فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ ادِّخَارِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ

رقم الحديث 1043 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ قَالَ بَعْدُ كُلُوا وَتَصَدَّقُوا، وَتَزَوَّدُوا وَادَّخِرُوا.


( ادخار لحوم الأضاحي)

( مالك عن أبي الزبير) محمد بن مسلم المكي ( عن جابر بن عبد الله) الصحابي ابن الصحابي ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاثة أيام) من وقت التضحية واختلف في أنه كان نهي تحريم أو تنزيه وصححه المهلب لقول عائشة: الضحية كنا نملح منها فتقدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقال: لا تأكلوا إلا ثلاثة أيام قالت وليست بعزيمة ولكن أراد أن يطعم منه والله أعلم رواه البخاري ( ثم قال بعد) بالبناء على الضم أي بعد النهي ثاني عام النهي ( كلوا وتصدقوا) أي يستحب الجمع بينهما ( وتزودوا وادخروا) بدال مهملة مشددة والأمر فيهما للإباحة، وفي البخاري ومسلم عن سلمة بن الأكوع مرفوعًا: من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثلاثة وفي بيته منه شيء، فلما كانوا العام المقبل قالوا: يا رسول الله نفعل كما فعلنا العام الماضي قال: كلوا وأطعموا وادخروا فإن ذلك العام كان بالناس جهد فأردت أن تعينوا فيها وهذا الحديث رواه مسلم عن يحيى عن مالك به.

( مالك عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المتوفى سنة خمس وثلاثين ومائة عن سبعين سنة ( عن عبد الله بن واقد) بالقاف ابن عبد الله بن عمر العدوي المدني التابعي.
مات سنة تسع عشرة ومائة ( أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث) من ذبحها ( قال عبد الله بن أبي بكر فذكرت ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن) الأنصارية ( فقالت صدق) عبد الله بن واقد ( سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول دف) بفتح الدال المهملة وشد الفاء أي أتى ( ناس من أهل البادية) والدافة الجماعة القادمة قاله ابن حبيب وقال الخليل قوم يسيرون سيرًا لينًا ( حضرة الأضحى) أي وقت الأضحى ( في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادخروا) بشد الدال المهملة ( لثلاث وتصدقوا بما بقي فلما كان بعد ذلك) في العام المقبل وقد سألوه هل يفعلون كما فعلوا العام الماضي؟ قال ابن المنير: كأنهم فهموا أن النهي ذلك العام كان على سبب خاص وهو الدافة فإذا ورد العام على سبب خاص حاك في النفس من عمومه وخصوصه إشكال، فلما كان مظنة الاختصاص عاودوا السؤال فبين لهم أنه خاص بذلك السبب، ويشبه أن يستدل بهذا من يقول إن العام يضعف عمومه بالسبب فلا يبقى على أصالته ولا ينتهي به إلى التخصيص، ألا ترى أنهم لو اعتقدوا بقاء العموم على أصالته لما سألوا ولو اعتقدوا الخصوص أيضًا لما سألوا فدل سؤالهم على أنه ذو شأنين وهذا اختيار الجويني.

( قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقد كان الناس ينتفعون بضحاياهم) في الادخار والتزود ( ويجملون) بالجيم أي يذيبون ( منها الودك) بفتحتين الشحم ( ويتخذون منها الأسقية) جمع سقاء ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذلك؟) الذي منعهم من الانتفاع ( أو كما قال) شك الراوي ( قالوا نهيت عن لحوم الضحايا بعد ثلاث فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما نهيتكم من أجل الدافة) بالمهملة وبعد الألف فاء ثقيلة أصله لغة الجماعة التي تسير سيرًا لينًا ( التي دفت عليكم) أي قدمت ( فكلوا وتصدقوا وادخروا) بشدّ الدال وكسر الخاء المعجمة ( يعني بالدافة قومًا مساكين قدموا المدينة) فأراد أن يعينوهم.
ولذا قالت عائشة: وليست بعزيمة ولكن أراد أن يطعم منها والله أعلم أي بمراد نبيه وهذا الحديث رواه مسلم من طريق روح بن عبادة وأبو داود عن القعنبي كلاهما عن مالك به.

( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) المعروف بربيعة الرأي ( عن أبي سعيد) بفتح السين وكسر العين سعد بن مالك بن سنان ( الخدري) له ولأبيه صحبة قال ابن عبد البر: لم يسمع ربيعة من أبي سعيد والحديث صحيح محفوظ رواه جماعة عن أبي سعيد منهم القاسم بن محمد ومعلوم ملازمة ربيعة للقاسم حتى كان يغلب على مجلسه وقد جاء من حديث علي وبريدة وجابر وأنس وغيرهم ( أنه قدم) بكسر الدال ( من سفر فقدم) بفتح الدال الثقيلة ( إليه أهله لحمًا) أي وضعوه بين يديه ( فقال: انظروا أن يكون هذا من لحوم الأضحى فقالوا هو منها فقال أبو سعيد ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها؟ فقالوا:) أي أهله أي زوجته ( إنه قد كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدك أمر) ناقض للنهي عن أكل الأضاحي بعد ثلاث، وفي رواية أحمد فقالت له امرأته: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص فيه وفي رواية البخاري فقال: أخروه لا أذوقه ( فخرج أبو سعيد) من بيته ( فسأل عن ذلك) وفي البخاري فخرجت من البيت حتى آتي أخي قتادة أي ابن النعمان وكان أخاه لأمه وكان بدريًا فذكرت ذلك له فقال لي إنه قد حدث بعدك أمر.

( فأخبر) بالبناء للمجهول ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نهيتكم عن لحوم الأضحى) أي عن إمساكها وادخارها والأكل منها ( بعد ثلاث) من الأيام ابتداؤها من يوم الذبح أو من يوم النحر، وأمرتكم بالتصدق بما بقي بعد الثلاث زاد في رواية ابن ماجه عن بريدة ليوسع ذو الطول على من لا طول له ( فكلوا) زاد بريدة ما بدا لكم أي مدة بدو الأكل لكم ( وتصدقوا وادخروا) فإنه لم يبق تحريم ولا كراهة، فيباح الآن الادخار فوق ثلاث، والأكل متى شاء مطلقًا قال القرطبي هذا الحديث ونحوه من الأحاديث الدافعة للمنع لم تبلغ من استمر على النهي كعلي وعمر وابنه لأنها أخبار آحاد لا متواترة، وما هو كذلك يصح أن يبلغ بعض الناس دون بعض ونقل النووي عن الجمهور: أن هذا من نسخ السنة بالسنة وقال ابن العربي: قد كان أكلها مباحًا ثم حرم ثم أبيح، ففيه رد على قول المعتزلة لا يكون النسخ إلا بالأخف لا الأثقل وأي هذين كان أخف أو أثقل فقد نسخ أحدهما بالآخر.

( ونهيتكم عن الانتباذ) في أواني كالمزفت والمقير ( فانتبذوا) في أي وعاء كان ( وكل مسكر حرام) أي ما شأنه الإسكار من أي شراب كان ولا دخل للأواني وفي مسلم عن بريدة نهيتكم عن الظروف وإن الظروف لا تحل شيئًا ولا تحرمه، وكل مسكر حرام وفيه عنه أيضًا كنت نهيتكم عن الأشربة إلا في ظروف الأدم، فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكرًا، وهذا نسخ صريح لحرمة نهيه عن الانتباذ في الدباء والمزفت ونحوهما في حديث وفد عبد القيس واختلف هل بقيت الكراهة وعليه مالك ومن وافقه أو لا كراهة وعليه الجمهور.

( ونهيتكم عن زيارة القبور) لحدثان عهدكم بالكفر وكلامكم بالخناء وبما يكره فيها، أما الآن حيث انمحت آثار الجاهلية واستحكم الإسلام وصرتم أهل يقين وتقوى ( فزوروها) زاد في حديث ابن مسعود عند ابن ماجه بإسناد صحيح، فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة.
قال البيضاوي: الفاء متعلق بمحذوف أي نهيتكم عن زيارتها مباهاة بالتكاثر فعل الجاهلية أما الآن فقد جاء الإسلام وهدمت قواعد الشرك، فزوروها فإنها تورث رقة القلب وتذكر الموت والبلاء ( ولا تقولوا هجرًا) بضم الهاء وإسكان الجيم ( يعني لا تقولوا سوءًا) أي قبيحًا وفحشًا والخطاب للرجال فلم يدخل فيه النساء فلا يندب لهن على المختار، لكن يجوز بشروط.
وقال ابن عبد البر: قيل كان النهي عامًا للرجال والنساء، ثم نسخ بالإباحة العامة أيضًا لهما فقد زارت عائشة قبر أخيها عبد الرحمن، وكانت فاطمة تزور قبر حمزة، وقيل إنما نسخ للرجال دون النساء لأنه صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور فالحرمة مقيدة بذلك دون الإباحة لجواز تخصيصها بالرجال دونهن بدليل اللعن.



