فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ جَامِعِ بَيْعِ الطَّعَامِ

رقم الحديث 1351 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ: إِنِّي رَجُلٌ أَبْتَاعُ الطَّعَامَ يَكُونُ مِنَ الصُّكُوكِ بِالْجَارِ، فَرُبَّمَا ابْتَعْتُ مِنْهُ بِدِينَارٍ وَنِصْفِ دِرْهَمٍ فَأُعْطَى بِالنِّصْفِ طَعَامًا، فَقَالَ سَعِيدٌ: لَا وَلَكِنْ أَعْطِ أَنْتَ دِرْهَمًا، وَخُذْ بَقِيَّتَهُ طَعَامًا.


( جامع بيع الطعام)

( مالك عن محمد بن عبد الله بن أبي مريم) الخزاعي مولاهم، ويقال مولى ثقيف قال أبو حاتم: شيخ مدني صالح.
وقال يحيى القطان: لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات ( أنه سأل سعيد بن المسيب فقال إني رجل أبتاع الطعام) وقوله ( يكون من الصكوك) جمع صك ( بالجار) بجيم الساحل المعروف، ساقط للأكثر وابن القاسم والقعنبي قاله أبو عمر ( فربما ابتعت منه بدينار ونصف درهم فأعطى بالنصف طعامًا فقال سعيد لا ولكن أعط أنت درهمًا وخذ بقيته طعامًا) نصب بقيته على التوسع.

( مالك أنه بلغه أن محمد بن سيرين كان يقول لا تبيعوا الحب في سنبله حتى يبيض) أي يشتد حبه وفي الصحيح عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخل حتى يزهو وعن السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة نهى البائع والمشتري.
قال عياض: فرق صلى الله عليه وسلم فأجاز بيع الثمار بأول الطيب ولم يجزه في الزرع حتى يتم طيبه لأن الثمار تؤكل غالبًا من أول الطيب والزرع لا يؤكل غالبًا إلا بعد الطيب.

( قال مالك من اشترى طعامًا بسعر معلوم إلى أجل مسمى فلما حل الأجل قال الذي عليه الطعام لصاحبه ليس عندي طعام فبعني الطعام الذي لك علي إلى أجل فيقول صاحب الطعام هذا لا يصلح) لا يجوز ( لأنه قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يستوفى) أي يقبض ( فيقول الذي عليه الطعام لغريمه فبعني طعامًا إلى أجل حتى أقضيكه فهذا لا يصلح لأنه إنما يعطيه طعامًا ثم يرده إليه فيصير الذهب الذي أعطاه ثمن الطعام الذي كان له عليه ويصير الطعام الذي أعطاه محللاً فيما بينهما ويكون ذلك إذا فعلاه بيع الطعام قبل أن يستوفى) فلم يخرجا عن النهي بهذه الحيلة.

