فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَنْ جُهِلَ أَمْرُهُ بِالْقَتْلِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ

رقم الحديث 1098 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَحْسَنَ مَا سَمِعَ فِي الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: { { وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } } وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْأَنْعَامِ: { { لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } } وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { { لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ } }{ { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ } } قَالَ مَالِكٌ: وسَمِعْتُ أَنَّ: الْبَائِسَ هُوَ الْفَقِيرُ، وَأَنَّ الْمُعْتَرَّ هُوَ الزَّائِرُ قَالَ مَالِكٌ: فَذَكَرَ اللَّهُ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِلرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ، وَذَكَرَ الْأَنْعَامَ لِلرُّكُوبِ وَالْأَكْلِ قَالَ مَالِكٌ: وَالْقَانِعُ هُوَ الْفَقِيرُ أَيْضًا.



(ما يكره من أكل الدواب)

(مالك أن أحسن ما سمع في الخيل) جماعة الأفراس لا واحد له من لفظه أو مفرده خائل سميت بذلك لاختيالها في المشية ويكفي في شرفها أن الله أقسم بها في قوله تعالى { { وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا } } (والبغال) جمع كثرة لبغل وجمع القلة أبغال والأنثى بغلة بالهاء والجمع بغلات مثل سجدة وسجدات (والحمير) جمع حمار ويجمع أيضًا على حمر وأحمرة والأنثى أتان وحمارة بالهاء نادر (أنها لا تؤكل) تحريمًا على مشهور المذهب والصحيح عن أبي حنيفة وقول المفهم مذهب مالك كراهة الخيل ضعيف إلا أن تحمل على التحريم (لأن الله تبارك وتعالى قال { { و } } خلق { { الخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } } مفعول له (وقال تبارك وتعالى في الأنعام) الإبل والبقر والغنم في سورة غافر { { اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأنْعَامَ } } { { لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } } { { وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ } } وأتى بهذه الآية لأن فيها لام التعليل المفيدة للحصر عنده لأنه في مقام الاستدلال، ولذا عدل عن قوله في سورة النحل قبل آية الخيل { { وَالأنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَّمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } } (وقال تبارك وتعالى { { لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ) } } التلاوة { { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } } وقال بعد ذلك { { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ } }

(قال مالك: وسمعت أن البائس هو الفقير) فجعل صفة له إيماء إلى شدة فقره، لأنه الذي قد تباءس من ضر الفقر (وأن المعتر هو الزائر) الذي يعتريك ويتعرض لك لتعطيه ولا يفصح بالسؤال.

(قال مالك) مبينًا وجه استدلاله (فذكر الله تعالى الخيل والبغال والحمير للركوب والزينة وذكر الأنعام للركوب والأكل) وبينوا وجه الدليل بأمور:

أحدها: أن لام التعليل تفيد أن الخيل وما عطف عليها لم تخلق لغير ذلك، لأن العلة المنصوصة تفيد الحصر فإباحة أكلها خلاف ظاهر الآية الذي هو أولى في الحجية من خبر الآحاد، ولو صح.

وثانيها: عطف البغال والحمير على الخيل دال على اشتراكها معهما في حكم التحريم فيحتاج من أفرد لحكم ما عطف عليه إلى دليل.
وحديث أسماء في الصحيحين نحرنا فرسًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه ونحن بالمدينة، زادت في رواية الدارقطني: نحن وآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بعد تسليم أنه صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وأنهم لم يفعلوه باجتهادهم على المرجح من جواز الاجتهاد في العصر النبوي قضية عين يتطرق إليها الاحتمال إذ هو خبر لا عموم فيه، وأما حديث جابر في الصحيحين: نهى النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية ورخص في الخيل فهو من أدلة التحريم لقوله رخص، إذ الرخصة استباحة الممنوع لعذر مع قيام المانع، فدل على أنه رخص لهم بسبب المخمصة الشديدة التي أصابتهم بخيبر، ولا يدل ذلك على الحل المطلق الذي هو محل النزاع، وأما كون أكثر الروايات بلفظ أذن كما في مسلم ففيه تقوية لاحتجاجنا لأن لفظ أذن دون أباح أو أحل دال على ذلك، وكذا لفظ رواية أمر معناه في هذا الوقت للمخمصة ولو سلمنا أنه يدل على التحريم فلا يدل على الحل لتقابل الاحتمالين.

