فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْإِحْدَادِ

رقم الحديث 1269 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الثَّلَاثَةَ: قَالَتْ زَيْنَبُ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٌ أَوْ غَيْرُهُ فَدَهَنَتْ بِهِ جَارِيَةً ثُمَّ مَسَحَتْ بِعَارِضَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيْتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا.
قَالَتْ زَيْنَبُ ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا، فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ حَاجَةٌ، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيْتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا.
قَالَتْ زَيْنَبُ: وَسَمِعْتُ أُمِّي أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا أَفَتَكْحُلُهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: لَا ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ.
قَالَ حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ: فَقُلْتُ لِزَيْنَبَ: وَمَا تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ؟ فَقَالَتْ زَيْنَبُ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، دَخَلَتْ حِفْشًا، وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا، وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا، وَلَا شَيْئًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ، ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَيْرٍ فَتَفْتَضُّ بِهِ، فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ إِلَّا مَاتَ، ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعْرَةً، فَتَرْمِي بِهَا، ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ مالِكٍ: وَالْحِفْشُ: الْبَيْتُ الرَّدِيءُ، وَتَفْتَضُّ تَمْسَحُ بِهِ جِلْدَهَا كَالنُّشْرَةِ.


( مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) بفتح المهملة وسكون الزاي ( عن حميد بن نافع) الأنصاري أبي أفلح المدني التابعي ( عن زينب بنت أبي سلمة) بن عبد الأسد المخزومية الصحابية ربيبته صلى الله عليه وسلم ماتت سنة ثلاث وسبعين ( أنها أخبرته) أي حميدًا ( هذه الأحاديث الثلاثة) التي بينتها له حيث ( قالت زينب دخلت على أم حبيبة) رملة ( زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها أبو سفيان) صخر ( بن حرب) سنة اثنين وثلاثين عند الجمهور، وقيل سنة ثلاث.
ووقع عند البخاري في الجنائز من رواية ابن عيينة لما جاء نعي أبي سفيان من الشام.
قال الحافظ: وفيه نظر لأنه مات بالمدينة بلا خلاف بين أهل الأخبار ولم أر في شيء من طرق هذا الحديث تقييده بذلك إلا في رواية ابن عيينة هذه وأظنها وهمًا.
ولابن أبي شيبة والدارمي من طريق شعبة عن نافع جاء نعي لأخي أم حبيبة أو حميم لها فدعت بصفرة فلطخت به ذراعها.

ورواه أحمد بلفظ أن حميمًا لها مات بلا تردد وإطلاق الحميم على الأخ أقرب من إطلاقه على الأب فقوى الظن أن القصة تعددت لزينب مع أم حبيبة لما جاءها نعي أخيها من الشام سنة ثمان عشرة أو تسع عشرة ثم عند وفاة أبيها أبي سفيان بالمدينة لا مانع من ذلك.
( فدعت أم حبيبة بطيب) أي طلبت طيبًا ( فيه صفرة خلوق) بوزن صبور نوع من الطيب ( أو غيره) برفعهما وجرهما روايتان اقتصر النووي على الأولى ( فدهنت به جارية) بالنصب.
قال الحافظ لم أعرف اسمها ( ثم مسحت) أم حبيبة ( بعارضيها) أي جانبي وجهها، وجعل العارضين ماسحين تجوز والظاهر أنها جعلت الصفرة في يديها ومسحتها بعارضيها والباء للإلصاق أو الاستعانة، ومسح يتعدى بنفسه وبالباء تقول: مسحت برأسي ورأسي.

وفي الإكمال قال ابن دريد العارضان صفحتا العنق وما بعد الأسنان وفي كتاب العين عارضة الوجه ما يبدو منه ومبسما الفم والثنايا والمراد هنا الأول وفي المفهم العوارض ما بعد الأسنان أطلقت في الخدين هنا مجازًا لأنهما عليهما فهو من مجاز المجاورة أو تسمية الشيء بما كان من سببه زاد في رواية لهما وذراعيها ( ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة) وفي رواية بزيادة من ( غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) نفي بمعنى النهي على سبيل التأكيد ( أن تحد) بضم أوله وكسر الحاء من الرباعي، ولم يعرف الأصمعي سواه، وحكى غيره فتح أوله وضم ثانيه من الثلاثي، يقال: حدت المرأة وأحدت بمعنى ( على ميت فوق ثلاث ليال) فلها أن تحد على القريب ثلاثًا فأقل فإن مات في بقية يوم أو بقية ليلة ألغت تلك البقية وعدت الثلاث من الليلة المستقبلة قاله القرطبي، والمصدر المنسبك من أن تحد فاعل يحل وفوق ظرف زمان لأنه أضيف إلى زمان ( إلا على زوج) إيجاب للنفي والجار والمجرور متعلق بتحد فالاستثناء مفرغ ( أربعة أشهر وعشرًا) أي أيامها عند الجمهور فلا تحل حتى تدخل الليلة الحادية عشر فأنث العدد لإرادة المدة أو أريد الأيام بلياليها خلافًا للأوزاعي وغيره أنها عشر ليال فتحل في اليوم العاشر ولولا الاتفاق على وجوب إحداد المتوفى عنها لكان ظاهر الحديث الإباحة لأنه استثنى من عموم الحظر.
وأشار الباجي إلى أنه من عموم الأمر بعد الحظر فيحمل على الندب عند من يقول ذلك من الأصوليين، وليس الحديث من ذلك إذ ليس فيه أمر بعد حظر إنما هو استثناه من الحظر واختلف في الحامل يزيد عليها هل عليها الإحداد في الزيادة حتى تضع أو لا يلزمها إحداد في الزيادة لظاهر الحديث قاله عياض.

( قالت زينب) بالسند السابق وهذا الحديث الثاني ( ثم دخلت على زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أخوها) عبد الله بن جحش كما سمي في كثير من الموطآت كابن وهب وغيره عند الدارقطني وأبي مصعب عند ابن حبان لكن استشكل بأن عبد الله استشهد بأحد وزينب حينئذ صغيرة جدًا لأن أباها مات بعد بدر، وأن أمها حلت بوضعها وتزوج صلى الله عليه وسلم أمها وهي صغيرة.
وأجيب بأن ابن عبد البر وغيره حكوا أن زينب ولدت بأرض الحبشة ومقتضاه أن يكون لها عند وفاة عبد الله بن جحش أربع سنين ومثلها يضبط ذلك ويميزه، ويجوز أن يراد بالأخ عبيد الله المصغر الذي تنصر ومات بأرض الحبشة فتزوج صلى الله عليه وسلم بعده أم حبيبة، فإن زينب ابنة أبي سلمة كانت مميزة لما جاء خبر وفاته وقد يحزن المرء على قريبه الكافر لا سيما إذا تذكر سوء مصيره، ولعل ما وقع في تلك الموطآت عبد الله بالتكبير كان عبيد الله بتصغير العبد فلم يضبطه الكاتب، ويجوز أن يراد أخ لها من أمها أو من الرضاعة وأما أخوها أبو أحمد بن جحش واسمه عبد بلا إضافة كان شاعرًا أعمى فمات بعد أخته زينب بنت جحش بسنة كما جزم به ابن إسحاق وغيره وحضر جنازة أخته وراجع عمر في شيء بسببها كما عند ابن سعد فلا يصح إرادته هنا هذا ولفظ ثم هنا لترتيب الأخبار لا لترتيب الوقائع لأن زينب ابنة جحش ماتت قبل أبي سفيان بأكثر من عشر سنين على الصحيح المشهور ( فدعت بطيب فمست منه) وفي رواية به أي شيئًا من جسدها.

( ثم قالت:) زاد التنيسي أما بالتخفيف ( والله ما لي بالطيب حاجة) ولابن يوسف بزيادة من ( غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:) زاد التنيسي على المنبر ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) هو من خطاب التصحيح لأن المؤمن هو الذي ينتفع بالخطاب وينقاد له فهذا الوصف لتأكيد التحريم لما يقتضيه سياقه ومفهومه أن خلافه مناف للإيمان كما قال تعالى { { وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } } فإنه يقتضي تأكيد أمر التوكل بربطه بالإيمان ( تحد) بضم فكسر وبفتح فضم وحذف أن الناصبة ورفع الفعل وهو مقيس ( على ميت فوق ثلاث ليال) قال ابن بطال: أباح الشارع للمرأة أن تحد على غير الزوج ثلاثة أيام لما يغلب من لوعة الحزن ويهجم من أليم الوجد وليس ذلك واجبًا للاتفاق على أن الزوج لو طالبها بالجماع لم يحل لها منعه في تلك الحالة ( إلا على زوج) فتحد عليه ( أربعة أشهر وعشرًا) فالظرف متعلق بمحذوف في المستثنى دل عليه المذكور في المستثنى منه والاستثناء متصل إن جعل بيانًا لقوله فوق ثلاث ليال، فالمعنى لا يحل لامرأة تحد أربعة أشهر وعشرًا على ميت إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا وإن جعل معمولاً لتحد مضمرًا فهو منقطع أي لكن تحد على زوج أربعة أشهر وعشرًا قالوا: وحكمة هذا العدد أن الولد يتكامل خلقه في مائة وعشرين يومًا وهي تزيد على أربعة أشهر لنقص الأهلة فجبر الكسر إلى العقد احتياطًا.

( قالت زينب) بالسند السابق وهذا هو الحديث الثالث ( وسمعت) أمي ( أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: جاءت امرأة) هي عاتكة بنت نعيم بن عبد الله بن النحام كما في معرفة الصحابة لأبي نعيم ( إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها) المغيرة المخزومي، رواه إسماعيل القاضي في الأحكام وروى الإسماعيلي في تأليفه مسند يحيى بن سعيد الأنصاري عنه عن حميد بن نافع عن زينب عن أمها قالت: جاءت امرأة من قريش قال يحيى: لا أدري ابنة النحام أو أمها بنت سعد ورواه الإسماعيلي من طرق كثيرة فيها التصريح بأن البنت عاتكة فعلى هذا فأمها لم تسم قاله الحافظ ( وقد اشتكت) هي أي ابنتي ( عينيها) بالتثنية والنصب مفعول وفي رواية التنيسي عينها بالإفراد والنصب أيضًا كما رجحه المنذري بدليل التثنية بالنصب وبالرفع على الفاعلية، واقتصر النووي عليه ونسبت الشكاية إلى نفس العين مجازًا، وزعم الحريري أن الصواب النصب وأن الرفع لحن ورد بأنه يؤيد الرفع أن في رواية لمسلم اشتكت عيناها بالتثنية إلا أن يجيب بأنه على لغة من يعرب المثنى في الأحوال الثلاث بحركات مقدرة ( أفتكحلهما) بضم الحاء وهو مما جاء مضمومًا وإن كانت عينه حرف حلق ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا) تكحلهما قال ذلك ( مرتين أو ثلاثًا كل ذلك يقول لا) تأكيدًا للمنع ويأتي في حديث أم سلمة أنه قال اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار.
وجمع بينهما بأنه صلى الله عليه وسلم لم يتحقق الخوف هنا على عينيها إذ لو تحققه لأباحه لها لأن المنع مع الضرورة حرج وإنما فهم عنها إنما ذكرته اعتذارًا لا على وجه أن الخوف ثبت وبأن المنع منه عند عدم الحاجة ولو بالليل فإن اضطر إليه جاز بالليل دون النهار، وأما النهي فإنما هو ندب لتركه لا على الوجوب قاله عياض وغيره ( ثم قال: إنما هي) أي العدة ( أربعة أشهر وعشرًا) بالنصب على حكاية لفظ القرآن وفي رواية أربعة بالرفع على الأصل والمراد تقليل المدة وتهوين الصبر عما منعت منه وهو الاكتحال في العدة ولذا قال: ( وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة) بفتح الموحدة والعين وتسكن، واحدة البعر والجمع أبعار رجيع ذي الخف والظلف وفي ذكر الجاهلية إشارة إلى أن الإسلام صار بخلافه لكن التقدير بقوله ( على رأس الحول) استمر في الإسلام مدة لقوله تعالى { { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ } } ثم نسخ بقوله { { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } } والناسخ مقدم تلاوة متأخر نزولاً ولم يوجد في سورة واحدة إلا في هذه وأما من سورتين فموجود قاله عياض وقال غيره مثله سيقول السفهاء مع قوله { { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ } }

والحديث يدل على النسخ وقيل: هو حض للأزواج على الوصية بتمام السنة لمن لا ترث واختلف كيف كان قبل النسخ فقيل كانت النفقة والسكنى من مال الميت فنسخت النفقة بآية المواريث والحول بالأربعة وعشر وقيل كانت مخيرة في المقام فلها النفقة والخروج فلا شيء لها.
وقال مجاهد: كانت تعتد عند أهل زوجها سنة واجبة فأنزل الله { { مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } } والعدة عليها باقية فجعل لها تمام الحول وصية إن شاءت سكنت وإن شاءت خرجت.

( قال حميد بن نافع) بالإسناد السابق ( فقلت لزينب) بنت أبي سلمة ( وما) معنى قوله صلى الله عليه وسلم ( ترمي بالبعرة على رأس الحول فقالت زينب كانت المرأة) في الجاهلية ( إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشًا) بكسر الحاء المهملة وسكون الفاء وشين معجمة، بيتًا رديئًا كما يأتي وفي رواية النسائي عمدت إلى شر بيت لها فجلست فيه ( ولبست شر ثيابها) أردأها، وهذه تفسير للرواية الأخرى في الصحيحين: شر أحلاسها، بمهملتين جمع حلس بكسر فسكون، ثوب أو كساء رقيق يجعل على ظهر الدابة تحت البردعة ( ولم تمسس) بفتح أوله وسكون الميم، وفي رواية ولم تمس بفتحهما بالإدغام ( طيبا ولا شيئًا) تتزين به ( حتى تمر بها سنة) من موت زوجها ( ثم تؤتى) بضم أوله وفتح ثالثه ( بدابة حمار) بالجر والتنوين بدل ( أو شاة أو طير) بأو للتنويع، وإطلاق الدابة عليهما حقيقة لغوية قال المجد الدابة ما دب من الحيوان وغلب على ما يركب ويقع على المذكر ( فتفتض به) بفاء ففوقية ففاء ثانية ساكنة ففوقية أخرى فضاد معجمة ثقيلة ( فقلما تفتض بشيء) مما ذكر، وما مصدرية أي افتضاضها بشيء ( إلا مات ثم تخرج فتعطى) بضم الفوقية وفتح الطاء ( بعرة) من بعر الإبل أو الغنم ( فترمي بها) أمامها فيكون ذلك إحلالاً لها، كذا في رواية ابن الماجشون عن مالك.
وفي رواية ابن وهب عنه من وراء ظهرها إشارة إلى أن ما فعلته من التربص والصبر على البلاء الذي كانت فيه هين بالنسبة إلى فقد زوجها وما يستحقه من المراعاة كما يهون الرامي بالبعرة بها ( ثم تراجع) بضم الفوقية فراء فألف فجيم مكسورة فمهملة ( بعد) أي بعد ما ذكر من الافتضاض والرمي ( ما شاءت من طيب أو غيره) مما كانت ممنوعة منه في العدة وهذا التفسير لم تسنده زينب.

وساقه شعبة عن حميد بن نافع مرفوعًا ولفظه في الصحيحين عن زينب عن أمها: أن امرأة توفي زوجها فخافوا على عينيها فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنوه في الكحل فقال: لا قد كانت إحداكن تكون في شر بيتها في أحلاسها أو شرسها فإذا كان حول فمر كلب رمت ببعرة فخرجت أفلا أربعة أشهر وعشرًا قال الحافظ: حديث الباب لا يقتضي الإدراج في رواية شعبة لأنه من أحفظ الناس فلا يقضى على روايته برواية غيره بالاحتمال اهـ.
وقد يرد عليه أن ذلك ليس بالاحتمال فقد صرح هو في شارح نخبته تبعًا لغيره بأن مما يعرف به الإدراج مجيء رواية مبينة للقدر المدرج، وما هنا من ذلك فإن رواية مالك عن شيخه عن حميد بينت أن التفسير من زينب وكون شعبة من الحفاظ لا يقتضي أنه لا يروي ما فيه المدرج فلم تزل الحفاظ يروونه كثيرًا كابن شهاب وغيره.

( قال مالك والحفش البيت الرديء) وللقعنبي عنه الصغير جدًا وهما بمعنى فرداءته لصغره ولابن القاسم عنه الحفش الخص وهو بضم المعجمة ومهملة وللشافعي الذليل الشعث البناء وفي المعلم الحفش البيت الحقير.
وفي الحديث أنه قال في الذي بعثه ساعيًا على الزكاة: هلا قعد في حفش أمه ينظر هل يهدى إليه أم لا؟ وقيل: الحفش البيت الذليل القصير السمك، شبهه به لضيقه، والتحفش: الانضمام والاجتماع زاد عياض وقيل: الحفش شبه القفة من الخوص تجمع المرأة فيها غزلها وأسبابها ( و) معنى ( تفتض تمسح به جلدها كالنشرة) قال ابن وهب: معناه تمسح بيدها عليه أو على ظهره، وقيل معناه تمسح به ثم تفتض أي تغتسل بالماء العذب والافتضاض الاغتسال بالماء العذب للإنقاء حتى تصير كالفضة وقال الأخفش: معناه تتنظف وتنتقي مأخوذ من الفضة تشبيهًا بنقائها وبياضها.
وقال ابن قتيبة: سألت الحجازيين عن الافتضاض فقالوا: كانت المعتدة لا تغتسل ولا تمس طيبًا ولا تقلم ظفرًا ولا تزيل شعرًا ثم تخرج بعد الحول في أشر منظر ثم تفتض أي تكسر ما هي فيه من العدة بطائر تمسح به قبلها وتنبذه فلا يكاد يعيش، وهذا أخص من تفسير مالك لأنه أطلق الجلد وهذا قيده بجلد القبل.
وعند النسائي تقبض: بقاف فموحدة فمهملة مخففة، وهي رواية الشافعي.
قال ابن الأثير: هو كناية عن الإسراع أي تذهب بعدو وسرعة نحو منزل أبويها لكثرة حيائها بقبح منظرها أو لشدة شوقها إلى التزويج لبعد عهدها به.
قال: والمشهور في الرواية الفاء والفوقية والضاد المعجمة.

وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي والترمذي من طريق معن بن عيسى، وأبو داود والترمذي أيضًا، والنسائي من طريق ابن القاسم خمستهم عن مالك به وتابعه جماعة وله طرق عندهم.

( مالك عن نافع) مولى ابن عمر ( عن صفية بنت أبي عبيد) زوجة سيده ( عن عائشة وحفصة زوجي النبي صلى الله عليه وسلم) هكذا ليحيى وأبي مصعب، وطائفة بالواو.
ولابن بكير والقعنبي وآخرين عن عائشة أو حفصة على الشك وكذا رواه عبد الله بن دينار والليث بن سعد كلاهما عن نافع بالشك، ورواه يحيى بن سعيد عن نافع عن صفية عن حفصة وحدها ورواه عبيد الله عن نافع عن صفية عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أخرج ذلك كله مسلم.
( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) نفي بمعنى النهي والتقييد بذلك خرج مخرج الغالب كما يقال: هذا طريق المسلمين مع أنه يسلكه غيرهم فالكتابية كذلك عند الجمهور، وهو المشهور عن مالك وقال أبو حنيفة والكوفيون ومالك في رواية، وابن نافع وابن كنانة وأشهب وأبو ثور: لا إحداد عليها لظاهر الحديث وأجيب بأنه للغالب أو لأن المؤمنة هي التي تنتفع بالخطاب وتنقاد فهذا الوصف لتأكيد التحريم وتغليظه وقد خالف أبو حنيفة قاعدته في إنكاره المفاهيم ( أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج) فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا كما زاده في رواية يحيى بن سعيد عن نافع عند مسلم، والحديث يعم كل زوجة صغيرة أو كبيرة حرة أو أمة مدخولاً بها أم لا عند الجمهور.
وقال أبو حنيفة لا إحداد على صغيرة ولا أمة زوجة.

وعموم الحديث حجة عليه فبالوجه الذي يلزمها العدة يلزمها الإحداد ولهذا الوجه اعتدت غير المدخول بها في الوفاة استظهارًا لحجة الزوج بعد موته إذ لو كان حيًا لبين أنه دخل بها كما لا يحكم عليه بالدين حتى تستظهر له بيمين الطالب.
قالوا: وهي الحكمة في جعل عدة الوفاة أزيد من عدة المطلقة لأنه لما عدم الزوج استظهر له بأتم وجوه البراءة وهي الأربعة أشهر وعشر لأنه الأمر الذي يتبين فيه الحمل فبعد الرابع ينفخ فيه الروح وزيدت العشر حتى تتبين حركته ولذا جعلت عدتها بالزمان الذي يشترك في معرفته الجميع ولم توكل إلى أمانة النساء فتجعل بالإقراء كالمطلقات كل ذلك حوطة للميت لعدم المحامي عنه ولزمت عدة الوفاة الصغيرة لأن كون الزوجة صغيرة نادر فشملهن الحكم وعمتهن الحوطة ثم قوله إلا على زوج إيجاب بعد النفي فيقتضي حصر الإحداد في المتوفى عنها فلا إحداد على مطلقة عند الأكثر، ومالك والشافعي رجعية كانت أو بائنة أو مثلثة، واستحبه أحمد والشافعي للرجعية وأوجبه أبو حنيفة والكوفيون على المثلثة.
وشذ الحسن وحده فقال: لا إحداد على متوفى عنها ولا على مطلقة ولولا الاتفاق على وجوب الإحداد لكان ظاهر الحديث الإباحة لأنه استثناء من عموم المنع قاله القاضي عياض، وأجيب بأن حديث التي شكت عينها المتقدم دل على الوجوب وإلا لم يمتنع التداوي المباح، وبأن السياق أيضًا يدل على الوجوب فإن كل ممنوع منه إذا دل دليل على جوازه كان ذلك الدليل بعينه دالاً على الوجوب، ويرشح ذلك هنا زيادة مسلم في بعض طرقه بعد قوله: إلا على زوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا فإنه أمر بلفظ الخبر إذ ليس المراد معنى الخبر فإن المرأة قد لا تحد فهو على حد قوله تعالى { { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ } } والمراد به الأمر اتفاقًا.
وفي المفهم القائل بوجوب الإحداد على المطلقة ثلاثًا إن قاسه على المتوفى عنها فلا يصح للحصر الذي اقتضاه الحديث، وأيضًا فعلى أن عدة الوفاة تعبدية يمتنع القياس وكذا على أنها معقولة لوضوح الفرق بأن الإحداد إنما هو مبالغة في التحرز على المرأة من النكاح بتعاطي أسبابه لعدم الزوج وفي الطلاق الزوج حي فهو يبحث ويحتاط لنفسه.

( مالك أنه بلغه أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لامرأة حاد) بشد الدال ( على زوجها اشتكت عينيها) بالتثنية ( فبلغ ذلك) الوجع المفهوم من اشتكت ( منها) مبلغًا قويًا ( اكتحلي بكحل الجلاء) بكسر الجيم والمد كحل خاص ( بالليل وامسحيه بالنهار) فأفتتها بما أفتاها به صلى الله عليه وسلم كما يأتي ( مالك أنه بلغه عن سالم بن عبد الله وسليمان بن يسار أنهما كانا يقولان في المرأة يتوفى عنها زوجها إنها إذا خشيت على بصرها من رمد أو شكو) بفتح فسكون ( أصابها أنها تكتحل وتتداوى بدواء أو كحل وإن كان فيه طيب) لأن الضرورة تبيح المحظور ( قال مالك: وإذا كانت الضرورة) أي وجدت ( فإن دين الله يسر) كما قال تعالى { { يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } } فتكتحل وإن كان فيه طيب ليلاً وتمسحه نهارًا وأما حديث المرأة التي قالت إن ابنتي اشتكت عينها أفأكحلها فقال صلى الله عليه وسلم: لا قالت: إني أخشى أن تنفقئ عينها قال: وإن انفقأت، رواه قاسم بن أصبغ وابن منده بإسناد صحيح فأجيب باحتمال أنه كان يحصل لها البرء بغير الكحل كالتضميد بالصبر وبأنه فهم أنها ذكرت ذلك اعتذارًا لا أن الخوف ثبت حقيقة إذ لو تحققه لأباحه لها إذ المنع مع الضرورة حرج مرفوع من دينه.
( مالك عن نافع أن صفية بنت أبي عبيد) الثقفية أدركت النبي صلى الله عليه وسلم وأبوها صحابي قاله ابن منده ونفى الدارقطني إدراكها في الإصابة على نفي إدراك السماع منه وذكرها العجلي وابن حبان في ثقات التابعين ( اشتكت عينيها وهي حاد) بشد الدال بلا هاء، لأنه نعت للمؤنث لا يشركه فيه المذكر مثل طالق وحائض ( على زوجها عبد الله بن عمر) تزوجها في خلافة أبيه وأصدقها عمر أربعمائة وزادها ابنه سرًا منه مائتي درهم وولدت له واقدًا وأبا بكر وأبا عبيدة وعبيد الله وعمر وحفصة وسودة ( فلم تكتحل حتى كادت عيناها ترمصان) بفتح الميم وصاد مهملة من باب تعب، يجمد الوسخ في موقها والرجل أرمص والمرأة رمصاء.
ولا منافاة بين هذا وبين ما في الصحيحين أن ابن عمر رجع من الحج فقيل له إن صفية في السياق فأسرع السير وجمع جمع تأخير، وكان ذلك في إمارة ابن الزبير لأنها عوفيت ثم مات زوجها في حياتها كما صرح به هنا.

