فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي نَفَقَةِ الْمُطَلَّقَةِ

رقم الحديث 1229 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ، وَهُوَ غَائِبٌ بِالشَّامِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ، فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ، وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ، ثُمَّ قَالَ: تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي، اعْتَدِّي عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ عِنْدَهُ، فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي، قَالَتْ: فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمِ بْنَ هِشَامٍ خَطَبَانِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ،.
وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ، لَا مَالَ لَهُ، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، قَالَتْ: فَكَرِهْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَنَكَحْتُهُ، فَجَعَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ خَيْرًا، وَاغْتَبَطْتُ بِهِ.


( ما جاء في نفقة المطلقة)

( مالك عن عبد الله بن يزيد) بتحتية فزاي، المخزومي المدني الأعور الثقة المتوفى سنة ثمان وأربعين ومائة ( مولى الأسود بن سفيان) الصحابي ( عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف) القرشي الزهري إسماعيل أو عبد الله أو اسمه كنيته ( عن فاطمة بنت قيس) بن خالد القرشية الفهرية، أخت الضحاك بن قيس، وكانت أسن منه يقال بعشر سنين كانت من المهاجرات الأول ذات جمال وعقل وفي بيتها اجتمع أهل الشورى لما قتل عمر قدمت على أخيها الكوفة وهو أميرها فروى عنها الشعبي قصة الجساسة بطولها فانفردت بها مطولة وتابعها جابر وغيره ( أن أبا عمرو) بفتح العين ( بن حفص) بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي الصحابي سكن المدينة.
قال النسائي: اسمه أحمد.
وقال الأكثر: عبد الحميد.
قال عياض: وهو الأشهر وقيل اسمه كنيته وأمه درّة بنت خزاعي الثقفية خرج مع علي إلى اليمن في العهد النبوي فمات هناك ويقال: بل رجع إلى أن شهد فتوح الشام.

وفي النسائي عن ناشرة بن سمي سمعت عمر يقول: إني أعتذر لكم من عزل خالد بن الوليد فقال أبو عمرو بن حفص: عزلت عنا غلامًا استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قوله أبا عمرو بن حفص هكذا رواه مالك وابن شهاب وغيرهما وقلبه بعض الرواة فقال: إن أبا حفص بن عمرو وبعضهم قال: أبا حفص بن المغيرة قال العلماء والمحفوظ الأول ( طلقها) قال عياض: كذا الصحيح عند الجميع طلقها وإن اختلفوا في صفته هل البتة أو الثلاث أو آخرة الثلاث وما يوهمه بعض الروايات أنه مات عنها مؤوّل.
( البتة) قال في المفهم يعني بها آخرة الثلاث تطليقات كما جاء مفسرًا في الرواية الأخرى يعني في مسلم من طريق ابن شهاب عن أبي سلمة عن فاطمة أن أبا عمرو طلقها آخر ثلاث تطليقات قال وليس المراد أنه طلق بلفظ البتة وإنما سمى آخرة الثلاث البتة لأنها طلقة بنت العصمة حتى لم تبق منها شيئًا ولما كملت هذه الطلقة الثلاثة عبر عنها في بعض الروايات بالثلاث يعني رواية مسلم من طريق الشعبي عنها قالت طلقني بعلي ثلاثًا.
قال: والرواية المفسرة قاضية على غيرها وهي الصحيحة ( وهو غائب بالشام) كذا ليحيى.
وسقط عند النيسابوري وغيره بالشام.

