فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْغُلُولِ

رقم الحديث 990 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَدَرَ مِنْ حُنَيْنٍ، وَهُوَ يُرِيدُ الْجِعِرَّانَةَ، سَأَلَهُ النَّاسُ، حَتَّى دَنَتْ بِهِ نَاقَتُهُ مِنْ شَجَرَةٍ، فَتَشَبَّكَتْ بِرِدَائِهِ حَتَّى نَزَعَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي.
أَتَخَافُونَ أَنْ لَا أَقْسِمَ بَيْنَكُمْ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ.
لَوْ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ سَمُرِ تِهَامَةَ نَعَمًا، لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ.
ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا، وَلَا جَبَانًا، وَلَا كَذَّابًا، فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِي النَّاسِ، فَقَالَ: أَدُّوا الْخِيَاطَ وَالْمِخْيَطَ، فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ، وَنَارٌ، وَشَنَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: ثُمَّ تَنَاوَلَ مِنَ الْأَرْضِ وَبَرَةً مِنْ بَعِيرٍ، أَوْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ.
وَلَا مِثْلُ هَذِهِ، إِلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ.


( مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ) بن قيس الأنصاري الثقة المأمون أخو يحيى بن سعيد روى عنه جماعة من الأئمة، ومات سنة تسع وثلاثين وقيل سنة إحدى وأربعين ومائة، له في الموطأ مرفوعًا ثلاثة أحاديث هذا ثانيها.
( عَنْ عَمْرِو) بفتح العين ( بْنِ شُعَيْبٍ) بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاصي صدوق مات سنة ثماني عشرة ومائة.
قال ابن عبد البر: لا خلاف عن مالك في إرساله ووصله النسائي.
قال الحافظ بإسناد حسن من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه، وأخرجه النسائي أيضًا بإسناد حسن من حديث عبادة بن الصامت.

( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَدَرَ) رجع ( مِنْ حُنَيْنٍ وَهُوَ يُرِيدُ الْجِعِرَّانَةَ) بكسر الجيم وسكون العين وخفة الراء وبكسر العين وشدّ الراء، والأولى أفصح.
( سَأَلَهُ النَّاسُ) وزاد في الطريق الموصولة فقالوا أقسم علينا فيئنا ( حَتَّى دَنَتْ بِهِ نَاقَتُهُ مِنْ شَجَرَةٍ) أي سمرة بفتح المهملة وضم الميم، من شجر البادية ذات شوك، ففي الصحيح عن جبير بن مطعم أنه بينما هو يسير مع النبي صلى الله عليه وسلم مقفلة من حنين فعلقت الناس الأعراب يسألونه حتى اضطروه إلى سمرة.
( فَتَشَبَّكَتْ بِرِدَائِهِ) أي علق شوكها به ( حَتَّى نَزَعَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ) وفي حديث جبير فخطفت رداءه وهو مجازًا والمراد خطفته الأعراب ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زاد النسائي: يا أيها الناس ( رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي) وفي حديث جبير: فوقف وقال: أعطوني ردائي، يعني خلصوه من الشجرة وأعطوه لي وإن كانوا خطفوه فالرّد بلا تخليص ( أَتَخَافُونَ أَنْ لَا أَقْسِمَ بَيْنَكُمْ مَا أَفَاءَ) ردّ ( اللَّهُ عَلَيْكُمْ) من الغنيمة وأصل الفيء الرّد والرجوع، ومنه سمي الظل بعد الزوال فيئًا لرجوعه من جانب إلى جانب، فكأن أموال الكفار سميت فيئًا لأنها كانت في الأصل للمؤمنين إذ الإيمان هو الأصل والكفر طار عليه.
( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) إن شاء أبقاها وإن شاء أخذها وهو قسم كان يقسم به كثيرًا ( لَوْ أَفَاءَ) بالهمز ولا يجوز الإبدال ( اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ سَمُرِ) بفتح المهملة وضم الميم شجر ( تِهَامَةَ) جمع سمرة بالتاء شجرة طويلة متفرّقة الرأس قليلة الظل صغيرة الورق والشوك صلبة الخشب، قاله ابن التين.
وقال الداودي: هي العضاه بكسر المهملة وفتح المعجمة الخفيفة آخره هاء وصلاً ووقفًا شجر الشوك كطلح وعوسج وسدر.
وقال الخطابي ورق السمرة أثبت وظلها أكثف، ويقال: هي شجرة الطلح وللنسائي لو أن لكم بعدد شجر تهامة، وفي حديث جبير: لو كان لي عدد هذه العضاه ( نَعَمًا) بفتحتين والنصب على التمييز ( لَقَسَمْتُهُ عَلَيْكُمْ) وفي رواية بينكم.
( ثُمَّ لَا تَجِدُونِي) بنون واحدة وفي رواية تجدونني بنونين ( بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذَّابًا) أي إذا جربتموني لا تجدوني ذا بخل ولا ذا جبن ولا ذا كذب، فالمراد نفي الوصف من أصله لا نفي المبالغة التي دل عليها الثلاثة لأن كذابًا من صيغ المبالغة وجبانًا صفة مشبهة وبخيلاً محتمل الأمرين.

قال ابن المنير: وفي جمعه صلى الله عليه وسلم بين هذه الصفات لطيفة لأنها متلازمة وكذا أضدادها الصدق والكرم والشجاعة.
وأصل المعنى هنا الشجاعة فإن الشجاع واثق من نفسه بالخلف من كسب سيفه فبالضرورة لا يبخل وإذا سهل عليه العطاء لا يكذب بالخلف في الوعد لأن الخلف إنما ينشأ من البخل، وقوله: لو كان لي عدد هذه العضاه تنبيه بطريق الأولى لأنه إذا سمح بمال نفسه فلأن يسمح بقسم غنائمهم عليهم أولى، واستعمال ثم هنا ليس مخالفًا لمقتضاها وإن كان الكرم يتقدم العطاء لكن علم الناس بكرم الكريم إنما يكون بعد العطاء.
وليس المراد بثم الدلالة على تراخي العلم بالكرم عن العطاء، وإنما التراخي هنا لعلو رتبة الوصف كأنه قال وأعلى من العطاء بما لا يتعارف أن يكون العطاء عن كرم فقد يكون عطاء بلا كرم كعطاء البخيل ونحو ذلك انتهى.
وفيه ذمّ الخصال المذكورة، وأن الإمام لا يصلح أن يكون فيه خصلة منها وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الحلم وحسن الخلق وسعة الجود والصبر على جفاة الأعراب وجواز وصف المرء نفسه بالخصال الحميدة عند الحاجة لخوف ظن أهل الجهل به خلاف ذلك، ولا يكون من الفخر المذموم، ورضا السائل بالحق للوعد إذا تحقق من الواعد التنجيز وأن الخيار للإمام في قسم الغنيمة إن شاء بعد فراغ الحرب وإن شاء بعد ذلك.

( فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عن ناقته ( قَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ أَدُّوا الْخِيَاطَ) بكسر المعجمة وتحتية بزنة لحاف، أي الخيط بدليل رواية الخائط، واحد الخيوط المعروفة.
وإن احتمل الخياط الإبرة لكن يدفعه قوله ( وَالْمِخْيَطَ) بكسر الميم وإسكان المعجمة وفتح الياء فإنه الإبرة بلا خلاف وهذا خرج على التقليل ليكون ما فوقه أولى بالدخول في معناه ( فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ) شيء يلزم منه شين أو سبة في الدنيا ( وَنَارٌ) يوم القيامة ( وَشَنَارٌ) بفتح الشين المعجمة والنون الخفيفة فألف فراء أقبح العيب والعار ( عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قال ابن عبد البر: الشنار لفظة جامعة لمعنى النار والعار، ومعناها الشين والنار، يريد أن الغلول شين وعار ومنقصة في الدنيا وعذاب ونار في الآخرة.

( قَالَ ثُمَّ تَنَاوَلَ مِنَ الْأَرْضِ وَبَرَةً) بفتح الموحدة والراء شعرة ( مِنْ بَعِيرٍ أَوْ شَيْئًا) شك الراوي وللنسائي ثم مال إلى راحلته فأخذ منها وبرة فوضعها بين إصبعيه ( ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَلَا مِثْلُ هَذِهِ) الوبرة ( إِلَّا الْخُمُسُ) فإنه لي أعمل فيه برأيي ( وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ) باجتهادي لأن الأربعة الأخماس مقسومة على المقاتلين الشريف والمشروف والرفيع والوضيع والغني والفقير بالسواء لا مدخل فيها للاجتهاد بالاتفاق المتلقى عن المصطفى لكن اختلف في سهم الفارس كما تقدم زاد النسائي فقام رجل ومعه كبة شعر فقال: يا رسول الله أخذت هذه لأصلح بها بردعة فقال: أمّا ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك فقال: أما إذا بلغت ما أرى فلا أرب لي فيها ونبذها.
وروى عبد الرزاق أن عقيل بن أبي طالب دخل على امرأته فاطمة بنت شيبة يوم حنين وسيفه ملطخ دمًا فقال: دونك هذه الإبرة تخيطين بها ثيابك فدفعها إليها فسمع المنادي يقول من أخذ شيئًا فليرده حتى الخيط والمخيط فرجع عقيل فأخذها فألقاها في الغنائم.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاري ( عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ) بفتح المهملة والموحدة الثقيلة ( أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ) قال ابن عبد البر: كذا ليحيى وهو غلط سقط منه شيخ محمد وهو في رواية غيره إلا أنهم اختلفوا فقال القعنبي وابن القاسم وأبو مصعب ومعن بن عيسى وسعيد بن عفير: عن محمد بن يحيى بن حبان عن أبي عمرة، وقال ابن وهب ومصعب الزبيري عن ابن أبي عمرة واسمه عبد الرحمن.
وفي التقريب أبو عمرة الأنصاري عن زيد بن خالد صوابه عن ابن أبي عمرة واسمه عبد الرحمن الأنصاري البخاري يقال ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن أبي حاتم ليست له صحبة انتهى.
وأبوه أبو عمرة صحابي شهيد بدري اسمه بشير وقيل أسامة وقيل ثعلبة مات في خلافة علي فعلم أن الصواب رواية ابن وهب ومصعب عن محمد بن يحيى عن ابن أبي عمرة أن زيد بن خالد ( الْجُهَنِيَّ) بضم الجيم وفتح الهاء المدني الصحابي المشهور مات بالكوفة سنة ثمان وستين أو سبعين وله خمس وثمانون سنة.

( قَالَ تُوُفِّيَ رَجُلٌ) لم يسم ( يَوْمَ خَيْبَرَ) بخاء معجمة وآخره راء عند جميع الرواة إلا يحيى فقال: يوم حنين، وهو وهم منه والصحيح خيبر ويدل عليه قوله من خرز يهود ولم يكن بحنين يهود قاله ابن عبد البر.
وكذا قال الباجي يدل عليه قوله من خرز يهود ولم يكن يوم حنين يهود يؤخذ خرزهم ( وَإِنَّهُمْ ذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ليصلي ( فَزَعَمَ زَيْدٌ) أي قال حقًا كقوله صلى الله عليه وسلم زعم جبريل ويطلق أيضًا على الكذب، ومنه { { زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا } } وعلى قول لم يوثق به كقوله كذا زعموا خير أهل اليمن وما هنا من الأول ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ) لأن الإمام لا يصلي على ذي كبيرة ( فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ لِذَلِكَ) أي عدم صلاته عليه ولم يعلموا ذنبه ( فَزَعَمَ زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ صَاحِبَكُمْ قَدْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) خان في الغنيمة ( قَالَ) زيد ( فَفَتَحْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا خَرَزَاتٍ مِنْ خَرَزِ) جمع خرزة بزنة قصب وقصبة ما ينظم ( يَهُودَ مَا يُسَاوِينَ) وفي رواية ما تساوين ( دِرْهَمَيْنِ) ففي هذا تعظيم أمر الغلول وأنه لا فرق بين كثيره وقليله.
وهذا الحديث رواه الترمذي والنسائي من طريق مالك وغيره.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الْكِنَانِيِّ) قال في الإكمال: سئل أبو زرعة الرازي عن اسم أبي بردة فقال: لا أعرفه ( أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى النَّاسَ فِي قَبَائِلِهِمْ) جمع قبيلة الجماعة المجتمعون من قوم شتى ( يَدْعُو لَهُمْ وَأَنَّهُ تَرَكَ قَبِيلَةً مِنَ الْقَبَائِلِ) بغير دعاء ( قَالَ وَإِنَّ الْقَبِيلَةَ وَجَدُوا فِي بَرْدَعَةِ) بدال مهملة ومعجمة حلس يجعل تحت الرحل هذا أصله لغة، وفي عرف زماننا هي للحمار بمنزل السرج للفرس كما في المصباح وقال الباجي: هي الفراش المبطن ( رَجُلٍ مِنْهُمْ عِقْدَ) بكسر العين وإسكان القاف قلادة ( جَزْعٍ) بفتح الجيم وسكون الزاي خرز فيه بياض وسواد الواحدة جزعة مثل تمر وتمرة ( غُلُولًا) خيانة ( فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَبَّرَ عَلَيْهِمْ كَمَا يُكَبِّرُ عَلَى الْمَيِّتِ) قال الباجي: يحتمل أن ذلك زجر لهم إشارة إلى أن حكمهم حكم الموتى الذين لا يسمعون المواعظ ولا يمتثلون الأوامر ولا يجتنبون النواهي.
ويحتمل أنه إشارة إلى أنهم بمنزلة الموتى الذين انقطع عملهم وأنهم لا يقضى لهم بتوبة انتهى.
والأول أظهر وبه جزم أبو عمر وقال: لا أعلم هذا الحديث روي مسندًا بوجه من الوجوه.

( مَالِكٍ عَنْ ثَوْرِ) بمثلثة ( بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ) بكسر المهملة وإسكان التحتية المدني ( عَنْ أَبِي الْغَيْثِ) بمعجمة فتحتية فمثلثة ( سَالِمٍ) المدني وهو بكنيتيه أشهر من اسمه، وقد سمي هنا فلا التفات لمن قال لا يوقف على اسمه صحيحًا نعم لا يعرف اسم أبيه ( مَوْلَى) عبد الله ( ابْنِ مُطِيعٍ) بن الأسود القرشي العدوي المدني له رؤية، وأمّره ابن الزبير على الكوفة.
ثم قتل معه سنة ثلاث وسبعين ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ) بمعجمة آخره راء كما رواه ابن وضاح عن يحيى وهو الصواب الذي لجماعة رواة الموطأ.
وغلط عبيد الله بن يحيى فقال: حنين نبه عليه ابن عبد البر وحكى الدارقطني عن موسى بن هارون أن ثور بن زيد وهم في قوله خرجنا لأن أبا هريرة لم يخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، وإنما قدم بعد خروجهم وقدم عليهم خيبر بعد أن فتحت، يعني كما رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة قال: قدمت المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر، وقد استخلف سباع بن عرفطة، الحديث.
وفيه فزوّدنا شيئًا حتى أتينا خيبر وقد افتتحها النبي صلى الله عليه وسلم فكلم المسلمين فأشركونا في سهامهم.
وقد رواه محمد بن إسحاق عن ثور بن زيد بلفظ: انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى فلعل ثورًا وهم لما حدث به غير ابن إسحاق وزعم أن روايته أرجح لا تسمع فأين يقع سماعه من سماع مالك حتى يقدم عليه، وقد تابع مالكًا عبد العزيز الدراوردي في مسلم والبيهقي من وجه آخر عن أبي هريرة قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من خيبر إلى وادي القرى، فلعل هذا أصل الحديث ولا يشك أحد أن أبا هريرة حضر قسمة الغنائم ( فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا وَرِقًا) وفي رواية ولا فضة ( إِلَّا الْأَمْوَالَ الثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ) كذا ليحيى وحده.
وللشافعي وابن وهب وابن القاسم وغيرهم: إلا الأموال والثياب والمتاع بحرف العطف قال الحافظ: وهو المحفوظ وقال القعنبي: إلا الثياب والمتاع والأموال.

