فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي ثَمَنِ الْكَلْبِ

رقم الحديث 1366 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ يَعْنِي بِمَهْرِ الْبَغِيِّ: مَا تُعْطَاهُ الْمَرْأَةُ عَلَى الزِّنَا، وَحُلْوَانُ الْكَاهِنِ رَشْوَتُهُ، وَمَا يُعْطَى عَلَى أَنْ يَتَكَهَّنَ.
قَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُ ثَمَنَ الْكَلْبِ الضَّارِي وَغَيْرِ الضَّارِي، لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ.


( ما جاء في ثمن الكلب)

( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن أبي بكر بن عبد الرحمن) بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي الفقيه اسمه كنيته على الصحيح، وقيل: اسمه المغيرة ولا يصح وكان يقال له راهب قريش لكثرة صلاته وعبادته كان يصوم الدهر لا يفطر مات فجأة بالمدينة سنة أربع وتسعين ( عن أبي مسعود) عقبة بالقاف ابن عمرو ( الأنصاري) يعرف بالبدري لأنه كان يسكن بدرًا، واختلف في شهوده بدرًا.
قال ابن عبد البر: وقع في نسخة يحيى وعن أبي مسعود بالواو وهو وهم بين وغلط واضح لا يعرج على مثله ولا يلتفت إليه لأنه من خطأ اليد وسوء النقل والحديث محفوظ في جميع الموطآت ورواة ابن شهاب كلهم لأبي بكر عن أبي مسعود أما لابن شهاب عن أبي مسعود فلا.

( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب) المنهي عن اتخاذه اتفاقًا لورود النهي عنه وعن بيعه والأمر بقتله ومن لا ثمن له لا قيمة له إذا قتل والمأذون في اتخاذه ككلب الصيد والحراسة على المشهور للحديث ولأن إباحة المنفعة لا تبيح البيع كأم الولد ينتفع بها ولا تباع وعلة المنع عند من قال بنجاسته كالشافعي: نجاسته فلا يباع مطلقًا كما لا تباع العذرة، وروي عن مالك أيضًا.
وبه قال قال سحنون وأبو حنيفة وصاحباه: يجوز بيع الكلاب التي ينتفع بها لأنه حيوان منتفع به حراسة واصطيادًا حتى قال سحنون أبيعه وأحج بثمنه وحملوا هذا الحديث على غير المأذون في اتخاذه لحديث النسائي عن جابر نهى صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب إلا كلب صيد لكنه حديث ضعيف باتفاق أئمة الحديث.
( ومهر البغي) بفتح الموحدة وكسر المعجمة وشد التحتية، فعيل بمعنى فاعل يستوي فيه المذكر والمؤنث ( وحلوان الكاهن) بضم الحاء المهملة وسكون اللام مصدر حلوته، إذا أعطيته إلى هنا الحديث.
وفسره الإمام بقوله ( يعني بمهر البغي ما تعطاه المرأة على الزنا) وهو حرام إجماعًا وسمي مهرًا لشبهه بالمهر في الصورة ( وحلوان الكاهن رشوته) بكسر الراء وفتحها وضمها ( و) هي ( ما يعطى على أن يتكهن) قال أبو عبيد وأصله من الحلاوة شبه ما يعطى الكاهن بشيء حلو لأخذه إياه سهلاً دون كلفة يقال حلوت الرجل إذا أطعمته الحلو وعسلته إذا أطعمته العسل، والحلوان أيضًا الرشوة والحلوان في غير هذا ما يأخذه الرجل لنفسه من مهر ابنته وهو عيب عند النساء قالت امرأة تمدح زوجها:

لا يأخذ الحلوان من بناتنا

وحكى ابن عبد البر والمازري وغيرهما الإجماع على حرمة ما يأخذه الكاهن لأنه باطل كذب كله قال تعالى { { تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } } وهو من أكل أموال الناس بالباطل.
قال الخطابي: الكاهن الذي يدعي مطالعة علم الغيب ويخبر الناس عن الكوائن، وكان في الجاهلية كهنة يدعون معرفة كثير من الأمور فمنهم من يزعم أن له تابعًا من الجن يلقي إليه الأخبار، ومنهم من يدعي أنه يدرك الأمور بفهم أعطيه ومنهم من يسمى عرافًا وهو من يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات يستدل بها على مواضعها كالشيء يسرق فيعرف المظنون به السرقة والمرأة تتهم فيعرف من صاحبها ونحو ذلك، ومنهم من يسمي المنجم كاهنًا والحديث شامل لهؤلاء كلهم.