( قال مالك تدهن المتوفى عنها زوجها بالزيت والشيرق) بفتح الشين المعجمة ثم موحدة أو تحتية ساكنة، دهن السمسم ( وما أشبه ذلك إذا لم يكن فيه طيب) ما لم تدع الضرورة للطيب وإلا جاز كما قدمه وهو المعتمد في المذهب ( ولا تلبس المرأة الحاد على زوجها شيئًا من الحلي) بفتح فسكون ( خاتمًا ولا خلخالاً) بفتح الخاء، واحد خلاخيل النساء، والخلخل لغة فيه أو مقصور منه قال:

براقة الجيد صموت الخلخل

قاله الجوهري ( ولا غير ذلك من الحلي) كسوار وخرص وقرط ذهبًا كان كله أو فضة.
قال الباجي: ويدخل فيه الجوهر والياقوت ( ولا تلبس شيئًا من العصب) بفتح العين وسكون الصاد المهملتين وموحدة قال ابن الأثير: برود يمنية يعصب غزلها أي يجمع ويشد ثم يصبغ وينسج فيأتي موشيًا لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه الصبغ يقال: برد عصب بالتنوين والإضافة وقيل: هي برود مخططة والعصب الفتل والعصاب الغزال ( إلا أن يكون عصبًا غليظًا) فتلبسه لأنه لا كبير زينة فيه حملاً لحديث أم عطية في الصحيحين مرفوعًا: لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا، ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيبًا إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار على الغليظ دون الرقيق لأن علة المنع الزينة وهي موجودة في الرقيق.
( ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا بشيء من الصبغ) بكسر فسكون بأحمر أو أصفر أو غيرهما ( إلا بالسواد) فيجوز، قال الباجي: يعني به الأسود الغرابي لا السماوي فإنه يتجمل به اهـ.
وخص الأسود بغير ناصعة البياض فإنه يزينها فيمنع عليها لبسه.
قال ابن المنذر: خص كل من يحفظ عنه العلم في البياض من الحرير وغيره ( ولا تمتشط) بشيء كطيب وحناء إلا بالسدر وما أشبهه مما لا يختمر في رأسها.

( مالك أنه بلغه) وصله أبو داود والنسائي من طريق ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن المغيرة بن الضحاك عن أم حكيم بنت أسيد عن أمها عن أم سلمة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم سلمة وهي حاد على أبي سلمة) عبد الله بن عبد الأسد المخزومي ( وقد جعلت على عينيها) بالتثنية ( صبرًا) بفتح الصاد المهملة وكسر الموحدة، في الأشهر الدواء المر، وسكون الباء للتخفيف لغة قليلة وقيل: لم تسمع في السعة.
وحكى ابن السيد في المثلث جواز التخفيف كنظائره بسكون الباء مع كسر الصاد وفتحها فيكون فيه ثلاث لغات ( فقال: ما هذا يا أم سلمة؟ قالت: إنما هو صبر يا رسول الله قال: اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار) زاد أبو داود: ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب قلت: فبأي شيء أمتشط يا رسول الله؟ قال: بالسدر وتغفلين به رأسك ( قال مالك الإحداد على الصبية التي لم تبلغ المحيض كهيئته على التي قد بلغت المحيض تجتنب ما تجتنب المرأة البالغة إذا هلك عنها زوجها) لأنه بالوجه الذي يلزمها العدة يلزمها الإحداد وبه قال الجمهور وقال أبو حنيفة: لا إحداد عليها لقوله لا يحل لامرأة والصبية لا تسمى امرأة وأجيب على تسليمه بأنه خرج مخرج الغالب ( تحد الأمة إذا توفي عنها زوجها شهرين وخمس ليال مثل) أي قدر ( عدتها) لأنها زوجة فشملها الحديث ( ليس على أم الولد إحداد إذا هلك عنها سيدها ولا على أمة) قنة ( يموت عنها سيدها إحداد) وقد كان يطؤها ( وإنما الإحداد على ذوات الأزواج) لقوله في الحديث إلا على زوج ( مالك أنه بلغه أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول: تجمع الحاد رأسها) أي شعره أي تمشطه ( بالسدر والزيت) الذي لا طيب فيه.



رقم الحديث 1273 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ زَوْجَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيْتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ.


( مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) بفتح المهملة وسكون الزاي ( عن حميد بن نافع) الأنصاري أبي أفلح المدني التابعي ( عن زينب بنت أبي سلمة) بن عبد الأسد المخزومية الصحابية ربيبته صلى الله عليه وسلم ماتت سنة ثلاث وسبعين ( أنها أخبرته) أي حميدًا ( هذه الأحاديث الثلاثة) التي بينتها له حيث ( قالت زينب دخلت على أم حبيبة) رملة ( زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها أبو سفيان) صخر ( بن حرب) سنة اثنين وثلاثين عند الجمهور، وقيل سنة ثلاث.
ووقع عند البخاري في الجنائز من رواية ابن عيينة لما جاء نعي أبي سفيان من الشام.
قال الحافظ: وفيه نظر لأنه مات بالمدينة بلا خلاف بين أهل الأخبار ولم أر في شيء من طرق هذا الحديث تقييده بذلك إلا في رواية ابن عيينة هذه وأظنها وهمًا.
ولابن أبي شيبة والدارمي من طريق شعبة عن نافع جاء نعي لأخي أم حبيبة أو حميم لها فدعت بصفرة فلطخت به ذراعها.

ورواه أحمد بلفظ أن حميمًا لها مات بلا تردد وإطلاق الحميم على الأخ أقرب من إطلاقه على الأب فقوى الظن أن القصة تعددت لزينب مع أم حبيبة لما جاءها نعي أخيها من الشام سنة ثمان عشرة أو تسع عشرة ثم عند وفاة أبيها أبي سفيان بالمدينة لا مانع من ذلك.
( فدعت أم حبيبة بطيب) أي طلبت طيبًا ( فيه صفرة خلوق) بوزن صبور نوع من الطيب ( أو غيره) برفعهما وجرهما روايتان اقتصر النووي على الأولى ( فدهنت به جارية) بالنصب.
قال الحافظ لم أعرف اسمها ( ثم مسحت) أم حبيبة ( بعارضيها) أي جانبي وجهها، وجعل العارضين ماسحين تجوز والظاهر أنها جعلت الصفرة في يديها ومسحتها بعارضيها والباء للإلصاق أو الاستعانة، ومسح يتعدى بنفسه وبالباء تقول: مسحت برأسي ورأسي.

وفي الإكمال قال ابن دريد العارضان صفحتا العنق وما بعد الأسنان وفي كتاب العين عارضة الوجه ما يبدو منه ومبسما الفم والثنايا والمراد هنا الأول وفي المفهم العوارض ما بعد الأسنان أطلقت في الخدين هنا مجازًا لأنهما عليهما فهو من مجاز المجاورة أو تسمية الشيء بما كان من سببه زاد في رواية لهما وذراعيها ( ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة) وفي رواية بزيادة من ( غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) نفي بمعنى النهي على سبيل التأكيد ( أن تحد) بضم أوله وكسر الحاء من الرباعي، ولم يعرف الأصمعي سواه، وحكى غيره فتح أوله وضم ثانيه من الثلاثي، يقال: حدت المرأة وأحدت بمعنى ( على ميت فوق ثلاث ليال) فلها أن تحد على القريب ثلاثًا فأقل فإن مات في بقية يوم أو بقية ليلة ألغت تلك البقية وعدت الثلاث من الليلة المستقبلة قاله القرطبي، والمصدر المنسبك من أن تحد فاعل يحل وفوق ظرف زمان لأنه أضيف إلى زمان ( إلا على زوج) إيجاب للنفي والجار والمجرور متعلق بتحد فالاستثناء مفرغ ( أربعة أشهر وعشرًا) أي أيامها عند الجمهور فلا تحل حتى تدخل الليلة الحادية عشر فأنث العدد لإرادة المدة أو أريد الأيام بلياليها خلافًا للأوزاعي وغيره أنها عشر ليال فتحل في اليوم العاشر ولولا الاتفاق على وجوب إحداد المتوفى عنها لكان ظاهر الحديث الإباحة لأنه استثنى من عموم الحظر.
وأشار الباجي إلى أنه من عموم الأمر بعد الحظر فيحمل على الندب عند من يقول ذلك من الأصوليين، وليس الحديث من ذلك إذ ليس فيه أمر بعد حظر إنما هو استثناه من الحظر واختلف في الحامل يزيد عليها هل عليها الإحداد في الزيادة حتى تضع أو لا يلزمها إحداد في الزيادة لظاهر الحديث قاله عياض.

( قالت زينب) بالسند السابق وهذا الحديث الثاني ( ثم دخلت على زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أخوها) عبد الله بن جحش كما سمي في كثير من الموطآت كابن وهب وغيره عند الدارقطني وأبي مصعب عند ابن حبان لكن استشكل بأن عبد الله استشهد بأحد وزينب حينئذ صغيرة جدًا لأن أباها مات بعد بدر، وأن أمها حلت بوضعها وتزوج صلى الله عليه وسلم أمها وهي صغيرة.
وأجيب بأن ابن عبد البر وغيره حكوا أن زينب ولدت بأرض الحبشة ومقتضاه أن يكون لها عند وفاة عبد الله بن جحش أربع سنين ومثلها يضبط ذلك ويميزه، ويجوز أن يراد بالأخ عبيد الله المصغر الذي تنصر ومات بأرض الحبشة فتزوج صلى الله عليه وسلم بعده أم حبيبة، فإن زينب ابنة أبي سلمة كانت مميزة لما جاء خبر وفاته وقد يحزن المرء على قريبه الكافر لا سيما إذا تذكر سوء مصيره، ولعل ما وقع في تلك الموطآت عبد الله بالتكبير كان عبيد الله بتصغير العبد فلم يضبطه الكاتب، ويجوز أن يراد أخ لها من أمها أو من الرضاعة وأما أخوها أبو أحمد بن جحش واسمه عبد بلا إضافة كان شاعرًا أعمى فمات بعد أخته زينب بنت جحش بسنة كما جزم به ابن إسحاق وغيره وحضر جنازة أخته وراجع عمر في شيء بسببها كما عند ابن سعد فلا يصح إرادته هنا هذا ولفظ ثم هنا لترتيب الأخبار لا لترتيب الوقائع لأن زينب ابنة جحش ماتت قبل أبي سفيان بأكثر من عشر سنين على الصحيح المشهور ( فدعت بطيب فمست منه) وفي رواية به أي شيئًا من جسدها.

( ثم قالت:) زاد التنيسي أما بالتخفيف ( والله ما لي بالطيب حاجة) ولابن يوسف بزيادة من ( غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:) زاد التنيسي على المنبر ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) هو من خطاب التصحيح لأن المؤمن هو الذي ينتفع بالخطاب وينقاد له فهذا الوصف لتأكيد التحريم لما يقتضيه سياقه ومفهومه أن خلافه مناف للإيمان كما قال تعالى { { وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } } فإنه يقتضي تأكيد أمر التوكل بربطه بالإيمان ( تحد) بضم فكسر وبفتح فضم وحذف أن الناصبة ورفع الفعل وهو مقيس ( على ميت فوق ثلاث ليال) قال ابن بطال: أباح الشارع للمرأة أن تحد على غير الزوج ثلاثة أيام لما يغلب من لوعة الحزن ويهجم من أليم الوجد وليس ذلك واجبًا للاتفاق على أن الزوج لو طالبها بالجماع لم يحل لها منعه في تلك الحالة ( إلا على زوج) فتحد عليه ( أربعة أشهر وعشرًا) فالظرف متعلق بمحذوف في المستثنى دل عليه المذكور في المستثنى منه والاستثناء متصل إن جعل بيانًا لقوله فوق ثلاث ليال، فالمعنى لا يحل لامرأة تحد أربعة أشهر وعشرًا على ميت إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا وإن جعل معمولاً لتحد مضمرًا فهو منقطع أي لكن تحد على زوج أربعة أشهر وعشرًا قالوا: وحكمة هذا العدد أن الولد يتكامل خلقه في مائة وعشرين يومًا وهي تزيد على أربعة أشهر لنقص الأهلة فجبر الكسر إلى العقد احتياطًا.

( قالت زينب) بالسند السابق وهذا هو الحديث الثالث ( وسمعت) أمي ( أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: جاءت امرأة) هي عاتكة بنت نعيم بن عبد الله بن النحام كما في معرفة الصحابة لأبي نعيم ( إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها) المغيرة المخزومي، رواه إسماعيل القاضي في الأحكام وروى الإسماعيلي في تأليفه مسند يحيى بن سعيد الأنصاري عنه عن حميد بن نافع عن زينب عن أمها قالت: جاءت امرأة من قريش قال يحيى: لا أدري ابنة النحام أو أمها بنت سعد ورواه الإسماعيلي من طرق كثيرة فيها التصريح بأن البنت عاتكة فعلى هذا فأمها لم تسم قاله الحافظ ( وقد اشتكت) هي أي ابنتي ( عينيها) بالتثنية والنصب مفعول وفي رواية التنيسي عينها بالإفراد والنصب أيضًا كما رجحه المنذري بدليل التثنية بالنصب وبالرفع على الفاعلية، واقتصر النووي عليه ونسبت الشكاية إلى نفس العين مجازًا، وزعم الحريري أن الصواب النصب وأن الرفع لحن ورد بأنه يؤيد الرفع أن في رواية لمسلم اشتكت عيناها بالتثنية إلا أن يجيب بأنه على لغة من يعرب المثنى في الأحوال الثلاث بحركات مقدرة ( أفتكحلهما) بضم الحاء وهو مما جاء مضمومًا وإن كانت عينه حرف حلق ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا) تكحلهما قال ذلك ( مرتين أو ثلاثًا كل ذلك يقول لا) تأكيدًا للمنع ويأتي في حديث أم سلمة أنه قال اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار.
وجمع بينهما بأنه صلى الله عليه وسلم لم يتحقق الخوف هنا على عينيها إذ لو تحققه لأباحه لها لأن المنع مع الضرورة حرج وإنما فهم عنها إنما ذكرته اعتذارًا لا على وجه أن الخوف ثبت وبأن المنع منه عند عدم الحاجة ولو بالليل فإن اضطر إليه جاز بالليل دون النهار، وأما النهي فإنما هو ندب لتركه لا على الوجوب قاله عياض وغيره ( ثم قال: إنما هي) أي العدة ( أربعة أشهر وعشرًا) بالنصب على حكاية لفظ القرآن وفي رواية أربعة بالرفع على الأصل والمراد تقليل المدة وتهوين الصبر عما منعت منه وهو الاكتحال في العدة ولذا قال: ( وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة) بفتح الموحدة والعين وتسكن، واحدة البعر والجمع أبعار رجيع ذي الخف والظلف وفي ذكر الجاهلية إشارة إلى أن الإسلام صار بخلافه لكن التقدير بقوله ( على رأس الحول) استمر في الإسلام مدة لقوله تعالى { { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ } } ثم نسخ بقوله { { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } } والناسخ مقدم تلاوة متأخر نزولاً ولم يوجد في سورة واحدة إلا في هذه وأما من سورتين فموجود قاله عياض وقال غيره مثله سيقول السفهاء مع قوله { { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ } }

والحديث يدل على النسخ وقيل: هو حض للأزواج على الوصية بتمام السنة لمن لا ترث واختلف كيف كان قبل النسخ فقيل كانت النفقة والسكنى من مال الميت فنسخت النفقة بآية المواريث والحول بالأربعة وعشر وقيل كانت مخيرة في المقام فلها النفقة والخروج فلا شيء لها.
وقال مجاهد: كانت تعتد عند أهل زوجها سنة واجبة فأنزل الله { { مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } } والعدة عليها باقية فجعل لها تمام الحول وصية إن شاءت سكنت وإن شاءت خرجت.

( قال حميد بن نافع) بالإسناد السابق ( فقلت لزينب) بنت أبي سلمة ( وما) معنى قوله صلى الله عليه وسلم ( ترمي بالبعرة على رأس الحول فقالت زينب كانت المرأة) في الجاهلية ( إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشًا) بكسر الحاء المهملة وسكون الفاء وشين معجمة، بيتًا رديئًا كما يأتي وفي رواية النسائي عمدت إلى شر بيت لها فجلست فيه ( ولبست شر ثيابها) أردأها، وهذه تفسير للرواية الأخرى في الصحيحين: شر أحلاسها، بمهملتين جمع حلس بكسر فسكون، ثوب أو كساء رقيق يجعل على ظهر الدابة تحت البردعة ( ولم تمسس) بفتح أوله وسكون الميم، وفي رواية ولم تمس بفتحهما بالإدغام ( طيبا ولا شيئًا) تتزين به ( حتى تمر بها سنة) من موت زوجها ( ثم تؤتى) بضم أوله وفتح ثالثه ( بدابة حمار) بالجر والتنوين بدل ( أو شاة أو طير) بأو للتنويع، وإطلاق الدابة عليهما حقيقة لغوية قال المجد الدابة ما دب من الحيوان وغلب على ما يركب ويقع على المذكر ( فتفتض به) بفاء ففوقية ففاء ثانية ساكنة ففوقية أخرى فضاد معجمة ثقيلة ( فقلما تفتض بشيء) مما ذكر، وما مصدرية أي افتضاضها بشيء ( إلا مات ثم تخرج فتعطى) بضم الفوقية وفتح الطاء ( بعرة) من بعر الإبل أو الغنم ( فترمي بها) أمامها فيكون ذلك إحلالاً لها، كذا في رواية ابن الماجشون عن مالك.
وفي رواية ابن وهب عنه من وراء ظهرها إشارة إلى أن ما فعلته من التربص والصبر على البلاء الذي كانت فيه هين بالنسبة إلى فقد زوجها وما يستحقه من المراعاة كما يهون الرامي بالبعرة بها ( ثم تراجع) بضم الفوقية فراء فألف فجيم مكسورة فمهملة ( بعد) أي بعد ما ذكر من الافتضاض والرمي ( ما شاءت من طيب أو غيره) مما كانت ممنوعة منه في العدة وهذا التفسير لم تسنده زينب.

وساقه شعبة عن حميد بن نافع مرفوعًا ولفظه في الصحيحين عن زينب عن أمها: أن امرأة توفي زوجها فخافوا على عينيها فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنوه في الكحل فقال: لا قد كانت إحداكن تكون في شر بيتها في أحلاسها أو شرسها فإذا كان حول فمر كلب رمت ببعرة فخرجت أفلا أربعة أشهر وعشرًا قال الحافظ: حديث الباب لا يقتضي الإدراج في رواية شعبة لأنه من أحفظ الناس فلا يقضى على روايته برواية غيره بالاحتمال اهـ.
وقد يرد عليه أن ذلك ليس بالاحتمال فقد صرح هو في شارح نخبته تبعًا لغيره بأن مما يعرف به الإدراج مجيء رواية مبينة للقدر المدرج، وما هنا من ذلك فإن رواية مالك عن شيخه عن حميد بينت أن التفسير من زينب وكون شعبة من الحفاظ لا يقتضي أنه لا يروي ما فيه المدرج فلم تزل الحفاظ يروونه كثيرًا كابن شهاب وغيره.

( قال مالك والحفش البيت الرديء) وللقعنبي عنه الصغير جدًا وهما بمعنى فرداءته لصغره ولابن القاسم عنه الحفش الخص وهو بضم المعجمة ومهملة وللشافعي الذليل الشعث البناء وفي المعلم الحفش البيت الحقير.
وفي الحديث أنه قال في الذي بعثه ساعيًا على الزكاة: هلا قعد في حفش أمه ينظر هل يهدى إليه أم لا؟ وقيل: الحفش البيت الذليل القصير السمك، شبهه به لضيقه، والتحفش: الانضمام والاجتماع زاد عياض وقيل: الحفش شبه القفة من الخوص تجمع المرأة فيها غزلها وأسبابها ( و) معنى ( تفتض تمسح به جلدها كالنشرة) قال ابن وهب: معناه تمسح بيدها عليه أو على ظهره، وقيل معناه تمسح به ثم تفتض أي تغتسل بالماء العذب والافتضاض الاغتسال بالماء العذب للإنقاء حتى تصير كالفضة وقال الأخفش: معناه تتنظف وتنتقي مأخوذ من الفضة تشبيهًا بنقائها وبياضها.
وقال ابن قتيبة: سألت الحجازيين عن الافتضاض فقالوا: كانت المعتدة لا تغتسل ولا تمس طيبًا ولا تقلم ظفرًا ولا تزيل شعرًا ثم تخرج بعد الحول في أشر منظر ثم تفتض أي تكسر ما هي فيه من العدة بطائر تمسح به قبلها وتنبذه فلا يكاد يعيش، وهذا أخص من تفسير مالك لأنه أطلق الجلد وهذا قيده بجلد القبل.
وعند النسائي تقبض: بقاف فموحدة فمهملة مخففة، وهي رواية الشافعي.
قال ابن الأثير: هو كناية عن الإسراع أي تذهب بعدو وسرعة نحو منزل أبويها لكثرة حيائها بقبح منظرها أو لشدة شوقها إلى التزويج لبعد عهدها به.
قال: والمشهور في الرواية الفاء والفوقية والضاد المعجمة.

وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي والترمذي من طريق معن بن عيسى، وأبو داود والترمذي أيضًا، والنسائي من طريق ابن القاسم خمستهم عن مالك به وتابعه جماعة وله طرق عندهم.

( مالك عن نافع) مولى ابن عمر ( عن صفية بنت أبي عبيد) زوجة سيده ( عن عائشة وحفصة زوجي النبي صلى الله عليه وسلم) هكذا ليحيى وأبي مصعب، وطائفة بالواو.
ولابن بكير والقعنبي وآخرين عن عائشة أو حفصة على الشك وكذا رواه عبد الله بن دينار والليث بن سعد كلاهما عن نافع بالشك، ورواه يحيى بن سعيد عن نافع عن صفية عن حفصة وحدها ورواه عبيد الله عن نافع عن صفية عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أخرج ذلك كله مسلم.
( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) نفي بمعنى النهي والتقييد بذلك خرج مخرج الغالب كما يقال: هذا طريق المسلمين مع أنه يسلكه غيرهم فالكتابية كذلك عند الجمهور، وهو المشهور عن مالك وقال أبو حنيفة والكوفيون ومالك في رواية، وابن نافع وابن كنانة وأشهب وأبو ثور: لا إحداد عليها لظاهر الحديث وأجيب بأنه للغالب أو لأن المؤمنة هي التي تنتفع بالخطاب وتنقاد فهذا الوصف لتأكيد التحريم وتغليظه وقد خالف أبو حنيفة قاعدته في إنكاره المفاهيم ( أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج) فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا كما زاده في رواية يحيى بن سعيد عن نافع عند مسلم، والحديث يعم كل زوجة صغيرة أو كبيرة حرة أو أمة مدخولاً بها أم لا عند الجمهور.
وقال أبو حنيفة لا إحداد على صغيرة ولا أمة زوجة.

وعموم الحديث حجة عليه فبالوجه الذي يلزمها العدة يلزمها الإحداد ولهذا الوجه اعتدت غير المدخول بها في الوفاة استظهارًا لحجة الزوج بعد موته إذ لو كان حيًا لبين أنه دخل بها كما لا يحكم عليه بالدين حتى تستظهر له بيمين الطالب.
قالوا: وهي الحكمة في جعل عدة الوفاة أزيد من عدة المطلقة لأنه لما عدم الزوج استظهر له بأتم وجوه البراءة وهي الأربعة أشهر وعشر لأنه الأمر الذي يتبين فيه الحمل فبعد الرابع ينفخ فيه الروح وزيدت العشر حتى تتبين حركته ولذا جعلت عدتها بالزمان الذي يشترك في معرفته الجميع ولم توكل إلى أمانة النساء فتجعل بالإقراء كالمطلقات كل ذلك حوطة للميت لعدم المحامي عنه ولزمت عدة الوفاة الصغيرة لأن كون الزوجة صغيرة نادر فشملهن الحكم وعمتهن الحوطة ثم قوله إلا على زوج إيجاب بعد النفي فيقتضي حصر الإحداد في المتوفى عنها فلا إحداد على مطلقة عند الأكثر، ومالك والشافعي رجعية كانت أو بائنة أو مثلثة، واستحبه أحمد والشافعي للرجعية وأوجبه أبو حنيفة والكوفيون على المثلثة.
وشذ الحسن وحده فقال: لا إحداد على متوفى عنها ولا على مطلقة ولولا الاتفاق على وجوب الإحداد لكان ظاهر الحديث الإباحة لأنه استثناء من عموم المنع قاله القاضي عياض، وأجيب بأن حديث التي شكت عينها المتقدم دل على الوجوب وإلا لم يمتنع التداوي المباح، وبأن السياق أيضًا يدل على الوجوب فإن كل ممنوع منه إذا دل دليل على جوازه كان ذلك الدليل بعينه دالاً على الوجوب، ويرشح ذلك هنا زيادة مسلم في بعض طرقه بعد قوله: إلا على زوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا فإنه أمر بلفظ الخبر إذ ليس المراد معنى الخبر فإن المرأة قد لا تحد فهو على حد قوله تعالى { { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ } } والمراد به الأمر اتفاقًا.
وفي المفهم القائل بوجوب الإحداد على المطلقة ثلاثًا إن قاسه على المتوفى عنها فلا يصح للحصر الذي اقتضاه الحديث، وأيضًا فعلى أن عدة الوفاة تعبدية يمتنع القياس وكذا على أنها معقولة لوضوح الفرق بأن الإحداد إنما هو مبالغة في التحرز على المرأة من النكاح بتعاطي أسبابه لعدم الزوج وفي الطلاق الزوج حي فهو يبحث ويحتاط لنفسه.

