فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُسَاقَاةِ

رقم الحديث 1398 حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لِيَهُودِ خَيْبَرَ يَوْمَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ: أُقِرُّكُمْ فِيهَا، مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَيَخْرُصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، ثُمَّ يَقُولُ: إِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِيَ، فَكَانُوا يَأْخُذُونَهُ.


( مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب) قال ابن عبد البر: أرسله جميع رواة الموطأ وأكثر أصحاب ابن شهاب ووصله منهم طائفة منهم صالح بن أبي الأخضر، أي وهو ضعيف فزاد عن أبي هريرة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليهود خيبر) بوزن جعفر، مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع ونخل كثير على ثمانية برد من المدينة إلى جهة الشام ( يوم افتتح خيبر) في صفر سنة سبع عند الجمهور بعد ما حاصرها بضع عشرة ليلة، ومن قال سنة ست بناه على أن ابتداء التاريخ من شهر الهجرة الحقيقي وهو ربيع الأول.
وفي الصحيحين عن ابن عمر كان صلى الله عليه وسلم: لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها فسألوه أن يقرّهم بها على أن يكفوه العمل ولهم نصف الثمر فقال صلى الله عليه وسلم: ( أقركم فيها ما أقركم الله) عز وجل لا دلالة فيه لمن قال بجواز المساقاة مدة مجهولة لأنه محمول على مدة العهد لأنه كان عازمًا على إخراج الكفار من جزيرة العرب كمحبته استقبال الكعبة فإنه كان لا يتقدم في شيء إلا بوحي فذكر ذلك لليهود منتظرًا للقضاء فيهم إلى أن حضرته الوفاة فأتاه الوحي فقال: لا يبقين دينان بأرض العرب فلما بلغ عمر ذلك فحص عنه حتى أتاه الثبت فأجلاهم أو لأن ذلك كان خاصًا به صلى الله عليه وسلم ينتظر قضاء الله.
وقيل: لأنهم كانوا عبيدًا له كما قال ابن شهاب، ويجوز بين السيد وعبده ما لا يجوز بين الأجنبيين إذ للسيد أخذ ما بيده عند الجميع قاله ابن عبد البر.
وقال الباجي لعله بين لهم ولم يبينه الراوي لأن ظاهره المساقاة أو لعله كان بعد وصف العمل والاتفاق منه على معلوم بعادة أو غيرها.

قال عياض وقيل: ليس القصد بهذا الكلام عقد المساقاة وإنما المقصود به أنها ليست مؤبدة وأن لنا إخراجكم.
قال القرطبي: ويحتمل أنه حدّ الأجل فلم يسمعه الراوي فلم ينقله اهـ وفيه بعد مع الاستغناء عنه بغيره ( على أن الثمر) بمثلثة ( بيننا وبينكم) نصفين كما في الصحيحين عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع.
قال عياض: هو مفسر للإبهام في حديث الموطأ فإن المساقاة لا تجوز مبهمة والجزء فيها ما يتفقان عليه قل أو كثر ( قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم: يبعث عبد الله بن رواحة) بفتح الراء ابن ثعلبة بن امرئ القيس الأنصاري الخزرجي، الشاعر أحد السابقين شهد بدرًا واستشهد بمؤتة، وكان ثالث الأمراء بها في جمادى الأولى سنة ثمان وفيه أن كان لا تقتضي التكرار لأنه إنما بعثه عامًا واحدًا وقتل بعده بأشهر كما رأيت ( فيخرص بينه وبينهم ثم يقول: إن شئتم فلكم) وتضمنون نصيب المسلمين ( وإن شئتم فلي) وأضمن نصيبكم ( فكانوا يأخذونه) .
وعن جابر خرص ابن رواحة أربعين ألف وسق ولما خيرهم أخذوا الثمرة وأدوا عشرين ألف وسق.
قال ابن مزين: سألت عيسى عن فعل ابن رواحة أيجوز للمتساقيين أو الشريكين؟ فقال: لا ولا يصلح قسمه إلا كيلاً إلا أن تختلف حاجتهما إليه فيقتسمانه بالخرص فتأول خرص ابن رواحة للقسمة خاصة.
وقال الباجي: يحتمل أنه خرصها بتمييز حق الزكاة لأن مصرفها غير مصرف أرض العنوة لأنه يعطيها الإمام للمستحق من غني وفقير فيسلم مما خافه عيسى وأنكره.

وقوله: إن شئتم إلخ حمله عيسى على أنه أسلم إليهم جميع الثمرة بعد الخرص ليضمنوا حصة المسلمين، ولو كان هذا معناه لم يجز لأنه بيع الثمر بالثمر بالخرص في غير العرية، وإنما معناه خرص الزكاة فكأنه قال: إن شئتم أن تأخذوا الثمرة على أن تؤدوا زكاتها على ما خرصته، وإلا فأنا أشتريها من الفيء بما يشترى به فيخرج بهذا الخرص، وذلك معروف لمعرفتهم بسعر الثمر وإن حمل على خرص القسمة لاختلاف الحاجة فمعناه إن شئتم هذا النصيب فلكم، وإن شئتم فلي يبين ذلك أن الثمرة مادامت في رؤوس النخل ليس بوقت قسمة ثمر المساقاة لأن على العامل جذها والقيام عليها حتى يجري فيها الكيل أو الوزن فثبت بهذا أن الخرص قبل ذلك لم يكن للقسمة إلا بمعنى اختلاف الأغراض.
وقال ابن عبد البر: الخرص في المساقاة لا يجوز عند جميع العلماء لأن المساقيين شريكان لا يقتسمان إلا بما يجوز به بيع الثمار بعضها ببعض، وإلا دخلته المزابنة.
قالوا: وإنما بعث صلى الله عليه وسلم من يخرص على اليهود لإحصاء الزكاة لأن المساكين ليسوا شركاء معينين فلو ترك اليهود وأكلها رطبًا والتصرف فيها أضر ذلك سهم المسلمين.
قالت عائشة: إنما أمر صلى الله عليه وسلم بالخرص لكي تحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمار تفرق، وفيه جواز المساقاة وبه قال الجمهور والأئمة الثلاثة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن ومنعها أبو حنيفة مستدلاً بوجوه.

أولها: نهيه صلى الله عليه وسلم عن المخابرة وهي مشتقة من خيبر أي نهى عن الفعل الذي وقع في خيبر من المساقاة.
فحديث الجواز منسوخ وتعقب بأن العرب كانت تعرف المخابرة قبل الإسلام وهي عندهم كراء الأرض بما يخرج منها مأخوذة من الخبرة التي هي العلم بالخفيات وقيل: الخبر الحرث والمخابرة مشتقة منه، ومنه سمي الزارع خبيرًا وبأن في الصحيحين عن ابن عمر عامل صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر ثم أجلاهم عمر إلى تيما وأريحاء، وكذا عمل بها عثمان والخلفاء بعدهم أفتراهم كانوا يجهلون حديث النهي عن المخابرة أو يدعى نسخ الحديث وقد عمل به الصحابة والعمل بالمنسوخ حرام إجماعًا.

ثانيها: أن يهود خيبر كانوا عبيدًا للمسلمين ويجوز مع العبد ما يمتنع مع الأجنبي، والذي قدره لهم صلى الله عليه وسلم من شطر الثمر والزرع هو قوت لهم لأن نفقة العبد على المالك وتعقب بأنهم لو كانوا عبيدًا امتنع ضرب الجزية عليهم، وإخراجهم إلى الشام ونفيهم في أقطار الأرض لأنه إضاعة لمال المسلمين، وبأن ابن رواحة قال لهم: إن شئتم فلكم وتضمنون نصيب المسلمين، وإن شئتم فلي وأضمن نصيبكم، والسيد على قوله لا يصح ضمانه عن عبده لأنه لا يملك عندهم إذ ماله للسيد فهذا يدل على أنهم كانوا مالكين.

ثالثها: نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر والأجرة هنا فيها غرر إذ لا يدرى هل تسلم الثمرة أم لا؟ وعلى سلامتها لا يدرى كيف تكون وما مقدارها؟ وأجيب: بأن حديث الجواز خاص والنهي عن الغرر عام والخاص يقدم على العام.

رابعها: أن الخبر إذا ورد على خلاف القواعد رد إليها وحديث الجواز على خلاف ثلاث قواعد: بيع الغرر والإجارة بمجهول وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها، والكل حرام إجماعًا وأجيب: بأن الخبر إنما يجب رده إلى القواعد إذا لم يعمل به أما إذا عمل به قطعنا بإرادة معناه فيعتقد ولا يلزم الشارع إذا شرع حكمًا أن يشرعه مثل غيره بل له أن يشرع ما له نظير وما لا نظير له، فدل ذلك على أنها مستثناة من تلك الأصول للضرورة إذ لا يقدر كل أحد على القيام بشجره ولا زرعه.

خامسها: أن ذلك لا يجوز قياسًا على تنمية الماشية ببعض نمائها.
وأجيب: بأن الماشية لا يتعذر بيعها عند العجز عن القيام بها بخلاف الزرع الصغير والثمرة.

( مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار) مرسل في جميع الموطآت وجاء عن ابن عباس وسماع سليمان منه صحيح قاله أبو عمر وقد وصله أبو داود وابن ماجه من حديث ميمون بن مهران عن مقسم عن ابن عباس وأبو داود من طريق إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن جابر ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث عبد الله بن رواحة إلى خيبر فيخرص بينه وبين يهود خيبر) لتمييز حق الزكاة من غيرها لاختلاف المصرفين أو للقسمة لاختلاف الحاجة كما مر وفيه جواز التخريص لذلك وبه قال الأكثر.
ولم يجزه سفيان الثوري بحال وقال: إنما على رب الحائط إخراج عشر ما يصير بيده.
وقال الشعبي: الخرص اليوم بدعة كان يرى نسخه بالنهي عن المزابنة وأجازه داود في النخل خاصة، ودفع حديث ابن المسيب عن عتاب بن أسيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وأمره أن يخرص العنب.
ويؤدي زكاته زبيبًا كما يؤدي زكاة النخل تمرًا، بأنه مرسل لأن عتابًا مات قبل مولد ابن المسيب وبأنه انفرد به عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد وليس بالقوي قاله ابن عبد البر ودعوى الإرسال بمعنى الانقطاع مبني على قول الواقدي أن عتابًا مات يوم مات أبو بكر الصديق لكن ذكر ابن جرير الطبري أنه كان عاملاً لعمر على مكة سنة إحدى وعشرين وقد ولد سعيد لسنتين مضتا من خلافة عمر على الأصح فسماعه من عتاب ممكن فلا انقطاع وأما عبد الرحمن بن إسحاق فصدوق احتج به مسلم وأصحاب السنن.

( قال: فجمعوا له حليًا) ضبط بفتح فسكون، على أنه مفرد، وبضم فكسر وشدّ الياء، على الجمع ( من حلي نسائهم فقالوا: هذا لك وخفف عنا وتجاوز في القسم) أجمله وأغمض فيه قال الباجي: راموا به أن يستنزلوه كما قال تعالى: { { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا } } وقال تعالى: { { وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا } } ولم يعاقبهم امتثالاً لقوله تعالى: { { فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ } } ( فقال عبد الله بن رواحة: يا معشر اليهود والله إنكم لمن أبغض خلق الله إلي) قتلتم أنبياء الله وكذبتم على الله، كما زاده في حديث جابر ( وما ذاك) أي البغض ( بحاملي على أن أحيف) بفتح الهمزة وكسر الحاء: أجور ( عليكم) لأنه يكون ظلمًا وفي الحديث: الظلم ظلمات يوم القيامة.
وفيه: أن المؤمن وإن أبغض في الله لا يحمله البغض على ظلم من أبغض.
( فأما ما عرضتم من الرشوة) بتثليث الراء ( فإنها سحت) أي حرام ( وإنا لا نأكلها) لحرمتها بلا خلاف بين المسلمين قال جماعة من المفسرين في قوله تعالى في اليهود: { { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } } أنه الرشوة في الحكم وقيل: كل ما لا يحل كسبه ( فقالوا: بهذا) العدل ( قامت السموات) فوق الرؤوس بغير عمد ( والأرض) استقرت على الماء تحت الأقدام.

قال أبو عمر: فيه دليل على أن الرشوة عند اليهود حرام لقولهم بهذا ولولا حرمته في كتابهم ما عيرهم الله بقوله: { { أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } } وهو حرام عند جميع أهل الكتاب، وفيه أن ما يأخذه الحاكم أو الشاهد على الحكم بالحق أو الشهادة به رشوة وكل رشوة سحت، وكل سحت حرام لا يحل للمسلم أكله بلا خلاف بين المسلمين والعمل بخبر الواحد إذ لو لم يجب به الحكم ما بعث صلى الله عليه وسلم ابن رواحة وحده.

( قال مالك: إذا ساقى الرجل النخل وفيها البياض فما ازدرع) أي زرع ( الرجل الداخل) أي عامل المساقاة ( في البياض فهو له) لقوله صلى الله عليه وسلم: على أن الثمر بيننا وبينكم فلم يشترط إلا نصف الثمر وذلك وقت تبيين الحقوق فظاهره أن ذلك جميع ما يكون له وأيضًا فالأرض بيد العاملين وإنما لربها ما شرطه دون سائر ما بأيديهم، ولذا انفردوا بمساكنها ومزارعها وغير ذلك وما جاء أنه صلى الله عليه وسلم أعطاها على أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها يحتمل أن يكون في عقدين قاله الباجي: ( وإن اشترط صاحب الأرض أنه يزرع في البياض لنفسه فذلك لا يصلح لأن الرجل الداخل في المال يسقي لرب الأرض فذلك زيادة ازدادها عليه) والزيادة ممنوعة ( وإن اشترط الزرع بينهما فلا بأس بذلك إذا كانت المئونة كلها على الداخل في المال البذر والسقي والعلاج كله) بيان للمؤنة لما جاء أنه صلى الله عليه وسلم عاملهم في البياض والسواد على النصف ( فإن اشترط الداخل في المال على رب المال أن البذر عليك كان ذلك غير جائز لأنه قد اشترط على رب المال زيادة ازدادها عليه) وهي ممنوعة ( وإنما تكون المساقاة على أن الداخل في المال المئونة كلها والنفقة ولا يكون على رب المال منها شيء فهذا وجه المساقاة المعروف) الذي لا يجوز غيره.

( قال مالك في العين تكون بين الرجلين فينقطع ماؤها فيريد أحدهما أن يعمل في العين ويقول الآخر: لا أجد ما أعمل به إنه يقال للذي يريد أن يعمل في العين اعمل وأنفق ويكون لك الماء كله تسقي به حتى يأتي صاحبك بنصف ما أنفقت فإذا جاء بنصف ما أنفقت أخذ حصته من الماء وإنما أعطي الأول الماء كله لأنه أنفق ولو لم يدرك شيئًا بعمله لم يعلق) بفتح اللام، أي لم يلزم ( الآخر من النفقة شيء) لأن إنفاقه لم يفد شيئًا ( وإذا كانت النفقة كلها والمئونة على رب الحائط ولم يكن على الداخل في المال شيء إلا أنه يعمل بيده إنما هو أجير ببعض الثمر فإن ذلك لا يصلح لأنه لا يدري كم إجارته إذا لم يسم له شيئًا يعرفه ويعمل عليه لا يدري أيقل ذلك أم يكثر) فهي إجارة فاسدة.

( قال مالك وكل مقارض) بكسر الراء ( أو مساق فلا ينبغي له أن يستثني من المال ولا من النخل شيئًا دون صاحبه وذلك أنه يصير له أجيرًا بذلك يقول: أساقيك على أن تعمل لي في كذا وكذا نخلة تسقيها وتأبرها) بضم الموحدة وكسرها، تلقحها وتصلحها ( وأقارضك في كذا وكذا من المال على أن تعمل لي بعشرة دنانير ليست مما أقارضك عليه فإن ذلك لا ينبغي ولا يصلح) لخلاف سنة المساقاة والقراض كما أفاده بقوله: ( وذلك الأمر عندنا) بالمدينة ( والسنة في المساقاة التي يجوز لرب الحائط أن يشترطها على المساقي) بفتح القاف ( شد الحظار) بالشين المنقوطة، وهو الأكثر عن مالك أي: تحصين الزروب، ويروى عنه بالسين المهملة، يعني سدّ الثلمة، قاله أبو عمر.
ونقل في المشارق عن يحيى الأندلسي أن ما حظر بزرب فبالمعجمة، وما كان بجدار فبالمهملة، والحظائر بالظاء المعجمة جمع حظيرة، هي العيدان التي بأعلى الحائط لتمنع من التسور عليه.
وقال ابن قتيبة هو حائط البستان.
الباجي مثل أن يسترخي رباط الحظيرة فيشترط على العامل شدّه ( وخمّ العين) بالخاء المعجمة وشد الميم: تنقيتها، والمخموم النقي، ورجل مخموم القلب: أي نقيه من الغل والحسد ( وسرو) بفتح المهملة وسكون الراء ثم واو، أي كنس ( الشرب) بفتح المعجمة والراء وموحدة، جمع شربة وهي حياض يستنقع فيها الماء حول الشجر.
وقال ابن حبيب تنقية الحياض التي تكون حول الشجر وتحصين حروفها ومجيء الماء إليها الباجي، وروي سوق الشرب وهو جلب الماء الذي يسقى به ( وإبار) بكسر الهمزة وشدّ الموحدة ( النخل) أي تذكيرها ( وقطع الجريد) من النخل إذا كسرت وقد يفعل مثله بالشجر لقطع قضبان الكرم ( وجذ الثمر) أي قطعه ( هذا وأشباهه) كرم القف وهو الحوض الذي فيه الدلو ويجري منه إلى الضفيرة ( على أن للمساقى شطر) أي نصف ( الثمر أو أقل من ذلك أو أكثر إذا تراضيا عليه غير أن صاحب الأصل لا يشترط ابتداء عمل جديد) بالجيم ( يحدثه العامل فيها من بئر يحتفرها أو عين يرفع رأسها أو غراس يغرسه فيها يأتي بأصل ذلك من عنده أو ضفيرة) بالضاد المعجمة، موضع يجتمع فيه الماء كالصهريج: وقال الباجي: هي عيدان تنسج وتضفر وتطين ويجتمع فيها الماء كالصهريج ( يبنيها تعظم فيها نفقته) فيمنع اشتراط هذا ( وإنما ذلك بمنزلة أن يقول رب الحائط لرجل من الناس ابن لي ههنا بيتًا أو احفر لي بئرًا أو أجر لي عينًا أو اعمل لي عملاً بنصف ثمر حائطي هذا قبل أن يطيب ثمر الحائط ويحل بيعه فهذا بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها) فيمنع كذلك لدخوله في النهي.

