فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ

رقم الحديث 1400 حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ قَالَ حَنْظَلَةُ: فَسَأَلْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، فَقَالَ: أَمَّا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَلَا بَأْسَ بِهِ.


( بسم الله الرحمن الرحيم)

( كتاب كراء الأرض)

( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) فروخ المدني المعروف بربيعة الرأي ( عن حنظلة بن قيس) بن عمرو بن حصن ( الزرقي) الأنصاري التابعي الكبير قيل وله رؤية ( عن رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وإسكان التحتية وجيم، ابن رافع بن عدي الأنصاري الأوسي، أول مشاهده أحد ثم الخندق مات سنة ثلاث أو أربع وسبعين وقيل قبل ذلك ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع) جمع مزرعة، وهي مكان الزرع وظاهره منع كرائها مطلقًا.
وإليه ذهب الحسن وطاوس وأبو بكر الأصم قال: لأنها إذا استؤجرت وخربت لعلها يحترق زرعها فيردها وقد زادت وانتفع ربها ولم ينتفع المستأجر ومن حجتهم حديث الصحيحين وغيرهما مرفوعًا: من كانت له أرض فليزرعها فإن لم يستطع أن يزرعها وعجز عنها فليمنحها أخاه المسلم ولا يؤاجرها فإن لم يفعل فليمسك أرضه.

( قال حنظلة فسألت رافع بن خديج) أنهى عن كرائها ( بالذهب والورق) الفضة ( فقال) وفي رواية للشيخين قال: لا إنما نهى عنه ببعض ما يخرج منها ( أما بالذهب والورق فلا بأس به) يحتمل أنه قال ذلك اجتهادًا أو علم ذلك بالنص على جوازه.
وقد روى أبو داود والنسائي بإسناد صحيح عن ابن المسيب عن رافع قال: نهى صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة وقال إنما يزرع ثلاثة: رجل له أرض، ورجل منح أرضًا، ورجل أكرى أرضًا بذهب أو فضة وهذا يرجح أن ما قاله رافع مرفوع لكن بين النسائي من وجه آخر أن المرفوع منه النهي عن المحاقلة والمزابنة وأن بقيته مدرج من كلام ابن المسيب.
وقد تأول مالك وأكثر أصحابه أحاديث المنع على كرائها بالطعام أو بما تنبته كقطن وكتان إلا: الخشب والحطب وأجازوا كراءها بما سوى ذلك لحديث أحمد وأبي داود وابن ماجه عن رافع مرفوعًا: من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه ولا يكرها بثلث ولا ربع ولا بطعام مسمى، وتأولوا النهي عن المحاقلة بأنها كراء الأرض بالطعام وجعلوه من باب الطعام بالطعام نسيئة، لأن الثاني يقدر أنه باق على ملك رب الأرض كأنه باعه بطعام فصار بيع طعام بطعام لأجل.
وأجاز الشافعي وأبو حنيفة كراءها بكل معلوم من طعام وغيره لما في الصحيح عن رافع بعد قوله: أما بالذهب والورق فلا بأس به إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الماذيانات وأقيال الجداول فيهلك هذا ويسلم هذا فلذلك زجر عنه صلى الله عليه وسلم وأما بشيء معلوم مضمون فلا بأس فبين أن علة النهي الغرر وأما بذهب أو ورق فلم ينه عنه فمثلهما ما في معناهما من الأثمان المعلومة.
والماذيانات: بكسر الذال وفتحها معربة لا عربية، مسايل الماء الكبار سمي بذلك ما ينبت على الحافتين مجاز للمجاورة، وأجاز أحمد كراءها بجزء مما يزرع فيها لحديث المساقاة.
وقال: إنه أصح من حديث رافع لاضطراب ألفاظه وبأنه يرويه مرة عن عمومته ومرة بلا واسطة وردّ بأنه يمكن أنه سمعه من عمومته ومن المصطفى فكان يرويه بالوجهين.
وأما اختلاف ألفاظه فمن الرواة وليس فيها ما يتدافع بحيث لا يمكن الجمع وشرط الاضطراب أن يتعذر الجمع وقد جمع بينهما بما يطول ذكره.
وأخرجها البخاري ومسلم وغيرهما وحديث الباب رواه مسلم عن يحيى عن مالك به وتابعه الأوزاعي عن ربيعة وتابعه يحيى بن سعيد عن حنظلة في الصحيحين وغيرهما.

( مالك عن ابن شهاب أنه قال: سألت سعيد بن المسيب عن كراء الأرض بالذهب والورق فقال: لا بأس به) كما في حديث رافع لأنه إن كان مرفوعًا فهو نص في محل النزاع وإن كان موقوفًا فهو أعلم بما سمع لأنه روى حديث النهي عن كراء المزارع أشار إليه الباجي فقال: لم ينقل رافع لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أخبر عنه وهو الذي أخبر بجوازه بالذهب والورق.

( مالك عن ابن شهاب أنه سأل سالم بن عبد الله بن عمر عن كراء المزارع فقال: لا بأس بها بالذهب والورق قال ابن شهاب: فقلت له: أرأيت) أخبرني ( الحديث الذي يذكر عن رافع بن خديج) أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع كأنه فهمه على العموم حتى بالذهب والورق ( فقال) سالم ( أكثر رافع) أي أتى بكثير موهم لغير المراد وكأنه لم يبلغه إخبار رافع بجوازه بالذهب والورق ( ولو كانت لي مزرعة) أرض تزرع ( أكريتها) بالذهب والورق، وفي البخاري في المغازي عن جويرية عن مالك عن الزهري أن سالم بن عبد الله أخبره قال: أخبر رافع بن خديج عبد الله بن عمر أن عميه وكانا شهدا بدرًا أخبراه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع قلت لسالم: فتكريها قال: نعم إن رافعًا أكثر على نفسه.