( مالك أنه بلغه أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لامرأة حاد) بشد الدال ( على زوجها اشتكت عينيها) بالتثنية ( فبلغ ذلك) الوجع المفهوم من اشتكت ( منها) مبلغًا قويًا ( اكتحلي بكحل الجلاء) بكسر الجيم والمد كحل خاص ( بالليل وامسحيه بالنهار) فأفتتها بما أفتاها به صلى الله عليه وسلم كما يأتي ( مالك أنه بلغه عن سالم بن عبد الله وسليمان بن يسار أنهما كانا يقولان في المرأة يتوفى عنها زوجها إنها إذا خشيت على بصرها من رمد أو شكو) بفتح فسكون ( أصابها أنها تكتحل وتتداوى بدواء أو كحل وإن كان فيه طيب) لأن الضرورة تبيح المحظور ( قال مالك: وإذا كانت الضرورة) أي وجدت ( فإن دين الله يسر) كما قال تعالى { { يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } } فتكتحل وإن كان فيه طيب ليلاً وتمسحه نهارًا وأما حديث المرأة التي قالت إن ابنتي اشتكت عينها أفأكحلها فقال صلى الله عليه وسلم: لا قالت: إني أخشى أن تنفقئ عينها قال: وإن انفقأت، رواه قاسم بن أصبغ وابن منده بإسناد صحيح فأجيب باحتمال أنه كان يحصل لها البرء بغير الكحل كالتضميد بالصبر وبأنه فهم أنها ذكرت ذلك اعتذارًا لا أن الخوف ثبت حقيقة إذ لو تحققه لأباحه لها إذ المنع مع الضرورة حرج مرفوع من دينه.
( مالك عن نافع أن صفية بنت أبي عبيد) الثقفية أدركت النبي صلى الله عليه وسلم وأبوها صحابي قاله ابن منده ونفى الدارقطني إدراكها في الإصابة على نفي إدراك السماع منه وذكرها العجلي وابن حبان في ثقات التابعين ( اشتكت عينيها وهي حاد) بشد الدال بلا هاء، لأنه نعت للمؤنث لا يشركه فيه المذكر مثل طالق وحائض ( على زوجها عبد الله بن عمر) تزوجها في خلافة أبيه وأصدقها عمر أربعمائة وزادها ابنه سرًا منه مائتي درهم وولدت له واقدًا وأبا بكر وأبا عبيدة وعبيد الله وعمر وحفصة وسودة ( فلم تكتحل حتى كادت عيناها ترمصان) بفتح الميم وصاد مهملة من باب تعب، يجمد الوسخ في موقها والرجل أرمص والمرأة رمصاء.
ولا منافاة بين هذا وبين ما في الصحيحين أن ابن عمر رجع من الحج فقيل له إن صفية في السياق فأسرع السير وجمع جمع تأخير، وكان ذلك في إمارة ابن الزبير لأنها عوفيت ثم مات زوجها في حياتها كما صرح به هنا.

( قال مالك تدهن المتوفى عنها زوجها بالزيت والشيرق) بفتح الشين المعجمة ثم موحدة أو تحتية ساكنة، دهن السمسم ( وما أشبه ذلك إذا لم يكن فيه طيب) ما لم تدع الضرورة للطيب وإلا جاز كما قدمه وهو المعتمد في المذهب ( ولا تلبس المرأة الحاد على زوجها شيئًا من الحلي) بفتح فسكون ( خاتمًا ولا خلخالاً) بفتح الخاء، واحد خلاخيل النساء، والخلخل لغة فيه أو مقصور منه قال:

براقة الجيد صموت الخلخل

قاله الجوهري ( ولا غير ذلك من الحلي) كسوار وخرص وقرط ذهبًا كان كله أو فضة.
قال الباجي: ويدخل فيه الجوهر والياقوت ( ولا تلبس شيئًا من العصب) بفتح العين وسكون الصاد المهملتين وموحدة قال ابن الأثير: برود يمنية يعصب غزلها أي يجمع ويشد ثم يصبغ وينسج فيأتي موشيًا لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه الصبغ يقال: برد عصب بالتنوين والإضافة وقيل: هي برود مخططة والعصب الفتل والعصاب الغزال ( إلا أن يكون عصبًا غليظًا) فتلبسه لأنه لا كبير زينة فيه حملاً لحديث أم عطية في الصحيحين مرفوعًا: لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا، ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيبًا إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار على الغليظ دون الرقيق لأن علة المنع الزينة وهي موجودة في الرقيق.
( ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا بشيء من الصبغ) بكسر فسكون بأحمر أو أصفر أو غيرهما ( إلا بالسواد) فيجوز، قال الباجي: يعني به الأسود الغرابي لا السماوي فإنه يتجمل به اهـ.
وخص الأسود بغير ناصعة البياض فإنه يزينها فيمنع عليها لبسه.
قال ابن المنذر: خص كل من يحفظ عنه العلم في البياض من الحرير وغيره ( ولا تمتشط) بشيء كطيب وحناء إلا بالسدر وما أشبهه مما لا يختمر في رأسها.

( مالك أنه بلغه) وصله أبو داود والنسائي من طريق ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن المغيرة بن الضحاك عن أم حكيم بنت أسيد عن أمها عن أم سلمة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم سلمة وهي حاد على أبي سلمة) عبد الله بن عبد الأسد المخزومي ( وقد جعلت على عينيها) بالتثنية ( صبرًا) بفتح الصاد المهملة وكسر الموحدة، في الأشهر الدواء المر، وسكون الباء للتخفيف لغة قليلة وقيل: لم تسمع في السعة.
وحكى ابن السيد في المثلث جواز التخفيف كنظائره بسكون الباء مع كسر الصاد وفتحها فيكون فيه ثلاث لغات ( فقال: ما هذا يا أم سلمة؟ قالت: إنما هو صبر يا رسول الله قال: اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار) زاد أبو داود: ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب قلت: فبأي شيء أمتشط يا رسول الله؟ قال: بالسدر وتغفلين به رأسك ( قال مالك الإحداد على الصبية التي لم تبلغ المحيض كهيئته على التي قد بلغت المحيض تجتنب ما تجتنب المرأة البالغة إذا هلك عنها زوجها) لأنه بالوجه الذي يلزمها العدة يلزمها الإحداد وبه قال الجمهور وقال أبو حنيفة: لا إحداد عليها لقوله لا يحل لامرأة والصبية لا تسمى امرأة وأجيب على تسليمه بأنه خرج مخرج الغالب ( تحد الأمة إذا توفي عنها زوجها شهرين وخمس ليال مثل) أي قدر ( عدتها) لأنها زوجة فشملها الحديث ( ليس على أم الولد إحداد إذا هلك عنها سيدها ولا على أمة) قنة ( يموت عنها سيدها إحداد) وقد كان يطؤها ( وإنما الإحداد على ذوات الأزواج) لقوله في الحديث إلا على زوج ( مالك أنه بلغه أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول: تجمع الحاد رأسها) أي شعره أي تمشطه ( بالسدر والزيت) الذي لا طيب فيه.



رقم الحديث 1274 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لِامْرَأَةٍ حَادٍّ عَلَى زَوْجِهَا، اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا فَبَلَغَ ذَلِكَ مِنْهَا: اكْتَحِلِي بِكُحْلِ الْجِلَاءِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ.


( مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) بفتح المهملة وسكون الزاي ( عن حميد بن نافع) الأنصاري أبي أفلح المدني التابعي ( عن زينب بنت أبي سلمة) بن عبد الأسد المخزومية الصحابية ربيبته صلى الله عليه وسلم ماتت سنة ثلاث وسبعين ( أنها أخبرته) أي حميدًا ( هذه الأحاديث الثلاثة) التي بينتها له حيث ( قالت زينب دخلت على أم حبيبة) رملة ( زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها أبو سفيان) صخر ( بن حرب) سنة اثنين وثلاثين عند الجمهور، وقيل سنة ثلاث.
ووقع عند البخاري في الجنائز من رواية ابن عيينة لما جاء نعي أبي سفيان من الشام.
قال الحافظ: وفيه نظر لأنه مات بالمدينة بلا خلاف بين أهل الأخبار ولم أر في شيء من طرق هذا الحديث تقييده بذلك إلا في رواية ابن عيينة هذه وأظنها وهمًا.
ولابن أبي شيبة والدارمي من طريق شعبة عن نافع جاء نعي لأخي أم حبيبة أو حميم لها فدعت بصفرة فلطخت به ذراعها.

ورواه أحمد بلفظ أن حميمًا لها مات بلا تردد وإطلاق الحميم على الأخ أقرب من إطلاقه على الأب فقوى الظن أن القصة تعددت لزينب مع أم حبيبة لما جاءها نعي أخيها من الشام سنة ثمان عشرة أو تسع عشرة ثم عند وفاة أبيها أبي سفيان بالمدينة لا مانع من ذلك.
( فدعت أم حبيبة بطيب) أي طلبت طيبًا ( فيه صفرة خلوق) بوزن صبور نوع من الطيب ( أو غيره) برفعهما وجرهما روايتان اقتصر النووي على الأولى ( فدهنت به جارية) بالنصب.
قال الحافظ لم أعرف اسمها ( ثم مسحت) أم حبيبة ( بعارضيها) أي جانبي وجهها، وجعل العارضين ماسحين تجوز والظاهر أنها جعلت الصفرة في يديها ومسحتها بعارضيها والباء للإلصاق أو الاستعانة، ومسح يتعدى بنفسه وبالباء تقول: مسحت برأسي ورأسي.

وفي الإكمال قال ابن دريد العارضان صفحتا العنق وما بعد الأسنان وفي كتاب العين عارضة الوجه ما يبدو منه ومبسما الفم والثنايا والمراد هنا الأول وفي المفهم العوارض ما بعد الأسنان أطلقت في الخدين هنا مجازًا لأنهما عليهما فهو من مجاز المجاورة أو تسمية الشيء بما كان من سببه زاد في رواية لهما وذراعيها ( ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة) وفي رواية بزيادة من ( غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) نفي بمعنى النهي على سبيل التأكيد ( أن تحد) بضم أوله وكسر الحاء من الرباعي، ولم يعرف الأصمعي سواه، وحكى غيره فتح أوله وضم ثانيه من الثلاثي، يقال: حدت المرأة وأحدت بمعنى ( على ميت فوق ثلاث ليال) فلها أن تحد على القريب ثلاثًا فأقل فإن مات في بقية يوم أو بقية ليلة ألغت تلك البقية وعدت الثلاث من الليلة المستقبلة قاله القرطبي، والمصدر المنسبك من أن تحد فاعل يحل وفوق ظرف زمان لأنه أضيف إلى زمان ( إلا على زوج) إيجاب للنفي والجار والمجرور متعلق بتحد فالاستثناء مفرغ ( أربعة أشهر وعشرًا) أي أيامها عند الجمهور فلا تحل حتى تدخل الليلة الحادية عشر فأنث العدد لإرادة المدة أو أريد الأيام بلياليها خلافًا للأوزاعي وغيره أنها عشر ليال فتحل في اليوم العاشر ولولا الاتفاق على وجوب إحداد المتوفى عنها لكان ظاهر الحديث الإباحة لأنه استثنى من عموم الحظر.
وأشار الباجي إلى أنه من عموم الأمر بعد الحظر فيحمل على الندب عند من يقول ذلك من الأصوليين، وليس الحديث من ذلك إذ ليس فيه أمر بعد حظر إنما هو استثناه من الحظر واختلف في الحامل يزيد عليها هل عليها الإحداد في الزيادة حتى تضع أو لا يلزمها إحداد في الزيادة لظاهر الحديث قاله عياض.

( قالت زينب) بالسند السابق وهذا الحديث الثاني ( ثم دخلت على زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أخوها) عبد الله بن جحش كما سمي في كثير من الموطآت كابن وهب وغيره عند الدارقطني وأبي مصعب عند ابن حبان لكن استشكل بأن عبد الله استشهد بأحد وزينب حينئذ صغيرة جدًا لأن أباها مات بعد بدر، وأن أمها حلت بوضعها وتزوج صلى الله عليه وسلم أمها وهي صغيرة.
وأجيب بأن ابن عبد البر وغيره حكوا أن زينب ولدت بأرض الحبشة ومقتضاه أن يكون لها عند وفاة عبد الله بن جحش أربع سنين ومثلها يضبط ذلك ويميزه، ويجوز أن يراد بالأخ عبيد الله المصغر الذي تنصر ومات بأرض الحبشة فتزوج صلى الله عليه وسلم بعده أم حبيبة، فإن زينب ابنة أبي سلمة كانت مميزة لما جاء خبر وفاته وقد يحزن المرء على قريبه الكافر لا سيما إذا تذكر سوء مصيره، ولعل ما وقع في تلك الموطآت عبد الله بالتكبير كان عبيد الله بتصغير العبد فلم يضبطه الكاتب، ويجوز أن يراد أخ لها من أمها أو من الرضاعة وأما أخوها أبو أحمد بن جحش واسمه عبد بلا إضافة كان شاعرًا أعمى فمات بعد أخته زينب بنت جحش بسنة كما جزم به ابن إسحاق وغيره وحضر جنازة أخته وراجع عمر في شيء بسببها كما عند ابن سعد فلا يصح إرادته هنا هذا ولفظ ثم هنا لترتيب الأخبار لا لترتيب الوقائع لأن زينب ابنة جحش ماتت قبل أبي سفيان بأكثر من عشر سنين على الصحيح المشهور ( فدعت بطيب فمست منه) وفي رواية به أي شيئًا من جسدها.

( ثم قالت:) زاد التنيسي أما بالتخفيف ( والله ما لي بالطيب حاجة) ولابن يوسف بزيادة من ( غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:) زاد التنيسي على المنبر ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) هو من خطاب التصحيح لأن المؤمن هو الذي ينتفع بالخطاب وينقاد له فهذا الوصف لتأكيد التحريم لما يقتضيه سياقه ومفهومه أن خلافه مناف للإيمان كما قال تعالى { { وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } } فإنه يقتضي تأكيد أمر التوكل بربطه بالإيمان ( تحد) بضم فكسر وبفتح فضم وحذف أن الناصبة ورفع الفعل وهو مقيس ( على ميت فوق ثلاث ليال) قال ابن بطال: أباح الشارع للمرأة أن تحد على غير الزوج ثلاثة أيام لما يغلب من لوعة الحزن ويهجم من أليم الوجد وليس ذلك واجبًا للاتفاق على أن الزوج لو طالبها بالجماع لم يحل لها منعه في تلك الحالة ( إلا على زوج) فتحد عليه ( أربعة أشهر وعشرًا) فالظرف متعلق بمحذوف في المستثنى دل عليه المذكور في المستثنى منه والاستثناء متصل إن جعل بيانًا لقوله فوق ثلاث ليال، فالمعنى لا يحل لامرأة تحد أربعة أشهر وعشرًا على ميت إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا وإن جعل معمولاً لتحد مضمرًا فهو منقطع أي لكن تحد على زوج أربعة أشهر وعشرًا قالوا: وحكمة هذا العدد أن الولد يتكامل خلقه في مائة وعشرين يومًا وهي تزيد على أربعة أشهر لنقص الأهلة فجبر الكسر إلى العقد احتياطًا.

( قالت زينب) بالسند السابق وهذا هو الحديث الثالث ( وسمعت) أمي ( أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: جاءت امرأة) هي عاتكة بنت نعيم بن عبد الله بن النحام كما في معرفة الصحابة لأبي نعيم ( إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها) المغيرة المخزومي، رواه إسماعيل القاضي في الأحكام وروى الإسماعيلي في تأليفه مسند يحيى بن سعيد الأنصاري عنه عن حميد بن نافع عن زينب عن أمها قالت: جاءت امرأة من قريش قال يحيى: لا أدري ابنة النحام أو أمها بنت سعد ورواه الإسماعيلي من طرق كثيرة فيها التصريح بأن البنت عاتكة فعلى هذا فأمها لم تسم قاله الحافظ ( وقد اشتكت) هي أي ابنتي ( عينيها) بالتثنية والنصب مفعول وفي رواية التنيسي عينها بالإفراد والنصب أيضًا كما رجحه المنذري بدليل التثنية بالنصب وبالرفع على الفاعلية، واقتصر النووي عليه ونسبت الشكاية إلى نفس العين مجازًا، وزعم الحريري أن الصواب النصب وأن الرفع لحن ورد بأنه يؤيد الرفع أن في رواية لمسلم اشتكت عيناها بالتثنية إلا أن يجيب بأنه على لغة من يعرب المثنى في الأحوال الثلاث بحركات مقدرة ( أفتكحلهما) بضم الحاء وهو مما جاء مضمومًا وإن كانت عينه حرف حلق ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا) تكحلهما قال ذلك ( مرتين أو ثلاثًا كل ذلك يقول لا) تأكيدًا للمنع ويأتي في حديث أم سلمة أنه قال اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار.
وجمع بينهما بأنه صلى الله عليه وسلم لم يتحقق الخوف هنا على عينيها إذ لو تحققه لأباحه لها لأن المنع مع الضرورة حرج وإنما فهم عنها إنما ذكرته اعتذارًا لا على وجه أن الخوف ثبت وبأن المنع منه عند عدم الحاجة ولو بالليل فإن اضطر إليه جاز بالليل دون النهار، وأما النهي فإنما هو ندب لتركه لا على الوجوب قاله عياض وغيره ( ثم قال: إنما هي) أي العدة ( أربعة أشهر وعشرًا) بالنصب على حكاية لفظ القرآن وفي رواية أربعة بالرفع على الأصل والمراد تقليل المدة وتهوين الصبر عما منعت منه وهو الاكتحال في العدة ولذا قال: ( وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة) بفتح الموحدة والعين وتسكن، واحدة البعر والجمع أبعار رجيع ذي الخف والظلف وفي ذكر الجاهلية إشارة إلى أن الإسلام صار بخلافه لكن التقدير بقوله ( على رأس الحول) استمر في الإسلام مدة لقوله تعالى { { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ } } ثم نسخ بقوله { { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } } والناسخ مقدم تلاوة متأخر نزولاً ولم يوجد في سورة واحدة إلا في هذه وأما من سورتين فموجود قاله عياض وقال غيره مثله سيقول السفهاء مع قوله { { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ } }

والحديث يدل على النسخ وقيل: هو حض للأزواج على الوصية بتمام السنة لمن لا ترث واختلف كيف كان قبل النسخ فقيل كانت النفقة والسكنى من مال الميت فنسخت النفقة بآية المواريث والحول بالأربعة وعشر وقيل كانت مخيرة في المقام فلها النفقة والخروج فلا شيء لها.
وقال مجاهد: كانت تعتد عند أهل زوجها سنة واجبة فأنزل الله { { مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } } والعدة عليها باقية فجعل لها تمام الحول وصية إن شاءت سكنت وإن شاءت خرجت.

( قال حميد بن نافع) بالإسناد السابق ( فقلت لزينب) بنت أبي سلمة ( وما) معنى قوله صلى الله عليه وسلم ( ترمي بالبعرة على رأس الحول فقالت زينب كانت المرأة) في الجاهلية ( إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشًا) بكسر الحاء المهملة وسكون الفاء وشين معجمة، بيتًا رديئًا كما يأتي وفي رواية النسائي عمدت إلى شر بيت لها فجلست فيه ( ولبست شر ثيابها) أردأها، وهذه تفسير للرواية الأخرى في الصحيحين: شر أحلاسها، بمهملتين جمع حلس بكسر فسكون، ثوب أو كساء رقيق يجعل على ظهر الدابة تحت البردعة ( ولم تمسس) بفتح أوله وسكون الميم، وفي رواية ولم تمس بفتحهما بالإدغام ( طيبا ولا شيئًا) تتزين به ( حتى تمر بها سنة) من موت زوجها ( ثم تؤتى) بضم أوله وفتح ثالثه ( بدابة حمار) بالجر والتنوين بدل ( أو شاة أو طير) بأو للتنويع، وإطلاق الدابة عليهما حقيقة لغوية قال المجد الدابة ما دب من الحيوان وغلب على ما يركب ويقع على المذكر ( فتفتض به) بفاء ففوقية ففاء ثانية ساكنة ففوقية أخرى فضاد معجمة ثقيلة ( فقلما تفتض بشيء) مما ذكر، وما مصدرية أي افتضاضها بشيء ( إلا مات ثم تخرج فتعطى) بضم الفوقية وفتح الطاء ( بعرة) من بعر الإبل أو الغنم ( فترمي بها) أمامها فيكون ذلك إحلالاً لها، كذا في رواية ابن الماجشون عن مالك.
وفي رواية ابن وهب عنه من وراء ظهرها إشارة إلى أن ما فعلته من التربص والصبر على البلاء الذي كانت فيه هين بالنسبة إلى فقد زوجها وما يستحقه من المراعاة كما يهون الرامي بالبعرة بها ( ثم تراجع) بضم الفوقية فراء فألف فجيم مكسورة فمهملة ( بعد) أي بعد ما ذكر من الافتضاض والرمي ( ما شاءت من طيب أو غيره) مما كانت ممنوعة منه في العدة وهذا التفسير لم تسنده زينب.

وساقه شعبة عن حميد بن نافع مرفوعًا ولفظه في الصحيحين عن زينب عن أمها: أن امرأة توفي زوجها فخافوا على عينيها فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنوه في الكحل فقال: لا قد كانت إحداكن تكون في شر بيتها في أحلاسها أو شرسها فإذا كان حول فمر كلب رمت ببعرة فخرجت أفلا أربعة أشهر وعشرًا قال الحافظ: حديث الباب لا يقتضي الإدراج في رواية شعبة لأنه من أحفظ الناس فلا يقضى على روايته برواية غيره بالاحتمال اهـ.
وقد يرد عليه أن ذلك ليس بالاحتمال فقد صرح هو في شارح نخبته تبعًا لغيره بأن مما يعرف به الإدراج مجيء رواية مبينة للقدر المدرج، وما هنا من ذلك فإن رواية مالك عن شيخه عن حميد بينت أن التفسير من زينب وكون شعبة من الحفاظ لا يقتضي أنه لا يروي ما فيه المدرج فلم تزل الحفاظ يروونه كثيرًا كابن شهاب وغيره.

( قال مالك والحفش البيت الرديء) وللقعنبي عنه الصغير جدًا وهما بمعنى فرداءته لصغره ولابن القاسم عنه الحفش الخص وهو بضم المعجمة ومهملة وللشافعي الذليل الشعث البناء وفي المعلم الحفش البيت الحقير.
وفي الحديث أنه قال في الذي بعثه ساعيًا على الزكاة: هلا قعد في حفش أمه ينظر هل يهدى إليه أم لا؟ وقيل: الحفش البيت الذليل القصير السمك، شبهه به لضيقه، والتحفش: الانضمام والاجتماع زاد عياض وقيل: الحفش شبه القفة من الخوص تجمع المرأة فيها غزلها وأسبابها ( و) معنى ( تفتض تمسح به جلدها كالنشرة) قال ابن وهب: معناه تمسح بيدها عليه أو على ظهره، وقيل معناه تمسح به ثم تفتض أي تغتسل بالماء العذب والافتضاض الاغتسال بالماء العذب للإنقاء حتى تصير كالفضة وقال الأخفش: معناه تتنظف وتنتقي مأخوذ من الفضة تشبيهًا بنقائها وبياضها.
وقال ابن قتيبة: سألت الحجازيين عن الافتضاض فقالوا: كانت المعتدة لا تغتسل ولا تمس طيبًا ولا تقلم ظفرًا ولا تزيل شعرًا ثم تخرج بعد الحول في أشر منظر ثم تفتض أي تكسر ما هي فيه من العدة بطائر تمسح به قبلها وتنبذه فلا يكاد يعيش، وهذا أخص من تفسير مالك لأنه أطلق الجلد وهذا قيده بجلد القبل.
وعند النسائي تقبض: بقاف فموحدة فمهملة مخففة، وهي رواية الشافعي.
قال ابن الأثير: هو كناية عن الإسراع أي تذهب بعدو وسرعة نحو منزل أبويها لكثرة حيائها بقبح منظرها أو لشدة شوقها إلى التزويج لبعد عهدها به.
قال: والمشهور في الرواية الفاء والفوقية والضاد المعجمة.

وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي والترمذي من طريق معن بن عيسى، وأبو داود والترمذي أيضًا، والنسائي من طريق ابن القاسم خمستهم عن مالك به وتابعه جماعة وله طرق عندهم.

