فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الْإِيلَاءِ

رقم الحديث 1175 قَالَ مَالِكٌ: لَا يَحِلُّ نِكَاحُ أَمَةٍ يَهُودِيَّةٍ وَلَا نَصْرَانِيَّةٍ، لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ { { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنِ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ } } فَهُنَّ الْحَرَائِرُ مِنَ الْيَهُودِيَّاتِ وَالنَّصْرَانِيَّاتِ،.

     وَقَالَ  اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ } } فَهُنَّ الْإِمَاءُ الْمُؤْمِنَاتُ قَالَ مَالِكٌ: فَإِنَّمَا أَحَلَّ اللَّهُ فِيمَا نُرَى نِكَاحَ الْإِمَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ، وَلَمْ يُحْلِلْ نِكَاحَ إِمَاءِ أهْلِ الْكِتَابِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمَةُ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ تَحِلُّ لِسَيِّدِهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ أَمَةٍ مَجُوسِيَّةٍ بِمِلْكِ الْيَمِينِ.



(النهي عن نكاح إماء أهل الكتاب)

(قال مالك: لا يحل نكاح أمة يهودية ولا نصرانية لأن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه { { وَالْمُحْصَنَاتُ } } الحرائر { { مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ } } الحرائر { { مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ } } حل لكم أن تنكحوهن (فهن الحرائر من اليهوديات والنصرانيات) فالمراد بالكتاب: التوراة والإنجيل لا المجوس وإن كان لهم شبهة كتاب إذ لا كتاب بأيديهم، وكذا من تمسك بصحف شيث وإدريس وإبراهيم وزبور داود لأنها لم تنزل بنظم يدرس ويتلى وإنما أوحي إليهم معانيها، أو أنها لم تتضمن أحكامًا وشرائع بل كانت حكمًا ومواعظ.
(وقال الله تبارك وتعالى { { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً } } غنى { { أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ } } الحرائر { { الْمُؤْمِنَاتِ } } أو الكتابيات بدليل { { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ } } فالوصف جرى على الغالب فلا مفهوم له { { فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم } } تنكح { { (مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ } } فهن) أي الفتيات (الإماء المؤمنات فإنما أحل الله فيما نرى نكاح الإماء المؤمنات) لمن لم يجد طولاً وخاف العنت (ولم يحلل) بالفك وفي نسخة يحل بالإدغام (نكاح إماء أهل الكتاب اليهودية والنصرانية) وهذا الاستدلال في غاية الجودة والظهور، وكذا يحرم نكاح نساء سائر الكفار الحرائر غير اليهود والنصارى كعبدة شمس وقمر، وصور ونجوم، ومعطلة وزنادقة وباطنية، وفرق بين الكتابية وغيرها بأن غيرها اجتمع فيه نقص الكفر في الحال وفساد الدين في الأصل والكتابية فيها نقص واحد وهو كفرها في الحال (والأمة واليهودية والنصرانية تحل لسيدها بملك اليمين) لعموم قوله تعالى: { { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } } (ولا يحل وطء أمة مجوسية بملك اليمين) للقاعدة أن كل من جاز وطء حرائرهم بالنكاح جاز وطء إمائهم بالملك وكل من منع وطء حرائرهم بالنكاح منع وطء إمائهم بالملك.



رقم الحديث 1175 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِذَا آلَى الرَّجُلُ مِنِ امْرَأَتِهِ، لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ، وَإِنْ مَضَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ حَتَّى يُوقَفَ، فَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ وَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا.


( مالك عن جعفر) الصادق ( بن محمد) الباقر ( عن أبيه) محمد بن علي بن الحسين ( عن علي بن أبي طالب) وفيه انقطاع لأن محمدًا لم يدرك عليًا لكن قد رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن علي ( أنه كان يقول إذا آلى الرجل من امرأته لم يقع عليه طلاق وإن مضت الأربعة الأشهر حتى يوقف) عند الحاكم ( فإما أن يطلق وإما أن يفيء) يطأ ويكفر عن يمينه.

( قال مالك: وذلك الأمر عندنا) بالمدينة.
قال عياض: لا خلاف أنه لا يقع الطلاق قبل الأربعة أشهر وأنه يسقط الطلاق إذا حنث نفسه قبل تمامها فإن مضت، فقال الكوفيون: يقع الطلاق وروي مثله عن مالك والمشهور عنه وعن أصحابه وهو قول الكافة أنه لا يقع بمضيها بل حتى يوقفه الحاكم فيفيء أو يطلق عليه فتقدير الآية عند الكوفيين { { فَإِنْ فَاءُوا } } فيهن، وعند الجمهور { { فَإِنْ فَاءُوا } } بعدها قال القرطبي: وقوله تعالى: { { فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } } حجة للكافة لأنه لو وقع بمضيها لم يقع للعزم عليه بعدها معنى.

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول أيما رجل آلى من امرأته فإنه إذا مضت الأربعة الأشهر وقف حتى يطلق) بنفسه ( أو يفيء) يرجع إلى جماعها ( ولا يقع عليه طلاق إذا مضت الأربعة الأشهر) ولم يجامع فيها ( حتى يوقف) عند الحاكم فيطلق بنفسه أو يفيء، وإلا طلق عليه، وهذا الأثر ذكره البخاري عن إسماعيل عن مالك وتابعه الليث عن نافع عند البخاري أيضًا وعارضه بعض الحنفية بما رواه ابن أبي شيبة بسند على شرط الشيخين عن ابن عباس وابن عمر قالا: إذا آلى فلم يفيء حتى مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة، وجوابه أنه لا ينهض معارضته ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر.
وأخرجه البخاري بما رواه غيره عن ابن عمر إن كان على شرط الصحيح لأنه لا يلزم من إخراج البخاري لرجال السند الذي خرجه غيره أن يكون بمنزلة المخرج فيه نفسه، ولذا كان الصحيح مراتب فيقدم عند التعارض ما أخرجه على ما خرجه غيره بشرطه وعلى تسليم انتهاض المعارضة لم يستدل بذلك فيرجع إلى ما دلت عليه الآية وكيف يسلم والترجيح يقع بموافقة الأكثر مع موافقة ظاهر القرآن.

