فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ السَّلَفِ

رقم الحديث 1385 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي رَجُلٍ أَسْلَفَ رَجُلًا طَعَامًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ إِيَّاهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ، فَكَرِهَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ.

     وَقَالَ : فَأَيْنَ الْحَمْلُ
يَعْنِي حُمْلَانَهُ.


( ما لا يجوز من السلف)

( مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال في رجل أسلف رجلاً طعامًا على أن يعطيه إياه في بلد آخر فكره ذلك عمر بن الخطاب وقال فأين الحمل) بفتح فسكون ( يعني حملانه) يريد أنه ازداد عليه في القرض حمله فيمنع ذلك اتفاقًا لأنه سلف جر منفعة ويروى فأين الحمال يريد الضمان قاله الباجي.

( مالك أنه بلغه أن رجلاً أتى عبد الله بن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن إني أسلفت رجلاً سلفًا واشترطت عليه أفضل مما أسلفته فقال عبد الله بن عمر فذلك الربا) لوجود الشرط ( قال فكيف تأمرني يا أبا عبد الرحمن) فيما فعلت ( فقال عبد الله بن عمر السلف على ثلاثة أوجه سلف تسلفه تريد به وجه الله) أي الثواب من الله ( فلك وجه الله وسلف تسلفه تريد به وجه صاحبك) المتسلف أي التحبب إليه والحظوة ( فلك وجه صاحبك وسلف تسلفه لتأخذ خبيثًا بطيب) أي حرامًا بدل حلال ( فذلك الربا) المحرم بالقرآن ( قال فكيف تأمرني يا أبا عبد الرحمن قال أرى أن تشق الصحيفة) التي كتبت على الرجل المتسلف ( فإن أعطاك مثل الذي أسلفته قبلته) كما قال تعالى { { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ } } ( وإن أعطاك دون الذي أسلفته فأخذته أجرت) لأنه حسن اقتضاء ( وإن أعطاك أفضل مما أسلفته) في الصفة ( طيبة به نفسه فذلك شكر شكره لك ولك أجر ما أنظرته) أخرته، قال الباجي: من شرط زيادة في السلف وكان مؤجلاً فله أن يبطل القرض جملة ويتعجل قبض ماله والأفضل له أن يسقط الشرط ويبقيه على أجله دون شرط.

( مالك عن نافع أنه سمع عبد الله بن عمر يقول من أسلف سلفًا فلا يشترط إلا قضاءه) أي يمنع أن يشترط غيره.

( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يقول من أسلف سلفًا فلا يشترط أفضل منه وإن كانت قبضة من علف) ما يعلف للبهائم ( فهو ربًا) والمعنى وإن كان المشترط شيئًا قليلاً جدًا قال أبو عمر هذا كله يقتضي أنه لا ربا في الزيادة إلا أن تشترط والوأي والعادة من قطع الذرائع وفي الحديث: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك وقال أبو عمر اتركوا الربا والريبة فالوأي والعادة هنا من الريبة.

( قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن من استسلف شيئًا من الحيوان بصفة وتحلية) عطف مساوٍ ( معلومة فإنه لا بأس بذلك وعليه أن يرد مثله إلا ما كان من الولائد) الإماء جمع وليدة وهي الأمة ( فإنه يخاف في ذلك الذريعة) الوسيلة ( إلى إحلال ما لا يحل) من عارية الفروج ( فلا يصلح) سلف الإماء ( وتفسير ما كره من ذلك أن يستسلف الرجل الجارية فيصيبها ما بدا له ثم يردها إلى صاحبها بعينها) لأن القرض لا ينافي ردّ العين فللمقترض ردّ عين ما اقترض ( فذلك لا يحل ولا يصلح ولم يزل أهل العلم ينهون عنه ولا يرخصون فيه لأحد) فإن أمن ذلك جاز كإقراضها لذي محرم منها أو لامرأة أو لصغير اقترضها له وليه أو كانت في سن من لا تشتهي، وهذا بناء على عكس العلة ومذهب المحققين انعكاسها إذا كانت بسيطة غير مركبة وانعكاسها هو انتفاء الحكم لانتفائها، فإن وقع قرض الجارية على الوجه الممنوع فإن لم يطأ فسخ وردت إلى ربها وإن وطئت فقيل تجب القيمة وقيل المثل قاله الأبي واقتصر أبو عمر عن مالك على القيمة قال: ويمنع قرض الإماء.
قال الجمهور ومالك والشافعي: لأن الفروج لا تستباح إلا بنكاح أو ملك بعقد لازم والقرض ليس بعقد لازم لأن المقترض يرد متى شاء فأشبه الجارية المشتراة بالخيار ولا يجوز وطؤها بإجماع حتى تنقضي أيام الخيار فيلزم العقد فيها.
وأجاز داود والمزني وابن جرير استقراض الإماء لأن ملك المقترض صحيح يجوز له فيه التصرف كله وكما جاز بيعه جاز قرضه وأجاز الجمهور استقراض الحيوان والسلم فيه لحديث أبي رافع وإيجابه صلى الله عليه وسلم دية الخطأ ودية العمد ودية شبه العمد المجتمع على ثبوتها.
وذلك إثبات الحيوان بالصفة في الذمة فكذلك القرض والسلمُ ومنع ذلك الكوفيون وأبو حنيفة لأن الحيوان لا يوقف على حقيقة وصفه وادعوا نسخ حديث أبي رافع بحديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قضى في الذي أعتق نصيبه في عبد مشترك بقيمة نصف شريكه ولم يوجب عليه نصف عبد مثله.
وقال داود وطائفة من الظاهرية لا يجوز السلم إلا في المكيل والموزون للنهي عن بيع ما ليس عند البائع، ولحديث من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم فخص المكيل والموزون من سائر ما ليس عند البائع وقال الحجازيون: معنى ما ليس عنده من الأعيان وأما المضمون فلا وقد أجاز أصحاب أبي حنيفة أن يكاتب عبده على مملوك بصفة وأجاز الجميع النكاح على حيوان موصوف وذلك تناقض منهم اهـ.
ببعض اختصار وليس في حديث ابن عمر دلالة على نسخ حديث أبي رافع لا نصًا ولا ظاهرًا ولذا قال عياض لا يصح دعوى النسخ بلا دليل.