( مالك عن نافع) مولى ابن عمر ( عن صفية بنت أبي عبيد) زوجة سيده ( عن عائشة وحفصة زوجي النبي صلى الله عليه وسلم) هكذا ليحيى وأبي مصعب، وطائفة بالواو.
ولابن بكير والقعنبي وآخرين عن عائشة أو حفصة على الشك وكذا رواه عبد الله بن دينار والليث بن سعد كلاهما عن نافع بالشك، ورواه يحيى بن سعيد عن نافع عن صفية عن حفصة وحدها ورواه عبيد الله عن نافع عن صفية عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أخرج ذلك كله مسلم.
( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) نفي بمعنى النهي والتقييد بذلك خرج مخرج الغالب كما يقال: هذا طريق المسلمين مع أنه يسلكه غيرهم فالكتابية كذلك عند الجمهور، وهو المشهور عن مالك وقال أبو حنيفة والكوفيون ومالك في رواية، وابن نافع وابن كنانة وأشهب وأبو ثور: لا إحداد عليها لظاهر الحديث وأجيب بأنه للغالب أو لأن المؤمنة هي التي تنتفع بالخطاب وتنقاد فهذا الوصف لتأكيد التحريم وتغليظه وقد خالف أبو حنيفة قاعدته في إنكاره المفاهيم ( أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج) فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا كما زاده في رواية يحيى بن سعيد عن نافع عند مسلم، والحديث يعم كل زوجة صغيرة أو كبيرة حرة أو أمة مدخولاً بها أم لا عند الجمهور.
وقال أبو حنيفة لا إحداد على صغيرة ولا أمة زوجة.

وعموم الحديث حجة عليه فبالوجه الذي يلزمها العدة يلزمها الإحداد ولهذا الوجه اعتدت غير المدخول بها في الوفاة استظهارًا لحجة الزوج بعد موته إذ لو كان حيًا لبين أنه دخل بها كما لا يحكم عليه بالدين حتى تستظهر له بيمين الطالب.
قالوا: وهي الحكمة في جعل عدة الوفاة أزيد من عدة المطلقة لأنه لما عدم الزوج استظهر له بأتم وجوه البراءة وهي الأربعة أشهر وعشر لأنه الأمر الذي يتبين فيه الحمل فبعد الرابع ينفخ فيه الروح وزيدت العشر حتى تتبين حركته ولذا جعلت عدتها بالزمان الذي يشترك في معرفته الجميع ولم توكل إلى أمانة النساء فتجعل بالإقراء كالمطلقات كل ذلك حوطة للميت لعدم المحامي عنه ولزمت عدة الوفاة الصغيرة لأن كون الزوجة صغيرة نادر فشملهن الحكم وعمتهن الحوطة ثم قوله إلا على زوج إيجاب بعد النفي فيقتضي حصر الإحداد في المتوفى عنها فلا إحداد على مطلقة عند الأكثر، ومالك والشافعي رجعية كانت أو بائنة أو مثلثة، واستحبه أحمد والشافعي للرجعية وأوجبه أبو حنيفة والكوفيون على المثلثة.
وشذ الحسن وحده فقال: لا إحداد على متوفى عنها ولا على مطلقة ولولا الاتفاق على وجوب الإحداد لكان ظاهر الحديث الإباحة لأنه استثناء من عموم المنع قاله القاضي عياض، وأجيب بأن حديث التي شكت عينها المتقدم دل على الوجوب وإلا لم يمتنع التداوي المباح، وبأن السياق أيضًا يدل على الوجوب فإن كل ممنوع منه إذا دل دليل على جوازه كان ذلك الدليل بعينه دالاً على الوجوب، ويرشح ذلك هنا زيادة مسلم في بعض طرقه بعد قوله: إلا على زوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا فإنه أمر بلفظ الخبر إذ ليس المراد معنى الخبر فإن المرأة قد لا تحد فهو على حد قوله تعالى { { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ } } والمراد به الأمر اتفاقًا.
وفي المفهم القائل بوجوب الإحداد على المطلقة ثلاثًا إن قاسه على المتوفى عنها فلا يصح للحصر الذي اقتضاه الحديث، وأيضًا فعلى أن عدة الوفاة تعبدية يمتنع القياس وكذا على أنها معقولة لوضوح الفرق بأن الإحداد إنما هو مبالغة في التحرز على المرأة من النكاح بتعاطي أسبابه لعدم الزوج وفي الطلاق الزوج حي فهو يبحث ويحتاط لنفسه.

( مالك أنه بلغه أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لامرأة حاد) بشد الدال ( على زوجها اشتكت عينيها) بالتثنية ( فبلغ ذلك) الوجع المفهوم من اشتكت ( منها) مبلغًا قويًا ( اكتحلي بكحل الجلاء) بكسر الجيم والمد كحل خاص ( بالليل وامسحيه بالنهار) فأفتتها بما أفتاها به صلى الله عليه وسلم كما يأتي ( مالك أنه بلغه عن سالم بن عبد الله وسليمان بن يسار أنهما كانا يقولان في المرأة يتوفى عنها زوجها إنها إذا خشيت على بصرها من رمد أو شكو) بفتح فسكون ( أصابها أنها تكتحل وتتداوى بدواء أو كحل وإن كان فيه طيب) لأن الضرورة تبيح المحظور ( قال مالك: وإذا كانت الضرورة) أي وجدت ( فإن دين الله يسر) كما قال تعالى { { يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } } فتكتحل وإن كان فيه طيب ليلاً وتمسحه نهارًا وأما حديث المرأة التي قالت إن ابنتي اشتكت عينها أفأكحلها فقال صلى الله عليه وسلم: لا قالت: إني أخشى أن تنفقئ عينها قال: وإن انفقأت، رواه قاسم بن أصبغ وابن منده بإسناد صحيح فأجيب باحتمال أنه كان يحصل لها البرء بغير الكحل كالتضميد بالصبر وبأنه فهم أنها ذكرت ذلك اعتذارًا لا أن الخوف ثبت حقيقة إذ لو تحققه لأباحه لها إذ المنع مع الضرورة حرج مرفوع من دينه.
( مالك عن نافع أن صفية بنت أبي عبيد) الثقفية أدركت النبي صلى الله عليه وسلم وأبوها صحابي قاله ابن منده ونفى الدارقطني إدراكها في الإصابة على نفي إدراك السماع منه وذكرها العجلي وابن حبان في ثقات التابعين ( اشتكت عينيها وهي حاد) بشد الدال بلا هاء، لأنه نعت للمؤنث لا يشركه فيه المذكر مثل طالق وحائض ( على زوجها عبد الله بن عمر) تزوجها في خلافة أبيه وأصدقها عمر أربعمائة وزادها ابنه سرًا منه مائتي درهم وولدت له واقدًا وأبا بكر وأبا عبيدة وعبيد الله وعمر وحفصة وسودة ( فلم تكتحل حتى كادت عيناها ترمصان) بفتح الميم وصاد مهملة من باب تعب، يجمد الوسخ في موقها والرجل أرمص والمرأة رمصاء.
ولا منافاة بين هذا وبين ما في الصحيحين أن ابن عمر رجع من الحج فقيل له إن صفية في السياق فأسرع السير وجمع جمع تأخير، وكان ذلك في إمارة ابن الزبير لأنها عوفيت ثم مات زوجها في حياتها كما صرح به هنا.

( قال مالك تدهن المتوفى عنها زوجها بالزيت والشيرق) بفتح الشين المعجمة ثم موحدة أو تحتية ساكنة، دهن السمسم ( وما أشبه ذلك إذا لم يكن فيه طيب) ما لم تدع الضرورة للطيب وإلا جاز كما قدمه وهو المعتمد في المذهب ( ولا تلبس المرأة الحاد على زوجها شيئًا من الحلي) بفتح فسكون ( خاتمًا ولا خلخالاً) بفتح الخاء، واحد خلاخيل النساء، والخلخل لغة فيه أو مقصور منه قال:

براقة الجيد صموت الخلخل

قاله الجوهري ( ولا غير ذلك من الحلي) كسوار وخرص وقرط ذهبًا كان كله أو فضة.
قال الباجي: ويدخل فيه الجوهر والياقوت ( ولا تلبس شيئًا من العصب) بفتح العين وسكون الصاد المهملتين وموحدة قال ابن الأثير: برود يمنية يعصب غزلها أي يجمع ويشد ثم يصبغ وينسج فيأتي موشيًا لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه الصبغ يقال: برد عصب بالتنوين والإضافة وقيل: هي برود مخططة والعصب الفتل والعصاب الغزال ( إلا أن يكون عصبًا غليظًا) فتلبسه لأنه لا كبير زينة فيه حملاً لحديث أم عطية في الصحيحين مرفوعًا: لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا، ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيبًا إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار على الغليظ دون الرقيق لأن علة المنع الزينة وهي موجودة في الرقيق.
( ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا بشيء من الصبغ) بكسر فسكون بأحمر أو أصفر أو غيرهما ( إلا بالسواد) فيجوز، قال الباجي: يعني به الأسود الغرابي لا السماوي فإنه يتجمل به اهـ.
وخص الأسود بغير ناصعة البياض فإنه يزينها فيمنع عليها لبسه.
قال ابن المنذر: خص كل من يحفظ عنه العلم في البياض من الحرير وغيره ( ولا تمتشط) بشيء كطيب وحناء إلا بالسدر وما أشبهه مما لا يختمر في رأسها.

( مالك أنه بلغه) وصله أبو داود والنسائي من طريق ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن المغيرة بن الضحاك عن أم حكيم بنت أسيد عن أمها عن أم سلمة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم سلمة وهي حاد على أبي سلمة) عبد الله بن عبد الأسد المخزومي ( وقد جعلت على عينيها) بالتثنية ( صبرًا) بفتح الصاد المهملة وكسر الموحدة، في الأشهر الدواء المر، وسكون الباء للتخفيف لغة قليلة وقيل: لم تسمع في السعة.
وحكى ابن السيد في المثلث جواز التخفيف كنظائره بسكون الباء مع كسر الصاد وفتحها فيكون فيه ثلاث لغات ( فقال: ما هذا يا أم سلمة؟ قالت: إنما هو صبر يا رسول الله قال: اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار) زاد أبو داود: ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب قلت: فبأي شيء أمتشط يا رسول الله؟ قال: بالسدر وتغفلين به رأسك ( قال مالك الإحداد على الصبية التي لم تبلغ المحيض كهيئته على التي قد بلغت المحيض تجتنب ما تجتنب المرأة البالغة إذا هلك عنها زوجها) لأنه بالوجه الذي يلزمها العدة يلزمها الإحداد وبه قال الجمهور وقال أبو حنيفة: لا إحداد عليها لقوله لا يحل لامرأة والصبية لا تسمى امرأة وأجيب على تسليمه بأنه خرج مخرج الغالب ( تحد الأمة إذا توفي عنها زوجها شهرين وخمس ليال مثل) أي قدر ( عدتها) لأنها زوجة فشملها الحديث ( ليس على أم الولد إحداد إذا هلك عنها سيدها ولا على أمة) قنة ( يموت عنها سيدها إحداد) وقد كان يطؤها ( وإنما الإحداد على ذوات الأزواج) لقوله في الحديث إلا على زوج ( مالك أنه بلغه أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول: تجمع الحاد رأسها) أي شعره أي تمشطه ( بالسدر والزيت) الذي لا طيب فيه.



رقم الحديث 1275 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ فِي الْمَرْأَةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا: إِنَّهَا إِذَا خَشِيَتْ عَلَى بَصَرِهَا مِنْ رَمَدٍ، أَوْ شَكْوٍ أَصَابَهَا، إِنَّهَا تَكْتَحِلُ، وَتَتَدَاوَى بِدَوَاءٍ أَوْ كُحْلٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا كَانَتِ الضَّرُورَةُ فَإِنَّ دِينَ اللَّهِ يُسْرٌ.


( مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) بفتح المهملة وسكون الزاي ( عن حميد بن نافع) الأنصاري أبي أفلح المدني التابعي ( عن زينب بنت أبي سلمة) بن عبد الأسد المخزومية الصحابية ربيبته صلى الله عليه وسلم ماتت سنة ثلاث وسبعين ( أنها أخبرته) أي حميدًا ( هذه الأحاديث الثلاثة) التي بينتها له حيث ( قالت زينب دخلت على أم حبيبة) رملة ( زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها أبو سفيان) صخر ( بن حرب) سنة اثنين وثلاثين عند الجمهور، وقيل سنة ثلاث.
ووقع عند البخاري في الجنائز من رواية ابن عيينة لما جاء نعي أبي سفيان من الشام.
قال الحافظ: وفيه نظر لأنه مات بالمدينة بلا خلاف بين أهل الأخبار ولم أر في شيء من طرق هذا الحديث تقييده بذلك إلا في رواية ابن عيينة هذه وأظنها وهمًا.
ولابن أبي شيبة والدارمي من طريق شعبة عن نافع جاء نعي لأخي أم حبيبة أو حميم لها فدعت بصفرة فلطخت به ذراعها.

ورواه أحمد بلفظ أن حميمًا لها مات بلا تردد وإطلاق الحميم على الأخ أقرب من إطلاقه على الأب فقوى الظن أن القصة تعددت لزينب مع أم حبيبة لما جاءها نعي أخيها من الشام سنة ثمان عشرة أو تسع عشرة ثم عند وفاة أبيها أبي سفيان بالمدينة لا مانع من ذلك.
( فدعت أم حبيبة بطيب) أي طلبت طيبًا ( فيه صفرة خلوق) بوزن صبور نوع من الطيب ( أو غيره) برفعهما وجرهما روايتان اقتصر النووي على الأولى ( فدهنت به جارية) بالنصب.
قال الحافظ لم أعرف اسمها ( ثم مسحت) أم حبيبة ( بعارضيها) أي جانبي وجهها، وجعل العارضين ماسحين تجوز والظاهر أنها جعلت الصفرة في يديها ومسحتها بعارضيها والباء للإلصاق أو الاستعانة، ومسح يتعدى بنفسه وبالباء تقول: مسحت برأسي ورأسي.

وفي الإكمال قال ابن دريد العارضان صفحتا العنق وما بعد الأسنان وفي كتاب العين عارضة الوجه ما يبدو منه ومبسما الفم والثنايا والمراد هنا الأول وفي المفهم العوارض ما بعد الأسنان أطلقت في الخدين هنا مجازًا لأنهما عليهما فهو من مجاز المجاورة أو تسمية الشيء بما كان من سببه زاد في رواية لهما وذراعيها ( ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة) وفي رواية بزيادة من ( غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) نفي بمعنى النهي على سبيل التأكيد ( أن تحد) بضم أوله وكسر الحاء من الرباعي، ولم يعرف الأصمعي سواه، وحكى غيره فتح أوله وضم ثانيه من الثلاثي، يقال: حدت المرأة وأحدت بمعنى ( على ميت فوق ثلاث ليال) فلها أن تحد على القريب ثلاثًا فأقل فإن مات في بقية يوم أو بقية ليلة ألغت تلك البقية وعدت الثلاث من الليلة المستقبلة قاله القرطبي، والمصدر المنسبك من أن تحد فاعل يحل وفوق ظرف زمان لأنه أضيف إلى زمان ( إلا على زوج) إيجاب للنفي والجار والمجرور متعلق بتحد فالاستثناء مفرغ ( أربعة أشهر وعشرًا) أي أيامها عند الجمهور فلا تحل حتى تدخل الليلة الحادية عشر فأنث العدد لإرادة المدة أو أريد الأيام بلياليها خلافًا للأوزاعي وغيره أنها عشر ليال فتحل في اليوم العاشر ولولا الاتفاق على وجوب إحداد المتوفى عنها لكان ظاهر الحديث الإباحة لأنه استثنى من عموم الحظر.
وأشار الباجي إلى أنه من عموم الأمر بعد الحظر فيحمل على الندب عند من يقول ذلك من الأصوليين، وليس الحديث من ذلك إذ ليس فيه أمر بعد حظر إنما هو استثناه من الحظر واختلف في الحامل يزيد عليها هل عليها الإحداد في الزيادة حتى تضع أو لا يلزمها إحداد في الزيادة لظاهر الحديث قاله عياض.

( قالت زينب) بالسند السابق وهذا الحديث الثاني ( ثم دخلت على زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أخوها) عبد الله بن جحش كما سمي في كثير من الموطآت كابن وهب وغيره عند الدارقطني وأبي مصعب عند ابن حبان لكن استشكل بأن عبد الله استشهد بأحد وزينب حينئذ صغيرة جدًا لأن أباها مات بعد بدر، وأن أمها حلت بوضعها وتزوج صلى الله عليه وسلم أمها وهي صغيرة.
وأجيب بأن ابن عبد البر وغيره حكوا أن زينب ولدت بأرض الحبشة ومقتضاه أن يكون لها عند وفاة عبد الله بن جحش أربع سنين ومثلها يضبط ذلك ويميزه، ويجوز أن يراد بالأخ عبيد الله المصغر الذي تنصر ومات بأرض الحبشة فتزوج صلى الله عليه وسلم بعده أم حبيبة، فإن زينب ابنة أبي سلمة كانت مميزة لما جاء خبر وفاته وقد يحزن المرء على قريبه الكافر لا سيما إذا تذكر سوء مصيره، ولعل ما وقع في تلك الموطآت عبد الله بالتكبير كان عبيد الله بتصغير العبد فلم يضبطه الكاتب، ويجوز أن يراد أخ لها من أمها أو من الرضاعة وأما أخوها أبو أحمد بن جحش واسمه عبد بلا إضافة كان شاعرًا أعمى فمات بعد أخته زينب بنت جحش بسنة كما جزم به ابن إسحاق وغيره وحضر جنازة أخته وراجع عمر في شيء بسببها كما عند ابن سعد فلا يصح إرادته هنا هذا ولفظ ثم هنا لترتيب الأخبار لا لترتيب الوقائع لأن زينب ابنة جحش ماتت قبل أبي سفيان بأكثر من عشر سنين على الصحيح المشهور ( فدعت بطيب فمست منه) وفي رواية به أي شيئًا من جسدها.

( ثم قالت:) زاد التنيسي أما بالتخفيف ( والله ما لي بالطيب حاجة) ولابن يوسف بزيادة من ( غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:) زاد التنيسي على المنبر ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) هو من خطاب التصحيح لأن المؤمن هو الذي ينتفع بالخطاب وينقاد له فهذا الوصف لتأكيد التحريم لما يقتضيه سياقه ومفهومه أن خلافه مناف للإيمان كما قال تعالى { { وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } } فإنه يقتضي تأكيد أمر التوكل بربطه بالإيمان ( تحد) بضم فكسر وبفتح فضم وحذف أن الناصبة ورفع الفعل وهو مقيس ( على ميت فوق ثلاث ليال) قال ابن بطال: أباح الشارع للمرأة أن تحد على غير الزوج ثلاثة أيام لما يغلب من لوعة الحزن ويهجم من أليم الوجد وليس ذلك واجبًا للاتفاق على أن الزوج لو طالبها بالجماع لم يحل لها منعه في تلك الحالة ( إلا على زوج) فتحد عليه ( أربعة أشهر وعشرًا) فالظرف متعلق بمحذوف في المستثنى دل عليه المذكور في المستثنى منه والاستثناء متصل إن جعل بيانًا لقوله فوق ثلاث ليال، فالمعنى لا يحل لامرأة تحد أربعة أشهر وعشرًا على ميت إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا وإن جعل معمولاً لتحد مضمرًا فهو منقطع أي لكن تحد على زوج أربعة أشهر وعشرًا قالوا: وحكمة هذا العدد أن الولد يتكامل خلقه في مائة وعشرين يومًا وهي تزيد على أربعة أشهر لنقص الأهلة فجبر الكسر إلى العقد احتياطًا.

( قالت زينب) بالسند السابق وهذا هو الحديث الثالث ( وسمعت) أمي ( أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: جاءت امرأة) هي عاتكة بنت نعيم بن عبد الله بن النحام كما في معرفة الصحابة لأبي نعيم ( إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها) المغيرة المخزومي، رواه إسماعيل القاضي في الأحكام وروى الإسماعيلي في تأليفه مسند يحيى بن سعيد الأنصاري عنه عن حميد بن نافع عن زينب عن أمها قالت: جاءت امرأة من قريش قال يحيى: لا أدري ابنة النحام أو أمها بنت سعد ورواه الإسماعيلي من طرق كثيرة فيها التصريح بأن البنت عاتكة فعلى هذا فأمها لم تسم قاله الحافظ ( وقد اشتكت) هي أي ابنتي ( عينيها) بالتثنية والنصب مفعول وفي رواية التنيسي عينها بالإفراد والنصب أيضًا كما رجحه المنذري بدليل التثنية بالنصب وبالرفع على الفاعلية، واقتصر النووي عليه ونسبت الشكاية إلى نفس العين مجازًا، وزعم الحريري أن الصواب النصب وأن الرفع لحن ورد بأنه يؤيد الرفع أن في رواية لمسلم اشتكت عيناها بالتثنية إلا أن يجيب بأنه على لغة من يعرب المثنى في الأحوال الثلاث بحركات مقدرة ( أفتكحلهما) بضم الحاء وهو مما جاء مضمومًا وإن كانت عينه حرف حلق ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا) تكحلهما قال ذلك ( مرتين أو ثلاثًا كل ذلك يقول لا) تأكيدًا للمنع ويأتي في حديث أم سلمة أنه قال اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار.
وجمع بينهما بأنه صلى الله عليه وسلم لم يتحقق الخوف هنا على عينيها إذ لو تحققه لأباحه لها لأن المنع مع الضرورة حرج وإنما فهم عنها إنما ذكرته اعتذارًا لا على وجه أن الخوف ثبت وبأن المنع منه عند عدم الحاجة ولو بالليل فإن اضطر إليه جاز بالليل دون النهار، وأما النهي فإنما هو ندب لتركه لا على الوجوب قاله عياض وغيره ( ثم قال: إنما هي) أي العدة ( أربعة أشهر وعشرًا) بالنصب على حكاية لفظ القرآن وفي رواية أربعة بالرفع على الأصل والمراد تقليل المدة وتهوين الصبر عما منعت منه وهو الاكتحال في العدة ولذا قال: ( وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة) بفتح الموحدة والعين وتسكن، واحدة البعر والجمع أبعار رجيع ذي الخف والظلف وفي ذكر الجاهلية إشارة إلى أن الإسلام صار بخلافه لكن التقدير بقوله ( على رأس الحول) استمر في الإسلام مدة لقوله تعالى { { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ } } ثم نسخ بقوله { { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } } والناسخ مقدم تلاوة متأخر نزولاً ولم يوجد في سورة واحدة إلا في هذه وأما من سورتين فموجود قاله عياض وقال غيره مثله سيقول السفهاء مع قوله { { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ } }

والحديث يدل على النسخ وقيل: هو حض للأزواج على الوصية بتمام السنة لمن لا ترث واختلف كيف كان قبل النسخ فقيل كانت النفقة والسكنى من مال الميت فنسخت النفقة بآية المواريث والحول بالأربعة وعشر وقيل كانت مخيرة في المقام فلها النفقة والخروج فلا شيء لها.
وقال مجاهد: كانت تعتد عند أهل زوجها سنة واجبة فأنزل الله { { مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } } والعدة عليها باقية فجعل لها تمام الحول وصية إن شاءت سكنت وإن شاءت خرجت.

( قال حميد بن نافع) بالإسناد السابق ( فقلت لزينب) بنت أبي سلمة ( وما) معنى قوله صلى الله عليه وسلم ( ترمي بالبعرة على رأس الحول فقالت زينب كانت المرأة) في الجاهلية ( إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشًا) بكسر الحاء المهملة وسكون الفاء وشين معجمة، بيتًا رديئًا كما يأتي وفي رواية النسائي عمدت إلى شر بيت لها فجلست فيه ( ولبست شر ثيابها) أردأها، وهذه تفسير للرواية الأخرى في الصحيحين: شر أحلاسها، بمهملتين جمع حلس بكسر فسكون، ثوب أو كساء رقيق يجعل على ظهر الدابة تحت البردعة ( ولم تمسس) بفتح أوله وسكون الميم، وفي رواية ولم تمس بفتحهما بالإدغام ( طيبا ولا شيئًا) تتزين به ( حتى تمر بها سنة) من موت زوجها ( ثم تؤتى) بضم أوله وفتح ثالثه ( بدابة حمار) بالجر والتنوين بدل ( أو شاة أو طير) بأو للتنويع، وإطلاق الدابة عليهما حقيقة لغوية قال المجد الدابة ما دب من الحيوان وغلب على ما يركب ويقع على المذكر ( فتفتض به) بفاء ففوقية ففاء ثانية ساكنة ففوقية أخرى فضاد معجمة ثقيلة ( فقلما تفتض بشيء) مما ذكر، وما مصدرية أي افتضاضها بشيء ( إلا مات ثم تخرج فتعطى) بضم الفوقية وفتح الطاء ( بعرة) من بعر الإبل أو الغنم ( فترمي بها) أمامها فيكون ذلك إحلالاً لها، كذا في رواية ابن الماجشون عن مالك.
وفي رواية ابن وهب عنه من وراء ظهرها إشارة إلى أن ما فعلته من التربص والصبر على البلاء الذي كانت فيه هين بالنسبة إلى فقد زوجها وما يستحقه من المراعاة كما يهون الرامي بالبعرة بها ( ثم تراجع) بضم الفوقية فراء فألف فجيم مكسورة فمهملة ( بعد) أي بعد ما ذكر من الافتضاض والرمي ( ما شاءت من طيب أو غيره) مما كانت ممنوعة منه في العدة وهذا التفسير لم تسنده زينب.