( مالك عن ابن شهاب أن سعيد بن المسيب وأبا بكر بن عبد الرحمن كانا يقولان في الرجل يولي من امرأته إنها إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة) تقع بمضيها ( ولزوجها عليها الرجعة ما كانت في العدة) لأن طلاق الإيلاء رجعي ( مالك أنه بلغه أن مروان بن الحكم كان يقضي في الرجل إذا آلى من امرأته أنها إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة) واحدة ( وله عليها الرجعة ما دامت في عدتها قال مالك وعلى ذلك كان رأي ابن شهاب) فوافق رأيه رأي شيخيه ابن المسيب وأبي بكر وقاله أبو حنيفة والكوفيون.
وقال الجمهور: كما علم خلافه ونقل ابن المنذر عن بعض الأئمة قال: لم نجد في شيء من الأدلة أن العزيمة على الطلاق تكون طلاقًا ولو جاز لكان العزم على الفيء فيئًا ولا قائل به وليس في شيء من اللغة أن اليمين التي لا ينوى بها الطلاق تقتضي طلاقًا والعطف بالفاء على أربعة أشهر يدل على أن التخيير بعد مضي المدة فلا يتجه وقوع الطلاق بمجرد مضيها.

قال الشافعي رحمه الله: ظاهر كتاب الله يدل على أن له أربعة أشهر، ومن كانت له أربعة أشهر أجلاً له فلا سبيل عليه فيها حتى تنقضي الأربعة أشهر، كما لو أجلتني أربعة أشهر لم يكن لك علي أخذ حقك مني حتى تنقضي الأربعة أشهر.
ودل على أن عليه إذا مضت الأربعة واحدًا من حكمين إما أن يفيء أو يطلق فقلنا بهذا وقلنا لا يلزمه طلاق بمضي أربعة أشهر حتى يحدث فيئة أو طلاقًا.
وأجاب بعض الحنفية بأن الفاء لتعقيب المعنى في الزمان في عطف المفرد، كجاء زيد فعمرو، وتدخل الجمل لتفصيل مجمل قبلها وغيره فإن كانت للأول نحو { { فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهِ جَهْرَةً } } فلا يفيد ذلك التعقيب الحقيقي بل التعقيب الذكري بأن ذكر التفصيل بعد الإجمال وإن كانت لغيره فكالأول كجاء زيد فقام عمرو وكل من الأمرين جائز الإرادة في الآية المعنوي بالنسبة إلى الإيلاء فإن فاؤوا بعد الإيلاء والذكري فإنه تعالى لما ذكر أن لهم من نسائهم أن يتربصوا أربعة أشهر من غير بينونة مع عدم الوطء كان موضع تفصيل الحال في الأمرين، فقوله { { فَإِنْ فَاءُوا } } إلى قوله { { سَمِيعٌ عَلِيمٌ } } واقع لهذا الغرض فيصح كون المراد فإن فاؤوا أي رجعوا عما استمروا عليه بالوطء في المدة تعقيبًا على الإيلاء التعقيب الذكري أو بعدها تعقيبًا على التربص فإن الله غفور رحيم لما حدث منهم من اليمين على الظلم وعقد القلب اهـ.
وما فيه من التعسف الذي ينبو عنه الظاهر غني عن رده.

( قال مالك في الرجل يولي من امرأته فيوقف فيطلق عند انقضاء الأربعة الأشهر ثم يراجع امرأته أنه إن لم يصبها حتى تنقضي عدتها فلا سبيل له إليها) وفي نسخة ابن وضاح فلا سبيل له إليها ( ولا رجعة له عليها إلا أن يكون له عذر من مرض أو سجن أو ما أشبه ذلك من العذر) الذي لا يقدر معه على الجماع ( فإن ارتجاعه إياها ثابت عليها فإن مضت عدتها ثم تزوجها بعد ذلك فإنه إن لم يصبها حتى تنقضي الأربعة أشهر وقف أيضًا فإن لم يفئ) يطأ ( دخل عليه الطلاق بالإيلاء الأول إذا مضت الأربعة الأشهر ولم يكن له عليها رجعة لأنه نكحها ثم طلقها قبل أن يمسها فلا عدة له عليها ولا رجعة) كما قال تعالى: { { ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } }

( قال مالك في الرجل يولي من امرأته فيوقف بعد الأربعة الأشهر فيطلق ثم يرتجع ولا يمسها فتنقضي أربعة أشهر قبل أن تنقضي عدتها) لتأخرها بحمل ونحوه ( إنه لا يوقف ولا يقع عليه طلاق وإنه إن أصابها قبل أن تنقضي عدتها كان أحق بها وإن مضت عدتها قبل أن يصيبها فلا سبيل له عليها وهذا أحسن ما سمعت في ذلك قال مالك في الرجل يولي من امرأته ثم يطلقها فتنقضي الأربعة الأشهر قبل انقضاء عدة الطلاق قال هما تطليقتان إن هو وقف ولم يفئ وإن مضت عدة الطلاق قبل الأربعة أشهر فليس الإيلاء بطلاق وذلك أن الأربعة الأشهر التي كانت توقف بعدها مضت وليست له يومئذ بامرأة) جملة حالية، والطلاق إنما يقع على المرأة ( ومن حلف أن لا يطأ امرأته يومًا أو شهرًا ثم مكث) بلا وطء ( حتى ينقضي أكثر من الأربعة الأشهر فلا يكون ذلك إيلاء) وبه قال الجمهور، وشذ ابن أبي ليلى والحسن في آخرين فقالوا: إن حلف على ترك الوطء يومًا أو أقل أو أكثر حتى مضت أربعة أشهر فهو مول لظاهر الآية، وعكس ابن عمر فقال: كل من وقت في يمينه وقتًا وإن طال فليس بمول وإنما المولي من حلف على ترك الوطء للأبد ( وإنما يوقف في الإيلاء من حلف على أكثر من الأربعة الأشهر فأما من حلف أن لا يطأ امرأته أربعة أشهر أو أدنى) أقل ( من ذلك فلا أرى عليه إيلاء لأنه إذا دخل) وفي نسخة جاء ( الأجل الذي يوقف عنده خرج من يمينه ولم يكن عليه وقف) لأن المرأة تصبر على ترك الوطء أربعة أشهر وبعدها يفنى صبرها أو يقل، وهذا هو المشهور عن مالك.
وبه قال الجمهور والشافعي وأحمد وروى عبد الملك يكون موليًا بالحلف على أربعة أشهر، وبه قال الكوفيون وأبو حنيفة وتمسك الأول بما تعطيه الفاء من قوله تعالى: { { فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } } فإن ظاهرها يستلزم تأخير ما بعدها عما قبلها، وذلك يؤذن بأن زمن الفيئة بعد الأربعة وكذلك إن الشرطية فإنها تصير الماضي بعدها مستقبلاً فلو طلبت الفيئة في الأربعة أشهر لبقي معنى المضي بعدها على ما كان عليه بعد دخولها وهو باطل، ورأى في القول الثاني أن الفاء لمجرد السببية ولا يلزم تأخر المسبب عن سببه في الزمان بل الغالب عليه المقارنة.
ورأى أيضًا حذف كان بعد أن أي فإن كانوا فاؤوا كما تأول مثله في قوله: { { إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ } } والقرينة المعينة لذلك ما دلت عليه اللام من قوله: { { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } } فالتربص إذًا مقصور عليها لا غير.
ورد بأن الذي في اللام الحلف على ترك الوطء تلك المدة والفيئة أمر يكون بعدها فليس مقصورًا عليها.