وفي مسلم من طريق ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أبا عمرو بن حفص بن المغيرة خرج مع علي بن أبي طالب إلى اليمن فأرسل إلى فاطمة بنت قيس بتطليقة كانت بقيت من طلاقها ( فأرسل إليها وكيله بشعير) بالرفع فاعل، لأنه المرسل، كذا قال السيوطي تبعًا للنووي.
وفي مسلم من طريق أبي بكر بن الجهم سمعت فاطمة بنت قيس تقول أرسل إليَّ زوجي أبو عمرو عياش بن أبي ربيعة بطلاقي وأرسل معه بخمسة آصع من تمر وخمسة آصع من شعير فقلت: أما لي نفقة إلا هذا ولا أعتدّ في منزلكم؟ قال: لا.
وصريح هذا أن وكيله بالنصب مفعول فاعله يعود على الزوج.
قال القرطبي: فيه العمل بالوكالة وشهرتها عندهم وكان إرسال هذا الشعير متعة فحسبتها هي النفقة الواجبة عليه.
( فسخطته) ورأت أنها تستحق أكثر فأخبرها الوكيل بالحكم ( فقال والله ما لك علينا من شيء) فلم تقبل ذلك منه فشدت عليها ثيابها ( فجاءت رسول الله) وفي نسخة إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال) وفي رواية لمسلم فقال: كم طلقك؟ فقلت: ثلاثًا قال: صدق ( ليس لك عليه نفقة) لأنك بائن ولا حمل بك ( وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك) القرشية العامرية وقيل الأنصارية اسمها غزية، وقيل: غزيلة بغين معجمة مضمومة فيهما ثم زاي فيهما وتحتية ولام على الثاني، وذكرها بعضهم في أزواجه صلى الله عليه وسلم ( ثم قال تلك امرأة يغشاها أصحابي) أي يلمون بها ويردون عليها ويزورونها لصلاحها وكانت كثيرة المعروف والنفقة في سبيل الله والتضييف للغرباء من المهاجرين وغيرهم وفيه جواز نظر الفجأة إذ لا يؤمن ذلك من تكرّرهم إليها ومنع المرأة من التعرض لموضع يشق عليها فيه التحرز ممن ينظر إليها لأنها لو أقامت لشق عليها التحفظ لكثرة تكررهم إليها وطول إقامتهم وحديثهم عندها قاله عياض ( اعتدي عند عبد الله ابن أم مكتوم) القرشي العامري أسلم قديمًا والأشهر في اسم أبيه قيس بن زائدة، واسم أمه عاتكة بنت عبد الله المخزومية وكان اسمه عمرًا وقيل الحصين فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله، ولا يمتنع أنه كان له اسمان شهد القادسية في زمن عمر استشهد بها وقيل رجع إلى المدينة فمات بها ( فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده) ولا يراك.
وفي مسلم من وجه آخر عن أبي سلمة عنها عنه صلى الله عليه وسلم فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك وأخذ منه جواز نظر المرأة من الرجل ما لا يجوز أن ينظر منها كرأسها وموضع الخصر منها.
وعورض بما رواه أبو داود والترمذي وحسنه عن نبهان عن أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم قال لها ولميمونة وقد دخل عليهما ابن أم مكتوم: احتجبا منه فقالتا إنه أعمى فقال صلى الله عليه وسلم أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه؟ وأجاب عياض بأنه تغليظ على أزواجه في الحجاب لحرمتهن فكما غلظ الحجاب على الرجال فيهن غلظ عليهن أن ينظرن إلى الرجال ولا خلاف أن على المرأة أن تغض بصرها كما على الرجل غضه كما نص الله.
وإنما خص ابن أم مكتوم بذلك لأنه لا يدري ما ينكشف منها ألا ترى قوله: تضعين ثيابك وإذا وضعت خمارك لم يرك فلا يخشى لعماه ما يخشى من غيره من النظر لتردّده للمجاورة والملازمة ولما عليها من المشقة في التحرّز من النظر إليها، وإلى هذا أشار أبو داود وغيره.

قال الزواوي: ويحتمل أنه أباح لها الاعتداد عند ابن أم مكتوم لضرورتها إلى ذلك ولا ضرورة بأزواجه صلى الله عليه وسلم في النظر إليه مع أن قوله تعالى: { { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ } } يدل على صحة ما قاله أبو داود ومن وافقه ( فإذا حللت فآذنيني) بمدّ الهمزة أعلميني، وفي رواية لمسلم لا تفوتيني بنفسك، وفي أخرى له وأرسل إليها أن لا تسبقيني بنفسك.
قيل فيه جواز التعريض واستبعده عياض بأنه ليس في قوله آذنيني ولا تسبقيني بنفسك غير أمرها بالتربص دون تسمية زوج، والتعريض إنما هو من الزوج أو نائبه، أما المجهول فلا تعريض فيه ولا مواعدة ولو أن الوليّ أو أجنبيًا قال لها: إذا حللت زوجتك أو لا تتزوجي أحدًا حتى تشاوريني لم يكن تعريضًا ولا مواعدة في العدّة.
ولكن الحديث حجة في منع التعريض والمواعدة والخطبة في العدّة إذ لم يفعل صلى الله عليه وسلم شيئًا من ذلك وردّه الزواوي والأبي بأنّ الله قد أباح التعريض في القرآن.
قال الزواوي: والترك لا يدل على المنع لأنه قد يكون لا لمعنى من المعاني أو لعدم الحاجة إليه في ذلك الوقت أو لمعنى عادي أو طبيعي.
وقال ابن عبد البر: كره جماعة أن يقول لا تفوتيني بنفسك والحديث يردّ عليه ونظر فيه الأبي بأنه إنما كره هذا من الخاطب لنفسه أو لمن وكله ولم يكن صلى الله عليه وسلم خاطبًا لنفسه ولا لغيره.

