فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الْمُرَاطَلَةِ

رقم الحديث 1338 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، أَنَّهُ رَأَى سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ: يُرَاطِلُ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، فَيُفْرِغُ ذَهَبَهُ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ، وَيُفْرِغُ صَاحِبُهُ الَّذِي يُرَاطِلُهُ ذَهَبَهُ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ الْأُخْرَى، فَإِذَا اعْتَدَلَ لِسَانُ الْمِيزَانِ أَخَذَ وَأَعْطَى قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَ الْوَرِقِ بِالْوَرِقِ مُرَاطَلَةً أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، أَنْ يَأْخُذَ أَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا، بعَشَرَةِ دَنَانِيرَ يَدًا بِيَدٍ، إِذَا كَانَ وَزْنُ الذَّهَبَيْنِ سَوَاءً عَيْنًا بِعَيْنٍ، وَإِنْ تَفَاضَلَ الْعَدَدُ، وَالدَّرَاهِمُ أَيْضًا فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الدَّنَانِيرِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ رَاطَلَ ذَهَبًا بِذَهَبٍ، أَوْ وَرِقًا بِوَرِقٍ، فَكَانَ بَيْنَ الذَّهَبَيْنِ فَضْلُ مِثْقَالٍ، فَأَعْطَى صَاحِبَهُ قِيمَتَهُ مِنَ الْوَرِقِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، فَلَا يَأْخُذُهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ قَبِيحٌ، وَذَرِيعَةٌ إِلَى الرِّبَا، لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمِثْقَالَ بِقِيمَتِهِ، حَتَّى كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ عَلَى حِدَتِهِ، جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمِثْقَالَ بِقِيمَتِهِ مِرَارًا، لِأَنْ يُجِيزَ ذَلِكَ الْبَيْعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّهُ بَاعَهُ ذَلِكَ الْمِثْقَالَ مُفْرَدًا، لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَأْخُذْهُ بِعُشْرِ الثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ بِهِ، لِأَنْ يُجَوِّزَ لَهُ الْبَيْعَ، فَذَلِكَ الذَّرِيعَةُ إِلَى إِحْلَالِ الْحَرَامِ، وَالْأَمْرُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ قَالَ مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ يُرَاطِلُ الرَّجُلَ، وَيُعْطِيهِ الذَّهَبَ الْعُتُقَ الْجِيَادَ، وَيَجْعَلُ مَعَهَا تِبْرًا ذَهَبًا غَيْرَ جَيِّدَةٍ، وَيَأْخُذُ مِنْ صَاحِبِهِ ذَهَبًا كُوفِيَّةً مُقَطَّعَةً، وَتِلْكَ الْكُوفِيَّةُ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ النَّاسِ، فَيَتَبَايَعَانِ ذَلِكَ مِثْلًا بِمِثْلٍ، إِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ قَالَ مَالِكٌ: وَتَفْسِيرُ مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ، أَنَّ صَاحِبَ الذَّهَبِ الْجِيَادِ أَخَذَ فَضْلَ عُيُونِ ذَهَبِهِ فِي التِّبْرِ الَّذِي طَرَحَ مَعَ ذَهَبِهِ، وَلَوْلَا فَضْلُ ذَهَبِهِ عَلَى ذَهَبِ صَاحِبِهِ لَمْ يُرَاطِلْهُ صَاحِبُهُ بِتِبْرِهِ، ذَلِكَ إِلَى ذَهَبِهِ الْكُوفِيَّةِ، فَامْتَنَعَ، وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَ ثَلَاثَةَ أَصْوُعٍ مِنْ تَمْرٍ عَجْوَةٍ، بِصَاعَيْنِ وَمُدٍّ مِنْ تَمْرٍ كَبِيسٍ، فَقِيلَ لَهُ: هَذَا لَا يَصْلُحُ، فَجَعَلَ صَاعَيْنِ مِنْ كَبِيسٍ، وَ صَاعًا مِنْ حَشَفٍ، يُرِيدُ أَنْ يُجِيزَ بِذَلِكَ بَيْعَهُ، فَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ.
لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ الْعَجْوَةِ لِيُعْطِيَهُ صَاعًا مِنَ الْعَجْوَةِ بِصَاعٍ مِنْ حَشَفٍ، وَلَكِنَّهُ إِنَّمَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ لِفَضْلِ الْكَبِيسِ، أَوْ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِعْنِي ثَلَاثَةَ أَصْوُعٍ مِنَ الْبَيْضَاءِ بِصَاعَيْنِ وَنِصْفٍ مِنْ حِنْطَةٍ شَامِيَّةٍ، فَيَقُولُ: هَذَا لَا يَصْلُحُ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَيَجْعَلُ صَاعَيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ شَامِيَّةٍ، وَصَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، يُرِيدُ أَنْ يُجِيزَ بِذَلِكَ الْبَيْعَ فِيمَا بَيْنَهُمَا، فَهَذَا لَا يَصْلُحُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيُعْطِيَهُ بِصَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ بَيْضَاءَ، لَوْ كَانَ ذَلِكَ الصَّاعُ مُفْرَدًا، وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ لِفَضْلِ الشَّامِيَّةِ عَلَى الْبَيْضَاءِ، فَهَذَا لَا يَصْلُحُ، وَهُوَ مِثْلُ مَا وَصَفْنَا مِنَ التِّبْرِ قَالَ مَالِكٌ: فَكُلُّ شَيْءٍ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَالطَّعَامِ كُلِّهِ الَّذِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ مَعَ الصِّنْفِ الْجَيِّدِ مِنَ الْمَرْغُوبِ فِيهِ الشَّيْءُ الرَّدِيءُ الْمَسْخُوطُ، لِيُجَازَ الْبَيْعُ، وَلِيُسْتَحَلَّ بِذَلِكَ مَا نُهِيَ عَنْهُ، مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي لَا يَصْلُحُ إِذَا جُعِلَ ذَلِكَ مَعَ الصِّنْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ صَاحِبُ ذَلِكَ أَنْ يُدْرِكَ بِذَلِكَ فَضْلَ جَوْدَةِ مَا يَبِيعُ، فَيُعْطِي الشَّيْءَ الَّذِي لَوْ أَعْطَاهُ وَحْدَهُ، لَمْ يَقْبَلْهُ صَاحِبُهُ وَلَمْ يَهْمُمْ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَقْبَلُهُ مِنْ أَجْلِ الَّذِي يَأْخُذُ مَعَهُ لِفَضْلِ سِلْعَةِ صَاحِبِهِ عَلَى سِلْعَتِهِ، فَلَا يَنْبَغِي لِشَيْءٍ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَالطَّعَامِ أَنْ يَدْخُلَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الصِّفَةِ، فَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُ الطَّعَامِ الرَّدِيءِ أَنْ يَبِيعَهُ بِغَيْرِهِ، فَلْيَبِعْهُ عَلَى حِدَتِهِ، وَلَا يَجْعَلُ مَعَ ذَلِكَ شَيْئًا، فَلَا بَأْسَ بِهِ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ.


( مالك عن يزيد بن عبد الله بن قسيط) بقاف ومهملة مصغرًا ( أنه رأى سعيد بن المسيب يراطل الذهب بالذهب) وبين الصفة بقوله ( فيفرغ ذهبه في كفة الميزان) بكسر الكاف والضم لغة، وأما كفة غير الميزان فقال الأصمعي: كل مستدير فبالكسر نحو كفة اللثة وهو ما انحدر منها وكفة الصائد وهي حبالته وكل ما استطيل فبالضم نحو كفة الثوب حاشيته وكفة الرمل وقيل بالوجهين في الجميع ( ويفرغ صاحبه الذي يراطله ذهبه في كفة الميزان الأخرى فإذا اعتدل لسان الميزان أخذ وأعطى) فتجوز المراطلة بالكفتين.
وفي حديث القلادة في مسلم: انزع ذهبها واجعله في كفة وفي جوازها بالصنجة قولان والجواز أصوب قاله المازري: وسمع ابن القاسم لا بأس بالصنجة في كفة واحدة ابن رشد هو أصوب لتيقن المساواة بها من الكفتين إذ قد يكون في الميزان غبن وسمع أشهب وابن نافع لا بأس في المراطلة بالشاهين إذا كان عدلاً.
ونقل ابن محرز عن مالك يجوز في المراطلة أن يزن ذهبه في الشاهين بمثقال ثم تزن ذهبك وزنة ثانية بذلك العيار وفي تلك الكفة بعينها.
قال الأبي: فهذا نص أو ظاهر في أن الشاهين الصنجة وأما أنه ميزان العود المسمى بالفرسطون فلا، وإن قال شيخنا إنه يغلب على ظني أنه مراد بالشاهين فإن اللغة لا تفسر بغلبة الظن ويبعد أيضًا تفسير الشاهين بالوزن المسمى بالرمانة عرفًا.