( قال مالك من حلف لامرأته أن لا يطأها حتى تفطم ولدها فإن ذلك لا يكون إيلاء) لأنه إنما قصد عدم ضرر ولده لا الامتناع من الوطء ( وقد بلغني أن علي بن أبي طالب سئل عن ذلك فلم يره إيلاء) أتى به تقوية لقوله وإن لم يتفرد به.



رقم الحديث 1176 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَيُّمَا رَجُلٍ آلَى مِنِ امْرَأَتِهِ، فَإِنَّهُ إِذَا مَضَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ، وُقِفَ حَتَّى يُطَلِّقَ أَوْ يَفِيءَ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ إِذَا مَضَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ حَتَّى يُوقَفَ.


( مالك عن جعفر) الصادق ( بن محمد) الباقر ( عن أبيه) محمد بن علي بن الحسين ( عن علي بن أبي طالب) وفيه انقطاع لأن محمدًا لم يدرك عليًا لكن قد رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن علي ( أنه كان يقول إذا آلى الرجل من امرأته لم يقع عليه طلاق وإن مضت الأربعة الأشهر حتى يوقف) عند الحاكم ( فإما أن يطلق وإما أن يفيء) يطأ ويكفر عن يمينه.

( قال مالك: وذلك الأمر عندنا) بالمدينة.
قال عياض: لا خلاف أنه لا يقع الطلاق قبل الأربعة أشهر وأنه يسقط الطلاق إذا حنث نفسه قبل تمامها فإن مضت، فقال الكوفيون: يقع الطلاق وروي مثله عن مالك والمشهور عنه وعن أصحابه وهو قول الكافة أنه لا يقع بمضيها بل حتى يوقفه الحاكم فيفيء أو يطلق عليه فتقدير الآية عند الكوفيين { { فَإِنْ فَاءُوا } } فيهن، وعند الجمهور { { فَإِنْ فَاءُوا } } بعدها قال القرطبي: وقوله تعالى: { { فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } } حجة للكافة لأنه لو وقع بمضيها لم يقع للعزم عليه بعدها معنى.

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول أيما رجل آلى من امرأته فإنه إذا مضت الأربعة الأشهر وقف حتى يطلق) بنفسه ( أو يفيء) يرجع إلى جماعها ( ولا يقع عليه طلاق إذا مضت الأربعة الأشهر) ولم يجامع فيها ( حتى يوقف) عند الحاكم فيطلق بنفسه أو يفيء، وإلا طلق عليه، وهذا الأثر ذكره البخاري عن إسماعيل عن مالك وتابعه الليث عن نافع عند البخاري أيضًا وعارضه بعض الحنفية بما رواه ابن أبي شيبة بسند على شرط الشيخين عن ابن عباس وابن عمر قالا: إذا آلى فلم يفيء حتى مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة، وجوابه أنه لا ينهض معارضته ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر.
وأخرجه البخاري بما رواه غيره عن ابن عمر إن كان على شرط الصحيح لأنه لا يلزم من إخراج البخاري لرجال السند الذي خرجه غيره أن يكون بمنزلة المخرج فيه نفسه، ولذا كان الصحيح مراتب فيقدم عند التعارض ما أخرجه على ما خرجه غيره بشرطه وعلى تسليم انتهاض المعارضة لم يستدل بذلك فيرجع إلى ما دلت عليه الآية وكيف يسلم والترجيح يقع بموافقة الأكثر مع موافقة ظاهر القرآن.

( مالك عن ابن شهاب أن سعيد بن المسيب وأبا بكر بن عبد الرحمن كانا يقولان في الرجل يولي من امرأته إنها إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة) تقع بمضيها ( ولزوجها عليها الرجعة ما كانت في العدة) لأن طلاق الإيلاء رجعي ( مالك أنه بلغه أن مروان بن الحكم كان يقضي في الرجل إذا آلى من امرأته أنها إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة) واحدة ( وله عليها الرجعة ما دامت في عدتها قال مالك وعلى ذلك كان رأي ابن شهاب) فوافق رأيه رأي شيخيه ابن المسيب وأبي بكر وقاله أبو حنيفة والكوفيون.
وقال الجمهور: كما علم خلافه ونقل ابن المنذر عن بعض الأئمة قال: لم نجد في شيء من الأدلة أن العزيمة على الطلاق تكون طلاقًا ولو جاز لكان العزم على الفيء فيئًا ولا قائل به وليس في شيء من اللغة أن اليمين التي لا ينوى بها الطلاق تقتضي طلاقًا والعطف بالفاء على أربعة أشهر يدل على أن التخيير بعد مضي المدة فلا يتجه وقوع الطلاق بمجرد مضيها.