رقم الحديث 1044 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَا يَقُولَانِ مِثْلَ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.


( ما جاء فيمن نذر مشيًا إلى بيت الله)

( مالك عن عروة بن أذينة) بضم الهمزة وفتح الذال المعجمة، لقب، واسمه يحيى بن مالك بن الحارث بن عمرو ( الليثي) من بني ليث بن بكر بن كنانة.
كان شاعرًا غزلاً خيرًا ثقة، وليس له في الموطأ غير هذا الخبر ولجده مالك بن الحارث رواية عن علي قاله ابن عبد البر: وذكره البخاري فقال مدني روى عنه مالك وعبيد الله بن عمرو ذكره ابن حبان في الثقات.

( أنه قال خرجت مع جدة لي عليها مشي إلى بيت الله حتى إذا كنا ببعض الطريق عجزت) عن المشي ( فأرسلت مولى لها يسأل عبد الله بن عمر فخرجت معه) لأسمع الجواب من ابن عمر بلا واسطة ( فسأل عبد الله بن عمر فقال له عبد الله بن عمر مرها فلتركب ثم لتمشي) إذا قدرت بعد ذلك ( من حيث عجزت) فتمشي ما ركبت.

( قال يحيى: وسمعت مالكًا يقول: ونرى عليها مع ذلك) أي مشي ما ركبت ( الهدي) لتفريق المشي اللازم في سفر واحد فجعل في سفرين قياسًا على المتمتع والقارن وهكذا روى عن ابن عباس أيضًا وطائفة من السلف.

( مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وأبا سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف ( كانا يقولان مثل قول عبد الله بن عمر) يمشي من حيث عجز.

( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( أنه قال كان علي مشي) قال الباجي: لعله لزمه بنذر وأما اليمين بمثل هذا فمكروه ( فأصابتني خاصرة) أي وجعها ( فركبت حتى أتيت مكة فسألت عطاء بن أبي رباح وغيره فقالوا عليك هدي) بدون إعادة المشي ( فلما قدمت المدينة سألت علماءها فأمروني أن أمشي مرة أخرى من حيث عجزت) ولا هدي ( فمشيت) أخذًا بالأحوط لاختلافهم عليه.

( قال يحيى: سمعت مالكًا يقول: فالأمر عندنا فيمن يقول عليّ مشي إلى بيت الله أنه إذا عجز ركب) إذ لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها ( ثم عاد فمشى من حيث عجز) إذا قدر على الشيء بعد ( فإن كان لا يستطيع المشي) جميعه ( فليمش ما قدر عليه) ولو قل ( ثم ليركب وعليه هدي بدنة) من الإبل ( أو بقرة أو شاة) تجزئه ( إن لم يجد إلا هي) فإن وجد غيرها لم تجزه.
وفي الواضحة: تجزئه.
قال أبو عمر: إنما أوجب العلماء في هذا الباب الهدي دون الصدقة والصوم لأن المشي لا يكون إلا في حج أو عمرة، وأفضل القربات بمكة إراقة الدماء إحسانًا لفقراء الحرم والموسم.

( وسئل مالك عن الرجل يقول للرجل أنا أحملك إلى بيت الله) قال الباجي: يريد مكة ( فقال مالك: إن نوى أن يحمله على رقبته يريد بذلك المشقة وتعب نفسه فليس ذلك عليه) أي ليس عليه حمله ولا إحجاجه لأنه لم يقصد إحجاجه، وإنما قصد حمله على عنقه كما لو قال: أنا أحمل هذا العمود وشبهه إذ لا قربة فيه ويلزمه هو الحج ماشيًا كما قال ( وليمش على رجليه) لأنه مضمون كلامه لأن من حمل ثقلاً إنما يحمله ماشيًا فيلزمه المشي ( وليهد) يريد على وجه الاستحباب كنذر الحفاء انتهى.
( وإن لم يكن نوى شيئًا) أي إتعاب نفسه ( فليحجج وليركب) لأنه لما لم يعدل نيته عن القربة لزمه الحج راكبًا ( وليحجج بذلك الرجل معه) لأن لفظه اقتضى إحجاجه ( وذلك أنه قال أنا أحملك إلى بيت الله) لكنه موقوف على إرادة الرجل ( فإن أبى أن يحج معه فليس عليه شيء) بسبب الرجل ولم يرد أن الحج يسقط عنه ( وقد قضى ما عليه) أي فعله.

