فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا يُرَدُّ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الْقَسْمُ مِمَّا أَصَابَ الْعَدُو

رقم الحديث 984 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ عَبْدًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَبَقَ.
وَأَنَّ فَرَسًا لَهُ عَارَ.
فَأَصَابَهُمَا الْمُشْرِكُونَ.
ثُمَّ غَنِمَهُمَا الْمُسْلِمُونَ فَرُدَّا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.
وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُصِيبَهُمَا الْمَقَاسِمُ
قَالَ وسَمِعْتُ مَالكا يَقُولُ: فِيمَا يُصِيبُ الْعَدُوُّ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّهُ إِنْ أُدْرِكَ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِيهِ الْمَقَاسِمُ، فَهُوَ رَدٌّ عَلَى أَهْلِهِ.
.
وَأَمَّا مَا وَقَعَتْ فِيهِ الْمَقَاسِمُ فَلَا يُرَدُّ عَلَى أَحَدٍ وَسُئِلَ مَالِكٍ عَنْ رَجُلٍ حَازَ الْمُشْرِكُونَ غُلَامَهُ، ثُمَّ غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ.
قَالَ مَالِكٌ: صَاحِبُهُ أَوْلَى بِهِ بِغَيْرِ ثَمَنٍ، وَلَا قِيمَةٍ، وَلَا غُرْمٍ، مَا لَمْ تُصِبْهُ الْمَقَاسِمُ، فَإِنْ وَقَعَتْ فِيهِ الْمَقَاسِمُ، فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ لِسَيِّدِهِ بِالثَّمَنِ، إِنْ شَاءَ قَالَ مَالِكٌ فِي أُمِّ وَلَدِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، حَازَهَا الْمُشْرِكُونَ، ثُمَّ غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ.
فَقُسِمَتْ فِي الْمَقَاسِمِ، ثُمَّ عَرَفَهَا سَيِّدُهَا بَعْدَ الْقَسْمِ: إِنَّهَا لَا تُسْتَرَقُّ.
وَأَرَى أَنْ يَفْتَدِيَهَا الْإِمَامُ لِسَيِّدِهَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَى سَيِّدِهَا أَنْ يَفْتَدِيَهَا وَلَا يَدَعُهَا.
وَلَا أَرَى لِلَّذِي صَارَتْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِقَّهَا وَلَا يَسْتَحِلَّ فَرْجَهَا.
وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرَّةِ.
لِأَنَّ سَيِّدَهَا يُكَلَّفُ أَنْ يَفْتَدِيَهَا، إِذَا جَرَحَتْ.
فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ ذَلِكَ.
فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ أُمَّ وَلَدِهِ تُسْتَرَقُّ وَيُسْتَحَلُّ فَرْجُهَا وَسُئِلَ مالكٌ عَنِ الرَّجُلِ يَخْرُجُ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ فِي الْمُفَادَاةِ، أَوْ فِي التِّجَارَةِ، فَيَشْتَرِيَ الْحُرَّ أَوِ الْعَبْدَ، أَوْ يُوهَبَانِ لَهُ.
فَقَالَ: أَمَّا الْحُرُّ، فَإِنَّ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ، دَيْنٌ عَلَيْهِ.
وَلَا يُسْتَرَقُّ.
وَإِنْ كَانَ وُهِبَ لَهُ، فَهُوَ حُرٌّ.
وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ.
إِلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ أَعْطَى فِيهِ شَيْئًا مُكَافَأَةً فَهُوَ دَيْنٌ عَلَى الْحُرِّ.
بِمَنْزِلَةِ مَا اشْتُرِيَ بِهِ.
.
وَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِنَّ سَيِّدَهُ الْأَوَّلَ مُخَيَّرٌ فِيهِ.
إِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَيَدْفَعَ إِلَى الَّذِي اشْتَرَاهُ ثَمَنَهُ، فَذَلِكَ لَهُ.
وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُسْلِمَهُ أَسْلَمَهُ.
وَإِنْ كَانَ وُهِبَ لَهُ فَسَيِّدُهُ الْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
إِلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ أَعْطَى فِيهِ شَيْئًا مُكَافَأَةً، فَيَكُونُ مَا أَعْطَى فِيهِ غُرْمًا عَلَى سَيِّدِهِ إِنْ أَحَبَّ أَنْ يَفْتَدِيَهُ.