قال الشافعي رحمه الله: ظاهر كتاب الله يدل على أن له أربعة أشهر، ومن كانت له أربعة أشهر أجلاً له فلا سبيل عليه فيها حتى تنقضي الأربعة أشهر، كما لو أجلتني أربعة أشهر لم يكن لك علي أخذ حقك مني حتى تنقضي الأربعة أشهر.
ودل على أن عليه إذا مضت الأربعة واحدًا من حكمين إما أن يفيء أو يطلق فقلنا بهذا وقلنا لا يلزمه طلاق بمضي أربعة أشهر حتى يحدث فيئة أو طلاقًا.
وأجاب بعض الحنفية بأن الفاء لتعقيب المعنى في الزمان في عطف المفرد، كجاء زيد فعمرو، وتدخل الجمل لتفصيل مجمل قبلها وغيره فإن كانت للأول نحو { { فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهِ جَهْرَةً } } فلا يفيد ذلك التعقيب الحقيقي بل التعقيب الذكري بأن ذكر التفصيل بعد الإجمال وإن كانت لغيره فكالأول كجاء زيد فقام عمرو وكل من الأمرين جائز الإرادة في الآية المعنوي بالنسبة إلى الإيلاء فإن فاؤوا بعد الإيلاء والذكري فإنه تعالى لما ذكر أن لهم من نسائهم أن يتربصوا أربعة أشهر من غير بينونة مع عدم الوطء كان موضع تفصيل الحال في الأمرين، فقوله { { فَإِنْ فَاءُوا } } إلى قوله { { سَمِيعٌ عَلِيمٌ } } واقع لهذا الغرض فيصح كون المراد فإن فاؤوا أي رجعوا عما استمروا عليه بالوطء في المدة تعقيبًا على الإيلاء التعقيب الذكري أو بعدها تعقيبًا على التربص فإن الله غفور رحيم لما حدث منهم من اليمين على الظلم وعقد القلب اهـ.
وما فيه من التعسف الذي ينبو عنه الظاهر غني عن رده.

( قال مالك في الرجل يولي من امرأته فيوقف فيطلق عند انقضاء الأربعة الأشهر ثم يراجع امرأته أنه إن لم يصبها حتى تنقضي عدتها فلا سبيل له إليها) وفي نسخة ابن وضاح فلا سبيل له إليها ( ولا رجعة له عليها إلا أن يكون له عذر من مرض أو سجن أو ما أشبه ذلك من العذر) الذي لا يقدر معه على الجماع ( فإن ارتجاعه إياها ثابت عليها فإن مضت عدتها ثم تزوجها بعد ذلك فإنه إن لم يصبها حتى تنقضي الأربعة أشهر وقف أيضًا فإن لم يفئ) يطأ ( دخل عليه الطلاق بالإيلاء الأول إذا مضت الأربعة الأشهر ولم يكن له عليها رجعة لأنه نكحها ثم طلقها قبل أن يمسها فلا عدة له عليها ولا رجعة) كما قال تعالى: { { ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } }

( قال مالك في الرجل يولي من امرأته فيوقف بعد الأربعة الأشهر فيطلق ثم يرتجع ولا يمسها فتنقضي أربعة أشهر قبل أن تنقضي عدتها) لتأخرها بحمل ونحوه ( إنه لا يوقف ولا يقع عليه طلاق وإنه إن أصابها قبل أن تنقضي عدتها كان أحق بها وإن مضت عدتها قبل أن يصيبها فلا سبيل له عليها وهذا أحسن ما سمعت في ذلك قال مالك في الرجل يولي من امرأته ثم يطلقها فتنقضي الأربعة الأشهر قبل انقضاء عدة الطلاق قال هما تطليقتان إن هو وقف ولم يفئ وإن مضت عدة الطلاق قبل الأربعة أشهر فليس الإيلاء بطلاق وذلك أن الأربعة الأشهر التي كانت توقف بعدها مضت وليست له يومئذ بامرأة) جملة حالية، والطلاق إنما يقع على المرأة ( ومن حلف أن لا يطأ امرأته يومًا أو شهرًا ثم مكث) بلا وطء ( حتى ينقضي أكثر من الأربعة الأشهر فلا يكون ذلك إيلاء) وبه قال الجمهور، وشذ ابن أبي ليلى والحسن في آخرين فقالوا: إن حلف على ترك الوطء يومًا أو أقل أو أكثر حتى مضت أربعة أشهر فهو مول لظاهر الآية، وعكس ابن عمر فقال: كل من وقت في يمينه وقتًا وإن طال فليس بمول وإنما المولي من حلف على ترك الوطء للأبد ( وإنما يوقف في الإيلاء من حلف على أكثر من الأربعة الأشهر فأما من حلف أن لا يطأ امرأته أربعة أشهر أو أدنى) أقل ( من ذلك فلا أرى عليه إيلاء لأنه إذا دخل) وفي نسخة جاء ( الأجل الذي يوقف عنده خرج من يمينه ولم يكن عليه وقف) لأن المرأة تصبر على ترك الوطء أربعة أشهر وبعدها يفنى صبرها أو يقل، وهذا هو المشهور عن مالك.
وبه قال الجمهور والشافعي وأحمد وروى عبد الملك يكون موليًا بالحلف على أربعة أشهر، وبه قال الكوفيون وأبو حنيفة وتمسك الأول بما تعطيه الفاء من قوله تعالى: { { فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } } فإن ظاهرها يستلزم تأخير ما بعدها عما قبلها، وذلك يؤذن بأن زمن الفيئة بعد الأربعة وكذلك إن الشرطية فإنها تصير الماضي بعدها مستقبلاً فلو طلبت الفيئة في الأربعة أشهر لبقي معنى المضي بعدها على ما كان عليه بعد دخولها وهو باطل، ورأى في القول الثاني أن الفاء لمجرد السببية ولا يلزم تأخر المسبب عن سببه في الزمان بل الغالب عليه المقارنة.
ورأى أيضًا حذف كان بعد أن أي فإن كانوا فاؤوا كما تأول مثله في قوله: { { إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ } } والقرينة المعينة لذلك ما دلت عليه اللام من قوله: { { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } } فالتربص إذًا مقصور عليها لا غير.
ورد بأن الذي في اللام الحلف على ترك الوطء تلك المدة والفيئة أمر يكون بعدها فليس مقصورًا عليها.

