمر بكسر المعجمة ابن يقظان العقيلي ثم الشامي يكنى أبا إسماعيل ثقة تابعي سمع أنسًا وأبا أمامة ووائلة سكن الشام وبها مات سنة اثنين أو إحدى وخمسين ومائة لمالك عنه مرفوعًا هذا الحديث الواحد ( عن طلحة بن عبيد الله) بضم العين ( ابن كريز) بفتح الكاف وكسر الراء وإسكان التحتية وزاي منقوطة الخزاعي وثقه أحمد والنسائي يكنى أبا المطرف وهو تابعي مات بالشام سنة ثمان عشرة ومائة ووهم من ظنه أحد العشرة لأنه تيمي واسم جده عثمان وهذا خزاعي وجده كريز فحديثه مرسل وزعم ابن الحذاء أنه من الغرائب التي لم يوجد لها إسناد ولا نعلم أحدًا أسنده من قصوره الشديد فقد وصله الحاكم في المستدرك عن أبي الدرداء ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما رئي) بالبناء للمجهول ( الشيطان يومًا) أي في يوم ( هو فيه أصغر) أي أذل ( ولا أدحر) بإسكان الدال وفتح الحاء وبالراء مهملات أي أبعد عن الخير قال تعالى { { مدحورًا } } أي مبعدًا من رحمة الله ( ولا أحقر) أذل وأهون عند نفسه لأنه عند الناس حقير أبدًا ( ولا أغيظ) أشد غيظًا محيطًا بكبده وهو أشد الحنق ( منه في يوم عرفة وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة) أي الملائكة النازلين بها على الواقفين بعرفة وهو لعنة الله لا يحب ذلك وليس المراد أنه يرى الرحمة نفسها ولعله رأى الملائكة تبسط أجنحتها بالدعاء للحاج ويحتمل أنه سمع الملائكة تقول غفر لهؤلاء أو نحو ذلك فعلم أنهم نزلوا بالرحمة ورؤيته الملائكة للغيظ لا للإكرام قاله أبو عبد الملك البوني ( وتجاوز الله عن الذنوب العظام) الكبائر التي زينها لهم لعنه الله وكان يود أن يهلكهم بها وانتقالهم منها إلى الكفر لأنها كما قيل بريده فيخلدوا في العذاب الأليم مثله ( إلا ما أري يوم بدر) أول غزوة وقع فيها القتال وكانت في ثانية الهجرة ( قيل وما رأى يوم بدر يا رسول الله قال أما) بالتخفيف ( إنه قد رأى جبريل يزع) بفتح الياء والزاي المنقوطة وعين مهملة أي يصف ( الملائكة) للقتال ويمنعهم أن يخرج بعضهم عن بعض في الصف قال الشاعر

ولا يزع النفس اللحوح عن الهوى
من الناس إلا وافر العقل كامله

وقيل معناه يكفهم قال ابن حبيب وليس كذلك إذ لو رأى ذلك لأحبه ولكنه رآه يعبيهم للقتال والمعبي يسمى وازعًا ومنه قوله تعالى { { وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } } أي يحبس أولهم على آخرهم وفيه فضل الحج وشهود عرفة وسعة فضل الله على المذنبين وفي مسلم والنسائي وابن ماجه عن عائشة مرفوعًا ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبيدًا من النار من يوم عرفة وأنه ليدنو ويتجلى ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء ولأحمد وصححه ابن حبان والحاكم عن أبي هريرة رفعه إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء فيقول لهم انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثًا غبرًا وروى ابن خزيمة وابن حبان والبزار وأبو يعلى والبيهقي عن جابر رفعه ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثًا غبرًا ضاجين جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عقابي فلم ير يوما أكثر عتقًا من النار من يوم عرفة زاد البيهقي فتقول الملائكة إن فلانًا فيهم وهو مرهق فيقول الله عز وجل قد غفرت له ( مالك عن زياد بن أبي زياد) ميسرة المدني الثقة العابد ( مولى عبد الله بن عياش) بتحتية ومعجمة ( ابن أبي ربيعة) القرشي المخزومي الصحابي ابن الصحابي ( عن طلحة بن عبيد الله بن كريز) الخزاعي فكافه مفتوحة وأما بضمها ففي عبد شمس من قريش قال ابن عبد البر لا خلاف عن مالك في إرساله ولا أحفظ بهذا الإسناد مسندًا من وجه يحتج به وأحاديث الفضائل لا تحتاج إلى محتج به وقد جاء مسندًا من حديث علي وابن عمرو ثم أخرج حديث علي من طريق ابن أبي شيبة وجاء أيضًا عن أبي هريرة أخرجه البيهقي هو وحديث ابن عمرو ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفضل الدعاء) مبتدأ خبره ( دعاء يوم عرفة) قال الباجي أي أعظمه ثوابًا وأقربه إجابة ويحتمل أن يريد به اليوم ويحتمل أن يريد الحاج خاصة ( وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي) ولفظ حديث علي أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له) زاد في حديث أبي هريرة له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير وكذا في حديث علي لكن ليس فيه يحيي ويميت قال ابن عبد البر يريد أنه أكثر ثوابًا ويحتمل أن يريد أفضل ما دعا به والأول أظهر لأنه أورده في تفضيل الأذكار بعضها على بعض والنبيون يدعون بأفضل الدعاء قال وفيه تفضيل الدعاء بعضه على بعض والأيام بعضها على بعض وأن ذلك أفضل الذكر لأنها كلمة الإسلام والتقوى وإليه ذهب جماعة وقال آخرون أفضله الحمد لله رب العالمين لأن فيه معنى الشكر وفيه من الإخلاص ما في لا إله إلا الله وافتتح الله كلامه به وختم به وهو آخر دعوى أهل الجنة وروت كل فرقة بما قالت أحاديث كثيرة وساق جملة منها في التمهيد وقدم الإمام هذا الحديث بسنده ومتنه في الدعاء وقدمت ثمة أنه وقع في تجريد الصحاح لرزين بن معاوية الأندلسي زيادة في أول هذا الحديث هي أفضل الأيام يوم عرفة وافق يوم جمعة وهو أفضل من سبعين حجة في غير يوم الجمعة وأفضل الدعاء إلخ قال الحافظ حديث لا أعرف حاله لأنه لم يذكر صحابيه ولا من خرجه بل أدرجه في حديث الموطأ هذا وليست هذه الزيادة في شيء من الموطآت فإن كان له أصل احتمل أن يريد بالسبعين التحديد أو المبالغة في الكثرة وعلى كل حال منهما تثبت المزية انتهى وفي الهدي لابن القيم ما استفاض على ألسنة العوام أن وقفة الجمعة تعدل ثنتين وسبعين حجة فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة والتابعين انتهى ( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري له في الموطأ مرفوعًا مائة واحد وثلاثون حديثًا منها ( عن أنس بن مالك) الأنصاري خمسة أحاديث هذا ثالثها ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح) في رمضان سنة ثمان ( وعلى رأسه المغفر) بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الفاء