قال أبو عمر: دلت السنة الثابتة أنه لا شيء على من قصد المشقة لحديث عقبة بن عامر: نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله فاستفتيت لها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لتمشي.
يعني ما قدرت ولتركب ولا شيء عليها، فلم يأمرها بهدي، ولم يلزمها ما عجزت عنه.
وفي رواية ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: إن الله لغني عن نذرها مرها فلتركب.
وفي رواية فيها ضعف ولتهد.
وفي رواية عن عقبة: نذرت أختي أن تمشي حافية إلى بيت الله غير مختمرة فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال مر أختك فلتختمر ولتركب، ولتصم ثلاثة أيام، أي لأنها حلفت كما في حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئًا فلتحجج راكبة ولتكفر عن يمينها، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يتهادى بين ابنيه فسأل عنه فقالوا: نذر أن يمشي فقال: إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه وأمره أن يركب فركب ولم يذكر هديًا ولا صومًا.

( قال يحيى سئل مالك عن الرجل يحلف بنذور مسماة مشيًا) بالنصب حال أو بنزع الخافض وفي نسخة مشي بالخفض بدل من نذور ( إلى بيت الله أن لا يكلم أخاه أو أباه بكذا أو كذا نذر الشيء لا يقوى عليه ولو تكلف ذلك كل عام لعرف) بالبناء للمفعول ( أنه لا يبلغ عمره ما جعل على نفسه من ذلك فقيل له: هل يجزئه من ذلك نذر واحد أو نذور مسماة؟ فقال مالك: ما أعلمه يجزئه من ذلك إلا الوفاء بما جعل على نفسه) لوجوب الوفاء بالنذر ( فليمش ما قدر عليه من الزمان وليتقرب إلى الله بما استطاع من الخير) الذي يقدر عليه.



رقم الحديث 1044 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ أنَّهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَتْ: صَدَقَ، سَمِعْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ: دَفَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَضْرَةَ الْأَضْحَى فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادَّخِرُوا لِثَلَاثٍ، وَتَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ، قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ كَانَ النَّاسُ يَنْتَفِعُونَ بِضَحَايَاهُمْ وَيَجْمُلُونَ مِنْهَا الْوَدَكَ، وَيَتَّخِذُونَ مِنْهَا الْأَسْقِيَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا ذَلِكَ أَوْ كَمَا قَالَ: قَالُوا: نَهَيْتَ عَنْ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ عَلَيْكُمْ، فَكُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا يَعْنِي بِالدَّافَّةِ قَوْمًا مَسَاكِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ.


( ادخار لحوم الأضاحي)

( مالك عن أبي الزبير) محمد بن مسلم المكي ( عن جابر بن عبد الله) الصحابي ابن الصحابي ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاثة أيام) من وقت التضحية واختلف في أنه كان نهي تحريم أو تنزيه وصححه المهلب لقول عائشة: الضحية كنا نملح منها فتقدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقال: لا تأكلوا إلا ثلاثة أيام قالت وليست بعزيمة ولكن أراد أن يطعم منه والله أعلم رواه البخاري ( ثم قال بعد) بالبناء على الضم أي بعد النهي ثاني عام النهي ( كلوا وتصدقوا) أي يستحب الجمع بينهما ( وتزودوا وادخروا) بدال مهملة مشددة والأمر فيهما للإباحة، وفي البخاري ومسلم عن سلمة بن الأكوع مرفوعًا: من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثلاثة وفي بيته منه شيء، فلما كانوا العام المقبل قالوا: يا رسول الله نفعل كما فعلنا العام الماضي قال: كلوا وأطعموا وادخروا فإن ذلك العام كان بالناس جهد فأردت أن تعينوا فيها وهذا الحديث رواه مسلم عن يحيى عن مالك به.