( فأما إذا طاب الثمر وبدا صلاحه) تفسير لطيبه ( وحل بيعه ثم قال رجل لرجل اعمل لي بعض هذه الأعمال لعمل يسميه له بنصف ثمر حائطي هذا فلا بأس بذلك) أي يجوز ( و) وجهه أنه ( إنما استأجره بشيء معروف معلوم قد رآه ورضيه) فهي إجارة صحيحة ( فأما المساقاة فإنه إن لم يكن للحائط) أي البستان ( ثمر أو قل ثمره أو فسد فليس له إلا ذلك وأن الأجير لا يستأجر إلا بشيء مسمى لا تجوز الإجارة إلا بذلك وإنما الإجارة بيع من البيوع) لأنها بيع منافع ( إنما يشتري منه عمله ولا يصلح ذلك إذا دخله الغرر لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر) وقد علم أن الإجارة بيع.
قال ابن عبد البر: أراد مالك الفرق بين المساقاة والإجارة وأن المساقاة أصل في نفسها كالقراض، لا يقاس عليها شيء من الإجارات والإجارة عنده وعند جمهور الفقهاء بيع وقالت الظاهرية: ليست من البيوع لأنها منافع لم تخلق، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يخلق، وأنها ليست عينًا وليست البيوع إلا في الأعيان قالوا: فالإجارة بيع منفرد بسنة كالمساقاة والقراض.

( قال مالك: السنة في المساقاة عندنا أنها تكون في أصل كل نخل أو كرم) شجر العنب ( أو زيتون أو رمان أو فرسك) بكسر الفاء وإسكان الراء وكسر المهملة وكاف، الخوخ أو ضرب منه أحمر أجرد أو ما ينفلق عن نواه ( أو ما أشبه ذلك من الأصول جائز لا بأس به على أن لرب المال نصف الثمر أو ثلثه أو ربعه أو أكثر من ذلك أو أقل) فالشرط علم قدر الجزء قل أو كثر ( والمساقاة أيضًا تجوز في الزرع إذا خرج) من الأرض ( واستقل فعجز صاحبه عن سقيه وعمله وعلاجه فالمساقاة في ذلك أيضًا جائزة) ومنعها الشافعي إلا في النخل والكرم لأن ثمرها بائن من شجره يحيط النظر به.
قال ابن عبد البر: وهذا ليس ببين لأن الكمثرى والتين وحب الملوك والرمان والأترج وشبه ذلك يحيط النظر بها، وإنما العلة له أن المساقاة إنما تجوز فيما يخرص، والخرص لا يجوز إلا فيما وردت به السنة فأخرجته عن المزابنة كما أخرجت العرايا عنها النخل والعنب خاصة.

( ولا تصلح المساقاة في شيء من الأصول مما تحل فيه المساقاة إذا كان فيه ثمر قد طاب وبدا صلاحه وحل بيعه) لعدم الضرورة الداعية لجواز البيع حينئذٍ ( وإنما ينبغي أن يساقى من العام المقبل وأما مساقاة ما حل بيعه من الثمار إجارة لأنه إنما ساقى صاحب الأصل ثمرًا قد بدا صلاحه على أن يكفيه إياه ويجذه له) يقطعه ( بمنزلة الدنانير والدراهم يعطيه إياها وليس ذلك بالمساقاة وإنما المساقاة ما بين أن يجذ النخل إلى أن يطيب الثمر ويحل بيعه) ، وليس ذلك أيضًا بالإجارة قال مالك إن وقعت فسخ العقد ما لم يفت ولا تكون إجارة لأن المساقاة تتضمن أن على العامل النفقة على رقيق الحائط وجميع المؤن وإن لم يكن ذلك معلومًا ولا يجوز ذلك في الإجارة.

( ومن ساقى ثمرًا في أصل قبل أن يبدو صلاحه ويحل بيعه فتلك المساقاة بعينها جائزة) قال أبو عمر: كل من أجاز المساقاة إنما أجازها فيما لم يخلق أو فيما لم يبد صلاحه والمساقاة والقراض أصلان مخالفان للبيوع، وكل أصل في نفسه يجب تسليمه وأجازها سحنون لأنها إجارة ( ولا ينبغي أن تساقى الأرض البيضاء وذلك أنه يحل لصاحبها كراؤها بالدنانير والدراهم وما أشبه ذلك من الأثمان المعلومة) يريد إلا الطعام أو ما تنبته فإن مذهبه منعهما ( فأما الذي يعطي أرضه البيضاء بالثلث أو الربع مما يخرج منها فذلك مما يدخله الغرر لأن الزرع يقل مرة ويكثر مرة وربما هلك رأسًا فيكون صاحب الأرض قد ترك كراء معلومًا يصلح له أن يكري أرضه به وأخذ أمرًا غررًا لا يدري أيتم أم لا فهذا مكروه) أي حرام وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن المخابرة وهي كراء الأرض بجزء مما يخرج منها ( وإنما ذلك مثل ذلك مثل رجل استأجر أجيرًا لسفر بشيء معلوم ثم قال الذي استأجر الأجير هل لك أن أعطيك عشر ما أربح في سفري هذا إجارة لك فهذا لا يحل ولا ينبغي) لأنه ترك العقد الصحيح إلى عقد فاسد ( ولا ينبغي لرجل أن يؤاجر نفسه ولا أرضه ولا سفينته إلا بشيء معلوم لا يزول) ينتقل ( إلى غيره) وبه قال الجمهور، وأجاز طائفة من التابعين ومن بعدهم أن يعطي سفينته ودابته وأرضه بجزء مما يرزقه الله قياسًا على القراض.

( وإنما فرق) بالتشديد أي الشرع ( بين المساقاة في النخل) فيجوز ( والأرض البيضاء) فيمنع ( أن صاحب النخل لا يقدر على أن يبيع ثمرها حتى يبدو صلاحه) للنهي عنه ( وصاحب الأرض يكريها وهي أرض بيضاء لا شيء فيها) لعدم النهي ( والأمر عندنا في النخل أيضًا إنها تساقي السنين الثلاث والأربع وأقل من ذلك وأكثر وذلك الذي سمعت) فيجوز سنين معلومة عند الجمهور، ولا مدة مجهولة خلافًا للظاهرية وطائفة تعلقًا بظاهر قوله أقركم ما أقركم الله ومرت الأجوبة عنه ( وكل شيء مثل ذلك من الأصول بمنزلة النخل يجوز فيه لمن ساقى من السنين مثل ما يجوز في النخل) من المدة المعلومة قلت أو كثرت ما لم تكثر جدًا.

( قال مالك في المساقي) بكسر القاف ( إنه لا يأخذ من صاحبه الذي ساقاه شيئًا من ذهب ولا ورق يزداده ولا طعام ولا شيئًا من الأشياء لا يصلح ذلك) لا يجوز ( و) كذلك ( لا ينبغي أن يأخذ المساقى) بفتح القاف ( من رب الحائط شيئًا يزيده إياه من ذهب ولا ورق ولا طعام ولا شيء من الأشياء والزيادة فيما بينهما) على جزئه المعلوم ( لا تصلح) لأنه يعود الجزء مجهولاً ولا خلاف في ذلك ( والمقارض أيضًا بهذه المنزلة لا يصلح) لأنه ( إذا دخلت الزيادة في المساقاة أو المقارضة صارت إجارة وما دخلته الإجارة فإنه لا يصلح ولا ينبغي أن تقع إجارة بأمر غرر لا يدري أيكون أم لا أو يقل أو يكثر) فتفسد الإجارة ( وفي الرجل يساقي الرجل الأرض فيها النخل أو الكرم أو ما أشبه ذلك من الأصول فتكون فيها الأرض البيضاء قال مالك: إذا كان البياض تبعًا للأصل وكان الأصل أعظم ذلك وأكثره فلا بأس بمساقاته وذلك أن الأصل أعظم ذلك وأكثره فلا بأس بمساقاته وذلك أن يكون النخل الثلثين أو أكثر ويكون البياض الثلث أو أقل من ذلك وذلك أن البياض حينئذٍ تبع للأصل) وعلى ذلك تأويل الحديث في المدونة فقال مالك: وكان البياض في خيبر يسيرًا بين أضعاف السواد والمشهور ما قال هنا الثلث يسير، وعليه فيجوز دخوله في عقد المساقاة وإلغاؤه للعامل سواء كان بين أضعاف السواد أو انفرد بناحية من الحائط فيهما وفيها لمالك إلغاؤه للعامل وهو أحب إليّ واعترض بأنه صلى الله عليه وسلم لم يلغه للعامل وهو إنما يفعل الراجح.
وأجاب عبد الحق: بأن في حديث آخر إلغاؤه.
الباجي: وحكم ما تمنع مساقاته حكم البياض مع الشجرة.

( وإذا كانت الأرض البيضاء فيها نخل أو كرم أو ما يشبه ذلك من الأصول فكان الأصل الثلث أو أقل والبياض الثلثين أو أكثر جاز في ذلك الكراء وحرمت فيه المساقاة) قال الباجي: يريد إذا جمعا أما إذا أفردت النخل بالمساقاة فيجوز ( وذلك أن من أمر الناس أن يساقوا الأصل وفيه البياض وتكرى الأرض وفيها الشيء اليسير من الأصل أو يباع المصحف أو السيف وفيهما الحلية من الورق بالورق) متعلق ببياع ( أو القلادة) ما يعلق في العنق ( أو الخاتم وفيهما الفصوص) جمع فص، مثلث الفاء ( و) فيها ( الذهب) تباع ( بالدنانير ولم تزل هذه البيوع جائزة يتبايعها الناس ويبتاعونها ولم يأت في ذلك شيء) نص من سنة ولا كتاب ( موصوف موقوف عليه إذ لو بلغه كان حرامًا أو قصر عنه كان حلالاً) وحينئذٍ فيرجع إلى عمل المدينة كما قال، ( والأمر في ذلك عندنا الذي عمل به الناس وأجازوه فيما بينهم أنه إذا كان الشيء من ذلك الورق أو الذهب تبعًا لما هو فيه) من الجوهر ونحوه ( جاز بيعه وذلك أن يكون النصل أو المصحف أو الفصوص قيمته الثلثان أو أكثر والحلية قيمتها الثلث أو أقل) فتبين أن التبعية بالثلث فأقل.



