فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْبَتَّةِ

رقم الحديث 1158 قَالَ مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ، فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِيهَا.
إِنَّهُ: يَنْكِحُ ابْنَتَهَا، وَيَنْكِحُهَا ابْنُهُ، إِنْ شَاءَ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ أَصَابَهَا حَرَامًا، وَإِنَّمَا الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ مَا أُصِيبَ بِالْحَلَالِ، أَوْ عَلَى وَجْهِ الشُّبْهَةِ بِالنِّكَاحِ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: { { وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ } } قالَ مَالِكٌ: فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا نَكَحَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا، نِكَاحًا حَلَالًا، فَأَصَابَهَا، حَرُمَتْ عَلَى ابْنِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَاهُ نَكَحَهَا عَلَى وَجْهِ الْحَلَالِ، لَا يُقَامُ عَلَيْهِ فِيهِ الْحَدُّ، وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ الَّذِي يُولَدُ فِيهِ بِأَبِيهِ، وَكَمَا حَرُمَتْ عَلَى ابْنِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حِينَ تَزَوَّجَهَا أَبُوهُ فِي عِدَّتِهَا وَأَصَابَهَا، فَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الْأَبِ ابْنَتُهَا إِذَا هُوَ أَصَابَ أُمَّهَا.



( نكاح الرجل أم امرأة قد أصابها على وجه ما يكره)

( قال مالك في الرجل يزني بالمرأة فيقام عليه الحد فيها إنه ينكح ابنتها وينكحها ابنه إن شاء) وأولى إن لم يقم عليه الحد فإنما نص على المتوهم ( وذلك أنه أصابها حرامًا) وهو لا يحرم الحلال ( وإنما الذي حرم الله ما أصيب بالحلال أو على وجه الشبهة بالنكاح) الذي يدرأ الحد ( قال الله تبارك وتعالى { { وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ) } } والنكاح في عرف الشرع إنما هو الوطء الحلال لا الزنا.
( فلو أن رجلاً نكح امرأة في عدتها نكاحًا حلالاً) باستناده لعقد غير عالم بأنها في العدّة ( فأصابها حرمت على ابنه أن يتزوجها وذلك أن أباه نكحها على وجه الحلال لا يقام عليه فيه الحد) للشبهة ( ويلحق به الولد الذي يولد فيه بأبيه) لأن وطء الشبهة يدرأ الحد ويلحق به الولد.
( وكما حرمت على ابنه أن يتزوجها حين تزوجها أبوه في عدتها وأصابها فكذلك يحرم على الأب ابنتها إذا هو أصاب أمها) لأن وطء الشبهة ينشر الحرمة بخلاف ما إذا لم يصبها لأن العقد في النكاح الصحيح على الأم لا يحرم البنت فأولى الفاسد.



رقم الحديث 1158 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي مِائَةَ تَطْلِيقَةٍ فَمَاذَا تَرَى عَلَيَّ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ طَلُقَتْ مِنْكَ لِثَلَاثٍ، وَسَبْعٌ وَتِسْعُونَ اتَّخَذْتَ بِهَا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا.