( قال مالك في رجل له على رجل طعام ابتاعه منه ولغريمه على رجل طعام مثل ذلك الطعام فقال الذي عليه الطعام لغريمه أحيلك على غريم لي عليه مثل الطعام الذي لك علي بطعامك) متعلق بأحيلك ( الذي لك علي قال مالك إن كان الذي عليه الطعام إنما هو طعام ابتاعه فأراد أن يحيل غريمه بطعام ابتاعه فإن ذلك لا يصلح) لا يجوز من الصلاح ضد الفساد ( وذلك بيع الطعام قبل أن يستوفى) فيدخل في النهي عنه ( فإن كان الطعام سلفًا حالاً فلا بأس أن يحيل به غريمه لأن ذلك ليس ببيع ولا يحل بيع الطعام قبل أن يستوفى لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك) كما مر مسندًا ( غير أن أهل العلم قد اجتمعوا) أي اتفقوا ( على أنه لا بأس بالشرك) التشريك لغيره في بعض ما اشتراه ( والتولية) لما اشتراه بما اشتراه ( والإقالة في الطعام وغيره وذلك أن أهل العلم أنزلوه) أي المذكور من الثلاث ( على وجه المعروف) فأجازوا ذلك قبل القبض في الطعام ( ولم ينزلوه على وجه البيع) لأنه كان يمتنع وهذا ظاهر في أن الإقالة حل بيع لا بيع ومر في كلام الإمام ما يشير إلى أنها بيع وهما قولان ( وذلك مثل الرجل يسلف الدراهم النقص فيقضى دراهم وازنة فيها فضل) زيادة ( فيحل له ذلك) لأنه حسن قضاء ( ويجوز) جمع بينهما تقوية ( ولو اشترى منه دراهم نقصًا بوازنة لم يحل ذلك) لربا الفضل ( ولو اشترط عليه حين أسلفه وازنة وإنما أعطاه نقصًا لم يحل له ذلك) للشرط وهو عين الربا ( ومما يشبه ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المزابنة وأرخص في بيع العرايا بخرصها من التمر) بفتح الخاء وكسرها ( وإنما فرق بين ذلك أن بيع المزابنة بيع على وجه المكايسة والتجارة وأن بيع العرايا على وجه المعروف لا مكايسة فيه) أي مغالبة ( ولا ينبغي أن يشتري رجل طعامًا بربع أو ثلث أو كسر) بكسر الكاف وسكون السين، أي قطعة ( من درهم على أن يعطى بذلك طعامًا إلى أجل ولا بأس أن يبتاع الرجل طعامًا بكسر) قطعة ( من درهم إلى أجل ثم يعطى درهمًا ويأخذ بما بقي له من درهمه سلعة من السلع لأنه أعطى الكسر) القطعة ( الذي عليه فضة وأخذ ببقيته سلعة فهذا لا بأس به) أي يجوز لأنهما صفقتان لم يدخلهما شيء يمنع ( ولا بأس بأن يضع الرجل عند الرجل درهمًا ثم يأخذ منه بربع أو ثلث أو بكسر معلوم سلعة معلومة فإذا لم يكن في ذلك سعر معلوم وقال الرجل آخذ منك بسعر كل يوم فهذا لا يحل لأنه غرر يقل مرة ويكثر مرة ولم يتفرقا على بيع معلوم) بيان للغرر للجهل بما يأخذ كل يوم سعره لخفض السعر وارتفاعه ( ومن باع طعامًا جزافًا ولم يستثن منه شيئًا ثم بدا له أن يشتري منه شيئًا فلا يصلح له أن يشتري منه شيئًا إلا ما كان يجوز له أن يستثني منه وذلك الثلث فما دونه فإن زاد على الثلث صار ذلك إلى المزابنة وإلى ما يكره) أي يمنع ( فلا ينبغي) لا يجوز ( أن يشتري منه شيئًا إلا ما كان يجوز له أن يستثني منه و) هو ( لا يجوز له أن يستثني منه إلا الثلث فما دونه) ومراده رحمه الله زيادة الإيضاح والبيان ( وهذا الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا) بالمدينة وحاصله أن ما جاز أن يستثنى جاز أن يشترى وهو الثلث فأقل.



رقم الحديث 1352 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ كَانَ يَقُولُ: لَا تَبِيعُوا الْحَبَّ فِي سُنْبُلِهِ حَتَّى يَبْيَضَّ قَالَ مَالِكٌ: مَنِ اشْتَرَى طَعَامًا بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ، قَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ لِصَاحِبِهِ: لَيْسَ عِنْدِي طَعَامٌ، فَبِعْنِي الطَّعَامَ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ إِلَى أَجَلٍ، فَيَقُولُ صَاحِبُ الطَّعَامِ: هَذَا لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ قَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُسْتَوْفَى، فَيَقُولُ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ لِغَرِيمِهِ: فَبِعْنِي طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ حَتَّى أَقْضِيَكَهُ، فَهَذَا لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُعْطِيهِ طَعَامًا ثُمَّ يَرُدُّهُ إِلَيْهِ فَيَصِيرُ الذَّهَبُ الَّذِي أَعْطَاهُ ثَمَنَ الطَّعَامِ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَيْهِ، وَيَصِيرُ الطَّعَامُ الَّذِي أَعْطَاهُ مُحَلِّلًا فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَيَكُونُ ذَلِكَ إِذَا فَعَلَاهُ بَيْعَ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى قَالَ مَالِكٌ: فِي رَجُلٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ طَعَامٌ ابْتَاعَهُ مِنْهُ، وَلِغَرِيمِهِ عَلَى رَجُلٍ طَعَامٌ مِثْلُ ذَلِكَ الطَّعَامِ، فَقَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ لِغَرِيمِهِ: أُحِيلُكَ عَلَى غَرِيمٍ لِي، عَلَيْهِ مِثْلُ الطَّعَامِ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ بِطَعَامِكَ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ، قَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ إِنَّمَا هُوَ طَعَامٌ ابْتَاعَهُ، فَأَرَادَ أَنْ يُحِيلَ غَرِيمَهُ بِطَعَامٍ ابْتَاعَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ، وَذَلِكَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى، فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ سَلَفًا حَالًّا، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُحِيلَ بِهِ غَرِيمَهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِبَيْعٍ، وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالشِّرْكِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْإِقَالَةِ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ أَنْزَلُوهُ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ، وَلَمْ يُنْزِلُوهُ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ، وَذَلِكَ مِثْلُ الرَّجُلِ يُسَلِّفُ الدَّرَاهِمَ النُّقَّصَ، فَيُقْضَى دَرَاهِمَ وَازِنَةً فِيهَا فَضْلٌ، فَيَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ وَلَوِ اشْتَرَى مِنْهُ دَرَاهِمَ نُقَّصًا بِوَازِنَةٍ، لَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ، وَلَوِ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ حِينَ أَسْلَفَهُ وَازِنَةً، وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ نُقَّصًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: وَمِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ، وَأَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنَ التَّمْرِ، وَإِنَّمَا فُرِقَ بَيْنَ ذَلِكَ أَنَّ بَيْعَ الْمُزَابَنَةِ بَيْعٌ عَلَى وَجْهِ الْمُكَايَسَةِ، وَالتِّجَارَةِ، وَأَنَّ بَيْعَ الْعَرَايَا عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ لَا مُكَايَسَةَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَ رَجُلٌ طَعَامًا بِرُبُعٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ كِسْرٍ مِنْ دِرْهَمٍ.
عَلَى أَنْ يُعْطَى بِذَلِكَ طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ.
وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْتَاعَ الرَّجُلُ طَعَامًا بِكِسْرٍ مِنْ دِرْهَمٍ إِلَى أَجَلٍ، ثُمَّ يُعْطَى دِرْهَمًا وَيَأْخُذُ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ دِرْهَمِهِ سِلْعَةً مِنَ السِّلَعِ.
أَنَّهُ أَعْطَى الْكِسْرَ الَّذِي عَلَيْهِ، فِضَّةً.
وَأَخَذَ بِبَقِيَّةِ دِرْهَمِهِ سِلْعَةً، فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ عِنْدَ الرَّجُلِ دِرْهَمًا، ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْهُ بِرُبُعٍ أَوْ بِثُلُثٍ أَوْ بِكِسْرٍ مَعْلُومٍ سِلْعَةً مَعْلُومَةً، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ سِعْرٌ مَعْلُومٌ،.