رقم الحديث 1399 قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي لَحْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْوُحُوشِ، أَنَّهُ لَا يُشْتَرَى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَزْنًا بِوَزْنٍ، يَدًا بِيَدٍ، وَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُوزَنْ، إِذَا تَحَرَّى أَنْ يَكُونَ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ بِلَحْمِ الْحِيتَانِ، بِلَحْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْوُحُوشِ كُلِّهَا، اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَدًا بِيَدٍ، فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ الْأَجَلُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ: وَأَرَى لُحُومَ الطَّيْرِ كُلَّهَا مُخَالِفَةً لِلُحُومِ الْأَنْعَامِ، وَالْحِيتَانِ، فَلَا أَرَى بَأْسًا بِأَنْ يُشْتَرَى بَعْضُ ذَلِكَ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ، وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِلَى أَجَلٍ.



( بيع اللحم باللحم)

( قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا في لحم الإبل والبقر والغنم وما أشبه ذلك من الوحوش) كالظباء والمها ( أنه لا يشترى بعضه ببعض إلا مثلاً بمثل وزنًا بوزن) جمع بينهما للتأكيد ( يدًا بيد) أي مناجزة ( ولا بأس به وإن لم يوزن إذا تحرى أن يكون مثلاً بمثل يدًا بيد ولا بأس بلحم الحيتان بلحم البقر والإبل والغنم وما أشبه ذلك من الوحوش كلها اثنين بواحد وأكثر من ذلك يدًا بيد فإن دخل ذلك الأجل فلا خير فيه) لربا النساء ( وأرى لحوم الطير كلها مخالفة للحوم الأنعام والحيتان فلا أرى بأسًا بأن يشترى بعض ذلك ببعض متفاضلاً) لاختلاف الصنف ( يدًا بيد ولا يباع شيء من ذلك إلى أجل) لربا النساء.