( قال مالك: الأمر عندنا في بيع الذهب بالذهب والورق بالورق مراطلة) أي وزنًا ( أنه لا بأس بذلك) أي يجوز ( أن يأخذ أحد عشر دينارًا بعشرة دنانير يدًا بيد) أي مناجزة ( إذا كان وزن الذهبين سواءً عينًا بعين) لانتفاء التفاضل ( وإن تفاضل) أي زاد ( العدد) فاعل تفاضل ( والدراهم أيضًا في ذلك بمنزلة الدنانير) إنما ينظر إلى وزنها إذا بيعت مراطلة ( قال مالك: من راطل ذهبًا بذهب أو ورقًا بورق فكان بين الذهبين فضل) أي زيادة ( مثقال فأعطى صاحبه قيمته من الورق أو من غيرها) أنثه على معنى الورق وهو الفضة أي من غير الفضة كالعرض ( فلا يأخذه فإن ذلك قبيح) ليس بحسن لحرمته ( وذريعة) بذال معجمة، وسيلة ( إلى الربا لأنه إذا جاز له أن يأخذ المثقال بقيمته حتى كأنه اشتراه على حدته) أي وحده ( جاز له أن يأخذ المثقال بقيمته مرارًا) قصدًا ( لأن يجيز ذلك البيع بينه وبين صاحبه ولو أنه باعه ذلك المثقال مفردًا ليس معه غيره) صفة كاشفة لمفرد ( لم يأخذه بعشر الثمن الذي أخذه به لأن) أي لأجل أن ( يجوز له البيع فذلك الذريعة) الوسيلة ( إلى إحلال الحرام والأمر المنهي عنه) فلذلك منع.

( قال مالك في الرجل) مثلاً ( يراطل الرجل ويعطيه الذهب العتق) بضمتين جمع عتيق كبرد وبريد كما في المصباح ( الجياد ويجعل معها تبرًا ذهبًا غير جيدة ويأخذ من صاحبه ذهبًا كوفية مقطعة وتلك الكوفية مكروهة عند الناس فيتبايعان ذلك مثلاً بمثل إن ذلك لا يصلح) لحرمته ( وتفسير ما كره من ذلك) أي بيان وجه منعه ( أن صاحب الذهب الجياد أخذ فضل) أي زيادة ( عيون ذهبه في التبر الذي طرح مع ذهبه ولولا فضل ذهبه على ذهب صاحبه لم يراطله صاحبه بتبره ذلك إلى ذهبه الكوفية فامتنع) لدوران الفضل من الجانبين ( وإنما مثل ذلك) أي صفته بمعنى قياسه ( كمثل رجل أراد أن يبتاع ثلاثة أصوع) وفي نسخة آصع وكل جمع لصاع ( من تمر عجوة بصاعين ومد من تمر كبيس فقيل له هذا لا يصلح) للتفاضل ( فجعل صاعين من كبيس وصاعًا من حشف) رديء التمر ( يريد أن يجيز بذلك بيعه) لاتحاد الكيل ( فذلك لا يصلح لأنه لم يكن صاحب العجوة ليعطيه صاعًا من العجوة بصاع من حشف ولكنه إنما أعطاه ذلك لفضل الكبيس) فاغتفر ذلك للفضل فمنع ( أو أن يقول الرجل للرجل بعني ثلاثة أصوع من البيضاء) أي الحنطة كما يفهم من باقي الكلام فليس المراد بها هنا الشعير وإن سبق عن ابن عمر أنه اسم له عند العرب فمراده بعضهم لأنه نفسه عبر في موضع آخر بقوله عرب الحجاز اهـ.
فلا ينافي أن غيرهم يطلق البيضاء على الحنطة وفي القاموس البيضاء الحنطة ( بصاعين ونصف من حنطة شامية) وهي السمراء ( فيقول هذا لا يصلح إلا مثلاً بمثل فيجعل صاعين من حنطة شامية وصاعًا من شعير يريد أن يجيز بذلك البيع فيما بينهما فهذا لا يصلح لأنه لم يكن ليعطيه بصاع من شعير صاعًا من حنطة بيضاء لو كان ذلك الصاع منفردًا وإنما أعطاه إياه لفضل الشامية على البيضاء) فاغتفر أخذ الشعير للفضل ( فهذا لا يصلح وهو مثل ما وصفنا من التبر فكل شيء من الذهب والورق والطعام كله الذي لا ينبغي) لا يصلح ( أن يبتاع) وفي نسخة يباع ( إلا مثلاً بمثل فلا ينبغي أن يجعل مع الصنف الجيد من المرغوب فيه الشيء) نائب فاعل يجعل ( الرديء المسخوط ليجاز) بالجيم ( البيع وليستحل بذلك ما نهى عنه من الأمر الذي لا يصلح إذا جعل ذلك مع الصنف المرغوب فيه وإنما يريد صاحب ذلك أن يدرك) يصل ( بذلك فضل جودة ما يبيع فيعطي الشيء الذي لو أعطاه وحده لم يقبله صاحبه ولم يهمم) بفك الإدغام ( بذلك وإنما يقبله من أجل الذي يأخذ معه لفضل سلعة صاحبه على سلعته فلا ينبغي لشيء من الذهب والورق والطعام) نهي لها والمراد أصحابها وهو من البلاغة ( أن يدخله شيء من هذه الصفة) فهو حرام ( فإن أراد صاحب الطعام الرديء أن يبيعه بغيره فليبعه على حدته ولا يجعل مع ذلك شيئًا فلا بأس به إذا كان كذلك) لعدم الربا.