( مَا يُرَدُّ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الْقَسْمُ مِمَّا أَصَابَ الْعَدُو)

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وصله البخاري من طريق يحيى القطان عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر ( أَنَّ عَبْدًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَبَقَ) أي هرب فلحق بالروم يوم اليرموك كما رواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع عنه ( وَأَنَّ فَرَسًا لَهُ عَارَ) بعين وراء مخففة مهملتين بينهما ألف أي انطلق هاربًا على وجهه.
قال البخاري: مشتق من العير وهو حمار الوحش أي هرب.
قال ابن التين: أراد أنه فعل فعله في النفار.
وقال الخليل: يقال عار الفرس والكلب عيارًا أي أفلت وذهب وقال الطبري: يقال ذلك للفرس إذا فعله مرّة بعد مرّة ومنه قيل للبطال من الرجال الذي لا يثبت على طريقة عيار ومنه سهم عائر إذا لم يدر من أين أتى.
( فَأَصَابَهُمَا الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ غَنِمَهُمَا الْمُسْلِمُونَ فَرُدَّا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُصِيبَهُمَا الْمَقَاسِمُ) .

وفي البخاري عن عبيد الله عن نافع وأن فرسًا له عار فلحق بالروم فظهر عليه خالد فرده وله وللإسماعيلي عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أنه كان على فرس يوم لقي المسلمون ظبيًا وأسدًا واقتحم الفرس بابن عمر جرفًا فصرعه وسقط عبد الله فعار الفرس فأخذه العدو وأمير المسلمين يومئذ خالد بن الوليد بعثه أبو بكر، فلما هزم العدو ردّ خالد فرسه عليه فصرح بأن قصة الفرس كانت في زمن أبي بكر.
وفي البخاري وأبي داود من طريق عبد الله بن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: ذهب فرس له فأخذه العدو فظهر عليه المسلمون فرد عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأبق عبد له فلحق بالروم فظهر عليهم المسلمون فرده عليه خالد بن الوليد بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
فصرح بأن قصة الفرس في الزمن النبوي وقصة العبد بعده.
ووافق ابن نمير إسماعيل بن زكريا عن عبيد الله عند الإسماعيلي وصححه الداودي وأنه كان في غزوة مؤتة وكذا صوبه ابن عبد البر.

( قَالَ وسَمِعْتُ مَالكا يَقُولُ فِيمَا يُصِيبُ الْعَدُوُّ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ إِنَّهُ إِنْ أُدْرِكَ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِيهِ الْمَقَاسِمُ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى أَهْلِهِ) لوقوع رد فرس ابن عمر وعبده له قبل القسم في زمن أبي بكر والصحابة متوافرون من غير نكير منهم.
( وَأَمَّا مَا وَقَعَتْ فِيهِ الْمَقَاسِمُ فَلَا يُرَدُّ عَلَى أَحَدٍ) وبه قال عمر وسلمان والليث وأحمد وآخرون، ونقل عن الفقهاء السبعة، وبه جاء حديث مرفوع عن ابن عباس أن رجلاً وجد بعيرًا له أصابه المشركون فقال صلى الله عليه وسلم: إن أصبته قبل أن يقسم فهو لك وإن أصبته بعد ما قسم أخذته بالغنيمة.
رواه الدارقطني بإسناد ضعيف لكنه تقوّى بأثر ابن عمرو عن أبي حنيفة كقول مالك إلا في الآبق فقال هو والثوري صاحبه أحق به مطلقًا.

( وَسُئِلَ مَالِكٍ عَنْ رَجُلٍ حَازَ الْمُشْرِكُونَ غُلَامَهُ ثُمَّ غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ قَالَ مَالِكٌ صَاحِبُهُ أَوْلَى) أحق به ( بِغَيْرِ ثَمَنٍ وَلَا قِيمَةٍ وَلَا غُرْمٍ مَا لَمْ تُصِبْهُ الْمَقَاسِمُ فَإِنْ وَقَعَتْ فِيهِ الْمَقَاسِمُ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ لِسَيِّدِهِ بِالثَّمَنِ إِنْ شَاءَ) لأن دار الحرب لها شبهة الملك وقال الشافعي وجماعة لا يملك أهل الحرب بالغلبة شيئًا من مال المسلمين ولصاحبه أخذه قبل الغنيمة وبعدها وعن علي والزهري وعمرو بن دينار والحسن لا يرد أصلاً ويختص به الغانمون.