رقم الحديث 1399 وحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إِلَى خَيْبَرَ فَيَخْرُصُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ يَهُودِ خَيْبَرَ، قَالَ: فَجَمَعُوا لَهُ حَلْيًا مِنْ حَلْيِ نِسَائِهِمْ، فَقَالُوا لَهُ: هَذَا لَكَ، وَخَفِّفْ عَنَّا، وَتَجَاوَزْ فِي الْقَسْمِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَمِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيَّ، وَمَا ذَاكَ بِحَامِلِي عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ، فَأَمَّا مَا عَرَضْتُمْ مِنَ الرَّشْوَةِ، فَإِنَّهَا سُحْتٌ، وَإِنَّا لَا نَأْكُلُهَا، فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ قَالَ مَالِكٌ: إِذَا سَاقَى الرَّجُلُ النَّخْلَ، وَفِيهَا الْبَيَاضُ، فَمَا ازْدَرَعَ الرَّجُلُ الدَّاخِلُ فِي الْبَيَاضِ فَهُوَ لَهُ، قَالَ: وَإِنِ اشْتَرَطَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنَّهُ يَزْرَعُ فِي الْبَيَاضِ لِنَفْسِهِ، فَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ، لِأَنَّ الرَّجُلَ الدَّاخِلَ فِي الْمَالِ، يَسْقِي لِرَبِّ الْأَرْضِ، فَذَلِكَ زِيَادَةٌ ازْدَادَهَا عَلَيْهِ، قَالَ: وَإِنِ اشْتَرَطَ الزَّرْعَ بَيْنَهُمَا، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، إِذَا كَانَتِ الْمَئُونَةُ كُلُّهَا عَلَى الدَّاخِلِ فِي الْمَالِ: الْبَذْرُ وَالسَّقْيُ وَالْعِلَاجُ كُلُّهُ، فَإِنِ اشْتَرَطَ الدَّاخِلُ فِي الْمَالِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، أَنَّ الْبَذْرَ عَلَيْكَ، كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ جَائِزٍ، لِأَنَّهُ قَدِ اشْتَرَطَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ زِيَادَةً ازْدَادَهَا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْمُسَاقَاةُ عَلَى أَنَّ عَلَى الدَّاخِلِ فِي الْمَالِ: الْمَئُونَةَ كُلَّهَا، وَالنَّفَقَةَ، وَلَا يَكُونُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْهَا شَيْءٌ، فَهَذَا وَجْهُ الْمُسَاقَاةِ الْمَعْرُوفُ قَالَ مَالِكٌ: فِي الْعَيْنِ تَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيَنْقَطِعُ مَاؤُهَا، فَيُرِيدُ أَحَدُهُمَا أَنْ يَعْمَلَ فِي الْعَيْنِ، وَيَقُولُ الْآخَرُ: لَا أَجِدُ مَا أَعْمَلُ بِهِ، إِنَّهُ يُقَالُ لِلَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْعَيْنِ اعْمَلْ وَأَنْفِقْ، وَيَكُونُ لَكَ الْمَاءُ كُلُّهُ، تَسْقِي بِهِ حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُكَ بِنِصْفِ مَا أَنْفَقْتَ، فَإِذَا جَاءَ بِنِصْفِ مَا أَنْفَقْتَ، أَخَذَ حِصَّتَهُ مِنَ الْمَاءِ، وَإِنَّمَا أُعْطِيَ الْأَوَّلُ الْمَاءَ كُلَّهُ، لِأَنَّهُ أَنْفَقَ، وَلَوْ لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا بِعَمَلِهِ، لَمْ يَعْلَقِ الْآخَرَ مِنَ النَّفَقَةِ شَيْءٌ قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا كَانَتِ النَّفَقَةُ كُلُّهَا، وَالْمَئُونَةُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الدَّاخِلِ فِي الْمَالِ شَيْءٌ، إِلَّا أَنَّهُ يَعْمَلُ بِيَدِهِ، إِنَّمَا هُوَ أَجِيرٌ بِبَعْضِ الثَّمَرِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ، لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ إِجَارَتُهُ؟ إِذَا لَمْ يُسَمِّ لَهُ شَيْئًا يَعْرِفُهُ، وَيَعْمَلُ عَلَيْهِ لَا يَدْرِي أَيَقِلُّ ذَلِكَ أَمْ يَكْثُرُ؟ قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ مُقَارِضٍ أَوْ مُسَاقٍ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنَ الْمَالِ وَلَا مِنَ النَّخْلِ شَيْئًا دُونَ صَاحِبِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَصِيرُ لَهُ أَجِيرًا بِذَلِكَ، يَقُولُ: أُسَاقِيكَ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ لِي فِي كَذَا وَكَذَا نَخْلَةً تَسْقِيهَا، وَتَأْبُرُهَا، وَأُقَارِضُكَ فِي كَذَا وَكَذَا مِنَ الْمَالِ، عَلَى أَنْ تَعْمَلَ لِي بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ لَيْسَتْ مِمَّا أُقَارِضُكَ عَلَيْهِ.
فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي، وَلَا يَصْلُحُ، وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ: وَالسُّنَّةُ فِي الْمُسَاقَاةِ الَّتِي يَجُوزُ لِرَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يَشْتَرِطَهَا عَلَى الْمُسَاقَى: شَدُّ الْحِظَارِ، وَخَمُّ الْعَيْنِ وَسَرْوُ الشَّرَبِ، وَإِبَّارُ النَّخْلِ، وَقَطْعُ الْجَرِيدِ، وَجَذُّ الثَّمَرِ هَذَا وَأَشْبَاهُهُ.
عَلَى أَنَّ لِلْمُسَاقَى شَطْرَ الثَّمَرِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ.
أَوْ أَكْثَرَ إِذَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ الْأَصْلِ لَا يَشْتَرِطُ ابْتِدَاءَ عَمَلٍ جَدِيدٍ، يُحْدِثُهُ الْعَامِلُ فِيهَا.
مِنْ بِئْرٍ يَحْتَفِرُهَا، أَوْ عَيْنٍ يَرْفَعُ رَأْسَهَا، أَوْ غِرَاسٍ يَغْرِسُهُ فِيهَا، يَأْتِي بِأَصْلِ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِهِ.
أَوْ ضَفِيرَةٍ يَبْنِيهَا، تَعْظُمُ فِيهَا نَفَقَتُهُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ رَبُّ الْحَائِطِ لِرَجُلٍ مِنَ النَّاسِ: ابْنِ لِي هَاهُنَا بَيْتًا.
أَوِ احْفِرْ لِي بِئْرًا.
أَوْ أَجْرِ لِي عَيْنًا، أَوِ اعْمَلْ لِي عَمَلًا بِنِصْفِ ثَمَرِ حَائِطِي هَذَا قَبْلَ أَنْ يَطِيبَ ثَمَرُ الْحَائِطِ، وَيَحِلَّ بَيْعُهُ.
فَهَذَا بَيْعُ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ.
وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا قَالَ مَالِكٌ: فَأَمَّا إِذَا طَابَ الثَّمَرُ، وَبَدَا صَلَاحُهُ، وَحَلَّ بَيْعُهُ، ثُمَّ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ: اعْمَلْ لِي بَعْضَ هَذِهِ الْأَعْمَالِ، لِعَمَلٍ يُسَمِّيهِ لَهُ بِنِصْفِ ثَمَرِ حَائِطِي هَذَا.
فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
إِنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ بِشَيْءٍ مَعْرُوفٍ مَعْلُومٍ.
قَدْ رَآهُ وَرَضِيَهُ.
فَأَمَّا الْمُسَاقَاةُ، فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْحَائِطِ ثَمَرٌ، أَوْ قَلَّ ثَمَرُهُ أَوْ فَسَدَ.
فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا ذَلِكَ، وَأَنَّ الْأَجِيرَ لَا يُسْتَأْجَرُ إِلَّا بِشَيْءٍ مُسَمًّى.
لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ إِلَّا بِذَلِكَ.
وَإِنَّمَا الْإِجَارَةُ بَيْعٌ مِنَ الْبُيُوعِ.
إِنَّمَا يَشْتَرِي مِنْهُ عَمَلَهُ، وَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ إِذَا دَخَلَهُ الْغَرَرُ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ قَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ فِي الْمُسَاقَاةِ عِنْدَنَا، أَنَّهَا تَكُونُ فِي أَصْلِ كُلِّ نَخْلٍ، أَوْ كَرْمٍ أَوْ زَيْتُونٍ أَوْ رُمَّانٍ أَوْ فِرْسِكٍ.
أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأُصُولِ.
جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ.
عَلَى أَنَّ لِرَبِّ الْمَالِ نِصْفَ الثَّمَرِ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ رُبُعَهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ قَالَ مَالِكٌ: وَالْمُسَاقَاةُ أَيْضًا تَجُوزُ فِي الزَّرْعِ إِذَا خَرَجَ وَاسْتَقَلَّ، فَعَجَزَ صَاحِبُهُ عَنْ سَقْيِهِ وَعَمَلِهِ وَعِلَاجِهِ، فَالْمُسَاقَاةُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا جَائِزَةٌ قَالَ مَالِكٌ: لَا تَصْلُحُ الْمُسَاقَاةُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأُصُولِ مِمَّا تَحِلُّ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ، إِذَا كَانَ فِيهِ ثَمَرٌ قَدْ طَابَ وَبَدَا صَلَاحُهُ وَحَلَّ بَيْعُهُ.
وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَاقَى مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ.
وَإِنَّمَا مُسَاقَاةُ مَا حَلَّ بَيْعُهُ مِنَ الثِّمَارِ إِجَارَةٌ.
لِأَنَّهُ إِنَّمَا سَاقَى صَاحِبَ الْأَصْلِ ثَمَرًا قَدْ بَدَا صَلَاحُهُ، عَلَى أَنْ يَكْفِيَهُ إِيَّاهُ وَيَجُذَّهُ لَهُ.
بِمَنْزِلَةِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ يُعْطِيهِ إِيَّاهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْمُسَاقَاةِ، إِنَّمَا الْمُسَاقَاةُ مَا بَيْنَ أَنْ يَجُذَّ النَّخْلَ إِلَى أَنْ يَطِيبَ الثَّمَرُ وَيَحِلَّ بَيْعُهُ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ سَاقَى ثَمَرًا فِي أَصْلٍ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، وَيَحِلَّ بَيْعُهُ، فَتِلْكَ الْمُسَاقَاةُ بِعَيْنِهَا جَائِزَةٌ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُسَاقَى الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَحِلُّ لِصَاحِبِهَا كِرَاؤُهَا بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ.
وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَثْمَانِ الْمَعْلُومَةِ قَالَ: فَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي يُعْطِي أَرْضَهُ الْبَيْضَاءَ بِالثُّلُثِ أَوِ الرُّبُعِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا.
فَذَلِكَ مِمَّا يَدْخُلُهُ الْغَرَرُ لِأَنَّ الزَّرْعَ يَقِلُّ مَرَّةً وَيَكْثُرُ مَرَّةً، وَرُبَّمَا هَلَكَ رَأْسًا، فَيَكُونُ صَاحِبُ الْأَرْضِ قَدْ تَرَكَ كِرَاءً مَعْلُومًا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يُكْرِيَ أَرْضَهُ بِهِ، وَأَخَذَ أَمْرًا غَرَرًا لَا يَدْرِي أَيَتِمُّ أَمْ لَا؟ فَهَذَا مَكْرُوهٌ.
وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِسَفَرٍ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ.
ثُمَّ قَالَ الَّذِي اسْتَأْجَرَ الْأَجِيرَ: هَلْ لَكَ أَنْ أُعْطِيَكَ عُشْرَ مَا أَرْبَحُ فِي سَفَرِي هَذَا إِجَارَةً لَكَ؟ فَهَذَا لَا يَحِلُّ وَلَا يَنْبَغِي قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَنْبَغِي لِرَجُلٍ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ وَلَا أَرْضَهُ وَلَا سَفِينَتَهُ إِلَّا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ لَا يَزُولُ إِلَى غَيْرِهِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْمُسَاقَاةِ فِي النَّخْلِ وَالْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ أَنَّ صَاحِبَ النَّخْلِ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَهَا حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، وَصَاحِبُ الْأَرْضِ يُكْرِيهَا وَهِيَ أَرْضٌ بَيْضَاءُ لَا شَيْءَ فِيهَا قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي النَّخْلِ أَيْضًا إِنَّهَا تُسَاقِي السِّنِينَ الثَّلَاثَ وَالْأَرْبَعَ وَأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْثَرَ قَالَ: وَذَلِكَ الَّذِي سَمِعْتُ.
وَكُلُّ شَيْءٍ مِثْلُ ذَلِكَ مِنَ الْأُصُولِ بِمَنْزِلَةِ النَّخْلِ.
يَجُوزُ فِيهِ لِمَنْ سَاقَى مِنَ السِّنِينَ مِثْلُ مَا يَجُوزُ فِي النَّخْلِ قَالَ مَالِكٌ: فِي الْمُسَاقِي إِنَّهُ: لَا يَأْخُذُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي سَاقَاهُ شَيْئًا مِنْ ذَهَبٍ وَلَا وَرِقٍ يَزْدَادُهُ، وَلَا طَعَامٍ، وَلَا شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ.
لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ.
وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ الْمُسَاقَى مِنْ رَبِّ الْحَائِطِ شَيْئًا يَزِيدُهُ إِيَّاهُ، مِنْ ذَهَبٍ وَلَا وَرِقٍ وَلَا طَعَامٍ وَلَا شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ.
وَالزِّيَادَةُ فِيمَا بَيْنَهُمَا لَا تَصْلُحُ قَالَ مَالِكٌ: وَالْمُقَارِضُ أَيْضًا بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ لَا يَصْلُحُ.
إِذَا دَخَلَتِ الزِّيَادَةُ فِي الْمُسَاقَاةِ أَوِ الْمُقَارَضَةِ صَارَتْ إِجَارَةً، وَمَا دَخَلَتْهُ الْإِجَارَةُ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ الْإِجَارَةُ بِأَمْرٍ غَرَرٍ.
لَا يَدْرِي أَيَكُونُ أَمْ لَا يَكُونُ.
أَوْ يَقِلُّ أَوْ يَكْثُرُ قَالَ مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ يُسَاقِي الرَّجُلَ الْأَرْضَ فِيهَا النَّخْلُ وَالْكَرْمُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأُصُولِ فَيَكُونُ فِيهَا الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ، قَالَ مَالِكٌ: إِذَا كَانَ الْبَيَاضُ تَبَعًا لِلْأَصْلِ، وَكَانَ الْأَصْلُ أَعْظَمَ ذَلِكَ.
أَوْ أَكْثَرَهُ.
فَلَا بَأْسَ بِمُسَاقَاتِهِ.
وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ النَّخْلُ الثُّلُثَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَيَكُونَ الْبَيَاضُ الثُّلُثَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ.
وَذَلِكَ أَنَّ الْبَيَاضَ حِينَئِذٍ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ.
وَإِذَا كَانَتِ الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ فِيهَا نَخْلٌ أَوْ كَرْمٌ أَوْ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ مِنَ الْأُصُولِ فَكَانَ الْأَصْلُ الثُّلُثَ أَوْ أَقَلَّ.
وَالْبَيَاضُ الثُّلُثَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ.
جَازَ فِي ذَلِكَ، الْكِرَاءُ وَحَرُمَتْ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ.
وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ أَنْ يُسَاقُوا الْأَصْلَ، وَفِيهِ الْبَيَاضُ وَتُكْرَى الْأَرْضُ وَفِيهَا الشَّيْءُ الْيَسِيرُ مِنَ الْأَصْلِ.
أَوْ يُبَاعَ الْمُصْحَفُ أَوِ السَّيْفُ وَفِيهِمَا الْحِلْيَةُ مِنَ الْوَرِقِ بِالْوَرِقِ.
أَوِ الْقِلَادَةُ أَوِ الْخَاتَمُ وَفِيهِمَا الْفُصُوصُ وَالذَّهَبُ بِالدَّنَانِيرِ، وَلَمْ تَزَلْ هَذِهِ الْبُيُوعُ جَائِزَةً يَتَبَايَعُهَا النَّاسُ وَيَبْتَاعُونَهَا، وَلَمْ يَأْتِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مَوْصُوفٌ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ، إِذَا هُوَ بَلَغَهُ كَانَ حَرَامًا.
أَوْ قَصُرَ عَنْهُ كَانَ حَلَالًا.
وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا الَّذِي عَمِلَ بِهِ النَّاسُ وَأَجَازُوهُ بَيْنَهُمْ، أَنَّهُ إِذَا كَانَ الشَّيْءُ مِنْ ذَلِكَ الْوَرِقِ أَوِ الذَّهَبِ تَبَعًا لِمَا هُوَ فِيهِ جَازَ بَيْعُهُ، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ النَّصْلُ أَوِ الْمُصْحَفُ أَوِ الْفُصُوصُ قِيمَتُهُ الثُّلُثَانِ، أَوْ أَكْثَرُ، وَالْحِلْيَةُ قِيمَتُهَا الثُّلُثُ أَوْ أَقَلُّ.


( مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب) قال ابن عبد البر: أرسله جميع رواة الموطأ وأكثر أصحاب ابن شهاب ووصله منهم طائفة منهم صالح بن أبي الأخضر، أي وهو ضعيف فزاد عن أبي هريرة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليهود خيبر) بوزن جعفر، مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع ونخل كثير على ثمانية برد من المدينة إلى جهة الشام ( يوم افتتح خيبر) في صفر سنة سبع عند الجمهور بعد ما حاصرها بضع عشرة ليلة، ومن قال سنة ست بناه على أن ابتداء التاريخ من شهر الهجرة الحقيقي وهو ربيع الأول.
وفي الصحيحين عن ابن عمر كان صلى الله عليه وسلم: لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها فسألوه أن يقرّهم بها على أن يكفوه العمل ولهم نصف الثمر فقال صلى الله عليه وسلم: ( أقركم فيها ما أقركم الله) عز وجل لا دلالة فيه لمن قال بجواز المساقاة مدة مجهولة لأنه محمول على مدة العهد لأنه كان عازمًا على إخراج الكفار من جزيرة العرب كمحبته استقبال الكعبة فإنه كان لا يتقدم في شيء إلا بوحي فذكر ذلك لليهود منتظرًا للقضاء فيهم إلى أن حضرته الوفاة فأتاه الوحي فقال: لا يبقين دينان بأرض العرب فلما بلغ عمر ذلك فحص عنه حتى أتاه الثبت فأجلاهم أو لأن ذلك كان خاصًا به صلى الله عليه وسلم ينتظر قضاء الله.
وقيل: لأنهم كانوا عبيدًا له كما قال ابن شهاب، ويجوز بين السيد وعبده ما لا يجوز بين الأجنبيين إذ للسيد أخذ ما بيده عند الجميع قاله ابن عبد البر.
وقال الباجي لعله بين لهم ولم يبينه الراوي لأن ظاهره المساقاة أو لعله كان بعد وصف العمل والاتفاق منه على معلوم بعادة أو غيرها.

قال عياض وقيل: ليس القصد بهذا الكلام عقد المساقاة وإنما المقصود به أنها ليست مؤبدة وأن لنا إخراجكم.
قال القرطبي: ويحتمل أنه حدّ الأجل فلم يسمعه الراوي فلم ينقله اهـ وفيه بعد مع الاستغناء عنه بغيره ( على أن الثمر) بمثلثة ( بيننا وبينكم) نصفين كما في الصحيحين عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع.
قال عياض: هو مفسر للإبهام في حديث الموطأ فإن المساقاة لا تجوز مبهمة والجزء فيها ما يتفقان عليه قل أو كثر ( قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم: يبعث عبد الله بن رواحة) بفتح الراء ابن ثعلبة بن امرئ القيس الأنصاري الخزرجي، الشاعر أحد السابقين شهد بدرًا واستشهد بمؤتة، وكان ثالث الأمراء بها في جمادى الأولى سنة ثمان وفيه أن كان لا تقتضي التكرار لأنه إنما بعثه عامًا واحدًا وقتل بعده بأشهر كما رأيت ( فيخرص بينه وبينهم ثم يقول: إن شئتم فلكم) وتضمنون نصيب المسلمين ( وإن شئتم فلي) وأضمن نصيبكم ( فكانوا يأخذونه) .
وعن جابر خرص ابن رواحة أربعين ألف وسق ولما خيرهم أخذوا الثمرة وأدوا عشرين ألف وسق.
قال ابن مزين: سألت عيسى عن فعل ابن رواحة أيجوز للمتساقيين أو الشريكين؟ فقال: لا ولا يصلح قسمه إلا كيلاً إلا أن تختلف حاجتهما إليه فيقتسمانه بالخرص فتأول خرص ابن رواحة للقسمة خاصة.
وقال الباجي: يحتمل أنه خرصها بتمييز حق الزكاة لأن مصرفها غير مصرف أرض العنوة لأنه يعطيها الإمام للمستحق من غني وفقير فيسلم مما خافه عيسى وأنكره.

وقوله: إن شئتم إلخ حمله عيسى على أنه أسلم إليهم جميع الثمرة بعد الخرص ليضمنوا حصة المسلمين، ولو كان هذا معناه لم يجز لأنه بيع الثمر بالثمر بالخرص في غير العرية، وإنما معناه خرص الزكاة فكأنه قال: إن شئتم أن تأخذوا الثمرة على أن تؤدوا زكاتها على ما خرصته، وإلا فأنا أشتريها من الفيء بما يشترى به فيخرج بهذا الخرص، وذلك معروف لمعرفتهم بسعر الثمر وإن حمل على خرص القسمة لاختلاف الحاجة فمعناه إن شئتم هذا النصيب فلكم، وإن شئتم فلي يبين ذلك أن الثمرة مادامت في رؤوس النخل ليس بوقت قسمة ثمر المساقاة لأن على العامل جذها والقيام عليها حتى يجري فيها الكيل أو الوزن فثبت بهذا أن الخرص قبل ذلك لم يكن للقسمة إلا بمعنى اختلاف الأغراض.
وقال ابن عبد البر: الخرص في المساقاة لا يجوز عند جميع العلماء لأن المساقيين شريكان لا يقتسمان إلا بما يجوز به بيع الثمار بعضها ببعض، وإلا دخلته المزابنة.
قالوا: وإنما بعث صلى الله عليه وسلم من يخرص على اليهود لإحصاء الزكاة لأن المساكين ليسوا شركاء معينين فلو ترك اليهود وأكلها رطبًا والتصرف فيها أضر ذلك سهم المسلمين.
قالت عائشة: إنما أمر صلى الله عليه وسلم بالخرص لكي تحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمار تفرق، وفيه جواز المساقاة وبه قال الجمهور والأئمة الثلاثة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن ومنعها أبو حنيفة مستدلاً بوجوه.

أولها: نهيه صلى الله عليه وسلم عن المخابرة وهي مشتقة من خيبر أي نهى عن الفعل الذي وقع في خيبر من المساقاة.
فحديث الجواز منسوخ وتعقب بأن العرب كانت تعرف المخابرة قبل الإسلام وهي عندهم كراء الأرض بما يخرج منها مأخوذة من الخبرة التي هي العلم بالخفيات وقيل: الخبر الحرث والمخابرة مشتقة منه، ومنه سمي الزارع خبيرًا وبأن في الصحيحين عن ابن عمر عامل صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر ثم أجلاهم عمر إلى تيما وأريحاء، وكذا عمل بها عثمان والخلفاء بعدهم أفتراهم كانوا يجهلون حديث النهي عن المخابرة أو يدعى نسخ الحديث وقد عمل به الصحابة والعمل بالمنسوخ حرام إجماعًا.

ثانيها: أن يهود خيبر كانوا عبيدًا للمسلمين ويجوز مع العبد ما يمتنع مع الأجنبي، والذي قدره لهم صلى الله عليه وسلم من شطر الثمر والزرع هو قوت لهم لأن نفقة العبد على المالك وتعقب بأنهم لو كانوا عبيدًا امتنع ضرب الجزية عليهم، وإخراجهم إلى الشام ونفيهم في أقطار الأرض لأنه إضاعة لمال المسلمين، وبأن ابن رواحة قال لهم: إن شئتم فلكم وتضمنون نصيب المسلمين، وإن شئتم فلي وأضمن نصيبكم، والسيد على قوله لا يصح ضمانه عن عبده لأنه لا يملك عندهم إذ ماله للسيد فهذا يدل على أنهم كانوا مالكين.

ثالثها: نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر والأجرة هنا فيها غرر إذ لا يدرى هل تسلم الثمرة أم لا؟ وعلى سلامتها لا يدرى كيف تكون وما مقدارها؟ وأجيب: بأن حديث الجواز خاص والنهي عن الغرر عام والخاص يقدم على العام.

رابعها: أن الخبر إذا ورد على خلاف القواعد رد إليها وحديث الجواز على خلاف ثلاث قواعد: بيع الغرر والإجارة بمجهول وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها، والكل حرام إجماعًا وأجيب: بأن الخبر إنما يجب رده إلى القواعد إذا لم يعمل به أما إذا عمل به قطعنا بإرادة معناه فيعتقد ولا يلزم الشارع إذا شرع حكمًا أن يشرعه مثل غيره بل له أن يشرع ما له نظير وما لا نظير له، فدل ذلك على أنها مستثناة من تلك الأصول للضرورة إذ لا يقدر كل أحد على القيام بشجره ولا زرعه.

خامسها: أن ذلك لا يجوز قياسًا على تنمية الماشية ببعض نمائها.
وأجيب: بأن الماشية لا يتعذر بيعها عند العجز عن القيام بها بخلاف الزرع الصغير والثمرة.

( مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار) مرسل في جميع الموطآت وجاء عن ابن عباس وسماع سليمان منه صحيح قاله أبو عمر وقد وصله أبو داود وابن ماجه من حديث ميمون بن مهران عن مقسم عن ابن عباس وأبو داود من طريق إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن جابر ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث عبد الله بن رواحة إلى خيبر فيخرص بينه وبين يهود خيبر) لتمييز حق الزكاة من غيرها لاختلاف المصرفين أو للقسمة لاختلاف الحاجة كما مر وفيه جواز التخريص لذلك وبه قال الأكثر.
ولم يجزه سفيان الثوري بحال وقال: إنما على رب الحائط إخراج عشر ما يصير بيده.
وقال الشعبي: الخرص اليوم بدعة كان يرى نسخه بالنهي عن المزابنة وأجازه داود في النخل خاصة، ودفع حديث ابن المسيب عن عتاب بن أسيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وأمره أن يخرص العنب.
ويؤدي زكاته زبيبًا كما يؤدي زكاة النخل تمرًا، بأنه مرسل لأن عتابًا مات قبل مولد ابن المسيب وبأنه انفرد به عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد وليس بالقوي قاله ابن عبد البر ودعوى الإرسال بمعنى الانقطاع مبني على قول الواقدي أن عتابًا مات يوم مات أبو بكر الصديق لكن ذكر ابن جرير الطبري أنه كان عاملاً لعمر على مكة سنة إحدى وعشرين وقد ولد سعيد لسنتين مضتا من خلافة عمر على الأصح فسماعه من عتاب ممكن فلا انقطاع وأما عبد الرحمن بن إسحاق فصدوق احتج به مسلم وأصحاب السنن.

( قال: فجمعوا له حليًا) ضبط بفتح فسكون، على أنه مفرد، وبضم فكسر وشدّ الياء، على الجمع ( من حلي نسائهم فقالوا: هذا لك وخفف عنا وتجاوز في القسم) أجمله وأغمض فيه قال الباجي: راموا به أن يستنزلوه كما قال تعالى: { { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا } } وقال تعالى: { { وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا } } ولم يعاقبهم امتثالاً لقوله تعالى: { { فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ } } ( فقال عبد الله بن رواحة: يا معشر اليهود والله إنكم لمن أبغض خلق الله إلي) قتلتم أنبياء الله وكذبتم على الله، كما زاده في حديث جابر ( وما ذاك) أي البغض ( بحاملي على أن أحيف) بفتح الهمزة وكسر الحاء: أجور ( عليكم) لأنه يكون ظلمًا وفي الحديث: الظلم ظلمات يوم القيامة.
وفيه: أن المؤمن وإن أبغض في الله لا يحمله البغض على ظلم من أبغض.
( فأما ما عرضتم من الرشوة) بتثليث الراء ( فإنها سحت) أي حرام ( وإنا لا نأكلها) لحرمتها بلا خلاف بين المسلمين قال جماعة من المفسرين في قوله تعالى في اليهود: { { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } } أنه الرشوة في الحكم وقيل: كل ما لا يحل كسبه ( فقالوا: بهذا) العدل ( قامت السموات) فوق الرؤوس بغير عمد ( والأرض) استقرت على الماء تحت الأقدام.

قال أبو عمر: فيه دليل على أن الرشوة عند اليهود حرام لقولهم بهذا ولولا حرمته في كتابهم ما عيرهم الله بقوله: { { أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } } وهو حرام عند جميع أهل الكتاب، وفيه أن ما يأخذه الحاكم أو الشاهد على الحكم بالحق أو الشهادة به رشوة وكل رشوة سحت، وكل سحت حرام لا يحل للمسلم أكله بلا خلاف بين المسلمين والعمل بخبر الواحد إذ لو لم يجب به الحكم ما بعث صلى الله عليه وسلم ابن رواحة وحده.

( قال مالك: إذا ساقى الرجل النخل وفيها البياض فما ازدرع) أي زرع ( الرجل الداخل) أي عامل المساقاة ( في البياض فهو له) لقوله صلى الله عليه وسلم: على أن الثمر بيننا وبينكم فلم يشترط إلا نصف الثمر وذلك وقت تبيين الحقوق فظاهره أن ذلك جميع ما يكون له وأيضًا فالأرض بيد العاملين وإنما لربها ما شرطه دون سائر ما بأيديهم، ولذا انفردوا بمساكنها ومزارعها وغير ذلك وما جاء أنه صلى الله عليه وسلم أعطاها على أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها يحتمل أن يكون في عقدين قاله الباجي: ( وإن اشترط صاحب الأرض أنه يزرع في البياض لنفسه فذلك لا يصلح لأن الرجل الداخل في المال يسقي لرب الأرض فذلك زيادة ازدادها عليه) والزيادة ممنوعة ( وإن اشترط الزرع بينهما فلا بأس بذلك إذا كانت المئونة كلها على الداخل في المال البذر والسقي والعلاج كله) بيان للمؤنة لما جاء أنه صلى الله عليه وسلم عاملهم في البياض والسواد على النصف ( فإن اشترط الداخل في المال على رب المال أن البذر عليك كان ذلك غير جائز لأنه قد اشترط على رب المال زيادة ازدادها عليه) وهي ممنوعة ( وإنما تكون المساقاة على أن الداخل في المال المئونة كلها والنفقة ولا يكون على رب المال منها شيء فهذا وجه المساقاة المعروف) الذي لا يجوز غيره.

( قال مالك في العين تكون بين الرجلين فينقطع ماؤها فيريد أحدهما أن يعمل في العين ويقول الآخر: لا أجد ما أعمل به إنه يقال للذي يريد أن يعمل في العين اعمل وأنفق ويكون لك الماء كله تسقي به حتى يأتي صاحبك بنصف ما أنفقت فإذا جاء بنصف ما أنفقت أخذ حصته من الماء وإنما أعطي الأول الماء كله لأنه أنفق ولو لم يدرك شيئًا بعمله لم يعلق) بفتح اللام، أي لم يلزم ( الآخر من النفقة شيء) لأن إنفاقه لم يفد شيئًا ( وإذا كانت النفقة كلها والمئونة على رب الحائط ولم يكن على الداخل في المال شيء إلا أنه يعمل بيده إنما هو أجير ببعض الثمر فإن ذلك لا يصلح لأنه لا يدري كم إجارته إذا لم يسم له شيئًا يعرفه ويعمل عليه لا يدري أيقل ذلك أم يكثر) فهي إجارة فاسدة.

( قال مالك وكل مقارض) بكسر الراء ( أو مساق فلا ينبغي له أن يستثني من المال ولا من النخل شيئًا دون صاحبه وذلك أنه يصير له أجيرًا بذلك يقول: أساقيك على أن تعمل لي في كذا وكذا نخلة تسقيها وتأبرها) بضم الموحدة وكسرها، تلقحها وتصلحها ( وأقارضك في كذا وكذا من المال على أن تعمل لي بعشرة دنانير ليست مما أقارضك عليه فإن ذلك لا ينبغي ولا يصلح) لخلاف سنة المساقاة والقراض كما أفاده بقوله: ( وذلك الأمر عندنا) بالمدينة ( والسنة في المساقاة التي يجوز لرب الحائط أن يشترطها على المساقي) بفتح القاف ( شد الحظار) بالشين المنقوطة، وهو الأكثر عن مالك أي: تحصين الزروب، ويروى عنه بالسين المهملة، يعني سدّ الثلمة، قاله أبو عمر.
ونقل في المشارق عن يحيى الأندلسي أن ما حظر بزرب فبالمعجمة، وما كان بجدار فبالمهملة، والحظائر بالظاء المعجمة جمع حظيرة، هي العيدان التي بأعلى الحائط لتمنع من التسور عليه.
وقال ابن قتيبة هو حائط البستان.
الباجي مثل أن يسترخي رباط الحظيرة فيشترط على العامل شدّه ( وخمّ العين) بالخاء المعجمة وشد الميم: تنقيتها، والمخموم النقي، ورجل مخموم القلب: أي نقيه من الغل والحسد ( وسرو) بفتح المهملة وسكون الراء ثم واو، أي كنس ( الشرب) بفتح المعجمة والراء وموحدة، جمع شربة وهي حياض يستنقع فيها الماء حول الشجر.
وقال ابن حبيب تنقية الحياض التي تكون حول الشجر وتحصين حروفها ومجيء الماء إليها الباجي، وروي سوق الشرب وهو جلب الماء الذي يسقى به ( وإبار) بكسر الهمزة وشدّ الموحدة ( النخل) أي تذكيرها ( وقطع الجريد) من النخل إذا كسرت وقد يفعل مثله بالشجر لقطع قضبان الكرم ( وجذ الثمر) أي قطعه ( هذا وأشباهه) كرم القف وهو الحوض الذي فيه الدلو ويجري منه إلى الضفيرة ( على أن للمساقى شطر) أي نصف ( الثمر أو أقل من ذلك أو أكثر إذا تراضيا عليه غير أن صاحب الأصل لا يشترط ابتداء عمل جديد) بالجيم ( يحدثه العامل فيها من بئر يحتفرها أو عين يرفع رأسها أو غراس يغرسه فيها يأتي بأصل ذلك من عنده أو ضفيرة) بالضاد المعجمة، موضع يجتمع فيه الماء كالصهريج: وقال الباجي: هي عيدان تنسج وتضفر وتطين ويجتمع فيها الماء كالصهريج ( يبنيها تعظم فيها نفقته) فيمنع اشتراط هذا ( وإنما ذلك بمنزلة أن يقول رب الحائط لرجل من الناس ابن لي ههنا بيتًا أو احفر لي بئرًا أو أجر لي عينًا أو اعمل لي عملاً بنصف ثمر حائطي هذا قبل أن يطيب ثمر الحائط ويحل بيعه فهذا بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها) فيمنع كذلك لدخوله في النهي.