وفي مسلم وأبي داود والنسائي من طريق ابن شهاب أخبرني سالم أن عبد الله كان يكري أرضه حتى بلغه أن رافع بن خديج نهي عن كراء الأرض فلقيه فقال: ما هذا؟ قال: سمعت عمي وكانا قد شهدا بدرًا يحدثان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض.
فقال عبد الله: قد كنت أعلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إن الأرض تكرى حتى خشي عبد الله أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد أحدث في ذلك شيئًا لم يكن علمه فترك كراء الأرض.
وفي الصحيحين عن نافع: أن ابن عمر كان يكري مزارعه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وصدرًا من إمارة معاوية، ثم حدث عن رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع فذهب إلى رافع فذهبت معه فسأله فقال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كراء المزارع فقال ابن عمر: قد علمت أنا كنا نكري مزارعنا بما على الأربعاء وبشيء من التبن.
والأربعاء: بالمد جمع ربيع، وهو النهر الصغير.
وحاصله أنه أنكر على رافع إطلاق النهي لأن المنهي عنه هو الكراء الفاسد الذي كانوا يكرونه بما ينبت على الأربعاء وبعض التبن وهو مجهول مع أنه مخابرة لا بالذهب والورق ونحوهما.
وترك ابن عمر الكراء تورعًا كما يدل على ذلك قوله حتى خشي إلخ.
وقد اختلف هل علة النهي لاشتراطهم ناحية منها؟ أو لاشتراطهم ما زرع على الجداول والسواقي؟ أو لأنهم كانوا يكرونها على الجزء أو بالطعام والأوسق من التمر؟ وهذا كله من الغرر والخطر أو لقطع الخصومة والنزاع كما جاء عن زيد بن ثابت أنه قال: يغفر الله لرافع بن خديج أنا والله كنت أعلم منه بالحديث إنما جاء رجلان من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اقتتلا فقال: إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع فسمع قوله: لا تكروا المزارع.
أخرجه الطحاوي فكان نهيه تأديب أو للرفق والمواساة كما قال ابن عباس في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عنه.
وفي الترمذي: لم يحرم المزارعة ولكن قال: أن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ شيئًا معلومًا.

( مالك أنه بلغه أن عبد الرحمن بن عوف تكارى أرضًا فلم تزل في يديه بكراء حتى مات قال ابنه) أبو سلمة أو حميد ( فما كنت أراها) بضم الهمزة أظنها ( إلا) مملوكة ( لنا من طول ما مكثت في يديه حتى ذكرها لنا عند موته فأمر بقضاء شيء كان عليه من كرائها ذهب أو ورق) بالشك من الراوي.

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يكري أرضه بالذهب والورق) والقصد بهذا وما قبله أن العمل على تخصيص حديث النهي.
( سئل مالك عن رجل أكرى مزرعته بمائة صاع من تمر أو مما يخرج منها من الحنطة أو من غير ما يخرج منها) وهو مما تنبته أو من الطعام كلبن وعسل ( فكره ذلك) كراهة منع حملاً لأحاديث المنع على ذلك إلا أنه استثنى ما يطول مقامه فيها.
قال ابن سحنون لأبيه: لم جاز كراؤها بالخشب والحطب والعود والصندل والجذوع وكل هذه الأشياء مما تنبته الأرض؟ فقال: هذه الأشياء مما يطول مكثها ووقتها فلذا سهل فيها.



رقم الحديث 1401 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ.


( بسم الله الرحمن الرحيم)

( كتاب كراء الأرض)

( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) فروخ المدني المعروف بربيعة الرأي ( عن حنظلة بن قيس) بن عمرو بن حصن ( الزرقي) الأنصاري التابعي الكبير قيل وله رؤية ( عن رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وإسكان التحتية وجيم، ابن رافع بن عدي الأنصاري الأوسي، أول مشاهده أحد ثم الخندق مات سنة ثلاث أو أربع وسبعين وقيل قبل ذلك ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع) جمع مزرعة، وهي مكان الزرع وظاهره منع كرائها مطلقًا.
وإليه ذهب الحسن وطاوس وأبو بكر الأصم قال: لأنها إذا استؤجرت وخربت لعلها يحترق زرعها فيردها وقد زادت وانتفع ربها ولم ينتفع المستأجر ومن حجتهم حديث الصحيحين وغيرهما مرفوعًا: من كانت له أرض فليزرعها فإن لم يستطع أن يزرعها وعجز عنها فليمنحها أخاه المسلم ولا يؤاجرها فإن لم يفعل فليمسك أرضه.

( قال حنظلة فسألت رافع بن خديج) أنهى عن كرائها ( بالذهب والورق) الفضة ( فقال) وفي رواية للشيخين قال: لا إنما نهى عنه ببعض ما يخرج منها ( أما بالذهب والورق فلا بأس به) يحتمل أنه قال ذلك اجتهادًا أو علم ذلك بالنص على جوازه.
وقد روى أبو داود والنسائي بإسناد صحيح عن ابن المسيب عن رافع قال: نهى صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة وقال إنما يزرع ثلاثة: رجل له أرض، ورجل منح أرضًا، ورجل أكرى أرضًا بذهب أو فضة وهذا يرجح أن ما قاله رافع مرفوع لكن بين النسائي من وجه آخر أن المرفوع منه النهي عن المحاقلة والمزابنة وأن بقيته مدرج من كلام ابن المسيب.
وقد تأول مالك وأكثر أصحابه أحاديث المنع على كرائها بالطعام أو بما تنبته كقطن وكتان إلا: الخشب والحطب وأجازوا كراءها بما سوى ذلك لحديث أحمد وأبي داود وابن ماجه عن رافع مرفوعًا: من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه ولا يكرها بثلث ولا ربع ولا بطعام مسمى، وتأولوا النهي عن المحاقلة بأنها كراء الأرض بالطعام وجعلوه من باب الطعام بالطعام نسيئة، لأن الثاني يقدر أنه باق على ملك رب الأرض كأنه باعه بطعام فصار بيع طعام بطعام لأجل.
وأجاز الشافعي وأبو حنيفة كراءها بكل معلوم من طعام وغيره لما في الصحيح عن رافع بعد قوله: أما بالذهب والورق فلا بأس به إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الماذيانات وأقيال الجداول فيهلك هذا ويسلم هذا فلذلك زجر عنه صلى الله عليه وسلم وأما بشيء معلوم مضمون فلا بأس فبين أن علة النهي الغرر وأما بذهب أو ورق فلم ينه عنه فمثلهما ما في معناهما من الأثمان المعلومة.
والماذيانات: بكسر الذال وفتحها معربة لا عربية، مسايل الماء الكبار سمي بذلك ما ينبت على الحافتين مجاز للمجاورة، وأجاز أحمد كراءها بجزء مما يزرع فيها لحديث المساقاة.
وقال: إنه أصح من حديث رافع لاضطراب ألفاظه وبأنه يرويه مرة عن عمومته ومرة بلا واسطة وردّ بأنه يمكن أنه سمعه من عمومته ومن المصطفى فكان يرويه بالوجهين.
وأما اختلاف ألفاظه فمن الرواة وليس فيها ما يتدافع بحيث لا يمكن الجمع وشرط الاضطراب أن يتعذر الجمع وقد جمع بينهما بما يطول ذكره.
وأخرجها البخاري ومسلم وغيرهما وحديث الباب رواه مسلم عن يحيى عن مالك به وتابعه الأوزاعي عن ربيعة وتابعه يحيى بن سعيد عن حنظلة في الصحيحين وغيرهما.

