فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الذَّكَاةِ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ

رقم الحديث 1053 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ كَانَ يَرْعَى لِقْحَةً لَهُ بِأُحُدٍ فَأَصَابَهَا الْمَوْتُ، فَذَكَّاهَا بِشِظَاظٍ فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ فَكُلُوهَا.


( ما يجوز من الذكاة على حال الضرورة)

( مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار) قال أبو عمر مرسل عند جميع الرواة، ووصله أبو العباس محمد بن إسحاق السراج من طريق أيوب والبزار من طريق جرير بن حازم كلاهما عن زيد عن عطاء عن أبي سعيد الخدري ( أن رجلاً من الأنصار من بني حارثة) بطن من الأوس ( كان يرعى لقحة) بكسر اللام وفتحها ناقة ذات لبن ( له بأحد) بضم الهمزة والحاء الجبل المعروف بالمدينة ( فأصابها الموت) أي أسبابه ( فذكاها بشظاظ) بكسر الشين المعجمة وإعجام الظاءين، عود محدد الطرف وفي رواية أيوب فنحرها بوتد فقلت لزيد: وتد من حديد أو من خشب؟ قال: بل من خشب.
وفي رواية يعقوب بن جعفر عن زيد عن عطاء، فأخذها الموت فلم يجد شيئًا ينحرها به فأخذ وتدًا فوجأها به حتى إهراق دمها، فعلى هذا فالشظاظ الوتد وقال ابن حبيب: الشظاظ العود الذي يجمع به بين عروتي الغزارتين على ظهر الدابة قاله في التمهيد ( فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: ليس بها بأس فكلوها) أمر إباحة وفي رواية أيوب فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فأمره بأكلها.

( مالك عن نافع عن رجل من الأنصار) يحتمل أنه ابن كعب بن مالك كما في رواية البخاري عن عبيد الله عن نافع عن ابن لكعب بن مالك عن أبيه والابن عبد الرحمن كما رجحه الحافظ وقيل عبد الله وبه جزم المزي في الأطراف ( عن معاذ بن سعد أو سعد بن معاذ) كذا وقع على الشك وذكره ابن منده وأبو نعيم وابن فتحون في الصحابة قاله في الإصابة ( أن جارية) لم تسم ( لكعب بن مالك) الأنصاري الصحابي الشهير ( كانت ترعى غنمًا لها بسلع) بفتح المهملة وسكون اللام وعين مهملة جبل بالمدينة ( فأصيبت شاة منها فأدركتها) قبل الموت ( فذكتها) وفي رواية فذبحتها ( بحجر) وفي رواية للبخاري فكسرت حجرًا فذبحتها به ( فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك) وفي رواية للبخاري فقال كعب لأهله: لا تأكلوا حتى آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأسأله أو حتى أرسل إليه من يسأله فأتاه أو بعث إليه ( فقال: لا بأس بها فكلوها) أمر إباحة وفيه التذكية بالحجر، وجواز ما ذبحته المرأة حرة أو أمة، كبيرة أو صغيرة، طاهرة أو غير طاهرة، لأنه صلى الله عليه وسلم أباح ما ذبحته ولم يستفصل، وهذا قول الجمهور ومالك في المدونة والشافعي ونقل ابن عبد الحكم عن مالك الكراهة وأخرجه البخاري عن إسماعيل عن مالك به وتابعه عبيد الله وجويرية بن أسماء عند البخاري والليث بن سعد عند الإسماعيلي وعلقه البخاري الثلاثة عن نافع نحوه.

( مالك عن ثور) بفتح المثلثة ( بن زيد الديلي) بكسر الدال وإسكان التحتية ( عن عبد الله بن عباس) قال أبو عمر يرويه ثور عن عكرمة عن ابن عباس كما رواه الدراوردي وغيره وهو محفوظ من وجوه عن ابن عباس ( أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب فقال لا بأس بها) لقوله تعالى: { { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ } } وهم اليهود والنصارى ومن دخل في دينهم قال ابن عباس طعامهم ذبائحهم، رواه البيهقي وعلقه البخاري لأن سائر الأطعمة لا يختص حلها بالملة ( وتلا هذه الآية { { وَمَن يَتَوَلَّهُم) } } يواددهم ويواليهم { { مِّنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } } من جملتهم ولعل مراده بتلاوتها أنه وإن جاز أكل ذبائحهم لكن لا ينبغي للمسلم أن يتخذهم ذباحين لأن في ذلك موالاة لهم.

( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقول ما فرى) قطع ( الأوداج فكلوه) لحديث الصحيح عن رافع بن خديج أنه قال: يا رسول الله ليس لنا مدى فقال: ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ليس السن والظفر أما الظفر فمدى الحبشة وأما السن فعظم.

( مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول ما ذبح به إذا بضع) بفتحتين قطع الحلقوم والودجين ( لا بأس به إذا اضطررت إليه) وإلا فالمستحب الحديد المشحوذ لحديث وليحد أحدكم شفرته.



رقم الحديث 1054 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ بِإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ وَكَانَ يَعْتِقُ الْمِرَارَ إِذَا وَكَّدَ الْيَمِينَ.


( العمل في كفارة الأيمان)

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول من حلف بيمين فوكدها) قال أيوب: قلت لنافع ما التوكيد؟ قال: ترداد الأيمان في الشيء الواحد ( ثم حنث فعليه عتق رقبة أو كسوة عشرة مساكين) ولا يكفي الإطعام عنده ( ومن حلف بيمين فلم يؤكدها) أي لم يكررها ( ثم حنث فعليه إطعام عشرة مساكين) أريد ما يشمل الفقراء ( لكل مسكين مد) بالرفع والنصب ( من حنطة) ونحوها قال تعالى { { مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } } ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) كفارته وظاهره أنه لا يشترط تتابعها.

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يكفر عن يمينه بإطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد من حنطة وكان يعتق المرار) أي المتعدد وفي نسخة مرارًا بالتنكير ( إذا وكد اليمين) على مذهبه.

( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن سليمان بن يسار) بتحتية ومهملة خفيفة أحد الفقهاء ( أنه قال أدركت الناس) يعني الصحابة ( وهم إذا أعطوا في كفارة اليمين أعطوا مدًا من حنطة) قمح ( بالمد الأصغر) أي مد النبي صلى الله عليه وسلم ( ورأوا ذلك مجزيًا عنهم) لأن جميع الكفارات به ما عدا الظهار كما مر.

( قال مالك أحسن ما سمعت في الذي يكفر عن يمينه بالكسوة أنه إن كسا الرجال كساهم ثوبًا ثوبًا) بالتكرير لكل واحد من العشرة ( وإن كسا النساء كساهن ثوبين ثوبين) لكل واحدة منهن ( درعًا) أي قميصًا ( وخمارًا) بكسر المعجمة ما يستر الوجه، بيان للثوبين ( وذلك أدنى ما يجزئ كلاً) من الرجال والنساء ( في صلاته) لكن كون ذلك أقل ما يجزئ الرجال إنما هو على وجه الكمال إذ الواجب ستر العورة.



رقم الحديث 1054 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ سَعْدٍ أَوْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أَنَّ جَارِيَةً لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا لَهَا بِسَلْعٍ، فَأُصِيبَتْ شَاةٌ مِنْهَا فَأَدْرَكَتْهَا فَذَكَّتْهَا، بِحَجَرٍ فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهَا فَكُلُوهَا.


( ما يجوز من الذكاة على حال الضرورة)

( مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار) قال أبو عمر مرسل عند جميع الرواة، ووصله أبو العباس محمد بن إسحاق السراج من طريق أيوب والبزار من طريق جرير بن حازم كلاهما عن زيد عن عطاء عن أبي سعيد الخدري ( أن رجلاً من الأنصار من بني حارثة) بطن من الأوس ( كان يرعى لقحة) بكسر اللام وفتحها ناقة ذات لبن ( له بأحد) بضم الهمزة والحاء الجبل المعروف بالمدينة ( فأصابها الموت) أي أسبابه ( فذكاها بشظاظ) بكسر الشين المعجمة وإعجام الظاءين، عود محدد الطرف وفي رواية أيوب فنحرها بوتد فقلت لزيد: وتد من حديد أو من خشب؟ قال: بل من خشب.
وفي رواية يعقوب بن جعفر عن زيد عن عطاء، فأخذها الموت فلم يجد شيئًا ينحرها به فأخذ وتدًا فوجأها به حتى إهراق دمها، فعلى هذا فالشظاظ الوتد وقال ابن حبيب: الشظاظ العود الذي يجمع به بين عروتي الغزارتين على ظهر الدابة قاله في التمهيد ( فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: ليس بها بأس فكلوها) أمر إباحة وفي رواية أيوب فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فأمره بأكلها.