ثم راء قال صاحب المحكم ما يجعل من فضل درع الحديد على الرأس مثل القلنسوة وقال في التمهيد ما غطى الرأس من السلاح كالبيضة وشبهها من حديد كان أو غيره وقد زاد بشر بن عمر عن مالك من حديد ولا أعلم أحدًا ذكره غيره ولعله أراد في الموطأ وإلا فقد رواه خارجه عشرة عن مالك كذلك أخرجها الدارقطني ولمسلم وأحمد وأصحاب السنن عن جابر دخل صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام ورواه ابن عبد البر من طريق مالك عن أبي الزبير عن جابر وقال إنه غريب عن مالك ولا معارضة بينه وبين حديث أنس لإمكان أن المغفر فوق العمامة انتهى أي وهي تحته وقاية لرأسه من صدأ الحديد قال غيره أو كانت العمامة السوداء ملفوفة فوق المغفر إشارة للسؤدد وثبات دينه وأنه لا يغير وجمع عياض باحتمال أن يكون أول دخوله كان على رأسه المغفر ثم أزاله ولبس العمامة بعد ذلك فحكى كل من أنس وجابر ما رآه ويؤيده أن في حديث عمرو بن حريث أنه صلى الله عليه وسلم خطب الناس وعليه عمامة سوداء رواه مسلم وكانت الخطبة عند باب الكعبة وذلك بعد تمام الدخول فزعم الحاكم في الإكليل تعارض الحديثين متعقب لأنه إنما يتحقق التعارض إذا لم يمكن الجمع وقد أمكن هنا بثلاث وجوه حسان ( فلما نزعه) أي المغفر ( جاءه رجل) قال الحافظ لم يسم وكأن مراده في رواية وإلا فقد جزم الفاكهاني في شرح العمدة والكرماني بأنه أبو برزة وكذا ذكره ابن طاهر وغيره وقيل سعيد بن حريث ( فقال له يا رسول الله ابن خطل) بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة ولام اسمه عبد العزى فلما أسلم سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله ومن قال اسمه هلال التبس عليه بأخ له يسمى بذلك وهو أحد من أهدر دمه يوم الفتح وقال لا أؤمنهم في حل ولا حرم ( متعلق بأستار الكعبة) وذلك كما ذكر الواقدي أنه خرج إلى الخندمة ليقاتل على فرس وبيده قناة فلما رأى خيل الله والقتال دخله رعب حتى ما يستمسك من الرعدة فرجع حتى انتهى إلى الكعبة فنزل عن فرسه وطرح سلاحه ودخل تحت أستارها فأخذ رجل من بني كعب سلاحه وفرسه فاستوى عليه وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتلوه) زاد الوليد بن مسلم عن مالك فقتل أخرجه ابن عائذ وصححه ابن حبان وأخرج عمر بن شبة في كتاب مكة عن السائب بن يزيد قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استخرج من تحت أستار الكعبة ابن خطل فضربت عنقه صبرًا بين زمزم ومقام إبراهيم وقال لا يقتل قرشي بعد هذا صبرًا رجاله ثقات إلا أن في أبي معشر مقالاً واختلف هل قاتله سعيد بن حريث أو عمار بن ياسر أو سعد بن أبي وقاص أو سعيد بن زيد أو أبو برزة بفتح الموحدة وإسكان الراء ثم زاي منقوطة مفتوحة الأسلمي وهو أصح ما جاء في تعيين قاتله ورجحه الواقدي وجزم به البلاذري وغيره وتحمل بقية الروايات المخالفة له على أنهم ابتدروا قتله فكان المباشر منهم أبو برزة وجزم ابن هشام في تهذيب السيرة بأن سعيد بن حريث وأبا برزة اشتركا في قتله قال ابن إسحاق وغيره وإنما أمر بقتل ابن خطل لأنه أسلم فبعثه صلى الله عليه وسلم مصدقًا وبعث معه رجلاً من الأنصار وكان معه مولى مسلم يخدمه فنزل منزلاً فأمر المولى أن يذبح تيسًا ويصنع له طعامًا ونام فاستيقظ ولم يصنع له شيئًا فقتله ثم ارتد ولحق بمكة واتخذ قينتين تغنيان له بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم ( قال مالك) جوابًا عن كون المغفر على رأسه ( ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ) أي يوم فتح مكة ( محرمًا) إذ لم يرو أحد أنه تحلل يومئذ من إحرامه وظاهره الجزم بذلك ولا ينافيه قوله ( والله أعلم) لأنها للتبرك والتقوية ووقع في البخاري عن يحيى بن قزعة عن مالك ولم يكن فيما نرى والله أعلم يومئذ محرمًا وقد وراه عبد الرحمن بن مهدي عن مالك جزمًا عند الدارقطني بإسقاط فيما نرى والله أعلم وصرح جابر بما جزم به مالك أو ظنه فقال بغير إحرام كما في مسلم وغيره ودخولها بلا إحرام من الخصائص النبوية عند الجمهور وخالف ابن شهاب فأجاز ذلك لغيره قال أبو عمر لا أعلم من تابعه على ذلك إلا الحسن البصري وروي عن الشافعي والمشهور عنه أنها لا تدخل إلا بإحرام فإن دخلها أساء ولا شيء عليه عنده وعند مالك وجماعة وقال أبو حنيفة وأصحابه عليه حجة أو عمرة وفيه أن الحرم لا يجير من وجب عليه القتل وقال أبو حنيفة لا يجوز وتأول الحديث على أنه كان في الساعة التي أبيح له القتل بها وأجيب بأنه إنما أبيحت له ساعة الدخول حتى استولى عليها وقتل ابن خطل بعد ذلك وتعقب بأن الساعة ما بين أول النهار ودخول وقت العصر كما في مسند أحمد وقتل ابن خطل كان قبل ذلك قطعًا لقوله فلما نزع المغفر وذلك عند استقراره بمكة فلا يستقيم هذا الجواب وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف وفي الجهاد عن إسماعيل وفي المغازي عن يحيى بن قزعة بفتح القاف والزاي والعين المهملة وفي اللباس عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك ومسلم عن القعنبي ويحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد السبعة عن مالك به قال ابن عبد البر حديث انفرد به مالك لا يحفظ عن غيره ولم يروه أحد عن الزهري سواه من طريق صحيح وقد روي عن ابن أخي ابن شهاب عن عمه ولا يكاد يصح وروي أيضًا من غير هذا الوجه ولا يثبت العلماء بالنقل إسنادًا غير إسناد مالك وقد رواه عنه جماعة من الأئمة يطول ذكرهم من أجلهم ابن جريج وكذا قال ابن الصلاح وغيره أن مالكًا تفرد به وقد تعقبه الحافظ الزين العراقي في نكته بأنه ورد من عدة طرق عن ابن شهاب من رواية ابن أخي الزهري عند البزار وأبي أويس عند ابن سعد وابن عدي ومعمر ذكره ابن عدي في الكامل والأوزاعي ذكره المزي قال وروى ابن مسدي في معجم شيوخه أن أبا بكر بن العربي قال لأبي جعفر بن المرخي حين ذكر أنه لا يعرف إلا من حديث مالك عن الزهري قد رويته من ثلاثة عشر طريقًا غير طريق مالك فقالوا له أفدنا هذه الفوائد فوعدهم ولم يخرج لهم شيئًا قال الحافظ في نكته قد استبعد أهل أشبيلية قول ابن العربي حتى قال قائلهم