وروى هذا الحديث أبو إسحاق الفزاري عن مالك قال: حدثني ثور بن زيد الديلي قال: حدثني سالم مولى ابن مطيع أنه سمع أبا هريرة يقول: افتتحنا خيبر فلم نغنم ذهبًا ولا فضة إنما غنمنا الإبل والبقر والمتاع والحوائط.
أخرجه البخاري في المغازي وهي سالمة من الاعتراض بحمل قوله: افتتحنا أي المسلمون، وله نظائر.
قال ابن عبد البر: فجوّز أبو إسحاق مع جلالته إسناده بسماع بعضهم من بعض وقضى بأنها خيبر لا حنين ورفع الإشكال قال: وفي الحديث أن بعض العرب وهي دوس لا تسمي العين مالاً وإنما الأموال عندهم الثياب والمتاع والعروض وعند غيرهم المال الصامت من الذهب والورق: وقال الحافظ: مقتضاه أن الثياب والمتاع لا يسمى مالاً.
وقد نقل ثعلب عن ابن الأعرابي عن المفضل الضبي قال: المال عند العرب الصامت والناطق؛ فالصامت الذهب والفضة والجوهر والناطق البعير والبقر والشاة، فإذا قلت عن حضري كثر ماله فالمراد الصامت، وإن قلت عن بدوي فالمراد الناطق انتهى.
وقد أطلق أبو قتادة على البستان مالاً كما مر من قوله: فابتعت به مخرفًا فإنه لأول مال تأثلته فالذي يظهر أن المال ما له قيمة لكن قد يغلب على قوم تخصيصه بشيء كما حكاه المفضل فتحمل الأموال على المواشي والحوائط التي ذكرت في الحديث ولا يراد بها النقود لأنه نفاها أولاً ثم لا تخالف بين قول أبي هريرة فكلم المسلمين فأشركونا في سهامهم وبين قول أبي موسى الأشعري ولم يقسم لأحد لم يشهد الفتح غيرنا يعني الأشعريين لأن مراده من غير استرضاء أحد من الغانمين.
وأما أبو هريرة وأصحابه فلم يعطهم إلا عن طيب خواطر المسلمين.

( قَالَ فَأَهْدَى رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ) أحد بني الضباب كذا في رواية أبي إسحاق عن مالك بكسر الضاد المعجمة وموحدتين الأولى خفيفة بينهما ألف بلفظ جمع الضب.
وعند مسلم: وهب له رجل من جذام يدعى رفاعة بن زيد من بني الضبيب، بضم المعجمة بصيغة التصغير.
وفي رواية محمد بن إسحاق رفاعة بن زيد الجذامي ثم الضبني، بضم المعجمة وفتح الموحدة بعدها نون، وقيل بفتح المعجمة وكسر الموحدة نسبة إلى بطن من جذام.
قال الواقدي كان رفاعة وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في ناس من قومه قبل خروجه إلى خيبر فأسلموا وعقد له على قومه ( غُلَامًا) عبدًا ( أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ) بكسر الميم وسكون الدال وفتح العين: المهملتين، صحابي رضي الله عنه ( فَوَجَّهَ) بفتح الواو، وقال الكرماني: بالبناء للمجهول ( رَسُولُ اللَّهِ) وفي رواية الفزاري: ثم انصرفنا مع رسول الله ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَادِي الْقُرَى) بضم القاف وفتح الراء مقصور، موضع بقرب المدينة.
( حَتَّى إِذَا كُنَّا بِوَادِي الْقُرَى بَيْنَمَا) بالميم بلا فاء ( مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زاد في رواية البيهقي: وقد استقبلتنا يهود بالرمي ولم نكن على تعبية ( إِذْ جَاءَهُ) أي مدعمًا ( سَهْمٌ عَائِرٌ) بعين مهملة فألف فهمزة فراء، بزنة الفاعل أي: لا يدري من رمى به وقيل: هو الحائد عن قصده ( فَأَصَابَهُ فَقَتَلَهُ فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ) وفي رواية الفزاري الشهادة ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَّا) ردع لهم عن هذا القول ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ) كساء يشتمل به ويلتف فيه وقيل: إنما تسمى شملة إذا كان لها هدب ( الَّتِي أَخَذَ) ها وفي رواية أصابها ( يَوْمَ خَيْبَرَ) بمعجمة أوله وراء بلا نقط آخره على الصواب ( مِنَ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ) بزنة تفتعل عند ابن وضاح، ولابن يحيى لتشعل بالبناء للمجهول ( عَلَيْهِ نَارًا) قال الحافظ: يحتمل أن يكون ذلك حقيقة بأن تصير الشملة نفسها نارًا فيعذب بها.
ويحتمل أن المراد أنها سبب لعذاب النار، وكذا يقال في الشراك الآتي.

وفي الصحيح عن عبد الله بن عمرو قال: كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له: كركرة فقال صلى الله عليه وسلم هو في النار في عباءة غلها، وكلام عياض يشعر باتحاد قصته مع قصة مدعم والذي يظهر من عدة أوجه تغايرهما فإن قصة مدعم كانت بوادي القرى ومات بسهم وغل شملة.
والذي أهداه رفاعة بخلاف كركرة فأهداه هوذة بن علّي وكان نوبيًّا أسود يمسك دابته صلى الله عليه وسلم في القتال فأعتقه أي: وغل عباءة ولم يمت بسهم بل ذكر البلاذري أنه مات في قتال أهل الردة بعده صلى الله عليه وسلم فافترقا، نعم روى مسلم عن عمر: لمّا كان يوم خيبر قالوا: فلان شهيد فقال صلى الله عليه وسلم كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة.
فهذا يمكن تفسيره بكركرة بفتح الكافين وبكسرهما قاله عياض.
وقال النووي: إنما اختلف في كافه الأولى، أما الثانية فمكسورة اتفاقًا.
وقوله هو في النار: أي يعذب على معصيته إن لم يعف الله تعالى عنه.

( قَالَ فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ ذَلِكَ جَاءَ رَجُلٌ) قال الحافظ: لم أقف على اسمه ( بِشِرَاكٍ) بكسر الشين المعجمة وخفة الراء سير النعل على ظهر القدم ( أَوْ شِرَاكَيْنِ) شك الراوي ( إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زاد في رواية الفزاري فقال: هذا شيء كنت أصبته ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ) تعذب بها أو سبب لعذاب النار، والشك من الراوي، وفيه تعظيم الغلول وإن قلَّ.
وأخرجه البخاري في الأيمان والنذور عن إسماعيل.
ومسلم من طريق ابن وهب عن مالك به.
وتابعه عبد العزيز الدراوردي عن ثور به عند مسلم.
ورواه البخاري في المغازي نازلاً عن عبد الله بن محمد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري عن مالك بنحوه بينه وبين مالك ثلاثة.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وقد رواه أبو عمر متصلاً ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ) موقوفًا وحكمه الرفع لأنه لا يقال رأيًا وقد رواه ابن ماجه وغيره بنحوه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بدون الجملة الأولى وهي ( مَا ظَهَرَ الْغُلُولُ) الخيانة في الغنيمة ( فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا أُلْقِيَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبُ) بالضم: الخوف معاملة بالنقيض فإن المال يقوّي القلب فلمّا أخذوه بغير حل خافوا، قال أبو عمر من عدوهم فجبنوا عن لقائهم فظهر العدّو عليهم ثم لا يحتمل أن ذلك فيمن غل دون من لم يغل ولم يرض به والأظهر أنه عام مع القدرة على التغيير ولم يفعلوا ولم تنكره قلوبهم، قال تعالى: { { فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ } } وقال تعالى: { { أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } }

( وَلَا فَشَا) ظهر وانتشر ( الزِّنَا فِي قَوْمٍ قَطُّ) ولم ينكر على فاعله ( إِلَّا كَثُرَ فِيهِمُ الْمَوْتُ) كما وقع في قصة بني إسرائيل ( وَلَا نَقَصَ قَوْمٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا قُطِعَ عَنْهُمُ الرِّزْقُ) أي البركة فيه أو ضيق عليهم لا أصل الرزق فلا تنافي بين هذا ونحوه كحديث: إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه وبين أحاديث إن الرزق لا تزيده الطاعة ولا تنقصه المعصية ( وَلَا حَكَمَ قَوْمٌ بِغَيْرِ الْحَقِّ) عن عمد أو جهل ( إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الدَّمُ) ولابن ماجه مرفوعًا: ولا حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر ولا منافاة بينهما.
( وَلَا خَتَرَ) بفتح الخاء المعجمة والمثناة الفوقية وراء بلا نقط: غدر ( قَوْمٌ بِالْعَهْدِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْعَدُوَّ) جزاء لما اجترحوه من نقض العهد المأمور بالوفاء به.



رقم الحديث 991 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ قَالَ: تُوُفِّيَ رَجُلٌ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَإِنَّهُمْ ذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَزَعَمَ زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ لِذَلِكَ.
فَزَعَمَ زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ صَاحِبَكُمْ قَدْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، قَالَ: فَفَتَحْنَا مَتَاعَهُ، فَوَجَدْنَا خَرَزَاتٍ مِنْ خَرَزِ يَهُودَ، مَا تُسَاوِينَ دِرْهَمَيْنِ.


( مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ) بن قيس الأنصاري الثقة المأمون أخو يحيى بن سعيد روى عنه جماعة من الأئمة، ومات سنة تسع وثلاثين وقيل سنة إحدى وأربعين ومائة، له في الموطأ مرفوعًا ثلاثة أحاديث هذا ثانيها.
( عَنْ عَمْرِو) بفتح العين ( بْنِ شُعَيْبٍ) بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاصي صدوق مات سنة ثماني عشرة ومائة.
قال ابن عبد البر: لا خلاف عن مالك في إرساله ووصله النسائي.
قال الحافظ بإسناد حسن من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه، وأخرجه النسائي أيضًا بإسناد حسن من حديث عبادة بن الصامت.

( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَدَرَ) رجع ( مِنْ حُنَيْنٍ وَهُوَ يُرِيدُ الْجِعِرَّانَةَ) بكسر الجيم وسكون العين وخفة الراء وبكسر العين وشدّ الراء، والأولى أفصح.
( سَأَلَهُ النَّاسُ) وزاد في الطريق الموصولة فقالوا أقسم علينا فيئنا ( حَتَّى دَنَتْ بِهِ نَاقَتُهُ مِنْ شَجَرَةٍ) أي سمرة بفتح المهملة وضم الميم، من شجر البادية ذات شوك، ففي الصحيح عن جبير بن مطعم أنه بينما هو يسير مع النبي صلى الله عليه وسلم مقفلة من حنين فعلقت الناس الأعراب يسألونه حتى اضطروه إلى سمرة.
( فَتَشَبَّكَتْ بِرِدَائِهِ) أي علق شوكها به ( حَتَّى نَزَعَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ) وفي حديث جبير فخطفت رداءه وهو مجازًا والمراد خطفته الأعراب ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زاد النسائي: يا أيها الناس ( رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي) وفي حديث جبير: فوقف وقال: أعطوني ردائي، يعني خلصوه من الشجرة وأعطوه لي وإن كانوا خطفوه فالرّد بلا تخليص ( أَتَخَافُونَ أَنْ لَا أَقْسِمَ بَيْنَكُمْ مَا أَفَاءَ) ردّ ( اللَّهُ عَلَيْكُمْ) من الغنيمة وأصل الفيء الرّد والرجوع، ومنه سمي الظل بعد الزوال فيئًا لرجوعه من جانب إلى جانب، فكأن أموال الكفار سميت فيئًا لأنها كانت في الأصل للمؤمنين إذ الإيمان هو الأصل والكفر طار عليه.
( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) إن شاء أبقاها وإن شاء أخذها وهو قسم كان يقسم به كثيرًا ( لَوْ أَفَاءَ) بالهمز ولا يجوز الإبدال ( اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ سَمُرِ) بفتح المهملة وضم الميم شجر ( تِهَامَةَ) جمع سمرة بالتاء شجرة طويلة متفرّقة الرأس قليلة الظل صغيرة الورق والشوك صلبة الخشب، قاله ابن التين.
وقال الداودي: هي العضاه بكسر المهملة وفتح المعجمة الخفيفة آخره هاء وصلاً ووقفًا شجر الشوك كطلح وعوسج وسدر.
وقال الخطابي ورق السمرة أثبت وظلها أكثف، ويقال: هي شجرة الطلح وللنسائي لو أن لكم بعدد شجر تهامة، وفي حديث جبير: لو كان لي عدد هذه العضاه ( نَعَمًا) بفتحتين والنصب على التمييز ( لَقَسَمْتُهُ عَلَيْكُمْ) وفي رواية بينكم.
( ثُمَّ لَا تَجِدُونِي) بنون واحدة وفي رواية تجدونني بنونين ( بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذَّابًا) أي إذا جربتموني لا تجدوني ذا بخل ولا ذا جبن ولا ذا كذب، فالمراد نفي الوصف من أصله لا نفي المبالغة التي دل عليها الثلاثة لأن كذابًا من صيغ المبالغة وجبانًا صفة مشبهة وبخيلاً محتمل الأمرين.

قال ابن المنير: وفي جمعه صلى الله عليه وسلم بين هذه الصفات لطيفة لأنها متلازمة وكذا أضدادها الصدق والكرم والشجاعة.
وأصل المعنى هنا الشجاعة فإن الشجاع واثق من نفسه بالخلف من كسب سيفه فبالضرورة لا يبخل وإذا سهل عليه العطاء لا يكذب بالخلف في الوعد لأن الخلف إنما ينشأ من البخل، وقوله: لو كان لي عدد هذه العضاه تنبيه بطريق الأولى لأنه إذا سمح بمال نفسه فلأن يسمح بقسم غنائمهم عليهم أولى، واستعمال ثم هنا ليس مخالفًا لمقتضاها وإن كان الكرم يتقدم العطاء لكن علم الناس بكرم الكريم إنما يكون بعد العطاء.
وليس المراد بثم الدلالة على تراخي العلم بالكرم عن العطاء، وإنما التراخي هنا لعلو رتبة الوصف كأنه قال وأعلى من العطاء بما لا يتعارف أن يكون العطاء عن كرم فقد يكون عطاء بلا كرم كعطاء البخيل ونحو ذلك انتهى.
وفيه ذمّ الخصال المذكورة، وأن الإمام لا يصلح أن يكون فيه خصلة منها وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الحلم وحسن الخلق وسعة الجود والصبر على جفاة الأعراب وجواز وصف المرء نفسه بالخصال الحميدة عند الحاجة لخوف ظن أهل الجهل به خلاف ذلك، ولا يكون من الفخر المذموم، ورضا السائل بالحق للوعد إذا تحقق من الواعد التنجيز وأن الخيار للإمام في قسم الغنيمة إن شاء بعد فراغ الحرب وإن شاء بعد ذلك.

( فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عن ناقته ( قَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ أَدُّوا الْخِيَاطَ) بكسر المعجمة وتحتية بزنة لحاف، أي الخيط بدليل رواية الخائط، واحد الخيوط المعروفة.
وإن احتمل الخياط الإبرة لكن يدفعه قوله ( وَالْمِخْيَطَ) بكسر الميم وإسكان المعجمة وفتح الياء فإنه الإبرة بلا خلاف وهذا خرج على التقليل ليكون ما فوقه أولى بالدخول في معناه ( فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ) شيء يلزم منه شين أو سبة في الدنيا ( وَنَارٌ) يوم القيامة ( وَشَنَارٌ) بفتح الشين المعجمة والنون الخفيفة فألف فراء أقبح العيب والعار ( عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قال ابن عبد البر: الشنار لفظة جامعة لمعنى النار والعار، ومعناها الشين والنار، يريد أن الغلول شين وعار ومنقصة في الدنيا وعذاب ونار في الآخرة.

( قَالَ ثُمَّ تَنَاوَلَ مِنَ الْأَرْضِ وَبَرَةً) بفتح الموحدة والراء شعرة ( مِنْ بَعِيرٍ أَوْ شَيْئًا) شك الراوي وللنسائي ثم مال إلى راحلته فأخذ منها وبرة فوضعها بين إصبعيه ( ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَلَا مِثْلُ هَذِهِ) الوبرة ( إِلَّا الْخُمُسُ) فإنه لي أعمل فيه برأيي ( وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ) باجتهادي لأن الأربعة الأخماس مقسومة على المقاتلين الشريف والمشروف والرفيع والوضيع والغني والفقير بالسواء لا مدخل فيها للاجتهاد بالاتفاق المتلقى عن المصطفى لكن اختلف في سهم الفارس كما تقدم زاد النسائي فقام رجل ومعه كبة شعر فقال: يا رسول الله أخذت هذه لأصلح بها بردعة فقال: أمّا ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك فقال: أما إذا بلغت ما أرى فلا أرب لي فيها ونبذها.
وروى عبد الرزاق أن عقيل بن أبي طالب دخل على امرأته فاطمة بنت شيبة يوم حنين وسيفه ملطخ دمًا فقال: دونك هذه الإبرة تخيطين بها ثيابك فدفعها إليها فسمع المنادي يقول من أخذ شيئًا فليرده حتى الخيط والمخيط فرجع عقيل فأخذها فألقاها في الغنائم.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاري ( عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ) بفتح المهملة والموحدة الثقيلة ( أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ) قال ابن عبد البر: كذا ليحيى وهو غلط سقط منه شيخ محمد وهو في رواية غيره إلا أنهم اختلفوا فقال القعنبي وابن القاسم وأبو مصعب ومعن بن عيسى وسعيد بن عفير: عن محمد بن يحيى بن حبان عن أبي عمرة، وقال ابن وهب ومصعب الزبيري عن ابن أبي عمرة واسمه عبد الرحمن.
وفي التقريب أبو عمرة الأنصاري عن زيد بن خالد صوابه عن ابن أبي عمرة واسمه عبد الرحمن الأنصاري البخاري يقال ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن أبي حاتم ليست له صحبة انتهى.
وأبوه أبو عمرة صحابي شهيد بدري اسمه بشير وقيل أسامة وقيل ثعلبة مات في خلافة علي فعلم أن الصواب رواية ابن وهب ومصعب عن محمد بن يحيى عن ابن أبي عمرة أن زيد بن خالد ( الْجُهَنِيَّ) بضم الجيم وفتح الهاء المدني الصحابي المشهور مات بالكوفة سنة ثمان وستين أو سبعين وله خمس وثمانون سنة.

( قَالَ تُوُفِّيَ رَجُلٌ) لم يسم ( يَوْمَ خَيْبَرَ) بخاء معجمة وآخره راء عند جميع الرواة إلا يحيى فقال: يوم حنين، وهو وهم منه والصحيح خيبر ويدل عليه قوله من خرز يهود ولم يكن بحنين يهود قاله ابن عبد البر.
وكذا قال الباجي يدل عليه قوله من خرز يهود ولم يكن يوم حنين يهود يؤخذ خرزهم ( وَإِنَّهُمْ ذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ليصلي ( فَزَعَمَ زَيْدٌ) أي قال حقًا كقوله صلى الله عليه وسلم زعم جبريل ويطلق أيضًا على الكذب، ومنه { { زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا } } وعلى قول لم يوثق به كقوله كذا زعموا خير أهل اليمن وما هنا من الأول ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ) لأن الإمام لا يصلي على ذي كبيرة ( فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ لِذَلِكَ) أي عدم صلاته عليه ولم يعلموا ذنبه ( فَزَعَمَ زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ صَاحِبَكُمْ قَدْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) خان في الغنيمة ( قَالَ) زيد ( فَفَتَحْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا خَرَزَاتٍ مِنْ خَرَزِ) جمع خرزة بزنة قصب وقصبة ما ينظم ( يَهُودَ مَا يُسَاوِينَ) وفي رواية ما تساوين ( دِرْهَمَيْنِ) ففي هذا تعظيم أمر الغلول وأنه لا فرق بين كثيره وقليله.
وهذا الحديث رواه الترمذي والنسائي من طريق مالك وغيره.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الْكِنَانِيِّ) قال في الإكمال: سئل أبو زرعة الرازي عن اسم أبي بردة فقال: لا أعرفه ( أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى النَّاسَ فِي قَبَائِلِهِمْ) جمع قبيلة الجماعة المجتمعون من قوم شتى ( يَدْعُو لَهُمْ وَأَنَّهُ تَرَكَ قَبِيلَةً مِنَ الْقَبَائِلِ) بغير دعاء ( قَالَ وَإِنَّ الْقَبِيلَةَ وَجَدُوا فِي بَرْدَعَةِ) بدال مهملة ومعجمة حلس يجعل تحت الرحل هذا أصله لغة، وفي عرف زماننا هي للحمار بمنزل السرج للفرس كما في المصباح وقال الباجي: هي الفراش المبطن ( رَجُلٍ مِنْهُمْ عِقْدَ) بكسر العين وإسكان القاف قلادة ( جَزْعٍ) بفتح الجيم وسكون الزاي خرز فيه بياض وسواد الواحدة جزعة مثل تمر وتمرة ( غُلُولًا) خيانة ( فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَبَّرَ عَلَيْهِمْ كَمَا يُكَبِّرُ عَلَى الْمَيِّتِ) قال الباجي: يحتمل أن ذلك زجر لهم إشارة إلى أن حكمهم حكم الموتى الذين لا يسمعون المواعظ ولا يمتثلون الأوامر ولا يجتنبون النواهي.
ويحتمل أنه إشارة إلى أنهم بمنزلة الموتى الذين انقطع عملهم وأنهم لا يقضى لهم بتوبة انتهى.
والأول أظهر وبه جزم أبو عمر وقال: لا أعلم هذا الحديث روي مسندًا بوجه من الوجوه.

( مَالِكٍ عَنْ ثَوْرِ) بمثلثة ( بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ) بكسر المهملة وإسكان التحتية المدني ( عَنْ أَبِي الْغَيْثِ) بمعجمة فتحتية فمثلثة ( سَالِمٍ) المدني وهو بكنيتيه أشهر من اسمه، وقد سمي هنا فلا التفات لمن قال لا يوقف على اسمه صحيحًا نعم لا يعرف اسم أبيه ( مَوْلَى) عبد الله ( ابْنِ مُطِيعٍ) بن الأسود القرشي العدوي المدني له رؤية، وأمّره ابن الزبير على الكوفة.
ثم قتل معه سنة ثلاث وسبعين ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ) بمعجمة آخره راء كما رواه ابن وضاح عن يحيى وهو الصواب الذي لجماعة رواة الموطأ.
وغلط عبيد الله بن يحيى فقال: حنين نبه عليه ابن عبد البر وحكى الدارقطني عن موسى بن هارون أن ثور بن زيد وهم في قوله خرجنا لأن أبا هريرة لم يخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، وإنما قدم بعد خروجهم وقدم عليهم خيبر بعد أن فتحت، يعني كما رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة قال: قدمت المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر، وقد استخلف سباع بن عرفطة، الحديث.
وفيه فزوّدنا شيئًا حتى أتينا خيبر وقد افتتحها النبي صلى الله عليه وسلم فكلم المسلمين فأشركونا في سهامهم.
وقد رواه محمد بن إسحاق عن ثور بن زيد بلفظ: انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى فلعل ثورًا وهم لما حدث به غير ابن إسحاق وزعم أن روايته أرجح لا تسمع فأين يقع سماعه من سماع مالك حتى يقدم عليه، وقد تابع مالكًا عبد العزيز الدراوردي في مسلم والبيهقي من وجه آخر عن أبي هريرة قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من خيبر إلى وادي القرى، فلعل هذا أصل الحديث ولا يشك أحد أن أبا هريرة حضر قسمة الغنائم ( فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا وَرِقًا) وفي رواية ولا فضة ( إِلَّا الْأَمْوَالَ الثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ) كذا ليحيى وحده.
وللشافعي وابن وهب وابن القاسم وغيرهم: إلا الأموال والثياب والمتاع بحرف العطف قال الحافظ: وهو المحفوظ وقال القعنبي: إلا الثياب والمتاع والأموال.

وروى هذا الحديث أبو إسحاق الفزاري عن مالك قال: حدثني ثور بن زيد الديلي قال: حدثني سالم مولى ابن مطيع أنه سمع أبا هريرة يقول: افتتحنا خيبر فلم نغنم ذهبًا ولا فضة إنما غنمنا الإبل والبقر والمتاع والحوائط.
أخرجه البخاري في المغازي وهي سالمة من الاعتراض بحمل قوله: افتتحنا أي المسلمون، وله نظائر.
قال ابن عبد البر: فجوّز أبو إسحاق مع جلالته إسناده بسماع بعضهم من بعض وقضى بأنها خيبر لا حنين ورفع الإشكال قال: وفي الحديث أن بعض العرب وهي دوس لا تسمي العين مالاً وإنما الأموال عندهم الثياب والمتاع والعروض وعند غيرهم المال الصامت من الذهب والورق: وقال الحافظ: مقتضاه أن الثياب والمتاع لا يسمى مالاً.
وقد نقل ثعلب عن ابن الأعرابي عن المفضل الضبي قال: المال عند العرب الصامت والناطق؛ فالصامت الذهب والفضة والجوهر والناطق البعير والبقر والشاة، فإذا قلت عن حضري كثر ماله فالمراد الصامت، وإن قلت عن بدوي فالمراد الناطق انتهى.
وقد أطلق أبو قتادة على البستان مالاً كما مر من قوله: فابتعت به مخرفًا فإنه لأول مال تأثلته فالذي يظهر أن المال ما له قيمة لكن قد يغلب على قوم تخصيصه بشيء كما حكاه المفضل فتحمل الأموال على المواشي والحوائط التي ذكرت في الحديث ولا يراد بها النقود لأنه نفاها أولاً ثم لا تخالف بين قول أبي هريرة فكلم المسلمين فأشركونا في سهامهم وبين قول أبي موسى الأشعري ولم يقسم لأحد لم يشهد الفتح غيرنا يعني الأشعريين لأن مراده من غير استرضاء أحد من الغانمين.
وأما أبو هريرة وأصحابه فلم يعطهم إلا عن طيب خواطر المسلمين.

( قَالَ فَأَهْدَى رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ) أحد بني الضباب كذا في رواية أبي إسحاق عن مالك بكسر الضاد المعجمة وموحدتين الأولى خفيفة بينهما ألف بلفظ جمع الضب.
وعند مسلم: وهب له رجل من جذام يدعى رفاعة بن زيد من بني الضبيب، بضم المعجمة بصيغة التصغير.
وفي رواية محمد بن إسحاق رفاعة بن زيد الجذامي ثم الضبني، بضم المعجمة وفتح الموحدة بعدها نون، وقيل بفتح المعجمة وكسر الموحدة نسبة إلى بطن من جذام.
قال الواقدي كان رفاعة وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في ناس من قومه قبل خروجه إلى خيبر فأسلموا وعقد له على قومه ( غُلَامًا) عبدًا ( أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ) بكسر الميم وسكون الدال وفتح العين: المهملتين، صحابي رضي الله عنه ( فَوَجَّهَ) بفتح الواو، وقال الكرماني: بالبناء للمجهول ( رَسُولُ اللَّهِ) وفي رواية الفزاري: ثم انصرفنا مع رسول الله ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَادِي الْقُرَى) بضم القاف وفتح الراء مقصور، موضع بقرب المدينة.
( حَتَّى إِذَا كُنَّا بِوَادِي الْقُرَى بَيْنَمَا) بالميم بلا فاء ( مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زاد في رواية البيهقي: وقد استقبلتنا يهود بالرمي ولم نكن على تعبية ( إِذْ جَاءَهُ) أي مدعمًا ( سَهْمٌ عَائِرٌ) بعين مهملة فألف فهمزة فراء، بزنة الفاعل أي: لا يدري من رمى به وقيل: هو الحائد عن قصده ( فَأَصَابَهُ فَقَتَلَهُ فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ) وفي رواية الفزاري الشهادة ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَّا) ردع لهم عن هذا القول ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ) كساء يشتمل به ويلتف فيه وقيل: إنما تسمى شملة إذا كان لها هدب ( الَّتِي أَخَذَ) ها وفي رواية أصابها ( يَوْمَ خَيْبَرَ) بمعجمة أوله وراء بلا نقط آخره على الصواب ( مِنَ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ) بزنة تفتعل عند ابن وضاح، ولابن يحيى لتشعل بالبناء للمجهول ( عَلَيْهِ نَارًا) قال الحافظ: يحتمل أن يكون ذلك حقيقة بأن تصير الشملة نفسها نارًا فيعذب بها.
ويحتمل أن المراد أنها سبب لعذاب النار، وكذا يقال في الشراك الآتي.

وفي الصحيح عن عبد الله بن عمرو قال: كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له: كركرة فقال صلى الله عليه وسلم هو في النار في عباءة غلها، وكلام عياض يشعر باتحاد قصته مع قصة مدعم والذي يظهر من عدة أوجه تغايرهما فإن قصة مدعم كانت بوادي القرى ومات بسهم وغل شملة.
والذي أهداه رفاعة بخلاف كركرة فأهداه هوذة بن علّي وكان نوبيًّا أسود يمسك دابته صلى الله عليه وسلم في القتال فأعتقه أي: وغل عباءة ولم يمت بسهم بل ذكر البلاذري أنه مات في قتال أهل الردة بعده صلى الله عليه وسلم فافترقا، نعم روى مسلم عن عمر: لمّا كان يوم خيبر قالوا: فلان شهيد فقال صلى الله عليه وسلم كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة.
فهذا يمكن تفسيره بكركرة بفتح الكافين وبكسرهما قاله عياض.
وقال النووي: إنما اختلف في كافه الأولى، أما الثانية فمكسورة اتفاقًا.
وقوله هو في النار: أي يعذب على معصيته إن لم يعف الله تعالى عنه.