وساقه شعبة عن حميد بن نافع مرفوعًا ولفظه في الصحيحين عن زينب عن أمها: أن امرأة توفي زوجها فخافوا على عينيها فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنوه في الكحل فقال: لا قد كانت إحداكن تكون في شر بيتها في أحلاسها أو شرسها فإذا كان حول فمر كلب رمت ببعرة فخرجت أفلا أربعة أشهر وعشرًا قال الحافظ: حديث الباب لا يقتضي الإدراج في رواية شعبة لأنه من أحفظ الناس فلا يقضى على روايته برواية غيره بالاحتمال اهـ.
وقد يرد عليه أن ذلك ليس بالاحتمال فقد صرح هو في شارح نخبته تبعًا لغيره بأن مما يعرف به الإدراج مجيء رواية مبينة للقدر المدرج، وما هنا من ذلك فإن رواية مالك عن شيخه عن حميد بينت أن التفسير من زينب وكون شعبة من الحفاظ لا يقتضي أنه لا يروي ما فيه المدرج فلم تزل الحفاظ يروونه كثيرًا كابن شهاب وغيره.

( قال مالك والحفش البيت الرديء) وللقعنبي عنه الصغير جدًا وهما بمعنى فرداءته لصغره ولابن القاسم عنه الحفش الخص وهو بضم المعجمة ومهملة وللشافعي الذليل الشعث البناء وفي المعلم الحفش البيت الحقير.
وفي الحديث أنه قال في الذي بعثه ساعيًا على الزكاة: هلا قعد في حفش أمه ينظر هل يهدى إليه أم لا؟ وقيل: الحفش البيت الذليل القصير السمك، شبهه به لضيقه، والتحفش: الانضمام والاجتماع زاد عياض وقيل: الحفش شبه القفة من الخوص تجمع المرأة فيها غزلها وأسبابها ( و) معنى ( تفتض تمسح به جلدها كالنشرة) قال ابن وهب: معناه تمسح بيدها عليه أو على ظهره، وقيل معناه تمسح به ثم تفتض أي تغتسل بالماء العذب والافتضاض الاغتسال بالماء العذب للإنقاء حتى تصير كالفضة وقال الأخفش: معناه تتنظف وتنتقي مأخوذ من الفضة تشبيهًا بنقائها وبياضها.
وقال ابن قتيبة: سألت الحجازيين عن الافتضاض فقالوا: كانت المعتدة لا تغتسل ولا تمس طيبًا ولا تقلم ظفرًا ولا تزيل شعرًا ثم تخرج بعد الحول في أشر منظر ثم تفتض أي تكسر ما هي فيه من العدة بطائر تمسح به قبلها وتنبذه فلا يكاد يعيش، وهذا أخص من تفسير مالك لأنه أطلق الجلد وهذا قيده بجلد القبل.
وعند النسائي تقبض: بقاف فموحدة فمهملة مخففة، وهي رواية الشافعي.
قال ابن الأثير: هو كناية عن الإسراع أي تذهب بعدو وسرعة نحو منزل أبويها لكثرة حيائها بقبح منظرها أو لشدة شوقها إلى التزويج لبعد عهدها به.
قال: والمشهور في الرواية الفاء والفوقية والضاد المعجمة.

وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي والترمذي من طريق معن بن عيسى، وأبو داود والترمذي أيضًا، والنسائي من طريق ابن القاسم خمستهم عن مالك به وتابعه جماعة وله طرق عندهم.

( مالك عن نافع) مولى ابن عمر ( عن صفية بنت أبي عبيد) زوجة سيده ( عن عائشة وحفصة زوجي النبي صلى الله عليه وسلم) هكذا ليحيى وأبي مصعب، وطائفة بالواو.
ولابن بكير والقعنبي وآخرين عن عائشة أو حفصة على الشك وكذا رواه عبد الله بن دينار والليث بن سعد كلاهما عن نافع بالشك، ورواه يحيى بن سعيد عن نافع عن صفية عن حفصة وحدها ورواه عبيد الله عن نافع عن صفية عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أخرج ذلك كله مسلم.
( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) نفي بمعنى النهي والتقييد بذلك خرج مخرج الغالب كما يقال: هذا طريق المسلمين مع أنه يسلكه غيرهم فالكتابية كذلك عند الجمهور، وهو المشهور عن مالك وقال أبو حنيفة والكوفيون ومالك في رواية، وابن نافع وابن كنانة وأشهب وأبو ثور: لا إحداد عليها لظاهر الحديث وأجيب بأنه للغالب أو لأن المؤمنة هي التي تنتفع بالخطاب وتنقاد فهذا الوصف لتأكيد التحريم وتغليظه وقد خالف أبو حنيفة قاعدته في إنكاره المفاهيم ( أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج) فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا كما زاده في رواية يحيى بن سعيد عن نافع عند مسلم، والحديث يعم كل زوجة صغيرة أو كبيرة حرة أو أمة مدخولاً بها أم لا عند الجمهور.
وقال أبو حنيفة لا إحداد على صغيرة ولا أمة زوجة.

وعموم الحديث حجة عليه فبالوجه الذي يلزمها العدة يلزمها الإحداد ولهذا الوجه اعتدت غير المدخول بها في الوفاة استظهارًا لحجة الزوج بعد موته إذ لو كان حيًا لبين أنه دخل بها كما لا يحكم عليه بالدين حتى تستظهر له بيمين الطالب.
قالوا: وهي الحكمة في جعل عدة الوفاة أزيد من عدة المطلقة لأنه لما عدم الزوج استظهر له بأتم وجوه البراءة وهي الأربعة أشهر وعشر لأنه الأمر الذي يتبين فيه الحمل فبعد الرابع ينفخ فيه الروح وزيدت العشر حتى تتبين حركته ولذا جعلت عدتها بالزمان الذي يشترك في معرفته الجميع ولم توكل إلى أمانة النساء فتجعل بالإقراء كالمطلقات كل ذلك حوطة للميت لعدم المحامي عنه ولزمت عدة الوفاة الصغيرة لأن كون الزوجة صغيرة نادر فشملهن الحكم وعمتهن الحوطة ثم قوله إلا على زوج إيجاب بعد النفي فيقتضي حصر الإحداد في المتوفى عنها فلا إحداد على مطلقة عند الأكثر، ومالك والشافعي رجعية كانت أو بائنة أو مثلثة، واستحبه أحمد والشافعي للرجعية وأوجبه أبو حنيفة والكوفيون على المثلثة.
وشذ الحسن وحده فقال: لا إحداد على متوفى عنها ولا على مطلقة ولولا الاتفاق على وجوب الإحداد لكان ظاهر الحديث الإباحة لأنه استثناء من عموم المنع قاله القاضي عياض، وأجيب بأن حديث التي شكت عينها المتقدم دل على الوجوب وإلا لم يمتنع التداوي المباح، وبأن السياق أيضًا يدل على الوجوب فإن كل ممنوع منه إذا دل دليل على جوازه كان ذلك الدليل بعينه دالاً على الوجوب، ويرشح ذلك هنا زيادة مسلم في بعض طرقه بعد قوله: إلا على زوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا فإنه أمر بلفظ الخبر إذ ليس المراد معنى الخبر فإن المرأة قد لا تحد فهو على حد قوله تعالى { { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ } } والمراد به الأمر اتفاقًا.
وفي المفهم القائل بوجوب الإحداد على المطلقة ثلاثًا إن قاسه على المتوفى عنها فلا يصح للحصر الذي اقتضاه الحديث، وأيضًا فعلى أن عدة الوفاة تعبدية يمتنع القياس وكذا على أنها معقولة لوضوح الفرق بأن الإحداد إنما هو مبالغة في التحرز على المرأة من النكاح بتعاطي أسبابه لعدم الزوج وفي الطلاق الزوج حي فهو يبحث ويحتاط لنفسه.

( مالك أنه بلغه أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لامرأة حاد) بشد الدال ( على زوجها اشتكت عينيها) بالتثنية ( فبلغ ذلك) الوجع المفهوم من اشتكت ( منها) مبلغًا قويًا ( اكتحلي بكحل الجلاء) بكسر الجيم والمد كحل خاص ( بالليل وامسحيه بالنهار) فأفتتها بما أفتاها به صلى الله عليه وسلم كما يأتي ( مالك أنه بلغه عن سالم بن عبد الله وسليمان بن يسار أنهما كانا يقولان في المرأة يتوفى عنها زوجها إنها إذا خشيت على بصرها من رمد أو شكو) بفتح فسكون ( أصابها أنها تكتحل وتتداوى بدواء أو كحل وإن كان فيه طيب) لأن الضرورة تبيح المحظور ( قال مالك: وإذا كانت الضرورة) أي وجدت ( فإن دين الله يسر) كما قال تعالى { { يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } } فتكتحل وإن كان فيه طيب ليلاً وتمسحه نهارًا وأما حديث المرأة التي قالت إن ابنتي اشتكت عينها أفأكحلها فقال صلى الله عليه وسلم: لا قالت: إني أخشى أن تنفقئ عينها قال: وإن انفقأت، رواه قاسم بن أصبغ وابن منده بإسناد صحيح فأجيب باحتمال أنه كان يحصل لها البرء بغير الكحل كالتضميد بالصبر وبأنه فهم أنها ذكرت ذلك اعتذارًا لا أن الخوف ثبت حقيقة إذ لو تحققه لأباحه لها إذ المنع مع الضرورة حرج مرفوع من دينه.
( مالك عن نافع أن صفية بنت أبي عبيد) الثقفية أدركت النبي صلى الله عليه وسلم وأبوها صحابي قاله ابن منده ونفى الدارقطني إدراكها في الإصابة على نفي إدراك السماع منه وذكرها العجلي وابن حبان في ثقات التابعين ( اشتكت عينيها وهي حاد) بشد الدال بلا هاء، لأنه نعت للمؤنث لا يشركه فيه المذكر مثل طالق وحائض ( على زوجها عبد الله بن عمر) تزوجها في خلافة أبيه وأصدقها عمر أربعمائة وزادها ابنه سرًا منه مائتي درهم وولدت له واقدًا وأبا بكر وأبا عبيدة وعبيد الله وعمر وحفصة وسودة ( فلم تكتحل حتى كادت عيناها ترمصان) بفتح الميم وصاد مهملة من باب تعب، يجمد الوسخ في موقها والرجل أرمص والمرأة رمصاء.
ولا منافاة بين هذا وبين ما في الصحيحين أن ابن عمر رجع من الحج فقيل له إن صفية في السياق فأسرع السير وجمع جمع تأخير، وكان ذلك في إمارة ابن الزبير لأنها عوفيت ثم مات زوجها في حياتها كما صرح به هنا.

( قال مالك تدهن المتوفى عنها زوجها بالزيت والشيرق) بفتح الشين المعجمة ثم موحدة أو تحتية ساكنة، دهن السمسم ( وما أشبه ذلك إذا لم يكن فيه طيب) ما لم تدع الضرورة للطيب وإلا جاز كما قدمه وهو المعتمد في المذهب ( ولا تلبس المرأة الحاد على زوجها شيئًا من الحلي) بفتح فسكون ( خاتمًا ولا خلخالاً) بفتح الخاء، واحد خلاخيل النساء، والخلخل لغة فيه أو مقصور منه قال:

براقة الجيد صموت الخلخل

قاله الجوهري ( ولا غير ذلك من الحلي) كسوار وخرص وقرط ذهبًا كان كله أو فضة.
قال الباجي: ويدخل فيه الجوهر والياقوت ( ولا تلبس شيئًا من العصب) بفتح العين وسكون الصاد المهملتين وموحدة قال ابن الأثير: برود يمنية يعصب غزلها أي يجمع ويشد ثم يصبغ وينسج فيأتي موشيًا لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه الصبغ يقال: برد عصب بالتنوين والإضافة وقيل: هي برود مخططة والعصب الفتل والعصاب الغزال ( إلا أن يكون عصبًا غليظًا) فتلبسه لأنه لا كبير زينة فيه حملاً لحديث أم عطية في الصحيحين مرفوعًا: لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا، ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيبًا إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار على الغليظ دون الرقيق لأن علة المنع الزينة وهي موجودة في الرقيق.
( ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا بشيء من الصبغ) بكسر فسكون بأحمر أو أصفر أو غيرهما ( إلا بالسواد) فيجوز، قال الباجي: يعني به الأسود الغرابي لا السماوي فإنه يتجمل به اهـ.
وخص الأسود بغير ناصعة البياض فإنه يزينها فيمنع عليها لبسه.
قال ابن المنذر: خص كل من يحفظ عنه العلم في البياض من الحرير وغيره ( ولا تمتشط) بشيء كطيب وحناء إلا بالسدر وما أشبهه مما لا يختمر في رأسها.

( مالك أنه بلغه) وصله أبو داود والنسائي من طريق ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن المغيرة بن الضحاك عن أم حكيم بنت أسيد عن أمها عن أم سلمة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم سلمة وهي حاد على أبي سلمة) عبد الله بن عبد الأسد المخزومي ( وقد جعلت على عينيها) بالتثنية ( صبرًا) بفتح الصاد المهملة وكسر الموحدة، في الأشهر الدواء المر، وسكون الباء للتخفيف لغة قليلة وقيل: لم تسمع في السعة.
وحكى ابن السيد في المثلث جواز التخفيف كنظائره بسكون الباء مع كسر الصاد وفتحها فيكون فيه ثلاث لغات ( فقال: ما هذا يا أم سلمة؟ قالت: إنما هو صبر يا رسول الله قال: اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار) زاد أبو داود: ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب قلت: فبأي شيء أمتشط يا رسول الله؟ قال: بالسدر وتغفلين به رأسك ( قال مالك الإحداد على الصبية التي لم تبلغ المحيض كهيئته على التي قد بلغت المحيض تجتنب ما تجتنب المرأة البالغة إذا هلك عنها زوجها) لأنه بالوجه الذي يلزمها العدة يلزمها الإحداد وبه قال الجمهور وقال أبو حنيفة: لا إحداد عليها لقوله لا يحل لامرأة والصبية لا تسمى امرأة وأجيب على تسليمه بأنه خرج مخرج الغالب ( تحد الأمة إذا توفي عنها زوجها شهرين وخمس ليال مثل) أي قدر ( عدتها) لأنها زوجة فشملها الحديث ( ليس على أم الولد إحداد إذا هلك عنها سيدها ولا على أمة) قنة ( يموت عنها سيدها إحداد) وقد كان يطؤها ( وإنما الإحداد على ذوات الأزواج) لقوله في الحديث إلا على زوج ( مالك أنه بلغه أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول: تجمع الحاد رأسها) أي شعره أي تمشطه ( بالسدر والزيت) الذي لا طيب فيه.



رقم الحديث 1276 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا، وَهِيَ حَادٌّ عَلَى زَوْجِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: فَلَمْ تَكْتَحِلْ حَتَّى كَادَتْ عَيْنَاهَا تَرْمَصَانِ قَالَ مَالِكٌ: تَدَّهِنُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، بِالزَّيْتِ وَالشَّيْرَقِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ طِيبٌ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا تَلْبَسُ الْمَرْأَةُ الْحَادُّ عَلَى زَوْجِهَا شَيْئًا مِنَ الْحَلْيِ: خَاتَمًا وَلَا خَلْخَالًا وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْحَلْيِ، وَلَا تَلْبَسُ شَيْئًا مِنَ الْعَصْبِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَصْبًا غَلِيظًا، وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِشَيْءٍ مِنَ الصِّبْغِ إِلَّا بِالسَّوَادِ، وَلَا تَمْتَشِطُ إِلَّا بِالسِّدْرِ، وَمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا لَا يَخْتَمِرُ فِي رَأْسِهَا.


( مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) بفتح المهملة وسكون الزاي ( عن حميد بن نافع) الأنصاري أبي أفلح المدني التابعي ( عن زينب بنت أبي سلمة) بن عبد الأسد المخزومية الصحابية ربيبته صلى الله عليه وسلم ماتت سنة ثلاث وسبعين ( أنها أخبرته) أي حميدًا ( هذه الأحاديث الثلاثة) التي بينتها له حيث ( قالت زينب دخلت على أم حبيبة) رملة ( زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها أبو سفيان) صخر ( بن حرب) سنة اثنين وثلاثين عند الجمهور، وقيل سنة ثلاث.
ووقع عند البخاري في الجنائز من رواية ابن عيينة لما جاء نعي أبي سفيان من الشام.
قال الحافظ: وفيه نظر لأنه مات بالمدينة بلا خلاف بين أهل الأخبار ولم أر في شيء من طرق هذا الحديث تقييده بذلك إلا في رواية ابن عيينة هذه وأظنها وهمًا.
ولابن أبي شيبة والدارمي من طريق شعبة عن نافع جاء نعي لأخي أم حبيبة أو حميم لها فدعت بصفرة فلطخت به ذراعها.

ورواه أحمد بلفظ أن حميمًا لها مات بلا تردد وإطلاق الحميم على الأخ أقرب من إطلاقه على الأب فقوى الظن أن القصة تعددت لزينب مع أم حبيبة لما جاءها نعي أخيها من الشام سنة ثمان عشرة أو تسع عشرة ثم عند وفاة أبيها أبي سفيان بالمدينة لا مانع من ذلك.
( فدعت أم حبيبة بطيب) أي طلبت طيبًا ( فيه صفرة خلوق) بوزن صبور نوع من الطيب ( أو غيره) برفعهما وجرهما روايتان اقتصر النووي على الأولى ( فدهنت به جارية) بالنصب.
قال الحافظ لم أعرف اسمها ( ثم مسحت) أم حبيبة ( بعارضيها) أي جانبي وجهها، وجعل العارضين ماسحين تجوز والظاهر أنها جعلت الصفرة في يديها ومسحتها بعارضيها والباء للإلصاق أو الاستعانة، ومسح يتعدى بنفسه وبالباء تقول: مسحت برأسي ورأسي.

وفي الإكمال قال ابن دريد العارضان صفحتا العنق وما بعد الأسنان وفي كتاب العين عارضة الوجه ما يبدو منه ومبسما الفم والثنايا والمراد هنا الأول وفي المفهم العوارض ما بعد الأسنان أطلقت في الخدين هنا مجازًا لأنهما عليهما فهو من مجاز المجاورة أو تسمية الشيء بما كان من سببه زاد في رواية لهما وذراعيها ( ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة) وفي رواية بزيادة من ( غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) نفي بمعنى النهي على سبيل التأكيد ( أن تحد) بضم أوله وكسر الحاء من الرباعي، ولم يعرف الأصمعي سواه، وحكى غيره فتح أوله وضم ثانيه من الثلاثي، يقال: حدت المرأة وأحدت بمعنى ( على ميت فوق ثلاث ليال) فلها أن تحد على القريب ثلاثًا فأقل فإن مات في بقية يوم أو بقية ليلة ألغت تلك البقية وعدت الثلاث من الليلة المستقبلة قاله القرطبي، والمصدر المنسبك من أن تحد فاعل يحل وفوق ظرف زمان لأنه أضيف إلى زمان ( إلا على زوج) إيجاب للنفي والجار والمجرور متعلق بتحد فالاستثناء مفرغ ( أربعة أشهر وعشرًا) أي أيامها عند الجمهور فلا تحل حتى تدخل الليلة الحادية عشر فأنث العدد لإرادة المدة أو أريد الأيام بلياليها خلافًا للأوزاعي وغيره أنها عشر ليال فتحل في اليوم العاشر ولولا الاتفاق على وجوب إحداد المتوفى عنها لكان ظاهر الحديث الإباحة لأنه استثنى من عموم الحظر.
وأشار الباجي إلى أنه من عموم الأمر بعد الحظر فيحمل على الندب عند من يقول ذلك من الأصوليين، وليس الحديث من ذلك إذ ليس فيه أمر بعد حظر إنما هو استثناه من الحظر واختلف في الحامل يزيد عليها هل عليها الإحداد في الزيادة حتى تضع أو لا يلزمها إحداد في الزيادة لظاهر الحديث قاله عياض.

( قالت زينب) بالسند السابق وهذا الحديث الثاني ( ثم دخلت على زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أخوها) عبد الله بن جحش كما سمي في كثير من الموطآت كابن وهب وغيره عند الدارقطني وأبي مصعب عند ابن حبان لكن استشكل بأن عبد الله استشهد بأحد وزينب حينئذ صغيرة جدًا لأن أباها مات بعد بدر، وأن أمها حلت بوضعها وتزوج صلى الله عليه وسلم أمها وهي صغيرة.
وأجيب بأن ابن عبد البر وغيره حكوا أن زينب ولدت بأرض الحبشة ومقتضاه أن يكون لها عند وفاة عبد الله بن جحش أربع سنين ومثلها يضبط ذلك ويميزه، ويجوز أن يراد بالأخ عبيد الله المصغر الذي تنصر ومات بأرض الحبشة فتزوج صلى الله عليه وسلم بعده أم حبيبة، فإن زينب ابنة أبي سلمة كانت مميزة لما جاء خبر وفاته وقد يحزن المرء على قريبه الكافر لا سيما إذا تذكر سوء مصيره، ولعل ما وقع في تلك الموطآت عبد الله بالتكبير كان عبيد الله بتصغير العبد فلم يضبطه الكاتب، ويجوز أن يراد أخ لها من أمها أو من الرضاعة وأما أخوها أبو أحمد بن جحش واسمه عبد بلا إضافة كان شاعرًا أعمى فمات بعد أخته زينب بنت جحش بسنة كما جزم به ابن إسحاق وغيره وحضر جنازة أخته وراجع عمر في شيء بسببها كما عند ابن سعد فلا يصح إرادته هنا هذا ولفظ ثم هنا لترتيب الأخبار لا لترتيب الوقائع لأن زينب ابنة جحش ماتت قبل أبي سفيان بأكثر من عشر سنين على الصحيح المشهور ( فدعت بطيب فمست منه) وفي رواية به أي شيئًا من جسدها.

( ثم قالت:) زاد التنيسي أما بالتخفيف ( والله ما لي بالطيب حاجة) ولابن يوسف بزيادة من ( غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:) زاد التنيسي على المنبر ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) هو من خطاب التصحيح لأن المؤمن هو الذي ينتفع بالخطاب وينقاد له فهذا الوصف لتأكيد التحريم لما يقتضيه سياقه ومفهومه أن خلافه مناف للإيمان كما قال تعالى { { وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } } فإنه يقتضي تأكيد أمر التوكل بربطه بالإيمان ( تحد) بضم فكسر وبفتح فضم وحذف أن الناصبة ورفع الفعل وهو مقيس ( على ميت فوق ثلاث ليال) قال ابن بطال: أباح الشارع للمرأة أن تحد على غير الزوج ثلاثة أيام لما يغلب من لوعة الحزن ويهجم من أليم الوجد وليس ذلك واجبًا للاتفاق على أن الزوج لو طالبها بالجماع لم يحل لها منعه في تلك الحالة ( إلا على زوج) فتحد عليه ( أربعة أشهر وعشرًا) فالظرف متعلق بمحذوف في المستثنى دل عليه المذكور في المستثنى منه والاستثناء متصل إن جعل بيانًا لقوله فوق ثلاث ليال، فالمعنى لا يحل لامرأة تحد أربعة أشهر وعشرًا على ميت إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا وإن جعل معمولاً لتحد مضمرًا فهو منقطع أي لكن تحد على زوج أربعة أشهر وعشرًا قالوا: وحكمة هذا العدد أن الولد يتكامل خلقه في مائة وعشرين يومًا وهي تزيد على أربعة أشهر لنقص الأهلة فجبر الكسر إلى العقد احتياطًا.

( قالت زينب) بالسند السابق وهذا هو الحديث الثالث ( وسمعت) أمي ( أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: جاءت امرأة) هي عاتكة بنت نعيم بن عبد الله بن النحام كما في معرفة الصحابة لأبي نعيم ( إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها) المغيرة المخزومي، رواه إسماعيل القاضي في الأحكام وروى الإسماعيلي في تأليفه مسند يحيى بن سعيد الأنصاري عنه عن حميد بن نافع عن زينب عن أمها قالت: جاءت امرأة من قريش قال يحيى: لا أدري ابنة النحام أو أمها بنت سعد ورواه الإسماعيلي من طرق كثيرة فيها التصريح بأن البنت عاتكة فعلى هذا فأمها لم تسم قاله الحافظ ( وقد اشتكت) هي أي ابنتي ( عينيها) بالتثنية والنصب مفعول وفي رواية التنيسي عينها بالإفراد والنصب أيضًا كما رجحه المنذري بدليل التثنية بالنصب وبالرفع على الفاعلية، واقتصر النووي عليه ونسبت الشكاية إلى نفس العين مجازًا، وزعم الحريري أن الصواب النصب وأن الرفع لحن ورد بأنه يؤيد الرفع أن في رواية لمسلم اشتكت عيناها بالتثنية إلا أن يجيب بأنه على لغة من يعرب المثنى في الأحوال الثلاث بحركات مقدرة ( أفتكحلهما) بضم الحاء وهو مما جاء مضمومًا وإن كانت عينه حرف حلق ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا) تكحلهما قال ذلك ( مرتين أو ثلاثًا كل ذلك يقول لا) تأكيدًا للمنع ويأتي في حديث أم سلمة أنه قال اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار.
وجمع بينهما بأنه صلى الله عليه وسلم لم يتحقق الخوف هنا على عينيها إذ لو تحققه لأباحه لها لأن المنع مع الضرورة حرج وإنما فهم عنها إنما ذكرته اعتذارًا لا على وجه أن الخوف ثبت وبأن المنع منه عند عدم الحاجة ولو بالليل فإن اضطر إليه جاز بالليل دون النهار، وأما النهي فإنما هو ندب لتركه لا على الوجوب قاله عياض وغيره ( ثم قال: إنما هي) أي العدة ( أربعة أشهر وعشرًا) بالنصب على حكاية لفظ القرآن وفي رواية أربعة بالرفع على الأصل والمراد تقليل المدة وتهوين الصبر عما منعت منه وهو الاكتحال في العدة ولذا قال: ( وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة) بفتح الموحدة والعين وتسكن، واحدة البعر والجمع أبعار رجيع ذي الخف والظلف وفي ذكر الجاهلية إشارة إلى أن الإسلام صار بخلافه لكن التقدير بقوله ( على رأس الحول) استمر في الإسلام مدة لقوله تعالى { { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ } } ثم نسخ بقوله { { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } } والناسخ مقدم تلاوة متأخر نزولاً ولم يوجد في سورة واحدة إلا في هذه وأما من سورتين فموجود قاله عياض وقال غيره مثله سيقول السفهاء مع قوله { { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ } }

والحديث يدل على النسخ وقيل: هو حض للأزواج على الوصية بتمام السنة لمن لا ترث واختلف كيف كان قبل النسخ فقيل كانت النفقة والسكنى من مال الميت فنسخت النفقة بآية المواريث والحول بالأربعة وعشر وقيل كانت مخيرة في المقام فلها النفقة والخروج فلا شيء لها.
وقال مجاهد: كانت تعتد عند أهل زوجها سنة واجبة فأنزل الله { { مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } } والعدة عليها باقية فجعل لها تمام الحول وصية إن شاءت سكنت وإن شاءت خرجت.