ثالثها: أن الآية سيقت مساق الامتنان، فلو كان ينتفع بها في الأكل لكان الامتنان به أعظم، والحكيم لا يمتن بأدنى النعم، وهو الركوب والزينة هنا ويترك أعلاها ولا سيما وقد وقع الامتنان بالأكل في المذكورات قبلها في قوله { { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } }

رابعها: لو أبيح أكلها لفاتت المنفعة بها فيما وقع الامتنان به من الركوب والزينة وأجيب عن الأول بأن آية النحل مكية اتفاقًا فلو فهم صلى الله عليه وسلم منها المنع لما أذن في أكلها في خيبر، وهي في سابعة الهجرة وجوابه أن محمل الإذن فيه للمخمصة كما قال تعالى { { إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ } } في الممنوع منه نصًا فإذنه لا ينافي فهمه منها المنع وأما دعوى أن آية النحل ليست نصًا في المنع وحديث أسماء صريح في الجواز فيقدم الصريح على المحتمل، فجوابه أن المتبادر من الآية المنع وذلك كاف في الاستدلال على ما علم في الأصول والحديث لا صراحة فيه على اطلاع المصطفى، بل يحتمل أنه باجتهادهم ولا يرد أن من أصول مالك قول الصحابي لأن محله حيث لا معارض، وأما دعوى أن اللام وإن كانت للتعليل لا تفيد الحصر في الركوب والزينة فإنه ينتفع بالخيل في غيرهما وفي غير الأكل اتفاقًا كحمل الأمتعة والاستقاء والطحن وإنما ذكر الركوب والزينة لأنهما أغلب ما تطلب له الخيل فجوابه أن معنى الحصر فيهما دون الأكل الممتن به في غير الخيل فهو إضافي فلا ينافي الانتفاع بها، فيما ذكر والدليل على أنه إضافي الإجماع أو الحمل ونحوه ركوب حكمًا.
وأجيب عن الثاني بأن عطف البغال والحمير إنما هو دلالة اقتران وهي ضعيفة، وجوابه أن لم نستدل بها فقط بل مع الإخبار بأنه خلقها للركوب والزينة وامتنانه بالأكل من الأنعام دونها.
وعن الثالث أن الامتنان إنما يقصد به غالب ما كان يقع انتفاعهم به فخوطبوا بما ألفوا وعرفوا ولم يكونوا يعرفون أكل الخيل لعزتها في بلادهم بخلاف الأنعام فأكثر انتفاعهم بها كان لحمل الأثقال وللأكل فاقتصر في كل من الصنفين على الامتنان بأغلب ما ينتفع به فلو حصر في الركوب والزينة لأضر والجواب أن هذا ممنوع وسنده أنه لا دليل على أن المقصود بالامتنان غالب ما يقصد به ولا مشقة في الحصر في الركوب والزينة بل همًا من أجل النعم الممتن بها وأجيب عن الرابع بأنه لو لزم من الإذن في أكلها أن تفنى للزم مثله في الأنعام المباح أكلها وقد وقع الامتنان بها وجوابه أن الفرق موجود لأن ما وقع التصريح بالامتنان بأكله لا يقاس عليه ما وقع فيه الامتنان بأنه للركوب والزينة فاللازم ممنوع وقد روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه كان يكره لحوم الخيل ويقرأ: { { وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ } } الآية ويقول هذه للأكل والخيل والبغال والحمير ويقول هذه للركوب فهذا صحابي من أئمة اللسان ومقامه في القرآن معلوم وقد سبق مالكًا على الاستدلال بذلك وروى أبو داود والنسائي عن خالد بن الوليد نهى صلى الله عليه وسلم عن لحوم الخيل والبغال والحمير لكن ضعفه البخاري وأحمد وابن عبد البر وغيرهم لكنه يتقوى بظاهر القرآن وذهب الجمهور والشافعي وأحمد إلى حل أكل الخيل بلا كراهة لظاهر حديثي جابر وأسماء بنت أبي بكر وقد علم ما فيه.

(قال مالك والقانع هو الفقير أيضًا) وقيل هو السائل.
قال الشماخ:

لمال المرء يصلحه فيغنى
مفاقره أعف من القنوع

أي السؤال يقال منه قنع قنوعًا إذا سأل وقنع قناعة إذا رضي بما أعطي وأصل هذا كله الفقر والمسكنة، وضعف الحال، قاله أبو عمر فقنع بزنة رضى ومعناه وقنع بفتح النون طمع وسأل وقد تظرف القائل:

العبد حر إن قنع
والحر عبد إن قنع

فاقنع ولا تقنع فما
شيء يشين سوى الطمع



رقم الحديث 1098 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ: أَنَّهُ لَمْ يَتَوَارَثْ مَنْ قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ، وَيَوْمَ صِفِّينَ، وَيَوْمَ الْحَرَّةِ، ثُمَّ كَانَ يَوْمَ قُدَيْدٍ فَلَمْ يُوَرَّثْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا إِلَّا مَنْ عُلِمَ أَنَّهُ قُتِلَ قَبْلَ صَاحِبِهِ قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، وَلَا شَكَّ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا، وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ فِي كُلِّ مُتَوَارِثَيْنِ هَلَكَا بِغَرَقٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوْتِ، إِذَا لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ، لَمْ يَرِثْ أَحَدٌ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا، وَكَانَ مِيرَاثُهُمَا لِمَنْ بَقِيَ مِنْ وَرَثَتِهِمَا، يَرِثُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَرَثَتُهُ مِنَ الْأَحْيَاءِ وقَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَرِثَ أَحَدٌ أَحَدًا بِالشَّكِّ، وَلَا يَرِثُ أَحَدٌ أَحَدًا إِلَّا بِالْيَقِينِ مِنَ الْعِلْمِ، وَالشُّهَدَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ يَهْلَكُ هُوَ وَمَوْلَاهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ أَبُوهُ، فَيَقُولُ بَنُو الرَّجُلِ الْعَرَبِيِّ: قَدْ وَرِثَهُ أَبُونَا.
فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُمْ أَنْ يَرِثُوهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا شَهَادَةٍ.
إِنَّهُ مَاتَ قَبْلَهُ.
وَإِنَّمَا يَرِثُهُ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ مِنَ الْأَحْيَاءِ قَالَ مَالِكٌ: وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا الْأَخَوَانِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ.
يَمُوتَانِ.
وَلِأَحَدِهِمَا وَلَدٌ وَالْآخَرُ لَا.
وَلَدَ لَهُ وَلَهُمَا أَخٌ لِأَبِيهِمَا، فَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ.
فَمِيرَاثُ الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ، لِأَخِيهِ لِأَبِيهِ.
وَلَيْسَ لِبَنِي أَخِيهِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، شَيْءٌ قَالَ مَالِكٌ: وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا: أَنْ تَهْلَكَ الْعَمَّةُ وَابْنُ أَخِيهَا، أَوِ ابْنَةُ الْأَخِ وَعَمُّهَا، فَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلُ.
فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلُ، لَمْ يَرِثِ الْعَمُّ مِنِ ابْنَةِ أَخِيهِ شَيْئًا.
وَلَا يَرِثُ ابْنُ الْأَخِ مِنْ عَمَّتِهِ شَيْئًا.


( من جهل أمره بالقتل أو غير ذلك)

( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن غير واحد من علمائهم أنه لم يتوارث من قتل يوم الجمل) يوم الخميس عاشر جمادى الأولى وقيل خامس عشرة سنة ست وثلاثين، أضيف إلى الجمل الذي ركبته عائشة في مسيرها إلى البصرة واسمه عسكر، اشتراه لها يعلى بن أمية الصحابي بمائتي درهم على الصحيح وقيل بأربعمائة، وخرجت مع طلحة والزبير في ثلاثة آلاف منهم ألف من أهل المدينة ومكة تدعو الناس إلى طلب قتلة عثمان لأن كثيرًا منهم انضموا إلى عسكر علي من غير رضا منه لكنه خشي الفتنة لكثرتهم وتغلبهم فخرج علي إليهم فراسلوه في ذلك فأبى أن يدفع إليهم إلا بعد قيام دعوى من ولي الدم بثبوت ذلك على من باشره بنفسه وكان بينهم مقتلة عظيمة من ارتفاع الشمس إلى العصر قتل فيها من أصحاب الجمل ثمانية آلاف وقيل سبعة عشر ألفًا ومن أصحاب علي نحو ألف وقطع على خطام الجمل نحو من ثمانين كفًا معظمهم من بني ضبة كلما قطعت يد رجل أخذ الخطام آخر وفي ذلك يقول قائلهم:

نحن بني ضبة أصحاب الجمل
ننازع الموت إذا الموت نزل

والموت أحلى عندنا من العسل

وكانوا قد ألبسوه الأدراع إلى أن عُقر فانهزموا فأمر علي بحمل الهودج من بين القتلى فاحتمله محمد بن الصديق وعمار بن ياسر وجهز علي عائشة وأخرج أخاها محمدًا معها وشيعها علي بنفسه أميالاً وسرح بنيه معها يومًا.