رقم الحديث 1385 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مُعَيْقِيبٍ الدَّوْسِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ، قَالَ مَالِكٍ: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، أَنْ لَا تُبَاعَ الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ، وَلَا التَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَلَا الْحِنْطَةُ بِالتَّمْرِ، وَلَا التَّمْرُ بِالزَّبِيبِ، وَلَا الْحِنْطَةُ بِالزَّبِيبِ، وَلَا شَيْءٌ مِنَ الطَّعَامِ كُلِّهِ إِلَّا يَدًا بِيَدٍ، فَإِنْ دَخَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الْأَجَلُ لَمْ يَصْلُحْ، وَكَانَ حَرَامًا، وَلَا شَيْءَ مِنَ الْأُدْمِ كُلِّهَا إِلَّا يَدًا بِيَدٍ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنَ الطَّعَامِ وَالْأُدْمِ، إِذَا كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ: اثْنَانِ بِوَاحِدٍ، فَلَا يُبَاعُ مُدُّ حِنْطَةٍ بِمُدَّيْ حِنْطَةٍ، وَلَا مُدُّ تَمْرٍ بِمُدَّيْ تَمْرٍ، وَلَا مُدُّ زَبِيبٍ بِمُدَّيْ زَبِيبٍ، وَلَا مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْحُبُوبِ وَالْأُدْمِ كُلِّهَا، إِذَا كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ، إِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْوَرِقِ بِالْوَرِقِ، وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ لَا يَحِلُّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْفَضْلُ، وَلَا يَحِلُّ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا اخْتَلَفَ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ، فَبَانَ اخْتِلَافُهُ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤْخَذَ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ بِصَاعَيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ، وَصَاعٌ مِنْ تَمْرٍ بِصَاعَيْنِ مِنْ زَبِيبٍ، وَصَاعٌ مِنْ حِنْطَةٍ بِصَاعَيْنِ مِنْ سَمْنٍ، فَإِذَا كَانَ الصِّنْفَانِ مِنْ هَذَا مُخْتَلِفَيْنِ، فَلَا بَأْسَ بِاثْنَيْنِ مِنْهُ بِوَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَدًا بِيَدٍ، فَإِنْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ الْأَجَلُ فَلَا يَحِلُّ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا تَحِلُّ صُبْرَةُ الْحِنْطَةِ، بِصُبْرَةِ الْحِنْطَةِ، وَلَا بَأْسَ بِصُبْرَةِ الْحِنْطَةِ، بِصُبْرَةِ التَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُشْتَرَى الْحِنْطَةُ بِالتَّمْرِ جِزَافًا قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ مَا اخْتَلَفَ مِنَ الطَّعَامِ وَالْأُدْمِ فَبَانَ اخْتِلَافُهُ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُشْتَرَى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ جِزَافًا يَدًا بِيَدٍ، فَإِنْ دَخَلَهُ الْأَجَلُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ، وَإِنَّمَا اشْتِرَاءُ ذَلِكَ جِزَافًا كَاشْتِرَاءِ بَعْضِ ذَلِكَ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ جِزَافًا قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَنَّكَ تَشْتَرِي الْحِنْطَةَ بِالْوَرِقِ جِزَافًا، وَالتَّمْرَ بِالذَّهَبِ جِزَافًا فَهَذَا حَلَالٌ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ صَبَّرَ صُبْرَةَ طَعَامٍ، وَقَدْ عَلِمَ كَيْلَهَا، ثُمَّ بَاعَهَا جِزَافًا وَكَتَمَ عَلَى الْمُشْتَرِيَ كَيْلَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ، فَإِنْ أَحَبَّ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ الطَّعَامَ عَلَى الْبَائِعِ رَدَّهُ بِمَا كَتَمَهُ كَيْلَهُ وَغَرَّهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا عَلِمَ الْبَائِعُ كَيْلَهُ، وَعَدَدَهُ مِنَ الطَّعَامِ، وَغَيْرِهِ، ثُمَّ بَاعَهُ جِزَافًا، وَلَمْ يَعْلَمِ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إِنْ أَحَبَّ أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ رَدَّهُ، وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا خَيْرَ فِي الْخُبْزِ قُرْصٍ بِقُرْصَيْنِ، وَلَا عَظِيمٍ بِصَغِيرٍ، إِذَا كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ أَكْبَرَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ يُتَحَرَّى أَنْ يَكُونَ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُوزَنْ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَصْلُحُ مُدُّ زُبْدٍ وَمُدُّ لَبَنٍ، بِمُدَّيْ زُبْدٍ، وَهُوَ مِثْلُ الَّذِي وَصَفْنَا مِنَ التَّمْرِ الَّذِي يُبَاعُ صَاعَيْنِ مِنْ كَبِيسٍ وَصَاعًا مِنْ حَشَفٍ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعٍ مِنْ عَجْوَةٍ، حِينَ قَالَ لِصَاحِبِهِ: إِنَّ صَاعَيْنِ مِنْ كَبِيسٍ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعٍ مِنَ الْعَجْوَةِ، لَا يَصْلُحُ فَفَعَلَ ذَلِكَ لِيُجِيزَ بَيْعَهُ، وَإِنَّمَا جَعَلَ صَاحِبُ اللَّبَنِ اللَّبَنَ مَعَ زُبْدِهِ لِيَأْخُذَ فَضْلَ زُبْدِهِ عَلَى زُبْدِ صَاحِبِهِ حِينَ أَدْخَلَ مَعَهُ اللَّبَنَ قَالَ مَالِكٌ: وَالدَّقِيقُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ لَا بَأْسَ بِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَخْلَصَ الدَّقِيقَ فَبَاعَهُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَوْ جَعَلَ نِصْفَ الْمُدِّ مِنْ دَقِيقٍ، وَنِصْفَهُ مِنْ حِنْطَةٍ فَبَاعَ ذَلِكَ بِمُدٍّ مِنْ حِنْطَةٍ، كَانَ ذَلِكَ مِثْلَ الَّذِي وَصَفْنَا لَا يَصْلُحُ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ فَضْلَ حِنْطَتِهِ الْجَيِّدَةِ حَتَّى جَعَلَ مَعَهَا الدَّقِيقَ فَهَذَا لَا يَصْلُحُ.