( قَالَ فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ ذَلِكَ جَاءَ رَجُلٌ) قال الحافظ: لم أقف على اسمه ( بِشِرَاكٍ) بكسر الشين المعجمة وخفة الراء سير النعل على ظهر القدم ( أَوْ شِرَاكَيْنِ) شك الراوي ( إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زاد في رواية الفزاري فقال: هذا شيء كنت أصبته ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ) تعذب بها أو سبب لعذاب النار، والشك من الراوي، وفيه تعظيم الغلول وإن قلَّ.
وأخرجه البخاري في الأيمان والنذور عن إسماعيل.
ومسلم من طريق ابن وهب عن مالك به.
وتابعه عبد العزيز الدراوردي عن ثور به عند مسلم.
ورواه البخاري في المغازي نازلاً عن عبد الله بن محمد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري عن مالك بنحوه بينه وبين مالك ثلاثة.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وقد رواه أبو عمر متصلاً ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ) موقوفًا وحكمه الرفع لأنه لا يقال رأيًا وقد رواه ابن ماجه وغيره بنحوه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بدون الجملة الأولى وهي ( مَا ظَهَرَ الْغُلُولُ) الخيانة في الغنيمة ( فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا أُلْقِيَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبُ) بالضم: الخوف معاملة بالنقيض فإن المال يقوّي القلب فلمّا أخذوه بغير حل خافوا، قال أبو عمر من عدوهم فجبنوا عن لقائهم فظهر العدّو عليهم ثم لا يحتمل أن ذلك فيمن غل دون من لم يغل ولم يرض به والأظهر أنه عام مع القدرة على التغيير ولم يفعلوا ولم تنكره قلوبهم، قال تعالى: { { فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ } } وقال تعالى: { { أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } }

( وَلَا فَشَا) ظهر وانتشر ( الزِّنَا فِي قَوْمٍ قَطُّ) ولم ينكر على فاعله ( إِلَّا كَثُرَ فِيهِمُ الْمَوْتُ) كما وقع في قصة بني إسرائيل ( وَلَا نَقَصَ قَوْمٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا قُطِعَ عَنْهُمُ الرِّزْقُ) أي البركة فيه أو ضيق عليهم لا أصل الرزق فلا تنافي بين هذا ونحوه كحديث: إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه وبين أحاديث إن الرزق لا تزيده الطاعة ولا تنقصه المعصية ( وَلَا حَكَمَ قَوْمٌ بِغَيْرِ الْحَقِّ) عن عمد أو جهل ( إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الدَّمُ) ولابن ماجه مرفوعًا: ولا حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر ولا منافاة بينهما.
( وَلَا خَتَرَ) بفتح الخاء المعجمة والمثناة الفوقية وراء بلا نقط: غدر ( قَوْمٌ بِالْعَهْدِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْعَدُوَّ) جزاء لما اجترحوه من نقض العهد المأمور بالوفاء به.



رقم الحديث 992 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الْكِنَانِيِّ، أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى النَّاسَ فِي قَبَائِلِهِمْ يَدْعُو لَهُمْ.
وَأَنَّهُ تَرَكَ قَبِيلَةً مِنَ الْقَبَائِلِ.
قَالَ، وَإِنَّ الْقَبِيلَةَ وَجَدُوا فِي بَرْدَعَةِ رَجُلٍ مِنْهُمْ عِقْدَ جَزْعٍ غُلُولًا.
فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَكَبَّرَ عَلَيْهِمْ، كَمَا يُكَبِّرُ عَلَى الْمَيِّتِ.


( مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ) بن قيس الأنصاري الثقة المأمون أخو يحيى بن سعيد روى عنه جماعة من الأئمة، ومات سنة تسع وثلاثين وقيل سنة إحدى وأربعين ومائة، له في الموطأ مرفوعًا ثلاثة أحاديث هذا ثانيها.
( عَنْ عَمْرِو) بفتح العين ( بْنِ شُعَيْبٍ) بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاصي صدوق مات سنة ثماني عشرة ومائة.
قال ابن عبد البر: لا خلاف عن مالك في إرساله ووصله النسائي.
قال الحافظ بإسناد حسن من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه، وأخرجه النسائي أيضًا بإسناد حسن من حديث عبادة بن الصامت.

( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَدَرَ) رجع ( مِنْ حُنَيْنٍ وَهُوَ يُرِيدُ الْجِعِرَّانَةَ) بكسر الجيم وسكون العين وخفة الراء وبكسر العين وشدّ الراء، والأولى أفصح.
( سَأَلَهُ النَّاسُ) وزاد في الطريق الموصولة فقالوا أقسم علينا فيئنا ( حَتَّى دَنَتْ بِهِ نَاقَتُهُ مِنْ شَجَرَةٍ) أي سمرة بفتح المهملة وضم الميم، من شجر البادية ذات شوك، ففي الصحيح عن جبير بن مطعم أنه بينما هو يسير مع النبي صلى الله عليه وسلم مقفلة من حنين فعلقت الناس الأعراب يسألونه حتى اضطروه إلى سمرة.
( فَتَشَبَّكَتْ بِرِدَائِهِ) أي علق شوكها به ( حَتَّى نَزَعَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ) وفي حديث جبير فخطفت رداءه وهو مجازًا والمراد خطفته الأعراب ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زاد النسائي: يا أيها الناس ( رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي) وفي حديث جبير: فوقف وقال: أعطوني ردائي، يعني خلصوه من الشجرة وأعطوه لي وإن كانوا خطفوه فالرّد بلا تخليص ( أَتَخَافُونَ أَنْ لَا أَقْسِمَ بَيْنَكُمْ مَا أَفَاءَ) ردّ ( اللَّهُ عَلَيْكُمْ) من الغنيمة وأصل الفيء الرّد والرجوع، ومنه سمي الظل بعد الزوال فيئًا لرجوعه من جانب إلى جانب، فكأن أموال الكفار سميت فيئًا لأنها كانت في الأصل للمؤمنين إذ الإيمان هو الأصل والكفر طار عليه.
( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) إن شاء أبقاها وإن شاء أخذها وهو قسم كان يقسم به كثيرًا ( لَوْ أَفَاءَ) بالهمز ولا يجوز الإبدال ( اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ سَمُرِ) بفتح المهملة وضم الميم شجر ( تِهَامَةَ) جمع سمرة بالتاء شجرة طويلة متفرّقة الرأس قليلة الظل صغيرة الورق والشوك صلبة الخشب، قاله ابن التين.
وقال الداودي: هي العضاه بكسر المهملة وفتح المعجمة الخفيفة آخره هاء وصلاً ووقفًا شجر الشوك كطلح وعوسج وسدر.
وقال الخطابي ورق السمرة أثبت وظلها أكثف، ويقال: هي شجرة الطلح وللنسائي لو أن لكم بعدد شجر تهامة، وفي حديث جبير: لو كان لي عدد هذه العضاه ( نَعَمًا) بفتحتين والنصب على التمييز ( لَقَسَمْتُهُ عَلَيْكُمْ) وفي رواية بينكم.
( ثُمَّ لَا تَجِدُونِي) بنون واحدة وفي رواية تجدونني بنونين ( بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذَّابًا) أي إذا جربتموني لا تجدوني ذا بخل ولا ذا جبن ولا ذا كذب، فالمراد نفي الوصف من أصله لا نفي المبالغة التي دل عليها الثلاثة لأن كذابًا من صيغ المبالغة وجبانًا صفة مشبهة وبخيلاً محتمل الأمرين.

قال ابن المنير: وفي جمعه صلى الله عليه وسلم بين هذه الصفات لطيفة لأنها متلازمة وكذا أضدادها الصدق والكرم والشجاعة.
وأصل المعنى هنا الشجاعة فإن الشجاع واثق من نفسه بالخلف من كسب سيفه فبالضرورة لا يبخل وإذا سهل عليه العطاء لا يكذب بالخلف في الوعد لأن الخلف إنما ينشأ من البخل، وقوله: لو كان لي عدد هذه العضاه تنبيه بطريق الأولى لأنه إذا سمح بمال نفسه فلأن يسمح بقسم غنائمهم عليهم أولى، واستعمال ثم هنا ليس مخالفًا لمقتضاها وإن كان الكرم يتقدم العطاء لكن علم الناس بكرم الكريم إنما يكون بعد العطاء.
وليس المراد بثم الدلالة على تراخي العلم بالكرم عن العطاء، وإنما التراخي هنا لعلو رتبة الوصف كأنه قال وأعلى من العطاء بما لا يتعارف أن يكون العطاء عن كرم فقد يكون عطاء بلا كرم كعطاء البخيل ونحو ذلك انتهى.
وفيه ذمّ الخصال المذكورة، وأن الإمام لا يصلح أن يكون فيه خصلة منها وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الحلم وحسن الخلق وسعة الجود والصبر على جفاة الأعراب وجواز وصف المرء نفسه بالخصال الحميدة عند الحاجة لخوف ظن أهل الجهل به خلاف ذلك، ولا يكون من الفخر المذموم، ورضا السائل بالحق للوعد إذا تحقق من الواعد التنجيز وأن الخيار للإمام في قسم الغنيمة إن شاء بعد فراغ الحرب وإن شاء بعد ذلك.

( فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عن ناقته ( قَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ أَدُّوا الْخِيَاطَ) بكسر المعجمة وتحتية بزنة لحاف، أي الخيط بدليل رواية الخائط، واحد الخيوط المعروفة.
وإن احتمل الخياط الإبرة لكن يدفعه قوله ( وَالْمِخْيَطَ) بكسر الميم وإسكان المعجمة وفتح الياء فإنه الإبرة بلا خلاف وهذا خرج على التقليل ليكون ما فوقه أولى بالدخول في معناه ( فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ) شيء يلزم منه شين أو سبة في الدنيا ( وَنَارٌ) يوم القيامة ( وَشَنَارٌ) بفتح الشين المعجمة والنون الخفيفة فألف فراء أقبح العيب والعار ( عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قال ابن عبد البر: الشنار لفظة جامعة لمعنى النار والعار، ومعناها الشين والنار، يريد أن الغلول شين وعار ومنقصة في الدنيا وعذاب ونار في الآخرة.

( قَالَ ثُمَّ تَنَاوَلَ مِنَ الْأَرْضِ وَبَرَةً) بفتح الموحدة والراء شعرة ( مِنْ بَعِيرٍ أَوْ شَيْئًا) شك الراوي وللنسائي ثم مال إلى راحلته فأخذ منها وبرة فوضعها بين إصبعيه ( ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَلَا مِثْلُ هَذِهِ) الوبرة ( إِلَّا الْخُمُسُ) فإنه لي أعمل فيه برأيي ( وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ) باجتهادي لأن الأربعة الأخماس مقسومة على المقاتلين الشريف والمشروف والرفيع والوضيع والغني والفقير بالسواء لا مدخل فيها للاجتهاد بالاتفاق المتلقى عن المصطفى لكن اختلف في سهم الفارس كما تقدم زاد النسائي فقام رجل ومعه كبة شعر فقال: يا رسول الله أخذت هذه لأصلح بها بردعة فقال: أمّا ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك فقال: أما إذا بلغت ما أرى فلا أرب لي فيها ونبذها.
وروى عبد الرزاق أن عقيل بن أبي طالب دخل على امرأته فاطمة بنت شيبة يوم حنين وسيفه ملطخ دمًا فقال: دونك هذه الإبرة تخيطين بها ثيابك فدفعها إليها فسمع المنادي يقول من أخذ شيئًا فليرده حتى الخيط والمخيط فرجع عقيل فأخذها فألقاها في الغنائم.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاري ( عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ) بفتح المهملة والموحدة الثقيلة ( أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ) قال ابن عبد البر: كذا ليحيى وهو غلط سقط منه شيخ محمد وهو في رواية غيره إلا أنهم اختلفوا فقال القعنبي وابن القاسم وأبو مصعب ومعن بن عيسى وسعيد بن عفير: عن محمد بن يحيى بن حبان عن أبي عمرة، وقال ابن وهب ومصعب الزبيري عن ابن أبي عمرة واسمه عبد الرحمن.
وفي التقريب أبو عمرة الأنصاري عن زيد بن خالد صوابه عن ابن أبي عمرة واسمه عبد الرحمن الأنصاري البخاري يقال ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن أبي حاتم ليست له صحبة انتهى.
وأبوه أبو عمرة صحابي شهيد بدري اسمه بشير وقيل أسامة وقيل ثعلبة مات في خلافة علي فعلم أن الصواب رواية ابن وهب ومصعب عن محمد بن يحيى عن ابن أبي عمرة أن زيد بن خالد ( الْجُهَنِيَّ) بضم الجيم وفتح الهاء المدني الصحابي المشهور مات بالكوفة سنة ثمان وستين أو سبعين وله خمس وثمانون سنة.

( قَالَ تُوُفِّيَ رَجُلٌ) لم يسم ( يَوْمَ خَيْبَرَ) بخاء معجمة وآخره راء عند جميع الرواة إلا يحيى فقال: يوم حنين، وهو وهم منه والصحيح خيبر ويدل عليه قوله من خرز يهود ولم يكن بحنين يهود قاله ابن عبد البر.
وكذا قال الباجي يدل عليه قوله من خرز يهود ولم يكن يوم حنين يهود يؤخذ خرزهم ( وَإِنَّهُمْ ذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ليصلي ( فَزَعَمَ زَيْدٌ) أي قال حقًا كقوله صلى الله عليه وسلم زعم جبريل ويطلق أيضًا على الكذب، ومنه { { زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا } } وعلى قول لم يوثق به كقوله كذا زعموا خير أهل اليمن وما هنا من الأول ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ) لأن الإمام لا يصلي على ذي كبيرة ( فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ لِذَلِكَ) أي عدم صلاته عليه ولم يعلموا ذنبه ( فَزَعَمَ زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ صَاحِبَكُمْ قَدْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) خان في الغنيمة ( قَالَ) زيد ( فَفَتَحْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا خَرَزَاتٍ مِنْ خَرَزِ) جمع خرزة بزنة قصب وقصبة ما ينظم ( يَهُودَ مَا يُسَاوِينَ) وفي رواية ما تساوين ( دِرْهَمَيْنِ) ففي هذا تعظيم أمر الغلول وأنه لا فرق بين كثيره وقليله.
وهذا الحديث رواه الترمذي والنسائي من طريق مالك وغيره.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الْكِنَانِيِّ) قال في الإكمال: سئل أبو زرعة الرازي عن اسم أبي بردة فقال: لا أعرفه ( أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى النَّاسَ فِي قَبَائِلِهِمْ) جمع قبيلة الجماعة المجتمعون من قوم شتى ( يَدْعُو لَهُمْ وَأَنَّهُ تَرَكَ قَبِيلَةً مِنَ الْقَبَائِلِ) بغير دعاء ( قَالَ وَإِنَّ الْقَبِيلَةَ وَجَدُوا فِي بَرْدَعَةِ) بدال مهملة ومعجمة حلس يجعل تحت الرحل هذا أصله لغة، وفي عرف زماننا هي للحمار بمنزل السرج للفرس كما في المصباح وقال الباجي: هي الفراش المبطن ( رَجُلٍ مِنْهُمْ عِقْدَ) بكسر العين وإسكان القاف قلادة ( جَزْعٍ) بفتح الجيم وسكون الزاي خرز فيه بياض وسواد الواحدة جزعة مثل تمر وتمرة ( غُلُولًا) خيانة ( فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَبَّرَ عَلَيْهِمْ كَمَا يُكَبِّرُ عَلَى الْمَيِّتِ) قال الباجي: يحتمل أن ذلك زجر لهم إشارة إلى أن حكمهم حكم الموتى الذين لا يسمعون المواعظ ولا يمتثلون الأوامر ولا يجتنبون النواهي.
ويحتمل أنه إشارة إلى أنهم بمنزلة الموتى الذين انقطع عملهم وأنهم لا يقضى لهم بتوبة انتهى.
والأول أظهر وبه جزم أبو عمر وقال: لا أعلم هذا الحديث روي مسندًا بوجه من الوجوه.