( قالت فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان) صخر بن حرب الأموي والقول بأنه غيره قال النووي: غلط صريح ( وأبا جهم) بفتح الجيم، مكبر على المعروف ولا ينكر فيه التصغير واسمه حذيفة القرشي العدوي وهو صاحب الإنبجانية، وذكره الناس كلهم ولم ينسبوه إلا يحيى الأندلسي فقال ( بن هشام) وهو غلط، ولا يعرف في الصحابة أحد يقال له أبو جهم بن هشام، ولم يوافق يحيى على ذلك أحد من رواة الموطأ ولا غيرهم قاله عياض كابن عبد البر إلا أنه قال اسمه عامر بن حذيفة بن غانم العدوي ويقال اسمه عبيد بن حذيفة قال وفي رواية ابن القاسم: ابن هشام كرواية يحيى ( خطباني) وفي رواية لمسلم فخطبني خطاب منهم معاوية وأبو جهم ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه) بفوقية فقاف، ما بين المنكب والعنق أي أنه كثير الأسفار أو كثير الضرب للنساء.
ورجحه النووي والقرطبي لقوله في رواية لمسلم: أما أبو جهم فرجل ضراب للنساء، وفي أخرى له: وأبو الجهم فيه شدّة على النساء أو يضرب النساء أو نحو هذا، وفيه جواز ضربهنّ لإخباره عنه بهذه الصفة ولم ينهه فلعله كان يؤدّبهنّ فيما أمر الله به، وضربهنّ اليسير للأدب جائز لأنه إنما ذمّه بكثرته وتركه أفضل لأنه خلقه صلى الله عليه وسلم ولا خلاف في ضربهنّ كما أمر الله به للنشوز ومنع الاستمتاع ولا خلاف أن الإفراط ومجاوزة الحد في أدبهن ممنوع والمداومة عليه مكروهة.
وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك في حديث آخر إذ ليس من مكارم الأخلاق وفيه جواز المبالغة في الكلام واستعمال المجاز وأنها ليست كذبًا ولا توجب الحنث في الأيمان للعلم بأنه كان يضع العصا عن عاتقه في حال نومه وأكله وغيرهما ولكنه لما كثر حمله للعصا أطلق عليه هذا اللفظ مجازًا قاله عياض وغيره.

( وأما معاوية فصعلوك) بضم المهملة، فقير ( لا مال له) .
وفي رواية لمسلم إن معاوية ترب خفيف الحاذ، بالفوقية والراء، أي فقير يقال: رجل ترب أي فقير، وفيه مراعاة المال لا سيما في الزوج لأن به يقوم بحقوق المرأة وجواز عيوب الرجل لضرورة الاستشارة.
( انكحي أسامة بن زيد) الحب ابن الحب الصحابي ابن الصحابي الخليق كل منهما للإمارة بالنص النبوي.
قال عياض فيه إشارة المستشار بغير من استشير فيه قيل وجواز الخطبة على الخطبة إذا لم تكن مراكنة ونكاح من ليس بكفء لأن أسامة مولى وهي قرشية اهـ.
ويرد على قوله بغير من استشير فيه رواية مسلم من وجه آخر فخطبها معاوية وأبو جهم وأسامة فقال: أما معاوية فرجل ترب لا مال له، وأما أبو جهم فرجل ضراب للنساء، ولكن أسامة ( قالت: فكرهته) لشدة سواده ولأنه مولى ولمسلم فقالت بيدها هكذا أسامة أسامة ( ثم قال انكحي أسامة بن زيد) ولمسلم فقال لها صلى الله عليه وسلم طاعة الله وطاعة رسوله خير لك ( فنكحته فجعل الله في ذلك خيرًا واغتبطت به) بغين معجمة وفتح الفوقية والموحدة، أي حصل لي منه ما قرت عيني به وما يغبط فيه ويتمنى لقبولي نصيحة سيد أهل الفضل، وانقيادي لإشارته فكانت عاقبته حميدة.
وفي رواية لمسلم فتزوجته فشرفني الله بابن زيد وكرمني الله بابن زيد.

وفي الحديث أن البائن الحائل لا نفقة لها كقوله تعالى: { { وَإِنْ كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } } فمفهومه لو لم يكن حاملات فلا نفقة لانتفاء شرطها وهو نص الحديث، وإليه ذهب مالك والشافعي ولها السكنى عندهما لقوله تعالى: { { لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ } } وقال ابن عباس وأحمد: لا نفقة لها ولا سكنى لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس في بعض طرق الحديث في مسلم: لا نفقة ولا سكنى ولنقلها إلى بيت ابن أم مكتوم.
وقال عمر وأبو حنيفة: لها السكنى والنفقة لأنها محبوسة بسببه.
ولقوله تعالى: { { أَسْكِنُوهُنَّ } } فتجب النفقة قياسًا على السكنى وقد قال عمر لا نترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري حفظت أو نسيت لها السكنى والنفقة، قال تعالى: { { لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } } أخرجه مسلم.
قال الدارقطني: قوله: سنة نبينا غير محفوظ لم يذكرها جماعة من الثقات.
قال إسماعيل القاضي: الذي في كتاب ربنا إنما هو النفقة لأولات الحمل، وبحسب الحديث، لها السكنى لأنها موجودة في كتاب الله في قوله { { أَسْكِنُوهُنَّ } } الآية.
فلا حجة لأهل الكوفة في قول عمر والنفقة انتهى.