( بيع الطعام بالطعام لا فضل بينهما)

( مالك أنه بلغه أن سليمان بن يسار قال فني) بفتح فكسر، فرغ ( علف حمار سعد بن أبي وقاص) مالك الزهري ( فقال لغلامه خذ من حنطة أهلك فابتع بها شعيرًا ولا تأخذ إلا مثله) لأنه يرى اتحادهما جنسًا.

( مالك عن نافع عن سليمان بن يسار أنه أخبره أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث) بن وهب بن عبد مناف بن زهرة الزهري، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومات أبوه في ذلك الزمان فلذلك عدّ في الصحابة، وقال العجلي: من كبار التابعين ( فني علف دابته فقال لغلامه خذ من حنطة أهلك طعامًا فابتع بها شعيرًا ولا تأخذ إلا مثله) لاتحاد جنسهما.
( مالك أنه بلغه عن القاسم بن محمد عن ابن معيقيب) بضم الميم وفتح المهملة وإسكان التحتية وكسر القاف وسكون الياء الثانية وموحدة، ابن أبي فاطمة ( الدوسي) حليف بني عبد شمس، ومعيقيب من السابقين الأولين هاجر الهجرتين وشهد المشاهد وولي بيت المال لعمر، ومات في خلافة عثمان أو علي وله ولدان الحارث ومحمد رويا عنه ( مثل ذلك) قال أبو عمر: كذا رواه يحيى وابن عفير وابن بكير عن ابن معيقيب، ورواه القعنبي وطائفة فقالوا عن معيقيب ( قال مالك وهو الأمر عندنا) بالمدينة أن البر والشعير جنس واحد لتقارب المنفعة، وبهذا قال أكثر الشاميين أيضًا.
وقد يكون من خبز الشعير ما هو أطيب من خبز الحنطة فلم ينفرد بذلك مالك حتى يشنع عليه بعض أهل الظاهر والله حسيبه ويقول: القط أفقه من مالك فإنه إذا رميت له لقمتان إحداهما شعير فإنه يذهب عنها ويقبل على لقمة البر.
قال الأبي: وما حكاه ابن رشد عن السيوري وغيره عن عبد الحميد الصائغ أنه حلف بالمشي إلى مكة ليخالفن مالكًا في المسألة فمبالغة ولا يرد أن حلفه على غلبة الظن، وهو من الغموس لأنه إنما حلف على أن يخالفه وقد فعل.

( قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن لا تباع الحنطة بالحنطة ولا التمر بالتمر ولا الحنطة بالتمر ولا التمر بالزبيب ولا الحنطة بالزبيب ولا شيء من الطعام كله إلا يدًا بيد) أي مناجزة وإن جاز الفضل في مختلف الجنس ( فإن دخل شيئًا من ذلك الأجل لم يصلح وكان حرامًا ولا) يباع ( شيء من الأدم كلها إلا يدًا بيد) للإجماع على حرمة ربا النساء قال عياض: وشذ ابن علية وبعض السلف فأجازوا النسيئة مع الاختلاف ولو بلغتهم السنة ما خالفوها لفضلهم وعلمهم وقد انعقد الإجماع بعد ذلك على المنع.