( مالك عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المتوفى سنة خمس وثلاثين ومائة عن سبعين سنة ( عن عبد الله بن واقد) بالقاف ابن عبد الله بن عمر العدوي المدني التابعي.
مات سنة تسع عشرة ومائة ( أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث) من ذبحها ( قال عبد الله بن أبي بكر فذكرت ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن) الأنصارية ( فقالت صدق) عبد الله بن واقد ( سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول دف) بفتح الدال المهملة وشد الفاء أي أتى ( ناس من أهل البادية) والدافة الجماعة القادمة قاله ابن حبيب وقال الخليل قوم يسيرون سيرًا لينًا ( حضرة الأضحى) أي وقت الأضحى ( في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادخروا) بشد الدال المهملة ( لثلاث وتصدقوا بما بقي فلما كان بعد ذلك) في العام المقبل وقد سألوه هل يفعلون كما فعلوا العام الماضي؟ قال ابن المنير: كأنهم فهموا أن النهي ذلك العام كان على سبب خاص وهو الدافة فإذا ورد العام على سبب خاص حاك في النفس من عمومه وخصوصه إشكال، فلما كان مظنة الاختصاص عاودوا السؤال فبين لهم أنه خاص بذلك السبب، ويشبه أن يستدل بهذا من يقول إن العام يضعف عمومه بالسبب فلا يبقى على أصالته ولا ينتهي به إلى التخصيص، ألا ترى أنهم لو اعتقدوا بقاء العموم على أصالته لما سألوا ولو اعتقدوا الخصوص أيضًا لما سألوا فدل سؤالهم على أنه ذو شأنين وهذا اختيار الجويني.

( قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقد كان الناس ينتفعون بضحاياهم) في الادخار والتزود ( ويجملون) بالجيم أي يذيبون ( منها الودك) بفتحتين الشحم ( ويتخذون منها الأسقية) جمع سقاء ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذلك؟) الذي منعهم من الانتفاع ( أو كما قال) شك الراوي ( قالوا نهيت عن لحوم الضحايا بعد ثلاث فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما نهيتكم من أجل الدافة) بالمهملة وبعد الألف فاء ثقيلة أصله لغة الجماعة التي تسير سيرًا لينًا ( التي دفت عليكم) أي قدمت ( فكلوا وتصدقوا وادخروا) بشدّ الدال وكسر الخاء المعجمة ( يعني بالدافة قومًا مساكين قدموا المدينة) فأراد أن يعينوهم.
ولذا قالت عائشة: وليست بعزيمة ولكن أراد أن يطعم منها والله أعلم أي بمراد نبيه وهذا الحديث رواه مسلم من طريق روح بن عبادة وأبو داود عن القعنبي كلاهما عن مالك به.

( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) المعروف بربيعة الرأي ( عن أبي سعيد) بفتح السين وكسر العين سعد بن مالك بن سنان ( الخدري) له ولأبيه صحبة قال ابن عبد البر: لم يسمع ربيعة من أبي سعيد والحديث صحيح محفوظ رواه جماعة عن أبي سعيد منهم القاسم بن محمد ومعلوم ملازمة ربيعة للقاسم حتى كان يغلب على مجلسه وقد جاء من حديث علي وبريدة وجابر وأنس وغيرهم ( أنه قدم) بكسر الدال ( من سفر فقدم) بفتح الدال الثقيلة ( إليه أهله لحمًا) أي وضعوه بين يديه ( فقال: انظروا أن يكون هذا من لحوم الأضحى فقالوا هو منها فقال أبو سعيد ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها؟ فقالوا:) أي أهله أي زوجته ( إنه قد كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدك أمر) ناقض للنهي عن أكل الأضاحي بعد ثلاث، وفي رواية أحمد فقالت له امرأته: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص فيه وفي رواية البخاري فقال: أخروه لا أذوقه ( فخرج أبو سعيد) من بيته ( فسأل عن ذلك) وفي البخاري فخرجت من البيت حتى آتي أخي قتادة أي ابن النعمان وكان أخاه لأمه وكان بدريًا فذكرت ذلك له فقال لي إنه قد حدث بعدك أمر.