وقد أجيب عن قولهم أنها محبوسة بسببه بأن حبسها صيانة للنسب لا للزوج إذ لو كان له لكان له إسقاطه وليس له ذلك، وعن القياس على السكنى بالفرق بأن النفقة سببها التمكين وهو منتف والسكنى سببها الحبس عن التصرف وهو موجود وإنما نقل صلى الله عليه وسلم فاطمة لأن مكانها كان وحشًا يخاف عليها منه كما في حديث عائشة عند البخاري.
وفي مسلم عن فاطمة نفسها قلت يا رسول الله زوجي طلقني ثلاثًا وأخاف أن يقتحم عليّ فأمرها فتحوّلت.
وقال ابن المسيب لأنها كانت لسنة استطالت على أحمائها بلسانها فأمرها بالانتقال عنهم وقيل لأن البيت لم يكن لزوجها، ولو سقطت السكنى لم يقصرها عليه السلام على بيت معين قال في المفهم الأولى التعليل الأول بأنها خافت عورة المنزل، ويكون فيه دليل على أن المعتدة تنتقل لذلك وأما تعليل ابن المسيب فلا ينبغي أن يقال فيمن رغب الصحابة في زواجها واختاره المصطفى لحبه وابن حبه إذ لو كان كذلك لم يرغبوا فيها ولا اختارها لأسامة حسب ابن المسيب.

قوله تلك امرأة لسنة، أي سيئة اللسان، وأنها كانت سلطة وأنها استطالت بلسانها على أحمائها فأمرها أن تنتقل وأن هذا لخشن من القول وبينها وبينه موقف بين يدي الله تعالى كذا قال، وقد استطال على ابن المسيب وهو لا يقول ذلك بالظن، ولم ينفرد به بل وافقه سليمان بن يسار عند أبي داود بل في بعض طرق الحديث أن عائشة قالت لفاطمة: أخرجك هذا اللسان.
وقد ترجم البخاري حكم المرأة المطلقة إذا خشي عليها في مسكن زوجها أن يقتحم أو تبذو على أهله وأورد فيه أن عائشة أنكرت ذلك أي عدم السكنى.
قال الحافظ: أخذ البخاري الترجمة من مجموع ما ورد في قصة فاطمة فرتب الجواز على أحد الأمرين: إما خشية الاقتحام عليها، وإما أن يقع منها على أهل مطلقها فحش في القول، ولم ير أن بينهما معارضة لاحتمال وقوعهما معًا في شأنها اهـ.
وقد تقدم قول مروان لعائشة: إن كان بك الشر وأن معناه إن كان سبب خروجها ما وقع بينها وبين أقارب زوجها من الشر، نعم ليس المراد باستطالتها السب ولا الشتم بل كثرة الكلام وعدم المسامحة ولا ينافي ذلك رغبة الصحابة في زواجها لأنه لدينها وجمالها ونسبها وسابقتها للإسلام، وفي ذلك كانوا يرغبون.

وهذا الحديث رواه مسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي كلاهما عن مالك به، وتابعه إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن يزيد به عند أبي داود، وتابعه في شيخه أبو حازم ومحمد بن عمرو ويحيى بن أبي كثير والزهري وغيرهم عن أبي سلمة بنحوه وبعضهم يزيد على بعض في الحديث عند مسلم وغيره.

( مالك أنه سمع ابن شهاب يقول المبتوتة لا تخرج من بيتها حتى تحل) بانقضاء العدة لنص الآية ( وليست لها نفقة إلا أن تكون حاملاً فينفق عليها حتى تضع حملها) لقوله تعالى: { { وَإِنْ كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } } ودليل خطابه لا نفقة إن لم تكن حاملاً وهو نص حديث فاطمة.

( قال مالك وهذا الأمر عندنا) بالمدينة.
وفي مسلم أن مروان أرسل إلى فاطمة قبيصة بن ذؤيب يسألها عن الحديث فحدثته به فقال مروان لم يسمع هذا الحديث إلا من امرأة سنأخذ بالعصمة التي وجد الناس عليها فقالت فاطمة: بيني وبينكم كتاب الله قال تعالى: { { لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ } } الآية، قالت هذا لمن كانت له مراجعة فأي أمر يحدث بعد الثلاث فكيف تقولون لا نفقة لها إذا لم تكن حاملاً فعلام تحبسونها؟ أي سنأخذ بالأمر الذي اعتصم الناس به وعملوا عليه وروي بالقضية وله معنى متجه والصواب الأول ولا حجة لها في قولها أن الآية في الرجعية لأنها في المطلقات رجعية أو غيرها.
وقوله: لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا ليس فيه حجة لأن هذه العلة لم تأت للإخراج، وإنما جاءت للنهي عن تعدي حدود الله في الزيادة في الطلاق على واحدة قاله عياض.
قال الزواوي: وفيه تقديم عمل أهل المدينة على خبر الآحاد لأنه جعل ما وجد عليه الناس عصمة وحجة ردّ بها خبر فاطمة أي فهمها إياه على العموم لأن إخراجها كان لعلة ولذا قالت عائشة ما لفاطمة بنت قيس خير أن تذكر.
هذا الحديث رواه مسلم وغيره.