( مَالِكٍ عَنْ ثَوْرِ) بمثلثة ( بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ) بكسر المهملة وإسكان التحتية المدني ( عَنْ أَبِي الْغَيْثِ) بمعجمة فتحتية فمثلثة ( سَالِمٍ) المدني وهو بكنيتيه أشهر من اسمه، وقد سمي هنا فلا التفات لمن قال لا يوقف على اسمه صحيحًا نعم لا يعرف اسم أبيه ( مَوْلَى) عبد الله ( ابْنِ مُطِيعٍ) بن الأسود القرشي العدوي المدني له رؤية، وأمّره ابن الزبير على الكوفة.
ثم قتل معه سنة ثلاث وسبعين ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ) بمعجمة آخره راء كما رواه ابن وضاح عن يحيى وهو الصواب الذي لجماعة رواة الموطأ.
وغلط عبيد الله بن يحيى فقال: حنين نبه عليه ابن عبد البر وحكى الدارقطني عن موسى بن هارون أن ثور بن زيد وهم في قوله خرجنا لأن أبا هريرة لم يخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، وإنما قدم بعد خروجهم وقدم عليهم خيبر بعد أن فتحت، يعني كما رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة قال: قدمت المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر، وقد استخلف سباع بن عرفطة، الحديث.
وفيه فزوّدنا شيئًا حتى أتينا خيبر وقد افتتحها النبي صلى الله عليه وسلم فكلم المسلمين فأشركونا في سهامهم.
وقد رواه محمد بن إسحاق عن ثور بن زيد بلفظ: انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى فلعل ثورًا وهم لما حدث به غير ابن إسحاق وزعم أن روايته أرجح لا تسمع فأين يقع سماعه من سماع مالك حتى يقدم عليه، وقد تابع مالكًا عبد العزيز الدراوردي في مسلم والبيهقي من وجه آخر عن أبي هريرة قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من خيبر إلى وادي القرى، فلعل هذا أصل الحديث ولا يشك أحد أن أبا هريرة حضر قسمة الغنائم ( فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا وَرِقًا) وفي رواية ولا فضة ( إِلَّا الْأَمْوَالَ الثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ) كذا ليحيى وحده.
وللشافعي وابن وهب وابن القاسم وغيرهم: إلا الأموال والثياب والمتاع بحرف العطف قال الحافظ: وهو المحفوظ وقال القعنبي: إلا الثياب والمتاع والأموال.

وروى هذا الحديث أبو إسحاق الفزاري عن مالك قال: حدثني ثور بن زيد الديلي قال: حدثني سالم مولى ابن مطيع أنه سمع أبا هريرة يقول: افتتحنا خيبر فلم نغنم ذهبًا ولا فضة إنما غنمنا الإبل والبقر والمتاع والحوائط.
أخرجه البخاري في المغازي وهي سالمة من الاعتراض بحمل قوله: افتتحنا أي المسلمون، وله نظائر.
قال ابن عبد البر: فجوّز أبو إسحاق مع جلالته إسناده بسماع بعضهم من بعض وقضى بأنها خيبر لا حنين ورفع الإشكال قال: وفي الحديث أن بعض العرب وهي دوس لا تسمي العين مالاً وإنما الأموال عندهم الثياب والمتاع والعروض وعند غيرهم المال الصامت من الذهب والورق: وقال الحافظ: مقتضاه أن الثياب والمتاع لا يسمى مالاً.
وقد نقل ثعلب عن ابن الأعرابي عن المفضل الضبي قال: المال عند العرب الصامت والناطق؛ فالصامت الذهب والفضة والجوهر والناطق البعير والبقر والشاة، فإذا قلت عن حضري كثر ماله فالمراد الصامت، وإن قلت عن بدوي فالمراد الناطق انتهى.
وقد أطلق أبو قتادة على البستان مالاً كما مر من قوله: فابتعت به مخرفًا فإنه لأول مال تأثلته فالذي يظهر أن المال ما له قيمة لكن قد يغلب على قوم تخصيصه بشيء كما حكاه المفضل فتحمل الأموال على المواشي والحوائط التي ذكرت في الحديث ولا يراد بها النقود لأنه نفاها أولاً ثم لا تخالف بين قول أبي هريرة فكلم المسلمين فأشركونا في سهامهم وبين قول أبي موسى الأشعري ولم يقسم لأحد لم يشهد الفتح غيرنا يعني الأشعريين لأن مراده من غير استرضاء أحد من الغانمين.
وأما أبو هريرة وأصحابه فلم يعطهم إلا عن طيب خواطر المسلمين.

( قَالَ فَأَهْدَى رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ) أحد بني الضباب كذا في رواية أبي إسحاق عن مالك بكسر الضاد المعجمة وموحدتين الأولى خفيفة بينهما ألف بلفظ جمع الضب.
وعند مسلم: وهب له رجل من جذام يدعى رفاعة بن زيد من بني الضبيب، بضم المعجمة بصيغة التصغير.
وفي رواية محمد بن إسحاق رفاعة بن زيد الجذامي ثم الضبني، بضم المعجمة وفتح الموحدة بعدها نون، وقيل بفتح المعجمة وكسر الموحدة نسبة إلى بطن من جذام.
قال الواقدي كان رفاعة وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في ناس من قومه قبل خروجه إلى خيبر فأسلموا وعقد له على قومه ( غُلَامًا) عبدًا ( أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ) بكسر الميم وسكون الدال وفتح العين: المهملتين، صحابي رضي الله عنه ( فَوَجَّهَ) بفتح الواو، وقال الكرماني: بالبناء للمجهول ( رَسُولُ اللَّهِ) وفي رواية الفزاري: ثم انصرفنا مع رسول الله ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَادِي الْقُرَى) بضم القاف وفتح الراء مقصور، موضع بقرب المدينة.
( حَتَّى إِذَا كُنَّا بِوَادِي الْقُرَى بَيْنَمَا) بالميم بلا فاء ( مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زاد في رواية البيهقي: وقد استقبلتنا يهود بالرمي ولم نكن على تعبية ( إِذْ جَاءَهُ) أي مدعمًا ( سَهْمٌ عَائِرٌ) بعين مهملة فألف فهمزة فراء، بزنة الفاعل أي: لا يدري من رمى به وقيل: هو الحائد عن قصده ( فَأَصَابَهُ فَقَتَلَهُ فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ) وفي رواية الفزاري الشهادة ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَّا) ردع لهم عن هذا القول ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ) كساء يشتمل به ويلتف فيه وقيل: إنما تسمى شملة إذا كان لها هدب ( الَّتِي أَخَذَ) ها وفي رواية أصابها ( يَوْمَ خَيْبَرَ) بمعجمة أوله وراء بلا نقط آخره على الصواب ( مِنَ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ) بزنة تفتعل عند ابن وضاح، ولابن يحيى لتشعل بالبناء للمجهول ( عَلَيْهِ نَارًا) قال الحافظ: يحتمل أن يكون ذلك حقيقة بأن تصير الشملة نفسها نارًا فيعذب بها.
ويحتمل أن المراد أنها سبب لعذاب النار، وكذا يقال في الشراك الآتي.

وفي الصحيح عن عبد الله بن عمرو قال: كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له: كركرة فقال صلى الله عليه وسلم هو في النار في عباءة غلها، وكلام عياض يشعر باتحاد قصته مع قصة مدعم والذي يظهر من عدة أوجه تغايرهما فإن قصة مدعم كانت بوادي القرى ومات بسهم وغل شملة.
والذي أهداه رفاعة بخلاف كركرة فأهداه هوذة بن علّي وكان نوبيًّا أسود يمسك دابته صلى الله عليه وسلم في القتال فأعتقه أي: وغل عباءة ولم يمت بسهم بل ذكر البلاذري أنه مات في قتال أهل الردة بعده صلى الله عليه وسلم فافترقا، نعم روى مسلم عن عمر: لمّا كان يوم خيبر قالوا: فلان شهيد فقال صلى الله عليه وسلم كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة.
فهذا يمكن تفسيره بكركرة بفتح الكافين وبكسرهما قاله عياض.
وقال النووي: إنما اختلف في كافه الأولى، أما الثانية فمكسورة اتفاقًا.
وقوله هو في النار: أي يعذب على معصيته إن لم يعف الله تعالى عنه.

( قَالَ فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ ذَلِكَ جَاءَ رَجُلٌ) قال الحافظ: لم أقف على اسمه ( بِشِرَاكٍ) بكسر الشين المعجمة وخفة الراء سير النعل على ظهر القدم ( أَوْ شِرَاكَيْنِ) شك الراوي ( إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زاد في رواية الفزاري فقال: هذا شيء كنت أصبته ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ) تعذب بها أو سبب لعذاب النار، والشك من الراوي، وفيه تعظيم الغلول وإن قلَّ.
وأخرجه البخاري في الأيمان والنذور عن إسماعيل.
ومسلم من طريق ابن وهب عن مالك به.
وتابعه عبد العزيز الدراوردي عن ثور به عند مسلم.
ورواه البخاري في المغازي نازلاً عن عبد الله بن محمد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري عن مالك بنحوه بينه وبين مالك ثلاثة.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وقد رواه أبو عمر متصلاً ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ) موقوفًا وحكمه الرفع لأنه لا يقال رأيًا وقد رواه ابن ماجه وغيره بنحوه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بدون الجملة الأولى وهي ( مَا ظَهَرَ الْغُلُولُ) الخيانة في الغنيمة ( فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا أُلْقِيَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبُ) بالضم: الخوف معاملة بالنقيض فإن المال يقوّي القلب فلمّا أخذوه بغير حل خافوا، قال أبو عمر من عدوهم فجبنوا عن لقائهم فظهر العدّو عليهم ثم لا يحتمل أن ذلك فيمن غل دون من لم يغل ولم يرض به والأظهر أنه عام مع القدرة على التغيير ولم يفعلوا ولم تنكره قلوبهم، قال تعالى: { { فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ } } وقال تعالى: { { أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } }

( وَلَا فَشَا) ظهر وانتشر ( الزِّنَا فِي قَوْمٍ قَطُّ) ولم ينكر على فاعله ( إِلَّا كَثُرَ فِيهِمُ الْمَوْتُ) كما وقع في قصة بني إسرائيل ( وَلَا نَقَصَ قَوْمٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا قُطِعَ عَنْهُمُ الرِّزْقُ) أي البركة فيه أو ضيق عليهم لا أصل الرزق فلا تنافي بين هذا ونحوه كحديث: إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه وبين أحاديث إن الرزق لا تزيده الطاعة ولا تنقصه المعصية ( وَلَا حَكَمَ قَوْمٌ بِغَيْرِ الْحَقِّ) عن عمد أو جهل ( إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الدَّمُ) ولابن ماجه مرفوعًا: ولا حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر ولا منافاة بينهما.
( وَلَا خَتَرَ) بفتح الخاء المعجمة والمثناة الفوقية وراء بلا نقط: غدر ( قَوْمٌ بِالْعَهْدِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْعَدُوَّ) جزاء لما اجترحوه من نقض العهد المأمور بالوفاء به.



رقم الحديث 993 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ سَالِمٍ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا وَرِقًا، إِلَّا الْأَمْوَالَ: الثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ.
قَالَ: فَأَهْدَى رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامًا أَسْوَدَ، يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ.
فَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَادِي الْقُرَى، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِوَادِي الْقُرَى، بَيْنَمَا مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ.
فَأَصَابَهُ فَقَتَلَهُ.
فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَ يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا، قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ ذَلِكَ، جَاءَ رَجُلٌ بِ شِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ.


( مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ) بن قيس الأنصاري الثقة المأمون أخو يحيى بن سعيد روى عنه جماعة من الأئمة، ومات سنة تسع وثلاثين وقيل سنة إحدى وأربعين ومائة، له في الموطأ مرفوعًا ثلاثة أحاديث هذا ثانيها.
( عَنْ عَمْرِو) بفتح العين ( بْنِ شُعَيْبٍ) بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاصي صدوق مات سنة ثماني عشرة ومائة.
قال ابن عبد البر: لا خلاف عن مالك في إرساله ووصله النسائي.
قال الحافظ بإسناد حسن من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه، وأخرجه النسائي أيضًا بإسناد حسن من حديث عبادة بن الصامت.

( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَدَرَ) رجع ( مِنْ حُنَيْنٍ وَهُوَ يُرِيدُ الْجِعِرَّانَةَ) بكسر الجيم وسكون العين وخفة الراء وبكسر العين وشدّ الراء، والأولى أفصح.
( سَأَلَهُ النَّاسُ) وزاد في الطريق الموصولة فقالوا أقسم علينا فيئنا ( حَتَّى دَنَتْ بِهِ نَاقَتُهُ مِنْ شَجَرَةٍ) أي سمرة بفتح المهملة وضم الميم، من شجر البادية ذات شوك، ففي الصحيح عن جبير بن مطعم أنه بينما هو يسير مع النبي صلى الله عليه وسلم مقفلة من حنين فعلقت الناس الأعراب يسألونه حتى اضطروه إلى سمرة.
( فَتَشَبَّكَتْ بِرِدَائِهِ) أي علق شوكها به ( حَتَّى نَزَعَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ) وفي حديث جبير فخطفت رداءه وهو مجازًا والمراد خطفته الأعراب ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زاد النسائي: يا أيها الناس ( رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي) وفي حديث جبير: فوقف وقال: أعطوني ردائي، يعني خلصوه من الشجرة وأعطوه لي وإن كانوا خطفوه فالرّد بلا تخليص ( أَتَخَافُونَ أَنْ لَا أَقْسِمَ بَيْنَكُمْ مَا أَفَاءَ) ردّ ( اللَّهُ عَلَيْكُمْ) من الغنيمة وأصل الفيء الرّد والرجوع، ومنه سمي الظل بعد الزوال فيئًا لرجوعه من جانب إلى جانب، فكأن أموال الكفار سميت فيئًا لأنها كانت في الأصل للمؤمنين إذ الإيمان هو الأصل والكفر طار عليه.
( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) إن شاء أبقاها وإن شاء أخذها وهو قسم كان يقسم به كثيرًا ( لَوْ أَفَاءَ) بالهمز ولا يجوز الإبدال ( اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ سَمُرِ) بفتح المهملة وضم الميم شجر ( تِهَامَةَ) جمع سمرة بالتاء شجرة طويلة متفرّقة الرأس قليلة الظل صغيرة الورق والشوك صلبة الخشب، قاله ابن التين.
وقال الداودي: هي العضاه بكسر المهملة وفتح المعجمة الخفيفة آخره هاء وصلاً ووقفًا شجر الشوك كطلح وعوسج وسدر.
وقال الخطابي ورق السمرة أثبت وظلها أكثف، ويقال: هي شجرة الطلح وللنسائي لو أن لكم بعدد شجر تهامة، وفي حديث جبير: لو كان لي عدد هذه العضاه ( نَعَمًا) بفتحتين والنصب على التمييز ( لَقَسَمْتُهُ عَلَيْكُمْ) وفي رواية بينكم.
( ثُمَّ لَا تَجِدُونِي) بنون واحدة وفي رواية تجدونني بنونين ( بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذَّابًا) أي إذا جربتموني لا تجدوني ذا بخل ولا ذا جبن ولا ذا كذب، فالمراد نفي الوصف من أصله لا نفي المبالغة التي دل عليها الثلاثة لأن كذابًا من صيغ المبالغة وجبانًا صفة مشبهة وبخيلاً محتمل الأمرين.

قال ابن المنير: وفي جمعه صلى الله عليه وسلم بين هذه الصفات لطيفة لأنها متلازمة وكذا أضدادها الصدق والكرم والشجاعة.
وأصل المعنى هنا الشجاعة فإن الشجاع واثق من نفسه بالخلف من كسب سيفه فبالضرورة لا يبخل وإذا سهل عليه العطاء لا يكذب بالخلف في الوعد لأن الخلف إنما ينشأ من البخل، وقوله: لو كان لي عدد هذه العضاه تنبيه بطريق الأولى لأنه إذا سمح بمال نفسه فلأن يسمح بقسم غنائمهم عليهم أولى، واستعمال ثم هنا ليس مخالفًا لمقتضاها وإن كان الكرم يتقدم العطاء لكن علم الناس بكرم الكريم إنما يكون بعد العطاء.
وليس المراد بثم الدلالة على تراخي العلم بالكرم عن العطاء، وإنما التراخي هنا لعلو رتبة الوصف كأنه قال وأعلى من العطاء بما لا يتعارف أن يكون العطاء عن كرم فقد يكون عطاء بلا كرم كعطاء البخيل ونحو ذلك انتهى.
وفيه ذمّ الخصال المذكورة، وأن الإمام لا يصلح أن يكون فيه خصلة منها وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الحلم وحسن الخلق وسعة الجود والصبر على جفاة الأعراب وجواز وصف المرء نفسه بالخصال الحميدة عند الحاجة لخوف ظن أهل الجهل به خلاف ذلك، ولا يكون من الفخر المذموم، ورضا السائل بالحق للوعد إذا تحقق من الواعد التنجيز وأن الخيار للإمام في قسم الغنيمة إن شاء بعد فراغ الحرب وإن شاء بعد ذلك.

( فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عن ناقته ( قَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ أَدُّوا الْخِيَاطَ) بكسر المعجمة وتحتية بزنة لحاف، أي الخيط بدليل رواية الخائط، واحد الخيوط المعروفة.
وإن احتمل الخياط الإبرة لكن يدفعه قوله ( وَالْمِخْيَطَ) بكسر الميم وإسكان المعجمة وفتح الياء فإنه الإبرة بلا خلاف وهذا خرج على التقليل ليكون ما فوقه أولى بالدخول في معناه ( فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ) شيء يلزم منه شين أو سبة في الدنيا ( وَنَارٌ) يوم القيامة ( وَشَنَارٌ) بفتح الشين المعجمة والنون الخفيفة فألف فراء أقبح العيب والعار ( عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قال ابن عبد البر: الشنار لفظة جامعة لمعنى النار والعار، ومعناها الشين والنار، يريد أن الغلول شين وعار ومنقصة في الدنيا وعذاب ونار في الآخرة.

( قَالَ ثُمَّ تَنَاوَلَ مِنَ الْأَرْضِ وَبَرَةً) بفتح الموحدة والراء شعرة ( مِنْ بَعِيرٍ أَوْ شَيْئًا) شك الراوي وللنسائي ثم مال إلى راحلته فأخذ منها وبرة فوضعها بين إصبعيه ( ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَلَا مِثْلُ هَذِهِ) الوبرة ( إِلَّا الْخُمُسُ) فإنه لي أعمل فيه برأيي ( وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ) باجتهادي لأن الأربعة الأخماس مقسومة على المقاتلين الشريف والمشروف والرفيع والوضيع والغني والفقير بالسواء لا مدخل فيها للاجتهاد بالاتفاق المتلقى عن المصطفى لكن اختلف في سهم الفارس كما تقدم زاد النسائي فقام رجل ومعه كبة شعر فقال: يا رسول الله أخذت هذه لأصلح بها بردعة فقال: أمّا ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك فقال: أما إذا بلغت ما أرى فلا أرب لي فيها ونبذها.
وروى عبد الرزاق أن عقيل بن أبي طالب دخل على امرأته فاطمة بنت شيبة يوم حنين وسيفه ملطخ دمًا فقال: دونك هذه الإبرة تخيطين بها ثيابك فدفعها إليها فسمع المنادي يقول من أخذ شيئًا فليرده حتى الخيط والمخيط فرجع عقيل فأخذها فألقاها في الغنائم.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاري ( عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ) بفتح المهملة والموحدة الثقيلة ( أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ) قال ابن عبد البر: كذا ليحيى وهو غلط سقط منه شيخ محمد وهو في رواية غيره إلا أنهم اختلفوا فقال القعنبي وابن القاسم وأبو مصعب ومعن بن عيسى وسعيد بن عفير: عن محمد بن يحيى بن حبان عن أبي عمرة، وقال ابن وهب ومصعب الزبيري عن ابن أبي عمرة واسمه عبد الرحمن.
وفي التقريب أبو عمرة الأنصاري عن زيد بن خالد صوابه عن ابن أبي عمرة واسمه عبد الرحمن الأنصاري البخاري يقال ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن أبي حاتم ليست له صحبة انتهى.
وأبوه أبو عمرة صحابي شهيد بدري اسمه بشير وقيل أسامة وقيل ثعلبة مات في خلافة علي فعلم أن الصواب رواية ابن وهب ومصعب عن محمد بن يحيى عن ابن أبي عمرة أن زيد بن خالد ( الْجُهَنِيَّ) بضم الجيم وفتح الهاء المدني الصحابي المشهور مات بالكوفة سنة ثمان وستين أو سبعين وله خمس وثمانون سنة.

( قَالَ تُوُفِّيَ رَجُلٌ) لم يسم ( يَوْمَ خَيْبَرَ) بخاء معجمة وآخره راء عند جميع الرواة إلا يحيى فقال: يوم حنين، وهو وهم منه والصحيح خيبر ويدل عليه قوله من خرز يهود ولم يكن بحنين يهود قاله ابن عبد البر.
وكذا قال الباجي يدل عليه قوله من خرز يهود ولم يكن يوم حنين يهود يؤخذ خرزهم ( وَإِنَّهُمْ ذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ليصلي ( فَزَعَمَ زَيْدٌ) أي قال حقًا كقوله صلى الله عليه وسلم زعم جبريل ويطلق أيضًا على الكذب، ومنه { { زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا } } وعلى قول لم يوثق به كقوله كذا زعموا خير أهل اليمن وما هنا من الأول ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ) لأن الإمام لا يصلي على ذي كبيرة ( فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ لِذَلِكَ) أي عدم صلاته عليه ولم يعلموا ذنبه ( فَزَعَمَ زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ صَاحِبَكُمْ قَدْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) خان في الغنيمة ( قَالَ) زيد ( فَفَتَحْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا خَرَزَاتٍ مِنْ خَرَزِ) جمع خرزة بزنة قصب وقصبة ما ينظم ( يَهُودَ مَا يُسَاوِينَ) وفي رواية ما تساوين ( دِرْهَمَيْنِ) ففي هذا تعظيم أمر الغلول وأنه لا فرق بين كثيره وقليله.
وهذا الحديث رواه الترمذي والنسائي من طريق مالك وغيره.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الْكِنَانِيِّ) قال في الإكمال: سئل أبو زرعة الرازي عن اسم أبي بردة فقال: لا أعرفه ( أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى النَّاسَ فِي قَبَائِلِهِمْ) جمع قبيلة الجماعة المجتمعون من قوم شتى ( يَدْعُو لَهُمْ وَأَنَّهُ تَرَكَ قَبِيلَةً مِنَ الْقَبَائِلِ) بغير دعاء ( قَالَ وَإِنَّ الْقَبِيلَةَ وَجَدُوا فِي بَرْدَعَةِ) بدال مهملة ومعجمة حلس يجعل تحت الرحل هذا أصله لغة، وفي عرف زماننا هي للحمار بمنزل السرج للفرس كما في المصباح وقال الباجي: هي الفراش المبطن ( رَجُلٍ مِنْهُمْ عِقْدَ) بكسر العين وإسكان القاف قلادة ( جَزْعٍ) بفتح الجيم وسكون الزاي خرز فيه بياض وسواد الواحدة جزعة مثل تمر وتمرة ( غُلُولًا) خيانة ( فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَبَّرَ عَلَيْهِمْ كَمَا يُكَبِّرُ عَلَى الْمَيِّتِ) قال الباجي: يحتمل أن ذلك زجر لهم إشارة إلى أن حكمهم حكم الموتى الذين لا يسمعون المواعظ ولا يمتثلون الأوامر ولا يجتنبون النواهي.
ويحتمل أنه إشارة إلى أنهم بمنزلة الموتى الذين انقطع عملهم وأنهم لا يقضى لهم بتوبة انتهى.
والأول أظهر وبه جزم أبو عمر وقال: لا أعلم هذا الحديث روي مسندًا بوجه من الوجوه.

( مَالِكٍ عَنْ ثَوْرِ) بمثلثة ( بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ) بكسر المهملة وإسكان التحتية المدني ( عَنْ أَبِي الْغَيْثِ) بمعجمة فتحتية فمثلثة ( سَالِمٍ) المدني وهو بكنيتيه أشهر من اسمه، وقد سمي هنا فلا التفات لمن قال لا يوقف على اسمه صحيحًا نعم لا يعرف اسم أبيه ( مَوْلَى) عبد الله ( ابْنِ مُطِيعٍ) بن الأسود القرشي العدوي المدني له رؤية، وأمّره ابن الزبير على الكوفة.
ثم قتل معه سنة ثلاث وسبعين ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ) بمعجمة آخره راء كما رواه ابن وضاح عن يحيى وهو الصواب الذي لجماعة رواة الموطأ.
وغلط عبيد الله بن يحيى فقال: حنين نبه عليه ابن عبد البر وحكى الدارقطني عن موسى بن هارون أن ثور بن زيد وهم في قوله خرجنا لأن أبا هريرة لم يخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، وإنما قدم بعد خروجهم وقدم عليهم خيبر بعد أن فتحت، يعني كما رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة قال: قدمت المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر، وقد استخلف سباع بن عرفطة، الحديث.
وفيه فزوّدنا شيئًا حتى أتينا خيبر وقد افتتحها النبي صلى الله عليه وسلم فكلم المسلمين فأشركونا في سهامهم.
وقد رواه محمد بن إسحاق عن ثور بن زيد بلفظ: انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى فلعل ثورًا وهم لما حدث به غير ابن إسحاق وزعم أن روايته أرجح لا تسمع فأين يقع سماعه من سماع مالك حتى يقدم عليه، وقد تابع مالكًا عبد العزيز الدراوردي في مسلم والبيهقي من وجه آخر عن أبي هريرة قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من خيبر إلى وادي القرى، فلعل هذا أصل الحديث ولا يشك أحد أن أبا هريرة حضر قسمة الغنائم ( فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا وَرِقًا) وفي رواية ولا فضة ( إِلَّا الْأَمْوَالَ الثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ) كذا ليحيى وحده.
وللشافعي وابن وهب وابن القاسم وغيرهم: إلا الأموال والثياب والمتاع بحرف العطف قال الحافظ: وهو المحفوظ وقال القعنبي: إلا الثياب والمتاع والأموال.

وروى هذا الحديث أبو إسحاق الفزاري عن مالك قال: حدثني ثور بن زيد الديلي قال: حدثني سالم مولى ابن مطيع أنه سمع أبا هريرة يقول: افتتحنا خيبر فلم نغنم ذهبًا ولا فضة إنما غنمنا الإبل والبقر والمتاع والحوائط.
أخرجه البخاري في المغازي وهي سالمة من الاعتراض بحمل قوله: افتتحنا أي المسلمون، وله نظائر.
قال ابن عبد البر: فجوّز أبو إسحاق مع جلالته إسناده بسماع بعضهم من بعض وقضى بأنها خيبر لا حنين ورفع الإشكال قال: وفي الحديث أن بعض العرب وهي دوس لا تسمي العين مالاً وإنما الأموال عندهم الثياب والمتاع والعروض وعند غيرهم المال الصامت من الذهب والورق: وقال الحافظ: مقتضاه أن الثياب والمتاع لا يسمى مالاً.
وقد نقل ثعلب عن ابن الأعرابي عن المفضل الضبي قال: المال عند العرب الصامت والناطق؛ فالصامت الذهب والفضة والجوهر والناطق البعير والبقر والشاة، فإذا قلت عن حضري كثر ماله فالمراد الصامت، وإن قلت عن بدوي فالمراد الناطق انتهى.
وقد أطلق أبو قتادة على البستان مالاً كما مر من قوله: فابتعت به مخرفًا فإنه لأول مال تأثلته فالذي يظهر أن المال ما له قيمة لكن قد يغلب على قوم تخصيصه بشيء كما حكاه المفضل فتحمل الأموال على المواشي والحوائط التي ذكرت في الحديث ولا يراد بها النقود لأنه نفاها أولاً ثم لا تخالف بين قول أبي هريرة فكلم المسلمين فأشركونا في سهامهم وبين قول أبي موسى الأشعري ولم يقسم لأحد لم يشهد الفتح غيرنا يعني الأشعريين لأن مراده من غير استرضاء أحد من الغانمين.
وأما أبو هريرة وأصحابه فلم يعطهم إلا عن طيب خواطر المسلمين.