( ويوم صفين) بكسر الصاد المهملة والفاء الشديدة، موضع قرب الرقة بشاطئ الفرات كانت به الوقعة العظمى بين علي ومعاوية غرة صفر سنة سبع وثلاثين فمن ثم احترز الناس السفر في صفر، وذلك أن عليًا بايعه أهل الحل والعقد بعد قتل عثمان وامتنع معاوية في أهل الشام فكتب إليه علي مع جرير البجلي بالدخول في الطاعة فأبى فخرج إليه علي في أهل العراق في سبعين ألفًا، فيهم تسعون بدريًا وسبعمائة من أهل بيعة الرضوان وأربعمائة من سائر المهاجرين والأنصار.
وخرج معاوية في أهل الشام في خمسة وثمانين ألفًا ليس فيهم من الأنصار إلا النعمان بن بشير ومسلمة بن مخلد.
والتقى الجمعان بصفين ودامت الحرب مائة يوم وعشرة أيام فقتل من أهل الشام سبعون ألفًا.
ومن أهل العراق عشرون ألفًا وقيل خمسة وأربعون ألفًا من أهل الشام، وخمسة وعشرون ألفًا من أهل العراق.
وآل الأمر في معاوية ومن معه إلى طلب التحكيم ثم رجع علي إلى العراق فخرجت عليه الحرورية فقتلهم بالنهروان.
ومات بعد ذلك فبايع ابنه الحسن أربعون ألفًا على الموت وخرج بالعساكر لقتال أهل الشام وخرج إليه معاوية فوقع بينهم الصلح كما قال صلى الله عليه وسلم: إن ابني هذا سيد ولعل الله يصلح به بين فئتين من المسلمين.

( ويوم الحرة) بفتح الحاء المهملة والراء المشددة أرض ذات حجارة سود كأنها أحرقت بالنار بظاهر المدينة كانت به الوقعة بين أهلها وبين عسكر يزيد بن معاوية، وهو سبع وعشرون ألف فارس وخمسة عشر ألف راجل سنة ثلاث وستين بسبب خلع أهل المدينة يزيد، وولوا على قريش عبد الله بن مطيع، وعلى الأنصار عبد الله بن حنظلة وأخرجوا عامل يزيد عثمان بن محمد بن أبي سفيان من بين أظهرهم.
فأباح مسلم بن عقبة أمير جيش يزيد المدينة ثلاثة أيام يقتلون ويأخذون النهب ووقعوا على النساء حتى قيل حملت في تلك الأيام ألف امرأة من غير زوج وافتض فيها ألف عذراء.
وبلغت القتلى من وجوه الناس سبعمائة من قريش والأنصار ومن الموالي وغيرهم من نساء وصبيان وعبيد عشرة آلاف.
وقيل: قتل من القراء سبعمائة ثم أخذ عقبة عليهم البيعة ليزيد على أنهم عبيده إن شاء عتق وإن شاء قتل.
وفي البخاري عن سعيد بن المسيب أن هذه الوقعة لم تبق من أصحاب الحديبية أحدًا ثم سار إلى قتال ابن الزبير بمكة فمات بقديد واستخلف على الجيش حصين بن نمير بعهد يزيد إليه بذلك فنزل مكة وحاصرها ورمى الكعبة بالمنجنيق فجاء الخبر بموت يزيد فرحل بالجيش إلى الشام.

( ثم كان يوم قديد) بضم القاف مصغر موضع قرب مكة ( فلم يورث أحد من صاحبه شيئًا إلا من علم أنه قتل قبل صاحبه) إذ لا إرث بالشك.

( قال مالك: وذلك الأمر الذي لا اختلاف فيه ولا شك عند أحد من أهل العلم ببلدنا) المدينة ( وكذلك العمل في كل متوارثين هلكًا بغرق أو قتل أو غير ذلك من الموت) كهدم ( إذا لم يعلم أيهما مات قبل صاحبه لم يرث أحد منهما من صاحبه شيئًا، وكان ميراثهما لمن بقي من ورثتهما يرث كل واحد منهما ورثته من الأحياء) الموجودين بعده.

( وقال مالك: لا ينبغي) لا يصح ( أن يرث أحد أحدًا بالشك، ولا يرث أحد أحدًا إلا باليقين من العلم والشهداء، وذلك أن الرجل يهلك هو ومولاه الذي أعتقه أبوه فيقول بنو الرجل العربي) أي الذي أعتق ( قد ورثه أبونا فليس ذلك لهم أن يرثوه) بدل من اسم الإشارة ونكتته وصفه بقوله ( بغير علم ولا شهادة إنه مات قبله) بل بمجرد قولهم ( وإنما يرثه أولى الناس به من الأحياء) أي أقربهم إليه ( ومن ذلك أيضًا الأخوان للأب والأم يموتان ولأحدهما ولد والآخر لا ولد له ولهما أخ لأبيهما فلا يعلم أيهما مات قبل صاحبه فميراث الذي لا ولد له لأخيه لأبيه وليس لبني أخيه لأبيه وأمه شيء) لتقديم الأخ على ابن الأخ ( ومن ذلك أيضًا أن تهلك العمة وابن أخيها أو ابنة الأخ وعمها فلا يعلم أيهما مات قبل، فإن لم يعلم أيهما مات قبل لم يرث العم من ابنة أخيه شيئًا) في الصورة الأولى ( ولا يرث ابن الأخ من عمته شيئًا) في الثانية.