فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ النُّذُورِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ

رقم الحديث 1024 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ وَثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحَدُهُمَا يَزِيدُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا قَائِمًا فِي الشَّمْسِ فَقَالَ: مَا بَالُ هَذَا؟ فَقَالُوا: نَذَرَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ، وَلَا يَسْتَظِلَّ مِنَ الشَّمْسِ، وَلَا يَجْلِسَ، وَيَصُومَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ، وَلْيَسْتَظِلَّ، وَلْيَجْلِسْ وَلْيُتِمَّ صِيَامَهُ قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِكَفَّارَةٍ.
وَقَدْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُتِمَّ مَا كَانَ لِلَّهِ طَاعَةً، وَيَتْرُكَ مَا كَانَ لِلَّهِ مَعْصِيَةً.


( ما لا يجوز من النذور في معصية الله)

( مالك عن حميد بن قيس) المكي ( وثور) بمثلثة ( بن زيد الديلي) بكسر الدال وإسكان التحتية ( أنهما أخبراه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) مرسلاً قال أبو عمر: يتصل من حديث جابر وابن عباس ومن حديث قيس بن أبي حازم عن أبيه ومن حديث طاوس عن أبي إسرائيل رجل من الصحابة قال: وأظن أن حديث جابر هو هذا لأن مجاهدًا رواه عن جابر وحميد بن قيس صاحب مجاهد ( وأحدهما يزيد في الحديث على صاحبه) فجمع حديثهما دون بيان زيادة لأحد لجواز ذلك وقد فعله شيخه الزهري وغيره من الأئمة.

( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً) وفي البخاري بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقال أبو إسرائيل وعند ابن إسحاق عن جابر كان أبو إسرائيل رجلاً من بني فهر فنذر ليقومن في الشمس حتى يصلي النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة، وليصومن ذلك اليوم قال الحافظ: قيل اسمه قشير بقاف وشين معجمة مصغر وقيل يسير بتحتية ثم مهملة مصغر أيضًا وقيل قيصر بقاف وصاد باسم ملك الروم، وقيل قيسر بالسين المهملة بدل الصاد، وقيل قيص بغير راء في آخره وفي مبهمات الخطيب أنه من قريش وقال ابن الأثير وغيره: إنه أنصاري والأول أولى ولا يشاركه في كنيته أحد من الصحابة ( قائمًا في الشمس فقال: ما بال هذا؟) ما حاله ( فقالوا نذر أن لا يتكلم ولا يستظل من الشمس، ولا يجلس ويصوم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مروه فليتكلم وليستظل وليجلس)
لأنه لا قربة في عدم الثلاثة ( وليتم صيامه) لأنه قربة.

( قال مالك ولم يسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بكفارة) فليس عليه كفارة خلافًا لمن قال عليه مع ترك المعصية كفارة يمين ( وقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتم ما كان لله طاعة) وهو الصيام ( ويترك ما كان لله معصية) أي ما حكمه حكمها في أنه لا يلزم الوفاء به ولا الكفارة وإلا فالقيام وعدم الكلام والاستظلال ليست معصية لذاتها إذ أصلها مباح أشار إليه ابن عبد البر وقال الباجي: سماه معصية وإن كان أصله مباحًا لأنه إذا نذر كان معصية إذ لا يحل نذر ما ليس بقربة وإن فعله بالنذر عصى وبغير نذر مباح وأيضًا لأنه إذا بلغ به حد التضرر والعنت كان معصية فعل بنذر أو بغيره انتهى والحديث أخرجه البخاري وأبو داود وابن ماجه عن ابن عباس ورواه عبد الرزاق عن ابن طاوس عن أبي إسرائيل نفسه وابن عبد البر من طريق ابن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر.

( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن القاسم بن محمد أنه) أي يحيى ( سمعه) أي القاسم ( يقول أتت امرأة إلى عبد الله بن عباس فقالت إني نذرت أن أنحر ابني فقال ابن عباس لا تنحري ابنك وكفري عن يمينك) بكفارة يمين، وروي عن ابن عباس ينحر مائة من الإبل ديته، وروي عنه أيضًا ينحر كبش كما فدى به إبراهيم وتلا { { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } } وروي قوله الأول عن عثمان وابن عمر وحجته حديث لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين، وهو حديث معلول وروى الأخيران عن علي قاله ابن عبد البر وقال الباجي سماه يمينًا لأن كفارته ككفارة اليمين عنده ولعله منها أنها أتت بذلك على وجه اليمين.

( فقال شيخ عند ابن عباس وكيف يكون في هذا كفارة) وهو نذر معصية ( فقال ابن عباس إن الله عز وجل قال { { وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ } } منكم { { مِن نِّسَائِهِمْ } } ثم جعل فيه من الكفارة ما رأيت) في بقية الآية { { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } } إلخ مع أنه قال: { { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا } } فكذلك يلزم المرأة الكفارة قال ابن عبد البر: لا معنى للاعتبار في ذلك بكفارة الظهار لأن الظهار ليس بنذر، ونذر المعصية جاء فيه نص النبي صلى الله عليه وسلم قولاً في الحديث اللاحق من نذر أن يعصي وفعلاً في حديث جابر يعني السابق قبل أثر ابن عباس.

( مالك عن طلحة بن عبد الملك الأيلي) بفتح الهمزة بعدها ياء تحتية ساكنة ثقة مرضي حجة ( عن القاسم بن محمد بن الصديق عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من نذر أن يطيع الله) عز وجل كأن يصلي الظهر مثلاً في أول وقته أو يصوم نفلاً ونحو ذلك من المستحب من العبادات البدنية والمالية ( فليطعه) بالجزم جواب الشرط، والأمر للوجوب فينقلب المستحب واجبًا بالنذر ويتقيد بما قيده به الناذر ( ومن نذر أن يعصي الله) كشرب الخمر ( فلا يعصه) لحرمة وفائه بذلك النذر إذ مفهوم النذر شرعًا إيجاب المباح، وهو إنما يتحقق في الطاعات وأما المعاصي فلا شيء فيها مباح حتى يجب بالنذر فلا يتحقق فيه النذر فلو نذر صوم العيد لم يجب عليه شيء، ولو نذر نحر ولده فباطل.
وإليه ذهب مالك والشافعي وفقهاء الحجاز وهذا الحديث رواه القعنبي ويحيى بن بكير وأبو مصعب وسائر رواة الموطأ عن مالك مسندًا وأخرجه البخاري عن شيخه أبي عاصم الضحاك بن مخلد وأبي نعيم الفضل بن دكين والترمذي والنسائي عن قتيبة بن سعيد الثلاثة عن مالك به وتابعه عبيد الله عن طلحة عند الترمذي.

قال ابن عبد البر: وما أظنه سقط عند أحد من رواة الموطأ إلا عند يحيى الأندلسي فلم يسنده وإنما ( قال يحيى وسمعت مالكًا يقول معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من نذر أن يعصي الله فلا يعصه أن ينذر الرجل) أو المرأة ( أن يمشي إلى الشام أو إلى مصر) بمنع الصرف البلد المعروف ( أو إلى الربذة) بفتح الراء والموحدة والذال المعجمة قرية على نحو ثلاثة أيام من المدينة كانت عامرة في صدر الإسلام وبها قبر أبي ذرّ الغفاري وجماعة من الصحابة ( أو ما أشبه ذلك مما ليس لله بطاعة إن كلم فلانًا) شرط في قوله أن يمشي ( أو ما أشبه ذلك فليس عليه في شيء من ذلك شيء إن هو كلمه أو حنث بما حلف عليه) غير الكلام ( لأنه ليس لله في هذه الأشياء طاعة) وما كان كذلك لا يجوز نذره ويحرم فعله بالنذر على ما قال الباجي أو يلحق بالمعصية في الحكم كما أشار إليه أبو عمر ( وإنما يوفى لله بما له فيه طاعة) وجوبًا لقوله صلى الله عليه وسلم في صدر الحديث من نذر أن يطيع الله فليطعه.