( قَالَ فَأَهْدَى رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ) أحد بني الضباب كذا في رواية أبي إسحاق عن مالك بكسر الضاد المعجمة وموحدتين الأولى خفيفة بينهما ألف بلفظ جمع الضب.
وعند مسلم: وهب له رجل من جذام يدعى رفاعة بن زيد من بني الضبيب، بضم المعجمة بصيغة التصغير.
وفي رواية محمد بن إسحاق رفاعة بن زيد الجذامي ثم الضبني، بضم المعجمة وفتح الموحدة بعدها نون، وقيل بفتح المعجمة وكسر الموحدة نسبة إلى بطن من جذام.
قال الواقدي كان رفاعة وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في ناس من قومه قبل خروجه إلى خيبر فأسلموا وعقد له على قومه ( غُلَامًا) عبدًا ( أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ) بكسر الميم وسكون الدال وفتح العين: المهملتين، صحابي رضي الله عنه ( فَوَجَّهَ) بفتح الواو، وقال الكرماني: بالبناء للمجهول ( رَسُولُ اللَّهِ) وفي رواية الفزاري: ثم انصرفنا مع رسول الله ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَادِي الْقُرَى) بضم القاف وفتح الراء مقصور، موضع بقرب المدينة.
( حَتَّى إِذَا كُنَّا بِوَادِي الْقُرَى بَيْنَمَا) بالميم بلا فاء ( مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زاد في رواية البيهقي: وقد استقبلتنا يهود بالرمي ولم نكن على تعبية ( إِذْ جَاءَهُ) أي مدعمًا ( سَهْمٌ عَائِرٌ) بعين مهملة فألف فهمزة فراء، بزنة الفاعل أي: لا يدري من رمى به وقيل: هو الحائد عن قصده ( فَأَصَابَهُ فَقَتَلَهُ فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ) وفي رواية الفزاري الشهادة ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَّا) ردع لهم عن هذا القول ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ) كساء يشتمل به ويلتف فيه وقيل: إنما تسمى شملة إذا كان لها هدب ( الَّتِي أَخَذَ) ها وفي رواية أصابها ( يَوْمَ خَيْبَرَ) بمعجمة أوله وراء بلا نقط آخره على الصواب ( مِنَ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ) بزنة تفتعل عند ابن وضاح، ولابن يحيى لتشعل بالبناء للمجهول ( عَلَيْهِ نَارًا) قال الحافظ: يحتمل أن يكون ذلك حقيقة بأن تصير الشملة نفسها نارًا فيعذب بها.
ويحتمل أن المراد أنها سبب لعذاب النار، وكذا يقال في الشراك الآتي.

وفي الصحيح عن عبد الله بن عمرو قال: كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له: كركرة فقال صلى الله عليه وسلم هو في النار في عباءة غلها، وكلام عياض يشعر باتحاد قصته مع قصة مدعم والذي يظهر من عدة أوجه تغايرهما فإن قصة مدعم كانت بوادي القرى ومات بسهم وغل شملة.
والذي أهداه رفاعة بخلاف كركرة فأهداه هوذة بن علّي وكان نوبيًّا أسود يمسك دابته صلى الله عليه وسلم في القتال فأعتقه أي: وغل عباءة ولم يمت بسهم بل ذكر البلاذري أنه مات في قتال أهل الردة بعده صلى الله عليه وسلم فافترقا، نعم روى مسلم عن عمر: لمّا كان يوم خيبر قالوا: فلان شهيد فقال صلى الله عليه وسلم كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة.
فهذا يمكن تفسيره بكركرة بفتح الكافين وبكسرهما قاله عياض.
وقال النووي: إنما اختلف في كافه الأولى، أما الثانية فمكسورة اتفاقًا.
وقوله هو في النار: أي يعذب على معصيته إن لم يعف الله تعالى عنه.

( قَالَ فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ ذَلِكَ جَاءَ رَجُلٌ) قال الحافظ: لم أقف على اسمه ( بِشِرَاكٍ) بكسر الشين المعجمة وخفة الراء سير النعل على ظهر القدم ( أَوْ شِرَاكَيْنِ) شك الراوي ( إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زاد في رواية الفزاري فقال: هذا شيء كنت أصبته ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ) تعذب بها أو سبب لعذاب النار، والشك من الراوي، وفيه تعظيم الغلول وإن قلَّ.
وأخرجه البخاري في الأيمان والنذور عن إسماعيل.
ومسلم من طريق ابن وهب عن مالك به.
وتابعه عبد العزيز الدراوردي عن ثور به عند مسلم.
ورواه البخاري في المغازي نازلاً عن عبد الله بن محمد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري عن مالك بنحوه بينه وبين مالك ثلاثة.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وقد رواه أبو عمر متصلاً ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ) موقوفًا وحكمه الرفع لأنه لا يقال رأيًا وقد رواه ابن ماجه وغيره بنحوه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بدون الجملة الأولى وهي ( مَا ظَهَرَ الْغُلُولُ) الخيانة في الغنيمة ( فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا أُلْقِيَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبُ) بالضم: الخوف معاملة بالنقيض فإن المال يقوّي القلب فلمّا أخذوه بغير حل خافوا، قال أبو عمر من عدوهم فجبنوا عن لقائهم فظهر العدّو عليهم ثم لا يحتمل أن ذلك فيمن غل دون من لم يغل ولم يرض به والأظهر أنه عام مع القدرة على التغيير ولم يفعلوا ولم تنكره قلوبهم، قال تعالى: { { فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ } } وقال تعالى: { { أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } }

( وَلَا فَشَا) ظهر وانتشر ( الزِّنَا فِي قَوْمٍ قَطُّ) ولم ينكر على فاعله ( إِلَّا كَثُرَ فِيهِمُ الْمَوْتُ) كما وقع في قصة بني إسرائيل ( وَلَا نَقَصَ قَوْمٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا قُطِعَ عَنْهُمُ الرِّزْقُ) أي البركة فيه أو ضيق عليهم لا أصل الرزق فلا تنافي بين هذا ونحوه كحديث: إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه وبين أحاديث إن الرزق لا تزيده الطاعة ولا تنقصه المعصية ( وَلَا حَكَمَ قَوْمٌ بِغَيْرِ الْحَقِّ) عن عمد أو جهل ( إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الدَّمُ) ولابن ماجه مرفوعًا: ولا حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر ولا منافاة بينهما.
( وَلَا خَتَرَ) بفتح الخاء المعجمة والمثناة الفوقية وراء بلا نقط: غدر ( قَوْمٌ بِالْعَهْدِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْعَدُوَّ) جزاء لما اجترحوه من نقض العهد المأمور بالوفاء به.



رقم الحديث 994 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا ظَهَرَ الْغُلُولُ فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا أُلْقِيَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبُ، وَلَا فَشَا الزِّنَا فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا كَثُرَ فِيهِمُ الْمَوْتُ، وَلَا نَقَصَ قَوْمٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا قُطِعَ عَنْهُمُ الرِّزْقُ.
وَلَا حَكَمَ قَوْمٌ بِغَيْرِ الْحَقِّ إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الدَّمُ.
وَلَا خَتَرَ قَوْمٌ بِالْعَهْدِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْعَدُوَّ.


( مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ) بن قيس الأنصاري الثقة المأمون أخو يحيى بن سعيد روى عنه جماعة من الأئمة، ومات سنة تسع وثلاثين وقيل سنة إحدى وأربعين ومائة، له في الموطأ مرفوعًا ثلاثة أحاديث هذا ثانيها.
( عَنْ عَمْرِو) بفتح العين ( بْنِ شُعَيْبٍ) بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاصي صدوق مات سنة ثماني عشرة ومائة.
قال ابن عبد البر: لا خلاف عن مالك في إرساله ووصله النسائي.
قال الحافظ بإسناد حسن من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه، وأخرجه النسائي أيضًا بإسناد حسن من حديث عبادة بن الصامت.

( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَدَرَ) رجع ( مِنْ حُنَيْنٍ وَهُوَ يُرِيدُ الْجِعِرَّانَةَ) بكسر الجيم وسكون العين وخفة الراء وبكسر العين وشدّ الراء، والأولى أفصح.
( سَأَلَهُ النَّاسُ) وزاد في الطريق الموصولة فقالوا أقسم علينا فيئنا ( حَتَّى دَنَتْ بِهِ نَاقَتُهُ مِنْ شَجَرَةٍ) أي سمرة بفتح المهملة وضم الميم، من شجر البادية ذات شوك، ففي الصحيح عن جبير بن مطعم أنه بينما هو يسير مع النبي صلى الله عليه وسلم مقفلة من حنين فعلقت الناس الأعراب يسألونه حتى اضطروه إلى سمرة.
( فَتَشَبَّكَتْ بِرِدَائِهِ) أي علق شوكها به ( حَتَّى نَزَعَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ) وفي حديث جبير فخطفت رداءه وهو مجازًا والمراد خطفته الأعراب ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زاد النسائي: يا أيها الناس ( رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي) وفي حديث جبير: فوقف وقال: أعطوني ردائي، يعني خلصوه من الشجرة وأعطوه لي وإن كانوا خطفوه فالرّد بلا تخليص ( أَتَخَافُونَ أَنْ لَا أَقْسِمَ بَيْنَكُمْ مَا أَفَاءَ) ردّ ( اللَّهُ عَلَيْكُمْ) من الغنيمة وأصل الفيء الرّد والرجوع، ومنه سمي الظل بعد الزوال فيئًا لرجوعه من جانب إلى جانب، فكأن أموال الكفار سميت فيئًا لأنها كانت في الأصل للمؤمنين إذ الإيمان هو الأصل والكفر طار عليه.
( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) إن شاء أبقاها وإن شاء أخذها وهو قسم كان يقسم به كثيرًا ( لَوْ أَفَاءَ) بالهمز ولا يجوز الإبدال ( اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ سَمُرِ) بفتح المهملة وضم الميم شجر ( تِهَامَةَ) جمع سمرة بالتاء شجرة طويلة متفرّقة الرأس قليلة الظل صغيرة الورق والشوك صلبة الخشب، قاله ابن التين.
وقال الداودي: هي العضاه بكسر المهملة وفتح المعجمة الخفيفة آخره هاء وصلاً ووقفًا شجر الشوك كطلح وعوسج وسدر.
وقال الخطابي ورق السمرة أثبت وظلها أكثف، ويقال: هي شجرة الطلح وللنسائي لو أن لكم بعدد شجر تهامة، وفي حديث جبير: لو كان لي عدد هذه العضاه ( نَعَمًا) بفتحتين والنصب على التمييز ( لَقَسَمْتُهُ عَلَيْكُمْ) وفي رواية بينكم.
( ثُمَّ لَا تَجِدُونِي) بنون واحدة وفي رواية تجدونني بنونين ( بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذَّابًا) أي إذا جربتموني لا تجدوني ذا بخل ولا ذا جبن ولا ذا كذب، فالمراد نفي الوصف من أصله لا نفي المبالغة التي دل عليها الثلاثة لأن كذابًا من صيغ المبالغة وجبانًا صفة مشبهة وبخيلاً محتمل الأمرين.

قال ابن المنير: وفي جمعه صلى الله عليه وسلم بين هذه الصفات لطيفة لأنها متلازمة وكذا أضدادها الصدق والكرم والشجاعة.
وأصل المعنى هنا الشجاعة فإن الشجاع واثق من نفسه بالخلف من كسب سيفه فبالضرورة لا يبخل وإذا سهل عليه العطاء لا يكذب بالخلف في الوعد لأن الخلف إنما ينشأ من البخل، وقوله: لو كان لي عدد هذه العضاه تنبيه بطريق الأولى لأنه إذا سمح بمال نفسه فلأن يسمح بقسم غنائمهم عليهم أولى، واستعمال ثم هنا ليس مخالفًا لمقتضاها وإن كان الكرم يتقدم العطاء لكن علم الناس بكرم الكريم إنما يكون بعد العطاء.
وليس المراد بثم الدلالة على تراخي العلم بالكرم عن العطاء، وإنما التراخي هنا لعلو رتبة الوصف كأنه قال وأعلى من العطاء بما لا يتعارف أن يكون العطاء عن كرم فقد يكون عطاء بلا كرم كعطاء البخيل ونحو ذلك انتهى.
وفيه ذمّ الخصال المذكورة، وأن الإمام لا يصلح أن يكون فيه خصلة منها وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الحلم وحسن الخلق وسعة الجود والصبر على جفاة الأعراب وجواز وصف المرء نفسه بالخصال الحميدة عند الحاجة لخوف ظن أهل الجهل به خلاف ذلك، ولا يكون من الفخر المذموم، ورضا السائل بالحق للوعد إذا تحقق من الواعد التنجيز وأن الخيار للإمام في قسم الغنيمة إن شاء بعد فراغ الحرب وإن شاء بعد ذلك.

( فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عن ناقته ( قَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ أَدُّوا الْخِيَاطَ) بكسر المعجمة وتحتية بزنة لحاف، أي الخيط بدليل رواية الخائط، واحد الخيوط المعروفة.
وإن احتمل الخياط الإبرة لكن يدفعه قوله ( وَالْمِخْيَطَ) بكسر الميم وإسكان المعجمة وفتح الياء فإنه الإبرة بلا خلاف وهذا خرج على التقليل ليكون ما فوقه أولى بالدخول في معناه ( فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ) شيء يلزم منه شين أو سبة في الدنيا ( وَنَارٌ) يوم القيامة ( وَشَنَارٌ) بفتح الشين المعجمة والنون الخفيفة فألف فراء أقبح العيب والعار ( عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قال ابن عبد البر: الشنار لفظة جامعة لمعنى النار والعار، ومعناها الشين والنار، يريد أن الغلول شين وعار ومنقصة في الدنيا وعذاب ونار في الآخرة.

( قَالَ ثُمَّ تَنَاوَلَ مِنَ الْأَرْضِ وَبَرَةً) بفتح الموحدة والراء شعرة ( مِنْ بَعِيرٍ أَوْ شَيْئًا) شك الراوي وللنسائي ثم مال إلى راحلته فأخذ منها وبرة فوضعها بين إصبعيه ( ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَلَا مِثْلُ هَذِهِ) الوبرة ( إِلَّا الْخُمُسُ) فإنه لي أعمل فيه برأيي ( وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ) باجتهادي لأن الأربعة الأخماس مقسومة على المقاتلين الشريف والمشروف والرفيع والوضيع والغني والفقير بالسواء لا مدخل فيها للاجتهاد بالاتفاق المتلقى عن المصطفى لكن اختلف في سهم الفارس كما تقدم زاد النسائي فقام رجل ومعه كبة شعر فقال: يا رسول الله أخذت هذه لأصلح بها بردعة فقال: أمّا ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك فقال: أما إذا بلغت ما أرى فلا أرب لي فيها ونبذها.
وروى عبد الرزاق أن عقيل بن أبي طالب دخل على امرأته فاطمة بنت شيبة يوم حنين وسيفه ملطخ دمًا فقال: دونك هذه الإبرة تخيطين بها ثيابك فدفعها إليها فسمع المنادي يقول من أخذ شيئًا فليرده حتى الخيط والمخيط فرجع عقيل فأخذها فألقاها في الغنائم.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاري ( عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ) بفتح المهملة والموحدة الثقيلة ( أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ) قال ابن عبد البر: كذا ليحيى وهو غلط سقط منه شيخ محمد وهو في رواية غيره إلا أنهم اختلفوا فقال القعنبي وابن القاسم وأبو مصعب ومعن بن عيسى وسعيد بن عفير: عن محمد بن يحيى بن حبان عن أبي عمرة، وقال ابن وهب ومصعب الزبيري عن ابن أبي عمرة واسمه عبد الرحمن.
وفي التقريب أبو عمرة الأنصاري عن زيد بن خالد صوابه عن ابن أبي عمرة واسمه عبد الرحمن الأنصاري البخاري يقال ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن أبي حاتم ليست له صحبة انتهى.
وأبوه أبو عمرة صحابي شهيد بدري اسمه بشير وقيل أسامة وقيل ثعلبة مات في خلافة علي فعلم أن الصواب رواية ابن وهب ومصعب عن محمد بن يحيى عن ابن أبي عمرة أن زيد بن خالد ( الْجُهَنِيَّ) بضم الجيم وفتح الهاء المدني الصحابي المشهور مات بالكوفة سنة ثمان وستين أو سبعين وله خمس وثمانون سنة.