( قال مالك من حلف لامرأته أن لا يطأها حتى تفطم ولدها فإن ذلك لا يكون إيلاء) لأنه إنما قصد عدم ضرر ولده لا الامتناع من الوطء ( وقد بلغني أن علي بن أبي طالب سئل عن ذلك فلم يره إيلاء) أتى به تقوية لقوله وإن لم يتفرد به.



رقم الحديث 1177 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، وَأَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَا يَقُولَانِ فِي الرَّجُلِ يُولِي مِنِ امْرَأَتِهِ إِنَّهَا إِذَا مَضَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ، وَلِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ مَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ.


( مالك عن جعفر) الصادق ( بن محمد) الباقر ( عن أبيه) محمد بن علي بن الحسين ( عن علي بن أبي طالب) وفيه انقطاع لأن محمدًا لم يدرك عليًا لكن قد رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن علي ( أنه كان يقول إذا آلى الرجل من امرأته لم يقع عليه طلاق وإن مضت الأربعة الأشهر حتى يوقف) عند الحاكم ( فإما أن يطلق وإما أن يفيء) يطأ ويكفر عن يمينه.

( قال مالك: وذلك الأمر عندنا) بالمدينة.
قال عياض: لا خلاف أنه لا يقع الطلاق قبل الأربعة أشهر وأنه يسقط الطلاق إذا حنث نفسه قبل تمامها فإن مضت، فقال الكوفيون: يقع الطلاق وروي مثله عن مالك والمشهور عنه وعن أصحابه وهو قول الكافة أنه لا يقع بمضيها بل حتى يوقفه الحاكم فيفيء أو يطلق عليه فتقدير الآية عند الكوفيين { { فَإِنْ فَاءُوا } } فيهن، وعند الجمهور { { فَإِنْ فَاءُوا } } بعدها قال القرطبي: وقوله تعالى: { { فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } } حجة للكافة لأنه لو وقع بمضيها لم يقع للعزم عليه بعدها معنى.

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول أيما رجل آلى من امرأته فإنه إذا مضت الأربعة الأشهر وقف حتى يطلق) بنفسه ( أو يفيء) يرجع إلى جماعها ( ولا يقع عليه طلاق إذا مضت الأربعة الأشهر) ولم يجامع فيها ( حتى يوقف) عند الحاكم فيطلق بنفسه أو يفيء، وإلا طلق عليه، وهذا الأثر ذكره البخاري عن إسماعيل عن مالك وتابعه الليث عن نافع عند البخاري أيضًا وعارضه بعض الحنفية بما رواه ابن أبي شيبة بسند على شرط الشيخين عن ابن عباس وابن عمر قالا: إذا آلى فلم يفيء حتى مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة، وجوابه أنه لا ينهض معارضته ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر.
وأخرجه البخاري بما رواه غيره عن ابن عمر إن كان على شرط الصحيح لأنه لا يلزم من إخراج البخاري لرجال السند الذي خرجه غيره أن يكون بمنزلة المخرج فيه نفسه، ولذا كان الصحيح مراتب فيقدم عند التعارض ما أخرجه على ما خرجه غيره بشرطه وعلى تسليم انتهاض المعارضة لم يستدل بذلك فيرجع إلى ما دلت عليه الآية وكيف يسلم والترجيح يقع بموافقة الأكثر مع موافقة ظاهر القرآن.

( مالك عن ابن شهاب أن سعيد بن المسيب وأبا بكر بن عبد الرحمن كانا يقولان في الرجل يولي من امرأته إنها إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة) تقع بمضيها ( ولزوجها عليها الرجعة ما كانت في العدة) لأن طلاق الإيلاء رجعي ( مالك أنه بلغه أن مروان بن الحكم كان يقضي في الرجل إذا آلى من امرأته أنها إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة) واحدة ( وله عليها الرجعة ما دامت في عدتها قال مالك وعلى ذلك كان رأي ابن شهاب) فوافق رأيه رأي شيخيه ابن المسيب وأبي بكر وقاله أبو حنيفة والكوفيون.
وقال الجمهور: كما علم خلافه ونقل ابن المنذر عن بعض الأئمة قال: لم نجد في شيء من الأدلة أن العزيمة على الطلاق تكون طلاقًا ولو جاز لكان العزم على الفيء فيئًا ولا قائل به وليس في شيء من اللغة أن اليمين التي لا ينوى بها الطلاق تقتضي طلاقًا والعطف بالفاء على أربعة أشهر يدل على أن التخيير بعد مضي المدة فلا يتجه وقوع الطلاق بمجرد مضيها.

قال الشافعي رحمه الله: ظاهر كتاب الله يدل على أن له أربعة أشهر، ومن كانت له أربعة أشهر أجلاً له فلا سبيل عليه فيها حتى تنقضي الأربعة أشهر، كما لو أجلتني أربعة أشهر لم يكن لك علي أخذ حقك مني حتى تنقضي الأربعة أشهر.
ودل على أن عليه إذا مضت الأربعة واحدًا من حكمين إما أن يفيء أو يطلق فقلنا بهذا وقلنا لا يلزمه طلاق بمضي أربعة أشهر حتى يحدث فيئة أو طلاقًا.
وأجاب بعض الحنفية بأن الفاء لتعقيب المعنى في الزمان في عطف المفرد، كجاء زيد فعمرو، وتدخل الجمل لتفصيل مجمل قبلها وغيره فإن كانت للأول نحو { { فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهِ جَهْرَةً } } فلا يفيد ذلك التعقيب الحقيقي بل التعقيب الذكري بأن ذكر التفصيل بعد الإجمال وإن كانت لغيره فكالأول كجاء زيد فقام عمرو وكل من الأمرين جائز الإرادة في الآية المعنوي بالنسبة إلى الإيلاء فإن فاؤوا بعد الإيلاء والذكري فإنه تعالى لما ذكر أن لهم من نسائهم أن يتربصوا أربعة أشهر من غير بينونة مع عدم الوطء كان موضع تفصيل الحال في الأمرين، فقوله { { فَإِنْ فَاءُوا } } إلى قوله { { سَمِيعٌ عَلِيمٌ } } واقع لهذا الغرض فيصح كون المراد فإن فاؤوا أي رجعوا عما استمروا عليه بالوطء في المدة تعقيبًا على الإيلاء التعقيب الذكري أو بعدها تعقيبًا على التربص فإن الله غفور رحيم لما حدث منهم من اليمين على الظلم وعقد القلب اهـ.
وما فيه من التعسف الذي ينبو عنه الظاهر غني عن رده.