رقم الحديث 1025 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: أَتَتِ امْرَأَةٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَتْ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ ابْنِي.
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَنْحَرِي ابْنَكِ، وَكَفِّرِي عَنْ يَمِينِكِ، فَقَالَ شَيْخٌ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَيْفَ يَكُونُ فِي هَذَا كَفَّارَةٌ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: { { وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ } } مِنْكُمْ { { مِنْ نِسَائِهِمْ } } ثُمَّ جَعَلَ فِيهِ مِنَ الْكَفَّارَةِ مَا قَدْ رَأَيْتَ.


( ما لا يجوز من النذور في معصية الله)

( مالك عن حميد بن قيس) المكي ( وثور) بمثلثة ( بن زيد الديلي) بكسر الدال وإسكان التحتية ( أنهما أخبراه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) مرسلاً قال أبو عمر: يتصل من حديث جابر وابن عباس ومن حديث قيس بن أبي حازم عن أبيه ومن حديث طاوس عن أبي إسرائيل رجل من الصحابة قال: وأظن أن حديث جابر هو هذا لأن مجاهدًا رواه عن جابر وحميد بن قيس صاحب مجاهد ( وأحدهما يزيد في الحديث على صاحبه) فجمع حديثهما دون بيان زيادة لأحد لجواز ذلك وقد فعله شيخه الزهري وغيره من الأئمة.

( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً) وفي البخاري بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقال أبو إسرائيل وعند ابن إسحاق عن جابر كان أبو إسرائيل رجلاً من بني فهر فنذر ليقومن في الشمس حتى يصلي النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة، وليصومن ذلك اليوم قال الحافظ: قيل اسمه قشير بقاف وشين معجمة مصغر وقيل يسير بتحتية ثم مهملة مصغر أيضًا وقيل قيصر بقاف وصاد باسم ملك الروم، وقيل قيسر بالسين المهملة بدل الصاد، وقيل قيص بغير راء في آخره وفي مبهمات الخطيب أنه من قريش وقال ابن الأثير وغيره: إنه أنصاري والأول أولى ولا يشاركه في كنيته أحد من الصحابة ( قائمًا في الشمس فقال: ما بال هذا؟) ما حاله ( فقالوا نذر أن لا يتكلم ولا يستظل من الشمس، ولا يجلس ويصوم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مروه فليتكلم وليستظل وليجلس)
لأنه لا قربة في عدم الثلاثة ( وليتم صيامه) لأنه قربة.

( قال مالك ولم يسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بكفارة) فليس عليه كفارة خلافًا لمن قال عليه مع ترك المعصية كفارة يمين ( وقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتم ما كان لله طاعة) وهو الصيام ( ويترك ما كان لله معصية) أي ما حكمه حكمها في أنه لا يلزم الوفاء به ولا الكفارة وإلا فالقيام وعدم الكلام والاستظلال ليست معصية لذاتها إذ أصلها مباح أشار إليه ابن عبد البر وقال الباجي: سماه معصية وإن كان أصله مباحًا لأنه إذا نذر كان معصية إذ لا يحل نذر ما ليس بقربة وإن فعله بالنذر عصى وبغير نذر مباح وأيضًا لأنه إذا بلغ به حد التضرر والعنت كان معصية فعل بنذر أو بغيره انتهى والحديث أخرجه البخاري وأبو داود وابن ماجه عن ابن عباس ورواه عبد الرزاق عن ابن طاوس عن أبي إسرائيل نفسه وابن عبد البر من طريق ابن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر.

( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن القاسم بن محمد أنه) أي يحيى ( سمعه) أي القاسم ( يقول أتت امرأة إلى عبد الله بن عباس فقالت إني نذرت أن أنحر ابني فقال ابن عباس لا تنحري ابنك وكفري عن يمينك) بكفارة يمين، وروي عن ابن عباس ينحر مائة من الإبل ديته، وروي عنه أيضًا ينحر كبش كما فدى به إبراهيم وتلا { { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } } وروي قوله الأول عن عثمان وابن عمر وحجته حديث لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين، وهو حديث معلول وروى الأخيران عن علي قاله ابن عبد البر وقال الباجي سماه يمينًا لأن كفارته ككفارة اليمين عنده ولعله منها أنها أتت بذلك على وجه اليمين.