رقم الحديث 1230 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: الْمَبْتُوتَةُ لَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا، حَتَّى تَحِلَّ، وَلَيْسَتْ لَهَا نَفَقَةٌ إِلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا، فَيُنْفَقُ عَلَيْهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا.


( ما جاء في نفقة المطلقة)

( مالك عن عبد الله بن يزيد) بتحتية فزاي، المخزومي المدني الأعور الثقة المتوفى سنة ثمان وأربعين ومائة ( مولى الأسود بن سفيان) الصحابي ( عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف) القرشي الزهري إسماعيل أو عبد الله أو اسمه كنيته ( عن فاطمة بنت قيس) بن خالد القرشية الفهرية، أخت الضحاك بن قيس، وكانت أسن منه يقال بعشر سنين كانت من المهاجرات الأول ذات جمال وعقل وفي بيتها اجتمع أهل الشورى لما قتل عمر قدمت على أخيها الكوفة وهو أميرها فروى عنها الشعبي قصة الجساسة بطولها فانفردت بها مطولة وتابعها جابر وغيره ( أن أبا عمرو) بفتح العين ( بن حفص) بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي الصحابي سكن المدينة.
قال النسائي: اسمه أحمد.
وقال الأكثر: عبد الحميد.
قال عياض: وهو الأشهر وقيل اسمه كنيته وأمه درّة بنت خزاعي الثقفية خرج مع علي إلى اليمن في العهد النبوي فمات هناك ويقال: بل رجع إلى أن شهد فتوح الشام.

وفي النسائي عن ناشرة بن سمي سمعت عمر يقول: إني أعتذر لكم من عزل خالد بن الوليد فقال أبو عمرو بن حفص: عزلت عنا غلامًا استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قوله أبا عمرو بن حفص هكذا رواه مالك وابن شهاب وغيرهما وقلبه بعض الرواة فقال: إن أبا حفص بن عمرو وبعضهم قال: أبا حفص بن المغيرة قال العلماء والمحفوظ الأول ( طلقها) قال عياض: كذا الصحيح عند الجميع طلقها وإن اختلفوا في صفته هل البتة أو الثلاث أو آخرة الثلاث وما يوهمه بعض الروايات أنه مات عنها مؤوّل.
( البتة) قال في المفهم يعني بها آخرة الثلاث تطليقات كما جاء مفسرًا في الرواية الأخرى يعني في مسلم من طريق ابن شهاب عن أبي سلمة عن فاطمة أن أبا عمرو طلقها آخر ثلاث تطليقات قال وليس المراد أنه طلق بلفظ البتة وإنما سمى آخرة الثلاث البتة لأنها طلقة بنت العصمة حتى لم تبق منها شيئًا ولما كملت هذه الطلقة الثلاثة عبر عنها في بعض الروايات بالثلاث يعني رواية مسلم من طريق الشعبي عنها قالت طلقني بعلي ثلاثًا.
قال: والرواية المفسرة قاضية على غيرها وهي الصحيحة ( وهو غائب بالشام) كذا ليحيى.
وسقط عند النيسابوري وغيره بالشام.