( مالك عن ابن شهاب أنه قال: سألت سعيد بن المسيب عن كراء الأرض بالذهب والورق فقال: لا بأس به) كما في حديث رافع لأنه إن كان مرفوعًا فهو نص في محل النزاع وإن كان موقوفًا فهو أعلم بما سمع لأنه روى حديث النهي عن كراء المزارع أشار إليه الباجي فقال: لم ينقل رافع لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أخبر عنه وهو الذي أخبر بجوازه بالذهب والورق.

( مالك عن ابن شهاب أنه سأل سالم بن عبد الله بن عمر عن كراء المزارع فقال: لا بأس بها بالذهب والورق قال ابن شهاب: فقلت له: أرأيت) أخبرني ( الحديث الذي يذكر عن رافع بن خديج) أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع كأنه فهمه على العموم حتى بالذهب والورق ( فقال) سالم ( أكثر رافع) أي أتى بكثير موهم لغير المراد وكأنه لم يبلغه إخبار رافع بجوازه بالذهب والورق ( ولو كانت لي مزرعة) أرض تزرع ( أكريتها) بالذهب والورق، وفي البخاري في المغازي عن جويرية عن مالك عن الزهري أن سالم بن عبد الله أخبره قال: أخبر رافع بن خديج عبد الله بن عمر أن عميه وكانا شهدا بدرًا أخبراه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع قلت لسالم: فتكريها قال: نعم إن رافعًا أكثر على نفسه.

وفي مسلم وأبي داود والنسائي من طريق ابن شهاب أخبرني سالم أن عبد الله كان يكري أرضه حتى بلغه أن رافع بن خديج نهي عن كراء الأرض فلقيه فقال: ما هذا؟ قال: سمعت عمي وكانا قد شهدا بدرًا يحدثان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض.
فقال عبد الله: قد كنت أعلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إن الأرض تكرى حتى خشي عبد الله أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد أحدث في ذلك شيئًا لم يكن علمه فترك كراء الأرض.
وفي الصحيحين عن نافع: أن ابن عمر كان يكري مزارعه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وصدرًا من إمارة معاوية، ثم حدث عن رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع فذهب إلى رافع فذهبت معه فسأله فقال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كراء المزارع فقال ابن عمر: قد علمت أنا كنا نكري مزارعنا بما على الأربعاء وبشيء من التبن.
والأربعاء: بالمد جمع ربيع، وهو النهر الصغير.
وحاصله أنه أنكر على رافع إطلاق النهي لأن المنهي عنه هو الكراء الفاسد الذي كانوا يكرونه بما ينبت على الأربعاء وبعض التبن وهو مجهول مع أنه مخابرة لا بالذهب والورق ونحوهما.
وترك ابن عمر الكراء تورعًا كما يدل على ذلك قوله حتى خشي إلخ.
وقد اختلف هل علة النهي لاشتراطهم ناحية منها؟ أو لاشتراطهم ما زرع على الجداول والسواقي؟ أو لأنهم كانوا يكرونها على الجزء أو بالطعام والأوسق من التمر؟ وهذا كله من الغرر والخطر أو لقطع الخصومة والنزاع كما جاء عن زيد بن ثابت أنه قال: يغفر الله لرافع بن خديج أنا والله كنت أعلم منه بالحديث إنما جاء رجلان من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اقتتلا فقال: إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع فسمع قوله: لا تكروا المزارع.
أخرجه الطحاوي فكان نهيه تأديب أو للرفق والمواساة كما قال ابن عباس في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عنه.
وفي الترمذي: لم يحرم المزارعة ولكن قال: أن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ شيئًا معلومًا.

( مالك أنه بلغه أن عبد الرحمن بن عوف تكارى أرضًا فلم تزل في يديه بكراء حتى مات قال ابنه) أبو سلمة أو حميد ( فما كنت أراها) بضم الهمزة أظنها ( إلا) مملوكة ( لنا من طول ما مكثت في يديه حتى ذكرها لنا عند موته فأمر بقضاء شيء كان عليه من كرائها ذهب أو ورق) بالشك من الراوي.

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يكري أرضه بالذهب والورق) والقصد بهذا وما قبله أن العمل على تخصيص حديث النهي.
( سئل مالك عن رجل أكرى مزرعته بمائة صاع من تمر أو مما يخرج منها من الحنطة أو من غير ما يخرج منها) وهو مما تنبته أو من الطعام كلبن وعسل ( فكره ذلك) كراهة منع حملاً لأحاديث المنع على ذلك إلا أنه استثنى ما يطول مقامه فيها.
قال ابن سحنون لأبيه: لم جاز كراؤها بالخشب والحطب والعود والصندل والجذوع وكل هذه الأشياء مما تنبته الأرض؟ فقال: هذه الأشياء مما يطول مكثها ووقتها فلذا سهل فيها.



رقم الحديث 1402 وَحَدَّثَنِي مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ سَأَلَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهَا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَقُلْتُ لَهُ: أَرَأَيْتَ الْحَدِيثَ الَّذِي يُذْكَرُ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ؟ فَقَالَ: أَكْثَرَ رَافِعٌ وَلَوْ كَانَ لِي مَزْرَعَةٌ أَكْرَيْتُهَا.


( بسم الله الرحمن الرحيم)

( كتاب كراء الأرض)

( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) فروخ المدني المعروف بربيعة الرأي ( عن حنظلة بن قيس) بن عمرو بن حصن ( الزرقي) الأنصاري التابعي الكبير قيل وله رؤية ( عن رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وإسكان التحتية وجيم، ابن رافع بن عدي الأنصاري الأوسي، أول مشاهده أحد ثم الخندق مات سنة ثلاث أو أربع وسبعين وقيل قبل ذلك ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع) جمع مزرعة، وهي مكان الزرع وظاهره منع كرائها مطلقًا.
وإليه ذهب الحسن وطاوس وأبو بكر الأصم قال: لأنها إذا استؤجرت وخربت لعلها يحترق زرعها فيردها وقد زادت وانتفع ربها ولم ينتفع المستأجر ومن حجتهم حديث الصحيحين وغيرهما مرفوعًا: من كانت له أرض فليزرعها فإن لم يستطع أن يزرعها وعجز عنها فليمنحها أخاه المسلم ولا يؤاجرها فإن لم يفعل فليمسك أرضه.