( فقال شيخ عند ابن عباس وكيف يكون في هذا كفارة) وهو نذر معصية ( فقال ابن عباس إن الله عز وجل قال { { وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ } } منكم { { مِن نِّسَائِهِمْ } } ثم جعل فيه من الكفارة ما رأيت) في بقية الآية { { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } } إلخ مع أنه قال: { { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا } } فكذلك يلزم المرأة الكفارة قال ابن عبد البر: لا معنى للاعتبار في ذلك بكفارة الظهار لأن الظهار ليس بنذر، ونذر المعصية جاء فيه نص النبي صلى الله عليه وسلم قولاً في الحديث اللاحق من نذر أن يعصي وفعلاً في حديث جابر يعني السابق قبل أثر ابن عباس.

( مالك عن طلحة بن عبد الملك الأيلي) بفتح الهمزة بعدها ياء تحتية ساكنة ثقة مرضي حجة ( عن القاسم بن محمد بن الصديق عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من نذر أن يطيع الله) عز وجل كأن يصلي الظهر مثلاً في أول وقته أو يصوم نفلاً ونحو ذلك من المستحب من العبادات البدنية والمالية ( فليطعه) بالجزم جواب الشرط، والأمر للوجوب فينقلب المستحب واجبًا بالنذر ويتقيد بما قيده به الناذر ( ومن نذر أن يعصي الله) كشرب الخمر ( فلا يعصه) لحرمة وفائه بذلك النذر إذ مفهوم النذر شرعًا إيجاب المباح، وهو إنما يتحقق في الطاعات وأما المعاصي فلا شيء فيها مباح حتى يجب بالنذر فلا يتحقق فيه النذر فلو نذر صوم العيد لم يجب عليه شيء، ولو نذر نحر ولده فباطل.
وإليه ذهب مالك والشافعي وفقهاء الحجاز وهذا الحديث رواه القعنبي ويحيى بن بكير وأبو مصعب وسائر رواة الموطأ عن مالك مسندًا وأخرجه البخاري عن شيخه أبي عاصم الضحاك بن مخلد وأبي نعيم الفضل بن دكين والترمذي والنسائي عن قتيبة بن سعيد الثلاثة عن مالك به وتابعه عبيد الله عن طلحة عند الترمذي.

قال ابن عبد البر: وما أظنه سقط عند أحد من رواة الموطأ إلا عند يحيى الأندلسي فلم يسنده وإنما ( قال يحيى وسمعت مالكًا يقول معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من نذر أن يعصي الله فلا يعصه أن ينذر الرجل) أو المرأة ( أن يمشي إلى الشام أو إلى مصر) بمنع الصرف البلد المعروف ( أو إلى الربذة) بفتح الراء والموحدة والذال المعجمة قرية على نحو ثلاثة أيام من المدينة كانت عامرة في صدر الإسلام وبها قبر أبي ذرّ الغفاري وجماعة من الصحابة ( أو ما أشبه ذلك مما ليس لله بطاعة إن كلم فلانًا) شرط في قوله أن يمشي ( أو ما أشبه ذلك فليس عليه في شيء من ذلك شيء إن هو كلمه أو حنث بما حلف عليه) غير الكلام ( لأنه ليس لله في هذه الأشياء طاعة) وما كان كذلك لا يجوز نذره ويحرم فعله بالنذر على ما قال الباجي أو يلحق بالمعصية في الحكم كما أشار إليه أبو عمر ( وإنما يوفى لله بما له فيه طاعة) وجوبًا لقوله صلى الله عليه وسلم في صدر الحديث من نذر أن يطيع الله فليطعه.