( فأخبر) بالبناء للمجهول ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نهيتكم عن لحوم الأضحى) أي عن إمساكها وادخارها والأكل منها ( بعد ثلاث) من الأيام ابتداؤها من يوم الذبح أو من يوم النحر، وأمرتكم بالتصدق بما بقي بعد الثلاث زاد في رواية ابن ماجه عن بريدة ليوسع ذو الطول على من لا طول له ( فكلوا) زاد بريدة ما بدا لكم أي مدة بدو الأكل لكم ( وتصدقوا وادخروا) فإنه لم يبق تحريم ولا كراهة، فيباح الآن الادخار فوق ثلاث، والأكل متى شاء مطلقًا قال القرطبي هذا الحديث ونحوه من الأحاديث الدافعة للمنع لم تبلغ من استمر على النهي كعلي وعمر وابنه لأنها أخبار آحاد لا متواترة، وما هو كذلك يصح أن يبلغ بعض الناس دون بعض ونقل النووي عن الجمهور: أن هذا من نسخ السنة بالسنة وقال ابن العربي: قد كان أكلها مباحًا ثم حرم ثم أبيح، ففيه رد على قول المعتزلة لا يكون النسخ إلا بالأخف لا الأثقل وأي هذين كان أخف أو أثقل فقد نسخ أحدهما بالآخر.

( ونهيتكم عن الانتباذ) في أواني كالمزفت والمقير ( فانتبذوا) في أي وعاء كان ( وكل مسكر حرام) أي ما شأنه الإسكار من أي شراب كان ولا دخل للأواني وفي مسلم عن بريدة نهيتكم عن الظروف وإن الظروف لا تحل شيئًا ولا تحرمه، وكل مسكر حرام وفيه عنه أيضًا كنت نهيتكم عن الأشربة إلا في ظروف الأدم، فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكرًا، وهذا نسخ صريح لحرمة نهيه عن الانتباذ في الدباء والمزفت ونحوهما في حديث وفد عبد القيس واختلف هل بقيت الكراهة وعليه مالك ومن وافقه أو لا كراهة وعليه الجمهور.

( ونهيتكم عن زيارة القبور) لحدثان عهدكم بالكفر وكلامكم بالخناء وبما يكره فيها، أما الآن حيث انمحت آثار الجاهلية واستحكم الإسلام وصرتم أهل يقين وتقوى ( فزوروها) زاد في حديث ابن مسعود عند ابن ماجه بإسناد صحيح، فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة.
قال البيضاوي: الفاء متعلق بمحذوف أي نهيتكم عن زيارتها مباهاة بالتكاثر فعل الجاهلية أما الآن فقد جاء الإسلام وهدمت قواعد الشرك، فزوروها فإنها تورث رقة القلب وتذكر الموت والبلاء ( ولا تقولوا هجرًا) بضم الهاء وإسكان الجيم ( يعني لا تقولوا سوءًا) أي قبيحًا وفحشًا والخطاب للرجال فلم يدخل فيه النساء فلا يندب لهن على المختار، لكن يجوز بشروط.
وقال ابن عبد البر: قيل كان النهي عامًا للرجال والنساء، ثم نسخ بالإباحة العامة أيضًا لهما فقد زارت عائشة قبر أخيها عبد الرحمن، وكانت فاطمة تزور قبر حمزة، وقيل إنما نسخ للرجال دون النساء لأنه صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور فالحرمة مقيدة بذلك دون الإباحة لجواز تخصيصها بالرجال دونهن بدليل اللعن.



رقم الحديث 1045 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَقَدَّمَ إِلَيْهِ أَهْلُهُ لَحْمًا، فَقَالَ: انْظُرُوا أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ لُحُومِ الْأَضْحَى؟ فَقَالُوا: هُوَ مِنْهَا، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا؟ فَقَالُوا: إِنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَكَ أَمْرٌ، فَخَرَجَ أَبُو سَعِيدٍ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ، فَأُخْبِرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: نَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضْحَى بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَكُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا , وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ الِانْتِبَاذِ فَانْتَبِذُوا، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا، وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا يَعْنِي لَا تَقُولُوا سُوءًا.