( قال مالك ولا يباع شيء من الطعام والأدم إذا كان من صنف واحد اثنان بواحد) أي متفاضلاً ( فلا يباع مد حنطة بمدي حنطة) بالتثنية ( ولا مد تمر بمدي) بالتثنية ( تمر ولا مد زبيب بمدي زبيب ولا ما أشبه ذلك من الحبوب والأدم كلها إذا كان من صنف واحد وإن كان يدًا بيد) مبالغة لربا الفضل ( إنما ذلك بمنزلة الورق بالورق والذهب بالذهب لا يحل في شيء من ذلك الفضل) الزيادة ولو قلت ( ولا يحل إلا مثلاً بمثل) أي متساويًا ( ويدًا بيد) أي مناجزة ( وإذا اختلف ما يكال أو يوزن مما يؤكل أو يشرب فبان) أي ظهر ( اختلافه فلا بأس أن يؤخذ منه اثنان بواحد يدًا بيد) لا مؤخرًا ( ولا بأس أن يؤخذ صاع من تمر بصاعين من حنطة وصاع من تمر بصاعين من زبيب وصاع من حنطة بصاعين من سمن) لاختلاف الصنف في الجميع كما قال ( فإذا كان الصنفان من هذا مختلفين فلا بأس باثنين منه بواحد أو أكثر من ذلك يدًا بيد فإن دخل ذلك) أي مختلف الصنف ( الأجل فلا يحل) وأصل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء يدًا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد رواه مسلم وغيره عن عبادة ورواه مسلم وأحمد عن أبي سعيد وفيه فمن زاد أو استزاد فقد أربى والآخذ والمعطي سواء ( ولا تحل صبرة الحنطة بصبرة الحنطة) لعدم تحقق المماثلة في متحد الصنف ( ولا بأس بصبرة الحنطة) أي بيعها ( بصبرة التمر يدًا بيد وذلك أنه لا بأس أن يشترى الحنطة بالتمر جزافًا) مثلث الجيم، والكسر أفصح ( وكل ما اختلف من الطعام والأدم فبان اختلافه) ظهر كقمح وتمر لا إن لم يبن كقمح وشعير وسلت ( فلا بأس أن يشترى بعضه ببعض جزافًا يدًا بيد فإن دخله الأجل فلا خير فيه) أي يمنع للنسيئة ( وإنما اشتراء ذلك جزافًا كاشتراء بعض ذلك بالذهب والورق جزافًا وذلك أنك تشتري الحنطة بالورق جزافًا والتمر بالذهب جزافًا فهذا حلال لا بأس به) لا كره ولا خلاف أولى.

( قال مالك ومن صبر) بالتثقيل ( صبرة طعام وقد علم كيلها ثم باعها جزافًا وكتم المشتري كيلها فإن ذلك لا يصلح) لأن من شرط بيع الجزاف أن لا يعرفه أحد المتبايعين ( فإن أحب المشتري أن يرد ذلك الطعام على البائع رده بما) أي بسبب ما ( كتمه كيله وغره وكذلك كل ما علم البائع كيله وعدده من الطعام وغيره ثم باعه جزافًا ولم يعلم المشتري ذلك فإن المشتري إن أحب أن يرد ذلك على البائع رده) وإن أحب لم يرده ( ولم يزل أهل العلم ينهون عن ذلك ولا خير في الخبز قرص بقرصين ولا عظيم) أي كبير ( بصغير إذا كان بعض ذلك أكبر من بعض فأما إذا كان يتحرى أن يكون مثلاً بمثل) بكسر فسكون فيهما أي متساويًا ( فلا بأس به) أي يجوز ( وإن لم يوزن) مبالغة ( لا يصلح مد زبد) بضم الزاي ( ومد لبن بمدي زبد وهو مثل الذي وصفنا من التمر الذي يباع صاعين من كبيس وصاعًا من حشف بثلاثة أصوع من عجوة حين قال لصاحبه إن صاعين من كبيس بثلاثة أصوع من العجوة لا يصلح) للربا ( ففعل ذلك ليجيز بيعه) فلا ينفعه ذلك ( وإنما جعل صاحب اللبن اللبن مع زبده ليأخذ فضل زبده) أي زيادة ( على زبد صاحبه حين أدخل معه اللبن) وذلك ممنوع ( والدقيق بالحنطة مثلاً بمثل لا بأس به وذلك لأنه أخلص الدقيق فباعه بالحنطة مثلاً بمثل) فلذا جاز ( ولو جعل نصف المد من دقيق ونصفه من حنطة فباع ذلك بمد من حنطة كان ذلك مثل الذي وصفنا لا يصلح) لا يجوز ( لأنه إنما أراد أن يأخذ فضل حنطته الجيدة حتى جعل معها الدقيق فهذا لا يصلح) لا يجوز.