يا أهل حمص ومن بها أوصيكم
بالبر والتقوى وصية مشفق

فخذوا عن العربي أسمار الدجى
وخذوا الرواية عن إمام متق

إن الفتى ذرب اللسان مهذب
إن لم يجد خبرًا صحيحًا يخلق

وعنى بأهل حمص أهل أشبيلية قال وقد تتبعت طرقه فوجدته كما قال ابن العربي بل أزيد فرويناه من طريق الأربعة الذين ذكرهم شيخنا يعني العراقي ورواية معمر في معجم أبي بكر بن المقري ورواية الأوزاعي في فوائد تمام ومن رواية عقيل بن خالد في معجم أبي الحسين بن جميع ويونس بن يزيد في الإرشاد للخليلي ومحمد بن أبي حفصة في رواة مالك للخطيب وسفيان بن عيينة في مسند أبي يعلى وأسامة بن زيد الليثي في الضعفاء لابن حبان وابن أبي ذئب في الحلية لأبي نعيم وعبد الرحمن ومحمد أبي عبد العزيز في فوائد أبي محمد عبد الله بن إسحاق الخراساني ومحمد بن إسحاق في مسند مالك لابن عدي ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي الموالي في الإفراد للدارقطني وبحر بن كثير السقاء ذكره أبو محمد جعفر الأندلسي نزيل مصر في تخريج له وصالح بن أبي الأخضر ذكره الحافظ أبو ذر الهروي فهؤلاء ستة عشر نفسًا غير مالك رووه عن الزهري وروي من طريق يزيد الرقاشي عن أنس متابعًا للزهري في فوائد أبي الحسين الفراء الموصلي ومن حديث سعد بن أبي وقاص وأبي برزة الأسلمي وهما في سنن الدارقطني وعلي بن أبي طالب في المشيخة الكبرى لأبي محمد الجوهري وسعيد بن يربوع والسائب بن يزيد وهما في مستدرك الحاكم فهذه طرق كثيرة غير طريق مالك عن الزهري عن أنس فكيف يحل لأحد أن يتهم إمامًا من أئمة المسلمين يعني ابن العربي بغير علم ولا اطلاع وذكر نحوه في الفتح وزاد لكن ليس في طرقه شيء على شرط الصحيح إلا طريق مالك وأقربها طريق ابن أخي الزهري ويليها رواية أبي أويس فيحمل قول من قال تفرد به مالك أي بشرط الصحة وقول من قال توبع أي في الجملة انتهى وهذا الحمل أشار إليه ابن عبد البر فيما نقلته أولاً عنه والله أعلم ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر أقبل من مكة) يريد المدينة ( حتى إذا كان بقديد) بضم القاف ( جاءه خبر من المدينة) بالفتنة كما في رواية عبد الرزاق عن عبيد الله عن نافع ( فرجع فدخل مكة بغير إحرام) لقرب الموضع ( مالك عن ابن شهاب بمثل ذلك) واحتج به ابن شهاب والحسن البصري وداود وأتباعه على جواز دخولها بلا إحرام وقالوا إن موجب الإحرام عليه بحج أو عمرة لم يوجبه الله ولا رسوله ولا اتفق عليه وأبى ذلك الجمهور قال ابن وهب عن مالك لست آخذ بقول ابن شهاب وكرهه وقال إنما يكون ذلك على مثل ما عمل ابن عمر من القرب إلا رجلاً يأتي بالفاكهة من الطائف أو ينقل الحطب يبيعه فلا أرى بذلك بأسًا وقال إسماعيل القاضي كره الأكثر دخولها بلا إحرام ورخصوا للحطابين ومن أشبههم ممن يكثر اختلافه إلى مكة ولمن خرج منها يريد بلده ثم بدا له أن يرجع كما صنع ابن عمر وأما من سافر إليها في تجارة أو غيرها فلا يدخلها إلا محرمًا لأنه يأتي الحرم ويؤيد ذلك أنه لو نذر المشي إليها وجب عليه أن يدخلها محرمًا بحج أو عمرة وما دخلها صلى الله عليه وسلم قط إلا محرمًا إلا يوم الفتح ( مالك عن محمد بن عمرو) بفتح العين ( ابن حلحلة) بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة ( الديلي) بكسر الدال وسكون التحتية المدني ( عن محمد بن عمران الأنصاري) قال ابن عبد البر لا أعرفه إلا بهذا الحديث ( عن أبيه) إن لم يكن عمران بن حيان الأنصاري أو عمران بن عوادة فلا أدري من هو ( أنه قال عدل إلي عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( وأنا نازل تحت سرحة) بفتح السين والحاء المهملتين بينهما راء ساكنة شجرة طويلة لها شعب ( بطريق مكة فقال ما أنزلك تحت هذه السرحة فقلت أردت ظلها فقال هل غير ذلك فقلت لا ما أنزلني) تحتها ( إلا ذلك) إرادة ظلها ( فقال عبد الله بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنت بين الأخشبين من منى) قال ابن وهب أراد بهما الجبلين اللذين تحت العقبة بمنى فوق المسجد والأخاشب الجبال وقال إسماعيل الأخاشب يقال إنها اسم لجبال مكة ومنى خاصة ( ونفخ) بخاء معجمة أي أشار ( بيده نحو المشرق) قال البوني أحسب أن ابن عمر ظن أن عمران يعلم الوادي الذي فيه المزدلفة ولذلك ما كرر عليه السؤال ( فإن هناك واديًا يقال له السرر) بضم السين وكسرها ( به شجرة سر تحتها سبعون نبيًا) أي ولدوا تحتها فقطع سرهم بالضم وهو ما تقطعه القابلة من سرة الصبي كما في النهاية وغيرها فقول السيوطي أي قمعت سرتهم إذ ولدوا تحتها مجاز سمى السرسرة لعلاقة المجاورة وقال مالك بشروا تحتها بما يسرهم قال ابن حبيب فهو من السرور أي تنبؤوا تحتها واحدًا بعد واحد فسروا بذلك وبه أقول وفيه التبرك بمواضع النبيين وأخرجه النسائي من طريق ابن القاسم عن مالك به ( مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم) نسبه إلى جده لشهرته وإلا فأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم بمهملة وزاي ( عن ابن أبي مليكة) هو عبد الله بفتح العين ابن عبيد الله بضمها ابن عبد الله بفتحها ابن أبي مليكة بضم الميم بالتصغير يقال اسمه زهير التيمي مولى عبد الله بن جدعان أدرك ثلاثين من الصحابة وكان ثقة فقيهًا مات سنة سبع عشرة ومائة ( أن عمر بن الخطاب مر بامرأة مجذومة) أصابها داء الجذام يقطع اللحم ويسقطه ( وهي تطوف بالبيت فقال لها يا أمة الله لا تؤذي الناس) بريح الجذام ( لو جلست في بيتك) كان خيرًا لك أو لو للتمني فلا جواب لها ( فجلست فمر بها رجل) لم يسم ( بعد ذلك فقال لها إن الذي قد نهاك قد مات فاخرجي) لعله جاهل أو رجل سوء أو يكون مختبرًا لها قاله أبو عبد الملك ( فقالت ما كنت لأطيعه حيًا وأعصيه ميتًا) لأنه إنما أمر بحق قال أبو عمر فيه أنه يحال بين المجذوم ومخالطة الناس لما فيه من الأذى وهو لا يجوز وإذا منع آكل الثوم من المسجد وكان ربما أخرج إلى البقيع في العهد النبوي فما ظنك بالجذام وهو عند بعض الناس يعدي وعند جميعهم يؤذي وألان عمر للمرأة القول بعد أن أخبرها أنها تؤذي لأنه لم يتقدم إليها ورحمها للبلاء الذي بها وقد عرف منه أنه كان يعتقد أن شيئًا لا يعدي وكان يجالس معيقيبًا الدوسي ويؤاكله ويشاربه وربما وضع فمه على موضع فمه وكان على بيت ماله ولعله علم من عقلها ودينها أنها تكتفي بإشارته فلم يحتج إلى نهيها ألم تر إلى أنه لم تخط فراسته فيها فأطاعته حيًا وميتًا ( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقول ما بين الركن والباب الملتزم) هكذا رواه ابن وضاح عن يحيى وهو الصواب وفي رواية ابنه عبيد الله ما بين الركن والمقام وهو خطأ لم يتابع عليه فالرواية في الموطأ وغيره والباب وروى عن ابن عباس مرفوعًا ما بين الركن والباب ملتزم من دعا الله عنده من ذي حاجة أو ذي كربة أو ذي غم فرج عنه قاله ابن عبد البر وفي أبي داود وابن ماجه أن عبد الله بن عمرو بن العاصي طاف ثم قال نعوذ بالله من النار ثم مضى حتى استلم الحجر وقام بين الركن والباب فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطهما ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح المهملة والموحدة الثقيلة ( أنه سمعه يذكر أن رجلاً) لم يسم ( مر على أبي ذر بالربذة) بفتح الراء والموحدة والذال المعجمة ( وأن أبا ذر سأله أين تريد فقال أردت الحج فقال هل نزعك) بزاي ومهملة أي أخرجك ( غيره) قال تعالى { { ونزع يده } } أي أخرجها ( فقال لا قال فائتنف العمل) استقبله لغفر ذنبك ومراده أنه إذا لم يخرج إلا للحج وحده كان أعظم لأجره ( قال الرجل فخرجت حتى قدمت مكة فمكثت) بضم الكاف وفتحها أقمت ( ما شاء الله) أن أمكث ( ثم إذا أنا بالناس منقصفين) أي مزدحمين ( على رجل) حتى كأن بعضهم يقصف بعضًا بدارًا إليه ( فضاغطت) بضاد وغين معجمتين وطاء مهملة زاحمت وضايقت ( عليه الناس) لأن أراه ( فإذا أنا بالشيخ الذي وجدت بالربذة يعني أبا ذر قال فلما رآني عرفني فقال هو الذي حدثتك) قال ابن عبد البر هذا لا يجوز أن يكون مثله رأيًا وإنما يدرك بالتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم قال وفيه أن الله رضي من عباده بقصد بيته مرة في عمر العبد ليحط أوزاره ويغفر ذنوبه ويخرج منها كيوم ولدته أمه كما قال في الحديث الآخر من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وقال ابن مسعود من حج بنية صادقة ونفقة طيبة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وفيه ما كان عليه أبو ذر من الفقه والعلم وقد سئل علي عنه فقال وعاء مليء علمًا عجز الناس عنه وأوكئ عليه فلم يخرج شيئًا ونظر عمر إلى ركب صادرين من الحج فقال لو يعلم الركب ما ينقلبون به من الفضل بعد المغفرة لا تكلوا ولكن ليستأنفوا العمل وسئل الثوري حين دفع الناس من عرفة إلى المزدلفة عن أخسر الناس صفقة وهو يعرض بالظلمة وأهل الفسق فقال أخسر الناس صفقة من ظن أن الله لا يغفر لهؤلاء ( مالك أنه سأل ابن شهاب عن الاستثناء في الحج) وهو أن يشترط أن يتحلل حيث أصابه مانع ( فقال أو يصنع ذلك أحد وأنكر ذلك) وإلى عدم جوازه ونفعه ذهب مالك وأبو حنيفة والأكثرون وكان ابن عمر ينكر الاشتراط في الحج ويقول أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم يحل من كل شيء حتى يحج عامًا قابلاً فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديًا رواه الشيخان والترمذي وغيرهم وذهب الشافعي وأحمد وطائفة إلى جوازه ونفعه لحديث الصحيحين وغيرهما عن عائشة دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب فقالت يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية فقال النبي صلى الله عليه وسلم حجي واشترطي وقولي اللهم محلي حيث حبستني وفي الصحيح عن ابن عباس أن ضباعة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني امرأة ثقيلة وإني أريد الحج فما تأمرني قال أهلي بالحج واشترطي أن محلي حيث تحبسني قال فأدركت وأجاب الأولون بأنها قضية عين خاصة بضباعة إذ لا عموم فيها وتأوله آخرون على أن المراد التحلل بعمرة وكذلك جاء مفسرًا من رواية ابن المسيب أنه صلى الله عليه وسلم أمر ضباعة أن تشترط اللهم الحج أردت فإن تيسر وإلا فعمرة وعن عروة أن عائشة قالت له هل تشترط إذا حججت قال ماذا أقول قالت قل اللهم الحج أردت وله عمدت فإن يسرته فهو الحج وإن حبسني حابس فهو عمرة رواه الشافعي والبيهقي ( سئل مالك هل يحتش الرجل لدابته من الحرم فقال لا) لقوله صلى الله عليه وسلم لا يعضد شجره ولا يختلى خلاه والخلا ما يبس من النبات وقال صلى الله عليه وسلم إلا الإذخر وقيس عليه السنا للحاجة العامة إليه فإن احتش فلا جزاء وقال الشافعي عليه القيمة ويجوز أن يرعى الإبل في الحرم لأنه لا يمكن الاحتراز عنه ولو منع منه امتنع السفر في الحرم والمقام فيه لتعذر الاحتراز عنه قاله الباجي.



رقم الحديث 961 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَرَّ بِامْرَأَةٍ مَجْذُومَةٍ وَهِيَ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقَالَ لَهَا: يَا أَمَةَ اللَّهِ.
لَا تُؤْذِي النَّاسَ.
لَوْ جَلَسْتِ فِي بَيْتِكِ.
فَجَلَسَتْ.
فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ بَعْدَ ذَلِكَ.
فَقَالَ لَهَا: إِنَّ الَّذِي كَانَ قَدْ نَهَاكِ قَدْ مَاتَ، فَاخْرُجِي.
فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُطِيعَهُ حَيًّا وَأَعْصِيَهُ مَيِّتًا.


( جامع الحج)

( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم وللنسائي من طريق يحيى القطان عن مالك حدثني الزهري ( عن عيسى بن طلحة) بن عبيد الله القرشي التيمي المدني أبي محمد ثقة فاضل مات سنة مائة وأبوه طلحة أحد العشرة وفي رواية ابن جريج عند مسلم وصالح بن كيسان عند البخاري كلاهما عن ابن شهاب قال حدثني عيسى بن طلحة ( عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ( ابن العاصي) بالياء وحذفها والإثبات أصح وفي رواية ابن جريج حدثني عبد الله وللبخاري عنه أن عبد الله حدثه وكذا في رواية صالح أن عبد الله حدثه ( أنه قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم) على ناقته كما في رواية صالح عند البخاري ويونس عند مسلم بلفظ على راحلته ومعمر عند أحمد والنسائي كلهم عن ابن شهاب فرواية يحيى القطان عن مالك جلس في حجة الوداع فقام رجل محمول على أنه ركب ناقته وجلس عليها ( للناس بمنى) زاد التنيسي والنيسابوري وغيرهما في حجة الوداع وفي رواية وقف عند الجمرة وأخرى فخطب يوم النحر قال عياض جمع بعضهم بأنه موقف واحد ومعنى خطب أي علم الناس لا أنها من خطب الحج المشروعة قال ويحتمل أن ذلك في موطنين أحدهما على راحلته عند الجمرة ولم يقل في هذا خطب والثاني يوم النحر بعد صلاة الظهر وذلك في وقت الخطبة المشروعة من خطب الحج يعلم الإمام فيها الناس ما بقي عليهم من مناسكهم وصوب النووي هذا الثاني قال الحافظ فإن قيل لا فرق بين الاحتمالين فإنه ليس في شيء من طريق حديث ابن عمرو وابن عباس بيان الوقت الذي خطب فيه من النهار قلنا نعم لم يقع التصريح بذلك لكن في رواية ابن عباس أن بعض السائلين قال رميت بعد ما أمسيت فدل على أن القصة كانت بعد الزوال لإطلاق المساء على ما بعده فكأن السائل علم أن السنة رمي الجمرة ضحى فلما أخرها إلى الزوال سأل عنه على أن حديث ابن عمرو مخرجه واحد لا يعرف إلا من طريق الزهري ولا خلاف فيه بين أصحابه غايته أن بعضهم ذكر ما لم يذكره الآخر واجتمع من مرويهم ومروي ابن عباس أن ذلك كان يوم النحر بعد الزوال وهو على راحلته يخطب عند الجمرة فإذا تقرر ذلك تعين أنها الخطبة المشروعة لتعلم بقية المناسك فليس قوله خطب مجازًا عن مجرد التعليم بل هي حقيقية ولا يلزم من وقوعه عند الجمرة أن يكون حينئذ رماها ففي البخاري وغيره عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات فذكر خطبته فلعل ذلك وقع بعد أن أفاض ورجع إلى منى انتهى وقال الأبي ترجم البخاري الفتيا على الدابة عند الجمرة فهو يدل على أنها لم تكن خطبة ( والناس يسألونه) وفي رواية فجعلوا يسألونه وأخرى فطفق ناس يسألونه ( فجاءه رجل) قال الحافظ لم أقف على اسمه بعد البحث الشديد ولا على اسم أحد ممن سأل في هذه القصة وكانوا جماعة لكن في حديث أسامة بن شريك عند الطحاوي وغيره كان الأعراب يسألونه فكان هذا هو السبب في عدم ضبط أسمائهم ( فقال له يا رسول الله لم أشعر) بضم العين أي أفطن يقال شعرت بالشيء شعورًا إذا فطنت له وقيل الشعور العلم ولم يفصح في رواية مالك بمتعلق الشعور وبينه يونس عند مسلم بلفظ لم أشعر أن الرمي قبل الحلق ( فحلقت) شعر رأسي ( قبل أن أنحر) وفي رواية قبل أن أذبح والفاء سببية جعل الحلق مسببًا عن عدم الشعور كأنه يعتذر لتقصيره ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انحر) وفي رواية اذبح ( ولا حرج) قال عياض ليس أمرًا بالإعادة وإنما هو إباحة لما فعل لأنه سأل عن أمر فرغ منه فالمعنى افعل ذلك متى شئت ونفي الحرج بين في رفع الفدية عن العامد والساهي وفي رفع الإثم عن الساهي وأما العامد فالأصل أن تارك السنة عمدًا لا يأثم إلا أن يتهاون فيأثم للتهاون لا للترك ( ثم جاءه آخر فقال يا رسول الله لم أشعر) أفطن أو أعلم زاد يونس أن الرمي قبل النحر ( فنحرت) الهدي ( قبل أن أرمي) الجمرة ( قال ارم ولا حرج) أي لا ضيق عليك في ذلك زاد في رواية ابن جريج في الصحيحين وأشباه ذلك وفي رواية محمد بن أبي حفصة عن الزهري عند مسلم وقال آخر أفضت إلى البيت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج وفي رواية معمر عند أحمد زيادة الحلق قبل الرمي فحاصل ما في حديث عبد الله بن عمرو السؤال عن أربعة أشياء الحلق قبل الذبح والنحر قبل الرمي والحلق قبل الرمي والإفاضة قبل الرمي والأوليان في حديث ابن عباس أيضًا في الصحيح وللدارقطني من حديثه أيضًا السؤال عن الحلق قبل الرمي وكذا في حديث جابر وأبي سعيد عند الطحاوي وفي حديث علي عند أحمد السؤال عن الإفاضة قبل الحلق وفي حديثه عند الطحاوي السؤال عن الرمي والإفاضة معًا قبل الحلق وفي حديث جابر عند ابن حبان وغيره السؤال عن الإفاضة قبل الذبح وفي حديث أسامة بن شريك السؤال عن السعي قبل الطواف وهو محمول على من سعى بعد طواف القدوم ثم طاف طواف الإفاضة فإنه يصدق عليه أنه سعى قبل الطواف أي الركن فهذا ما تحرر من مجموع الأحاديث وبقي عدة صور لم يذكرها الرواة إما اختصارًا وإما لأنها لم تقع وبلغت بالتقسيم أربعًا وعشرين صورة منها صورة الترتيب المتفق عليها وهي رمي جمرة العقبة ثم نحر الهدي أو ذبحه ثم الحلق أو التقصير ثم طواف الإفاضة وفي الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزله بمنى فنحر وقال للحالق جز ولأبي داود رمى ثم نحر ثم حلق أجمع العلماء على مطلوبية هذا الترتيب إلا أن ابن الجهم استثنى القارن فقال لا يحلق حتى يطوف كأنه لا حظ أنه في عمل العمرة والعمرة يتأخر فيها الحلق عن الطواف ورد عليه النووي وأجمع العلماء على الإجزاء في التقديم والتأخير إلا أنهم اختلفوا في الدم فأوجبه مالك في تقديم الإفاضة على الرمي لأنه لم يقع في روايته حديث الباب ولا يلزم بزيادة غيره لأنه أثبت الناس في ابن شهاب وأوجب الفدية في تقديم الحلق على الرمي لوقوعه قبل شيء من التحلل وذلك أبو حنيفة إلى أن الترتيب واجب وعليه الدم في كل المخالفة وتأول لا حرج على نفي الإثم لأنه فعل على الجهل لا القصد فأسقط الحرج وعذرهم لعدم العلم بدليل قول السائل لم أشعر وذهب الجمهور والشافعي وأحمد في رواية إلى الجواز وعدم وجوب الدم في شيء لعموم قوله ( قال) عبد الله بن عمرو ( فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد في رواية يومئذ ( عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج) عليك فإنه ظاهر في نفي الإثم والفدية والدم لأن اسم الضيق يشمل ذلك قال الطحاوي لكن يحتمل أنه لا إثم في ذلك الفعل لمن كان ناسيًا أو جاهلاً أي كالسائلين قال وأما من تعمد المخالفة فيجب عليه الفدية وتعقب بأن وجوبها يحتاج إلى دليل ولو وجبت لبينه صلى الله عليه وسلم حينئذ وقت الحاجة فلا يجوز تأخيره قال الطبري ولم يسقط النبي صلى الله عليه وسلم الحرج إلا وقد أجزأ الفعل إذ لو لم يجز لأمره بالإعادة لأن الجهل والنسيان لا يضعان الحكم اللازم في الحج كما لو ترك الرمي ونحوه فلا يأثم بتركه جاهلاً أو ناسيًا لكن تجب عليه الإعادة قال والعجب ممن يحمل قوله ولا حرج على نفي الإثم فقط ثم يخص ذلك ببعض الأمور دون بعض فإن كان الترتيب واجبًا يجب بتركه دم فليكن في الجميع وإلا فما وجه تخصيص بعض دون بعض مع تعميم الشارع الجميع بنفي الحرج كذا قال وجوابه إن مالكًا خص من العموم تقديم الحلق على الرمي فأوجب فيه الفدية لعلة أخرى وهي إلقاء التفث قبل فعل شيء من التحلل وقد أوجب الله ورسوله الفدية على المريض أو من برأسه أذى إذا حلق قبل محل الحلق مع جواز ذلك له لضرورته فكيف بالجاهل والناسي