( قال حنظلة فسألت رافع بن خديج) أنهى عن كرائها ( بالذهب والورق) الفضة ( فقال) وفي رواية للشيخين قال: لا إنما نهى عنه ببعض ما يخرج منها ( أما بالذهب والورق فلا بأس به) يحتمل أنه قال ذلك اجتهادًا أو علم ذلك بالنص على جوازه.
وقد روى أبو داود والنسائي بإسناد صحيح عن ابن المسيب عن رافع قال: نهى صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة وقال إنما يزرع ثلاثة: رجل له أرض، ورجل منح أرضًا، ورجل أكرى أرضًا بذهب أو فضة وهذا يرجح أن ما قاله رافع مرفوع لكن بين النسائي من وجه آخر أن المرفوع منه النهي عن المحاقلة والمزابنة وأن بقيته مدرج من كلام ابن المسيب.
وقد تأول مالك وأكثر أصحابه أحاديث المنع على كرائها بالطعام أو بما تنبته كقطن وكتان إلا: الخشب والحطب وأجازوا كراءها بما سوى ذلك لحديث أحمد وأبي داود وابن ماجه عن رافع مرفوعًا: من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه ولا يكرها بثلث ولا ربع ولا بطعام مسمى، وتأولوا النهي عن المحاقلة بأنها كراء الأرض بالطعام وجعلوه من باب الطعام بالطعام نسيئة، لأن الثاني يقدر أنه باق على ملك رب الأرض كأنه باعه بطعام فصار بيع طعام بطعام لأجل.
وأجاز الشافعي وأبو حنيفة كراءها بكل معلوم من طعام وغيره لما في الصحيح عن رافع بعد قوله: أما بالذهب والورق فلا بأس به إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الماذيانات وأقيال الجداول فيهلك هذا ويسلم هذا فلذلك زجر عنه صلى الله عليه وسلم وأما بشيء معلوم مضمون فلا بأس فبين أن علة النهي الغرر وأما بذهب أو ورق فلم ينه عنه فمثلهما ما في معناهما من الأثمان المعلومة.
والماذيانات: بكسر الذال وفتحها معربة لا عربية، مسايل الماء الكبار سمي بذلك ما ينبت على الحافتين مجاز للمجاورة، وأجاز أحمد كراءها بجزء مما يزرع فيها لحديث المساقاة.
وقال: إنه أصح من حديث رافع لاضطراب ألفاظه وبأنه يرويه مرة عن عمومته ومرة بلا واسطة وردّ بأنه يمكن أنه سمعه من عمومته ومن المصطفى فكان يرويه بالوجهين.
وأما اختلاف ألفاظه فمن الرواة وليس فيها ما يتدافع بحيث لا يمكن الجمع وشرط الاضطراب أن يتعذر الجمع وقد جمع بينهما بما يطول ذكره.
وأخرجها البخاري ومسلم وغيرهما وحديث الباب رواه مسلم عن يحيى عن مالك به وتابعه الأوزاعي عن ربيعة وتابعه يحيى بن سعيد عن حنظلة في الصحيحين وغيرهما.

( مالك عن ابن شهاب أنه قال: سألت سعيد بن المسيب عن كراء الأرض بالذهب والورق فقال: لا بأس به) كما في حديث رافع لأنه إن كان مرفوعًا فهو نص في محل النزاع وإن كان موقوفًا فهو أعلم بما سمع لأنه روى حديث النهي عن كراء المزارع أشار إليه الباجي فقال: لم ينقل رافع لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أخبر عنه وهو الذي أخبر بجوازه بالذهب والورق.

( مالك عن ابن شهاب أنه سأل سالم بن عبد الله بن عمر عن كراء المزارع فقال: لا بأس بها بالذهب والورق قال ابن شهاب: فقلت له: أرأيت) أخبرني ( الحديث الذي يذكر عن رافع بن خديج) أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع كأنه فهمه على العموم حتى بالذهب والورق ( فقال) سالم ( أكثر رافع) أي أتى بكثير موهم لغير المراد وكأنه لم يبلغه إخبار رافع بجوازه بالذهب والورق ( ولو كانت لي مزرعة) أرض تزرع ( أكريتها) بالذهب والورق، وفي البخاري في المغازي عن جويرية عن مالك عن الزهري أن سالم بن عبد الله أخبره قال: أخبر رافع بن خديج عبد الله بن عمر أن عميه وكانا شهدا بدرًا أخبراه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع قلت لسالم: فتكريها قال: نعم إن رافعًا أكثر على نفسه.

وفي مسلم وأبي داود والنسائي من طريق ابن شهاب أخبرني سالم أن عبد الله كان يكري أرضه حتى بلغه أن رافع بن خديج نهي عن كراء الأرض فلقيه فقال: ما هذا؟ قال: سمعت عمي وكانا قد شهدا بدرًا يحدثان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض.
فقال عبد الله: قد كنت أعلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إن الأرض تكرى حتى خشي عبد الله أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد أحدث في ذلك شيئًا لم يكن علمه فترك كراء الأرض.
وفي الصحيحين عن نافع: أن ابن عمر كان يكري مزارعه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وصدرًا من إمارة معاوية، ثم حدث عن رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع فذهب إلى رافع فذهبت معه فسأله فقال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كراء المزارع فقال ابن عمر: قد علمت أنا كنا نكري مزارعنا بما على الأربعاء وبشيء من التبن.
والأربعاء: بالمد جمع ربيع، وهو النهر الصغير.
وحاصله أنه أنكر على رافع إطلاق النهي لأن المنهي عنه هو الكراء الفاسد الذي كانوا يكرونه بما ينبت على الأربعاء وبعض التبن وهو مجهول مع أنه مخابرة لا بالذهب والورق ونحوهما.
وترك ابن عمر الكراء تورعًا كما يدل على ذلك قوله حتى خشي إلخ.
وقد اختلف هل علة النهي لاشتراطهم ناحية منها؟ أو لاشتراطهم ما زرع على الجداول والسواقي؟ أو لأنهم كانوا يكرونها على الجزء أو بالطعام والأوسق من التمر؟ وهذا كله من الغرر والخطر أو لقطع الخصومة والنزاع كما جاء عن زيد بن ثابت أنه قال: يغفر الله لرافع بن خديج أنا والله كنت أعلم منه بالحديث إنما جاء رجلان من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اقتتلا فقال: إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع فسمع قوله: لا تكروا المزارع.
أخرجه الطحاوي فكان نهيه تأديب أو للرفق والمواساة كما قال ابن عباس في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عنه.
وفي الترمذي: لم يحرم المزارعة ولكن قال: أن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ شيئًا معلومًا.