وفي مسلم من طريق ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أبا عمرو بن حفص بن المغيرة خرج مع علي بن أبي طالب إلى اليمن فأرسل إلى فاطمة بنت قيس بتطليقة كانت بقيت من طلاقها ( فأرسل إليها وكيله بشعير) بالرفع فاعل، لأنه المرسل، كذا قال السيوطي تبعًا للنووي.
وفي مسلم من طريق أبي بكر بن الجهم سمعت فاطمة بنت قيس تقول أرسل إليَّ زوجي أبو عمرو عياش بن أبي ربيعة بطلاقي وأرسل معه بخمسة آصع من تمر وخمسة آصع من شعير فقلت: أما لي نفقة إلا هذا ولا أعتدّ في منزلكم؟ قال: لا.
وصريح هذا أن وكيله بالنصب مفعول فاعله يعود على الزوج.
قال القرطبي: فيه العمل بالوكالة وشهرتها عندهم وكان إرسال هذا الشعير متعة فحسبتها هي النفقة الواجبة عليه.
( فسخطته) ورأت أنها تستحق أكثر فأخبرها الوكيل بالحكم ( فقال والله ما لك علينا من شيء) فلم تقبل ذلك منه فشدت عليها ثيابها ( فجاءت رسول الله) وفي نسخة إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال) وفي رواية لمسلم فقال: كم طلقك؟ فقلت: ثلاثًا قال: صدق ( ليس لك عليه نفقة) لأنك بائن ولا حمل بك ( وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك) القرشية العامرية وقيل الأنصارية اسمها غزية، وقيل: غزيلة بغين معجمة مضمومة فيهما ثم زاي فيهما وتحتية ولام على الثاني، وذكرها بعضهم في أزواجه صلى الله عليه وسلم ( ثم قال تلك امرأة يغشاها أصحابي) أي يلمون بها ويردون عليها ويزورونها لصلاحها وكانت كثيرة المعروف والنفقة في سبيل الله والتضييف للغرباء من المهاجرين وغيرهم وفيه جواز نظر الفجأة إذ لا يؤمن ذلك من تكرّرهم إليها ومنع المرأة من التعرض لموضع يشق عليها فيه التحرز ممن ينظر إليها لأنها لو أقامت لشق عليها التحفظ لكثرة تكررهم إليها وطول إقامتهم وحديثهم عندها قاله عياض ( اعتدي عند عبد الله ابن أم مكتوم) القرشي العامري أسلم قديمًا والأشهر في اسم أبيه قيس بن زائدة، واسم أمه عاتكة بنت عبد الله المخزومية وكان اسمه عمرًا وقيل الحصين فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله، ولا يمتنع أنه كان له اسمان شهد القادسية في زمن عمر استشهد بها وقيل رجع إلى المدينة فمات بها ( فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده) ولا يراك.
وفي مسلم من وجه آخر عن أبي سلمة عنها عنه صلى الله عليه وسلم فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك وأخذ منه جواز نظر المرأة من الرجل ما لا يجوز أن ينظر منها كرأسها وموضع الخصر منها.
وعورض بما رواه أبو داود والترمذي وحسنه عن نبهان عن أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم قال لها ولميمونة وقد دخل عليهما ابن أم مكتوم: احتجبا منه فقالتا إنه أعمى فقال صلى الله عليه وسلم أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه؟ وأجاب عياض بأنه تغليظ على أزواجه في الحجاب لحرمتهن فكما غلظ الحجاب على الرجال فيهن غلظ عليهن أن ينظرن إلى الرجال ولا خلاف أن على المرأة أن تغض بصرها كما على الرجل غضه كما نص الله.
وإنما خص ابن أم مكتوم بذلك لأنه لا يدري ما ينكشف منها ألا ترى قوله: تضعين ثيابك وإذا وضعت خمارك لم يرك فلا يخشى لعماه ما يخشى من غيره من النظر لتردّده للمجاورة والملازمة ولما عليها من المشقة في التحرّز من النظر إليها، وإلى هذا أشار أبو داود وغيره.

قال الزواوي: ويحتمل أنه أباح لها الاعتداد عند ابن أم مكتوم لضرورتها إلى ذلك ولا ضرورة بأزواجه صلى الله عليه وسلم في النظر إليه مع أن قوله تعالى: { { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ } } يدل على صحة ما قاله أبو داود ومن وافقه ( فإذا حللت فآذنيني) بمدّ الهمزة أعلميني، وفي رواية لمسلم لا تفوتيني بنفسك، وفي أخرى له وأرسل إليها أن لا تسبقيني بنفسك.
قيل فيه جواز التعريض واستبعده عياض بأنه ليس في قوله آذنيني ولا تسبقيني بنفسك غير أمرها بالتربص دون تسمية زوج، والتعريض إنما هو من الزوج أو نائبه، أما المجهول فلا تعريض فيه ولا مواعدة ولو أن الوليّ أو أجنبيًا قال لها: إذا حللت زوجتك أو لا تتزوجي أحدًا حتى تشاوريني لم يكن تعريضًا ولا مواعدة في العدّة.
ولكن الحديث حجة في منع التعريض والمواعدة والخطبة في العدّة إذ لم يفعل صلى الله عليه وسلم شيئًا من ذلك وردّه الزواوي والأبي بأنّ الله قد أباح التعريض في القرآن.
قال الزواوي: والترك لا يدل على المنع لأنه قد يكون لا لمعنى من المعاني أو لعدم الحاجة إليه في ذلك الوقت أو لمعنى عادي أو طبيعي.
وقال ابن عبد البر: كره جماعة أن يقول لا تفوتيني بنفسك والحديث يردّ عليه ونظر فيه الأبي بأنه إنما كره هذا من الخاطب لنفسه أو لمن وكله ولم يكن صلى الله عليه وسلم خاطبًا لنفسه ولا لغيره.