وخص منه أيضًا تقديم الإفاضة على الرمي لئلا يكون وسيلة إلى النساء والصيد قبل الرمي ولأنه خلاف الواقع منه صلى الله عليه وسلم وقد قال خذوا عني مناسككم ولم يثبت عنده زيادة ذلك في حديث الباب فلا يلزمه زيادة غيره وهو أثبت الناس في ابن شهاب ومحل قبول زيادة الثقة ما لم يكن من لم يزدها أوثق منه وابن أبي حفصة الذي روى ذلك عن ابن شهاب وإن كان صدوقًا وروى له الشيخان لكنه يخطئ بل ضعفه النسائي واختلف قول ابن معين في تضعيفه وكان يحيى بن سعيد يتكلم فيه وقال أحمد في رواية إن كان ناسيًا أو جاهلاً فلا شيء عليه وإن كان عالمًا فلا لقوله لم أشعر وأجيب بأن الترتيب لو وجب لما سقط بالسهو كالترتيب بين السعي والطواف إذ لو سعى قبله وجبت إعادة السعي لكن قال ابن دقيق العيد ما قاله أحمد قوي لأن الدليل دل على وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم في الحج لقوله خذوا عني مناسككم وهذه الأحاديث المرخصة قد قرنت بقول السائل لم أشعر فيختص الحكم بهذه الحالة وتبقى حالة العمد على أصل وجوب الاتباع في الحج وأيضًا الحكم إذا رتب على وصف يمكن أنه معتبر لم يجز طرحه ولا شك أن عدم الشعور وصف مناسب لعدم المؤاخذة وقد علق به الحكم فلا يمكن طرحه بإلحاق العمد به إذ لا يساويه والتمسك بقوله فما سئل إلخ لإشعاره بأن الترتيب مطلقًا غير مراعى جوابه إن هذا الإخبار من الراوي يتعلق بما وقع السؤال عنه وهو مطلق بالنسبة إلى حالة السائل والمطلق لا يدل على أحد الخاصين فلا يبقى فيه حجة في حالة العمد انتهى وفيه وجوب اتباع أفعاله صلى الله عليه وسلم لأن الذين خالفوه لما علموا سألوا عن حكم ذلك وجواز سؤال العالم واقفًا وراكبًا ولا يعارضه ما روي عن مالك من كراهة ذكر العلم والحديث في الطريق لأن الوقوف بمنى لا يعد من الطرق لأنه موقف عبادة وذكر ووقت حاجة إلى التعلم خوف الفوات إما بالزمان أو المكان وأخرجه البخاري في العلم عن إسماعيل وهنا عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى الثلاثة عن مالك وتابعه جماعة عن ابن شهاب به في الصحيحين وغيرهما ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل) بقاف ثم فاء بزنة رجع ومعناه ( من غزو أو حج أو عمرة يكبر) الله تعالى ( على كل شرف) بفتح المعجمة والراء ثم فاء أي مكان عال ( من الأرض) ولمسلم من رواية عبيد الله عن نافع إذا أوفى على ثنية أو فدفد كبر أي ارتفع على ثنية بمثلثة فنون فتحتية هي العقبة وفدفد بفتح الفاءين بعد كل دال مهملة الأشهر أنه المكان المرتفع وقيل الأرض المستوية وقيل الفلاة الخالية من شجر وغيره وقيل غليظ الأودية ذات الحصى ( ثلاث تكبيرات) قال الطيبي وجه التكبير على الأماكن العالية هو ندب الذكر عند تجدد الأحوال والتقلبات وكان صلى الله عليه وسلم يراعي ذلك في الزمان والمكان وقال الحافظ الزين العراقي مناسبته أن الاستعلاء محبوب للنفس وفيه ظهور وغلبة فينبغي للمتلبس به أن يذكر عنده أن الله أكبر من كل شيء ويكرر ذلك ويستمطر منه المزيد ( ثم يقول لا إله إلا الله) بالرفع على الخبرية بلا أو على البدلية من الضمير المستتر في الخبر المقدر أو من اسم لا باعتبار محله قبل دخولها ( وحده) حال أي منفردًا ( لا شريك له) عقلاً لاستحالته ونقلاً { { وإلهكم إله واحد } } في آيات أخر وهو تأكيد لوحده لأن المتصف بها لا شريك له ( له الملك) بضم الميم السلطان والقدرة وأصناف المخلوقات ( وله الحمد) زاد في رواية للطبراني يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير ( وهو على كل شيء قدير) قال الحافظ يحتمل أنه كان يأتي بهذا الذكر عقب التكبير على المكان المرتفع ويحتمل أنه يكمل الذكر مطلقًا ثم يأتي بالتسبيح إذا هبط قال القرطبي وفي تعقيب التكبير بالتهليل إشارة إلى أنه المنفرد بإيجاد جميع الموجودات وأنه المعبود في جميع الأماكن ( آيبون) بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي نحن آيبون جمع آيب بوزن راجع ومعناه أي راجعون إلى الله وليس المراد الإخبار بمحض الرجوع فإنه تحصيل الحاصل بل الرجوع في حالة مخصوصة وهي تلبسهم بالعبادة المخصوصة والاتصاف بالأوصاف المذكورة ( تائبون) من التوبة وهي الرجوع عما هو مذموم شرعًا إلى ما هو محمود شرعًا وفيه إشارة إلى التقصير في العبادة وقاله صلى الله عليه وسلم تواضعًا أو تعليمًا لأمته أو المراد أمته وقد تستعمل التوبة لإرادة الاستمرار على الطاعة فيكون المراد أن لا يقع منهم ذنب ( عابدون ساجدون لربنا حامدون) كلها رفع بتقدير نحن وقوله لربنا متعلق بساجدون أو بسائر الصفات على طريق التنازع ( صدق الله وعده) فيما وعد به من إظهار دينه بقوله { { وعدكم الله مغانم كثيرة } } وقوله تعالى { { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض } } الآية وهذا في سفر الغزو ومناسبته للحج والعمرة قوله { { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } } ( ونصر عبده) محمدًا صلى الله عليه وسلم ( وهزم الأحزاب وحده) من غير فعل أحد من الآدميين ولا سبب من جهتهم وهذا معنى الحقيقة فإن العبد وفعله خلق لربه والكل منه وإليه ولو شاء أن يبيد الكفار بلا قتال لفعل وفيه التفويض إلى الله تعالى قيل الأحزاب هنا كفار قريش ومن وافقهم الذين تحزبوا أي تجمعوا في غزوة الخندق ونزل فيهم سورة الأحزاب وقيل المراد أعم من ذلك أي أحزاب الكفار في جميع الأيام والمواطن قال النووي والمشهور الأول قيل فيه نظر لأنه يتوقف على أن هذا الذكر إنما شرع من بعد الخندق وأجيب بأن غزواته صلى الله عليه وسلم التي خرج فيها بنفسه محصورة والمطابق منها لذلك غزوة الخندق لظاهر قوله تعالى { { ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال } } وقوله قبل ذلك { { إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها } } الآية وأصل الحزب القطعة المجتمعة من الناس فاللام إما جنسية أي كل من تحزب من الكفار وإما عهدية والمراد من تقدم وهو الأقرب قال القرطبي ويحتمل أن يكون هذا الخبر بمعنى الدعاء أي اللهم اهزم الأحزاب والأول أظهر ثم ظاهر الحديث اختصاص ذلك بالغزو والحج والعمرة والجمهور على أنه يشرع قول ذلك في كل سفر طاعة كصلة رحم وطلب علم لما يشمل الجميع من اسم الطاعة وإنما اقتصر الصحابي على الثلاث لانحصار سفره صلى الله عليه وسلم فيها وقيل يتعدى أيضًا إلى السفر المباح لأن المسافر فيه لا ثواب له فلا يمتنع عليه فعل ما يحصل له الثواب وقيل يشرع في سفر المعصية أيضًا لأن مرتكبها أحوج إلى تحصيل الثواب من غيره وتعقب بأن الذي يخصه بسفر الطاعة لا يمنع من سافر في مباح ولا معصية من الإكثار من ذكر الله وإنما النزاع في خصوص هذا الذكر في هذا الوقت المخصوص فذهب قوم إلى الاختصاص لكونها عبادات مخصوصة شرع لها ذكر مخصوص فتختص به كالذكر المأثور عقب الأذان وعقب الصلاة انتهى وفيه جواز السجع في الدعاء والكلام بلا تكلف وإنما ينهى عن المتكلف لأنه يشغل عن الإخلاص ويقدح في النية ورواه البخاري هنا عن عبد الله بن يوسف وفي الدعوات عن إسماعيل ومسلم من طريق معن الثلاثة عن مالك به وتابعه عبيد الله وأيوب والضحاك عن نافع عند مسلم ( مالك عن إبراهيم بن عقبة) بالقاف ابن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني وثقه أحمد وابن معين والنسائي وروى عنه أيضًا السفيانان وحماد بن زيد وابن المبارك وآخرون وقال ابن عبد البر ثقة حجة أسن من أخيه موسى ومحمد أسن منه وسمع إبراهيم من أم خالد بنت خالد بن سعيد