وأخرجه البخاري هنا عن عبد الله بن يوسف وفي الإجارة عن قتيبة بن سعيد ومسلم في البيع عن يحيى الثلاثة عن مالك به وتابعه ابن عيينة في الصحيحين والليث في مسلم كلاهما عن ابن شهاب وأخرجه أصحاب السنن.

( قال مالك أكره ثمن الكلب الضاري) المجترئ المولع بالصيد ( وغير الضاري لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب) وأطلق فشملهما واختلف في أن الكراهة على بابها ويؤيده رواية ابن نافع عنه لا بأس ببيعه في الميراث والمغانم والدين، أو على التحريم وهو المشهور عن مالك المعتمد في مذهبه خلافًا لتشهير بعضهم كالقرطبي في المفهم الكراهة ولا خلاف عن مالك أن من قتل كلب صيد أو ماشية أو زرع فعليه قيمته ومن قتل ما لم يؤذن فيه لا شيء عليه وأسقطها الشافعي وأحمد فيهما وأوجبها أبو حنيفة فيهما.



رقم الحديث 1366 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ دِينارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ.
إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقِ بِالْوَرِقِ.
إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا شَيْئًا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ، وَإِنِ اسْتَنْظَرَكَ إِلَى أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ، فَلَا تُنْظِرْهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُ الرَّمَاءَ،
وَالرَّمَاءُ هُوَ الرِّبَا.


( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( أنه قال) مرسلاً ورواه ابن وهب عن الليث بن سعد وعمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد أنه حدثهما أن عبد الله بن أبي سلمة حدثه أنه بلغه أن رسول الله فذكره قيل إن شيخه عبد الله هو الهذلي يروي عن ابن عمر وغيره وزعم البخاري أنه والد عبد العزيز بن أبي سلمة فالله أعلم قاله أبو عمر ( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم السعدين) سعد بن أبي وقاص وسعد بن عبادة كما رواه يعقوب بن شيبة وغيره بإسناد صحيح عن فضالة قال: كنا يوم خيبر فجعل صلى الله عليه وسلم على الغنائم سعد بن أبي وقاص وسعد بن عبادة ( أن يبيعا آنية من المغانم) أي مغانم خيبر ( من ذهب أو فضة فباعا كل ثلاثة بأربعة عينًا أو كل أربعة بثلاثة عينًا) شك الراوي.
( فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أربيتما فردا) ما بعتما وفيه أمر الإمام ببيع المغانم إذا رأى ذلك ويقسم الثمن وإنما رد البيع ولم يأمر عامله على خيبر لما باع صاعين يجمع بصاع من جنيب بالرد لاحتمال أن مبتاع الآنية موجود معلوم بخلاف مبتاع الجمع أو لم يتقدم نهي قبل بيع الجنيب فلا يفسخ بخلاف الآنية، وإنما بيعت قبل كسرها لأن المشتري لا بد له من كسرها ولا يبقيها للانتفاع بها لحديث الذي يشرب في آنية الفضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم.

( مالك عن موسى بن أبي تميم) المدني ثقة له في الموطأ مرفوعًا هذا الحديث الواحد ( عن أبي الحباب) بضم المهملة وموحدتين بينهما ألف ( سعيد) بكسر العين ( بن يسار) المدني ثقة متقن ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما) أي زيادة فيحرم الربا في الذهب والفضة لعلة الثمنية الغالبة فالربويان المتحد جنسهما كذهب بذهب وفضة بفضة يحرم فيهما التفاضل وكذا النساء والتفرق قبل التقابض، وقد زاد في حديث علي عند ابن ماجه وصححه الحاكم عقب قوله لا فضل بينهما فمن كانت له حاجة بورق فليصرفها بذهب ومن كانت له حاجة بذهب فليصرفها بالورق والصرف هاء وهاء.