( قالت فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان) صخر بن حرب الأموي والقول بأنه غيره قال النووي: غلط صريح ( وأبا جهم) بفتح الجيم، مكبر على المعروف ولا ينكر فيه التصغير واسمه حذيفة القرشي العدوي وهو صاحب الإنبجانية، وذكره الناس كلهم ولم ينسبوه إلا يحيى الأندلسي فقال ( بن هشام) وهو غلط، ولا يعرف في الصحابة أحد يقال له أبو جهم بن هشام، ولم يوافق يحيى على ذلك أحد من رواة الموطأ ولا غيرهم قاله عياض كابن عبد البر إلا أنه قال اسمه عامر بن حذيفة بن غانم العدوي ويقال اسمه عبيد بن حذيفة قال وفي رواية ابن القاسم: ابن هشام كرواية يحيى ( خطباني) وفي رواية لمسلم فخطبني خطاب منهم معاوية وأبو جهم ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه) بفوقية فقاف، ما بين المنكب والعنق أي أنه كثير الأسفار أو كثير الضرب للنساء.
ورجحه النووي والقرطبي لقوله في رواية لمسلم: أما أبو جهم فرجل ضراب للنساء، وفي أخرى له: وأبو الجهم فيه شدّة على النساء أو يضرب النساء أو نحو هذا، وفيه جواز ضربهنّ لإخباره عنه بهذه الصفة ولم ينهه فلعله كان يؤدّبهنّ فيما أمر الله به، وضربهنّ اليسير للأدب جائز لأنه إنما ذمّه بكثرته وتركه أفضل لأنه خلقه صلى الله عليه وسلم ولا خلاف في ضربهنّ كما أمر الله به للنشوز ومنع الاستمتاع ولا خلاف أن الإفراط ومجاوزة الحد في أدبهن ممنوع والمداومة عليه مكروهة.
وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك في حديث آخر إذ ليس من مكارم الأخلاق وفيه جواز المبالغة في الكلام واستعمال المجاز وأنها ليست كذبًا ولا توجب الحنث في الأيمان للعلم بأنه كان يضع العصا عن عاتقه في حال نومه وأكله وغيرهما ولكنه لما كثر حمله للعصا أطلق عليه هذا اللفظ مجازًا قاله عياض وغيره.

( وأما معاوية فصعلوك) بضم المهملة، فقير ( لا مال له) .
وفي رواية لمسلم إن معاوية ترب خفيف الحاذ، بالفوقية والراء، أي فقير يقال: رجل ترب أي فقير، وفيه مراعاة المال لا سيما في الزوج لأن به يقوم بحقوق المرأة وجواز عيوب الرجل لضرورة الاستشارة.
( انكحي أسامة بن زيد) الحب ابن الحب الصحابي ابن الصحابي الخليق كل منهما للإمارة بالنص النبوي.
قال عياض فيه إشارة المستشار بغير من استشير فيه قيل وجواز الخطبة على الخطبة إذا لم تكن مراكنة ونكاح من ليس بكفء لأن أسامة مولى وهي قرشية اهـ.
ويرد على قوله بغير من استشير فيه رواية مسلم من وجه آخر فخطبها معاوية وأبو جهم وأسامة فقال: أما معاوية فرجل ترب لا مال له، وأما أبو جهم فرجل ضراب للنساء، ولكن أسامة ( قالت: فكرهته) لشدة سواده ولأنه مولى ولمسلم فقالت بيدها هكذا أسامة أسامة ( ثم قال انكحي أسامة بن زيد) ولمسلم فقال لها صلى الله عليه وسلم طاعة الله وطاعة رسوله خير لك ( فنكحته فجعل الله في ذلك خيرًا واغتبطت به) بغين معجمة وفتح الفوقية والموحدة، أي حصل لي منه ما قرت عيني به وما يغبط فيه ويتمنى لقبولي نصيحة سيد أهل الفضل، وانقيادي لإشارته فكانت عاقبته حميدة.
وفي رواية لمسلم فتزوجته فشرفني الله بابن زيد وكرمني الله بابن زيد.

وفي الحديث أن البائن الحائل لا نفقة لها كقوله تعالى: { { وَإِنْ كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } } فمفهومه لو لم يكن حاملات فلا نفقة لانتفاء شرطها وهو نص الحديث، وإليه ذهب مالك والشافعي ولها السكنى عندهما لقوله تعالى: { { لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ } } وقال ابن عباس وأحمد: لا نفقة لها ولا سكنى لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس في بعض طرق الحديث في مسلم: لا نفقة ولا سكنى ولنقلها إلى بيت ابن أم مكتوم.
وقال عمر وأبو حنيفة: لها السكنى والنفقة لأنها محبوسة بسببه.
ولقوله تعالى: { { أَسْكِنُوهُنَّ } } فتجب النفقة قياسًا على السكنى وقد قال عمر لا نترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري حفظت أو نسيت لها السكنى والنفقة، قال تعالى: { { لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } } أخرجه مسلم.
قال الدارقطني: قوله: سنة نبينا غير محفوظ لم يذكرها جماعة من الثقات.
قال إسماعيل القاضي: الذي في كتاب ربنا إنما هو النفقة لأولات الحمل، وبحسب الحديث، لها السكنى لأنها موجودة في كتاب الله في قوله { { أَسْكِنُوهُنَّ } } الآية.
فلا حجة لأهل الكوفة في قول عمر والنفقة انتهى.