     وَقَالَ  الرَّجُلُ: آخُذُ مِنْكَ بِسِعْرِ كُلِّ يَوْمٍ، فَهَذَا لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ غَرَرٌ يَقِلُّ مَرَّةً، وَيَكْثُرُ مَرَّةً، وَلَمْ يَفْتَرِقَا عَلَى بَيْعٍ مَعْلُومٍ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ بَاعَ طَعَامًا جِزَافًا وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُ شَيْئًا، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئًا، إِلَّا مَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ، وَذَلِكَ الثُّلُثُ فَمَا دُونَهُ، فَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، صَارَ ذَلِكَ إِلَى الْمُزَابَنَةِ، وَإِلَى مَا يُكْرَهُ، فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا مَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ إِلَّا الثُّلُثَ، فَمَا دُونَهُ، وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا.


( جامع بيع الطعام)

( مالك عن محمد بن عبد الله بن أبي مريم) الخزاعي مولاهم، ويقال مولى ثقيف قال أبو حاتم: شيخ مدني صالح.
وقال يحيى القطان: لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات ( أنه سأل سعيد بن المسيب فقال إني رجل أبتاع الطعام) وقوله ( يكون من الصكوك) جمع صك ( بالجار) بجيم الساحل المعروف، ساقط للأكثر وابن القاسم والقعنبي قاله أبو عمر ( فربما ابتعت منه بدينار ونصف درهم فأعطى بالنصف طعامًا فقال سعيد لا ولكن أعط أنت درهمًا وخذ بقيته طعامًا) نصب بقيته على التوسع.

( مالك أنه بلغه أن محمد بن سيرين كان يقول لا تبيعوا الحب في سنبله حتى يبيض) أي يشتد حبه وفي الصحيح عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخل حتى يزهو وعن السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة نهى البائع والمشتري.
قال عياض: فرق صلى الله عليه وسلم فأجاز بيع الثمار بأول الطيب ولم يجزه في الزرع حتى يتم طيبه لأن الثمار تؤكل غالبًا من أول الطيب والزرع لا يؤكل غالبًا إلا بعد الطيب.