( مالك عن نافع عن رجل من الأنصار) يحتمل أنه ابن كعب بن مالك كما في رواية البخاري عن عبيد الله عن نافع عن ابن لكعب بن مالك عن أبيه والابن عبد الرحمن كما رجحه الحافظ وقيل عبد الله وبه جزم المزي في الأطراف ( عن معاذ بن سعد أو سعد بن معاذ) كذا وقع على الشك وذكره ابن منده وأبو نعيم وابن فتحون في الصحابة قاله في الإصابة ( أن جارية) لم تسم ( لكعب بن مالك) الأنصاري الصحابي الشهير ( كانت ترعى غنمًا لها بسلع) بفتح المهملة وسكون اللام وعين مهملة جبل بالمدينة ( فأصيبت شاة منها فأدركتها) قبل الموت ( فذكتها) وفي رواية فذبحتها ( بحجر) وفي رواية للبخاري فكسرت حجرًا فذبحتها به ( فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك) وفي رواية للبخاري فقال كعب لأهله: لا تأكلوا حتى آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأسأله أو حتى أرسل إليه من يسأله فأتاه أو بعث إليه ( فقال: لا بأس بها فكلوها) أمر إباحة وفيه التذكية بالحجر، وجواز ما ذبحته المرأة حرة أو أمة، كبيرة أو صغيرة، طاهرة أو غير طاهرة، لأنه صلى الله عليه وسلم أباح ما ذبحته ولم يستفصل، وهذا قول الجمهور ومالك في المدونة والشافعي ونقل ابن عبد الحكم عن مالك الكراهة وأخرجه البخاري عن إسماعيل عن مالك به وتابعه عبيد الله وجويرية بن أسماء عند البخاري والليث بن سعد عند الإسماعيلي وعلقه البخاري الثلاثة عن نافع نحوه.

( مالك عن ثور) بفتح المثلثة ( بن زيد الديلي) بكسر الدال وإسكان التحتية ( عن عبد الله بن عباس) قال أبو عمر يرويه ثور عن عكرمة عن ابن عباس كما رواه الدراوردي وغيره وهو محفوظ من وجوه عن ابن عباس ( أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب فقال لا بأس بها) لقوله تعالى: { { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ } } وهم اليهود والنصارى ومن دخل في دينهم قال ابن عباس طعامهم ذبائحهم، رواه البيهقي وعلقه البخاري لأن سائر الأطعمة لا يختص حلها بالملة ( وتلا هذه الآية { { وَمَن يَتَوَلَّهُم) } } يواددهم ويواليهم { { مِّنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } } من جملتهم ولعل مراده بتلاوتها أنه وإن جاز أكل ذبائحهم لكن لا ينبغي للمسلم أن يتخذهم ذباحين لأن في ذلك موالاة لهم.

( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقول ما فرى) قطع ( الأوداج فكلوه) لحديث الصحيح عن رافع بن خديج أنه قال: يا رسول الله ليس لنا مدى فقال: ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ليس السن والظفر أما الظفر فمدى الحبشة وأما السن فعظم.

( مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول ما ذبح به إذا بضع) بفتحتين قطع الحلقوم والودجين ( لا بأس به إذا اضطررت إليه) وإلا فالمستحب الحديد المشحوذ لحديث وليحد أحدكم شفرته.



رقم الحديث 1055 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهَا، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ { { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } }

( ما يجوز من الذكاة على حال الضرورة)

( مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار) قال أبو عمر مرسل عند جميع الرواة، ووصله أبو العباس محمد بن إسحاق السراج من طريق أيوب والبزار من طريق جرير بن حازم كلاهما عن زيد عن عطاء عن أبي سعيد الخدري ( أن رجلاً من الأنصار من بني حارثة) بطن من الأوس ( كان يرعى لقحة) بكسر اللام وفتحها ناقة ذات لبن ( له بأحد) بضم الهمزة والحاء الجبل المعروف بالمدينة ( فأصابها الموت) أي أسبابه ( فذكاها بشظاظ) بكسر الشين المعجمة وإعجام الظاءين، عود محدد الطرف وفي رواية أيوب فنحرها بوتد فقلت لزيد: وتد من حديد أو من خشب؟ قال: بل من خشب.
وفي رواية يعقوب بن جعفر عن زيد عن عطاء، فأخذها الموت فلم يجد شيئًا ينحرها به فأخذ وتدًا فوجأها به حتى إهراق دمها، فعلى هذا فالشظاظ الوتد وقال ابن حبيب: الشظاظ العود الذي يجمع به بين عروتي الغزارتين على ظهر الدابة قاله في التمهيد ( فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: ليس بها بأس فكلوها) أمر إباحة وفي رواية أيوب فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فأمره بأكلها.

( مالك عن نافع عن رجل من الأنصار) يحتمل أنه ابن كعب بن مالك كما في رواية البخاري عن عبيد الله عن نافع عن ابن لكعب بن مالك عن أبيه والابن عبد الرحمن كما رجحه الحافظ وقيل عبد الله وبه جزم المزي في الأطراف ( عن معاذ بن سعد أو سعد بن معاذ) كذا وقع على الشك وذكره ابن منده وأبو نعيم وابن فتحون في الصحابة قاله في الإصابة ( أن جارية) لم تسم ( لكعب بن مالك) الأنصاري الصحابي الشهير ( كانت ترعى غنمًا لها بسلع) بفتح المهملة وسكون اللام وعين مهملة جبل بالمدينة ( فأصيبت شاة منها فأدركتها) قبل الموت ( فذكتها) وفي رواية فذبحتها ( بحجر) وفي رواية للبخاري فكسرت حجرًا فذبحتها به ( فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك) وفي رواية للبخاري فقال كعب لأهله: لا تأكلوا حتى آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأسأله أو حتى أرسل إليه من يسأله فأتاه أو بعث إليه ( فقال: لا بأس بها فكلوها) أمر إباحة وفيه التذكية بالحجر، وجواز ما ذبحته المرأة حرة أو أمة، كبيرة أو صغيرة، طاهرة أو غير طاهرة، لأنه صلى الله عليه وسلم أباح ما ذبحته ولم يستفصل، وهذا قول الجمهور ومالك في المدونة والشافعي ونقل ابن عبد الحكم عن مالك الكراهة وأخرجه البخاري عن إسماعيل عن مالك به وتابعه عبيد الله وجويرية بن أسماء عند البخاري والليث بن سعد عند الإسماعيلي وعلقه البخاري الثلاثة عن نافع نحوه.

( مالك عن ثور) بفتح المثلثة ( بن زيد الديلي) بكسر الدال وإسكان التحتية ( عن عبد الله بن عباس) قال أبو عمر يرويه ثور عن عكرمة عن ابن عباس كما رواه الدراوردي وغيره وهو محفوظ من وجوه عن ابن عباس ( أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب فقال لا بأس بها) لقوله تعالى: { { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ } } وهم اليهود والنصارى ومن دخل في دينهم قال ابن عباس طعامهم ذبائحهم، رواه البيهقي وعلقه البخاري لأن سائر الأطعمة لا يختص حلها بالملة ( وتلا هذه الآية { { وَمَن يَتَوَلَّهُم) } } يواددهم ويواليهم { { مِّنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } } من جملتهم ولعل مراده بتلاوتها أنه وإن جاز أكل ذبائحهم لكن لا ينبغي للمسلم أن يتخذهم ذباحين لأن في ذلك موالاة لهم.

( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقول ما فرى) قطع ( الأوداج فكلوه) لحديث الصحيح عن رافع بن خديج أنه قال: يا رسول الله ليس لنا مدى فقال: ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ليس السن والظفر أما الظفر فمدى الحبشة وأما السن فعظم.

( مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول ما ذبح به إذا بضع) بفتحتين قطع الحلقوم والودجين ( لا بأس به إذا اضطررت إليه) وإلا فالمستحب الحديد المشحوذ لحديث وليحد أحدكم شفرته.



رقم الحديث 1056 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ الْمُلْتَزَمُ.


( جامع الحج)

( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم وللنسائي من طريق يحيى القطان عن مالك حدثني الزهري ( عن عيسى بن طلحة) بن عبيد الله القرشي التيمي المدني أبي محمد ثقة فاضل مات سنة مائة وأبوه طلحة أحد العشرة وفي رواية ابن جريج عند مسلم وصالح بن كيسان عند البخاري كلاهما عن ابن شهاب قال حدثني عيسى بن طلحة ( عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ( ابن العاصي) بالياء وحذفها والإثبات أصح وفي رواية ابن جريج حدثني عبد الله وللبخاري عنه أن عبد الله حدثه وكذا في رواية صالح أن عبد الله حدثه ( أنه قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم) على ناقته كما في رواية صالح عند البخاري ويونس عند مسلم بلفظ على راحلته ومعمر عند أحمد والنسائي كلهم عن ابن شهاب فرواية يحيى القطان عن مالك جلس في حجة الوداع فقام رجل محمول على أنه ركب ناقته وجلس عليها ( للناس بمنى) زاد التنيسي والنيسابوري وغيرهما في حجة الوداع وفي رواية وقف عند الجمرة وأخرى فخطب يوم النحر قال عياض جمع بعضهم بأنه موقف واحد ومعنى خطب أي علم الناس لا أنها من خطب الحج المشروعة قال ويحتمل أن ذلك في موطنين أحدهما على راحلته عند الجمرة ولم يقل في هذا خطب والثاني يوم النحر بعد صلاة الظهر وذلك في وقت الخطبة المشروعة من خطب الحج يعلم الإمام فيها الناس ما بقي عليهم من مناسكهم وصوب النووي هذا الثاني قال الحافظ فإن قيل لا فرق بين الاحتمالين فإنه ليس في شيء من طريق حديث ابن عمرو وابن عباس بيان الوقت الذي خطب فيه من النهار قلنا نعم لم يقع التصريح بذلك لكن في رواية ابن عباس أن بعض السائلين قال رميت بعد ما أمسيت فدل على أن القصة كانت بعد الزوال لإطلاق المساء على ما بعده فكأن السائل علم أن السنة رمي الجمرة ضحى فلما أخرها إلى الزوال سأل عنه على أن حديث ابن عمرو مخرجه واحد لا يعرف إلا من طريق الزهري ولا خلاف فيه بين أصحابه غايته أن بعضهم ذكر ما لم يذكره الآخر واجتمع من مرويهم ومروي ابن عباس أن ذلك كان يوم النحر بعد الزوال وهو على راحلته يخطب عند الجمرة فإذا تقرر ذلك تعين أنها الخطبة المشروعة لتعلم بقية المناسك فليس قوله خطب مجازًا عن مجرد التعليم بل هي حقيقية ولا يلزم من وقوعه عند الجمرة أن يكون حينئذ رماها ففي البخاري وغيره عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات فذكر خطبته فلعل ذلك وقع بعد أن أفاض ورجع إلى منى انتهى وقال الأبي ترجم البخاري الفتيا على الدابة عند الجمرة فهو يدل على أنها لم تكن خطبة ( والناس يسألونه) وفي رواية فجعلوا يسألونه وأخرى فطفق ناس يسألونه ( فجاءه رجل) قال الحافظ لم أقف على اسمه بعد البحث الشديد ولا على اسم أحد ممن سأل في هذه القصة وكانوا جماعة لكن في حديث أسامة بن شريك عند الطحاوي وغيره كان الأعراب يسألونه فكان هذا هو السبب في عدم ضبط أسمائهم ( فقال له يا رسول الله لم أشعر) بضم العين أي أفطن يقال شعرت بالشيء شعورًا إذا فطنت له وقيل الشعور العلم ولم يفصح في رواية مالك بمتعلق الشعور وبينه يونس عند مسلم بلفظ لم أشعر أن الرمي قبل الحلق ( فحلقت) شعر رأسي ( قبل أن أنحر) وفي رواية قبل أن أذبح والفاء سببية جعل الحلق مسببًا عن عدم الشعور كأنه يعتذر لتقصيره ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انحر) وفي رواية اذبح ( ولا حرج) قال عياض ليس أمرًا بالإعادة وإنما هو إباحة لما فعل لأنه سأل عن أمر فرغ منه فالمعنى افعل ذلك متى شئت ونفي الحرج بين في رفع الفدية عن العامد والساهي وفي رفع الإثم عن الساهي وأما العامد فالأصل أن تارك السنة عمدًا لا يأثم إلا أن يتهاون فيأثم للتهاون لا للترك ( ثم جاءه آخر فقال يا رسول الله لم أشعر) أفطن أو أعلم زاد يونس أن الرمي قبل النحر ( فنحرت) الهدي ( قبل أن أرمي) الجمرة ( قال ارم ولا حرج) أي لا ضيق عليك في ذلك زاد في رواية ابن جريج في الصحيحين وأشباه ذلك وفي رواية محمد بن أبي حفصة عن الزهري عند مسلم وقال آخر أفضت إلى البيت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج وفي رواية معمر عند أحمد زيادة الحلق قبل الرمي فحاصل ما في حديث عبد الله بن عمرو السؤال عن أربعة أشياء الحلق قبل الذبح والنحر قبل الرمي والحلق قبل الرمي والإفاضة قبل الرمي والأوليان في حديث ابن عباس أيضًا في الصحيح وللدارقطني من حديثه أيضًا السؤال عن الحلق قبل الرمي وكذا في حديث جابر وأبي سعيد عند الطحاوي وفي حديث علي عند أحمد السؤال عن الإفاضة قبل الحلق وفي حديثه عند الطحاوي السؤال عن الرمي والإفاضة معًا قبل الحلق وفي حديث جابر عند ابن حبان وغيره السؤال عن الإفاضة قبل الذبح وفي حديث أسامة بن شريك السؤال عن السعي قبل الطواف وهو محمول على من سعى بعد طواف القدوم ثم طاف طواف الإفاضة فإنه يصدق عليه أنه سعى قبل الطواف أي الركن فهذا ما تحرر من مجموع الأحاديث وبقي عدة صور لم يذكرها الرواة إما اختصارًا وإما لأنها لم تقع وبلغت بالتقسيم أربعًا وعشرين صورة منها صورة الترتيب المتفق عليها وهي رمي جمرة العقبة ثم نحر الهدي أو ذبحه ثم الحلق أو التقصير ثم طواف الإفاضة وفي الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزله بمنى فنحر وقال للحالق جز ولأبي داود رمى ثم نحر ثم حلق أجمع العلماء على مطلوبية هذا الترتيب إلا أن ابن الجهم استثنى القارن فقال لا يحلق حتى يطوف كأنه لا حظ أنه في عمل العمرة والعمرة يتأخر فيها الحلق عن الطواف ورد عليه النووي وأجمع العلماء على الإجزاء في التقديم والتأخير إلا أنهم اختلفوا في الدم فأوجبه مالك في تقديم الإفاضة على الرمي لأنه لم يقع في روايته حديث الباب ولا يلزم بزيادة غيره لأنه أثبت الناس في ابن شهاب وأوجب الفدية في تقديم الحلق على الرمي لوقوعه قبل شيء من التحلل وذلك أبو حنيفة إلى أن الترتيب واجب وعليه الدم في كل المخالفة وتأول لا حرج على نفي الإثم لأنه فعل على الجهل لا القصد فأسقط الحرج وعذرهم لعدم العلم بدليل قول السائل لم أشعر وذهب الجمهور والشافعي وأحمد في رواية إلى الجواز وعدم وجوب الدم في شيء لعموم قوله ( قال) عبد الله بن عمرو ( فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد في رواية يومئذ ( عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج) عليك فإنه ظاهر في نفي الإثم والفدية والدم لأن اسم الضيق يشمل ذلك قال الطحاوي لكن يحتمل أنه لا إثم في ذلك الفعل لمن كان ناسيًا أو جاهلاً أي كالسائلين قال وأما من تعمد المخالفة فيجب عليه الفدية وتعقب بأن وجوبها يحتاج إلى دليل ولو وجبت لبينه صلى الله عليه وسلم حينئذ وقت الحاجة فلا يجوز تأخيره قال الطبري ولم يسقط النبي صلى الله عليه وسلم الحرج إلا وقد أجزأ الفعل إذ لو لم يجز لأمره بالإعادة لأن الجهل والنسيان لا يضعان الحكم اللازم في الحج كما لو ترك الرمي ونحوه فلا يأثم بتركه جاهلاً أو ناسيًا لكن تجب عليه الإعادة قال والعجب ممن يحمل قوله ولا حرج على نفي الإثم فقط ثم يخص ذلك ببعض الأمور دون بعض فإن كان الترتيب واجبًا يجب بتركه دم فليكن في الجميع وإلا فما وجه تخصيص بعض دون بعض مع تعميم الشارع الجميع بنفي الحرج كذا قال وجوابه إن مالكًا خص من العموم تقديم الحلق على الرمي فأوجب فيه الفدية لعلة أخرى وهي إلقاء التفث قبل فعل شيء من التحلل وقد أوجب الله ورسوله الفدية على المريض أو من برأسه أذى إذا حلق قبل محل الحلق مع جواز ذلك له لضرورته فكيف بالجاهل والناسي