( قال حميد بن نافع) بالإسناد السابق ( فقلت لزينب) بنت أبي سلمة ( وما) معنى قوله صلى الله عليه وسلم ( ترمي بالبعرة على رأس الحول فقالت زينب كانت المرأة) في الجاهلية ( إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشًا) بكسر الحاء المهملة وسكون الفاء وشين معجمة، بيتًا رديئًا كما يأتي وفي رواية النسائي عمدت إلى شر بيت لها فجلست فيه ( ولبست شر ثيابها) أردأها، وهذه تفسير للرواية الأخرى في الصحيحين: شر أحلاسها، بمهملتين جمع حلس بكسر فسكون، ثوب أو كساء رقيق يجعل على ظهر الدابة تحت البردعة ( ولم تمسس) بفتح أوله وسكون الميم، وفي رواية ولم تمس بفتحهما بالإدغام ( طيبا ولا شيئًا) تتزين به ( حتى تمر بها سنة) من موت زوجها ( ثم تؤتى) بضم أوله وفتح ثالثه ( بدابة حمار) بالجر والتنوين بدل ( أو شاة أو طير) بأو للتنويع، وإطلاق الدابة عليهما حقيقة لغوية قال المجد الدابة ما دب من الحيوان وغلب على ما يركب ويقع على المذكر ( فتفتض به) بفاء ففوقية ففاء ثانية ساكنة ففوقية أخرى فضاد معجمة ثقيلة ( فقلما تفتض بشيء) مما ذكر، وما مصدرية أي افتضاضها بشيء ( إلا مات ثم تخرج فتعطى) بضم الفوقية وفتح الطاء ( بعرة) من بعر الإبل أو الغنم ( فترمي بها) أمامها فيكون ذلك إحلالاً لها، كذا في رواية ابن الماجشون عن مالك.
وفي رواية ابن وهب عنه من وراء ظهرها إشارة إلى أن ما فعلته من التربص والصبر على البلاء الذي كانت فيه هين بالنسبة إلى فقد زوجها وما يستحقه من المراعاة كما يهون الرامي بالبعرة بها ( ثم تراجع) بضم الفوقية فراء فألف فجيم مكسورة فمهملة ( بعد) أي بعد ما ذكر من الافتضاض والرمي ( ما شاءت من طيب أو غيره) مما كانت ممنوعة منه في العدة وهذا التفسير لم تسنده زينب.

وساقه شعبة عن حميد بن نافع مرفوعًا ولفظه في الصحيحين عن زينب عن أمها: أن امرأة توفي زوجها فخافوا على عينيها فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنوه في الكحل فقال: لا قد كانت إحداكن تكون في شر بيتها في أحلاسها أو شرسها فإذا كان حول فمر كلب رمت ببعرة فخرجت أفلا أربعة أشهر وعشرًا قال الحافظ: حديث الباب لا يقتضي الإدراج في رواية شعبة لأنه من أحفظ الناس فلا يقضى على روايته برواية غيره بالاحتمال اهـ.
وقد يرد عليه أن ذلك ليس بالاحتمال فقد صرح هو في شارح نخبته تبعًا لغيره بأن مما يعرف به الإدراج مجيء رواية مبينة للقدر المدرج، وما هنا من ذلك فإن رواية مالك عن شيخه عن حميد بينت أن التفسير من زينب وكون شعبة من الحفاظ لا يقتضي أنه لا يروي ما فيه المدرج فلم تزل الحفاظ يروونه كثيرًا كابن شهاب وغيره.

( قال مالك والحفش البيت الرديء) وللقعنبي عنه الصغير جدًا وهما بمعنى فرداءته لصغره ولابن القاسم عنه الحفش الخص وهو بضم المعجمة ومهملة وللشافعي الذليل الشعث البناء وفي المعلم الحفش البيت الحقير.
وفي الحديث أنه قال في الذي بعثه ساعيًا على الزكاة: هلا قعد في حفش أمه ينظر هل يهدى إليه أم لا؟ وقيل: الحفش البيت الذليل القصير السمك، شبهه به لضيقه، والتحفش: الانضمام والاجتماع زاد عياض وقيل: الحفش شبه القفة من الخوص تجمع المرأة فيها غزلها وأسبابها ( و) معنى ( تفتض تمسح به جلدها كالنشرة) قال ابن وهب: معناه تمسح بيدها عليه أو على ظهره، وقيل معناه تمسح به ثم تفتض أي تغتسل بالماء العذب والافتضاض الاغتسال بالماء العذب للإنقاء حتى تصير كالفضة وقال الأخفش: معناه تتنظف وتنتقي مأخوذ من الفضة تشبيهًا بنقائها وبياضها.
وقال ابن قتيبة: سألت الحجازيين عن الافتضاض فقالوا: كانت المعتدة لا تغتسل ولا تمس طيبًا ولا تقلم ظفرًا ولا تزيل شعرًا ثم تخرج بعد الحول في أشر منظر ثم تفتض أي تكسر ما هي فيه من العدة بطائر تمسح به قبلها وتنبذه فلا يكاد يعيش، وهذا أخص من تفسير مالك لأنه أطلق الجلد وهذا قيده بجلد القبل.
وعند النسائي تقبض: بقاف فموحدة فمهملة مخففة، وهي رواية الشافعي.
قال ابن الأثير: هو كناية عن الإسراع أي تذهب بعدو وسرعة نحو منزل أبويها لكثرة حيائها بقبح منظرها أو لشدة شوقها إلى التزويج لبعد عهدها به.
قال: والمشهور في الرواية الفاء والفوقية والضاد المعجمة.

وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي والترمذي من طريق معن بن عيسى، وأبو داود والترمذي أيضًا، والنسائي من طريق ابن القاسم خمستهم عن مالك به وتابعه جماعة وله طرق عندهم.

( مالك عن نافع) مولى ابن عمر ( عن صفية بنت أبي عبيد) زوجة سيده ( عن عائشة وحفصة زوجي النبي صلى الله عليه وسلم) هكذا ليحيى وأبي مصعب، وطائفة بالواو.
ولابن بكير والقعنبي وآخرين عن عائشة أو حفصة على الشك وكذا رواه عبد الله بن دينار والليث بن سعد كلاهما عن نافع بالشك، ورواه يحيى بن سعيد عن نافع عن صفية عن حفصة وحدها ورواه عبيد الله عن نافع عن صفية عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أخرج ذلك كله مسلم.
( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) نفي بمعنى النهي والتقييد بذلك خرج مخرج الغالب كما يقال: هذا طريق المسلمين مع أنه يسلكه غيرهم فالكتابية كذلك عند الجمهور، وهو المشهور عن مالك وقال أبو حنيفة والكوفيون ومالك في رواية، وابن نافع وابن كنانة وأشهب وأبو ثور: لا إحداد عليها لظاهر الحديث وأجيب بأنه للغالب أو لأن المؤمنة هي التي تنتفع بالخطاب وتنقاد فهذا الوصف لتأكيد التحريم وتغليظه وقد خالف أبو حنيفة قاعدته في إنكاره المفاهيم ( أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج) فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا كما زاده في رواية يحيى بن سعيد عن نافع عند مسلم، والحديث يعم كل زوجة صغيرة أو كبيرة حرة أو أمة مدخولاً بها أم لا عند الجمهور.
وقال أبو حنيفة لا إحداد على صغيرة ولا أمة زوجة.

وعموم الحديث حجة عليه فبالوجه الذي يلزمها العدة يلزمها الإحداد ولهذا الوجه اعتدت غير المدخول بها في الوفاة استظهارًا لحجة الزوج بعد موته إذ لو كان حيًا لبين أنه دخل بها كما لا يحكم عليه بالدين حتى تستظهر له بيمين الطالب.
قالوا: وهي الحكمة في جعل عدة الوفاة أزيد من عدة المطلقة لأنه لما عدم الزوج استظهر له بأتم وجوه البراءة وهي الأربعة أشهر وعشر لأنه الأمر الذي يتبين فيه الحمل فبعد الرابع ينفخ فيه الروح وزيدت العشر حتى تتبين حركته ولذا جعلت عدتها بالزمان الذي يشترك في معرفته الجميع ولم توكل إلى أمانة النساء فتجعل بالإقراء كالمطلقات كل ذلك حوطة للميت لعدم المحامي عنه ولزمت عدة الوفاة الصغيرة لأن كون الزوجة صغيرة نادر فشملهن الحكم وعمتهن الحوطة ثم قوله إلا على زوج إيجاب بعد النفي فيقتضي حصر الإحداد في المتوفى عنها فلا إحداد على مطلقة عند الأكثر، ومالك والشافعي رجعية كانت أو بائنة أو مثلثة، واستحبه أحمد والشافعي للرجعية وأوجبه أبو حنيفة والكوفيون على المثلثة.
وشذ الحسن وحده فقال: لا إحداد على متوفى عنها ولا على مطلقة ولولا الاتفاق على وجوب الإحداد لكان ظاهر الحديث الإباحة لأنه استثناء من عموم المنع قاله القاضي عياض، وأجيب بأن حديث التي شكت عينها المتقدم دل على الوجوب وإلا لم يمتنع التداوي المباح، وبأن السياق أيضًا يدل على الوجوب فإن كل ممنوع منه إذا دل دليل على جوازه كان ذلك الدليل بعينه دالاً على الوجوب، ويرشح ذلك هنا زيادة مسلم في بعض طرقه بعد قوله: إلا على زوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا فإنه أمر بلفظ الخبر إذ ليس المراد معنى الخبر فإن المرأة قد لا تحد فهو على حد قوله تعالى { { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ } } والمراد به الأمر اتفاقًا.
وفي المفهم القائل بوجوب الإحداد على المطلقة ثلاثًا إن قاسه على المتوفى عنها فلا يصح للحصر الذي اقتضاه الحديث، وأيضًا فعلى أن عدة الوفاة تعبدية يمتنع القياس وكذا على أنها معقولة لوضوح الفرق بأن الإحداد إنما هو مبالغة في التحرز على المرأة من النكاح بتعاطي أسبابه لعدم الزوج وفي الطلاق الزوج حي فهو يبحث ويحتاط لنفسه.

( مالك أنه بلغه أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لامرأة حاد) بشد الدال ( على زوجها اشتكت عينيها) بالتثنية ( فبلغ ذلك) الوجع المفهوم من اشتكت ( منها) مبلغًا قويًا ( اكتحلي بكحل الجلاء) بكسر الجيم والمد كحل خاص ( بالليل وامسحيه بالنهار) فأفتتها بما أفتاها به صلى الله عليه وسلم كما يأتي ( مالك أنه بلغه عن سالم بن عبد الله وسليمان بن يسار أنهما كانا يقولان في المرأة يتوفى عنها زوجها إنها إذا خشيت على بصرها من رمد أو شكو) بفتح فسكون ( أصابها أنها تكتحل وتتداوى بدواء أو كحل وإن كان فيه طيب) لأن الضرورة تبيح المحظور ( قال مالك: وإذا كانت الضرورة) أي وجدت ( فإن دين الله يسر) كما قال تعالى { { يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } } فتكتحل وإن كان فيه طيب ليلاً وتمسحه نهارًا وأما حديث المرأة التي قالت إن ابنتي اشتكت عينها أفأكحلها فقال صلى الله عليه وسلم: لا قالت: إني أخشى أن تنفقئ عينها قال: وإن انفقأت، رواه قاسم بن أصبغ وابن منده بإسناد صحيح فأجيب باحتمال أنه كان يحصل لها البرء بغير الكحل كالتضميد بالصبر وبأنه فهم أنها ذكرت ذلك اعتذارًا لا أن الخوف ثبت حقيقة إذ لو تحققه لأباحه لها إذ المنع مع الضرورة حرج مرفوع من دينه.
( مالك عن نافع أن صفية بنت أبي عبيد) الثقفية أدركت النبي صلى الله عليه وسلم وأبوها صحابي قاله ابن منده ونفى الدارقطني إدراكها في الإصابة على نفي إدراك السماع منه وذكرها العجلي وابن حبان في ثقات التابعين ( اشتكت عينيها وهي حاد) بشد الدال بلا هاء، لأنه نعت للمؤنث لا يشركه فيه المذكر مثل طالق وحائض ( على زوجها عبد الله بن عمر) تزوجها في خلافة أبيه وأصدقها عمر أربعمائة وزادها ابنه سرًا منه مائتي درهم وولدت له واقدًا وأبا بكر وأبا عبيدة وعبيد الله وعمر وحفصة وسودة ( فلم تكتحل حتى كادت عيناها ترمصان) بفتح الميم وصاد مهملة من باب تعب، يجمد الوسخ في موقها والرجل أرمص والمرأة رمصاء.
ولا منافاة بين هذا وبين ما في الصحيحين أن ابن عمر رجع من الحج فقيل له إن صفية في السياق فأسرع السير وجمع جمع تأخير، وكان ذلك في إمارة ابن الزبير لأنها عوفيت ثم مات زوجها في حياتها كما صرح به هنا.

( قال مالك تدهن المتوفى عنها زوجها بالزيت والشيرق) بفتح الشين المعجمة ثم موحدة أو تحتية ساكنة، دهن السمسم ( وما أشبه ذلك إذا لم يكن فيه طيب) ما لم تدع الضرورة للطيب وإلا جاز كما قدمه وهو المعتمد في المذهب ( ولا تلبس المرأة الحاد على زوجها شيئًا من الحلي) بفتح فسكون ( خاتمًا ولا خلخالاً) بفتح الخاء، واحد خلاخيل النساء، والخلخل لغة فيه أو مقصور منه قال:

براقة الجيد صموت الخلخل

قاله الجوهري ( ولا غير ذلك من الحلي) كسوار وخرص وقرط ذهبًا كان كله أو فضة.
قال الباجي: ويدخل فيه الجوهر والياقوت ( ولا تلبس شيئًا من العصب) بفتح العين وسكون الصاد المهملتين وموحدة قال ابن الأثير: برود يمنية يعصب غزلها أي يجمع ويشد ثم يصبغ وينسج فيأتي موشيًا لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه الصبغ يقال: برد عصب بالتنوين والإضافة وقيل: هي برود مخططة والعصب الفتل والعصاب الغزال ( إلا أن يكون عصبًا غليظًا) فتلبسه لأنه لا كبير زينة فيه حملاً لحديث أم عطية في الصحيحين مرفوعًا: لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا، ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيبًا إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار على الغليظ دون الرقيق لأن علة المنع الزينة وهي موجودة في الرقيق.
( ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا بشيء من الصبغ) بكسر فسكون بأحمر أو أصفر أو غيرهما ( إلا بالسواد) فيجوز، قال الباجي: يعني به الأسود الغرابي لا السماوي فإنه يتجمل به اهـ.
وخص الأسود بغير ناصعة البياض فإنه يزينها فيمنع عليها لبسه.
قال ابن المنذر: خص كل من يحفظ عنه العلم في البياض من الحرير وغيره ( ولا تمتشط) بشيء كطيب وحناء إلا بالسدر وما أشبهه مما لا يختمر في رأسها.

( مالك أنه بلغه) وصله أبو داود والنسائي من طريق ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن المغيرة بن الضحاك عن أم حكيم بنت أسيد عن أمها عن أم سلمة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم سلمة وهي حاد على أبي سلمة) عبد الله بن عبد الأسد المخزومي ( وقد جعلت على عينيها) بالتثنية ( صبرًا) بفتح الصاد المهملة وكسر الموحدة، في الأشهر الدواء المر، وسكون الباء للتخفيف لغة قليلة وقيل: لم تسمع في السعة.
وحكى ابن السيد في المثلث جواز التخفيف كنظائره بسكون الباء مع كسر الصاد وفتحها فيكون فيه ثلاث لغات ( فقال: ما هذا يا أم سلمة؟ قالت: إنما هو صبر يا رسول الله قال: اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار) زاد أبو داود: ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب قلت: فبأي شيء أمتشط يا رسول الله؟ قال: بالسدر وتغفلين به رأسك ( قال مالك الإحداد على الصبية التي لم تبلغ المحيض كهيئته على التي قد بلغت المحيض تجتنب ما تجتنب المرأة البالغة إذا هلك عنها زوجها) لأنه بالوجه الذي يلزمها العدة يلزمها الإحداد وبه قال الجمهور وقال أبو حنيفة: لا إحداد عليها لقوله لا يحل لامرأة والصبية لا تسمى امرأة وأجيب على تسليمه بأنه خرج مخرج الغالب ( تحد الأمة إذا توفي عنها زوجها شهرين وخمس ليال مثل) أي قدر ( عدتها) لأنها زوجة فشملها الحديث ( ليس على أم الولد إحداد إذا هلك عنها سيدها ولا على أمة) قنة ( يموت عنها سيدها إحداد) وقد كان يطؤها ( وإنما الإحداد على ذوات الأزواج) لقوله في الحديث إلا على زوج ( مالك أنه بلغه أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول: تجمع الحاد رأسها) أي شعره أي تمشطه ( بالسدر والزيت) الذي لا طيب فيه.



رقم الحديث 1277 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، وَهِيَ حَادٌّ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ، وَقَدْ جَعَلَتْ عَلَى عَيْنَيْهَا صَبِرًا، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ؟ فَقَالَتْ: إِنَّمَا هُوَ صَبِرٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: اجْعَلِيهِ فِي اللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ قَالَ مَالِكٌ: الْإِحْدَادُ عَلَى الصَّبِيَّةِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغِ الْمَحِيضَ، كَهَيْئَتِهِ عَلَى الَّتِي قَدْ بَلَغَتِ الْمَحِيضَ، تَجْتَنِبُ مَا تَجْتَنِبُ الْمَرْأَةُ الْبَالِغَةُ إِذَا هَلَكَ عَنْهَا زَوْجُهَا قَالَ مَالِكٌ: تُحِدُّ الْأَمَةُ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا شَهْرَيْنِ وَخَمْسَ لَيَالٍ مِثْلَ عِدَّتِهَا قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ إِحْدَادٌ، إِذَا هَلَكَ عَنْهَا سَيِّدُهَا، وَلَا عَلَى أَمَةٍ يَمُوتُ عَنْهَا سَيِّدُهَا إِحْدَادٌ، وَإِنَّمَا الْإِحْدَادُ عَلَى ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ.


( مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) بفتح المهملة وسكون الزاي ( عن حميد بن نافع) الأنصاري أبي أفلح المدني التابعي ( عن زينب بنت أبي سلمة) بن عبد الأسد المخزومية الصحابية ربيبته صلى الله عليه وسلم ماتت سنة ثلاث وسبعين ( أنها أخبرته) أي حميدًا ( هذه الأحاديث الثلاثة) التي بينتها له حيث ( قالت زينب دخلت على أم حبيبة) رملة ( زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها أبو سفيان) صخر ( بن حرب) سنة اثنين وثلاثين عند الجمهور، وقيل سنة ثلاث.
ووقع عند البخاري في الجنائز من رواية ابن عيينة لما جاء نعي أبي سفيان من الشام.
قال الحافظ: وفيه نظر لأنه مات بالمدينة بلا خلاف بين أهل الأخبار ولم أر في شيء من طرق هذا الحديث تقييده بذلك إلا في رواية ابن عيينة هذه وأظنها وهمًا.
ولابن أبي شيبة والدارمي من طريق شعبة عن نافع جاء نعي لأخي أم حبيبة أو حميم لها فدعت بصفرة فلطخت به ذراعها.

ورواه أحمد بلفظ أن حميمًا لها مات بلا تردد وإطلاق الحميم على الأخ أقرب من إطلاقه على الأب فقوى الظن أن القصة تعددت لزينب مع أم حبيبة لما جاءها نعي أخيها من الشام سنة ثمان عشرة أو تسع عشرة ثم عند وفاة أبيها أبي سفيان بالمدينة لا مانع من ذلك.
( فدعت أم حبيبة بطيب) أي طلبت طيبًا ( فيه صفرة خلوق) بوزن صبور نوع من الطيب ( أو غيره) برفعهما وجرهما روايتان اقتصر النووي على الأولى ( فدهنت به جارية) بالنصب.
قال الحافظ لم أعرف اسمها ( ثم مسحت) أم حبيبة ( بعارضيها) أي جانبي وجهها، وجعل العارضين ماسحين تجوز والظاهر أنها جعلت الصفرة في يديها ومسحتها بعارضيها والباء للإلصاق أو الاستعانة، ومسح يتعدى بنفسه وبالباء تقول: مسحت برأسي ورأسي.

وفي الإكمال قال ابن دريد العارضان صفحتا العنق وما بعد الأسنان وفي كتاب العين عارضة الوجه ما يبدو منه ومبسما الفم والثنايا والمراد هنا الأول وفي المفهم العوارض ما بعد الأسنان أطلقت في الخدين هنا مجازًا لأنهما عليهما فهو من مجاز المجاورة أو تسمية الشيء بما كان من سببه زاد في رواية لهما وذراعيها ( ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة) وفي رواية بزيادة من ( غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) نفي بمعنى النهي على سبيل التأكيد ( أن تحد) بضم أوله وكسر الحاء من الرباعي، ولم يعرف الأصمعي سواه، وحكى غيره فتح أوله وضم ثانيه من الثلاثي، يقال: حدت المرأة وأحدت بمعنى ( على ميت فوق ثلاث ليال) فلها أن تحد على القريب ثلاثًا فأقل فإن مات في بقية يوم أو بقية ليلة ألغت تلك البقية وعدت الثلاث من الليلة المستقبلة قاله القرطبي، والمصدر المنسبك من أن تحد فاعل يحل وفوق ظرف زمان لأنه أضيف إلى زمان ( إلا على زوج) إيجاب للنفي والجار والمجرور متعلق بتحد فالاستثناء مفرغ ( أربعة أشهر وعشرًا) أي أيامها عند الجمهور فلا تحل حتى تدخل الليلة الحادية عشر فأنث العدد لإرادة المدة أو أريد الأيام بلياليها خلافًا للأوزاعي وغيره أنها عشر ليال فتحل في اليوم العاشر ولولا الاتفاق على وجوب إحداد المتوفى عنها لكان ظاهر الحديث الإباحة لأنه استثنى من عموم الحظر.
وأشار الباجي إلى أنه من عموم الأمر بعد الحظر فيحمل على الندب عند من يقول ذلك من الأصوليين، وليس الحديث من ذلك إذ ليس فيه أمر بعد حظر إنما هو استثناه من الحظر واختلف في الحامل يزيد عليها هل عليها الإحداد في الزيادة حتى تضع أو لا يلزمها إحداد في الزيادة لظاهر الحديث قاله عياض.

( قالت زينب) بالسند السابق وهذا الحديث الثاني ( ثم دخلت على زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أخوها) عبد الله بن جحش كما سمي في كثير من الموطآت كابن وهب وغيره عند الدارقطني وأبي مصعب عند ابن حبان لكن استشكل بأن عبد الله استشهد بأحد وزينب حينئذ صغيرة جدًا لأن أباها مات بعد بدر، وأن أمها حلت بوضعها وتزوج صلى الله عليه وسلم أمها وهي صغيرة.
وأجيب بأن ابن عبد البر وغيره حكوا أن زينب ولدت بأرض الحبشة ومقتضاه أن يكون لها عند وفاة عبد الله بن جحش أربع سنين ومثلها يضبط ذلك ويميزه، ويجوز أن يراد بالأخ عبيد الله المصغر الذي تنصر ومات بأرض الحبشة فتزوج صلى الله عليه وسلم بعده أم حبيبة، فإن زينب ابنة أبي سلمة كانت مميزة لما جاء خبر وفاته وقد يحزن المرء على قريبه الكافر لا سيما إذا تذكر سوء مصيره، ولعل ما وقع في تلك الموطآت عبد الله بالتكبير كان عبيد الله بتصغير العبد فلم يضبطه الكاتب، ويجوز أن يراد أخ لها من أمها أو من الرضاعة وأما أخوها أبو أحمد بن جحش واسمه عبد بلا إضافة كان شاعرًا أعمى فمات بعد أخته زينب بنت جحش بسنة كما جزم به ابن إسحاق وغيره وحضر جنازة أخته وراجع عمر في شيء بسببها كما عند ابن سعد فلا يصح إرادته هنا هذا ولفظ ثم هنا لترتيب الأخبار لا لترتيب الوقائع لأن زينب ابنة جحش ماتت قبل أبي سفيان بأكثر من عشر سنين على الصحيح المشهور ( فدعت بطيب فمست منه) وفي رواية به أي شيئًا من جسدها.