وهذا رواه مسلم من طريق ابن وهب عن مالك وتابعه سليمان بن بلال عن موسى به عند مسلم أيضًا ورواه النسائي من طريق مالك وغيره.
( مالك عن نافع) مولى ابن عمر ( عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل) أي إلا حال كونهما متماثلين، أي متساويين، أي مع الحلول والتقابض في المجلس ( ولا تشفوا) بضم الفوقية وكسر الشين المعجمة وضم الفاء المشددة، من الأشفاف أي لا تفضلوا ( بعضها على بعض) والشف بالكسر الزيادة ( ولا تبيعوا الورق بالورق) بكسر الراء فيهما، الفضة بالفضة ( إلا) حال كونهما ( مثلاً بمثل) بكسر الميم، أي متماثلين ( ولا تشفوا) أي لا تفضلوا ( بعضها على بعض ولا تبيعوا منها شيئًا غائبًا) أي مؤجلاً ( بناجز) بنون وجيم وزاي، أي بحاضر فلا بد من التقابض في المجلس وفيه أن الزيادة وإن قلت حرام لأن الشفوف الزيادة القليلة ومنه شفافة الإناء وهي البقية القليلة من الماء، ولا خلاف في منع الصرف المؤخر إلا في دينار في ذمة آخذ صرفه الآن أو في دينار في ذمة وصرفه في ذمة أخرى فيتقاصان معًا، فذهب مالك وأصحابه إلى جواز الصورتين بشرط حلول ما في الذمة وأن يتناجزا في المجلس وأجاز أبو حنيفة وأصحابه الصورتين وإن لم يحل ما في الذمة فيهما مراعاة لبراءة الذمم، وأجاز الشافعي وابن كنانة وابن وهب الصورة الأولى دون الثانية قاله عياض.
ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به ورواه الترمذي والنسائي أيضًا من طريق مالك.

( مالك عن حميد بن قيس المكي) أبي صفوان القاري الأعرج من رجال الجماعة ( عن مجاهد) بن جبر، بفتح الجيم وسكون الموحدة، أبي الحجاج المخزومي مولاهم المكي إمام في التفسير، وفي العلم مات سنة إحدى أو اثنين أو ثلاث أو أربع ومائة وله ثلاث وثمانون سنة ( أنه قال كنت مع عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( فجاءه صائغ) هو وردان الرومي، كما أخرجه ابن عبد البر من طريق ابن عيينة عن وردان أنه سأل ابن عمر ( فقال له: يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن عمر ( إني أصوغ الذهب) أجعله حليًا ( ثم أبيع الشيء) المصوغ ( بأكثر من وزنه فأستفضل) أستبقي والسين للتأكيد ( من ذلك قدر عمل يدي فنهاه عبد الله عن ذلك) للربا ( فجعل الصائغ يردد) يعيد ( عليه المسألة) المذكورة ( وعبد الله ينهاه عن ذلك حتى انتهى إلى باب المسجد أو إلى دابة يريد أن يركبها) شك الراوي ( ثم قال عبد الله بن عمر الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل) زيادة ( بينهما هذا عهد) أي وصية ( نبينا) صلى الله عليه وسلم ( إلينا وعهدنا إليكم) وقد بلغناكم.

قال أبو عمر قوله: الدينار بالدينار إلخ إشارة إلى جنس الأصل لا إلى المضروب دون غيره بدليل إشارة ابن عمر الحديث على سؤال الصائغ له عن الذهب المصوغ، وبدليل قوله صلى الله عليه وسلم الفضة بالفضة والذهب بالذهب مثلاً بمثل وزنًا بوزن، ولا أعلم أحدًا حرم التفاضل في المضروب من الذهب والفضة المدرهمة دون التبر والمصوغ منهما إلا ما جاء عن معاوية والإجماع على خلافه.
قال: وفي قوله نبينا تصريح بالمراد في قوله في رواية ابن عيينة هذا عهد صاحبنا فقول الشافعي يعني به أباه عمر غلط على أصله لأن صاحبنا مجمل يحتمل أنه أراد النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأظهر ويحتمل أنه أراد عمر فلما قال مجاهد عن ابن عمر عهد نبينا فسر ما أجمل ورد أن هذا أصل ما يعتمده الشافعي في الآثار لكن الغلط لا يسلم منه أحد وإنما دخلت الداخلة على الناس من جهة التقليد لأنه إذا تكلم العالم عند من لا ينعم النظر بشيء كتبه وجعله دينًا يرد به ما خالفه دون معرفة وجهه فيقع الخلل اهـ.