( قال مالك في الرجل يولي من امرأته فيوقف فيطلق عند انقضاء الأربعة الأشهر ثم يراجع امرأته أنه إن لم يصبها حتى تنقضي عدتها فلا سبيل له إليها) وفي نسخة ابن وضاح فلا سبيل له إليها ( ولا رجعة له عليها إلا أن يكون له عذر من مرض أو سجن أو ما أشبه ذلك من العذر) الذي لا يقدر معه على الجماع ( فإن ارتجاعه إياها ثابت عليها فإن مضت عدتها ثم تزوجها بعد ذلك فإنه إن لم يصبها حتى تنقضي الأربعة أشهر وقف أيضًا فإن لم يفئ) يطأ ( دخل عليه الطلاق بالإيلاء الأول إذا مضت الأربعة الأشهر ولم يكن له عليها رجعة لأنه نكحها ثم طلقها قبل أن يمسها فلا عدة له عليها ولا رجعة) كما قال تعالى: { { ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } }

( قال مالك في الرجل يولي من امرأته فيوقف بعد الأربعة الأشهر فيطلق ثم يرتجع ولا يمسها فتنقضي أربعة أشهر قبل أن تنقضي عدتها) لتأخرها بحمل ونحوه ( إنه لا يوقف ولا يقع عليه طلاق وإنه إن أصابها قبل أن تنقضي عدتها كان أحق بها وإن مضت عدتها قبل أن يصيبها فلا سبيل له عليها وهذا أحسن ما سمعت في ذلك قال مالك في الرجل يولي من امرأته ثم يطلقها فتنقضي الأربعة الأشهر قبل انقضاء عدة الطلاق قال هما تطليقتان إن هو وقف ولم يفئ وإن مضت عدة الطلاق قبل الأربعة أشهر فليس الإيلاء بطلاق وذلك أن الأربعة الأشهر التي كانت توقف بعدها مضت وليست له يومئذ بامرأة) جملة حالية، والطلاق إنما يقع على المرأة ( ومن حلف أن لا يطأ امرأته يومًا أو شهرًا ثم مكث) بلا وطء ( حتى ينقضي أكثر من الأربعة الأشهر فلا يكون ذلك إيلاء) وبه قال الجمهور، وشذ ابن أبي ليلى والحسن في آخرين فقالوا: إن حلف على ترك الوطء يومًا أو أقل أو أكثر حتى مضت أربعة أشهر فهو مول لظاهر الآية، وعكس ابن عمر فقال: كل من وقت في يمينه وقتًا وإن طال فليس بمول وإنما المولي من حلف على ترك الوطء للأبد ( وإنما يوقف في الإيلاء من حلف على أكثر من الأربعة الأشهر فأما من حلف أن لا يطأ امرأته أربعة أشهر أو أدنى) أقل ( من ذلك فلا أرى عليه إيلاء لأنه إذا دخل) وفي نسخة جاء ( الأجل الذي يوقف عنده خرج من يمينه ولم يكن عليه وقف) لأن المرأة تصبر على ترك الوطء أربعة أشهر وبعدها يفنى صبرها أو يقل، وهذا هو المشهور عن مالك.
وبه قال الجمهور والشافعي وأحمد وروى عبد الملك يكون موليًا بالحلف على أربعة أشهر، وبه قال الكوفيون وأبو حنيفة وتمسك الأول بما تعطيه الفاء من قوله تعالى: { { فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } } فإن ظاهرها يستلزم تأخير ما بعدها عما قبلها، وذلك يؤذن بأن زمن الفيئة بعد الأربعة وكذلك إن الشرطية فإنها تصير الماضي بعدها مستقبلاً فلو طلبت الفيئة في الأربعة أشهر لبقي معنى المضي بعدها على ما كان عليه بعد دخولها وهو باطل، ورأى في القول الثاني أن الفاء لمجرد السببية ولا يلزم تأخر المسبب عن سببه في الزمان بل الغالب عليه المقارنة.
ورأى أيضًا حذف كان بعد أن أي فإن كانوا فاؤوا كما تأول مثله في قوله: { { إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ } } والقرينة المعينة لذلك ما دلت عليه اللام من قوله: { { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } } فالتربص إذًا مقصور عليها لا غير.
ورد بأن الذي في اللام الحلف على ترك الوطء تلك المدة والفيئة أمر يكون بعدها فليس مقصورًا عليها.

( قال مالك من حلف لامرأته أن لا يطأها حتى تفطم ولدها فإن ذلك لا يكون إيلاء) لأنه إنما قصد عدم ضرر ولده لا الامتناع من الوطء ( وقد بلغني أن علي بن أبي طالب سئل عن ذلك فلم يره إيلاء) أتى به تقوية لقوله وإن لم يتفرد به.