( مالك أنه بلغه أن عبد الرحمن بن عوف تكارى أرضًا فلم تزل في يديه بكراء حتى مات قال ابنه) أبو سلمة أو حميد ( فما كنت أراها) بضم الهمزة أظنها ( إلا) مملوكة ( لنا من طول ما مكثت في يديه حتى ذكرها لنا عند موته فأمر بقضاء شيء كان عليه من كرائها ذهب أو ورق) بالشك من الراوي.

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يكري أرضه بالذهب والورق) والقصد بهذا وما قبله أن العمل على تخصيص حديث النهي.
( سئل مالك عن رجل أكرى مزرعته بمائة صاع من تمر أو مما يخرج منها من الحنطة أو من غير ما يخرج منها) وهو مما تنبته أو من الطعام كلبن وعسل ( فكره ذلك) كراهة منع حملاً لأحاديث المنع على ذلك إلا أنه استثنى ما يطول مقامه فيها.
قال ابن سحنون لأبيه: لم جاز كراؤها بالخشب والحطب والعود والصندل والجذوع وكل هذه الأشياء مما تنبته الأرض؟ فقال: هذه الأشياء مما يطول مكثها ووقتها فلذا سهل فيها.



رقم الحديث 1403 قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَا كَانَ مِمَّا يُوزَنُ مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ: مِنَ النُّحَاسِ وَالشَّبَهِ وَالرَّصَاصِ وَالْآنُكِ، وَالْحَدِيدِ، وَالْقَضْبِ وَالتِّينِ، وَالْكُرْسُفِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، مِمَّا يُوزَنُ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤْخَذَ رِطْلُ حَدِيدٍ بِرِطْلَيْ حَدِيدٍ وَرِطْلُ صُفْرٍ بِرِطْلَيْ صُفْرٍ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا خَيْرَ فِيهِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ مِنْ ذَلِكَ، فَبَانَ اخْتِلَافُهُمَا، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ، فَإِنْ كَانَ الصِّنْفُ مِنْهُ يُشْبِهُ الصِّنْفَ الْآخَرَ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الِاسْمِ مِثْلُ الرَّصَاصِ وَالْآنُكِ وَالشَّبَهِ وَالصُّفْرِ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ قَالَ مَالِكٌ: وَمَا اشْتَرَيْتَ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا، فَلَا بَأْسَ أَنْ تَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ الَّذِي اشْتَرَيْتَهُ مِنْهُ، إِذَا قَبَضْتَ ثَمَنَهُ، إِذَا كُنْتَ اشْتَرَيْتَهُ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا، فَإِنِ اشْتَرَيْتَهُ جِزَافًا فَبِعْهُ مِنْ غَيْرِ الَّذِي اشْتَرَيْتَهُ مِنْهُ، بِنَقْدٍ أَوْ إِلَى أَجَلٍ، وَذَلِكَ أَنَّ ضَمَانَهُ مِنْكَ إِذَا اشْتَرَيْتَهُ جِزَافًا، وَلَا يَكُونُ ضَمَانُهُ مِنْكَ إِذَا اشْتَرَيْتَهُ وَزْنًا حَتَّى تَزِنَهُ وَتَسْتَوْفِيَهُ، وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ مِثْلُ: الْعُصْفُرِ وَالنَّوَى، وَالْخَبَطِ وَالْكَتَمِ وَمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ، أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ، فَإِنِ اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَبَانَ اخْتِلَافُهُمَا، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ، وَمَا اشْتُرِيَ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُبَاعَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى إِذَا قَبَضَ ثَمَنَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ شَيْءٍ يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ مِنَ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا، وَإِنْ كَانَتِ الْحَصْبَاءَ وَالْقَصَّةَ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمِثْلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ فَهُوَ رِبًا، وَوَاحِدٌ مِنْهُمَا بِمِثْلِهِ وَزِيَادَةُ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ إِلَى أَجَلٍ فَهُوَ رِبًا.



( بيع النحاس والحديد وما أشبههما مما يوزن)

( قال مالك الأمر عندنا فيما كان مما يوزن من غير الذهب والفضة من النحاس والشبه) بفتح المعجمة والموحدة، أعلى النحاس يشبه الذهب ( والرصاص) بفتح الراء والقطعة منه رصاصة ( والآنك) بهمزة ونون وكاف وزان أفلس الرصاص الخالص ويقال الأسود وقيل وزن فاعل إذ ليس في العربي فاعل بضم العين وأما الآنك والآجر فيمن خفف وآمل وكابل فأعجميات ( والحديد) المعدن المعروف ( والقضب) بإسكان الضاد المعجمة ( والتين) المأكول ( والكرسف) القطن ( وما أشبه ذلك مما يوزن فلا بأس بأن يؤخذ من صنف واحد اثنان بواحد يدًا بيد ولا بأس بأن يؤخذ رطل حديد برطلي حديد ورطل صفر برطلي صفر) بضم الصاد وتكسر، النحاس الجيد ( ولا خير فيه اثنان بواحد من صنف واحد إلى أجل فإذا اختلف الصنفان من ذلك فبان اختلافهما فلا بأس بأن يؤخذ منه اثنان بواحد إلى أجل فإن كان الصنف منه يشبه الصنف الآخر وإن اختلفا في الاسم مثل الرصاص والآنك) بفتح الهمزة الأولى وإسكان الثانية وضم النون ( والشبه والصفر) فإنهما شديدا الشبه ( فإني أكره أن يؤخذ منه اثنان بواحد إلى أجل) لاتحاد الصنف حقيقة ( وما اشتريت من هذه الأصناف كلها فلا بأس أن تبيعه قبل أن تقبضه من غير صاحبه الذي اشتريته منه إذا قبضت ثمنه إذا كنت اشتريته كيلاً أو وزنًا فإن اشتريته جزافًا فبعه من غير الذي اشتريته منه بنقد أو إلى أجل وذلك أن ضمانه منك إذا اشتريته جزافًا) لدخوله في ملكك بالعقد ( ولا يكون ضمانه منك إذا اشتريته وزنًا حتى تزنه وتستوفيه) تقبضه ( وهذا أحب ما سمعت إلي في هذه الأشياء كلها وهو الذي لم يزل عليه أمر الناس عندنا) بالمدينة ( والأمر عندنا فيما يكال أو يوزن مما لا يؤكل ولا يشرب مثل العصفر والنوى) للتمر ( والخبط) بفتحتين ما يخبط بالعصا من ورق الشجر ليعلف للدواب ( والكتم) بفتحتين نبت فيه حمرة يخلط بالوسمة ويختضب به للسواد، وفي كتب الطب الكتم من نبات الجبال ورقه كورق الآس يخضب به مدقوقًا، وله ثمر كقدر الفلفل ويسود إذا نضج وقد يعتصر منه دهن يستصبح به في البوادي ( وما يشبه ذلك أنه لا بأس بأن يؤخذ من كل صنف منه اثنان بواحد يدًا بيد ولا يؤخذ من صنف واحد منه) بالجر صفة صنف ( اثنان بواحد إلى أجل فإن اختلف الصنفان فبان اختلافهما فلا بأس بأن يؤخذ منهما اثنان بواحد إلى أجل وما اشتري من هذه الأصناف كلها فلا بأس بأن يباع قبل أن يستوفى إذا قبض ثمنه من غير صاحبه) أي لغير ( الذي اشتراه منه) لا له فيمنع لما مر ( وكل شيء ينتفع به الناس من الأصناف كلها وإن كانت الحصباء) بالمد صغار الحصى ينتفع بها في فرش كمسجد ( والقصة) بفتح القاف والمهملة، الجص بلغة الحجاز ( فكل واحد منهما بمثليه) مثنى ( إلى أجل فهو ربًا وواحد منهما بمثله) بالإفراد ( وزيادة شيء من الأشياء إلى أجل فهو ربًا) فإن كان نقدًا جاز.