( قال مالك من اشترى طعامًا بسعر معلوم إلى أجل مسمى فلما حل الأجل قال الذي عليه الطعام لصاحبه ليس عندي طعام فبعني الطعام الذي لك علي إلى أجل فيقول صاحب الطعام هذا لا يصلح) لا يجوز ( لأنه قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يستوفى) أي يقبض ( فيقول الذي عليه الطعام لغريمه فبعني طعامًا إلى أجل حتى أقضيكه فهذا لا يصلح لأنه إنما يعطيه طعامًا ثم يرده إليه فيصير الذهب الذي أعطاه ثمن الطعام الذي كان له عليه ويصير الطعام الذي أعطاه محللاً فيما بينهما ويكون ذلك إذا فعلاه بيع الطعام قبل أن يستوفى) فلم يخرجا عن النهي بهذه الحيلة.

( قال مالك في رجل له على رجل طعام ابتاعه منه ولغريمه على رجل طعام مثل ذلك الطعام فقال الذي عليه الطعام لغريمه أحيلك على غريم لي عليه مثل الطعام الذي لك علي بطعامك) متعلق بأحيلك ( الذي لك علي قال مالك إن كان الذي عليه الطعام إنما هو طعام ابتاعه فأراد أن يحيل غريمه بطعام ابتاعه فإن ذلك لا يصلح) لا يجوز من الصلاح ضد الفساد ( وذلك بيع الطعام قبل أن يستوفى) فيدخل في النهي عنه ( فإن كان الطعام سلفًا حالاً فلا بأس أن يحيل به غريمه لأن ذلك ليس ببيع ولا يحل بيع الطعام قبل أن يستوفى لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك) كما مر مسندًا ( غير أن أهل العلم قد اجتمعوا) أي اتفقوا ( على أنه لا بأس بالشرك) التشريك لغيره في بعض ما اشتراه ( والتولية) لما اشتراه بما اشتراه ( والإقالة في الطعام وغيره وذلك أن أهل العلم أنزلوه) أي المذكور من الثلاث ( على وجه المعروف) فأجازوا ذلك قبل القبض في الطعام ( ولم ينزلوه على وجه البيع) لأنه كان يمتنع وهذا ظاهر في أن الإقالة حل بيع لا بيع ومر في كلام الإمام ما يشير إلى أنها بيع وهما قولان ( وذلك مثل الرجل يسلف الدراهم النقص فيقضى دراهم وازنة فيها فضل) زيادة ( فيحل له ذلك) لأنه حسن قضاء ( ويجوز) جمع بينهما تقوية ( ولو اشترى منه دراهم نقصًا بوازنة لم يحل ذلك) لربا الفضل ( ولو اشترط عليه حين أسلفه وازنة وإنما أعطاه نقصًا لم يحل له ذلك) للشرط وهو عين الربا ( ومما يشبه ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المزابنة وأرخص في بيع العرايا بخرصها من التمر) بفتح الخاء وكسرها ( وإنما فرق بين ذلك أن بيع المزابنة بيع على وجه المكايسة والتجارة وأن بيع العرايا على وجه المعروف لا مكايسة فيه) أي مغالبة ( ولا ينبغي أن يشتري رجل طعامًا بربع أو ثلث أو كسر) بكسر الكاف وسكون السين، أي قطعة ( من درهم على أن يعطى بذلك طعامًا إلى أجل ولا بأس أن يبتاع الرجل طعامًا بكسر) قطعة ( من درهم إلى أجل ثم يعطى درهمًا ويأخذ بما بقي له من درهمه سلعة من السلع لأنه أعطى الكسر) القطعة ( الذي عليه فضة وأخذ ببقيته سلعة فهذا لا بأس به) أي يجوز لأنهما صفقتان لم يدخلهما شيء يمنع ( ولا بأس بأن يضع الرجل عند الرجل درهمًا ثم يأخذ منه بربع أو ثلث أو بكسر معلوم سلعة معلومة فإذا لم يكن في ذلك سعر معلوم وقال الرجل آخذ منك بسعر كل يوم فهذا لا يحل لأنه غرر يقل مرة ويكثر مرة ولم يتفرقا على بيع معلوم) بيان للغرر للجهل بما يأخذ كل يوم سعره لخفض السعر وارتفاعه ( ومن باع طعامًا جزافًا ولم يستثن منه شيئًا ثم بدا له أن يشتري منه شيئًا فلا يصلح له أن يشتري منه شيئًا إلا ما كان يجوز له أن يستثني منه وذلك الثلث فما دونه فإن زاد على الثلث صار ذلك إلى المزابنة وإلى ما يكره) أي يمنع ( فلا ينبغي) لا يجوز ( أن يشتري منه شيئًا إلا ما كان يجوز له أن يستثني منه و) هو ( لا يجوز له أن يستثني منه إلا الثلث فما دونه) ومراده رحمه الله زيادة الإيضاح والبيان ( وهذا الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا) بالمدينة وحاصله أن ما جاز أن يستثنى جاز أن يشترى وهو الثلث فأقل.