رقم الحديث 1178 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَانَ يَقْضِي فِي الرَّجُلِ إِذَا آلَى مِنِ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا إِذَا مَضَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ، وَلَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ كَانَ رَأْيُ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ يُولِي مِنِ امْرَأَتِهِ، فَيُوقَفُ فَيُطَلِّقُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ، ثُمَّ يُرَاجِعُ امْرَأَتَهُ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يُصِبْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَيْهَا، وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سِجْنٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْعُذْرِ، فَإِنَّ ارْتِجَاعَهُ إِيَّاهَا ثَابِتٌ عَلَيْهَا، فَإِنْ مَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يُصِبْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ وُقِفَ أَيْضًا، فَإِنْ لَمْ يَفِئْ دَخَلَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ بِالْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ، إِذَا مَضَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ لِأَنَّهُ نَكَحَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَلَا عِدَّةَ لَهُ عَلَيْهَا وَلَا رَجْعَةَ قَالَ مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ يُولِي مِنِ امْرَأَتِهِ، فَيُوقَفُ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ، فَيُطَلِّقُ ثُمَّ يَرْتَجِعُ وَلَا يَمَسُّهَا فَتَنْقَضِي أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، إِنَّهُ لَا يُوقَفُ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ، وَإِنَّهُ إِنْ أَصَابَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا كَانَ أَحَقَّ بِهَا، وَإِنْ مَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا، فَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَيْهَا، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ يُولِي مِنِ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فَتَنْقَضِي الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ، قَالَ: هُمَا تَطْلِيقَتَانِ إِنْ هُوَ وُقِفَ، وَلَمْ يَفِئْ وَإِنْ مَضَتْ عِدَّةُ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ، فَلَيْسَ الْإِيلَاءُ بِطَلَاقٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْهُرِ الَّتِي كَانَتْ تُوقَفُ بَعْدَهَا مَضَتْ وَلَيْسَتْ لَهُ يَوْمَئِذٍ بِامْرَأَةٍ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا، ثُمَّ مَكَثَ حَتَّى يَنْقَضِيَ أَكْثَرُ مِنَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِيلَاءً، وَإِنَّمَا يُوقَفُ فِي الْإِيلَاءِ مَنْ حَلَفَ عَلَى أَكْثَرَ مِنَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ، فَأَمَّا مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ، فَلَا أَرَى عَلَيْهِ إِيلَاءً لِأَنَّهُ إِذَا دَخَلَ الْأَجَلُ الَّذِي يُوقَفُ عِنْدَهُ خَرَجَ مِنْ يَمِينِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَقْفٌ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ لِامْرَأَتِهِ أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى تَفْطِمَ وَلَدَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِيلَاءً، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَرَهُ إِيلَاءً.


( مالك عن جعفر) الصادق ( بن محمد) الباقر ( عن أبيه) محمد بن علي بن الحسين ( عن علي بن أبي طالب) وفيه انقطاع لأن محمدًا لم يدرك عليًا لكن قد رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن علي ( أنه كان يقول إذا آلى الرجل من امرأته لم يقع عليه طلاق وإن مضت الأربعة الأشهر حتى يوقف) عند الحاكم ( فإما أن يطلق وإما أن يفيء) يطأ ويكفر عن يمينه.

( قال مالك: وذلك الأمر عندنا) بالمدينة.
قال عياض: لا خلاف أنه لا يقع الطلاق قبل الأربعة أشهر وأنه يسقط الطلاق إذا حنث نفسه قبل تمامها فإن مضت، فقال الكوفيون: يقع الطلاق وروي مثله عن مالك والمشهور عنه وعن أصحابه وهو قول الكافة أنه لا يقع بمضيها بل حتى يوقفه الحاكم فيفيء أو يطلق عليه فتقدير الآية عند الكوفيين { { فَإِنْ فَاءُوا } } فيهن، وعند الجمهور { { فَإِنْ فَاءُوا } } بعدها قال القرطبي: وقوله تعالى: { { فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } } حجة للكافة لأنه لو وقع بمضيها لم يقع للعزم عليه بعدها معنى.

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول أيما رجل آلى من امرأته فإنه إذا مضت الأربعة الأشهر وقف حتى يطلق) بنفسه ( أو يفيء) يرجع إلى جماعها ( ولا يقع عليه طلاق إذا مضت الأربعة الأشهر) ولم يجامع فيها ( حتى يوقف) عند الحاكم فيطلق بنفسه أو يفيء، وإلا طلق عليه، وهذا الأثر ذكره البخاري عن إسماعيل عن مالك وتابعه الليث عن نافع عند البخاري أيضًا وعارضه بعض الحنفية بما رواه ابن أبي شيبة بسند على شرط الشيخين عن ابن عباس وابن عمر قالا: إذا آلى فلم يفيء حتى مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة، وجوابه أنه لا ينهض معارضته ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر.
وأخرجه البخاري بما رواه غيره عن ابن عمر إن كان على شرط الصحيح لأنه لا يلزم من إخراج البخاري لرجال السند الذي خرجه غيره أن يكون بمنزلة المخرج فيه نفسه، ولذا كان الصحيح مراتب فيقدم عند التعارض ما أخرجه على ما خرجه غيره بشرطه وعلى تسليم انتهاض المعارضة لم يستدل بذلك فيرجع إلى ما دلت عليه الآية وكيف يسلم والترجيح يقع بموافقة الأكثر مع موافقة ظاهر القرآن.

( مالك عن ابن شهاب أن سعيد بن المسيب وأبا بكر بن عبد الرحمن كانا يقولان في الرجل يولي من امرأته إنها إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة) تقع بمضيها ( ولزوجها عليها الرجعة ما كانت في العدة) لأن طلاق الإيلاء رجعي ( مالك أنه بلغه أن مروان بن الحكم كان يقضي في الرجل إذا آلى من امرأته أنها إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة) واحدة ( وله عليها الرجعة ما دامت في عدتها قال مالك وعلى ذلك كان رأي ابن شهاب) فوافق رأيه رأي شيخيه ابن المسيب وأبي بكر وقاله أبو حنيفة والكوفيون.
وقال الجمهور: كما علم خلافه ونقل ابن المنذر عن بعض الأئمة قال: لم نجد في شيء من الأدلة أن العزيمة على الطلاق تكون طلاقًا ولو جاز لكان العزم على الفيء فيئًا ولا قائل به وليس في شيء من اللغة أن اليمين التي لا ينوى بها الطلاق تقتضي طلاقًا والعطف بالفاء على أربعة أشهر يدل على أن التخيير بعد مضي المدة فلا يتجه وقوع الطلاق بمجرد مضيها.