وهي من المبايعات وزعم ابن معين أنهم مواليها لم يتابع عليه والصواب أنهم موالي آل الزبير كما قال مالك والبخاري وغيرهما له في الموطأ مرفوعًا هذا الحديث الواحد ( عن كريب مولى عبد الله بن عباس) مرسلاً عند أكثر رواة الموطأ ووصله الشافعي وابن وهب ومحمد بن خالد وأبو مصعب وعبد الله بن يوسف فزادوا ( عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بامرأة) ولمسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم لقي ركبًا بالروحاء فقال من القوم فقالوا المسلمون فقالوا من أنت قال رسول الله فرفعت إليه امرأة صبيًا ( وهي في محفتها) بكسر الميم كما جزم به الجوهري وغيره وحكى في المشارق الكسر والفتح بلا ترجيح شبه الهودج إلا أنه لا قبة عليها ( فقيل لها هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بضبعي صبي) بفتح الضاد المعجمة وإسكان الموحدة وفتح العين مثنى وهما باطنًا الساعد ( كان معها) ولأبي داود ففزعت امرأة فأخذت بعضد صبي فأخرجته من محفتها وهو بكسر الزاي أي ذعرت خوفًا أن يفوتها المصطفى ويتعذر عليها سؤاله ويحتمل أن المراد بالفزع هنا الاستغاثة والالتجاء أي استغاثت به أو بادرت أو قصدته صلى الله عليه وسلم ( فقالت ألهذا حج يا رسول الله قال نعم) له حج وزادها على السؤال ( ولك أجر) ترغيبًا لها قال عياض والأجر لها فيما تتكلفه من أمره في ذلك وتعليمه وتجنيبه ما يجتنب المحرم وقال عمر وكثيرون إن الصبي يثاب وتكتب حسناته دون السيئات واختلف هل هو مخاطب على وجه الندب أو إنما المخاطب الولي بحمله على أدب الشريعة للتمرين وهذا هو الصحيح وعلى هذا فلا يبعد أن الله سبحانه يدخر للصبي ثواب ما عمل قال النووي والصبي الذي يحرم عنه الولي الصحيح عندنا أنه الولي الذي له النظر في ما له من أب أو جد أو وصي أو مقدم قاض أو ناظر ولا يصح إحرام الأم عنه إلا أن تكون وصية أو مقدمة من القاضي وقيل يصح إحرامها وإحرام العصبة وإن لم يكن لهم نظر في المال نقله الأبي وأقره وهو مقتضى مذهب مالك رحمه الله قال الشيخ ولي الدين لا يصح الاستدلال بهذا الحديث على صحة الإحرام عنه مطلقًا لاحتمال أن هذا الصبي كان مميزًا فأحرم هو عن نفسه وعلى تقدير أنه لم يميز فلعل له وليًا أحرم عنه وعلى تقدير أنها التي أحرمت فلعلها ولية مال وفيه المبادرة إلى استفتاء العلماء والأخذ عنهم قبل فواتهم وجواز ركوب المحفة والمحمل وإن كان الأفضل الركوب على القتب في حق من أطاقه لكن الظاهر أن المحمل في حق المرأة أولى لأنه أستر لها وفيه مشروعية الحج بالصغار وبه قال الأئمة قال ابن عبد البر وعليه جمهور العلماء في كل قرن وقالت طائفة لا يحج بهم وهو قول لا يشتغل به ولا يعرج عليه وقال عياض لا خلاف بين العلماء في جواز الحج بالصبيان وإنما منعه طائفة من أهل البدع لا يلتفت إليهم بل هو مردود بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإجماع الأمة وفيه انعقاد حج الصبي وصحته ووقوعه نفلاً وأنه مثاب عليه فيجتنب ما يجتنبه الكبير مما يمنعه الإحرام ويلزمه من الفدية والهدي ما يلزمه وبه قال الأئمة الثلاثة والجمهور وقال أبو حنيفة لا ينعقد وإنما يجنب من ذلك ويفعل للتمرين ليفعله إذا بلغ قال المازري وغيره والحديث حجة للجمهور وتأوله الحنفية على أنه إنما يفعل به ذلك للتمرين واحتمال أن الصبي كان بالغًا لا يصح إذ لا فائدة لقولها ألهذا حج على أنه في بعض طرق الحديث صرح بأنه صغير ويدل عليه رفعها له إذ لا يرفع الكبير ويدل له أيضًا فأخذت بضبعي صبي وهي في محفة وفي رواية فأخرجته من محفتها قال عياض وأجمعوا على أنه لا يجزيه إذا بلغ عن حجة الفرض إلا فرقة شذت فقالت يجزيه ولم يلتفت العلماء إلى قولها وحكى ابن عبد البر عن داود في المملوك البالغ إذا حج قبل عتقه يجزئه عن حجة الإسلام دون الصبي وفرق بخطاب المملوك عنده به والصبي غير مخاطب وجمهور العلماء على أن العبد لا يخاطب بالحج وأنه لا يجزئه عن الفرض كالصبي وهذا الحديث رواه النسائي من طريق محمد بن خالد وابن وهب والطحاوي وغيره من طريق الشافعي وابن عبد البر من طريق ابن أبي مصعب الأربعة عن مالك به متصلاً وتابعه سفيان بن عيينة عند مسلم وأبي داود والنسائي وغيرهم ولم يختلف عليه في اتصاله وعبد العزيز بن أبي سلمة وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة كلاهما عند البيهقي موصولاً وأخوه موسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق رواهما ابن عبد البر متصلاً وسفيان الثوري مرسلاً في رواية ابن مهدي عنه عند مسلم وموصولاً في رواية أبي نعيم الفضل بن دكين عنه عند النسائي فاختلف عليه في وصله وإرساله كما اختلف على مالك في ذلك والظاهر أن كلاً من مالك وشيخه إبراهيم حدث به على الوجهين فإن الرواة عن كل منهما بالوصل والإرسال حفاظ ثقات ويقوي ذلك أنه اختلف على ابن القاسم فرواه سحنون عنه عن مالك مرسلاً ورواه يوسف بن عمرو والحارث بن مسكين عنه عن مالك متصلاً فكأنه سمعه من مالك بالوجهين وقد أخرجه مسلم بالوجهين من طريق السفيانين وكأن البخاري ترك تخريجه في صحيحه لهذا الاختلاف لكن قال ابن عبد البر من وصل هذا الحديث وأسنده فقوله أولى وأصح والحديث صحيح مسند ثابت الاتصال لا يضره تقصير من قصر به لأن الذين أسندوه حفاظ ثقات انتهى وسبقه إلى ذلك الإمام أحمد فصحح وصله ( مالك عن إبراهيم بن أبي عبلة) بفتح المهملة وسكون الموحدة واسمه شمر بكسر المعجمة ابن يقظان العقيلي ثم الشامي يكنى أبا إسماعيل ثقة تابعي سمع أنسًا وأبا أمامة ووائلة سكن الشام وبها مات سنة اثنين أو إحدى وخمسين ومائة لمالك عنه مرفوعًا هذا الحديث الواحد ( عن طلحة بن عبيد الله) بضم العين ( ابن كريز) بفتح الكاف وكسر الراء وإسكان التحتية وزاي منقوطة الخزاعي وثقه أحمد والنسائي يكنى أبا المطرف وهو تابعي مات بالشام سنة ثمان عشرة ومائة ووهم من ظنه أحد العشرة لأنه تيمي واسم جده عثمان وهذا خزاعي وجده كريز فحديثه مرسل وزعم ابن الحذاء أنه من الغرائب التي لم يوجد لها إسناد ولا نعلم أحدًا أسنده من قصوره الشديد فقد وصله الحاكم في المستدرك عن أبي الدرداء ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما رئي) بالبناء للمجهول ( الشيطان يومًا) أي في يوم ( هو فيه أصغر) أي أذل ( ولا أدحر) بإسكان الدال وفتح الحاء وبالراء مهملات أي أبعد عن الخير قال تعالى { { مدحورًا } } أي مبعدًا من رحمة الله ( ولا أحقر) أذل وأهون عند نفسه لأنه عند الناس حقير أبدًا ( ولا أغيظ) أشد غيظًا محيطًا بكبده وهو أشد الحنق ( منه في يوم عرفة وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة) أي الملائكة النازلين بها على الواقفين بعرفة وهو لعنة الله لا يحب ذلك وليس المراد أنه يرى الرحمة نفسها ولعله رأى الملائكة تبسط أجنحتها بالدعاء للحاج ويحتمل أنه سمع الملائكة تقول غفر لهؤلاء أو نحو ذلك فعلم أنهم نزلوا بالرحمة ورؤيته الملائكة للغيظ لا للإكرام قاله أبو عبد الملك البوني ( وتجاوز الله عن الذنوب العظام) الكبائر التي زينها لهم لعنه الله وكان يود أن يهلكهم بها وانتقالهم منها إلى الكفر لأنها كما قيل بريده فيخلدوا في العذاب الأليم مثله ( إلا ما أري يوم بدر) أول غزوة وقع فيها القتال وكانت في ثانية الهجرة ( قيل وما رأى يوم بدر يا رسول الله قال أما) بالتخفيف ( إنه قد رأى جبريل يزع) بفتح الياء والزاي المنقوطة وعين مهملة أي يصف ( الملائكة) للقتال ويمنعهم أن يخرج بعضهم عن بعض في الصف قال الشاعر