( مالك أنه بلغه) مما رواه عبد الرزاق وأبو بكر بن أبي شيبة عن سعيد بن جبير وغيره ( أن رجلاً قال لعبد الله بن عباس إني طلقت امرأتي مائة تطليقة) في مرة ( فماذا ترى علي؟ فقال له ابن عباس طلقت منك بثلاث) من المائة ( وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزوًا) مهزوءًا بها بمخالفتها لأن الله إنما جعل الطلاق ثلاثًا.
وفي أبي داود بإسناد صحيح عن مجاهد قال كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال: إنه طلق امرأته ثلاثًا فسكت حتى ظننت أنه رادّها إليه ثم قال: ينطلق أحدكم فيركب الأحموقة ثم يقول يا ابن عباس إن الله قال: { { وَمَن يَّتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا } } وأنت لم تتق الله فلم أجد لك مخرجًا عصيت ربك وبانت منك امرأتك.
وجاء من طرق كثيرة عن ابن عباس أنه أفتى بلزوم الثلاث لمن أوقعها مجتمعة.
وما رواه أحمد وأبو يعلى من طريق ابن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: طلق ركانة بن عبد يزيد امرأته ثلاثًا في مجلس واحد فحزن حزنًا شديدًا فسأله النبي صلى الله عليه وسلم كيف طلقتها؟ قال: ثلاثًا في مجلس واحد فقال: إنما تلك واحدة فارتجعها إن شئت، فارتجعها.
فأجيب بأن ابن إسحاق وشيخه مختلف فيهما وقد عورض بفتوى ابن عباس بوقوع الثلاث فلو كان عنده هذا الحديث لم يخالفه، وعلى فرض صحته عنه فلم يخالفه إلا لظهور علة تقتضي عدم العمل به كنسخ أو تخصيص لركانة كما قيل بذلك لأن له أن يخص من شاء بما شاء والجمهور على وقوع الثلاث بل حكى ابن عبد البر الإجماع قائلاً: إن خلافه شاذ لا يلتفت إليه.

( مالك أنه بلغه) وقد رواه ابن أبي شيبة عن علقمة ( أن رجلاً جاء إلى عبد الله بن مسعود فقال إني طلقت امرأتي ثمان تطليقات) في كلمة بأن قلت لها أنت طالق ثمان تطليقات ( فقال ابن مسعود فماذا قيل لك قال قيل لي إنها قد بانت مني) فلا تحل لي إلا بعد زوج ( فقال ابن مسعود صدقوا من طلق كما أمره الله) بقوله الطلاق مرتان ( فقد بين الله له) أن المراد الذي فيه الرجعة بقوله { { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } } ( ومن لبس) بفتح الموحدة خلط ( على نفسه لبسًا) بإسكان الموحدة خلطًا ( جعلنا لبسه ملصقًا به لا تلبسوا) بكسر الموحدة ( على أنفسكم ونتحمله عنكم هو كما يقولون) إنها بانت منك.
ولابن أبي شيبة أيضًا عن علقمة أن رجلاً قال لابن مسعود: إني طلقت امرأتي مائة قال بانت منك بثلاث وسائرهن معصية، وفي لفظ عدوان.
وعنده أيضًا أن رجلاً قال: كان بيني وبين أهلي كلام فطلقتها عدد النجوم فقال: بانت منك.
فهي وقائع متعددة، وقد روى الدارقطني عن ابن عمر قلت: يا رسول الله أرأيت لو طلقتها ثلاثًا؟ قال: إذًا قد عصيت ربك وبانت منك امرأتك.
والنسائي برجال ثقات عن محمود بن لبيد قال: أخبر صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا فقام مغضبًا فقال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم.

وما في مسلم عن ابن عباس كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم فقال العلماء: معناه أن الناس كانوا يطلقون ثلاثًا وحاصله أن المعنى أن الطلاق الموقع في زمن عمر ثلاثًا كان يوقع قبل ذلك واحدة لأنهم كانوا لا يستعملون الثلاث أصلاً وكانوا يستعملونها نادرًا، وأما في زمن عمر فكثر استعمالهم لها وأما قوله: فأمضاه عليهم فمعناه أنه صنع فيه من الحكم بإيقاع الطلاق ما كان يصنع قبله.
وقيل في تأويله غير ذلك.

( مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر) بن محمد بن عمرو ( بن حزم) فنسبه إلى جد أبيه لشهرته ( أن عمر بن عبد العزيز قال له البتة ما يقول الناس فيها قال أبو بكر فقلت له كان أبان بن عثمان) بن عفان المدني أمير المدينة ( يجعلها واحدة فقال عمر بن عبد العزيز لو كان الطلاق ألفًا ما أبقت البتة منه شيئًا) لأنها من البت وهو القطع فمعناها قطع جميع العصمة التي بيده ولم يبق بينه وبين المرأة وصلة منها.
( من قال البتة فقد رمى الغاية القصوى) فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره.