( قَالَ مَالِكٌ فِي أُمِّ وَلَدِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَازَهَا الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ فَقُسِمَتْ فِي الْمَقَاسِمِ ثُمَّ عَرَفَهَا سَيِّدُهَا بَعْدَ الْقَسْمِ إِنَّهَا لَا تُسْتَرَقُّ) بعد جريان الحرية فيها بأمومة الولد ( وَأَرَى أَنْ يَفْتَدِيَهَا الْإِمَامُ لِسَيِّدِهَا) من الفيء ( فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَى سَيِّدِهَا) وجوبًا كما دلّ عليه لفظ على ( أَنْ يَفْتَدِيَهَا وَلَا يَدَعُهَا) بالرفع والنصب ( وَلَا أَرَى لِلَّذِي صَارَتْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِقَّهَا وَلَا يَسْتَحِلَّ فَرْجَهَا) لجريان الحرية فيها ( وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرَّةِ) إذا حازها الحربيون ثم ظهر عليهم لا تسترق ولا يحل فرجها وعلل كونها بمنزلتها بقوله ( لِأَنَّ سَيِّدَهَا يُكَلَّفُ أَنْ يَفْتَدِيَهَا إِذَا جَرَحَتْ) إنسانًا ( فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ ذَلِكَ) وحينئذ ( فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ أُمَّ وَلَدِهِ تُسْتَرَقُّ وَيُسْتَحَلُّ فَرْجُهَا) فالفاء للتفريع على ما قبله.

( وَسُئِلَ مالكٌ عَنِ الرَّجُلِ يَخْرُجُ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ فِي الْمُفَادَاةِ) لما أسروه من المسلمين ( أَوْ فِي التِّجَارَةِ فَيَشْتَرِيَ الْحُرَّ أَوِ الْعَبْدَ أَوْ يُوهَبَانِ لَهُ) ما الحكم ( فَقَالَ: أَمَّا الْحُرُّ فَإِنَّ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ) بأمره أو بغير أمره ( دَيْنٌ) خبر إن وفي نسخة بالنصب بتقدير يكون دينًا ( عَلَيْهِ وَلَا يُسْتَرَقُّ) لوجوب فدائه على نفسه وحرمة مقامه مع قدرته على الفداء فوجب رجوعه عليه لأنه اشتراه بما كان يلزمه وهو مقدم على جماعة المسلمين في فداء نفسه إذا قدر عليه، قاله أبو عمر ( وَإِنْ كَانَ وُهِبَ لَهُ فَهُوَ حُرٌّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ أَعْطَى فِيهِ شَيْئًا مُكَافَأَةً) بالهمزة على الهبة ( فَهُوَ دَيْنٌ عَلَى الْحُرِّ بِمَنْزِلَةِ مَا اشْتُرِيَ بِهِ) لأن هبة الثواب كالبيع ( وَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِنَّ سَيِّدَهُ الْأَوَّلَ مُخَيَّرٌ فِيهِ إِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَدْفَعَ إِلَى الَّذِي اشْتَرَاهُ ثَمَنَهُ فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُسْلِمَهُ أَسْلَمَهُ) لمن اشتراه ( وَإِنْ كَانَ وُهِبَ لَهُ فَسَيِّدُهُ الْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ أَعْطَى فِيهِ شَيْئًا مُكَافَأَةً فَيَكُونُ مَا أَعْطَى فِيهِ غُرْمًا) بضم فسكون مصدر غرم أي مؤدى ( عَلَى سَيِّدِهِ إِنْ أَحَبَّ أَنْ يَفْتَدِيَهُ) وإن أحب تركه له وسواء اشتراه بإذن سيده أم بغير إذنه فيلزمه ما اشتراه به إلا أن يكون أكثر من قيمته مما لا يتغابن بمثله فيخير.