( ثم قالت:) زاد التنيسي أما بالتخفيف ( والله ما لي بالطيب حاجة) ولابن يوسف بزيادة من ( غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:) زاد التنيسي على المنبر ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) هو من خطاب التصحيح لأن المؤمن هو الذي ينتفع بالخطاب وينقاد له فهذا الوصف لتأكيد التحريم لما يقتضيه سياقه ومفهومه أن خلافه مناف للإيمان كما قال تعالى { { وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } } فإنه يقتضي تأكيد أمر التوكل بربطه بالإيمان ( تحد) بضم فكسر وبفتح فضم وحذف أن الناصبة ورفع الفعل وهو مقيس ( على ميت فوق ثلاث ليال) قال ابن بطال: أباح الشارع للمرأة أن تحد على غير الزوج ثلاثة أيام لما يغلب من لوعة الحزن ويهجم من أليم الوجد وليس ذلك واجبًا للاتفاق على أن الزوج لو طالبها بالجماع لم يحل لها منعه في تلك الحالة ( إلا على زوج) فتحد عليه ( أربعة أشهر وعشرًا) فالظرف متعلق بمحذوف في المستثنى دل عليه المذكور في المستثنى منه والاستثناء متصل إن جعل بيانًا لقوله فوق ثلاث ليال، فالمعنى لا يحل لامرأة تحد أربعة أشهر وعشرًا على ميت إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا وإن جعل معمولاً لتحد مضمرًا فهو منقطع أي لكن تحد على زوج أربعة أشهر وعشرًا قالوا: وحكمة هذا العدد أن الولد يتكامل خلقه في مائة وعشرين يومًا وهي تزيد على أربعة أشهر لنقص الأهلة فجبر الكسر إلى العقد احتياطًا.

( قالت زينب) بالسند السابق وهذا هو الحديث الثالث ( وسمعت) أمي ( أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: جاءت امرأة) هي عاتكة بنت نعيم بن عبد الله بن النحام كما في معرفة الصحابة لأبي نعيم ( إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها) المغيرة المخزومي، رواه إسماعيل القاضي في الأحكام وروى الإسماعيلي في تأليفه مسند يحيى بن سعيد الأنصاري عنه عن حميد بن نافع عن زينب عن أمها قالت: جاءت امرأة من قريش قال يحيى: لا أدري ابنة النحام أو أمها بنت سعد ورواه الإسماعيلي من طرق كثيرة فيها التصريح بأن البنت عاتكة فعلى هذا فأمها لم تسم قاله الحافظ ( وقد اشتكت) هي أي ابنتي ( عينيها) بالتثنية والنصب مفعول وفي رواية التنيسي عينها بالإفراد والنصب أيضًا كما رجحه المنذري بدليل التثنية بالنصب وبالرفع على الفاعلية، واقتصر النووي عليه ونسبت الشكاية إلى نفس العين مجازًا، وزعم الحريري أن الصواب النصب وأن الرفع لحن ورد بأنه يؤيد الرفع أن في رواية لمسلم اشتكت عيناها بالتثنية إلا أن يجيب بأنه على لغة من يعرب المثنى في الأحوال الثلاث بحركات مقدرة ( أفتكحلهما) بضم الحاء وهو مما جاء مضمومًا وإن كانت عينه حرف حلق ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا) تكحلهما قال ذلك ( مرتين أو ثلاثًا كل ذلك يقول لا) تأكيدًا للمنع ويأتي في حديث أم سلمة أنه قال اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار.
وجمع بينهما بأنه صلى الله عليه وسلم لم يتحقق الخوف هنا على عينيها إذ لو تحققه لأباحه لها لأن المنع مع الضرورة حرج وإنما فهم عنها إنما ذكرته اعتذارًا لا على وجه أن الخوف ثبت وبأن المنع منه عند عدم الحاجة ولو بالليل فإن اضطر إليه جاز بالليل دون النهار، وأما النهي فإنما هو ندب لتركه لا على الوجوب قاله عياض وغيره ( ثم قال: إنما هي) أي العدة ( أربعة أشهر وعشرًا) بالنصب على حكاية لفظ القرآن وفي رواية أربعة بالرفع على الأصل والمراد تقليل المدة وتهوين الصبر عما منعت منه وهو الاكتحال في العدة ولذا قال: ( وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة) بفتح الموحدة والعين وتسكن، واحدة البعر والجمع أبعار رجيع ذي الخف والظلف وفي ذكر الجاهلية إشارة إلى أن الإسلام صار بخلافه لكن التقدير بقوله ( على رأس الحول) استمر في الإسلام مدة لقوله تعالى { { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ } } ثم نسخ بقوله { { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } } والناسخ مقدم تلاوة متأخر نزولاً ولم يوجد في سورة واحدة إلا في هذه وأما من سورتين فموجود قاله عياض وقال غيره مثله سيقول السفهاء مع قوله { { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ } }

والحديث يدل على النسخ وقيل: هو حض للأزواج على الوصية بتمام السنة لمن لا ترث واختلف كيف كان قبل النسخ فقيل كانت النفقة والسكنى من مال الميت فنسخت النفقة بآية المواريث والحول بالأربعة وعشر وقيل كانت مخيرة في المقام فلها النفقة والخروج فلا شيء لها.
وقال مجاهد: كانت تعتد عند أهل زوجها سنة واجبة فأنزل الله { { مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } } والعدة عليها باقية فجعل لها تمام الحول وصية إن شاءت سكنت وإن شاءت خرجت.

( قال حميد بن نافع) بالإسناد السابق ( فقلت لزينب) بنت أبي سلمة ( وما) معنى قوله صلى الله عليه وسلم ( ترمي بالبعرة على رأس الحول فقالت زينب كانت المرأة) في الجاهلية ( إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشًا) بكسر الحاء المهملة وسكون الفاء وشين معجمة، بيتًا رديئًا كما يأتي وفي رواية النسائي عمدت إلى شر بيت لها فجلست فيه ( ولبست شر ثيابها) أردأها، وهذه تفسير للرواية الأخرى في الصحيحين: شر أحلاسها، بمهملتين جمع حلس بكسر فسكون، ثوب أو كساء رقيق يجعل على ظهر الدابة تحت البردعة ( ولم تمسس) بفتح أوله وسكون الميم، وفي رواية ولم تمس بفتحهما بالإدغام ( طيبا ولا شيئًا) تتزين به ( حتى تمر بها سنة) من موت زوجها ( ثم تؤتى) بضم أوله وفتح ثالثه ( بدابة حمار) بالجر والتنوين بدل ( أو شاة أو طير) بأو للتنويع، وإطلاق الدابة عليهما حقيقة لغوية قال المجد الدابة ما دب من الحيوان وغلب على ما يركب ويقع على المذكر ( فتفتض به) بفاء ففوقية ففاء ثانية ساكنة ففوقية أخرى فضاد معجمة ثقيلة ( فقلما تفتض بشيء) مما ذكر، وما مصدرية أي افتضاضها بشيء ( إلا مات ثم تخرج فتعطى) بضم الفوقية وفتح الطاء ( بعرة) من بعر الإبل أو الغنم ( فترمي بها) أمامها فيكون ذلك إحلالاً لها، كذا في رواية ابن الماجشون عن مالك.
وفي رواية ابن وهب عنه من وراء ظهرها إشارة إلى أن ما فعلته من التربص والصبر على البلاء الذي كانت فيه هين بالنسبة إلى فقد زوجها وما يستحقه من المراعاة كما يهون الرامي بالبعرة بها ( ثم تراجع) بضم الفوقية فراء فألف فجيم مكسورة فمهملة ( بعد) أي بعد ما ذكر من الافتضاض والرمي ( ما شاءت من طيب أو غيره) مما كانت ممنوعة منه في العدة وهذا التفسير لم تسنده زينب.

وساقه شعبة عن حميد بن نافع مرفوعًا ولفظه في الصحيحين عن زينب عن أمها: أن امرأة توفي زوجها فخافوا على عينيها فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنوه في الكحل فقال: لا قد كانت إحداكن تكون في شر بيتها في أحلاسها أو شرسها فإذا كان حول فمر كلب رمت ببعرة فخرجت أفلا أربعة أشهر وعشرًا قال الحافظ: حديث الباب لا يقتضي الإدراج في رواية شعبة لأنه من أحفظ الناس فلا يقضى على روايته برواية غيره بالاحتمال اهـ.
وقد يرد عليه أن ذلك ليس بالاحتمال فقد صرح هو في شارح نخبته تبعًا لغيره بأن مما يعرف به الإدراج مجيء رواية مبينة للقدر المدرج، وما هنا من ذلك فإن رواية مالك عن شيخه عن حميد بينت أن التفسير من زينب وكون شعبة من الحفاظ لا يقتضي أنه لا يروي ما فيه المدرج فلم تزل الحفاظ يروونه كثيرًا كابن شهاب وغيره.

( قال مالك والحفش البيت الرديء) وللقعنبي عنه الصغير جدًا وهما بمعنى فرداءته لصغره ولابن القاسم عنه الحفش الخص وهو بضم المعجمة ومهملة وللشافعي الذليل الشعث البناء وفي المعلم الحفش البيت الحقير.
وفي الحديث أنه قال في الذي بعثه ساعيًا على الزكاة: هلا قعد في حفش أمه ينظر هل يهدى إليه أم لا؟ وقيل: الحفش البيت الذليل القصير السمك، شبهه به لضيقه، والتحفش: الانضمام والاجتماع زاد عياض وقيل: الحفش شبه القفة من الخوص تجمع المرأة فيها غزلها وأسبابها ( و) معنى ( تفتض تمسح به جلدها كالنشرة) قال ابن وهب: معناه تمسح بيدها عليه أو على ظهره، وقيل معناه تمسح به ثم تفتض أي تغتسل بالماء العذب والافتضاض الاغتسال بالماء العذب للإنقاء حتى تصير كالفضة وقال الأخفش: معناه تتنظف وتنتقي مأخوذ من الفضة تشبيهًا بنقائها وبياضها.
وقال ابن قتيبة: سألت الحجازيين عن الافتضاض فقالوا: كانت المعتدة لا تغتسل ولا تمس طيبًا ولا تقلم ظفرًا ولا تزيل شعرًا ثم تخرج بعد الحول في أشر منظر ثم تفتض أي تكسر ما هي فيه من العدة بطائر تمسح به قبلها وتنبذه فلا يكاد يعيش، وهذا أخص من تفسير مالك لأنه أطلق الجلد وهذا قيده بجلد القبل.
وعند النسائي تقبض: بقاف فموحدة فمهملة مخففة، وهي رواية الشافعي.
قال ابن الأثير: هو كناية عن الإسراع أي تذهب بعدو وسرعة نحو منزل أبويها لكثرة حيائها بقبح منظرها أو لشدة شوقها إلى التزويج لبعد عهدها به.
قال: والمشهور في الرواية الفاء والفوقية والضاد المعجمة.

وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي والترمذي من طريق معن بن عيسى، وأبو داود والترمذي أيضًا، والنسائي من طريق ابن القاسم خمستهم عن مالك به وتابعه جماعة وله طرق عندهم.

( مالك عن نافع) مولى ابن عمر ( عن صفية بنت أبي عبيد) زوجة سيده ( عن عائشة وحفصة زوجي النبي صلى الله عليه وسلم) هكذا ليحيى وأبي مصعب، وطائفة بالواو.
ولابن بكير والقعنبي وآخرين عن عائشة أو حفصة على الشك وكذا رواه عبد الله بن دينار والليث بن سعد كلاهما عن نافع بالشك، ورواه يحيى بن سعيد عن نافع عن صفية عن حفصة وحدها ورواه عبيد الله عن نافع عن صفية عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أخرج ذلك كله مسلم.
( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) نفي بمعنى النهي والتقييد بذلك خرج مخرج الغالب كما يقال: هذا طريق المسلمين مع أنه يسلكه غيرهم فالكتابية كذلك عند الجمهور، وهو المشهور عن مالك وقال أبو حنيفة والكوفيون ومالك في رواية، وابن نافع وابن كنانة وأشهب وأبو ثور: لا إحداد عليها لظاهر الحديث وأجيب بأنه للغالب أو لأن المؤمنة هي التي تنتفع بالخطاب وتنقاد فهذا الوصف لتأكيد التحريم وتغليظه وقد خالف أبو حنيفة قاعدته في إنكاره المفاهيم ( أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج) فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا كما زاده في رواية يحيى بن سعيد عن نافع عند مسلم، والحديث يعم كل زوجة صغيرة أو كبيرة حرة أو أمة مدخولاً بها أم لا عند الجمهور.
وقال أبو حنيفة لا إحداد على صغيرة ولا أمة زوجة.

وعموم الحديث حجة عليه فبالوجه الذي يلزمها العدة يلزمها الإحداد ولهذا الوجه اعتدت غير المدخول بها في الوفاة استظهارًا لحجة الزوج بعد موته إذ لو كان حيًا لبين أنه دخل بها كما لا يحكم عليه بالدين حتى تستظهر له بيمين الطالب.
قالوا: وهي الحكمة في جعل عدة الوفاة أزيد من عدة المطلقة لأنه لما عدم الزوج استظهر له بأتم وجوه البراءة وهي الأربعة أشهر وعشر لأنه الأمر الذي يتبين فيه الحمل فبعد الرابع ينفخ فيه الروح وزيدت العشر حتى تتبين حركته ولذا جعلت عدتها بالزمان الذي يشترك في معرفته الجميع ولم توكل إلى أمانة النساء فتجعل بالإقراء كالمطلقات كل ذلك حوطة للميت لعدم المحامي عنه ولزمت عدة الوفاة الصغيرة لأن كون الزوجة صغيرة نادر فشملهن الحكم وعمتهن الحوطة ثم قوله إلا على زوج إيجاب بعد النفي فيقتضي حصر الإحداد في المتوفى عنها فلا إحداد على مطلقة عند الأكثر، ومالك والشافعي رجعية كانت أو بائنة أو مثلثة، واستحبه أحمد والشافعي للرجعية وأوجبه أبو حنيفة والكوفيون على المثلثة.
وشذ الحسن وحده فقال: لا إحداد على متوفى عنها ولا على مطلقة ولولا الاتفاق على وجوب الإحداد لكان ظاهر الحديث الإباحة لأنه استثناء من عموم المنع قاله القاضي عياض، وأجيب بأن حديث التي شكت عينها المتقدم دل على الوجوب وإلا لم يمتنع التداوي المباح، وبأن السياق أيضًا يدل على الوجوب فإن كل ممنوع منه إذا دل دليل على جوازه كان ذلك الدليل بعينه دالاً على الوجوب، ويرشح ذلك هنا زيادة مسلم في بعض طرقه بعد قوله: إلا على زوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا فإنه أمر بلفظ الخبر إذ ليس المراد معنى الخبر فإن المرأة قد لا تحد فهو على حد قوله تعالى { { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ } } والمراد به الأمر اتفاقًا.
وفي المفهم القائل بوجوب الإحداد على المطلقة ثلاثًا إن قاسه على المتوفى عنها فلا يصح للحصر الذي اقتضاه الحديث، وأيضًا فعلى أن عدة الوفاة تعبدية يمتنع القياس وكذا على أنها معقولة لوضوح الفرق بأن الإحداد إنما هو مبالغة في التحرز على المرأة من النكاح بتعاطي أسبابه لعدم الزوج وفي الطلاق الزوج حي فهو يبحث ويحتاط لنفسه.

( مالك أنه بلغه أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لامرأة حاد) بشد الدال ( على زوجها اشتكت عينيها) بالتثنية ( فبلغ ذلك) الوجع المفهوم من اشتكت ( منها) مبلغًا قويًا ( اكتحلي بكحل الجلاء) بكسر الجيم والمد كحل خاص ( بالليل وامسحيه بالنهار) فأفتتها بما أفتاها به صلى الله عليه وسلم كما يأتي ( مالك أنه بلغه عن سالم بن عبد الله وسليمان بن يسار أنهما كانا يقولان في المرأة يتوفى عنها زوجها إنها إذا خشيت على بصرها من رمد أو شكو) بفتح فسكون ( أصابها أنها تكتحل وتتداوى بدواء أو كحل وإن كان فيه طيب) لأن الضرورة تبيح المحظور ( قال مالك: وإذا كانت الضرورة) أي وجدت ( فإن دين الله يسر) كما قال تعالى { { يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } } فتكتحل وإن كان فيه طيب ليلاً وتمسحه نهارًا وأما حديث المرأة التي قالت إن ابنتي اشتكت عينها أفأكحلها فقال صلى الله عليه وسلم: لا قالت: إني أخشى أن تنفقئ عينها قال: وإن انفقأت، رواه قاسم بن أصبغ وابن منده بإسناد صحيح فأجيب باحتمال أنه كان يحصل لها البرء بغير الكحل كالتضميد بالصبر وبأنه فهم أنها ذكرت ذلك اعتذارًا لا أن الخوف ثبت حقيقة إذ لو تحققه لأباحه لها إذ المنع مع الضرورة حرج مرفوع من دينه.
( مالك عن نافع أن صفية بنت أبي عبيد) الثقفية أدركت النبي صلى الله عليه وسلم وأبوها صحابي قاله ابن منده ونفى الدارقطني إدراكها في الإصابة على نفي إدراك السماع منه وذكرها العجلي وابن حبان في ثقات التابعين ( اشتكت عينيها وهي حاد) بشد الدال بلا هاء، لأنه نعت للمؤنث لا يشركه فيه المذكر مثل طالق وحائض ( على زوجها عبد الله بن عمر) تزوجها في خلافة أبيه وأصدقها عمر أربعمائة وزادها ابنه سرًا منه مائتي درهم وولدت له واقدًا وأبا بكر وأبا عبيدة وعبيد الله وعمر وحفصة وسودة ( فلم تكتحل حتى كادت عيناها ترمصان) بفتح الميم وصاد مهملة من باب تعب، يجمد الوسخ في موقها والرجل أرمص والمرأة رمصاء.
ولا منافاة بين هذا وبين ما في الصحيحين أن ابن عمر رجع من الحج فقيل له إن صفية في السياق فأسرع السير وجمع جمع تأخير، وكان ذلك في إمارة ابن الزبير لأنها عوفيت ثم مات زوجها في حياتها كما صرح به هنا.

( قال مالك تدهن المتوفى عنها زوجها بالزيت والشيرق) بفتح الشين المعجمة ثم موحدة أو تحتية ساكنة، دهن السمسم ( وما أشبه ذلك إذا لم يكن فيه طيب) ما لم تدع الضرورة للطيب وإلا جاز كما قدمه وهو المعتمد في المذهب ( ولا تلبس المرأة الحاد على زوجها شيئًا من الحلي) بفتح فسكون ( خاتمًا ولا خلخالاً) بفتح الخاء، واحد خلاخيل النساء، والخلخل لغة فيه أو مقصور منه قال:

براقة الجيد صموت الخلخل

قاله الجوهري ( ولا غير ذلك من الحلي) كسوار وخرص وقرط ذهبًا كان كله أو فضة.
قال الباجي: ويدخل فيه الجوهر والياقوت ( ولا تلبس شيئًا من العصب) بفتح العين وسكون الصاد المهملتين وموحدة قال ابن الأثير: برود يمنية يعصب غزلها أي يجمع ويشد ثم يصبغ وينسج فيأتي موشيًا لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه الصبغ يقال: برد عصب بالتنوين والإضافة وقيل: هي برود مخططة والعصب الفتل والعصاب الغزال ( إلا أن يكون عصبًا غليظًا) فتلبسه لأنه لا كبير زينة فيه حملاً لحديث أم عطية في الصحيحين مرفوعًا: لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا، ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيبًا إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار على الغليظ دون الرقيق لأن علة المنع الزينة وهي موجودة في الرقيق.
( ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا بشيء من الصبغ) بكسر فسكون بأحمر أو أصفر أو غيرهما ( إلا بالسواد) فيجوز، قال الباجي: يعني به الأسود الغرابي لا السماوي فإنه يتجمل به اهـ.
وخص الأسود بغير ناصعة البياض فإنه يزينها فيمنع عليها لبسه.
قال ابن المنذر: خص كل من يحفظ عنه العلم في البياض من الحرير وغيره ( ولا تمتشط) بشيء كطيب وحناء إلا بالسدر وما أشبهه مما لا يختمر في رأسها.

( مالك أنه بلغه) وصله أبو داود والنسائي من طريق ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن المغيرة بن الضحاك عن أم حكيم بنت أسيد عن أمها عن أم سلمة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم سلمة وهي حاد على أبي سلمة) عبد الله بن عبد الأسد المخزومي ( وقد جعلت على عينيها) بالتثنية ( صبرًا) بفتح الصاد المهملة وكسر الموحدة، في الأشهر الدواء المر، وسكون الباء للتخفيف لغة قليلة وقيل: لم تسمع في السعة.
وحكى ابن السيد في المثلث جواز التخفيف كنظائره بسكون الباء مع كسر الصاد وفتحها فيكون فيه ثلاث لغات ( فقال: ما هذا يا أم سلمة؟ قالت: إنما هو صبر يا رسول الله قال: اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار) زاد أبو داود: ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب قلت: فبأي شيء أمتشط يا رسول الله؟ قال: بالسدر وتغفلين به رأسك ( قال مالك الإحداد على الصبية التي لم تبلغ المحيض كهيئته على التي قد بلغت المحيض تجتنب ما تجتنب المرأة البالغة إذا هلك عنها زوجها) لأنه بالوجه الذي يلزمها العدة يلزمها الإحداد وبه قال الجمهور وقال أبو حنيفة: لا إحداد عليها لقوله لا يحل لامرأة والصبية لا تسمى امرأة وأجيب على تسليمه بأنه خرج مخرج الغالب ( تحد الأمة إذا توفي عنها زوجها شهرين وخمس ليال مثل) أي قدر ( عدتها) لأنها زوجة فشملها الحديث ( ليس على أم الولد إحداد إذا هلك عنها سيدها ولا على أمة) قنة ( يموت عنها سيدها إحداد) وقد كان يطؤها ( وإنما الإحداد على ذوات الأزواج) لقوله في الحديث إلا على زوج ( مالك أنه بلغه أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول: تجمع الحاد رأسها) أي شعره أي تمشطه ( بالسدر والزيت) الذي لا طيب فيه.



رقم الحديث 1278 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَقُولُ: تَجْمَعُ الْحَادُّ رَأْسَهَا بِالسِّدْرِ وَالزَّيْتِ.


( مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) بفتح المهملة وسكون الزاي ( عن حميد بن نافع) الأنصاري أبي أفلح المدني التابعي ( عن زينب بنت أبي سلمة) بن عبد الأسد المخزومية الصحابية ربيبته صلى الله عليه وسلم ماتت سنة ثلاث وسبعين ( أنها أخبرته) أي حميدًا ( هذه الأحاديث الثلاثة) التي بينتها له حيث ( قالت زينب دخلت على أم حبيبة) رملة ( زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها أبو سفيان) صخر ( بن حرب) سنة اثنين وثلاثين عند الجمهور، وقيل سنة ثلاث.
ووقع عند البخاري في الجنائز من رواية ابن عيينة لما جاء نعي أبي سفيان من الشام.
قال الحافظ: وفيه نظر لأنه مات بالمدينة بلا خلاف بين أهل الأخبار ولم أر في شيء من طرق هذا الحديث تقييده بذلك إلا في رواية ابن عيينة هذه وأظنها وهمًا.
ولابن أبي شيبة والدارمي من طريق شعبة عن نافع جاء نعي لأخي أم حبيبة أو حميم لها فدعت بصفرة فلطخت به ذراعها.

ورواه أحمد بلفظ أن حميمًا لها مات بلا تردد وإطلاق الحميم على الأخ أقرب من إطلاقه على الأب فقوى الظن أن القصة تعددت لزينب مع أم حبيبة لما جاءها نعي أخيها من الشام سنة ثمان عشرة أو تسع عشرة ثم عند وفاة أبيها أبي سفيان بالمدينة لا مانع من ذلك.
( فدعت أم حبيبة بطيب) أي طلبت طيبًا ( فيه صفرة خلوق) بوزن صبور نوع من الطيب ( أو غيره) برفعهما وجرهما روايتان اقتصر النووي على الأولى ( فدهنت به جارية) بالنصب.
قال الحافظ لم أعرف اسمها ( ثم مسحت) أم حبيبة ( بعارضيها) أي جانبي وجهها، وجعل العارضين ماسحين تجوز والظاهر أنها جعلت الصفرة في يديها ومسحتها بعارضيها والباء للإلصاق أو الاستعانة، ومسح يتعدى بنفسه وبالباء تقول: مسحت برأسي ورأسي.