رقم الحديث 1386 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إِنِّي أَسْلَفْتُ رَجُلًا سَلَفًا، وَاشْتَرَطْتُ عَلَيْهِ أَفْضَلَ مِمَّا أَسْلَفْتُهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَذَلِكَ الرِّبَا، قَالَ: فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: السَّلَفُ عَلَى ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: سَلَفٌ تُسْلِفُهُ تُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، فَلَكَ وَجْهُ اللَّهِ، وَسَلَفٌ تُسْلِفُهُ تُرِيدُ بِهِ وَجْهَ صَاحِبِكَ، فَلَكَ وَجْهُ صَاحِبِكَ، وَسَلَفٌ تُسْلِفُهُ لِتَأْخُذَ خَبِيثًا بِطَيِّبٍ، فَذَلِكَ الرِّبَا، قَالَ: فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ تَشُقَّ الصَّحِيفَةَ، فَإِنْ أَعْطَاكَ مِثْلَ الَّذِي أَسْلَفْتَهُ قَبِلْتَهُ، وَإِنْ أَعْطَاكَ دُونَ الَّذِي أَسْلَفْتَهُ فَأَخَذْتَهُ أُجِرْتَ، وَإِنْ أَعْطَاكَ أَفْضَلَ مِمَّا أَسْلَفْتَهُ طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ، فَذَلِكَ شُكْرٌ شَكَرَهُ لَكَ وَلَكَ أَجْرُ مَا أَنْظَرْتَهُ.


( ما لا يجوز من السلف)

( مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال في رجل أسلف رجلاً طعامًا على أن يعطيه إياه في بلد آخر فكره ذلك عمر بن الخطاب وقال فأين الحمل) بفتح فسكون ( يعني حملانه) يريد أنه ازداد عليه في القرض حمله فيمنع ذلك اتفاقًا لأنه سلف جر منفعة ويروى فأين الحمال يريد الضمان قاله الباجي.

( مالك أنه بلغه أن رجلاً أتى عبد الله بن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن إني أسلفت رجلاً سلفًا واشترطت عليه أفضل مما أسلفته فقال عبد الله بن عمر فذلك الربا) لوجود الشرط ( قال فكيف تأمرني يا أبا عبد الرحمن) فيما فعلت ( فقال عبد الله بن عمر السلف على ثلاثة أوجه سلف تسلفه تريد به وجه الله) أي الثواب من الله ( فلك وجه الله وسلف تسلفه تريد به وجه صاحبك) المتسلف أي التحبب إليه والحظوة ( فلك وجه صاحبك وسلف تسلفه لتأخذ خبيثًا بطيب) أي حرامًا بدل حلال ( فذلك الربا) المحرم بالقرآن ( قال فكيف تأمرني يا أبا عبد الرحمن قال أرى أن تشق الصحيفة) التي كتبت على الرجل المتسلف ( فإن أعطاك مثل الذي أسلفته قبلته) كما قال تعالى { { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ } } ( وإن أعطاك دون الذي أسلفته فأخذته أجرت) لأنه حسن اقتضاء ( وإن أعطاك أفضل مما أسلفته) في الصفة ( طيبة به نفسه فذلك شكر شكره لك ولك أجر ما أنظرته) أخرته، قال الباجي: من شرط زيادة في السلف وكان مؤجلاً فله أن يبطل القرض جملة ويتعجل قبض ماله والأفضل له أن يسقط الشرط ويبقيه على أجله دون شرط.

( مالك عن نافع أنه سمع عبد الله بن عمر يقول من أسلف سلفًا فلا يشترط إلا قضاءه) أي يمنع أن يشترط غيره.

( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يقول من أسلف سلفًا فلا يشترط أفضل منه وإن كانت قبضة من علف) ما يعلف للبهائم ( فهو ربًا) والمعنى وإن كان المشترط شيئًا قليلاً جدًا قال أبو عمر هذا كله يقتضي أنه لا ربا في الزيادة إلا أن تشترط والوأي والعادة من قطع الذرائع وفي الحديث: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك وقال أبو عمر اتركوا الربا والريبة فالوأي والعادة هنا من الريبة.

( قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن من استسلف شيئًا من الحيوان بصفة وتحلية) عطف مساوٍ ( معلومة فإنه لا بأس بذلك وعليه أن يرد مثله إلا ما كان من الولائد) الإماء جمع وليدة وهي الأمة ( فإنه يخاف في ذلك الذريعة) الوسيلة ( إلى إحلال ما لا يحل) من عارية الفروج ( فلا يصلح) سلف الإماء ( وتفسير ما كره من ذلك أن يستسلف الرجل الجارية فيصيبها ما بدا له ثم يردها إلى صاحبها بعينها) لأن القرض لا ينافي ردّ العين فللمقترض ردّ عين ما اقترض ( فذلك لا يحل ولا يصلح ولم يزل أهل العلم ينهون عنه ولا يرخصون فيه لأحد) فإن أمن ذلك جاز كإقراضها لذي محرم منها أو لامرأة أو لصغير اقترضها له وليه أو كانت في سن من لا تشتهي، وهذا بناء على عكس العلة ومذهب المحققين انعكاسها إذا كانت بسيطة غير مركبة وانعكاسها هو انتفاء الحكم لانتفائها، فإن وقع قرض الجارية على الوجه الممنوع فإن لم يطأ فسخ وردت إلى ربها وإن وطئت فقيل تجب القيمة وقيل المثل قاله الأبي واقتصر أبو عمر عن مالك على القيمة قال: ويمنع قرض الإماء.
قال الجمهور ومالك والشافعي: لأن الفروج لا تستباح إلا بنكاح أو ملك بعقد لازم والقرض ليس بعقد لازم لأن المقترض يرد متى شاء فأشبه الجارية المشتراة بالخيار ولا يجوز وطؤها بإجماع حتى تنقضي أيام الخيار فيلزم العقد فيها.
وأجاز داود والمزني وابن جرير استقراض الإماء لأن ملك المقترض صحيح يجوز له فيه التصرف كله وكما جاز بيعه جاز قرضه وأجاز الجمهور استقراض الحيوان والسلم فيه لحديث أبي رافع وإيجابه صلى الله عليه وسلم دية الخطأ ودية العمد ودية شبه العمد المجتمع على ثبوتها.
وذلك إثبات الحيوان بالصفة في الذمة فكذلك القرض والسلمُ ومنع ذلك الكوفيون وأبو حنيفة لأن الحيوان لا يوقف على حقيقة وصفه وادعوا نسخ حديث أبي رافع بحديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قضى في الذي أعتق نصيبه في عبد مشترك بقيمة نصف شريكه ولم يوجب عليه نصف عبد مثله.
وقال داود وطائفة من الظاهرية لا يجوز السلم إلا في المكيل والموزون للنهي عن بيع ما ليس عند البائع، ولحديث من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم فخص المكيل والموزون من سائر ما ليس عند البائع وقال الحجازيون: معنى ما ليس عنده من الأعيان وأما المضمون فلا وقد أجاز أصحاب أبي حنيفة أن يكاتب عبده على مملوك بصفة وأجاز الجميع النكاح على حيوان موصوف وذلك تناقض منهم اهـ.
ببعض اختصار وليس في حديث ابن عمر دلالة على نسخ حديث أبي رافع لا نصًا ولا ظاهرًا ولذا قال عياض لا يصح دعوى النسخ بلا دليل.



رقم الحديث 1387 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: مَنْ أَسْلَفَ سَلَفًا فَلَا يَشْتَرِطْ إِلَّا قَضَاءَهُ.


( ما لا يجوز من السلف)

( مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال في رجل أسلف رجلاً طعامًا على أن يعطيه إياه في بلد آخر فكره ذلك عمر بن الخطاب وقال فأين الحمل) بفتح فسكون ( يعني حملانه) يريد أنه ازداد عليه في القرض حمله فيمنع ذلك اتفاقًا لأنه سلف جر منفعة ويروى فأين الحمال يريد الضمان قاله الباجي.

( مالك أنه بلغه أن رجلاً أتى عبد الله بن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن إني أسلفت رجلاً سلفًا واشترطت عليه أفضل مما أسلفته فقال عبد الله بن عمر فذلك الربا) لوجود الشرط ( قال فكيف تأمرني يا أبا عبد الرحمن) فيما فعلت ( فقال عبد الله بن عمر السلف على ثلاثة أوجه سلف تسلفه تريد به وجه الله) أي الثواب من الله ( فلك وجه الله وسلف تسلفه تريد به وجه صاحبك) المتسلف أي التحبب إليه والحظوة ( فلك وجه صاحبك وسلف تسلفه لتأخذ خبيثًا بطيب) أي حرامًا بدل حلال ( فذلك الربا) المحرم بالقرآن ( قال فكيف تأمرني يا أبا عبد الرحمن قال أرى أن تشق الصحيفة) التي كتبت على الرجل المتسلف ( فإن أعطاك مثل الذي أسلفته قبلته) كما قال تعالى { { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ } } ( وإن أعطاك دون الذي أسلفته فأخذته أجرت) لأنه حسن اقتضاء ( وإن أعطاك أفضل مما أسلفته) في الصفة ( طيبة به نفسه فذلك شكر شكره لك ولك أجر ما أنظرته) أخرته، قال الباجي: من شرط زيادة في السلف وكان مؤجلاً فله أن يبطل القرض جملة ويتعجل قبض ماله والأفضل له أن يسقط الشرط ويبقيه على أجله دون شرط.

( مالك عن نافع أنه سمع عبد الله بن عمر يقول من أسلف سلفًا فلا يشترط إلا قضاءه) أي يمنع أن يشترط غيره.

( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يقول من أسلف سلفًا فلا يشترط أفضل منه وإن كانت قبضة من علف) ما يعلف للبهائم ( فهو ربًا) والمعنى وإن كان المشترط شيئًا قليلاً جدًا قال أبو عمر هذا كله يقتضي أنه لا ربا في الزيادة إلا أن تشترط والوأي والعادة من قطع الذرائع وفي الحديث: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك وقال أبو عمر اتركوا الربا والريبة فالوأي والعادة هنا من الريبة.

( قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن من استسلف شيئًا من الحيوان بصفة وتحلية) عطف مساوٍ ( معلومة فإنه لا بأس بذلك وعليه أن يرد مثله إلا ما كان من الولائد) الإماء جمع وليدة وهي الأمة ( فإنه يخاف في ذلك الذريعة) الوسيلة ( إلى إحلال ما لا يحل) من عارية الفروج ( فلا يصلح) سلف الإماء ( وتفسير ما كره من ذلك أن يستسلف الرجل الجارية فيصيبها ما بدا له ثم يردها إلى صاحبها بعينها) لأن القرض لا ينافي ردّ العين فللمقترض ردّ عين ما اقترض ( فذلك لا يحل ولا يصلح ولم يزل أهل العلم ينهون عنه ولا يرخصون فيه لأحد) فإن أمن ذلك جاز كإقراضها لذي محرم منها أو لامرأة أو لصغير اقترضها له وليه أو كانت في سن من لا تشتهي، وهذا بناء على عكس العلة ومذهب المحققين انعكاسها إذا كانت بسيطة غير مركبة وانعكاسها هو انتفاء الحكم لانتفائها، فإن وقع قرض الجارية على الوجه الممنوع فإن لم يطأ فسخ وردت إلى ربها وإن وطئت فقيل تجب القيمة وقيل المثل قاله الأبي واقتصر أبو عمر عن مالك على القيمة قال: ويمنع قرض الإماء.
قال الجمهور ومالك والشافعي: لأن الفروج لا تستباح إلا بنكاح أو ملك بعقد لازم والقرض ليس بعقد لازم لأن المقترض يرد متى شاء فأشبه الجارية المشتراة بالخيار ولا يجوز وطؤها بإجماع حتى تنقضي أيام الخيار فيلزم العقد فيها.
وأجاز داود والمزني وابن جرير استقراض الإماء لأن ملك المقترض صحيح يجوز له فيه التصرف كله وكما جاز بيعه جاز قرضه وأجاز الجمهور استقراض الحيوان والسلم فيه لحديث أبي رافع وإيجابه صلى الله عليه وسلم دية الخطأ ودية العمد ودية شبه العمد المجتمع على ثبوتها.
وذلك إثبات الحيوان بالصفة في الذمة فكذلك القرض والسلمُ ومنع ذلك الكوفيون وأبو حنيفة لأن الحيوان لا يوقف على حقيقة وصفه وادعوا نسخ حديث أبي رافع بحديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قضى في الذي أعتق نصيبه في عبد مشترك بقيمة نصف شريكه ولم يوجب عليه نصف عبد مثله.
وقال داود وطائفة من الظاهرية لا يجوز السلم إلا في المكيل والموزون للنهي عن بيع ما ليس عند البائع، ولحديث من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم فخص المكيل والموزون من سائر ما ليس عند البائع وقال الحجازيون: معنى ما ليس عنده من الأعيان وأما المضمون فلا وقد أجاز أصحاب أبي حنيفة أن يكاتب عبده على مملوك بصفة وأجاز الجميع النكاح على حيوان موصوف وذلك تناقض منهم اهـ.
ببعض اختصار وليس في حديث ابن عمر دلالة على نسخ حديث أبي رافع لا نصًا ولا ظاهرًا ولذا قال عياض لا يصح دعوى النسخ بلا دليل.



رقم الحديث 1388 وَحَدَّثَنِي مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: مَنْ أَسْلَفَ سَلَفًا فَلَا يَشْتَرِطْ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ قَبْضَةً مِنْ عَلَفٍ فَهُوَ رِبًا قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ مَنِ اسْتَسْلَفَ شَيْئًا مِنَ الْحَيَوَانِ بِصِفَةٍ وَتَحْلِيَةٍ مَعْلُومَةٍ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهُ إِلَّا مَا كَانَ مِنَ الْوَلَائِدِ فَإِنَّهُ يُخَافُ فِي ذَلِكَ الذَّرِيعَةُ إِلَى إِحْلَالِ مَا لَا يَحِلُّ فَلَا يَصْلُحُ وَتَفْسِيرُ مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَسْتَسْلِفَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ فَيُصِيبُهَا مَا بَدَا لَهُ ثُمَّ يَرُدُّهَا إِلَى صَاحِبِهَا بِعَيْنِهَا فَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ وَلَا يَحِلُّ وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَلَا يُرَخِّصُونَ فِيهِ لِأَحَدٍ.


( ما لا يجوز من السلف)

( مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال في رجل أسلف رجلاً طعامًا على أن يعطيه إياه في بلد آخر فكره ذلك عمر بن الخطاب وقال فأين الحمل) بفتح فسكون ( يعني حملانه) يريد أنه ازداد عليه في القرض حمله فيمنع ذلك اتفاقًا لأنه سلف جر منفعة ويروى فأين الحمال يريد الضمان قاله الباجي.