وخص منه أيضًا تقديم الإفاضة على الرمي لئلا يكون وسيلة إلى النساء والصيد قبل الرمي ولأنه خلاف الواقع منه صلى الله عليه وسلم وقد قال خذوا عني مناسككم ولم يثبت عنده زيادة ذلك في حديث الباب فلا يلزمه زيادة غيره وهو أثبت الناس في ابن شهاب ومحل قبول زيادة الثقة ما لم يكن من لم يزدها أوثق منه وابن أبي حفصة الذي روى ذلك عن ابن شهاب وإن كان صدوقًا وروى له الشيخان لكنه يخطئ بل ضعفه النسائي واختلف قول ابن معين في تضعيفه وكان يحيى بن سعيد يتكلم فيه وقال أحمد في رواية إن كان ناسيًا أو جاهلاً فلا شيء عليه وإن كان عالمًا فلا لقوله لم أشعر وأجيب بأن الترتيب لو وجب لما سقط بالسهو كالترتيب بين السعي والطواف إذ لو سعى قبله وجبت إعادة السعي لكن قال ابن دقيق العيد ما قاله أحمد قوي لأن الدليل دل على وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم في الحج لقوله خذوا عني مناسككم وهذه الأحاديث المرخصة قد قرنت بقول السائل لم أشعر فيختص الحكم بهذه الحالة وتبقى حالة العمد على أصل وجوب الاتباع في الحج وأيضًا الحكم إذا رتب على وصف يمكن أنه معتبر لم يجز طرحه ولا شك أن عدم الشعور وصف مناسب لعدم المؤاخذة وقد علق به الحكم فلا يمكن طرحه بإلحاق العمد به إذ لا يساويه والتمسك بقوله فما سئل إلخ لإشعاره بأن الترتيب مطلقًا غير مراعى جوابه إن هذا الإخبار من الراوي يتعلق بما وقع السؤال عنه وهو مطلق بالنسبة إلى حالة السائل والمطلق لا يدل على أحد الخاصين فلا يبقى فيه حجة في حالة العمد انتهى وفيه وجوب اتباع أفعاله صلى الله عليه وسلم لأن الذين خالفوه لما علموا سألوا عن حكم ذلك وجواز سؤال العالم واقفًا وراكبًا ولا يعارضه ما روي عن مالك من كراهة ذكر العلم والحديث في الطريق لأن الوقوف بمنى لا يعد من الطرق لأنه موقف عبادة وذكر ووقت حاجة إلى التعلم خوف الفوات إما بالزمان أو المكان وأخرجه البخاري في العلم عن إسماعيل وهنا عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى الثلاثة عن مالك وتابعه جماعة عن ابن شهاب به في الصحيحين وغيرهما ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل) بقاف ثم فاء بزنة رجع ومعناه ( من غزو أو حج أو عمرة يكبر) الله تعالى ( على كل شرف) بفتح المعجمة والراء ثم فاء أي مكان عال ( من الأرض) ولمسلم من رواية عبيد الله عن نافع إذا أوفى على ثنية أو فدفد كبر أي ارتفع على ثنية بمثلثة فنون فتحتية هي العقبة وفدفد بفتح الفاءين بعد كل دال مهملة الأشهر أنه المكان المرتفع وقيل الأرض المستوية وقيل الفلاة الخالية من شجر وغيره وقيل غليظ الأودية ذات الحصى ( ثلاث تكبيرات) قال الطيبي وجه التكبير على الأماكن العالية هو ندب الذكر عند تجدد الأحوال والتقلبات وكان صلى الله عليه وسلم يراعي ذلك في الزمان والمكان وقال الحافظ الزين العراقي مناسبته أن الاستعلاء محبوب للنفس وفيه ظهور وغلبة فينبغي للمتلبس به أن يذكر عنده أن الله أكبر من كل شيء ويكرر ذلك ويستمطر منه المزيد ( ثم يقول لا إله إلا الله) بالرفع على الخبرية بلا أو على البدلية من الضمير المستتر في الخبر المقدر أو من اسم لا باعتبار محله قبل دخولها ( وحده) حال أي منفردًا ( لا شريك له) عقلاً لاستحالته ونقلاً { { وإلهكم إله واحد } } في آيات أخر وهو تأكيد لوحده لأن المتصف بها لا شريك له ( له الملك) بضم الميم السلطان والقدرة وأصناف المخلوقات ( وله الحمد) زاد في رواية للطبراني يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير ( وهو على كل شيء قدير) قال الحافظ يحتمل أنه كان يأتي بهذا الذكر عقب التكبير على المكان المرتفع ويحتمل أنه يكمل الذكر مطلقًا ثم يأتي بالتسبيح إذا هبط قال القرطبي وفي تعقيب التكبير بالتهليل إشارة إلى أنه المنفرد بإيجاد جميع الموجودات وأنه المعبود في جميع الأماكن ( آيبون) بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي نحن آيبون جمع آيب بوزن راجع ومعناه أي راجعون إلى الله وليس المراد الإخبار بمحض الرجوع فإنه تحصيل الحاصل بل الرجوع في حالة مخصوصة وهي تلبسهم بالعبادة المخصوصة والاتصاف بالأوصاف المذكورة ( تائبون) من التوبة وهي الرجوع عما هو مذموم شرعًا إلى ما هو محمود شرعًا وفيه إشارة إلى التقصير في العبادة وقاله صلى الله عليه وسلم تواضعًا أو تعليمًا لأمته أو المراد أمته وقد تستعمل التوبة لإرادة الاستمرار على الطاعة فيكون المراد أن لا يقع منهم ذنب ( عابدون ساجدون لربنا حامدون) كلها رفع بتقدير نحن وقوله لربنا متعلق بساجدون أو بسائر الصفات على طريق التنازع ( صدق الله وعده) فيما وعد به من إظهار دينه بقوله { { وعدكم الله مغانم كثيرة } } وقوله تعالى { { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض } } الآية وهذا في سفر الغزو ومناسبته للحج والعمرة قوله { { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } } ( ونصر عبده) محمدًا صلى الله عليه وسلم ( وهزم الأحزاب وحده) من غير فعل أحد من الآدميين ولا سبب من جهتهم وهذا معنى الحقيقة فإن العبد وفعله خلق لربه والكل منه وإليه ولو شاء أن يبيد الكفار بلا قتال لفعل وفيه التفويض إلى الله تعالى قيل الأحزاب هنا كفار قريش ومن وافقهم الذين تحزبوا أي تجمعوا في غزوة الخندق ونزل فيهم سورة الأحزاب وقيل المراد أعم من ذلك أي أحزاب الكفار في جميع الأيام والمواطن قال النووي والمشهور الأول قيل فيه نظر لأنه يتوقف على أن هذا الذكر إنما شرع من بعد الخندق وأجيب بأن غزواته صلى الله عليه وسلم التي خرج فيها بنفسه محصورة والمطابق منها لذلك غزوة الخندق لظاهر قوله تعالى { { ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال } } وقوله قبل ذلك { { إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها } } الآية وأصل الحزب القطعة المجتمعة من الناس فاللام إما جنسية أي كل من تحزب من الكفار وإما عهدية والمراد من تقدم وهو الأقرب قال القرطبي ويحتمل أن يكون هذا الخبر بمعنى الدعاء أي اللهم اهزم الأحزاب والأول أظهر ثم ظاهر الحديث اختصاص ذلك بالغزو والحج والعمرة والجمهور على أنه يشرع قول ذلك في كل سفر طاعة كصلة رحم وطلب علم لما يشمل الجميع من اسم الطاعة وإنما اقتصر الصحابي على الثلاث لانحصار سفره صلى الله عليه وسلم فيها وقيل يتعدى أيضًا إلى السفر المباح لأن المسافر فيه لا ثواب له فلا يمتنع عليه فعل ما يحصل له الثواب وقيل يشرع في سفر المعصية أيضًا لأن مرتكبها أحوج إلى تحصيل الثواب من غيره وتعقب بأن الذي يخصه بسفر الطاعة لا يمنع من سافر في مباح ولا معصية من الإكثار من ذكر الله وإنما النزاع في خصوص هذا الذكر في هذا الوقت المخصوص فذهب قوم إلى الاختصاص لكونها عبادات مخصوصة شرع لها ذكر مخصوص فتختص به كالذكر المأثور عقب الأذان وعقب الصلاة انتهى وفيه جواز السجع في الدعاء والكلام بلا تكلف وإنما ينهى عن المتكلف لأنه يشغل عن الإخلاص ويقدح في النية ورواه البخاري هنا عن عبد الله بن يوسف وفي الدعوات عن إسماعيل ومسلم من طريق معن الثلاثة عن مالك به وتابعه عبيد الله وأيوب والضحاك عن نافع عند مسلم ( مالك عن إبراهيم بن عقبة) بالقاف ابن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني وثقه أحمد وابن معين والنسائي وروى عنه أيضًا السفيانان وحماد بن زيد وابن المبارك وآخرون وقال ابن عبد البر ثقة حجة أسن من أخيه موسى ومحمد أسن منه وسمع إبراهيم من أم خالد بنت خالد بن سعيد