( فأما إذا طاب الثمر وبدا صلاحه) تفسير لطيبه ( وحل بيعه ثم قال رجل لرجل اعمل لي بعض هذه الأعمال لعمل يسميه له بنصف ثمر حائطي هذا فلا بأس بذلك) أي يجوز ( و) وجهه أنه ( إنما استأجره بشيء معروف معلوم قد رآه ورضيه) فهي إجارة صحيحة ( فأما المساقاة فإنه إن لم يكن للحائط) أي البستان ( ثمر أو قل ثمره أو فسد فليس له إلا ذلك وأن الأجير لا يستأجر إلا بشيء مسمى لا تجوز الإجارة إلا بذلك وإنما الإجارة بيع من البيوع) لأنها بيع منافع ( إنما يشتري منه عمله ولا يصلح ذلك إذا دخله الغرر لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر) وقد علم أن الإجارة بيع.
قال ابن عبد البر: أراد مالك الفرق بين المساقاة والإجارة وأن المساقاة أصل في نفسها كالقراض، لا يقاس عليها شيء من الإجارات والإجارة عنده وعند جمهور الفقهاء بيع وقالت الظاهرية: ليست من البيوع لأنها منافع لم تخلق، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يخلق، وأنها ليست عينًا وليست البيوع إلا في الأعيان قالوا: فالإجارة بيع منفرد بسنة كالمساقاة والقراض.

( قال مالك: السنة في المساقاة عندنا أنها تكون في أصل كل نخل أو كرم) شجر العنب ( أو زيتون أو رمان أو فرسك) بكسر الفاء وإسكان الراء وكسر المهملة وكاف، الخوخ أو ضرب منه أحمر أجرد أو ما ينفلق عن نواه ( أو ما أشبه ذلك من الأصول جائز لا بأس به على أن لرب المال نصف الثمر أو ثلثه أو ربعه أو أكثر من ذلك أو أقل) فالشرط علم قدر الجزء قل أو كثر ( والمساقاة أيضًا تجوز في الزرع إذا خرج) من الأرض ( واستقل فعجز صاحبه عن سقيه وعمله وعلاجه فالمساقاة في ذلك أيضًا جائزة) ومنعها الشافعي إلا في النخل والكرم لأن ثمرها بائن من شجره يحيط النظر به.
قال ابن عبد البر: وهذا ليس ببين لأن الكمثرى والتين وحب الملوك والرمان والأترج وشبه ذلك يحيط النظر بها، وإنما العلة له أن المساقاة إنما تجوز فيما يخرص، والخرص لا يجوز إلا فيما وردت به السنة فأخرجته عن المزابنة كما أخرجت العرايا عنها النخل والعنب خاصة.

( ولا تصلح المساقاة في شيء من الأصول مما تحل فيه المساقاة إذا كان فيه ثمر قد طاب وبدا صلاحه وحل بيعه) لعدم الضرورة الداعية لجواز البيع حينئذٍ ( وإنما ينبغي أن يساقى من العام المقبل وأما مساقاة ما حل بيعه من الثمار إجارة لأنه إنما ساقى صاحب الأصل ثمرًا قد بدا صلاحه على أن يكفيه إياه ويجذه له) يقطعه ( بمنزلة الدنانير والدراهم يعطيه إياها وليس ذلك بالمساقاة وإنما المساقاة ما بين أن يجذ النخل إلى أن يطيب الثمر ويحل بيعه) ، وليس ذلك أيضًا بالإجارة قال مالك إن وقعت فسخ العقد ما لم يفت ولا تكون إجارة لأن المساقاة تتضمن أن على العامل النفقة على رقيق الحائط وجميع المؤن وإن لم يكن ذلك معلومًا ولا يجوز ذلك في الإجارة.

( ومن ساقى ثمرًا في أصل قبل أن يبدو صلاحه ويحل بيعه فتلك المساقاة بعينها جائزة) قال أبو عمر: كل من أجاز المساقاة إنما أجازها فيما لم يخلق أو فيما لم يبد صلاحه والمساقاة والقراض أصلان مخالفان للبيوع، وكل أصل في نفسه يجب تسليمه وأجازها سحنون لأنها إجارة ( ولا ينبغي أن تساقى الأرض البيضاء وذلك أنه يحل لصاحبها كراؤها بالدنانير والدراهم وما أشبه ذلك من الأثمان المعلومة) يريد إلا الطعام أو ما تنبته فإن مذهبه منعهما ( فأما الذي يعطي أرضه البيضاء بالثلث أو الربع مما يخرج منها فذلك مما يدخله الغرر لأن الزرع يقل مرة ويكثر مرة وربما هلك رأسًا فيكون صاحب الأرض قد ترك كراء معلومًا يصلح له أن يكري أرضه به وأخذ أمرًا غررًا لا يدري أيتم أم لا فهذا مكروه) أي حرام وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن المخابرة وهي كراء الأرض بجزء مما يخرج منها ( وإنما ذلك مثل ذلك مثل رجل استأجر أجيرًا لسفر بشيء معلوم ثم قال الذي استأجر الأجير هل لك أن أعطيك عشر ما أربح في سفري هذا إجارة لك فهذا لا يحل ولا ينبغي) لأنه ترك العقد الصحيح إلى عقد فاسد ( ولا ينبغي لرجل أن يؤاجر نفسه ولا أرضه ولا سفينته إلا بشيء معلوم لا يزول) ينتقل ( إلى غيره) وبه قال الجمهور، وأجاز طائفة من التابعين ومن بعدهم أن يعطي سفينته ودابته وأرضه بجزء مما يرزقه الله قياسًا على القراض.

( وإنما فرق) بالتشديد أي الشرع ( بين المساقاة في النخل) فيجوز ( والأرض البيضاء) فيمنع ( أن صاحب النخل لا يقدر على أن يبيع ثمرها حتى يبدو صلاحه) للنهي عنه ( وصاحب الأرض يكريها وهي أرض بيضاء لا شيء فيها) لعدم النهي ( والأمر عندنا في النخل أيضًا إنها تساقي السنين الثلاث والأربع وأقل من ذلك وأكثر وذلك الذي سمعت) فيجوز سنين معلومة عند الجمهور، ولا مدة مجهولة خلافًا للظاهرية وطائفة تعلقًا بظاهر قوله أقركم ما أقركم الله ومرت الأجوبة عنه ( وكل شيء مثل ذلك من الأصول بمنزلة النخل يجوز فيه لمن ساقى من السنين مثل ما يجوز في النخل) من المدة المعلومة قلت أو كثرت ما لم تكثر جدًا.

( قال مالك في المساقي) بكسر القاف ( إنه لا يأخذ من صاحبه الذي ساقاه شيئًا من ذهب ولا ورق يزداده ولا طعام ولا شيئًا من الأشياء لا يصلح ذلك) لا يجوز ( و) كذلك ( لا ينبغي أن يأخذ المساقى) بفتح القاف ( من رب الحائط شيئًا يزيده إياه من ذهب ولا ورق ولا طعام ولا شيء من الأشياء والزيادة فيما بينهما) على جزئه المعلوم ( لا تصلح) لأنه يعود الجزء مجهولاً ولا خلاف في ذلك ( والمقارض أيضًا بهذه المنزلة لا يصلح) لأنه ( إذا دخلت الزيادة في المساقاة أو المقارضة صارت إجارة وما دخلته الإجارة فإنه لا يصلح ولا ينبغي أن تقع إجارة بأمر غرر لا يدري أيكون أم لا أو يقل أو يكثر) فتفسد الإجارة ( وفي الرجل يساقي الرجل الأرض فيها النخل أو الكرم أو ما أشبه ذلك من الأصول فتكون فيها الأرض البيضاء قال مالك: إذا كان البياض تبعًا للأصل وكان الأصل أعظم ذلك وأكثره فلا بأس بمساقاته وذلك أن الأصل أعظم ذلك وأكثره فلا بأس بمساقاته وذلك أن يكون النخل الثلثين أو أكثر ويكون البياض الثلث أو أقل من ذلك وذلك أن البياض حينئذٍ تبع للأصل) وعلى ذلك تأويل الحديث في المدونة فقال مالك: وكان البياض في خيبر يسيرًا بين أضعاف السواد والمشهور ما قال هنا الثلث يسير، وعليه فيجوز دخوله في عقد المساقاة وإلغاؤه للعامل سواء كان بين أضعاف السواد أو انفرد بناحية من الحائط فيهما وفيها لمالك إلغاؤه للعامل وهو أحب إليّ واعترض بأنه صلى الله عليه وسلم لم يلغه للعامل وهو إنما يفعل الراجح.
وأجاب عبد الحق: بأن في حديث آخر إلغاؤه.
الباجي: وحكم ما تمنع مساقاته حكم البياض مع الشجرة.

( وإذا كانت الأرض البيضاء فيها نخل أو كرم أو ما يشبه ذلك من الأصول فكان الأصل الثلث أو أقل والبياض الثلثين أو أكثر جاز في ذلك الكراء وحرمت فيه المساقاة) قال الباجي: يريد إذا جمعا أما إذا أفردت النخل بالمساقاة فيجوز ( وذلك أن من أمر الناس أن يساقوا الأصل وفيه البياض وتكرى الأرض وفيها الشيء اليسير من الأصل أو يباع المصحف أو السيف وفيهما الحلية من الورق بالورق) متعلق ببياع ( أو القلادة) ما يعلق في العنق ( أو الخاتم وفيهما الفصوص) جمع فص، مثلث الفاء ( و) فيها ( الذهب) تباع ( بالدنانير ولم تزل هذه البيوع جائزة يتبايعها الناس ويبتاعونها ولم يأت في ذلك شيء) نص من سنة ولا كتاب ( موصوف موقوف عليه إذ لو بلغه كان حرامًا أو قصر عنه كان حلالاً) وحينئذٍ فيرجع إلى عمل المدينة كما قال، ( والأمر في ذلك عندنا الذي عمل به الناس وأجازوه فيما بينهم أنه إذا كان الشيء من ذلك الورق أو الذهب تبعًا لما هو فيه) من الجوهر ونحوه ( جاز بيعه وذلك أن يكون النصل أو المصحف أو الفصوص قيمته الثلثان أو أكثر والحلية قيمتها الثلث أو أقل) فتبين أن التبعية بالثلث فأقل.