( مالك أنه بلغه أن رجلاً أتى عبد الله بن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن إني أسلفت رجلاً سلفًا واشترطت عليه أفضل مما أسلفته فقال عبد الله بن عمر فذلك الربا) لوجود الشرط ( قال فكيف تأمرني يا أبا عبد الرحمن) فيما فعلت ( فقال عبد الله بن عمر السلف على ثلاثة أوجه سلف تسلفه تريد به وجه الله) أي الثواب من الله ( فلك وجه الله وسلف تسلفه تريد به وجه صاحبك) المتسلف أي التحبب إليه والحظوة ( فلك وجه صاحبك وسلف تسلفه لتأخذ خبيثًا بطيب) أي حرامًا بدل حلال ( فذلك الربا) المحرم بالقرآن ( قال فكيف تأمرني يا أبا عبد الرحمن قال أرى أن تشق الصحيفة) التي كتبت على الرجل المتسلف ( فإن أعطاك مثل الذي أسلفته قبلته) كما قال تعالى { { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ } } ( وإن أعطاك دون الذي أسلفته فأخذته أجرت) لأنه حسن اقتضاء ( وإن أعطاك أفضل مما أسلفته) في الصفة ( طيبة به نفسه فذلك شكر شكره لك ولك أجر ما أنظرته) أخرته، قال الباجي: من شرط زيادة في السلف وكان مؤجلاً فله أن يبطل القرض جملة ويتعجل قبض ماله والأفضل له أن يسقط الشرط ويبقيه على أجله دون شرط.

( مالك عن نافع أنه سمع عبد الله بن عمر يقول من أسلف سلفًا فلا يشترط إلا قضاءه) أي يمنع أن يشترط غيره.

( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يقول من أسلف سلفًا فلا يشترط أفضل منه وإن كانت قبضة من علف) ما يعلف للبهائم ( فهو ربًا) والمعنى وإن كان المشترط شيئًا قليلاً جدًا قال أبو عمر هذا كله يقتضي أنه لا ربا في الزيادة إلا أن تشترط والوأي والعادة من قطع الذرائع وفي الحديث: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك وقال أبو عمر اتركوا الربا والريبة فالوأي والعادة هنا من الريبة.

( قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن من استسلف شيئًا من الحيوان بصفة وتحلية) عطف مساوٍ ( معلومة فإنه لا بأس بذلك وعليه أن يرد مثله إلا ما كان من الولائد) الإماء جمع وليدة وهي الأمة ( فإنه يخاف في ذلك الذريعة) الوسيلة ( إلى إحلال ما لا يحل) من عارية الفروج ( فلا يصلح) سلف الإماء ( وتفسير ما كره من ذلك أن يستسلف الرجل الجارية فيصيبها ما بدا له ثم يردها إلى صاحبها بعينها) لأن القرض لا ينافي ردّ العين فللمقترض ردّ عين ما اقترض ( فذلك لا يحل ولا يصلح ولم يزل أهل العلم ينهون عنه ولا يرخصون فيه لأحد) فإن أمن ذلك جاز كإقراضها لذي محرم منها أو لامرأة أو لصغير اقترضها له وليه أو كانت في سن من لا تشتهي، وهذا بناء على عكس العلة ومذهب المحققين انعكاسها إذا كانت بسيطة غير مركبة وانعكاسها هو انتفاء الحكم لانتفائها، فإن وقع قرض الجارية على الوجه الممنوع فإن لم يطأ فسخ وردت إلى ربها وإن وطئت فقيل تجب القيمة وقيل المثل قاله الأبي واقتصر أبو عمر عن مالك على القيمة قال: ويمنع قرض الإماء.
قال الجمهور ومالك والشافعي: لأن الفروج لا تستباح إلا بنكاح أو ملك بعقد لازم والقرض ليس بعقد لازم لأن المقترض يرد متى شاء فأشبه الجارية المشتراة بالخيار ولا يجوز وطؤها بإجماع حتى تنقضي أيام الخيار فيلزم العقد فيها.
وأجاز داود والمزني وابن جرير استقراض الإماء لأن ملك المقترض صحيح يجوز له فيه التصرف كله وكما جاز بيعه جاز قرضه وأجاز الجمهور استقراض الحيوان والسلم فيه لحديث أبي رافع وإيجابه صلى الله عليه وسلم دية الخطأ ودية العمد ودية شبه العمد المجتمع على ثبوتها.
وذلك إثبات الحيوان بالصفة في الذمة فكذلك القرض والسلمُ ومنع ذلك الكوفيون وأبو حنيفة لأن الحيوان لا يوقف على حقيقة وصفه وادعوا نسخ حديث أبي رافع بحديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قضى في الذي أعتق نصيبه في عبد مشترك بقيمة نصف شريكه ولم يوجب عليه نصف عبد مثله.
وقال داود وطائفة من الظاهرية لا يجوز السلم إلا في المكيل والموزون للنهي عن بيع ما ليس عند البائع، ولحديث من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم فخص المكيل والموزون من سائر ما ليس عند البائع وقال الحجازيون: معنى ما ليس عنده من الأعيان وأما المضمون فلا وقد أجاز أصحاب أبي حنيفة أن يكاتب عبده على مملوك بصفة وأجاز الجميع النكاح على حيوان موصوف وذلك تناقض منهم اهـ.
ببعض اختصار وليس في حديث ابن عمر دلالة على نسخ حديث أبي رافع لا نصًا ولا ظاهرًا ولذا قال عياض لا يصح دعوى النسخ بلا دليل.