وهي من المبايعات وزعم ابن معين أنهم مواليها لم يتابع عليه والصواب أنهم موالي آل الزبير كما قال مالك والبخاري وغيرهما له في الموطأ مرفوعًا هذا الحديث الواحد ( عن كريب مولى عبد الله بن عباس) مرسلاً عند أكثر رواة الموطأ ووصله الشافعي وابن وهب ومحمد بن خالد وأبو مصعب وعبد الله بن يوسف فزادوا ( عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بامرأة) ولمسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم لقي ركبًا بالروحاء فقال من القوم فقالوا المسلمون فقالوا من أنت قال رسول الله فرفعت إليه امرأة صبيًا ( وهي في محفتها) بكسر الميم كما جزم به الجوهري وغيره وحكى في المشارق الكسر والفتح بلا ترجيح شبه الهودج إلا أنه لا قبة عليها ( فقيل لها هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بضبعي صبي) بفتح الضاد المعجمة وإسكان الموحدة وفتح العين مثنى وهما باطنًا الساعد ( كان معها) ولأبي داود ففزعت امرأة فأخذت بعضد صبي فأخرجته من محفتها وهو بكسر الزاي أي ذعرت خوفًا أن يفوتها المصطفى ويتعذر عليها سؤاله ويحتمل أن المراد بالفزع هنا الاستغاثة والالتجاء أي استغاثت به أو بادرت أو قصدته صلى الله عليه وسلم ( فقالت ألهذا حج يا رسول الله قال نعم) له حج وزادها على السؤال ( ولك أجر) ترغيبًا لها قال عياض والأجر لها فيما تتكلفه من أمره في ذلك وتعليمه وتجنيبه ما يجتنب المحرم وقال عمر وكثيرون إن الصبي يثاب وتكتب حسناته دون السيئات واختلف هل هو مخاطب على وجه الندب أو إنما المخاطب الولي بحمله على أدب الشريعة للتمرين وهذا هو الصحيح وعلى هذا فلا يبعد أن الله سبحانه يدخر للصبي ثواب ما عمل قال النووي والصبي الذي يحرم عنه الولي الصحيح عندنا أنه الولي الذي له النظر في ما له من أب أو جد أو وصي أو مقدم قاض أو ناظر ولا يصح إحرام الأم عنه إلا أن تكون وصية أو مقدمة من القاضي وقيل يصح إحرامها وإحرام العصبة وإن لم يكن لهم نظر في المال نقله الأبي وأقره وهو مقتضى مذهب مالك رحمه الله قال الشيخ ولي الدين لا يصح الاستدلال بهذا الحديث على صحة الإحرام عنه مطلقًا لاحتمال أن هذا الصبي كان مميزًا فأحرم هو عن نفسه وعلى تقدير أنه لم يميز فلعل له وليًا أحرم عنه وعلى تقدير أنها التي أحرمت فلعلها ولية مال وفيه المبادرة إلى استفتاء العلماء والأخذ عنهم قبل فواتهم وجواز ركوب المحفة والمحمل وإن كان الأفضل الركوب على القتب في حق من أطاقه لكن الظاهر أن المحمل في حق المرأة أولى لأنه أستر لها وفيه مشروعية الحج بالصغار وبه قال الأئمة قال ابن عبد البر وعليه جمهور العلماء في كل قرن وقالت طائفة لا يحج بهم وهو قول لا يشتغل به ولا يعرج عليه وقال عياض لا خلاف بين العلماء في جواز الحج بالصبيان وإنما منعه طائفة من أهل البدع لا يلتفت إليهم بل هو مردود بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإجماع الأمة وفيه انعقاد حج الصبي وصحته ووقوعه نفلاً وأنه مثاب عليه فيجتنب ما يجتنبه الكبير مما يمنعه الإحرام ويلزمه من الفدية والهدي ما يلزمه وبه قال الأئمة الثلاثة والجمهور وقال أبو حنيفة لا ينعقد وإنما يجنب من ذلك ويفعل للتمرين ليفعله إذا بلغ قال المازري وغيره والحديث حجة للجمهور وتأوله الحنفية على أنه إنما يفعل به ذلك للتمرين واحتمال أن الصبي كان بالغًا لا يصح إذ لا فائدة لقولها ألهذا حج على أنه في بعض طرق الحديث صرح بأنه صغير ويدل عليه رفعها له إذ لا يرفع الكبير ويدل له أيضًا فأخذت بضبعي صبي وهي في محفة وفي رواية فأخرجته من محفتها قال عياض وأجمعوا على أنه لا يجزيه إذا بلغ عن حجة الفرض إلا فرقة شذت فقالت يجزيه ولم يلتفت العلماء إلى قولها وحكى ابن عبد البر عن داود في المملوك البالغ إذا حج قبل عتقه يجزئه عن حجة الإسلام دون الصبي وفرق بخطاب المملوك عنده به والصبي غير مخاطب وجمهور العلماء على أن العبد لا يخاطب بالحج وأنه لا يجزئه عن الفرض كالصبي وهذا الحديث رواه النسائي من طريق محمد بن خالد وابن وهب والطحاوي وغيره من طريق الشافعي وابن عبد البر من طريق ابن أبي مصعب الأربعة عن مالك به متصلاً وتابعه سفيان بن عيينة عند مسلم وأبي داود والنسائي وغيرهم ولم يختلف عليه في اتصاله وعبد العزيز بن أبي سلمة وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة كلاهما عند البيهقي موصولاً وأخوه موسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق رواهما ابن عبد البر متصلاً وسفيان الثوري مرسلاً في رواية ابن مهدي عنه عند مسلم وموصولاً في رواية أبي نعيم الفضل بن دكين عنه عند النسائي فاختلف عليه في وصله وإرساله كما اختلف على مالك في ذلك والظاهر أن كلاً من مالك وشيخه إبراهيم حدث به على الوجهين فإن الرواة عن كل منهما بالوصل والإرسال حفاظ ثقات ويقوي ذلك أنه اختلف على ابن القاسم فرواه سحنون عنه عن مالك مرسلاً ورواه يوسف بن عمرو والحارث بن مسكين عنه عن مالك متصلاً فكأنه سمعه من مالك بالوجهين وقد أخرجه مسلم بالوجهين من طريق السفيانين وكأن البخاري ترك تخريجه في صحيحه لهذا الاختلاف لكن قال ابن عبد البر من وصل هذا الحديث وأسنده فقوله أولى وأصح والحديث صحيح مسند ثابت الاتصال لا يضره تقصير من قصر به لأن الذين أسندوه حفاظ ثقات انتهى وسبقه إلى ذلك الإمام أحمد فصحح وصله ( مالك عن إبراهيم بن أبي عبلة) بفتح المهملة وسكون الموحدة واسمه شمر بكسر المعجمة ابن يقظان العقيلي ثم الشامي يكنى أبا إسماعيل ثقة تابعي سمع أنسًا وأبا أمامة ووائلة سكن الشام وبها مات سنة اثنين أو إحدى وخمسين ومائة لمالك عنه مرفوعًا هذا الحديث الواحد ( عن طلحة بن عبيد الله) بضم العين ( ابن كريز) بفتح الكاف وكسر الراء وإسكان التحتية وزاي منقوطة الخزاعي وثقه أحمد والنسائي يكنى أبا المطرف وهو تابعي مات بالشام سنة ثمان عشرة ومائة ووهم من ظنه أحد العشرة لأنه تيمي واسم جده عثمان وهذا خزاعي وجده كريز فحديثه مرسل وزعم ابن الحذاء أنه من الغرائب التي لم يوجد لها إسناد ولا نعلم أحدًا أسنده من قصوره الشديد فقد وصله الحاكم في المستدرك عن أبي الدرداء ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما رئي) بالبناء للمجهول ( الشيطان يومًا) أي في يوم ( هو فيه أصغر) أي أذل ( ولا أدحر) بإسكان الدال وفتح الحاء وبالراء مهملات أي أبعد عن الخير قال تعالى { { مدحورًا } } أي مبعدًا من رحمة الله ( ولا أحقر) أذل وأهون عند نفسه لأنه عند الناس حقير أبدًا ( ولا أغيظ) أشد غيظًا محيطًا بكبده وهو أشد الحنق ( منه في يوم عرفة وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة) أي الملائكة النازلين بها على الواقفين بعرفة وهو لعنة الله لا يحب ذلك وليس المراد أنه يرى الرحمة نفسها ولعله رأى الملائكة تبسط أجنحتها بالدعاء للحاج ويحتمل أنه سمع الملائكة تقول غفر لهؤلاء أو نحو ذلك فعلم أنهم نزلوا بالرحمة ورؤيته الملائكة للغيظ لا للإكرام قاله أبو عبد الملك البوني ( وتجاوز الله عن الذنوب العظام) الكبائر التي زينها لهم لعنه الله وكان يود أن يهلكهم بها وانتقالهم منها إلى الكفر لأنها كما قيل بريده فيخلدوا في العذاب الأليم مثله ( إلا ما أري يوم بدر) أول غزوة وقع فيها القتال وكانت في ثانية الهجرة ( قيل وما رأى يوم بدر يا رسول الله قال أما) بالتخفيف ( إنه قد رأى جبريل يزع) بفتح الياء والزاي المنقوطة وعين مهملة أي يصف ( الملائكة) للقتال ويمنعهم أن يخرج بعضهم عن بعض في الصف قال الشاعر