( مالك عن ابن شهاب أن مروان بن الحكم كان يقضي في الذي يطلق امرأته البتة أنها ثلاث تطليقات) وقضاؤه بذلك بالمدينة مع توفر العلماء بها من غير نكير عليه دال على حقيته ( قال مالك وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك) وفي الموازية روي أنه صلى الله عليه وسلم ألزم البتة من طلق بها وألزم الثلاث من طلق بها.
وقضى عمر فيها بالثلاث وقاله عليّ وعائشة وابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت وأبو هريرة.
وقد روى ذلك كله ابن عبد البر وغيره بالأسانيد إليهم وما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس أن ركانة طلق زوجته البتة فحلفه صلى الله عليه وسلم أنه ما أراد إلا واحدة فردها إليه، فطلقها الثانية في زمن عمر، والثالثة في زمان عثمان، فعارض برواية أحمد وغيره أن ركانة طلقها ثلاثًا في مجلس واحد كما مر فلما تعارضا تساقطا ورجع لما به العمل.



رقم الحديث 1159 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي ثَمَانِيَ تَطْلِيقَاتٍ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَمَاذَا قِيلَ لَكَ؟ قَالَ: قِيلَ لِي إِنَّهَا قَدْ بَانَتْ مِنِّي، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: صَدَقُوا، مَنْ طَلَّقَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَهُ، وَمَنْ لَبَسَ عَلَى نَفْسِهِ لَبْسًا جَعَلْنَا لَبْسَهُ مُلْصَقًا بِهِ، لَا تَلْبِسُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَنَتَحَمَّلُهُ عَنْكُمْ، هُوَ كَمَا يَقُولُونَ.


( مالك أنه بلغه) مما رواه عبد الرزاق وأبو بكر بن أبي شيبة عن سعيد بن جبير وغيره ( أن رجلاً قال لعبد الله بن عباس إني طلقت امرأتي مائة تطليقة) في مرة ( فماذا ترى علي؟ فقال له ابن عباس طلقت منك بثلاث) من المائة ( وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزوًا) مهزوءًا بها بمخالفتها لأن الله إنما جعل الطلاق ثلاثًا.
وفي أبي داود بإسناد صحيح عن مجاهد قال كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال: إنه طلق امرأته ثلاثًا فسكت حتى ظننت أنه رادّها إليه ثم قال: ينطلق أحدكم فيركب الأحموقة ثم يقول يا ابن عباس إن الله قال: { { وَمَن يَّتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا } } وأنت لم تتق الله فلم أجد لك مخرجًا عصيت ربك وبانت منك امرأتك.
وجاء من طرق كثيرة عن ابن عباس أنه أفتى بلزوم الثلاث لمن أوقعها مجتمعة.
وما رواه أحمد وأبو يعلى من طريق ابن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: طلق ركانة بن عبد يزيد امرأته ثلاثًا في مجلس واحد فحزن حزنًا شديدًا فسأله النبي صلى الله عليه وسلم كيف طلقتها؟ قال: ثلاثًا في مجلس واحد فقال: إنما تلك واحدة فارتجعها إن شئت، فارتجعها.
فأجيب بأن ابن إسحاق وشيخه مختلف فيهما وقد عورض بفتوى ابن عباس بوقوع الثلاث فلو كان عنده هذا الحديث لم يخالفه، وعلى فرض صحته عنه فلم يخالفه إلا لظهور علة تقتضي عدم العمل به كنسخ أو تخصيص لركانة كما قيل بذلك لأن له أن يخص من شاء بما شاء والجمهور على وقوع الثلاث بل حكى ابن عبد البر الإجماع قائلاً: إن خلافه شاذ لا يلتفت إليه.