رقم الحديث 1403 وَحَدَّثَنِي مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَكَارَى أرْضًا، فَلَمْ تَزَلْ فِي يَدَيْهِ بِكِرَاءٍ حَتَّى مَاتَ، قَالَ ابْنُهُ: فَمَا كُنْتُ أُرَاهَا إِلَّا لَنَا مِنْ طُولِ مَا مَكَثَتْ فِي يَدَيْهِ، حَتَّى ذَكَرَهَا لَنَا عِنْدَ مَوْتِهِ، فَأَمَرَنَا بِقَضَاءِ شَيْءٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ كِرَائِهَا ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ.


( بسم الله الرحمن الرحيم)

( كتاب كراء الأرض)

( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) فروخ المدني المعروف بربيعة الرأي ( عن حنظلة بن قيس) بن عمرو بن حصن ( الزرقي) الأنصاري التابعي الكبير قيل وله رؤية ( عن رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وإسكان التحتية وجيم، ابن رافع بن عدي الأنصاري الأوسي، أول مشاهده أحد ثم الخندق مات سنة ثلاث أو أربع وسبعين وقيل قبل ذلك ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع) جمع مزرعة، وهي مكان الزرع وظاهره منع كرائها مطلقًا.
وإليه ذهب الحسن وطاوس وأبو بكر الأصم قال: لأنها إذا استؤجرت وخربت لعلها يحترق زرعها فيردها وقد زادت وانتفع ربها ولم ينتفع المستأجر ومن حجتهم حديث الصحيحين وغيرهما مرفوعًا: من كانت له أرض فليزرعها فإن لم يستطع أن يزرعها وعجز عنها فليمنحها أخاه المسلم ولا يؤاجرها فإن لم يفعل فليمسك أرضه.

( قال حنظلة فسألت رافع بن خديج) أنهى عن كرائها ( بالذهب والورق) الفضة ( فقال) وفي رواية للشيخين قال: لا إنما نهى عنه ببعض ما يخرج منها ( أما بالذهب والورق فلا بأس به) يحتمل أنه قال ذلك اجتهادًا أو علم ذلك بالنص على جوازه.
وقد روى أبو داود والنسائي بإسناد صحيح عن ابن المسيب عن رافع قال: نهى صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة وقال إنما يزرع ثلاثة: رجل له أرض، ورجل منح أرضًا، ورجل أكرى أرضًا بذهب أو فضة وهذا يرجح أن ما قاله رافع مرفوع لكن بين النسائي من وجه آخر أن المرفوع منه النهي عن المحاقلة والمزابنة وأن بقيته مدرج من كلام ابن المسيب.
وقد تأول مالك وأكثر أصحابه أحاديث المنع على كرائها بالطعام أو بما تنبته كقطن وكتان إلا: الخشب والحطب وأجازوا كراءها بما سوى ذلك لحديث أحمد وأبي داود وابن ماجه عن رافع مرفوعًا: من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه ولا يكرها بثلث ولا ربع ولا بطعام مسمى، وتأولوا النهي عن المحاقلة بأنها كراء الأرض بالطعام وجعلوه من باب الطعام بالطعام نسيئة، لأن الثاني يقدر أنه باق على ملك رب الأرض كأنه باعه بطعام فصار بيع طعام بطعام لأجل.
وأجاز الشافعي وأبو حنيفة كراءها بكل معلوم من طعام وغيره لما في الصحيح عن رافع بعد قوله: أما بالذهب والورق فلا بأس به إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الماذيانات وأقيال الجداول فيهلك هذا ويسلم هذا فلذلك زجر عنه صلى الله عليه وسلم وأما بشيء معلوم مضمون فلا بأس فبين أن علة النهي الغرر وأما بذهب أو ورق فلم ينه عنه فمثلهما ما في معناهما من الأثمان المعلومة.
والماذيانات: بكسر الذال وفتحها معربة لا عربية، مسايل الماء الكبار سمي بذلك ما ينبت على الحافتين مجاز للمجاورة، وأجاز أحمد كراءها بجزء مما يزرع فيها لحديث المساقاة.
وقال: إنه أصح من حديث رافع لاضطراب ألفاظه وبأنه يرويه مرة عن عمومته ومرة بلا واسطة وردّ بأنه يمكن أنه سمعه من عمومته ومن المصطفى فكان يرويه بالوجهين.
وأما اختلاف ألفاظه فمن الرواة وليس فيها ما يتدافع بحيث لا يمكن الجمع وشرط الاضطراب أن يتعذر الجمع وقد جمع بينهما بما يطول ذكره.
وأخرجها البخاري ومسلم وغيرهما وحديث الباب رواه مسلم عن يحيى عن مالك به وتابعه الأوزاعي عن ربيعة وتابعه يحيى بن سعيد عن حنظلة في الصحيحين وغيرهما.

( مالك عن ابن شهاب أنه قال: سألت سعيد بن المسيب عن كراء الأرض بالذهب والورق فقال: لا بأس به) كما في حديث رافع لأنه إن كان مرفوعًا فهو نص في محل النزاع وإن كان موقوفًا فهو أعلم بما سمع لأنه روى حديث النهي عن كراء المزارع أشار إليه الباجي فقال: لم ينقل رافع لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أخبر عنه وهو الذي أخبر بجوازه بالذهب والورق.