رقم الحديث 1026 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَيْلِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ابْنِ الصِّدِّيقِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ قَالَ يَحْيَى: وسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ، أَنْ يَنْذِرَ الرَّجُلُ أَنْ يَمْشِيَ إِلَى الشَّامِ، أَوْ إِلَى مِصْرَ، أَوْ إِلَى الرَّبَذَةِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ لِلَّهِ بِطَاعَةٍ.
إِنْ كَلَّمَ فُلَانًا، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، إِنْ هُوَ كَلَّمَهُ أَوْ حَنِثَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ طَاعَةٌ.
وَإِنَّمَا يُوَفَّى لِلَّهِ بِمَا لَهُ فِيهِ طَاعَةٌ.


( ما لا يجوز من النذور في معصية الله)

( مالك عن حميد بن قيس) المكي ( وثور) بمثلثة ( بن زيد الديلي) بكسر الدال وإسكان التحتية ( أنهما أخبراه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) مرسلاً قال أبو عمر: يتصل من حديث جابر وابن عباس ومن حديث قيس بن أبي حازم عن أبيه ومن حديث طاوس عن أبي إسرائيل رجل من الصحابة قال: وأظن أن حديث جابر هو هذا لأن مجاهدًا رواه عن جابر وحميد بن قيس صاحب مجاهد ( وأحدهما يزيد في الحديث على صاحبه) فجمع حديثهما دون بيان زيادة لأحد لجواز ذلك وقد فعله شيخه الزهري وغيره من الأئمة.

( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً) وفي البخاري بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقال أبو إسرائيل وعند ابن إسحاق عن جابر كان أبو إسرائيل رجلاً من بني فهر فنذر ليقومن في الشمس حتى يصلي النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة، وليصومن ذلك اليوم قال الحافظ: قيل اسمه قشير بقاف وشين معجمة مصغر وقيل يسير بتحتية ثم مهملة مصغر أيضًا وقيل قيصر بقاف وصاد باسم ملك الروم، وقيل قيسر بالسين المهملة بدل الصاد، وقيل قيص بغير راء في آخره وفي مبهمات الخطيب أنه من قريش وقال ابن الأثير وغيره: إنه أنصاري والأول أولى ولا يشاركه في كنيته أحد من الصحابة ( قائمًا في الشمس فقال: ما بال هذا؟) ما حاله ( فقالوا نذر أن لا يتكلم ولا يستظل من الشمس، ولا يجلس ويصوم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مروه فليتكلم وليستظل وليجلس)
لأنه لا قربة في عدم الثلاثة ( وليتم صيامه) لأنه قربة.

( قال مالك ولم يسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بكفارة) فليس عليه كفارة خلافًا لمن قال عليه مع ترك المعصية كفارة يمين ( وقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتم ما كان لله طاعة) وهو الصيام ( ويترك ما كان لله معصية) أي ما حكمه حكمها في أنه لا يلزم الوفاء به ولا الكفارة وإلا فالقيام وعدم الكلام والاستظلال ليست معصية لذاتها إذ أصلها مباح أشار إليه ابن عبد البر وقال الباجي: سماه معصية وإن كان أصله مباحًا لأنه إذا نذر كان معصية إذ لا يحل نذر ما ليس بقربة وإن فعله بالنذر عصى وبغير نذر مباح وأيضًا لأنه إذا بلغ به حد التضرر والعنت كان معصية فعل بنذر أو بغيره انتهى والحديث أخرجه البخاري وأبو داود وابن ماجه عن ابن عباس ورواه عبد الرزاق عن ابن طاوس عن أبي إسرائيل نفسه وابن عبد البر من طريق ابن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر.

( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن القاسم بن محمد أنه) أي يحيى ( سمعه) أي القاسم ( يقول أتت امرأة إلى عبد الله بن عباس فقالت إني نذرت أن أنحر ابني فقال ابن عباس لا تنحري ابنك وكفري عن يمينك) بكفارة يمين، وروي عن ابن عباس ينحر مائة من الإبل ديته، وروي عنه أيضًا ينحر كبش كما فدى به إبراهيم وتلا { { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } } وروي قوله الأول عن عثمان وابن عمر وحجته حديث لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين، وهو حديث معلول وروى الأخيران عن علي قاله ابن عبد البر وقال الباجي سماه يمينًا لأن كفارته ككفارة اليمين عنده ولعله منها أنها أتت بذلك على وجه اليمين.

( فقال شيخ عند ابن عباس وكيف يكون في هذا كفارة) وهو نذر معصية ( فقال ابن عباس إن الله عز وجل قال { { وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ } } منكم { { مِن نِّسَائِهِمْ } } ثم جعل فيه من الكفارة ما رأيت) في بقية الآية { { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } } إلخ مع أنه قال: { { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا } } فكذلك يلزم المرأة الكفارة قال ابن عبد البر: لا معنى للاعتبار في ذلك بكفارة الظهار لأن الظهار ليس بنذر، ونذر المعصية جاء فيه نص النبي صلى الله عليه وسلم قولاً في الحديث اللاحق من نذر أن يعصي وفعلاً في حديث جابر يعني السابق قبل أثر ابن عباس.

( مالك عن طلحة بن عبد الملك الأيلي) بفتح الهمزة بعدها ياء تحتية ساكنة ثقة مرضي حجة ( عن القاسم بن محمد بن الصديق عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من نذر أن يطيع الله) عز وجل كأن يصلي الظهر مثلاً في أول وقته أو يصوم نفلاً ونحو ذلك من المستحب من العبادات البدنية والمالية ( فليطعه) بالجزم جواب الشرط، والأمر للوجوب فينقلب المستحب واجبًا بالنذر ويتقيد بما قيده به الناذر ( ومن نذر أن يعصي الله) كشرب الخمر ( فلا يعصه) لحرمة وفائه بذلك النذر إذ مفهوم النذر شرعًا إيجاب المباح، وهو إنما يتحقق في الطاعات وأما المعاصي فلا شيء فيها مباح حتى يجب بالنذر فلا يتحقق فيه النذر فلو نذر صوم العيد لم يجب عليه شيء، ولو نذر نحر ولده فباطل.
وإليه ذهب مالك والشافعي وفقهاء الحجاز وهذا الحديث رواه القعنبي ويحيى بن بكير وأبو مصعب وسائر رواة الموطأ عن مالك مسندًا وأخرجه البخاري عن شيخه أبي عاصم الضحاك بن مخلد وأبي نعيم الفضل بن دكين والترمذي والنسائي عن قتيبة بن سعيد الثلاثة عن مالك به وتابعه عبيد الله عن طلحة عند الترمذي.

قال ابن عبد البر: وما أظنه سقط عند أحد من رواة الموطأ إلا عند يحيى الأندلسي فلم يسنده وإنما ( قال يحيى وسمعت مالكًا يقول معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من نذر أن يعصي الله فلا يعصه أن ينذر الرجل) أو المرأة ( أن يمشي إلى الشام أو إلى مصر) بمنع الصرف البلد المعروف ( أو إلى الربذة) بفتح الراء والموحدة والذال المعجمة قرية على نحو ثلاثة أيام من المدينة كانت عامرة في صدر الإسلام وبها قبر أبي ذرّ الغفاري وجماعة من الصحابة ( أو ما أشبه ذلك مما ليس لله بطاعة إن كلم فلانًا) شرط في قوله أن يمشي ( أو ما أشبه ذلك فليس عليه في شيء من ذلك شيء إن هو كلمه أو حنث بما حلف عليه) غير الكلام ( لأنه ليس لله في هذه الأشياء طاعة) وما كان كذلك لا يجوز نذره ويحرم فعله بالنذر على ما قال الباجي أو يلحق بالمعصية في الحكم كما أشار إليه أبو عمر ( وإنما يوفى لله بما له فيه طاعة) وجوبًا لقوله صلى الله عليه وسلم في صدر الحديث من نذر أن يطيع الله فليطعه.