( مالك أنه بلغه) وقد رواه ابن أبي شيبة عن علقمة ( أن رجلاً جاء إلى عبد الله بن مسعود فقال إني طلقت امرأتي ثمان تطليقات) في كلمة بأن قلت لها أنت طالق ثمان تطليقات ( فقال ابن مسعود فماذا قيل لك قال قيل لي إنها قد بانت مني) فلا تحل لي إلا بعد زوج ( فقال ابن مسعود صدقوا من طلق كما أمره الله) بقوله الطلاق مرتان ( فقد بين الله له) أن المراد الذي فيه الرجعة بقوله { { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } } ( ومن لبس) بفتح الموحدة خلط ( على نفسه لبسًا) بإسكان الموحدة خلطًا ( جعلنا لبسه ملصقًا به لا تلبسوا) بكسر الموحدة ( على أنفسكم ونتحمله عنكم هو كما يقولون) إنها بانت منك.
ولابن أبي شيبة أيضًا عن علقمة أن رجلاً قال لابن مسعود: إني طلقت امرأتي مائة قال بانت منك بثلاث وسائرهن معصية، وفي لفظ عدوان.
وعنده أيضًا أن رجلاً قال: كان بيني وبين أهلي كلام فطلقتها عدد النجوم فقال: بانت منك.
فهي وقائع متعددة، وقد روى الدارقطني عن ابن عمر قلت: يا رسول الله أرأيت لو طلقتها ثلاثًا؟ قال: إذًا قد عصيت ربك وبانت منك امرأتك.
والنسائي برجال ثقات عن محمود بن لبيد قال: أخبر صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا فقام مغضبًا فقال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم.

وما في مسلم عن ابن عباس كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم فقال العلماء: معناه أن الناس كانوا يطلقون ثلاثًا وحاصله أن المعنى أن الطلاق الموقع في زمن عمر ثلاثًا كان يوقع قبل ذلك واحدة لأنهم كانوا لا يستعملون الثلاث أصلاً وكانوا يستعملونها نادرًا، وأما في زمن عمر فكثر استعمالهم لها وأما قوله: فأمضاه عليهم فمعناه أنه صنع فيه من الحكم بإيقاع الطلاق ما كان يصنع قبله.
وقيل في تأويله غير ذلك.

( مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر) بن محمد بن عمرو ( بن حزم) فنسبه إلى جد أبيه لشهرته ( أن عمر بن عبد العزيز قال له البتة ما يقول الناس فيها قال أبو بكر فقلت له كان أبان بن عثمان) بن عفان المدني أمير المدينة ( يجعلها واحدة فقال عمر بن عبد العزيز لو كان الطلاق ألفًا ما أبقت البتة منه شيئًا) لأنها من البت وهو القطع فمعناها قطع جميع العصمة التي بيده ولم يبق بينه وبين المرأة وصلة منها.
( من قال البتة فقد رمى الغاية القصوى) فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره.

( مالك عن ابن شهاب أن مروان بن الحكم كان يقضي في الذي يطلق امرأته البتة أنها ثلاث تطليقات) وقضاؤه بذلك بالمدينة مع توفر العلماء بها من غير نكير عليه دال على حقيته ( قال مالك وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك) وفي الموازية روي أنه صلى الله عليه وسلم ألزم البتة من طلق بها وألزم الثلاث من طلق بها.
وقضى عمر فيها بالثلاث وقاله عليّ وعائشة وابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت وأبو هريرة.
وقد روى ذلك كله ابن عبد البر وغيره بالأسانيد إليهم وما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس أن ركانة طلق زوجته البتة فحلفه صلى الله عليه وسلم أنه ما أراد إلا واحدة فردها إليه، فطلقها الثانية في زمن عمر، والثالثة في زمان عثمان، فعارض برواية أحمد وغيره أن ركانة طلقها ثلاثًا في مجلس واحد كما مر فلما تعارضا تساقطا ورجع لما به العمل.



رقم الحديث 1160 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: لَهُ الْبَتَّةُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهَا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَقُلْتُ لَهُ كَانَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ يَجْعَلُهَا وَاحِدَةً، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ أَلْفًا مَا أَبْقَتِ الْبَتَّةُ مِنْهَا شَيْئًا، مَنْ قَالَ: الْبَتَّةَ فَقَدْ رَمَى الْغَايَةَ الْقُصْوَى.