ولا يزع النفس اللحوح عن الهوى
من الناس إلا وافر العقل كامله

وقيل معناه يكفهم قال ابن حبيب وليس كذلك إذ لو رأى ذلك لأحبه ولكنه رآه يعبيهم للقتال والمعبي يسمى وازعًا ومنه قوله تعالى { { وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } } أي يحبس أولهم على آخرهم وفيه فضل الحج وشهود عرفة وسعة فضل الله على المذنبين وفي مسلم والنسائي وابن ماجه عن عائشة مرفوعًا ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبيدًا من النار من يوم عرفة وأنه ليدنو ويتجلى ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء ولأحمد وصححه ابن حبان والحاكم عن أبي هريرة رفعه إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء فيقول لهم انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثًا غبرًا وروى ابن خزيمة وابن حبان والبزار وأبو يعلى والبيهقي عن جابر رفعه ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثًا غبرًا ضاجين جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عقابي فلم ير يوما أكثر عتقًا من النار من يوم عرفة زاد البيهقي فتقول الملائكة إن فلانًا فيهم وهو مرهق فيقول الله عز وجل قد غفرت له ( مالك عن زياد بن أبي زياد) ميسرة المدني الثقة العابد ( مولى عبد الله بن عياش) بتحتية ومعجمة ( ابن أبي ربيعة) القرشي المخزومي الصحابي ابن الصحابي ( عن طلحة بن عبيد الله بن كريز) الخزاعي فكافه مفتوحة وأما بضمها ففي عبد شمس من قريش قال ابن عبد البر لا خلاف عن مالك في إرساله ولا أحفظ بهذا الإسناد مسندًا من وجه يحتج به وأحاديث الفضائل لا تحتاج إلى محتج به وقد جاء مسندًا من حديث علي وابن عمرو ثم أخرج حديث علي من طريق ابن أبي شيبة وجاء أيضًا عن أبي هريرة أخرجه البيهقي هو وحديث ابن عمرو ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفضل الدعاء) مبتدأ خبره ( دعاء يوم عرفة) قال الباجي أي أعظمه ثوابًا وأقربه إجابة ويحتمل أن يريد به اليوم ويحتمل أن يريد الحاج خاصة ( وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي) ولفظ حديث علي أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له) زاد في حديث أبي هريرة له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير وكذا في حديث علي لكن ليس فيه يحيي ويميت قال ابن عبد البر يريد أنه أكثر ثوابًا ويحتمل أن يريد أفضل ما دعا به والأول أظهر لأنه أورده في تفضيل الأذكار بعضها على بعض والنبيون يدعون بأفضل الدعاء قال وفيه تفضيل الدعاء بعضه على بعض والأيام بعضها على بعض وأن ذلك أفضل الذكر لأنها كلمة الإسلام والتقوى وإليه ذهب جماعة وقال آخرون أفضله الحمد لله رب العالمين لأن فيه معنى الشكر وفيه من الإخلاص ما في لا إله إلا الله وافتتح الله كلامه به وختم به وهو آخر دعوى أهل الجنة وروت كل فرقة بما قالت أحاديث كثيرة وساق جملة منها في التمهيد وقدم الإمام هذا الحديث بسنده ومتنه في الدعاء وقدمت ثمة أنه وقع في تجريد الصحاح لرزين بن معاوية الأندلسي زيادة في أول هذا الحديث هي أفضل الأيام يوم عرفة وافق يوم جمعة وهو أفضل من سبعين حجة في غير يوم الجمعة وأفضل الدعاء إلخ قال الحافظ حديث لا أعرف حاله لأنه لم يذكر صحابيه ولا من خرجه بل أدرجه في حديث الموطأ هذا وليست هذه الزيادة في شيء من الموطآت فإن كان له أصل احتمل أن يريد بالسبعين التحديد أو المبالغة في الكثرة وعلى كل حال منهما تثبت المزية انتهى وفي الهدي لابن القيم ما استفاض على ألسنة العوام أن وقفة الجمعة تعدل ثنتين وسبعين حجة فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة والتابعين انتهى ( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري له في الموطأ مرفوعًا مائة واحد وثلاثون حديثًا منها ( عن أنس بن مالك) الأنصاري خمسة أحاديث هذا ثالثها ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح) في رمضان سنة ثمان ( وعلى رأسه المغفر) بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الفاء ثم راء قال صاحب المحكم ما يجعل من فضل درع الحديد على الرأس مثل القلنسوة وقال في التمهيد ما غطى الرأس من السلاح كالبيضة وشبهها من حديد كان أو غيره وقد زاد بشر بن عمر عن مالك من حديد ولا أعلم أحدًا ذكره غيره ولعله أراد في الموطأ وإلا فقد رواه خارجه عشرة عن مالك كذلك أخرجها الدارقطني ولمسلم وأحمد وأصحاب السنن عن جابر دخل صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام ورواه ابن عبد البر من طريق مالك عن أبي الزبير عن جابر وقال إنه غريب عن مالك ولا معارضة بينه وبين حديث أنس لإمكان أن المغفر فوق العمامة انتهى أي وهي تحته وقاية لرأسه من صدأ الحديد قال غيره أو كانت العمامة السوداء ملفوفة فوق المغفر إشارة للسؤدد وثبات دينه وأنه لا يغير وجمع عياض باحتمال أن يكون أول دخوله كان على رأسه المغفر ثم أزاله ولبس العمامة بعد ذلك فحكى كل من أنس وجابر ما رآه ويؤيده أن في حديث عمرو بن حريث أنه صلى الله عليه وسلم خطب الناس وعليه عمامة سوداء رواه مسلم وكانت الخطبة عند باب الكعبة وذلك بعد تمام الدخول فزعم الحاكم في الإكليل تعارض الحديثين متعقب لأنه إنما يتحقق التعارض إذا لم يمكن الجمع وقد أمكن هنا بثلاث وجوه حسان ( فلما نزعه) أي المغفر ( جاءه رجل) قال الحافظ لم يسم وكأن مراده في رواية وإلا فقد جزم الفاكهاني في شرح العمدة والكرماني بأنه أبو برزة وكذا ذكره ابن طاهر وغيره وقيل سعيد بن حريث ( فقال له يا رسول الله ابن خطل) بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة ولام اسمه عبد العزى فلما أسلم سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله ومن قال اسمه هلال التبس عليه بأخ له يسمى بذلك وهو أحد من أهدر دمه يوم الفتح وقال لا أؤمنهم في حل ولا حرم ( متعلق بأستار الكعبة) وذلك كما ذكر الواقدي أنه خرج إلى الخندمة ليقاتل على فرس وبيده قناة فلما رأى خيل الله والقتال دخله رعب حتى ما يستمسك من الرعدة فرجع حتى انتهى إلى الكعبة فنزل عن فرسه وطرح سلاحه ودخل تحت أستارها فأخذ رجل من بني كعب سلاحه وفرسه فاستوى عليه وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتلوه) زاد الوليد بن مسلم عن مالك فقتل أخرجه ابن عائذ وصححه ابن حبان وأخرج عمر بن شبة في كتاب مكة عن السائب بن يزيد قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استخرج من تحت أستار الكعبة ابن خطل فضربت عنقه صبرًا بين زمزم ومقام إبراهيم وقال لا يقتل قرشي بعد هذا صبرًا رجاله ثقات إلا أن في أبي معشر مقالاً واختلف هل قاتله سعيد بن حريث أو عمار بن ياسر أو سعد بن أبي وقاص أو سعيد بن زيد أو أبو برزة بفتح الموحدة وإسكان الراء ثم زاي منقوطة مفتوحة الأسلمي وهو أصح ما جاء في تعيين قاتله ورجحه الواقدي وجزم به البلاذري وغيره وتحمل بقية الروايات المخالفة له على أنهم ابتدروا قتله فكان المباشر منهم أبو برزة وجزم ابن هشام في تهذيب السيرة بأن سعيد بن حريث وأبا برزة اشتركا في قتله قال ابن إسحاق وغيره وإنما أمر بقتل ابن خطل لأنه أسلم فبعثه صلى الله عليه وسلم مصدقًا وبعث معه رجلاً من الأنصار وكان معه مولى مسلم يخدمه فنزل منزلاً فأمر المولى أن يذبح تيسًا ويصنع له طعامًا ونام فاستيقظ ولم يصنع له شيئًا فقتله ثم ارتد ولحق بمكة واتخذ قينتين تغنيان له بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم ( قال مالك) جوابًا عن كون المغفر على رأسه ( ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ) أي يوم فتح مكة ( محرمًا) إذ لم يرو أحد أنه تحلل يومئذ من إحرامه وظاهره الجزم بذلك ولا ينافيه قوله ( والله أعلم) لأنها للتبرك والتقوية ووقع في البخاري عن يحيى بن قزعة عن مالك ولم يكن فيما نرى والله أعلم يومئذ محرمًا وقد وراه عبد الرحمن بن مهدي عن مالك جزمًا عند الدارقطني بإسقاط فيما نرى والله أعلم وصرح جابر بما جزم به مالك أو ظنه فقال بغير إحرام كما في مسلم وغيره ودخولها بلا إحرام من الخصائص النبوية عند الجمهور وخالف ابن شهاب فأجاز ذلك لغيره قال أبو عمر لا أعلم من تابعه على ذلك إلا الحسن البصري وروي عن الشافعي والمشهور عنه أنها لا تدخل إلا بإحرام فإن دخلها أساء ولا شيء عليه عنده وعند مالك وجماعة وقال أبو حنيفة وأصحابه عليه حجة أو عمرة وفيه أن الحرم لا يجير من وجب عليه القتل وقال أبو حنيفة لا يجوز وتأول الحديث على أنه كان في الساعة التي أبيح له القتل بها وأجيب بأنه إنما أبيحت له ساعة الدخول حتى استولى عليها وقتل ابن خطل بعد ذلك وتعقب بأن الساعة ما بين أول النهار ودخول وقت العصر كما في مسند أحمد وقتل ابن خطل كان قبل ذلك قطعًا لقوله فلما نزع المغفر وذلك عند استقراره بمكة فلا يستقيم هذا الجواب وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف وفي الجهاد عن إسماعيل وفي المغازي عن يحيى بن قزعة بفتح القاف والزاي والعين المهملة وفي اللباس عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك ومسلم عن القعنبي ويحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد السبعة عن مالك به قال ابن عبد البر حديث انفرد به مالك لا يحفظ عن غيره ولم يروه أحد عن الزهري سواه من طريق صحيح وقد روي عن ابن أخي ابن شهاب عن عمه ولا يكاد يصح وروي أيضًا من غير هذا الوجه ولا يثبت العلماء بالنقل إسنادًا غير إسناد مالك وقد رواه عنه جماعة من الأئمة يطول ذكرهم من أجلهم ابن جريج وكذا قال ابن الصلاح وغيره أن مالكًا تفرد به وقد تعقبه الحافظ الزين العراقي في نكته بأنه ورد من عدة طرق عن ابن شهاب من رواية ابن أخي الزهري عند البزار وأبي أويس عند ابن سعد وابن عدي ومعمر ذكره ابن عدي في الكامل والأوزاعي ذكره المزي قال وروى ابن مسدي في معجم شيوخه أن أبا بكر بن العربي قال لأبي جعفر بن المرخي حين ذكر أنه لا يعرف إلا من حديث مالك عن الزهري قد رويته من ثلاثة عشر طريقًا غير طريق مالك فقالوا له أفدنا هذه الفوائد فوعدهم ولم يخرج لهم شيئًا قال الحافظ في نكته قد استبعد أهل أشبيلية قول ابن العربي حتى قال قائلهم