قال الشافعي رحمه الله: ظاهر كتاب الله يدل على أن له أربعة أشهر، ومن كانت له أربعة أشهر أجلاً له فلا سبيل عليه فيها حتى تنقضي الأربعة أشهر، كما لو أجلتني أربعة أشهر لم يكن لك علي أخذ حقك مني حتى تنقضي الأربعة أشهر.
ودل على أن عليه إذا مضت الأربعة واحدًا من حكمين إما أن يفيء أو يطلق فقلنا بهذا وقلنا لا يلزمه طلاق بمضي أربعة أشهر حتى يحدث فيئة أو طلاقًا.
وأجاب بعض الحنفية بأن الفاء لتعقيب المعنى في الزمان في عطف المفرد، كجاء زيد فعمرو، وتدخل الجمل لتفصيل مجمل قبلها وغيره فإن كانت للأول نحو { { فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهِ جَهْرَةً } } فلا يفيد ذلك التعقيب الحقيقي بل التعقيب الذكري بأن ذكر التفصيل بعد الإجمال وإن كانت لغيره فكالأول كجاء زيد فقام عمرو وكل من الأمرين جائز الإرادة في الآية المعنوي بالنسبة إلى الإيلاء فإن فاؤوا بعد الإيلاء والذكري فإنه تعالى لما ذكر أن لهم من نسائهم أن يتربصوا أربعة أشهر من غير بينونة مع عدم الوطء كان موضع تفصيل الحال في الأمرين، فقوله { { فَإِنْ فَاءُوا } } إلى قوله { { سَمِيعٌ عَلِيمٌ } } واقع لهذا الغرض فيصح كون المراد فإن فاؤوا أي رجعوا عما استمروا عليه بالوطء في المدة تعقيبًا على الإيلاء التعقيب الذكري أو بعدها تعقيبًا على التربص فإن الله غفور رحيم لما حدث منهم من اليمين على الظلم وعقد القلب اهـ.
وما فيه من التعسف الذي ينبو عنه الظاهر غني عن رده.

( قال مالك في الرجل يولي من امرأته فيوقف فيطلق عند انقضاء الأربعة الأشهر ثم يراجع امرأته أنه إن لم يصبها حتى تنقضي عدتها فلا سبيل له إليها) وفي نسخة ابن وضاح فلا سبيل له إليها ( ولا رجعة له عليها إلا أن يكون له عذر من مرض أو سجن أو ما أشبه ذلك من العذر) الذي لا يقدر معه على الجماع ( فإن ارتجاعه إياها ثابت عليها فإن مضت عدتها ثم تزوجها بعد ذلك فإنه إن لم يصبها حتى تنقضي الأربعة أشهر وقف أيضًا فإن لم يفئ) يطأ ( دخل عليه الطلاق بالإيلاء الأول إذا مضت الأربعة الأشهر ولم يكن له عليها رجعة لأنه نكحها ثم طلقها قبل أن يمسها فلا عدة له عليها ولا رجعة) كما قال تعالى: { { ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } }

( قال مالك في الرجل يولي من امرأته فيوقف بعد الأربعة الأشهر فيطلق ثم يرتجع ولا يمسها فتنقضي أربعة أشهر قبل أن تنقضي عدتها) لتأخرها بحمل ونحوه ( إنه لا يوقف ولا يقع عليه طلاق وإنه إن أصابها قبل أن تنقضي عدتها كان أحق بها وإن مضت عدتها قبل أن يصيبها فلا سبيل له عليها وهذا أحسن ما سمعت في ذلك قال مالك في الرجل يولي من امرأته ثم يطلقها فتنقضي الأربعة الأشهر قبل انقضاء عدة الطلاق قال هما تطليقتان إن هو وقف ولم يفئ وإن مضت عدة الطلاق قبل الأربعة أشهر فليس الإيلاء بطلاق وذلك أن الأربعة الأشهر التي كانت توقف بعدها مضت وليست له يومئذ بامرأة) جملة حالية، والطلاق إنما يقع على المرأة ( ومن حلف أن لا يطأ امرأته يومًا أو شهرًا ثم مكث) بلا وطء ( حتى ينقضي أكثر من الأربعة الأشهر فلا يكون ذلك إيلاء) وبه قال الجمهور، وشذ ابن أبي ليلى والحسن في آخرين فقالوا: إن حلف على ترك الوطء يومًا أو أقل أو أكثر حتى مضت أربعة أشهر فهو مول لظاهر الآية، وعكس ابن عمر فقال: كل من وقت في يمينه وقتًا وإن طال فليس بمول وإنما المولي من حلف على ترك الوطء للأبد ( وإنما يوقف في الإيلاء من حلف على أكثر من الأربعة الأشهر فأما من حلف أن لا يطأ امرأته أربعة أشهر أو أدنى) أقل ( من ذلك فلا أرى عليه إيلاء لأنه إذا دخل) وفي نسخة جاء ( الأجل الذي يوقف عنده خرج من يمينه ولم يكن عليه وقف) لأن المرأة تصبر على ترك الوطء أربعة أشهر وبعدها يفنى صبرها أو يقل، وهذا هو المشهور عن مالك.
وبه قال الجمهور والشافعي وأحمد وروى عبد الملك يكون موليًا بالحلف على أربعة أشهر، وبه قال الكوفيون وأبو حنيفة وتمسك الأول بما تعطيه الفاء من قوله تعالى: { { فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } } فإن ظاهرها يستلزم تأخير ما بعدها عما قبلها، وذلك يؤذن بأن زمن الفيئة بعد الأربعة وكذلك إن الشرطية فإنها تصير الماضي بعدها مستقبلاً فلو طلبت الفيئة في الأربعة أشهر لبقي معنى المضي بعدها على ما كان عليه بعد دخولها وهو باطل، ورأى في القول الثاني أن الفاء لمجرد السببية ولا يلزم تأخر المسبب عن سببه في الزمان بل الغالب عليه المقارنة.
ورأى أيضًا حذف كان بعد أن أي فإن كانوا فاؤوا كما تأول مثله في قوله: { { إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ } } والقرينة المعينة لذلك ما دلت عليه اللام من قوله: { { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } } فالتربص إذًا مقصور عليها لا غير.
ورد بأن الذي في اللام الحلف على ترك الوطء تلك المدة والفيئة أمر يكون بعدها فليس مقصورًا عليها.

( قال مالك من حلف لامرأته أن لا يطأها حتى تفطم ولدها فإن ذلك لا يكون إيلاء) لأنه إنما قصد عدم ضرر ولده لا الامتناع من الوطء ( وقد بلغني أن علي بن أبي طالب سئل عن ذلك فلم يره إيلاء) أتى به تقوية لقوله وإن لم يتفرد به.