( مالك أنه بلغه عن جده) وصله مسلم من طريق ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار عن ( مالك بن أبي عامر أن عثمان بن عفان قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين) فيحرم ربا الفضل ولو قل فيحتمل أن يكون الذي بلغه ابن وهب أو مخرمة بن بكير ( مالك عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم المدني ( عن عطاء بن يسار) بتحتية ومهملة خفيفة ( أن معاوية بن أبي سفيان) صخر بن حرب ( باع سقاية) بكسر السين، قيل هي البرادة يبرد فيها الماء تعلق ( من ذهب أو ورق) فضة ( بأكثر من وزنها) قال ابن حبيب: زعم أصحاب مالك أن السقاية قلادة من ذهب فيها جوهر وليس كما قالوا فالقلادة لا تسمى سقاية بل هي كأس كبيرة يشرب بها ويكال بها، وأما القلادة وهي العقد التي تعلقها المرأة على نحرها فغيرها ابتاعها معاوية بستمائة دينار فيها تبر وجوهر من لؤلؤ وياقوت وزبرجد، فنهاه عبادة بن الصامت وأخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن ذلك ( فقال أبو الدرداء) عويمر، وقيل عامر بن قيس الأنصاري، صحابي جليل عابد أول مشاهده أحد مات في خلافة عثمان وقيل: عاش بعد ذلك ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا إلا مثلاً بمثل) أي سواء في القدر ( فقال له معاوية: ما أرى بمثل هذا بأسًا) إما لأنه حمل النهي على المسبوك الذي به التعامل وقيم المتلفات أو كان لا يرى ربا الفضل كابن عباس ( فقال أبو الدرداء من يعذرني) بكسر الذال المعجمة ( من معاوية) أي من يلومه على فعله ولا يلومني عليه أو من يقوم بعذري إذا جازيته بصنعه ولا يلومني على ما أفعله به أو من ينصرني يقال عذرته إذا نصرته ( أنا أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبرني عن رأيه) أنف من رد السنة بالرأي وصدور العلماء تضيق عن مثل هذا وهو عندهم عظيم رد السنن بالرأي ( لا أساكنك بأرض أنت بها) وجائز للمرء أن يهجر من لم يسمع منه ولم يطعه وليس هذا من الهجرة المكروهة، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن لا يكلموا كعب بن مالك حين تخلف عن غزوة تبوك.
وهذا أصل عند العلماء في مجانبة من ابتدع وهجرته وقطع الكلام عنه وقد رأى ابن مسعود رجلاً يضحك في جنازة فقال: والله لا أكلمك أبدًا، قاله أبو عمر ( ثم قدم أبو الدرداء) من الشام ( على عمر بن الخطاب) المدينة ( فذكر ذلك له فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية أن لا تبيع ذلك إلا مثلاً بمثل وزنًا بوزن) بيان للمثل.

قال أبو عمر: لا أعلم أن هذه القصة عرضت لمعاوية مع أبي الدرداء إلا من هذا الوجه وإنما هي محفوظة لمعاوية مع عبادة بن الصامت، والطرق متواترة بذلك عنهما اهـ.
والإسناد صحيح وإن لم يرد من وجه آخر فهو من الأفراد الصحيحة والجمع ممكن لأنه عرض له ذلك مع عبادة وأبي الدرداء.

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل) أي متساويًا ( ولا تشفوا) أي تفضلوا بعضها على بعض، ويطلق الشف لغة أيضًا على النقص وهو من أسماء الأضداد ( ولا تبيعوا الورق بالورق) أي الفضة ( إلا مثلاً بمثل) بكسر فسكون فيهما ( ولا تشفوا) تزيدوا ( بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالذهب أحدهما غائب) عن المجلس ( والآخر ناجز) أي حاضر، وهذا تقدم مرفوعًا عن أبي سعيد وذكر هذا الموقوف إشارة لاستمرار العمل به ولزيادة قوله ( وإن استنظرك إلى أن يلج) يدخل ( بيته فلا تنظره) لا تؤخره ( إني أخاف عليكم الرماء) بفتح الراء والميم والمد ( والرماء هو الربا) أي الزيادة والتأخير وفي رواية الإرماء يقال: أرمى على الشيء وأربى إذا زاد عليه.

( مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض) أعاده لإفادة أنه رواه عن شيخين ولم يجمعهما لاختلاف لفظهما في قوله ( ولا تبيعوا منها شيئًا غائبًا بناجز) فإن نافعًا قال: ولا تبيعوا الورق إلخ ومالك يحافظ على ألفاظ شيوخه وإن اتحد معناها، واللفظ الثاني طبق المرفوع السابق، والأول بمعناه ( وإن استنظرك) طلب تأخيرك ( إلى أن يلج بيته فلا تنظره إني أخاف عليكم الرماء) بالمد ( والرماء هو الربا) الظاهر أن هذا التفسير من ابن عمر لاتفاق نافع وابن دينار عليه ففيه حرمة ربا النساء أي التأخير وإن قل وهو المشهور ومذهب المدونة وخفف القليل مالك في الموازية.

( مالك أنه بلغه عن القاسم بن محمد) بن الصديق ( أنه قال: قال عمر بن الخطاب الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم والصاع) المكيال المعروف ( بالصاع) من الربويات كالقمح ( ولا يباع كالئ) بالهمز أي مؤجل ( بناجز) أي حاضر ( مالك عن أبي الزناد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: لا ربًا إلا في ذهب أو فضة أو ما يكال أو يوزن مما يؤكل أو يشرب) كما أشير إلى ذلك في الحديث النبوي.

( مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: قطع الذهب والورق من الفساد في الأرض) وجاء عن ابن المسيب وعطاء بن أبي رباح في قوله تعالى: { { وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } } أن إفسادهم كان قطع الذهب والفضة وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى: { { أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ } } قال: قطع الدنانير والدراهم وقال غيره هو البخس الذي كانوا يفعلونه وروى ابن أبي شيبة أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس قال أبو عمر إسناده لين.

( قال مالك: ولا بأس أن يشتري الرجل) أو المرأة ( الذهب بالفضة والفضة بالذهب جزافًا إذا كان تبرًا أو حليًا) بفتح فسكون، مفرد حلي، بضم فكسر ( قد صيغ فأما الدراهم المعدودة والدنانير المعدودة فلا ينبغي) لا يحل ( لأحد أن يشتري شيئًا من ذلك جزافًا حتى يعلم ويعد) كل منهما ( فإن اشتري ذلك جزافًا فإنما يراد به الغرر حين يترك عده ويشترى جزافًا وليس هذا من بيوع المسلمين) فيحرم لحصول الغرر من جهتي الكمية والآحاد لأنه يرغب في كثرة آحاده ليسهل الشراء بها، هكذا علله الأبهري وعبد الوهاب وعلله ابن مسلمة بكثرة ثمن العين فيكثر الغرر ورد بجواز بيع الحلي واللؤلؤ وغيرهم جزافًا كما قال ( فأما ما كان يوزن من التبر والحلي فلا بأس أن يباع ذلك جزافًا وإنما ابتياع ذلك جزافًا) حال كونه ( كهيئة الحنطة والتمر ونحوهما من الأطعمة التي تباع جزافًا ومثلها يكال فليس بابتياع ذلك جزافًا بأس) أي يجوز إذا كان التعامل بالوزن لعدم قصد إفراده حينئذٍ.

( قال مالك: من اشترى مصحفًا أو سيفًا أو خاتمًا وفي شيء من ذلك ذهب أو فضة بدنانير أو دراهم) متعلق باشترى ( فإن ما اشتري من ذلك وفيه الذهب بدنانير فإنه ينظر إلى قيمته فإن كان قيمة ذلك الثلثين وقيمة ما فيه من الذهب الثلث فذلك جائز لا بأس به إذا كان ذلك يدًا بيد ولا يكون فيه تأخير) بيان ليد بيد وظاهره أنه ينظر في الثلث وغيره إلى قيمة المحلى مصوغًا وكذا هو ظاهر الموازية.
وقال الباجي ظاهر المذهب أن النظر في ذلك بالوزن ( وما اشتري من ذلك بالورق مما فيه الورق نظر إلى قيمته) مصوغًا ( فإن كان قيمة ذلك الثلثين وقيمة ما فيه من الورق الثلث فذلك جائز لا بأس به) تأكيد لجائز أو معناه بلا كراهة ( إذا كان ذلك يدًا بيد) أي مناجزة ( ولم يزل على ذلك أمر الناس عندنا) بالمدينة.