( مالك أنه بلغه) مما رواه عبد الرزاق وأبو بكر بن أبي شيبة عن سعيد بن جبير وغيره ( أن رجلاً قال لعبد الله بن عباس إني طلقت امرأتي مائة تطليقة) في مرة ( فماذا ترى علي؟ فقال له ابن عباس طلقت منك بثلاث) من المائة ( وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزوًا) مهزوءًا بها بمخالفتها لأن الله إنما جعل الطلاق ثلاثًا.
وفي أبي داود بإسناد صحيح عن مجاهد قال كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال: إنه طلق امرأته ثلاثًا فسكت حتى ظننت أنه رادّها إليه ثم قال: ينطلق أحدكم فيركب الأحموقة ثم يقول يا ابن عباس إن الله قال: { { وَمَن يَّتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا } } وأنت لم تتق الله فلم أجد لك مخرجًا عصيت ربك وبانت منك امرأتك.
وجاء من طرق كثيرة عن ابن عباس أنه أفتى بلزوم الثلاث لمن أوقعها مجتمعة.
وما رواه أحمد وأبو يعلى من طريق ابن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: طلق ركانة بن عبد يزيد امرأته ثلاثًا في مجلس واحد فحزن حزنًا شديدًا فسأله النبي صلى الله عليه وسلم كيف طلقتها؟ قال: ثلاثًا في مجلس واحد فقال: إنما تلك واحدة فارتجعها إن شئت، فارتجعها.
فأجيب بأن ابن إسحاق وشيخه مختلف فيهما وقد عورض بفتوى ابن عباس بوقوع الثلاث فلو كان عنده هذا الحديث لم يخالفه، وعلى فرض صحته عنه فلم يخالفه إلا لظهور علة تقتضي عدم العمل به كنسخ أو تخصيص لركانة كما قيل بذلك لأن له أن يخص من شاء بما شاء والجمهور على وقوع الثلاث بل حكى ابن عبد البر الإجماع قائلاً: إن خلافه شاذ لا يلتفت إليه.

( مالك أنه بلغه) وقد رواه ابن أبي شيبة عن علقمة ( أن رجلاً جاء إلى عبد الله بن مسعود فقال إني طلقت امرأتي ثمان تطليقات) في كلمة بأن قلت لها أنت طالق ثمان تطليقات ( فقال ابن مسعود فماذا قيل لك قال قيل لي إنها قد بانت مني) فلا تحل لي إلا بعد زوج ( فقال ابن مسعود صدقوا من طلق كما أمره الله) بقوله الطلاق مرتان ( فقد بين الله له) أن المراد الذي فيه الرجعة بقوله { { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } } ( ومن لبس) بفتح الموحدة خلط ( على نفسه لبسًا) بإسكان الموحدة خلطًا ( جعلنا لبسه ملصقًا به لا تلبسوا) بكسر الموحدة ( على أنفسكم ونتحمله عنكم هو كما يقولون) إنها بانت منك.
ولابن أبي شيبة أيضًا عن علقمة أن رجلاً قال لابن مسعود: إني طلقت امرأتي مائة قال بانت منك بثلاث وسائرهن معصية، وفي لفظ عدوان.
وعنده أيضًا أن رجلاً قال: كان بيني وبين أهلي كلام فطلقتها عدد النجوم فقال: بانت منك.
فهي وقائع متعددة، وقد روى الدارقطني عن ابن عمر قلت: يا رسول الله أرأيت لو طلقتها ثلاثًا؟ قال: إذًا قد عصيت ربك وبانت منك امرأتك.
والنسائي برجال ثقات عن محمود بن لبيد قال: أخبر صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا فقام مغضبًا فقال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم.

وما في مسلم عن ابن عباس كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم فقال العلماء: معناه أن الناس كانوا يطلقون ثلاثًا وحاصله أن المعنى أن الطلاق الموقع في زمن عمر ثلاثًا كان يوقع قبل ذلك واحدة لأنهم كانوا لا يستعملون الثلاث أصلاً وكانوا يستعملونها نادرًا، وأما في زمن عمر فكثر استعمالهم لها وأما قوله: فأمضاه عليهم فمعناه أنه صنع فيه من الحكم بإيقاع الطلاق ما كان يصنع قبله.
وقيل في تأويله غير ذلك.

( مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر) بن محمد بن عمرو ( بن حزم) فنسبه إلى جد أبيه لشهرته ( أن عمر بن عبد العزيز قال له البتة ما يقول الناس فيها قال أبو بكر فقلت له كان أبان بن عثمان) بن عفان المدني أمير المدينة ( يجعلها واحدة فقال عمر بن عبد العزيز لو كان الطلاق ألفًا ما أبقت البتة منه شيئًا) لأنها من البت وهو القطع فمعناها قطع جميع العصمة التي بيده ولم يبق بينه وبين المرأة وصلة منها.
( من قال البتة فقد رمى الغاية القصوى) فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره.

( مالك عن ابن شهاب أن مروان بن الحكم كان يقضي في الذي يطلق امرأته البتة أنها ثلاث تطليقات) وقضاؤه بذلك بالمدينة مع توفر العلماء بها من غير نكير عليه دال على حقيته ( قال مالك وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك) وفي الموازية روي أنه صلى الله عليه وسلم ألزم البتة من طلق بها وألزم الثلاث من طلق بها.
وقضى عمر فيها بالثلاث وقاله عليّ وعائشة وابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت وأبو هريرة.
وقد روى ذلك كله ابن عبد البر وغيره بالأسانيد إليهم وما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس أن ركانة طلق زوجته البتة فحلفه صلى الله عليه وسلم أنه ما أراد إلا واحدة فردها إليه، فطلقها الثانية في زمن عمر، والثالثة في زمان عثمان، فعارض برواية أحمد وغيره أن ركانة طلقها ثلاثًا في مجلس واحد كما مر فلما تعارضا تساقطا ورجع لما به العمل.



رقم الحديث 1161 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَانَ يَقْضِي فِي الَّذِي يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ أَنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ.


( مالك أنه بلغه) مما رواه عبد الرزاق وأبو بكر بن أبي شيبة عن سعيد بن جبير وغيره ( أن رجلاً قال لعبد الله بن عباس إني طلقت امرأتي مائة تطليقة) في مرة ( فماذا ترى علي؟ فقال له ابن عباس طلقت منك بثلاث) من المائة ( وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزوًا) مهزوءًا بها بمخالفتها لأن الله إنما جعل الطلاق ثلاثًا.
وفي أبي داود بإسناد صحيح عن مجاهد قال كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال: إنه طلق امرأته ثلاثًا فسكت حتى ظننت أنه رادّها إليه ثم قال: ينطلق أحدكم فيركب الأحموقة ثم يقول يا ابن عباس إن الله قال: { { وَمَن يَّتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا } } وأنت لم تتق الله فلم أجد لك مخرجًا عصيت ربك وبانت منك امرأتك.
وجاء من طرق كثيرة عن ابن عباس أنه أفتى بلزوم الثلاث لمن أوقعها مجتمعة.
وما رواه أحمد وأبو يعلى من طريق ابن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: طلق ركانة بن عبد يزيد امرأته ثلاثًا في مجلس واحد فحزن حزنًا شديدًا فسأله النبي صلى الله عليه وسلم كيف طلقتها؟ قال: ثلاثًا في مجلس واحد فقال: إنما تلك واحدة فارتجعها إن شئت، فارتجعها.
فأجيب بأن ابن إسحاق وشيخه مختلف فيهما وقد عورض بفتوى ابن عباس بوقوع الثلاث فلو كان عنده هذا الحديث لم يخالفه، وعلى فرض صحته عنه فلم يخالفه إلا لظهور علة تقتضي عدم العمل به كنسخ أو تخصيص لركانة كما قيل بذلك لأن له أن يخص من شاء بما شاء والجمهور على وقوع الثلاث بل حكى ابن عبد البر الإجماع قائلاً: إن خلافه شاذ لا يلتفت إليه.