ولا يزع النفس اللحوح عن الهوى
من الناس إلا وافر العقل كامله

وقيل معناه يكفهم قال ابن حبيب وليس كذلك إذ لو رأى ذلك لأحبه ولكنه رآه يعبيهم للقتال والمعبي يسمى وازعًا ومنه قوله تعالى { { وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } } أي يحبس أولهم على آخرهم وفيه فضل الحج وشهود عرفة وسعة فضل الله على المذنبين وفي مسلم والنسائي وابن ماجه عن عائشة مرفوعًا ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبيدًا من النار من يوم عرفة وأنه ليدنو ويتجلى ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء ولأحمد وصححه ابن حبان والحاكم عن أبي هريرة رفعه إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء فيقول لهم انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثًا غبرًا وروى ابن خزيمة وابن حبان والبزار وأبو يعلى والبيهقي عن جابر رفعه ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثًا غبرًا ضاجين جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عقابي فلم ير يوما أكثر عتقًا من النار من يوم عرفة زاد البيهقي فتقول الملائكة إن فلانًا فيهم وهو مرهق فيقول الله عز وجل قد غفرت له ( مالك عن زياد بن أبي زياد) ميسرة المدني الثقة العابد ( مولى عبد الله بن عياش) بتحتية ومعجمة ( ابن أبي ربيعة) القرشي المخزومي الصحابي ابن الصحابي ( عن طلحة بن عبيد الله بن كريز) الخزاعي فكافه مفتوحة وأما بضمها ففي عبد شمس من قريش قال ابن عبد البر لا خلاف عن مالك في إرساله ولا أحفظ بهذا الإسناد مسندًا من وجه يحتج به وأحاديث الفضائل لا تحتاج إلى محتج به وقد جاء مسندًا من حديث علي وابن عمرو ثم أخرج حديث علي من طريق ابن أبي شيبة وجاء أيضًا عن أبي هريرة أخرجه البيهقي هو وحديث ابن عمرو ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفضل الدعاء) مبتدأ خبره ( دعاء يوم عرفة) قال الباجي أي أعظمه ثوابًا وأقربه إجابة ويحتمل أن يريد به اليوم ويحتمل أن يريد الحاج خاصة ( وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي) ولفظ حديث علي أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له) زاد في حديث أبي هريرة له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير وكذا في حديث علي لكن ليس فيه يحيي ويميت قال ابن عبد البر يريد أنه أكثر ثوابًا ويحتمل أن يريد أفضل ما دعا به والأول أظهر لأنه أورده في تفضيل الأذكار بعضها على بعض والنبيون يدعون بأفضل الدعاء قال وفيه تفضيل الدعاء بعضه على بعض والأيام بعضها على بعض وأن ذلك أفضل الذكر لأنها كلمة الإسلام والتقوى وإليه ذهب جماعة وقال آخرون أفضله الحمد لله رب العالمين لأن فيه معنى الشكر وفيه من الإخلاص ما في لا إله إلا الله وافتتح الله كلامه به وختم به وهو آخر دعوى أهل الجنة وروت كل فرقة بما قالت أحاديث كثيرة وساق جملة منها في التمهيد وقدم الإمام هذا الحديث بسنده ومتنه في الدعاء وقدمت ثمة أنه وقع في تجريد الصحاح لرزين بن معاوية الأندلسي زيادة في أول هذا الحديث هي أفضل الأيام يوم عرفة وافق يوم جمعة وهو أفضل من سبعين حجة في غير يوم الجمعة وأفضل الدعاء إلخ قال الحافظ حديث لا أعرف حاله لأنه لم يذكر صحابيه ولا من خرجه بل أدرجه في حديث الموطأ هذا وليست هذه الزيادة في شيء من الموطآت فإن كان له أصل احتمل أن يريد بالسبعين التحديد أو المبالغة في الكثرة وعلى كل حال منهما تثبت المزية انتهى وفي الهدي لابن القيم ما استفاض على ألسنة العوام أن وقفة الجمعة تعدل ثنتين وسبعين حجة فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة والتابعين انتهى ( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري له في الموطأ مرفوعًا مائة واحد وثلاثون حديثًا منها ( عن أنس بن مالك) الأنصاري خمسة أحاديث هذا ثالثها ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح) في رمضان سنة ثمان ( وعلى رأسه المغفر) بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الفاء ثم راء قال صاحب المحكم ما يجعل من فضل درع الحديد على الرأس مثل القلنسوة وقال في التمهيد ما غطى الرأس من السلاح كالبيضة وشبهها من حديد كان أو غيره وقد زاد بشر بن عمر عن مالك من حديد ولا أعلم أحدًا ذكره غيره ولعله أراد في الموطأ وإلا فقد رواه خارجه عشرة عن مالك كذلك أخرجها الدارقطني ولمسلم وأحمد وأصحاب السنن عن جابر دخل صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام ورواه ابن عبد البر من طريق مالك عن أبي الزبير عن جابر وقال إنه غريب عن مالك ولا معارضة بينه وبين حديث أنس لإمكان أن المغفر فوق العمامة انتهى أي وهي تحته وقاية لرأسه من صدأ الحديد قال غيره أو كانت العمامة السوداء ملفوفة فوق المغفر إشارة للسؤدد وثبات دينه وأنه لا يغير وجمع عياض باحتمال أن يكون أول دخوله كان على رأسه المغفر ثم أزاله ولبس العمامة بعد ذلك فحكى كل من أنس وجابر ما رآه ويؤيده أن في حديث عمرو بن حريث أنه صلى الله عليه وسلم خطب الناس وعليه عمامة سوداء رواه مسلم وكانت الخطبة عند باب الكعبة وذلك بعد تمام الدخول فزعم الحاكم في الإكليل تعارض الحديثين متعقب لأنه إنما يتحقق التعارض إذا لم يمكن الجمع وقد أمكن هنا بثلاث وجوه حسان ( فلما نزعه) أي المغفر ( جاءه رجل) قال الحافظ لم يسم وكأن مراده في رواية وإلا فقد جزم الفاكهاني في شرح العمدة والكرماني بأنه أبو برزة وكذا ذكره ابن طاهر وغيره وقيل سعيد بن حريث ( فقال له يا رسول الله ابن خطل) بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة ولام اسمه عبد العزى فلما أسلم سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله ومن قال اسمه هلال التبس عليه بأخ له يسمى بذلك وهو أحد من أهدر دمه يوم الفتح وقال لا أؤمنهم في حل ولا حرم ( متعلق بأستار الكعبة) وذلك كما ذكر الواقدي أنه خرج إلى الخندمة ليقاتل على فرس وبيده قناة فلما رأى خيل الله والقتال دخله رعب حتى ما يستمسك من الرعدة فرجع حتى انتهى إلى الكعبة فنزل عن فرسه وطرح سلاحه ودخل تحت أستارها فأخذ رجل من بني كعب سلاحه وفرسه فاستوى عليه وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتلوه) زاد الوليد بن مسلم عن مالك فقتل أخرجه ابن عائذ وصححه ابن حبان وأخرج عمر بن شبة في كتاب مكة عن السائب بن يزيد قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استخرج من تحت أستار الكعبة ابن خطل فضربت عنقه صبرًا بين زمزم ومقام إبراهيم وقال لا يقتل قرشي بعد هذا صبرًا رجاله ثقات إلا أن في أبي معشر مقالاً واختلف هل قاتله سعيد بن حريث أو عمار بن ياسر أو سعد بن أبي وقاص أو سعيد بن زيد أو أبو برزة بفتح الموحدة وإسكان الراء ثم زاي منقوطة مفتوحة الأسلمي وهو أصح ما جاء في تعيين قاتله ورجحه الواقدي وجزم به البلاذري وغيره وتحمل بقية الروايات المخالفة له على أنهم ابتدروا قتله فكان المباشر منهم أبو برزة وجزم ابن هشام في تهذيب السيرة بأن سعيد بن حريث وأبا برزة اشتركا في قتله قال ابن إسحاق وغيره وإنما أمر بقتل ابن خطل لأنه أسلم فبعثه صلى الله عليه وسلم مصدقًا وبعث معه رجلاً من الأنصار وكان معه مولى مسلم يخدمه فنزل منزلاً فأمر المولى أن يذبح تيسًا ويصنع له طعامًا ونام فاستيقظ ولم يصنع له شيئًا فقتله ثم ارتد ولحق بمكة واتخذ قينتين تغنيان له بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم ( قال مالك) جوابًا عن كون المغفر على رأسه ( ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ) أي يوم فتح مكة ( محرمًا) إذ لم يرو أحد أنه تحلل يومئذ من إحرامه وظاهره الجزم بذلك ولا ينافيه قوله ( والله أعلم) لأنها للتبرك والتقوية ووقع في البخاري عن يحيى بن قزعة عن مالك ولم يكن فيما نرى والله أعلم يومئذ محرمًا وقد وراه عبد الرحمن بن مهدي عن مالك جزمًا عند الدارقطني بإسقاط فيما نرى والله أعلم وصرح جابر بما جزم به مالك أو ظنه فقال بغير إحرام كما في مسلم وغيره ودخولها بلا إحرام من الخصائص النبوية عند الجمهور وخالف ابن شهاب فأجاز ذلك لغيره قال أبو عمر لا أعلم من تابعه على ذلك إلا الحسن البصري وروي عن الشافعي والمشهور عنه أنها لا تدخل إلا بإحرام فإن دخلها أساء ولا شيء عليه عنده وعند مالك وجماعة وقال أبو حنيفة وأصحابه عليه حجة أو عمرة وفيه أن الحرم لا يجير من وجب عليه القتل وقال أبو حنيفة لا يجوز وتأول الحديث على أنه كان في الساعة التي أبيح له القتل بها وأجيب بأنه إنما أبيحت له ساعة الدخول حتى استولى عليها وقتل ابن خطل بعد ذلك وتعقب بأن الساعة ما بين أول النهار ودخول وقت العصر كما في مسند أحمد وقتل ابن خطل كان قبل ذلك قطعًا لقوله فلما نزع المغفر وذلك عند استقراره بمكة فلا يستقيم هذا الجواب وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف وفي الجهاد عن إسماعيل وفي المغازي عن يحيى بن قزعة بفتح القاف والزاي والعين المهملة وفي اللباس عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك ومسلم عن القعنبي ويحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد السبعة عن مالك به قال ابن عبد البر حديث انفرد به مالك لا يحفظ عن غيره ولم يروه أحد عن الزهري سواه من طريق صحيح وقد روي عن ابن أخي ابن شهاب عن عمه ولا يكاد يصح وروي أيضًا من غير هذا الوجه ولا يثبت العلماء بالنقل إسنادًا غير إسناد مالك وقد رواه عنه جماعة من الأئمة يطول ذكرهم من أجلهم ابن جريج وكذا قال ابن الصلاح وغيره أن مالكًا تفرد به وقد تعقبه الحافظ الزين العراقي في نكته بأنه ورد من عدة طرق عن ابن شهاب من رواية ابن أخي الزهري عند البزار وأبي أويس عند ابن سعد وابن عدي ومعمر ذكره ابن عدي في الكامل والأوزاعي ذكره المزي قال وروى ابن مسدي في معجم شيوخه أن أبا بكر بن العربي قال لأبي جعفر بن المرخي حين ذكر أنه لا يعرف إلا من حديث مالك عن الزهري قد رويته من ثلاثة عشر طريقًا غير طريق مالك فقالوا له أفدنا هذه الفوائد فوعدهم ولم يخرج لهم شيئًا قال الحافظ في نكته قد استبعد أهل أشبيلية قول ابن العربي حتى قال قائلهم