( ادخار لحوم الأضاحي)

( مالك عن أبي الزبير) محمد بن مسلم المكي ( عن جابر بن عبد الله) الصحابي ابن الصحابي ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاثة أيام) من وقت التضحية واختلف في أنه كان نهي تحريم أو تنزيه وصححه المهلب لقول عائشة: الضحية كنا نملح منها فتقدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقال: لا تأكلوا إلا ثلاثة أيام قالت وليست بعزيمة ولكن أراد أن يطعم منه والله أعلم رواه البخاري ( ثم قال بعد) بالبناء على الضم أي بعد النهي ثاني عام النهي ( كلوا وتصدقوا) أي يستحب الجمع بينهما ( وتزودوا وادخروا) بدال مهملة مشددة والأمر فيهما للإباحة، وفي البخاري ومسلم عن سلمة بن الأكوع مرفوعًا: من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثلاثة وفي بيته منه شيء، فلما كانوا العام المقبل قالوا: يا رسول الله نفعل كما فعلنا العام الماضي قال: كلوا وأطعموا وادخروا فإن ذلك العام كان بالناس جهد فأردت أن تعينوا فيها وهذا الحديث رواه مسلم عن يحيى عن مالك به.

( مالك عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المتوفى سنة خمس وثلاثين ومائة عن سبعين سنة ( عن عبد الله بن واقد) بالقاف ابن عبد الله بن عمر العدوي المدني التابعي.
مات سنة تسع عشرة ومائة ( أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث) من ذبحها ( قال عبد الله بن أبي بكر فذكرت ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن) الأنصارية ( فقالت صدق) عبد الله بن واقد ( سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول دف) بفتح الدال المهملة وشد الفاء أي أتى ( ناس من أهل البادية) والدافة الجماعة القادمة قاله ابن حبيب وقال الخليل قوم يسيرون سيرًا لينًا ( حضرة الأضحى) أي وقت الأضحى ( في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادخروا) بشد الدال المهملة ( لثلاث وتصدقوا بما بقي فلما كان بعد ذلك) في العام المقبل وقد سألوه هل يفعلون كما فعلوا العام الماضي؟ قال ابن المنير: كأنهم فهموا أن النهي ذلك العام كان على سبب خاص وهو الدافة فإذا ورد العام على سبب خاص حاك في النفس من عمومه وخصوصه إشكال، فلما كان مظنة الاختصاص عاودوا السؤال فبين لهم أنه خاص بذلك السبب، ويشبه أن يستدل بهذا من يقول إن العام يضعف عمومه بالسبب فلا يبقى على أصالته ولا ينتهي به إلى التخصيص، ألا ترى أنهم لو اعتقدوا بقاء العموم على أصالته لما سألوا ولو اعتقدوا الخصوص أيضًا لما سألوا فدل سؤالهم على أنه ذو شأنين وهذا اختيار الجويني.

( قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقد كان الناس ينتفعون بضحاياهم) في الادخار والتزود ( ويجملون) بالجيم أي يذيبون ( منها الودك) بفتحتين الشحم ( ويتخذون منها الأسقية) جمع سقاء ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذلك؟) الذي منعهم من الانتفاع ( أو كما قال) شك الراوي ( قالوا نهيت عن لحوم الضحايا بعد ثلاث فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما نهيتكم من أجل الدافة) بالمهملة وبعد الألف فاء ثقيلة أصله لغة الجماعة التي تسير سيرًا لينًا ( التي دفت عليكم) أي قدمت ( فكلوا وتصدقوا وادخروا) بشدّ الدال وكسر الخاء المعجمة ( يعني بالدافة قومًا مساكين قدموا المدينة) فأراد أن يعينوهم.
ولذا قالت عائشة: وليست بعزيمة ولكن أراد أن يطعم منها والله أعلم أي بمراد نبيه وهذا الحديث رواه مسلم من طريق روح بن عبادة وأبو داود عن القعنبي كلاهما عن مالك به.

( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) المعروف بربيعة الرأي ( عن أبي سعيد) بفتح السين وكسر العين سعد بن مالك بن سنان ( الخدري) له ولأبيه صحبة قال ابن عبد البر: لم يسمع ربيعة من أبي سعيد والحديث صحيح محفوظ رواه جماعة عن أبي سعيد منهم القاسم بن محمد ومعلوم ملازمة ربيعة للقاسم حتى كان يغلب على مجلسه وقد جاء من حديث علي وبريدة وجابر وأنس وغيرهم ( أنه قدم) بكسر الدال ( من سفر فقدم) بفتح الدال الثقيلة ( إليه أهله لحمًا) أي وضعوه بين يديه ( فقال: انظروا أن يكون هذا من لحوم الأضحى فقالوا هو منها فقال أبو سعيد ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها؟ فقالوا:) أي أهله أي زوجته ( إنه قد كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدك أمر) ناقض للنهي عن أكل الأضاحي بعد ثلاث، وفي رواية أحمد فقالت له امرأته: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص فيه وفي رواية البخاري فقال: أخروه لا أذوقه ( فخرج أبو سعيد) من بيته ( فسأل عن ذلك) وفي البخاري فخرجت من البيت حتى آتي أخي قتادة أي ابن النعمان وكان أخاه لأمه وكان بدريًا فذكرت ذلك له فقال لي إنه قد حدث بعدك أمر.

( فأخبر) بالبناء للمجهول ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نهيتكم عن لحوم الأضحى) أي عن إمساكها وادخارها والأكل منها ( بعد ثلاث) من الأيام ابتداؤها من يوم الذبح أو من يوم النحر، وأمرتكم بالتصدق بما بقي بعد الثلاث زاد في رواية ابن ماجه عن بريدة ليوسع ذو الطول على من لا طول له ( فكلوا) زاد بريدة ما بدا لكم أي مدة بدو الأكل لكم ( وتصدقوا وادخروا) فإنه لم يبق تحريم ولا كراهة، فيباح الآن الادخار فوق ثلاث، والأكل متى شاء مطلقًا قال القرطبي هذا الحديث ونحوه من الأحاديث الدافعة للمنع لم تبلغ من استمر على النهي كعلي وعمر وابنه لأنها أخبار آحاد لا متواترة، وما هو كذلك يصح أن يبلغ بعض الناس دون بعض ونقل النووي عن الجمهور: أن هذا من نسخ السنة بالسنة وقال ابن العربي: قد كان أكلها مباحًا ثم حرم ثم أبيح، ففيه رد على قول المعتزلة لا يكون النسخ إلا بالأخف لا الأثقل وأي هذين كان أخف أو أثقل فقد نسخ أحدهما بالآخر.

( ونهيتكم عن الانتباذ) في أواني كالمزفت والمقير ( فانتبذوا) في أي وعاء كان ( وكل مسكر حرام) أي ما شأنه الإسكار من أي شراب كان ولا دخل للأواني وفي مسلم عن بريدة نهيتكم عن الظروف وإن الظروف لا تحل شيئًا ولا تحرمه، وكل مسكر حرام وفيه عنه أيضًا كنت نهيتكم عن الأشربة إلا في ظروف الأدم، فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكرًا، وهذا نسخ صريح لحرمة نهيه عن الانتباذ في الدباء والمزفت ونحوهما في حديث وفد عبد القيس واختلف هل بقيت الكراهة وعليه مالك ومن وافقه أو لا كراهة وعليه الجمهور.

( ونهيتكم عن زيارة القبور) لحدثان عهدكم بالكفر وكلامكم بالخناء وبما يكره فيها، أما الآن حيث انمحت آثار الجاهلية واستحكم الإسلام وصرتم أهل يقين وتقوى ( فزوروها) زاد في حديث ابن مسعود عند ابن ماجه بإسناد صحيح، فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة.
قال البيضاوي: الفاء متعلق بمحذوف أي نهيتكم عن زيارتها مباهاة بالتكاثر فعل الجاهلية أما الآن فقد جاء الإسلام وهدمت قواعد الشرك، فزوروها فإنها تورث رقة القلب وتذكر الموت والبلاء ( ولا تقولوا هجرًا) بضم الهاء وإسكان الجيم ( يعني لا تقولوا سوءًا) أي قبيحًا وفحشًا والخطاب للرجال فلم يدخل فيه النساء فلا يندب لهن على المختار، لكن يجوز بشروط.
وقال ابن عبد البر: قيل كان النهي عامًا للرجال والنساء، ثم نسخ بالإباحة العامة أيضًا لهما فقد زارت عائشة قبر أخيها عبد الرحمن، وكانت فاطمة تزور قبر حمزة، وقيل إنما نسخ للرجال دون النساء لأنه صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور فالحرمة مقيدة بذلك دون الإباحة لجواز تخصيصها بالرجال دونهن بدليل اللعن.