( مالك أنه بلغه) وقد رواه ابن أبي شيبة عن علقمة ( أن رجلاً جاء إلى عبد الله بن مسعود فقال إني طلقت امرأتي ثمان تطليقات) في كلمة بأن قلت لها أنت طالق ثمان تطليقات ( فقال ابن مسعود فماذا قيل لك قال قيل لي إنها قد بانت مني) فلا تحل لي إلا بعد زوج ( فقال ابن مسعود صدقوا من طلق كما أمره الله) بقوله الطلاق مرتان ( فقد بين الله له) أن المراد الذي فيه الرجعة بقوله { { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } } ( ومن لبس) بفتح الموحدة خلط ( على نفسه لبسًا) بإسكان الموحدة خلطًا ( جعلنا لبسه ملصقًا به لا تلبسوا) بكسر الموحدة ( على أنفسكم ونتحمله عنكم هو كما يقولون) إنها بانت منك.
ولابن أبي شيبة أيضًا عن علقمة أن رجلاً قال لابن مسعود: إني طلقت امرأتي مائة قال بانت منك بثلاث وسائرهن معصية، وفي لفظ عدوان.
وعنده أيضًا أن رجلاً قال: كان بيني وبين أهلي كلام فطلقتها عدد النجوم فقال: بانت منك.
فهي وقائع متعددة، وقد روى الدارقطني عن ابن عمر قلت: يا رسول الله أرأيت لو طلقتها ثلاثًا؟ قال: إذًا قد عصيت ربك وبانت منك امرأتك.
والنسائي برجال ثقات عن محمود بن لبيد قال: أخبر صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا فقام مغضبًا فقال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم.

وما في مسلم عن ابن عباس كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم فقال العلماء: معناه أن الناس كانوا يطلقون ثلاثًا وحاصله أن المعنى أن الطلاق الموقع في زمن عمر ثلاثًا كان يوقع قبل ذلك واحدة لأنهم كانوا لا يستعملون الثلاث أصلاً وكانوا يستعملونها نادرًا، وأما في زمن عمر فكثر استعمالهم لها وأما قوله: فأمضاه عليهم فمعناه أنه صنع فيه من الحكم بإيقاع الطلاق ما كان يصنع قبله.
وقيل في تأويله غير ذلك.

( مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر) بن محمد بن عمرو ( بن حزم) فنسبه إلى جد أبيه لشهرته ( أن عمر بن عبد العزيز قال له البتة ما يقول الناس فيها قال أبو بكر فقلت له كان أبان بن عثمان) بن عفان المدني أمير المدينة ( يجعلها واحدة فقال عمر بن عبد العزيز لو كان الطلاق ألفًا ما أبقت البتة منه شيئًا) لأنها من البت وهو القطع فمعناها قطع جميع العصمة التي بيده ولم يبق بينه وبين المرأة وصلة منها.
( من قال البتة فقد رمى الغاية القصوى) فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره.

( مالك عن ابن شهاب أن مروان بن الحكم كان يقضي في الذي يطلق امرأته البتة أنها ثلاث تطليقات) وقضاؤه بذلك بالمدينة مع توفر العلماء بها من غير نكير عليه دال على حقيته ( قال مالك وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك) وفي الموازية روي أنه صلى الله عليه وسلم ألزم البتة من طلق بها وألزم الثلاث من طلق بها.
وقضى عمر فيها بالثلاث وقاله عليّ وعائشة وابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت وأبو هريرة.
وقد روى ذلك كله ابن عبد البر وغيره بالأسانيد إليهم وما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس أن ركانة طلق زوجته البتة فحلفه صلى الله عليه وسلم أنه ما أراد إلا واحدة فردها إليه، فطلقها الثانية في زمن عمر، والثالثة في زمان عثمان، فعارض برواية أحمد وغيره أن ركانة طلقها ثلاثًا في مجلس واحد كما مر فلما تعارضا تساقطا ورجع لما به العمل.