يا أهل حمص ومن بها أوصيكم
بالبر والتقوى وصية مشفق

فخذوا عن العربي أسمار الدجى
وخذوا الرواية عن إمام متق

إن الفتى ذرب اللسان مهذب
إن لم يجد خبرًا صحيحًا يخلق

وعنى بأهل حمص أهل أشبيلية قال وقد تتبعت طرقه فوجدته كما قال ابن العربي بل أزيد فرويناه من طريق الأربعة الذين ذكرهم شيخنا يعني العراقي ورواية معمر في معجم أبي بكر بن المقري ورواية الأوزاعي في فوائد تمام ومن رواية عقيل بن خالد في معجم أبي الحسين بن جميع ويونس بن يزيد في الإرشاد للخليلي ومحمد بن أبي حفصة في رواة مالك للخطيب وسفيان بن عيينة في مسند أبي يعلى وأسامة بن زيد الليثي في الضعفاء لابن حبان وابن أبي ذئب في الحلية لأبي نعيم وعبد الرحمن ومحمد أبي عبد العزيز في فوائد أبي محمد عبد الله بن إسحاق الخراساني ومحمد بن إسحاق في مسند مالك لابن عدي ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي الموالي في الإفراد للدارقطني وبحر بن كثير السقاء ذكره أبو محمد جعفر الأندلسي نزيل مصر في تخريج له وصالح بن أبي الأخضر ذكره الحافظ أبو ذر الهروي فهؤلاء ستة عشر نفسًا غير مالك رووه عن الزهري وروي من طريق يزيد الرقاشي عن أنس متابعًا للزهري في فوائد أبي الحسين الفراء الموصلي ومن حديث سعد بن أبي وقاص وأبي برزة الأسلمي وهما في سنن الدارقطني وعلي بن أبي طالب في المشيخة الكبرى لأبي محمد الجوهري وسعيد بن يربوع والسائب بن يزيد وهما في مستدرك الحاكم فهذه طرق كثيرة غير طريق مالك عن الزهري عن أنس فكيف يحل لأحد أن يتهم إمامًا من أئمة المسلمين يعني ابن العربي بغير علم ولا اطلاع وذكر نحوه في الفتح وزاد لكن ليس في طرقه شيء على شرط الصحيح إلا طريق مالك وأقربها طريق ابن أخي الزهري ويليها رواية أبي أويس فيحمل قول من قال تفرد به مالك أي بشرط الصحة وقول من قال توبع أي في الجملة انتهى وهذا الحمل أشار إليه ابن عبد البر فيما نقلته أولاً عنه والله أعلم ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر أقبل من مكة) يريد المدينة ( حتى إذا كان بقديد) بضم القاف ( جاءه خبر من المدينة) بالفتنة كما في رواية عبد الرزاق عن عبيد الله عن نافع ( فرجع فدخل مكة بغير إحرام) لقرب الموضع ( مالك عن ابن شهاب بمثل ذلك) واحتج به ابن شهاب والحسن البصري وداود وأتباعه على جواز دخولها بلا إحرام وقالوا إن موجب الإحرام عليه بحج أو عمرة لم يوجبه الله ولا رسوله ولا اتفق عليه وأبى ذلك الجمهور قال ابن وهب عن مالك لست آخذ بقول ابن شهاب وكرهه وقال إنما يكون ذلك على مثل ما عمل ابن عمر من القرب إلا رجلاً يأتي بالفاكهة من الطائف أو ينقل الحطب يبيعه فلا أرى بذلك بأسًا وقال إسماعيل القاضي كره الأكثر دخولها بلا إحرام ورخصوا للحطابين ومن أشبههم ممن يكثر اختلافه إلى مكة ولمن خرج منها يريد بلده ثم بدا له أن يرجع كما صنع ابن عمر وأما من سافر إليها في تجارة أو غيرها فلا يدخلها إلا محرمًا لأنه يأتي الحرم ويؤيد ذلك أنه لو نذر المشي إليها وجب عليه أن يدخلها محرمًا بحج أو عمرة وما دخلها صلى الله عليه وسلم قط إلا محرمًا إلا يوم الفتح ( مالك عن محمد بن عمرو) بفتح العين ( ابن حلحلة) بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة ( الديلي) بكسر الدال وسكون التحتية المدني ( عن محمد بن عمران الأنصاري) قال ابن عبد البر لا أعرفه إلا بهذا الحديث ( عن أبيه) إن لم يكن عمران بن حيان الأنصاري أو عمران بن عوادة فلا أدري من هو ( أنه قال عدل إلي عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( وأنا نازل تحت سرحة) بفتح السين والحاء المهملتين بينهما راء ساكنة شجرة طويلة لها شعب ( بطريق مكة فقال ما أنزلك تحت هذه السرحة فقلت أردت ظلها فقال هل غير ذلك فقلت لا ما أنزلني) تحتها ( إلا ذلك) إرادة ظلها ( فقال عبد الله بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنت بين الأخشبين من منى) قال ابن وهب أراد بهما الجبلين اللذين تحت العقبة بمنى فوق المسجد والأخاشب الجبال وقال إسماعيل الأخاشب يقال إنها اسم لجبال مكة ومنى خاصة ( ونفخ) بخاء معجمة أي أشار ( بيده نحو المشرق) قال البوني أحسب أن ابن عمر ظن أن عمران يعلم الوادي الذي فيه المزدلفة ولذلك ما كرر عليه السؤال ( فإن هناك واديًا يقال له السرر) بضم السين وكسرها ( به شجرة سر تحتها سبعون نبيًا) أي ولدوا تحتها فقطع سرهم بالضم وهو ما تقطعه القابلة من سرة الصبي كما في النهاية وغيرها فقول السيوطي أي قمعت سرتهم إذ ولدوا تحتها مجاز سمى السرسرة لعلاقة المجاورة وقال مالك بشروا تحتها بما يسرهم قال ابن حبيب فهو من السرور أي تنبؤوا تحتها واحدًا بعد واحد فسروا بذلك وبه أقول وفيه التبرك بمواضع النبيين وأخرجه النسائي من طريق ابن القاسم عن مالك به ( مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم) نسبه إلى جده لشهرته وإلا فأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم بمهملة وزاي ( عن ابن أبي مليكة) هو عبد الله بفتح العين ابن عبيد الله بضمها ابن عبد الله بفتحها ابن أبي مليكة بضم الميم بالتصغير يقال اسمه زهير التيمي مولى عبد الله بن جدعان أدرك ثلاثين من الصحابة وكان ثقة فقيهًا مات سنة سبع عشرة ومائة ( أن عمر بن الخطاب مر بامرأة مجذومة) أصابها داء الجذام يقطع اللحم ويسقطه ( وهي تطوف بالبيت فقال لها يا أمة الله لا تؤذي الناس) بريح الجذام ( لو جلست في بيتك) كان خيرًا لك أو لو للتمني فلا جواب لها ( فجلست فمر بها رجل) لم يسم ( بعد ذلك فقال لها إن الذي قد نهاك قد مات فاخرجي) لعله جاهل أو رجل سوء أو يكون مختبرًا لها قاله أبو عبد الملك ( فقالت ما كنت لأطيعه حيًا وأعصيه ميتًا) لأنه إنما أمر بحق قال أبو عمر فيه أنه يحال بين المجذوم ومخالطة الناس لما فيه من الأذى وهو لا يجوز وإذا منع آكل الثوم من المسجد وكان ربما أخرج إلى البقيع في العهد النبوي فما ظنك بالجذام وهو عند بعض الناس يعدي وعند جميعهم يؤذي وألان عمر للمرأة القول بعد أن أخبرها أنها تؤذي لأنه لم يتقدم إليها ورحمها للبلاء الذي بها وقد عرف منه أنه كان يعتقد أن شيئًا لا يعدي وكان يجالس معيقيبًا الدوسي ويؤاكله ويشاربه وربما وضع فمه على موضع فمه وكان على بيت ماله ولعله علم من عقلها ودينها أنها تكتفي بإشارته فلم يحتج إلى نهيها ألم تر إلى أنه لم تخط فراسته فيها فأطاعته حيًا وميتًا ( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقول ما بين الركن والباب الملتزم) هكذا رواه ابن وضاح عن يحيى وهو الصواب وفي رواية ابنه عبيد الله ما بين الركن والمقام وهو خطأ لم يتابع عليه فالرواية في الموطأ وغيره والباب وروى عن ابن عباس مرفوعًا ما بين الركن والباب ملتزم من دعا الله عنده من ذي حاجة أو ذي كربة أو ذي غم فرج عنه قاله ابن عبد البر وفي أبي داود وابن ماجه أن عبد الله بن عمرو بن العاصي طاف ثم قال نعوذ بالله من النار ثم مضى حتى استلم الحجر وقام بين الركن والباب فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطهما ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح المهملة والموحدة الثقيلة ( أنه سمعه يذكر أن رجلاً) لم يسم ( مر على أبي ذر بالربذة) بفتح الراء والموحدة والذال المعجمة ( وأن أبا ذر سأله أين تريد فقال أردت الحج فقال هل نزعك) بزاي ومهملة أي أخرجك ( غيره) قال تعالى { { ونزع يده } } أي أخرجها ( فقال لا قال فائتنف العمل) استقبله لغفر ذنبك ومراده أنه إذا لم يخرج إلا للحج وحده كان أعظم لأجره ( قال الرجل فخرجت حتى قدمت مكة فمكثت) بضم الكاف وفتحها أقمت ( ما شاء الله) أن أمكث ( ثم إذا أنا بالناس منقصفين) أي مزدحمين ( على رجل) حتى كأن بعضهم يقصف بعضًا بدارًا إليه ( فضاغطت) بضاد وغين معجمتين وطاء مهملة زاحمت وضايقت ( عليه الناس) لأن أراه ( فإذا أنا بالشيخ الذي وجدت بالربذة يعني أبا ذر قال فلما رآني عرفني فقال هو الذي حدثتك) قال ابن عبد البر هذا لا يجوز أن يكون مثله رأيًا وإنما يدرك بالتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم قال وفيه أن الله رضي من عباده بقصد بيته مرة في عمر العبد ليحط أوزاره ويغفر ذنوبه ويخرج منها كيوم ولدته أمه كما قال في الحديث الآخر من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وقال ابن مسعود من حج بنية صادقة ونفقة طيبة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وفيه ما كان عليه أبو ذر من الفقه والعلم وقد سئل علي عنه فقال وعاء مليء علمًا عجز الناس عنه وأوكئ عليه فلم يخرج شيئًا ونظر عمر إلى ركب صادرين من الحج فقال لو يعلم الركب ما ينقلبون به من الفضل بعد المغفرة لا تكلوا ولكن ليستأنفوا العمل وسئل الثوري حين دفع الناس من عرفة إلى المزدلفة عن أخسر الناس صفقة وهو يعرض بالظلمة وأهل الفسق فقال أخسر الناس صفقة من ظن أن الله لا يغفر لهؤلاء ( مالك أنه سأل ابن شهاب عن الاستثناء في الحج) وهو أن يشترط أن يتحلل حيث أصابه مانع ( فقال أو يصنع ذلك أحد وأنكر ذلك) وإلى عدم جوازه ونفعه ذهب مالك وأبو حنيفة والأكثرون وكان ابن عمر ينكر الاشتراط في الحج ويقول أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم يحل من كل شيء حتى يحج عامًا قابلاً فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديًا رواه الشيخان والترمذي وغيرهم وذهب الشافعي وأحمد وطائفة إلى جوازه ونفعه لحديث الصحيحين وغيرهما عن عائشة دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب فقالت يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية فقال النبي صلى الله عليه وسلم حجي واشترطي وقولي اللهم محلي حيث حبستني وفي الصحيح عن ابن عباس أن ضباعة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني امرأة ثقيلة وإني أريد الحج فما تأمرني قال أهلي بالحج واشترطي أن محلي حيث تحبسني قال فأدركت وأجاب الأولون بأنها قضية عين خاصة بضباعة إذ لا عموم فيها وتأوله آخرون على أن المراد التحلل بعمرة وكذلك جاء مفسرًا من رواية ابن المسيب أنه صلى الله عليه وسلم أمر ضباعة أن تشترط اللهم الحج أردت فإن تيسر وإلا فعمرة وعن عروة أن عائشة قالت له هل تشترط إذا حججت قال ماذا أقول قالت قل اللهم الحج أردت وله عمدت فإن يسرته فهو الحج وإن حبسني حابس فهو عمرة رواه الشافعي والبيهقي ( سئل مالك هل يحتش الرجل لدابته من الحرم فقال لا) لقوله صلى الله عليه وسلم لا يعضد شجره ولا يختلى خلاه والخلا ما يبس من النبات وقال صلى الله عليه وسلم إلا الإذخر وقيس عليه السنا للحاجة العامة إليه فإن احتش فلا جزاء وقال الشافعي عليه القيمة ويجوز أن يرعى الإبل في الحرم لأنه لا يمكن الاحتراز عنه ولو منع منه امتنع السفر في الحرم والمقام فيه لتعذر الاحتراز عنه قاله الباجي.