وفي الإكمال قال ابن دريد العارضان صفحتا العنق وما بعد الأسنان وفي كتاب العين عارضة الوجه ما يبدو منه ومبسما الفم والثنايا والمراد هنا الأول وفي المفهم العوارض ما بعد الأسنان أطلقت في الخدين هنا مجازًا لأنهما عليهما فهو من مجاز المجاورة أو تسمية الشيء بما كان من سببه زاد في رواية لهما وذراعيها ( ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة) وفي رواية بزيادة من ( غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) نفي بمعنى النهي على سبيل التأكيد ( أن تحد) بضم أوله وكسر الحاء من الرباعي، ولم يعرف الأصمعي سواه، وحكى غيره فتح أوله وضم ثانيه من الثلاثي، يقال: حدت المرأة وأحدت بمعنى ( على ميت فوق ثلاث ليال) فلها أن تحد على القريب ثلاثًا فأقل فإن مات في بقية يوم أو بقية ليلة ألغت تلك البقية وعدت الثلاث من الليلة المستقبلة قاله القرطبي، والمصدر المنسبك من أن تحد فاعل يحل وفوق ظرف زمان لأنه أضيف إلى زمان ( إلا على زوج) إيجاب للنفي والجار والمجرور متعلق بتحد فالاستثناء مفرغ ( أربعة أشهر وعشرًا) أي أيامها عند الجمهور فلا تحل حتى تدخل الليلة الحادية عشر فأنث العدد لإرادة المدة أو أريد الأيام بلياليها خلافًا للأوزاعي وغيره أنها عشر ليال فتحل في اليوم العاشر ولولا الاتفاق على وجوب إحداد المتوفى عنها لكان ظاهر الحديث الإباحة لأنه استثنى من عموم الحظر.
وأشار الباجي إلى أنه من عموم الأمر بعد الحظر فيحمل على الندب عند من يقول ذلك من الأصوليين، وليس الحديث من ذلك إذ ليس فيه أمر بعد حظر إنما هو استثناه من الحظر واختلف في الحامل يزيد عليها هل عليها الإحداد في الزيادة حتى تضع أو لا يلزمها إحداد في الزيادة لظاهر الحديث قاله عياض.

( قالت زينب) بالسند السابق وهذا الحديث الثاني ( ثم دخلت على زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أخوها) عبد الله بن جحش كما سمي في كثير من الموطآت كابن وهب وغيره عند الدارقطني وأبي مصعب عند ابن حبان لكن استشكل بأن عبد الله استشهد بأحد وزينب حينئذ صغيرة جدًا لأن أباها مات بعد بدر، وأن أمها حلت بوضعها وتزوج صلى الله عليه وسلم أمها وهي صغيرة.
وأجيب بأن ابن عبد البر وغيره حكوا أن زينب ولدت بأرض الحبشة ومقتضاه أن يكون لها عند وفاة عبد الله بن جحش أربع سنين ومثلها يضبط ذلك ويميزه، ويجوز أن يراد بالأخ عبيد الله المصغر الذي تنصر ومات بأرض الحبشة فتزوج صلى الله عليه وسلم بعده أم حبيبة، فإن زينب ابنة أبي سلمة كانت مميزة لما جاء خبر وفاته وقد يحزن المرء على قريبه الكافر لا سيما إذا تذكر سوء مصيره، ولعل ما وقع في تلك الموطآت عبد الله بالتكبير كان عبيد الله بتصغير العبد فلم يضبطه الكاتب، ويجوز أن يراد أخ لها من أمها أو من الرضاعة وأما أخوها أبو أحمد بن جحش واسمه عبد بلا إضافة كان شاعرًا أعمى فمات بعد أخته زينب بنت جحش بسنة كما جزم به ابن إسحاق وغيره وحضر جنازة أخته وراجع عمر في شيء بسببها كما عند ابن سعد فلا يصح إرادته هنا هذا ولفظ ثم هنا لترتيب الأخبار لا لترتيب الوقائع لأن زينب ابنة جحش ماتت قبل أبي سفيان بأكثر من عشر سنين على الصحيح المشهور ( فدعت بطيب فمست منه) وفي رواية به أي شيئًا من جسدها.

( ثم قالت:) زاد التنيسي أما بالتخفيف ( والله ما لي بالطيب حاجة) ولابن يوسف بزيادة من ( غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:) زاد التنيسي على المنبر ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) هو من خطاب التصحيح لأن المؤمن هو الذي ينتفع بالخطاب وينقاد له فهذا الوصف لتأكيد التحريم لما يقتضيه سياقه ومفهومه أن خلافه مناف للإيمان كما قال تعالى { { وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } } فإنه يقتضي تأكيد أمر التوكل بربطه بالإيمان ( تحد) بضم فكسر وبفتح فضم وحذف أن الناصبة ورفع الفعل وهو مقيس ( على ميت فوق ثلاث ليال) قال ابن بطال: أباح الشارع للمرأة أن تحد على غير الزوج ثلاثة أيام لما يغلب من لوعة الحزن ويهجم من أليم الوجد وليس ذلك واجبًا للاتفاق على أن الزوج لو طالبها بالجماع لم يحل لها منعه في تلك الحالة ( إلا على زوج) فتحد عليه ( أربعة أشهر وعشرًا) فالظرف متعلق بمحذوف في المستثنى دل عليه المذكور في المستثنى منه والاستثناء متصل إن جعل بيانًا لقوله فوق ثلاث ليال، فالمعنى لا يحل لامرأة تحد أربعة أشهر وعشرًا على ميت إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا وإن جعل معمولاً لتحد مضمرًا فهو منقطع أي لكن تحد على زوج أربعة أشهر وعشرًا قالوا: وحكمة هذا العدد أن الولد يتكامل خلقه في مائة وعشرين يومًا وهي تزيد على أربعة أشهر لنقص الأهلة فجبر الكسر إلى العقد احتياطًا.

( قالت زينب) بالسند السابق وهذا هو الحديث الثالث ( وسمعت) أمي ( أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: جاءت امرأة) هي عاتكة بنت نعيم بن عبد الله بن النحام كما في معرفة الصحابة لأبي نعيم ( إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها) المغيرة المخزومي، رواه إسماعيل القاضي في الأحكام وروى الإسماعيلي في تأليفه مسند يحيى بن سعيد الأنصاري عنه عن حميد بن نافع عن زينب عن أمها قالت: جاءت امرأة من قريش قال يحيى: لا أدري ابنة النحام أو أمها بنت سعد ورواه الإسماعيلي من طرق كثيرة فيها التصريح بأن البنت عاتكة فعلى هذا فأمها لم تسم قاله الحافظ ( وقد اشتكت) هي أي ابنتي ( عينيها) بالتثنية والنصب مفعول وفي رواية التنيسي عينها بالإفراد والنصب أيضًا كما رجحه المنذري بدليل التثنية بالنصب وبالرفع على الفاعلية، واقتصر النووي عليه ونسبت الشكاية إلى نفس العين مجازًا، وزعم الحريري أن الصواب النصب وأن الرفع لحن ورد بأنه يؤيد الرفع أن في رواية لمسلم اشتكت عيناها بالتثنية إلا أن يجيب بأنه على لغة من يعرب المثنى في الأحوال الثلاث بحركات مقدرة ( أفتكحلهما) بضم الحاء وهو مما جاء مضمومًا وإن كانت عينه حرف حلق ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا) تكحلهما قال ذلك ( مرتين أو ثلاثًا كل ذلك يقول لا) تأكيدًا للمنع ويأتي في حديث أم سلمة أنه قال اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار.
وجمع بينهما بأنه صلى الله عليه وسلم لم يتحقق الخوف هنا على عينيها إذ لو تحققه لأباحه لها لأن المنع مع الضرورة حرج وإنما فهم عنها إنما ذكرته اعتذارًا لا على وجه أن الخوف ثبت وبأن المنع منه عند عدم الحاجة ولو بالليل فإن اضطر إليه جاز بالليل دون النهار، وأما النهي فإنما هو ندب لتركه لا على الوجوب قاله عياض وغيره ( ثم قال: إنما هي) أي العدة ( أربعة أشهر وعشرًا) بالنصب على حكاية لفظ القرآن وفي رواية أربعة بالرفع على الأصل والمراد تقليل المدة وتهوين الصبر عما منعت منه وهو الاكتحال في العدة ولذا قال: ( وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة) بفتح الموحدة والعين وتسكن، واحدة البعر والجمع أبعار رجيع ذي الخف والظلف وفي ذكر الجاهلية إشارة إلى أن الإسلام صار بخلافه لكن التقدير بقوله ( على رأس الحول) استمر في الإسلام مدة لقوله تعالى { { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ } } ثم نسخ بقوله { { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } } والناسخ مقدم تلاوة متأخر نزولاً ولم يوجد في سورة واحدة إلا في هذه وأما من سورتين فموجود قاله عياض وقال غيره مثله سيقول السفهاء مع قوله { { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ } }

والحديث يدل على النسخ وقيل: هو حض للأزواج على الوصية بتمام السنة لمن لا ترث واختلف كيف كان قبل النسخ فقيل كانت النفقة والسكنى من مال الميت فنسخت النفقة بآية المواريث والحول بالأربعة وعشر وقيل كانت مخيرة في المقام فلها النفقة والخروج فلا شيء لها.
وقال مجاهد: كانت تعتد عند أهل زوجها سنة واجبة فأنزل الله { { مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } } والعدة عليها باقية فجعل لها تمام الحول وصية إن شاءت سكنت وإن شاءت خرجت.

( قال حميد بن نافع) بالإسناد السابق ( فقلت لزينب) بنت أبي سلمة ( وما) معنى قوله صلى الله عليه وسلم ( ترمي بالبعرة على رأس الحول فقالت زينب كانت المرأة) في الجاهلية ( إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشًا) بكسر الحاء المهملة وسكون الفاء وشين معجمة، بيتًا رديئًا كما يأتي وفي رواية النسائي عمدت إلى شر بيت لها فجلست فيه ( ولبست شر ثيابها) أردأها، وهذه تفسير للرواية الأخرى في الصحيحين: شر أحلاسها، بمهملتين جمع حلس بكسر فسكون، ثوب أو كساء رقيق يجعل على ظهر الدابة تحت البردعة ( ولم تمسس) بفتح أوله وسكون الميم، وفي رواية ولم تمس بفتحهما بالإدغام ( طيبا ولا شيئًا) تتزين به ( حتى تمر بها سنة) من موت زوجها ( ثم تؤتى) بضم أوله وفتح ثالثه ( بدابة حمار) بالجر والتنوين بدل ( أو شاة أو طير) بأو للتنويع، وإطلاق الدابة عليهما حقيقة لغوية قال المجد الدابة ما دب من الحيوان وغلب على ما يركب ويقع على المذكر ( فتفتض به) بفاء ففوقية ففاء ثانية ساكنة ففوقية أخرى فضاد معجمة ثقيلة ( فقلما تفتض بشيء) مما ذكر، وما مصدرية أي افتضاضها بشيء ( إلا مات ثم تخرج فتعطى) بضم الفوقية وفتح الطاء ( بعرة) من بعر الإبل أو الغنم ( فترمي بها) أمامها فيكون ذلك إحلالاً لها، كذا في رواية ابن الماجشون عن مالك.
وفي رواية ابن وهب عنه من وراء ظهرها إشارة إلى أن ما فعلته من التربص والصبر على البلاء الذي كانت فيه هين بالنسبة إلى فقد زوجها وما يستحقه من المراعاة كما يهون الرامي بالبعرة بها ( ثم تراجع) بضم الفوقية فراء فألف فجيم مكسورة فمهملة ( بعد) أي بعد ما ذكر من الافتضاض والرمي ( ما شاءت من طيب أو غيره) مما كانت ممنوعة منه في العدة وهذا التفسير لم تسنده زينب.

وساقه شعبة عن حميد بن نافع مرفوعًا ولفظه في الصحيحين عن زينب عن أمها: أن امرأة توفي زوجها فخافوا على عينيها فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنوه في الكحل فقال: لا قد كانت إحداكن تكون في شر بيتها في أحلاسها أو شرسها فإذا كان حول فمر كلب رمت ببعرة فخرجت أفلا أربعة أشهر وعشرًا قال الحافظ: حديث الباب لا يقتضي الإدراج في رواية شعبة لأنه من أحفظ الناس فلا يقضى على روايته برواية غيره بالاحتمال اهـ.
وقد يرد عليه أن ذلك ليس بالاحتمال فقد صرح هو في شارح نخبته تبعًا لغيره بأن مما يعرف به الإدراج مجيء رواية مبينة للقدر المدرج، وما هنا من ذلك فإن رواية مالك عن شيخه عن حميد بينت أن التفسير من زينب وكون شعبة من الحفاظ لا يقتضي أنه لا يروي ما فيه المدرج فلم تزل الحفاظ يروونه كثيرًا كابن شهاب وغيره.

( قال مالك والحفش البيت الرديء) وللقعنبي عنه الصغير جدًا وهما بمعنى فرداءته لصغره ولابن القاسم عنه الحفش الخص وهو بضم المعجمة ومهملة وللشافعي الذليل الشعث البناء وفي المعلم الحفش البيت الحقير.
وفي الحديث أنه قال في الذي بعثه ساعيًا على الزكاة: هلا قعد في حفش أمه ينظر هل يهدى إليه أم لا؟ وقيل: الحفش البيت الذليل القصير السمك، شبهه به لضيقه، والتحفش: الانضمام والاجتماع زاد عياض وقيل: الحفش شبه القفة من الخوص تجمع المرأة فيها غزلها وأسبابها ( و) معنى ( تفتض تمسح به جلدها كالنشرة) قال ابن وهب: معناه تمسح بيدها عليه أو على ظهره، وقيل معناه تمسح به ثم تفتض أي تغتسل بالماء العذب والافتضاض الاغتسال بالماء العذب للإنقاء حتى تصير كالفضة وقال الأخفش: معناه تتنظف وتنتقي مأخوذ من الفضة تشبيهًا بنقائها وبياضها.
وقال ابن قتيبة: سألت الحجازيين عن الافتضاض فقالوا: كانت المعتدة لا تغتسل ولا تمس طيبًا ولا تقلم ظفرًا ولا تزيل شعرًا ثم تخرج بعد الحول في أشر منظر ثم تفتض أي تكسر ما هي فيه من العدة بطائر تمسح به قبلها وتنبذه فلا يكاد يعيش، وهذا أخص من تفسير مالك لأنه أطلق الجلد وهذا قيده بجلد القبل.
وعند النسائي تقبض: بقاف فموحدة فمهملة مخففة، وهي رواية الشافعي.
قال ابن الأثير: هو كناية عن الإسراع أي تذهب بعدو وسرعة نحو منزل أبويها لكثرة حيائها بقبح منظرها أو لشدة شوقها إلى التزويج لبعد عهدها به.
قال: والمشهور في الرواية الفاء والفوقية والضاد المعجمة.

وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي والترمذي من طريق معن بن عيسى، وأبو داود والترمذي أيضًا، والنسائي من طريق ابن القاسم خمستهم عن مالك به وتابعه جماعة وله طرق عندهم.

( مالك عن نافع) مولى ابن عمر ( عن صفية بنت أبي عبيد) زوجة سيده ( عن عائشة وحفصة زوجي النبي صلى الله عليه وسلم) هكذا ليحيى وأبي مصعب، وطائفة بالواو.
ولابن بكير والقعنبي وآخرين عن عائشة أو حفصة على الشك وكذا رواه عبد الله بن دينار والليث بن سعد كلاهما عن نافع بالشك، ورواه يحيى بن سعيد عن نافع عن صفية عن حفصة وحدها ورواه عبيد الله عن نافع عن صفية عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أخرج ذلك كله مسلم.
( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) نفي بمعنى النهي والتقييد بذلك خرج مخرج الغالب كما يقال: هذا طريق المسلمين مع أنه يسلكه غيرهم فالكتابية كذلك عند الجمهور، وهو المشهور عن مالك وقال أبو حنيفة والكوفيون ومالك في رواية، وابن نافع وابن كنانة وأشهب وأبو ثور: لا إحداد عليها لظاهر الحديث وأجيب بأنه للغالب أو لأن المؤمنة هي التي تنتفع بالخطاب وتنقاد فهذا الوصف لتأكيد التحريم وتغليظه وقد خالف أبو حنيفة قاعدته في إنكاره المفاهيم ( أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج) فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا كما زاده في رواية يحيى بن سعيد عن نافع عند مسلم، والحديث يعم كل زوجة صغيرة أو كبيرة حرة أو أمة مدخولاً بها أم لا عند الجمهور.
وقال أبو حنيفة لا إحداد على صغيرة ولا أمة زوجة.

وعموم الحديث حجة عليه فبالوجه الذي يلزمها العدة يلزمها الإحداد ولهذا الوجه اعتدت غير المدخول بها في الوفاة استظهارًا لحجة الزوج بعد موته إذ لو كان حيًا لبين أنه دخل بها كما لا يحكم عليه بالدين حتى تستظهر له بيمين الطالب.
قالوا: وهي الحكمة في جعل عدة الوفاة أزيد من عدة المطلقة لأنه لما عدم الزوج استظهر له بأتم وجوه البراءة وهي الأربعة أشهر وعشر لأنه الأمر الذي يتبين فيه الحمل فبعد الرابع ينفخ فيه الروح وزيدت العشر حتى تتبين حركته ولذا جعلت عدتها بالزمان الذي يشترك في معرفته الجميع ولم توكل إلى أمانة النساء فتجعل بالإقراء كالمطلقات كل ذلك حوطة للميت لعدم المحامي عنه ولزمت عدة الوفاة الصغيرة لأن كون الزوجة صغيرة نادر فشملهن الحكم وعمتهن الحوطة ثم قوله إلا على زوج إيجاب بعد النفي فيقتضي حصر الإحداد في المتوفى عنها فلا إحداد على مطلقة عند الأكثر، ومالك والشافعي رجعية كانت أو بائنة أو مثلثة، واستحبه أحمد والشافعي للرجعية وأوجبه أبو حنيفة والكوفيون على المثلثة.
وشذ الحسن وحده فقال: لا إحداد على متوفى عنها ولا على مطلقة ولولا الاتفاق على وجوب الإحداد لكان ظاهر الحديث الإباحة لأنه استثناء من عموم المنع قاله القاضي عياض، وأجيب بأن حديث التي شكت عينها المتقدم دل على الوجوب وإلا لم يمتنع التداوي المباح، وبأن السياق أيضًا يدل على الوجوب فإن كل ممنوع منه إذا دل دليل على جوازه كان ذلك الدليل بعينه دالاً على الوجوب، ويرشح ذلك هنا زيادة مسلم في بعض طرقه بعد قوله: إلا على زوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا فإنه أمر بلفظ الخبر إذ ليس المراد معنى الخبر فإن المرأة قد لا تحد فهو على حد قوله تعالى { { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ } } والمراد به الأمر اتفاقًا.
وفي المفهم القائل بوجوب الإحداد على المطلقة ثلاثًا إن قاسه على المتوفى عنها فلا يصح للحصر الذي اقتضاه الحديث، وأيضًا فعلى أن عدة الوفاة تعبدية يمتنع القياس وكذا على أنها معقولة لوضوح الفرق بأن الإحداد إنما هو مبالغة في التحرز على المرأة من النكاح بتعاطي أسبابه لعدم الزوج وفي الطلاق الزوج حي فهو يبحث ويحتاط لنفسه.

( مالك أنه بلغه أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لامرأة حاد) بشد الدال ( على زوجها اشتكت عينيها) بالتثنية ( فبلغ ذلك) الوجع المفهوم من اشتكت ( منها) مبلغًا قويًا ( اكتحلي بكحل الجلاء) بكسر الجيم والمد كحل خاص ( بالليل وامسحيه بالنهار) فأفتتها بما أفتاها به صلى الله عليه وسلم كما يأتي ( مالك أنه بلغه عن سالم بن عبد الله وسليمان بن يسار أنهما كانا يقولان في المرأة يتوفى عنها زوجها إنها إذا خشيت على بصرها من رمد أو شكو) بفتح فسكون ( أصابها أنها تكتحل وتتداوى بدواء أو كحل وإن كان فيه طيب) لأن الضرورة تبيح المحظور ( قال مالك: وإذا كانت الضرورة) أي وجدت ( فإن دين الله يسر) كما قال تعالى { { يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } } فتكتحل وإن كان فيه طيب ليلاً وتمسحه نهارًا وأما حديث المرأة التي قالت إن ابنتي اشتكت عينها أفأكحلها فقال صلى الله عليه وسلم: لا قالت: إني أخشى أن تنفقئ عينها قال: وإن انفقأت، رواه قاسم بن أصبغ وابن منده بإسناد صحيح فأجيب باحتمال أنه كان يحصل لها البرء بغير الكحل كالتضميد بالصبر وبأنه فهم أنها ذكرت ذلك اعتذارًا لا أن الخوف ثبت حقيقة إذ لو تحققه لأباحه لها إذ المنع مع الضرورة حرج مرفوع من دينه.
( مالك عن نافع أن صفية بنت أبي عبيد) الثقفية أدركت النبي صلى الله عليه وسلم وأبوها صحابي قاله ابن منده ونفى الدارقطني إدراكها في الإصابة على نفي إدراك السماع منه وذكرها العجلي وابن حبان في ثقات التابعين ( اشتكت عينيها وهي حاد) بشد الدال بلا هاء، لأنه نعت للمؤنث لا يشركه فيه المذكر مثل طالق وحائض ( على زوجها عبد الله بن عمر) تزوجها في خلافة أبيه وأصدقها عمر أربعمائة وزادها ابنه سرًا منه مائتي درهم وولدت له واقدًا وأبا بكر وأبا عبيدة وعبيد الله وعمر وحفصة وسودة ( فلم تكتحل حتى كادت عيناها ترمصان) بفتح الميم وصاد مهملة من باب تعب، يجمد الوسخ في موقها والرجل أرمص والمرأة رمصاء.
ولا منافاة بين هذا وبين ما في الصحيحين أن ابن عمر رجع من الحج فقيل له إن صفية في السياق فأسرع السير وجمع جمع تأخير، وكان ذلك في إمارة ابن الزبير لأنها عوفيت ثم مات زوجها في حياتها كما صرح به هنا.

( قال مالك تدهن المتوفى عنها زوجها بالزيت والشيرق) بفتح الشين المعجمة ثم موحدة أو تحتية ساكنة، دهن السمسم ( وما أشبه ذلك إذا لم يكن فيه طيب) ما لم تدع الضرورة للطيب وإلا جاز كما قدمه وهو المعتمد في المذهب ( ولا تلبس المرأة الحاد على زوجها شيئًا من الحلي) بفتح فسكون ( خاتمًا ولا خلخالاً) بفتح الخاء، واحد خلاخيل النساء، والخلخل لغة فيه أو مقصور منه قال:

براقة الجيد صموت الخلخل

قاله الجوهري ( ولا غير ذلك من الحلي) كسوار وخرص وقرط ذهبًا كان كله أو فضة.
قال الباجي: ويدخل فيه الجوهر والياقوت ( ولا تلبس شيئًا من العصب) بفتح العين وسكون الصاد المهملتين وموحدة قال ابن الأثير: برود يمنية يعصب غزلها أي يجمع ويشد ثم يصبغ وينسج فيأتي موشيًا لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه الصبغ يقال: برد عصب بالتنوين والإضافة وقيل: هي برود مخططة والعصب الفتل والعصاب الغزال ( إلا أن يكون عصبًا غليظًا) فتلبسه لأنه لا كبير زينة فيه حملاً لحديث أم عطية في الصحيحين مرفوعًا: لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا، ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيبًا إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار على الغليظ دون الرقيق لأن علة المنع الزينة وهي موجودة في الرقيق.
( ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا بشيء من الصبغ) بكسر فسكون بأحمر أو أصفر أو غيرهما ( إلا بالسواد) فيجوز، قال الباجي: يعني به الأسود الغرابي لا السماوي فإنه يتجمل به اهـ.
وخص الأسود بغير ناصعة البياض فإنه يزينها فيمنع عليها لبسه.
قال ابن المنذر: خص كل من يحفظ عنه العلم في البياض من الحرير وغيره ( ولا تمتشط) بشيء كطيب وحناء إلا بالسدر وما أشبهه مما لا يختمر في رأسها.

( مالك أنه بلغه) وصله أبو داود والنسائي من طريق ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن المغيرة بن الضحاك عن أم حكيم بنت أسيد عن أمها عن أم سلمة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم سلمة وهي حاد على أبي سلمة) عبد الله بن عبد الأسد المخزومي ( وقد جعلت على عينيها) بالتثنية ( صبرًا) بفتح الصاد المهملة وكسر الموحدة، في الأشهر الدواء المر، وسكون الباء للتخفيف لغة قليلة وقيل: لم تسمع في السعة.
وحكى ابن السيد في المثلث جواز التخفيف كنظائره بسكون الباء مع كسر الصاد وفتحها فيكون فيه ثلاث لغات ( فقال: ما هذا يا أم سلمة؟ قالت: إنما هو صبر يا رسول الله قال: اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار) زاد أبو داود: ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب قلت: فبأي شيء أمتشط يا رسول الله؟ قال: بالسدر وتغفلين به رأسك ( قال مالك الإحداد على الصبية التي لم تبلغ المحيض كهيئته على التي قد بلغت المحيض تجتنب ما تجتنب المرأة البالغة إذا هلك عنها زوجها) لأنه بالوجه الذي يلزمها العدة يلزمها الإحداد وبه قال الجمهور وقال أبو حنيفة: لا إحداد عليها لقوله لا يحل لامرأة والصبية لا تسمى امرأة وأجيب على تسليمه بأنه خرج مخرج الغالب ( تحد الأمة إذا توفي عنها زوجها شهرين وخمس ليال مثل) أي قدر ( عدتها) لأنها زوجة فشملها الحديث ( ليس على أم الولد إحداد إذا هلك عنها سيدها ولا على أمة) قنة ( يموت عنها سيدها إحداد) وقد كان يطؤها ( وإنما الإحداد على ذوات الأزواج) لقوله في الحديث إلا على زوج ( مالك أنه بلغه أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول: تجمع الحاد رأسها) أي شعره أي تمشطه ( بالسدر والزيت) الذي لا طيب فيه.