( مالك عن ابن شهاب أنه سأل سالم بن عبد الله بن عمر عن كراء المزارع فقال: لا بأس بها بالذهب والورق قال ابن شهاب: فقلت له: أرأيت) أخبرني ( الحديث الذي يذكر عن رافع بن خديج) أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع كأنه فهمه على العموم حتى بالذهب والورق ( فقال) سالم ( أكثر رافع) أي أتى بكثير موهم لغير المراد وكأنه لم يبلغه إخبار رافع بجوازه بالذهب والورق ( ولو كانت لي مزرعة) أرض تزرع ( أكريتها) بالذهب والورق، وفي البخاري في المغازي عن جويرية عن مالك عن الزهري أن سالم بن عبد الله أخبره قال: أخبر رافع بن خديج عبد الله بن عمر أن عميه وكانا شهدا بدرًا أخبراه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع قلت لسالم: فتكريها قال: نعم إن رافعًا أكثر على نفسه.

وفي مسلم وأبي داود والنسائي من طريق ابن شهاب أخبرني سالم أن عبد الله كان يكري أرضه حتى بلغه أن رافع بن خديج نهي عن كراء الأرض فلقيه فقال: ما هذا؟ قال: سمعت عمي وكانا قد شهدا بدرًا يحدثان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض.
فقال عبد الله: قد كنت أعلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إن الأرض تكرى حتى خشي عبد الله أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد أحدث في ذلك شيئًا لم يكن علمه فترك كراء الأرض.
وفي الصحيحين عن نافع: أن ابن عمر كان يكري مزارعه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وصدرًا من إمارة معاوية، ثم حدث عن رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع فذهب إلى رافع فذهبت معه فسأله فقال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كراء المزارع فقال ابن عمر: قد علمت أنا كنا نكري مزارعنا بما على الأربعاء وبشيء من التبن.
والأربعاء: بالمد جمع ربيع، وهو النهر الصغير.
وحاصله أنه أنكر على رافع إطلاق النهي لأن المنهي عنه هو الكراء الفاسد الذي كانوا يكرونه بما ينبت على الأربعاء وبعض التبن وهو مجهول مع أنه مخابرة لا بالذهب والورق ونحوهما.
وترك ابن عمر الكراء تورعًا كما يدل على ذلك قوله حتى خشي إلخ.
وقد اختلف هل علة النهي لاشتراطهم ناحية منها؟ أو لاشتراطهم ما زرع على الجداول والسواقي؟ أو لأنهم كانوا يكرونها على الجزء أو بالطعام والأوسق من التمر؟ وهذا كله من الغرر والخطر أو لقطع الخصومة والنزاع كما جاء عن زيد بن ثابت أنه قال: يغفر الله لرافع بن خديج أنا والله كنت أعلم منه بالحديث إنما جاء رجلان من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اقتتلا فقال: إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع فسمع قوله: لا تكروا المزارع.
أخرجه الطحاوي فكان نهيه تأديب أو للرفق والمواساة كما قال ابن عباس في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عنه.
وفي الترمذي: لم يحرم المزارعة ولكن قال: أن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ شيئًا معلومًا.

( مالك أنه بلغه أن عبد الرحمن بن عوف تكارى أرضًا فلم تزل في يديه بكراء حتى مات قال ابنه) أبو سلمة أو حميد ( فما كنت أراها) بضم الهمزة أظنها ( إلا) مملوكة ( لنا من طول ما مكثت في يديه حتى ذكرها لنا عند موته فأمر بقضاء شيء كان عليه من كرائها ذهب أو ورق) بالشك من الراوي.

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يكري أرضه بالذهب والورق) والقصد بهذا وما قبله أن العمل على تخصيص حديث النهي.
( سئل مالك عن رجل أكرى مزرعته بمائة صاع من تمر أو مما يخرج منها من الحنطة أو من غير ما يخرج منها) وهو مما تنبته أو من الطعام كلبن وعسل ( فكره ذلك) كراهة منع حملاً لأحاديث المنع على ذلك إلا أنه استثنى ما يطول مقامه فيها.
قال ابن سحنون لأبيه: لم جاز كراؤها بالخشب والحطب والعود والصندل والجذوع وكل هذه الأشياء مما تنبته الأرض؟ فقال: هذه الأشياء مما يطول مكثها ووقتها فلذا سهل فيها.



رقم الحديث 1404 وَحَدَّثَنِي مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ يُكْرِي أَرْضَهُ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَسُئِلَ مَالِكٌ: عَنْ رَجُلٍ أَكْرَى مَزْرَعَتَهُ بِمِائَةِ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنَ الْحِنْطَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَكَرِهَ ذَلِكَ.


( بسم الله الرحمن الرحيم)

( كتاب كراء الأرض)

( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) فروخ المدني المعروف بربيعة الرأي ( عن حنظلة بن قيس) بن عمرو بن حصن ( الزرقي) الأنصاري التابعي الكبير قيل وله رؤية ( عن رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وإسكان التحتية وجيم، ابن رافع بن عدي الأنصاري الأوسي، أول مشاهده أحد ثم الخندق مات سنة ثلاث أو أربع وسبعين وقيل قبل ذلك ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع) جمع مزرعة، وهي مكان الزرع وظاهره منع كرائها مطلقًا.
وإليه ذهب الحسن وطاوس وأبو بكر الأصم قال: لأنها إذا استؤجرت وخربت لعلها يحترق زرعها فيردها وقد زادت وانتفع ربها ولم ينتفع المستأجر ومن حجتهم حديث الصحيحين وغيرهما مرفوعًا: من كانت له أرض فليزرعها فإن لم يستطع أن يزرعها وعجز عنها فليمنحها أخاه المسلم ولا يؤاجرها فإن لم يفعل فليمسك أرضه.