رقم الحديث 1057 حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا ذُبِحَ بِهِ إِذَا بَضَعَ فَلَا بَأْسَ بِهِ إِذَا اضْطُرِرْتَ إِلَيْهِ.


( ما يجوز من الذكاة على حال الضرورة)

( مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار) قال أبو عمر مرسل عند جميع الرواة، ووصله أبو العباس محمد بن إسحاق السراج من طريق أيوب والبزار من طريق جرير بن حازم كلاهما عن زيد عن عطاء عن أبي سعيد الخدري ( أن رجلاً من الأنصار من بني حارثة) بطن من الأوس ( كان يرعى لقحة) بكسر اللام وفتحها ناقة ذات لبن ( له بأحد) بضم الهمزة والحاء الجبل المعروف بالمدينة ( فأصابها الموت) أي أسبابه ( فذكاها بشظاظ) بكسر الشين المعجمة وإعجام الظاءين، عود محدد الطرف وفي رواية أيوب فنحرها بوتد فقلت لزيد: وتد من حديد أو من خشب؟ قال: بل من خشب.
وفي رواية يعقوب بن جعفر عن زيد عن عطاء، فأخذها الموت فلم يجد شيئًا ينحرها به فأخذ وتدًا فوجأها به حتى إهراق دمها، فعلى هذا فالشظاظ الوتد وقال ابن حبيب: الشظاظ العود الذي يجمع به بين عروتي الغزارتين على ظهر الدابة قاله في التمهيد ( فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: ليس بها بأس فكلوها) أمر إباحة وفي رواية أيوب فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فأمره بأكلها.

( مالك عن نافع عن رجل من الأنصار) يحتمل أنه ابن كعب بن مالك كما في رواية البخاري عن عبيد الله عن نافع عن ابن لكعب بن مالك عن أبيه والابن عبد الرحمن كما رجحه الحافظ وقيل عبد الله وبه جزم المزي في الأطراف ( عن معاذ بن سعد أو سعد بن معاذ) كذا وقع على الشك وذكره ابن منده وأبو نعيم وابن فتحون في الصحابة قاله في الإصابة ( أن جارية) لم تسم ( لكعب بن مالك) الأنصاري الصحابي الشهير ( كانت ترعى غنمًا لها بسلع) بفتح المهملة وسكون اللام وعين مهملة جبل بالمدينة ( فأصيبت شاة منها فأدركتها) قبل الموت ( فذكتها) وفي رواية فذبحتها ( بحجر) وفي رواية للبخاري فكسرت حجرًا فذبحتها به ( فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك) وفي رواية للبخاري فقال كعب لأهله: لا تأكلوا حتى آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأسأله أو حتى أرسل إليه من يسأله فأتاه أو بعث إليه ( فقال: لا بأس بها فكلوها) أمر إباحة وفيه التذكية بالحجر، وجواز ما ذبحته المرأة حرة أو أمة، كبيرة أو صغيرة، طاهرة أو غير طاهرة، لأنه صلى الله عليه وسلم أباح ما ذبحته ولم يستفصل، وهذا قول الجمهور ومالك في المدونة والشافعي ونقل ابن عبد الحكم عن مالك الكراهة وأخرجه البخاري عن إسماعيل عن مالك به وتابعه عبيد الله وجويرية بن أسماء عند البخاري والليث بن سعد عند الإسماعيلي وعلقه البخاري الثلاثة عن نافع نحوه.

( مالك عن ثور) بفتح المثلثة ( بن زيد الديلي) بكسر الدال وإسكان التحتية ( عن عبد الله بن عباس) قال أبو عمر يرويه ثور عن عكرمة عن ابن عباس كما رواه الدراوردي وغيره وهو محفوظ من وجوه عن ابن عباس ( أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب فقال لا بأس بها) لقوله تعالى: { { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ } } وهم اليهود والنصارى ومن دخل في دينهم قال ابن عباس طعامهم ذبائحهم، رواه البيهقي وعلقه البخاري لأن سائر الأطعمة لا يختص حلها بالملة ( وتلا هذه الآية { { وَمَن يَتَوَلَّهُم) } } يواددهم ويواليهم { { مِّنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } } من جملتهم ولعل مراده بتلاوتها أنه وإن جاز أكل ذبائحهم لكن لا ينبغي للمسلم أن يتخذهم ذباحين لأن في ذلك موالاة لهم.

( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقول ما فرى) قطع ( الأوداج فكلوه) لحديث الصحيح عن رافع بن خديج أنه قال: يا رسول الله ليس لنا مدى فقال: ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ليس السن والظفر أما الظفر فمدى الحبشة وأما السن فعظم.

( مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول ما ذبح به إذا بضع) بفتحتين قطع الحلقوم والودجين ( لا بأس به إذا اضطررت إليه) وإلا فالمستحب الحديد المشحوذ لحديث وليحد أحدكم شفرته.