( قَالَ تُوُفِّيَ رَجُلٌ) لم يسم ( يَوْمَ خَيْبَرَ) بخاء معجمة وآخره راء عند جميع الرواة إلا يحيى فقال: يوم حنين، وهو وهم منه والصحيح خيبر ويدل عليه قوله من خرز يهود ولم يكن بحنين يهود قاله ابن عبد البر.
وكذا قال الباجي يدل عليه قوله من خرز يهود ولم يكن يوم حنين يهود يؤخذ خرزهم ( وَإِنَّهُمْ ذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ليصلي ( فَزَعَمَ زَيْدٌ) أي قال حقًا كقوله صلى الله عليه وسلم زعم جبريل ويطلق أيضًا على الكذب، ومنه { { زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا } } وعلى قول لم يوثق به كقوله كذا زعموا خير أهل اليمن وما هنا من الأول ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ) لأن الإمام لا يصلي على ذي كبيرة ( فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ لِذَلِكَ) أي عدم صلاته عليه ولم يعلموا ذنبه ( فَزَعَمَ زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ صَاحِبَكُمْ قَدْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) خان في الغنيمة ( قَالَ) زيد ( فَفَتَحْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا خَرَزَاتٍ مِنْ خَرَزِ) جمع خرزة بزنة قصب وقصبة ما ينظم ( يَهُودَ مَا يُسَاوِينَ) وفي رواية ما تساوين ( دِرْهَمَيْنِ) ففي هذا تعظيم أمر الغلول وأنه لا فرق بين كثيره وقليله.
وهذا الحديث رواه الترمذي والنسائي من طريق مالك وغيره.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الْكِنَانِيِّ) قال في الإكمال: سئل أبو زرعة الرازي عن اسم أبي بردة فقال: لا أعرفه ( أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى النَّاسَ فِي قَبَائِلِهِمْ) جمع قبيلة الجماعة المجتمعون من قوم شتى ( يَدْعُو لَهُمْ وَأَنَّهُ تَرَكَ قَبِيلَةً مِنَ الْقَبَائِلِ) بغير دعاء ( قَالَ وَإِنَّ الْقَبِيلَةَ وَجَدُوا فِي بَرْدَعَةِ) بدال مهملة ومعجمة حلس يجعل تحت الرحل هذا أصله لغة، وفي عرف زماننا هي للحمار بمنزل السرج للفرس كما في المصباح وقال الباجي: هي الفراش المبطن ( رَجُلٍ مِنْهُمْ عِقْدَ) بكسر العين وإسكان القاف قلادة ( جَزْعٍ) بفتح الجيم وسكون الزاي خرز فيه بياض وسواد الواحدة جزعة مثل تمر وتمرة ( غُلُولًا) خيانة ( فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَبَّرَ عَلَيْهِمْ كَمَا يُكَبِّرُ عَلَى الْمَيِّتِ) قال الباجي: يحتمل أن ذلك زجر لهم إشارة إلى أن حكمهم حكم الموتى الذين لا يسمعون المواعظ ولا يمتثلون الأوامر ولا يجتنبون النواهي.
ويحتمل أنه إشارة إلى أنهم بمنزلة الموتى الذين انقطع عملهم وأنهم لا يقضى لهم بتوبة انتهى.
والأول أظهر وبه جزم أبو عمر وقال: لا أعلم هذا الحديث روي مسندًا بوجه من الوجوه.

( مَالِكٍ عَنْ ثَوْرِ) بمثلثة ( بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ) بكسر المهملة وإسكان التحتية المدني ( عَنْ أَبِي الْغَيْثِ) بمعجمة فتحتية فمثلثة ( سَالِمٍ) المدني وهو بكنيتيه أشهر من اسمه، وقد سمي هنا فلا التفات لمن قال لا يوقف على اسمه صحيحًا نعم لا يعرف اسم أبيه ( مَوْلَى) عبد الله ( ابْنِ مُطِيعٍ) بن الأسود القرشي العدوي المدني له رؤية، وأمّره ابن الزبير على الكوفة.
ثم قتل معه سنة ثلاث وسبعين ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ) بمعجمة آخره راء كما رواه ابن وضاح عن يحيى وهو الصواب الذي لجماعة رواة الموطأ.
وغلط عبيد الله بن يحيى فقال: حنين نبه عليه ابن عبد البر وحكى الدارقطني عن موسى بن هارون أن ثور بن زيد وهم في قوله خرجنا لأن أبا هريرة لم يخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، وإنما قدم بعد خروجهم وقدم عليهم خيبر بعد أن فتحت، يعني كما رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة قال: قدمت المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر، وقد استخلف سباع بن عرفطة، الحديث.
وفيه فزوّدنا شيئًا حتى أتينا خيبر وقد افتتحها النبي صلى الله عليه وسلم فكلم المسلمين فأشركونا في سهامهم.
وقد رواه محمد بن إسحاق عن ثور بن زيد بلفظ: انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى فلعل ثورًا وهم لما حدث به غير ابن إسحاق وزعم أن روايته أرجح لا تسمع فأين يقع سماعه من سماع مالك حتى يقدم عليه، وقد تابع مالكًا عبد العزيز الدراوردي في مسلم والبيهقي من وجه آخر عن أبي هريرة قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من خيبر إلى وادي القرى، فلعل هذا أصل الحديث ولا يشك أحد أن أبا هريرة حضر قسمة الغنائم ( فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا وَرِقًا) وفي رواية ولا فضة ( إِلَّا الْأَمْوَالَ الثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ) كذا ليحيى وحده.
وللشافعي وابن وهب وابن القاسم وغيرهم: إلا الأموال والثياب والمتاع بحرف العطف قال الحافظ: وهو المحفوظ وقال القعنبي: إلا الثياب والمتاع والأموال.

وروى هذا الحديث أبو إسحاق الفزاري عن مالك قال: حدثني ثور بن زيد الديلي قال: حدثني سالم مولى ابن مطيع أنه سمع أبا هريرة يقول: افتتحنا خيبر فلم نغنم ذهبًا ولا فضة إنما غنمنا الإبل والبقر والمتاع والحوائط.
أخرجه البخاري في المغازي وهي سالمة من الاعتراض بحمل قوله: افتتحنا أي المسلمون، وله نظائر.
قال ابن عبد البر: فجوّز أبو إسحاق مع جلالته إسناده بسماع بعضهم من بعض وقضى بأنها خيبر لا حنين ورفع الإشكال قال: وفي الحديث أن بعض العرب وهي دوس لا تسمي العين مالاً وإنما الأموال عندهم الثياب والمتاع والعروض وعند غيرهم المال الصامت من الذهب والورق: وقال الحافظ: مقتضاه أن الثياب والمتاع لا يسمى مالاً.
وقد نقل ثعلب عن ابن الأعرابي عن المفضل الضبي قال: المال عند العرب الصامت والناطق؛ فالصامت الذهب والفضة والجوهر والناطق البعير والبقر والشاة، فإذا قلت عن حضري كثر ماله فالمراد الصامت، وإن قلت عن بدوي فالمراد الناطق انتهى.
وقد أطلق أبو قتادة على البستان مالاً كما مر من قوله: فابتعت به مخرفًا فإنه لأول مال تأثلته فالذي يظهر أن المال ما له قيمة لكن قد يغلب على قوم تخصيصه بشيء كما حكاه المفضل فتحمل الأموال على المواشي والحوائط التي ذكرت في الحديث ولا يراد بها النقود لأنه نفاها أولاً ثم لا تخالف بين قول أبي هريرة فكلم المسلمين فأشركونا في سهامهم وبين قول أبي موسى الأشعري ولم يقسم لأحد لم يشهد الفتح غيرنا يعني الأشعريين لأن مراده من غير استرضاء أحد من الغانمين.
وأما أبو هريرة وأصحابه فلم يعطهم إلا عن طيب خواطر المسلمين.

( قَالَ فَأَهْدَى رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ) أحد بني الضباب كذا في رواية أبي إسحاق عن مالك بكسر الضاد المعجمة وموحدتين الأولى خفيفة بينهما ألف بلفظ جمع الضب.
وعند مسلم: وهب له رجل من جذام يدعى رفاعة بن زيد من بني الضبيب، بضم المعجمة بصيغة التصغير.
وفي رواية محمد بن إسحاق رفاعة بن زيد الجذامي ثم الضبني، بضم المعجمة وفتح الموحدة بعدها نون، وقيل بفتح المعجمة وكسر الموحدة نسبة إلى بطن من جذام.
قال الواقدي كان رفاعة وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في ناس من قومه قبل خروجه إلى خيبر فأسلموا وعقد له على قومه ( غُلَامًا) عبدًا ( أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ) بكسر الميم وسكون الدال وفتح العين: المهملتين، صحابي رضي الله عنه ( فَوَجَّهَ) بفتح الواو، وقال الكرماني: بالبناء للمجهول ( رَسُولُ اللَّهِ) وفي رواية الفزاري: ثم انصرفنا مع رسول الله ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَادِي الْقُرَى) بضم القاف وفتح الراء مقصور، موضع بقرب المدينة.
( حَتَّى إِذَا كُنَّا بِوَادِي الْقُرَى بَيْنَمَا) بالميم بلا فاء ( مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زاد في رواية البيهقي: وقد استقبلتنا يهود بالرمي ولم نكن على تعبية ( إِذْ جَاءَهُ) أي مدعمًا ( سَهْمٌ عَائِرٌ) بعين مهملة فألف فهمزة فراء، بزنة الفاعل أي: لا يدري من رمى به وقيل: هو الحائد عن قصده ( فَأَصَابَهُ فَقَتَلَهُ فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ) وفي رواية الفزاري الشهادة ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَّا) ردع لهم عن هذا القول ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ) كساء يشتمل به ويلتف فيه وقيل: إنما تسمى شملة إذا كان لها هدب ( الَّتِي أَخَذَ) ها وفي رواية أصابها ( يَوْمَ خَيْبَرَ) بمعجمة أوله وراء بلا نقط آخره على الصواب ( مِنَ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ) بزنة تفتعل عند ابن وضاح، ولابن يحيى لتشعل بالبناء للمجهول ( عَلَيْهِ نَارًا) قال الحافظ: يحتمل أن يكون ذلك حقيقة بأن تصير الشملة نفسها نارًا فيعذب بها.
ويحتمل أن المراد أنها سبب لعذاب النار، وكذا يقال في الشراك الآتي.

وفي الصحيح عن عبد الله بن عمرو قال: كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له: كركرة فقال صلى الله عليه وسلم هو في النار في عباءة غلها، وكلام عياض يشعر باتحاد قصته مع قصة مدعم والذي يظهر من عدة أوجه تغايرهما فإن قصة مدعم كانت بوادي القرى ومات بسهم وغل شملة.
والذي أهداه رفاعة بخلاف كركرة فأهداه هوذة بن علّي وكان نوبيًّا أسود يمسك دابته صلى الله عليه وسلم في القتال فأعتقه أي: وغل عباءة ولم يمت بسهم بل ذكر البلاذري أنه مات في قتال أهل الردة بعده صلى الله عليه وسلم فافترقا، نعم روى مسلم عن عمر: لمّا كان يوم خيبر قالوا: فلان شهيد فقال صلى الله عليه وسلم كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة.
فهذا يمكن تفسيره بكركرة بفتح الكافين وبكسرهما قاله عياض.
وقال النووي: إنما اختلف في كافه الأولى، أما الثانية فمكسورة اتفاقًا.
وقوله هو في النار: أي يعذب على معصيته إن لم يعف الله تعالى عنه.

( قَالَ فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ ذَلِكَ جَاءَ رَجُلٌ) قال الحافظ: لم أقف على اسمه ( بِشِرَاكٍ) بكسر الشين المعجمة وخفة الراء سير النعل على ظهر القدم ( أَوْ شِرَاكَيْنِ) شك الراوي ( إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زاد في رواية الفزاري فقال: هذا شيء كنت أصبته ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ) تعذب بها أو سبب لعذاب النار، والشك من الراوي، وفيه تعظيم الغلول وإن قلَّ.
وأخرجه البخاري في الأيمان والنذور عن إسماعيل.
ومسلم من طريق ابن وهب عن مالك به.
وتابعه عبد العزيز الدراوردي عن ثور به عند مسلم.
ورواه البخاري في المغازي نازلاً عن عبد الله بن محمد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري عن مالك بنحوه بينه وبين مالك ثلاثة.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وقد رواه أبو عمر متصلاً ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ) موقوفًا وحكمه الرفع لأنه لا يقال رأيًا وقد رواه ابن ماجه وغيره بنحوه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بدون الجملة الأولى وهي ( مَا ظَهَرَ الْغُلُولُ) الخيانة في الغنيمة ( فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا أُلْقِيَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبُ) بالضم: الخوف معاملة بالنقيض فإن المال يقوّي القلب فلمّا أخذوه بغير حل خافوا، قال أبو عمر من عدوهم فجبنوا عن لقائهم فظهر العدّو عليهم ثم لا يحتمل أن ذلك فيمن غل دون من لم يغل ولم يرض به والأظهر أنه عام مع القدرة على التغيير ولم يفعلوا ولم تنكره قلوبهم، قال تعالى: { { فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ } } وقال تعالى: { { أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } }

( وَلَا فَشَا) ظهر وانتشر ( الزِّنَا فِي قَوْمٍ قَطُّ) ولم ينكر على فاعله ( إِلَّا كَثُرَ فِيهِمُ الْمَوْتُ) كما وقع في قصة بني إسرائيل ( وَلَا نَقَصَ قَوْمٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا قُطِعَ عَنْهُمُ الرِّزْقُ) أي البركة فيه أو ضيق عليهم لا أصل الرزق فلا تنافي بين هذا ونحوه كحديث: إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه وبين أحاديث إن الرزق لا تزيده الطاعة ولا تنقصه المعصية ( وَلَا حَكَمَ قَوْمٌ بِغَيْرِ الْحَقِّ) عن عمد أو جهل ( إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الدَّمُ) ولابن ماجه مرفوعًا: ولا حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر ولا منافاة بينهما.
( وَلَا خَتَرَ) بفتح الخاء المعجمة والمثناة الفوقية وراء بلا نقط: غدر ( قَوْمٌ بِالْعَهْدِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْعَدُوَّ) جزاء لما اجترحوه من نقض العهد المأمور بالوفاء به.