( قال حنظلة فسألت رافع بن خديج) أنهى عن كرائها ( بالذهب والورق) الفضة ( فقال) وفي رواية للشيخين قال: لا إنما نهى عنه ببعض ما يخرج منها ( أما بالذهب والورق فلا بأس به) يحتمل أنه قال ذلك اجتهادًا أو علم ذلك بالنص على جوازه.
وقد روى أبو داود والنسائي بإسناد صحيح عن ابن المسيب عن رافع قال: نهى صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة وقال إنما يزرع ثلاثة: رجل له أرض، ورجل منح أرضًا، ورجل أكرى أرضًا بذهب أو فضة وهذا يرجح أن ما قاله رافع مرفوع لكن بين النسائي من وجه آخر أن المرفوع منه النهي عن المحاقلة والمزابنة وأن بقيته مدرج من كلام ابن المسيب.
وقد تأول مالك وأكثر أصحابه أحاديث المنع على كرائها بالطعام أو بما تنبته كقطن وكتان إلا: الخشب والحطب وأجازوا كراءها بما سوى ذلك لحديث أحمد وأبي داود وابن ماجه عن رافع مرفوعًا: من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه ولا يكرها بثلث ولا ربع ولا بطعام مسمى، وتأولوا النهي عن المحاقلة بأنها كراء الأرض بالطعام وجعلوه من باب الطعام بالطعام نسيئة، لأن الثاني يقدر أنه باق على ملك رب الأرض كأنه باعه بطعام فصار بيع طعام بطعام لأجل.
وأجاز الشافعي وأبو حنيفة كراءها بكل معلوم من طعام وغيره لما في الصحيح عن رافع بعد قوله: أما بالذهب والورق فلا بأس به إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الماذيانات وأقيال الجداول فيهلك هذا ويسلم هذا فلذلك زجر عنه صلى الله عليه وسلم وأما بشيء معلوم مضمون فلا بأس فبين أن علة النهي الغرر وأما بذهب أو ورق فلم ينه عنه فمثلهما ما في معناهما من الأثمان المعلومة.
والماذيانات: بكسر الذال وفتحها معربة لا عربية، مسايل الماء الكبار سمي بذلك ما ينبت على الحافتين مجاز للمجاورة، وأجاز أحمد كراءها بجزء مما يزرع فيها لحديث المساقاة.
وقال: إنه أصح من حديث رافع لاضطراب ألفاظه وبأنه يرويه مرة عن عمومته ومرة بلا واسطة وردّ بأنه يمكن أنه سمعه من عمومته ومن المصطفى فكان يرويه بالوجهين.
وأما اختلاف ألفاظه فمن الرواة وليس فيها ما يتدافع بحيث لا يمكن الجمع وشرط الاضطراب أن يتعذر الجمع وقد جمع بينهما بما يطول ذكره.
وأخرجها البخاري ومسلم وغيرهما وحديث الباب رواه مسلم عن يحيى عن مالك به وتابعه الأوزاعي عن ربيعة وتابعه يحيى بن سعيد عن حنظلة في الصحيحين وغيرهما.

( مالك عن ابن شهاب أنه قال: سألت سعيد بن المسيب عن كراء الأرض بالذهب والورق فقال: لا بأس به) كما في حديث رافع لأنه إن كان مرفوعًا فهو نص في محل النزاع وإن كان موقوفًا فهو أعلم بما سمع لأنه روى حديث النهي عن كراء المزارع أشار إليه الباجي فقال: لم ينقل رافع لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أخبر عنه وهو الذي أخبر بجوازه بالذهب والورق.

( مالك عن ابن شهاب أنه سأل سالم بن عبد الله بن عمر عن كراء المزارع فقال: لا بأس بها بالذهب والورق قال ابن شهاب: فقلت له: أرأيت) أخبرني ( الحديث الذي يذكر عن رافع بن خديج) أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع كأنه فهمه على العموم حتى بالذهب والورق ( فقال) سالم ( أكثر رافع) أي أتى بكثير موهم لغير المراد وكأنه لم يبلغه إخبار رافع بجوازه بالذهب والورق ( ولو كانت لي مزرعة) أرض تزرع ( أكريتها) بالذهب والورق، وفي البخاري في المغازي عن جويرية عن مالك عن الزهري أن سالم بن عبد الله أخبره قال: أخبر رافع بن خديج عبد الله بن عمر أن عميه وكانا شهدا بدرًا أخبراه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع قلت لسالم: فتكريها قال: نعم إن رافعًا أكثر على نفسه.

وفي مسلم وأبي داود والنسائي من طريق ابن شهاب أخبرني سالم أن عبد الله كان يكري أرضه حتى بلغه أن رافع بن خديج نهي عن كراء الأرض فلقيه فقال: ما هذا؟ قال: سمعت عمي وكانا قد شهدا بدرًا يحدثان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض.
فقال عبد الله: قد كنت أعلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إن الأرض تكرى حتى خشي عبد الله أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد أحدث في ذلك شيئًا لم يكن علمه فترك كراء الأرض.
وفي الصحيحين عن نافع: أن ابن عمر كان يكري مزارعه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وصدرًا من إمارة معاوية، ثم حدث عن رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع فذهب إلى رافع فذهبت معه فسأله فقال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كراء المزارع فقال ابن عمر: قد علمت أنا كنا نكري مزارعنا بما على الأربعاء وبشيء من التبن.
والأربعاء: بالمد جمع ربيع، وهو النهر الصغير.
وحاصله أنه أنكر على رافع إطلاق النهي لأن المنهي عنه هو الكراء الفاسد الذي كانوا يكرونه بما ينبت على الأربعاء وبعض التبن وهو مجهول مع أنه مخابرة لا بالذهب والورق ونحوهما.
وترك ابن عمر الكراء تورعًا كما يدل على ذلك قوله حتى خشي إلخ.
وقد اختلف هل علة النهي لاشتراطهم ناحية منها؟ أو لاشتراطهم ما زرع على الجداول والسواقي؟ أو لأنهم كانوا يكرونها على الجزء أو بالطعام والأوسق من التمر؟ وهذا كله من الغرر والخطر أو لقطع الخصومة والنزاع كما جاء عن زيد بن ثابت أنه قال: يغفر الله لرافع بن خديج أنا والله كنت أعلم منه بالحديث إنما جاء رجلان من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اقتتلا فقال: إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع فسمع قوله: لا تكروا المزارع.
أخرجه الطحاوي فكان نهيه تأديب أو للرفق والمواساة كما قال ابن عباس في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عنه.
وفي الترمذي: لم يحرم المزارعة ولكن قال: أن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ شيئًا معلومًا.

( مالك أنه بلغه أن عبد الرحمن بن عوف تكارى أرضًا فلم تزل في يديه بكراء حتى مات قال ابنه) أبو سلمة أو حميد ( فما كنت أراها) بضم الهمزة أظنها ( إلا) مملوكة ( لنا من طول ما مكثت في يديه حتى ذكرها لنا عند موته فأمر بقضاء شيء كان عليه من كرائها ذهب أو ورق) بالشك من الراوي.

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يكري أرضه بالذهب والورق) والقصد بهذا وما قبله أن العمل على تخصيص حديث النهي.
( سئل مالك عن رجل أكرى مزرعته بمائة صاع من تمر أو مما يخرج منها من الحنطة أو من غير ما يخرج منها) وهو مما تنبته أو من الطعام كلبن وعسل ( فكره ذلك) كراهة منع حملاً لأحاديث المنع على ذلك إلا أنه استثنى ما يطول مقامه فيها.
قال ابن سحنون لأبيه: لم جاز كراؤها بالخشب والحطب والعود والصندل والجذوع وكل هذه الأشياء مما تنبته الأرض؟ فقال: هذه الأشياء مما يطول مكثها ووقتها فلذا سهل فيها.