وقد أجيب عن قولهم أنها محبوسة بسببه بأن حبسها صيانة للنسب لا للزوج إذ لو كان له لكان له إسقاطه وليس له ذلك، وعن القياس على السكنى بالفرق بأن النفقة سببها التمكين وهو منتف والسكنى سببها الحبس عن التصرف وهو موجود وإنما نقل صلى الله عليه وسلم فاطمة لأن مكانها كان وحشًا يخاف عليها منه كما في حديث عائشة عند البخاري.
وفي مسلم عن فاطمة نفسها قلت يا رسول الله زوجي طلقني ثلاثًا وأخاف أن يقتحم عليّ فأمرها فتحوّلت.
وقال ابن المسيب لأنها كانت لسنة استطالت على أحمائها بلسانها فأمرها بالانتقال عنهم وقيل لأن البيت لم يكن لزوجها، ولو سقطت السكنى لم يقصرها عليه السلام على بيت معين قال في المفهم الأولى التعليل الأول بأنها خافت عورة المنزل، ويكون فيه دليل على أن المعتدة تنتقل لذلك وأما تعليل ابن المسيب فلا ينبغي أن يقال فيمن رغب الصحابة في زواجها واختاره المصطفى لحبه وابن حبه إذ لو كان كذلك لم يرغبوا فيها ولا اختارها لأسامة حسب ابن المسيب.

قوله تلك امرأة لسنة، أي سيئة اللسان، وأنها كانت سلطة وأنها استطالت بلسانها على أحمائها فأمرها أن تنتقل وأن هذا لخشن من القول وبينها وبينه موقف بين يدي الله تعالى كذا قال، وقد استطال على ابن المسيب وهو لا يقول ذلك بالظن، ولم ينفرد به بل وافقه سليمان بن يسار عند أبي داود بل في بعض طرق الحديث أن عائشة قالت لفاطمة: أخرجك هذا اللسان.
وقد ترجم البخاري حكم المرأة المطلقة إذا خشي عليها في مسكن زوجها أن يقتحم أو تبذو على أهله وأورد فيه أن عائشة أنكرت ذلك أي عدم السكنى.
قال الحافظ: أخذ البخاري الترجمة من مجموع ما ورد في قصة فاطمة فرتب الجواز على أحد الأمرين: إما خشية الاقتحام عليها، وإما أن يقع منها على أهل مطلقها فحش في القول، ولم ير أن بينهما معارضة لاحتمال وقوعهما معًا في شأنها اهـ.
وقد تقدم قول مروان لعائشة: إن كان بك الشر وأن معناه إن كان سبب خروجها ما وقع بينها وبين أقارب زوجها من الشر، نعم ليس المراد باستطالتها السب ولا الشتم بل كثرة الكلام وعدم المسامحة ولا ينافي ذلك رغبة الصحابة في زواجها لأنه لدينها وجمالها ونسبها وسابقتها للإسلام، وفي ذلك كانوا يرغبون.

وهذا الحديث رواه مسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي كلاهما عن مالك به، وتابعه إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن يزيد به عند أبي داود، وتابعه في شيخه أبو حازم ومحمد بن عمرو ويحيى بن أبي كثير والزهري وغيرهم عن أبي سلمة بنحوه وبعضهم يزيد على بعض في الحديث عند مسلم وغيره.

( مالك أنه سمع ابن شهاب يقول المبتوتة لا تخرج من بيتها حتى تحل) بانقضاء العدة لنص الآية ( وليست لها نفقة إلا أن تكون حاملاً فينفق عليها حتى تضع حملها) لقوله تعالى: { { وَإِنْ كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } } ودليل خطابه لا نفقة إن لم تكن حاملاً وهو نص حديث فاطمة.

( قال مالك وهذا الأمر عندنا) بالمدينة.
وفي مسلم أن مروان أرسل إلى فاطمة قبيصة بن ذؤيب يسألها عن الحديث فحدثته به فقال مروان لم يسمع هذا الحديث إلا من امرأة سنأخذ بالعصمة التي وجد الناس عليها فقالت فاطمة: بيني وبينكم كتاب الله قال تعالى: { { لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ } } الآية، قالت هذا لمن كانت له مراجعة فأي أمر يحدث بعد الثلاث فكيف تقولون لا نفقة لها إذا لم تكن حاملاً فعلام تحبسونها؟ أي سنأخذ بالأمر الذي اعتصم الناس به وعملوا عليه وروي بالقضية وله معنى متجه والصواب الأول ولا حجة لها في قولها أن الآية في الرجعية لأنها في المطلقات رجعية أو غيرها.
وقوله: لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا ليس فيه حجة لأن هذه العلة لم تأت للإخراج، وإنما جاءت للنهي عن تعدي حدود الله في الزيادة في الطلاق على واحدة قاله عياض.
قال الزواوي: وفيه تقديم عمل أهل المدينة على خبر الآحاد لأنه جعل ما وجد عليه الناس عصمة وحجة ردّ بها خبر فاطمة أي فهمها إياه على العموم لأن إخراجها كان لعلة ولذا قالت عائشة ما لفاطمة بنت قيس خير أن تذكر.
هذا الحديث رواه مسلم وغيره.