يا أهل حمص ومن بها أوصيكم
بالبر والتقوى وصية مشفق

فخذوا عن العربي أسمار الدجى
وخذوا الرواية عن إمام متق

إن الفتى ذرب اللسان مهذب
إن لم يجد خبرًا صحيحًا يخلق

وعنى بأهل حمص أهل أشبيلية قال وقد تتبعت طرقه فوجدته كما قال ابن العربي بل أزيد فرويناه من طريق الأربعة الذين ذكرهم شيخنا يعني العراقي ورواية معمر في معجم أبي بكر بن المقري ورواية الأوزاعي في فوائد تمام ومن رواية عقيل بن خالد في معجم أبي الحسين بن جميع ويونس بن يزيد في الإرشاد للخليلي ومحمد بن أبي حفصة في رواة مالك للخطيب وسفيان بن عيينة في مسند أبي يعلى وأسامة بن زيد الليثي في الضعفاء لابن حبان وابن أبي ذئب في الحلية لأبي نعيم وعبد الرحمن ومحمد أبي عبد العزيز في فوائد أبي محمد عبد الله بن إسحاق الخراساني ومحمد بن إسحاق في مسند مالك لابن عدي ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي الموالي في الإفراد للدارقطني وبحر بن كثير السقاء ذكره أبو محمد جعفر الأندلسي نزيل مصر في تخريج له وصالح بن أبي الأخضر ذكره الحافظ أبو ذر الهروي فهؤلاء ستة عشر نفسًا غير مالك رووه عن الزهري وروي من طريق يزيد الرقاشي عن أنس متابعًا للزهري في فوائد أبي الحسين الفراء الموصلي ومن حديث سعد بن أبي وقاص وأبي برزة الأسلمي وهما في سنن الدارقطني وعلي بن أبي طالب في المشيخة الكبرى لأبي محمد الجوهري وسعيد بن يربوع والسائب بن يزيد وهما في مستدرك الحاكم فهذه طرق كثيرة غير طريق مالك عن الزهري عن أنس فكيف يحل لأحد أن يتهم إمامًا من أئمة المسلمين يعني ابن العربي بغير علم ولا اطلاع وذكر نحوه في الفتح وزاد لكن ليس في طرقه شيء على شرط الصحيح إلا طريق مالك وأقربها طريق ابن أخي الزهري ويليها رواية أبي أويس فيحمل قول من قال تفرد به مالك أي بشرط الصحة وقول من قال توبع أي في الجملة انتهى وهذا الحمل أشار إليه ابن عبد البر فيما نقلته أولاً عنه والله أعلم ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر أقبل من مكة) يريد المدينة ( حتى إذا كان بقديد) بضم القاف ( جاءه خبر من المدينة) بالفتنة كما في رواية عبد الرزاق عن عبيد الله عن نافع ( فرجع فدخل مكة بغير إحرام) لقرب الموضع ( مالك عن ابن شهاب بمثل ذلك) واحتج به ابن شهاب والحسن البصري وداود وأتباعه على جواز دخولها بلا إحرام وقالوا إن موجب الإحرام عليه بحج أو عمرة لم يوجبه الله ولا رسوله ولا اتفق عليه وأبى ذلك الجمهور قال ابن وهب عن مالك لست آخذ بقول ابن شهاب وكرهه وقال إنما يكون ذلك على مثل ما عمل ابن عمر من القرب إلا رجلاً يأتي بالفاكهة من الطائف أو ينقل الحطب يبيعه فلا أرى بذلك بأسًا وقال إسماعيل القاضي كره الأكثر دخولها بلا إحرام ورخصوا للحطابين ومن أشبههم ممن يكثر اختلافه إلى مكة ولمن خرج منها يريد بلده ثم بدا له أن يرجع كما صنع ابن عمر وأما من سافر إليها في تجارة أو غيرها فلا يدخلها إلا محرمًا لأنه يأتي الحرم ويؤيد ذلك أنه لو نذر المشي إليها وجب عليه أن يدخلها محرمًا بحج أو عمرة وما دخلها صلى الله عليه وسلم قط إلا محرمًا إلا يوم الفتح ( مالك عن محمد بن عمرو) بفتح العين ( ابن حلحلة) بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة ( الديلي) بكسر الدال وسكون التحتية المدني ( عن محمد بن عمران الأنصاري) قال ابن عبد البر لا أعرفه إلا بهذا الحديث ( عن أبيه) إن لم يكن عمران بن حيان الأنصاري أو عمران بن عوادة فلا أدري من هو ( أنه قال عدل إلي عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( وأنا نازل تحت سرحة) بفتح السين والحاء المهملتين بينهما راء ساكنة شجرة طويلة لها شعب ( بطريق مكة فقال ما أنزلك تحت هذه السرحة فقلت أردت ظلها فقال هل غير ذلك فقلت لا ما أنزلني) تحتها ( إلا ذلك) إرادة ظلها ( فقال عبد الله بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنت بين الأخشبين من منى) قال ابن وهب أراد بهما الجبلين اللذين تحت العقبة بمنى فوق المسجد والأخاشب الجبال وقال إسماعيل الأخاشب يقال إنها اسم لجبال مكة ومنى خاصة ( ونفخ) بخاء معجمة أي أشار ( بيده نحو المشرق) قال البوني أحسب أن ابن عمر ظن أن عمران يعلم الوادي الذي فيه المزدلفة ولذلك ما كرر عليه السؤال ( فإن هناك واديًا يقال له السرر) بضم السين وكسرها ( به شجرة سر تحتها سبعون نبيًا) أي ولدوا تحتها فقطع سرهم بالضم وهو ما تقطعه القابلة من سرة الصبي كما في النهاية وغيرها فقول السيوطي أي قمعت سرتهم إذ ولدوا تحتها مجاز سمى السرسرة لعلاقة المجاورة وقال مالك بشروا تحتها بما يسرهم قال ابن حبيب فهو من السرور أي تنبؤوا تحتها واحدًا بعد واحد فسروا بذلك وبه أقول وفيه التبرك بمواضع النبيين وأخرجه النسائي من طريق ابن القاسم عن مالك به ( مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم) نسبه إلى جده لشهرته وإلا فأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم بمهملة وزاي ( عن ابن أبي مليكة) هو عبد الله بفتح العين ابن عبيد الله بضمها ابن عبد الله بفتحها ابن أبي مليكة بضم الميم بالتصغير يقال اسمه زهير التيمي مولى عبد الله بن جدعان أدرك ثلاثين من الصحابة وكان ثقة فقيهًا مات سنة سبع عشرة ومائة ( أن عمر بن الخطاب مر بامرأة مجذومة) أصابها داء الجذام يقطع اللحم ويسقطه ( وهي تطوف بالبيت فقال لها يا أمة الله لا تؤذي الناس) بريح الجذام ( لو جلست في بيتك) كان خيرًا لك أو لو للتمني فلا جواب لها ( فجلست فمر بها رجل) لم يسم ( بعد ذلك فقال لها إن الذي قد نهاك قد مات فاخرجي) لعله جاهل أو رجل سوء أو يكون مختبرًا لها قاله أبو عبد الملك ( فقالت ما كنت لأطيعه حيًا وأعصيه ميتًا) لأنه إنما أمر بحق قال أبو عمر فيه أنه يحال بين المجذوم ومخالطة الناس لما فيه من الأذى وهو لا يجوز وإذا منع آكل الثوم من المسجد وكان ربما أخرج إلى البقيع في العهد النبوي فما ظنك بالجذام وهو عند بعض الناس يعدي وعند جميعهم يؤذي وألان عمر للمرأة القول بعد أن أخبرها أنها تؤذي لأنه لم يتقدم إليها ورحمها للبلاء الذي بها وقد عرف منه أنه كان يعتقد أن شيئًا لا يعدي وكان يجالس معيقيبًا الدوسي ويؤاكله ويشاربه وربما وضع فمه على موضع فمه وكان على بيت ماله ولعله علم من عقلها ودينها أنها تكتفي بإشارته فلم يحتج إلى نهيها ألم تر إلى أنه لم تخط فراسته فيها فأطاعته حيًا وميتًا ( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقول ما بين الركن والباب الملتزم) هكذا رواه ابن وضاح عن يحيى وهو الصواب وفي رواية ابنه عبيد الله ما بين الركن والمقام وهو خطأ لم يتابع عليه فالرواية في الموطأ وغيره والباب وروى عن ابن عباس مرفوعًا ما بين الركن والباب ملتزم من دعا الله عنده من ذي حاجة أو ذي كربة أو ذي غم فرج عنه قاله ابن عبد البر وفي أبي داود وابن ماجه أن عبد الله بن عمرو بن العاصي طاف ثم قال نعوذ بالله من النار ثم مضى حتى استلم الحجر وقام بين الركن والباب فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطهما ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح المهملة والموحدة الثقيلة ( أنه سمعه يذكر أن رجلاً) لم يسم ( مر على أبي ذر بالربذة) بفتح الراء والموحدة والذال المعجمة ( وأن أبا ذر سأله أين تريد فقال أردت الحج فقال هل نزعك) بزاي ومهملة أي أخرجك ( غيره) قال تعالى { { ونزع يده } } أي أخرجها ( فقال لا قال فائتنف العمل) استقبله لغفر ذنبك ومراده أنه إذا لم يخرج إلا للحج وحده كان أعظم لأجره ( قال الرجل فخرجت حتى قدمت مكة فمكثت) بضم الكاف وفتحها أقمت ( ما شاء الله) أن أمكث ( ثم إذا أنا بالناس منقصفين) أي مزدحمين ( على رجل) حتى كأن بعضهم يقصف بعضًا بدارًا إليه ( فضاغطت) بضاد وغين معجمتين وطاء مهملة زاحمت وضايقت ( عليه الناس) لأن أراه ( فإذا أنا بالشيخ الذي وجدت بالربذة يعني أبا ذر قال فلما رآني عرفني فقال هو الذي حدثتك) قال ابن عبد البر هذا لا يجوز أن يكون مثله رأيًا وإنما يدرك بالتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم قال وفيه أن الله رضي من عباده بقصد بيته مرة في عمر العبد ليحط أوزاره ويغفر ذنوبه ويخرج منها كيوم ولدته أمه كما قال في الحديث الآخر من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وقال ابن مسعود من حج بنية صادقة ونفقة طيبة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وفيه ما كان عليه أبو ذر من الفقه والعلم وقد سئل علي عنه فقال وعاء مليء علمًا عجز الناس عنه وأوكئ عليه فلم يخرج شيئًا ونظر عمر إلى ركب صادرين من الحج فقال لو يعلم الركب ما ينقلبون به من الفضل بعد المغفرة لا تكلوا ولكن ليستأنفوا العمل وسئل الثوري حين دفع الناس من عرفة إلى المزدلفة عن أخسر الناس صفقة وهو يعرض بالظلمة وأهل الفسق فقال أخسر الناس صفقة من ظن أن الله لا يغفر لهؤلاء ( مالك أنه سأل ابن شهاب عن الاستثناء في الحج) وهو أن يشترط أن يتحلل حيث أصابه مانع ( فقال أو يصنع ذلك أحد وأنكر ذلك) وإلى عدم جوازه ونفعه ذهب مالك وأبو حنيفة والأكثرون وكان ابن عمر ينكر الاشتراط في الحج ويقول أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم يحل من كل شيء حتى يحج عامًا قابلاً فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديًا رواه الشيخان والترمذي وغيرهم وذهب الشافعي وأحمد وطائفة إلى جوازه ونفعه لحديث الصحيحين وغيرهما عن عائشة دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب فقالت يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية فقال النبي صلى الله عليه وسلم حجي واشترطي وقولي اللهم محلي حيث حبستني وفي الصحيح عن ابن عباس أن ضباعة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني امرأة ثقيلة وإني أريد الحج فما تأمرني قال أهلي بالحج واشترطي أن محلي حيث تحبسني قال فأدركت وأجاب الأولون بأنها قضية عين خاصة بضباعة إذ لا عموم فيها وتأوله آخرون على أن المراد التحلل بعمرة وكذلك جاء مفسرًا من رواية ابن المسيب أنه صلى الله عليه وسلم أمر ضباعة أن تشترط اللهم الحج أردت فإن تيسر وإلا فعمرة وعن عروة أن عائشة قالت له هل تشترط إذا حججت قال ماذا أقول قالت قل اللهم الحج أردت وله عمدت فإن يسرته فهو الحج وإن حبسني حابس فهو عمرة رواه الشافعي والبيهقي ( سئل مالك هل يحتش الرجل لدابته من الحرم فقال لا) لقوله صلى الله عليه وسلم لا يعضد شجره ولا يختلى خلاه والخلا ما يبس من النبات وقال صلى الله عليه وسلم إلا الإذخر وقيس عليه السنا للحاجة العامة إليه فإن احتش فلا جزاء وقال الشافعي عليه القيمة ويجوز أن يرعى الإبل في الحرم لأنه لا يمكن الاحتراز عنه ولو منع منه امتنع السفر في الحرم والمقام فيه لتعذر الاحتراز عنه قاله الباجي.