فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا تَقَعُ فِيهِ الشُّفْعَةُ

رقم الحديث 1405 حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ عنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالشُّفْعَةِ، فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ بَيْنَهُمْ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا.
قَالَ مَالِكٌ: إِنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ سُئِلَ عَنِ الشُّفْعَةِ هَلْ فِيهَا مِنْ سُنَّةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمِ الشُّفْعَةُ فِي الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ، وَلَا تَكُونُ إِلَّا بَيْنَ الشُّرَكَاءِ.


( مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي ( وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري، قال ابن عبد البر: مرسل عن مالك لأكثر رواة الموطأ وغيرهم ووصله عنه عبد الملك بن الماجشون وأبو عاصم النبيل ويحيى بن أبي قتيلة وابن وهب بخلف عنه فقالوا عن أبي هريرة.
وذكر الطحاوي: أن قتيبة وصله أيضًا عن مالك فالله أعلم.
وكذا اختلف فيه رواة ابن شهاب فرواه ابن إسحاق عنه عن سعيد وحده عن أبي هريرة، ويونس عنه عن سعيد وحده مرسلاً.
ورواه معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر قال أحمد: رواية معمر حسنة.
وقال ابن معين: رواية مالك أحب إلي وأصح، يعني مرسلاً عن سعيد وأبي سلمة.
وأسند هذه الروايات كلها في التمهيد ثم قال: كان ابن شهاب أكثر الناس بحثًا عن هذا الشأن فربما اجتمع له في الحديث جماعة فحدث به مرة عنهم ومرة عن أحدهم بقدر نشاطه حين تحديثه، وربما أدخل حديث بعضهم في بعض كما صنع في حديث الإفك وغيره، وربما كسل فأرسل، وربما انشرح فوصل فلذا اختلف أصحابه عليه اختلافًا كثيرًا اهـ.
ومثله يقال في مالك ورواية معمر في الصحيحين.

( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة) بين الشركاء ( فيما) أي في كل مشترك مشاع قابل للقسمة ( لم يقسم) بالفعل ( بين الشركاء فإذا وقعت الحدود) جمع حد، وهو هنا ما تتميز به الأملاك بعد القسمة وأصل الحد المنع فتحديد الشيء يمنع خروج شيء منه، ويمنع دخوله فيه زاد في حديث جابر عند البخاري وصرفت الطرق: بضم الصاد المهملة وكسر الراء مخففة ومثقلة، أي بينت مصارفها وشوارعها ( بينهم) أي الشركاء ( فلا شفعة فيه) لأنه لا محل لها بعد تميز الحقوق بالقسمة فصارت غير مشاعة.
وهذا الحديث نص في ثبوت الشفعة في المشاع وصدره يشعر بثبوتها في المنقولات وسياقه يشعر باختصاصها بالعقار، وهو مشهور مذهب مالك والشافعي وأحمد لأنه أكثر الأنواع ضررًا والمراد العقار المحتمل للقسمة فما لا يحتملها لا شفعة فيه لأن بقسمه تبطل منفعته.
وعن مالك رواية بالشفعة احتمل القسمة أم لا؟ وللبيهقي عن ابن عباس مرفوعًا: الشفعة في كل شيء.
ورجاله ثقات لكن أعل بالإرسال إلا أن له شاهدًا من حديث جابر بإسناد لا بأس به وشذ عطاء فأخذ بظاهره فقال بالشفعة في كل شيء حتى الثوب.
ونقله بعض الشافعية عن مالك ورد بأنه لا يعرف عند أصحابه وحمله الجمهور على العقار لحديث الباب ونحوه وهو أصل في ثبوت الشفعة.

وأخرجه مسلم عن أبي الزبير عن جابر بلفظ: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شرك لم يقسم ربعة أو حائط، ولا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به والربعة: بفتح الراء، تأنيث الربع وهو المنزل والحائط والبستان.
وفيه أنه لا شفعة للجار لأنه حصر الشفعة فيما لا يقسم فما قسم لا شفعة فيه وقد صار جارًا.
وبه قال الجمهور وأثبتها أبو حنيفة والكوفيون للجار ولو اقتصر على قوله: فإذا وقعت الحدود لكان قويًا في الرد عليهم لكن ضم إليه قوله: وصرفت الطرق، فقال الجمهور: المراد بها التي كانت قبل القسم، وقال الحنفية: المراد صرف الطرق التي يشترك فيها الجار ويبقى النظر في أي التأويلين أظهر.
واحتجوا أيضًا بحديث الجار أحق بصقبه.
رواه البخاري وأبو داود والنسائي مرفوعًا ولا حجة فيه لاحتمال أن المراد أنه أحق بتحويزه وصلته وهو أولى إذ حمله على الشفعة يستلزم أن الجار أحق من الشريك ولا قائل به.
والصقب: بفتحتين وصاد أو سين أي بسبب قربه من غيره واحتجوا أيضًا بحديث أبي داود والترمذي مرفوعًا: جار الدار أحق بدار الجار.
وأجيب: بأنه لم يبين ما هو أحق هل بالشفعة أو غيرها من وجوه الرفق والمعروف فلا حجة فيه، ولاحتمال أن يريد بالجار الشريك والمخالط كما قال الأعشى يخاطب زوجته.

أجارتنا بيني فإنك طالق

فسماها جارة لأنها مخالطة وأقوى حججهم حديث أصحاب السنن عن جابر مرفوعًا: الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائبًا إذا كان طريقهما واحدًا فإنه بين بما يكون أحق ونبه على الاشتراك في الطريق لكنه حديث ضعيف كما قال أحمد وابن معين والبخاري والترمذي وابن عبد البر وغيرهم.
وبالجملة فأحاديث الشفعة ليس فيها ما يعارض حديث الباب لأنه ظاهر أو نص في نفي الشفعة للجار بخلاف تلك فيتطرق إليها الاحتمالات.
وزعم بعضهم أن قوله: فإذا وقعت الحدود إلخ مدرج لأن الأول كلام تام والثاني مستقل ولو كان الثاني مرفوعًا لقيل وقال وإذا وقعت إلخ وتعقب بأن الإدراج لا يثبت بالاحتمال العقلي والتشهي والأصل أن كل ما ذكر في الحديث فهو منه حتى يثبت الإدراج بدليل كمجيء رواية مبينة للقدر المدرج أو استحالة أن النبي صلى الله عليه وسلم يقوله وقد قوى حديثنا إجماع أهل المدينة عليه كما ( قال مالك وعلى ذلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا) وقال أحمد: إذا اختلفت الأحاديث فالحجة فيما عمل به أهل المدينة.

( مالك إنه بلغه أن سعيد بن المسيب سئل عن الشفعة هل فيها من سنة فقال: نعم الشفعة) ثابتة ( في الدور والأرضين ولا تكون إلا بين الشركاء) لا بالجوار بالسنة الصحيحة لأنه إذا لم تثبت الشفعة للشريك إذا قسم، وضرب الحدود فالجار الملاصق الذي لم يقسم ولا ضرب الحدود أبعد من ذلك.

( مالك أنه بلغه عن سليمان بن يسار مثل ذلك) الذي قاله ابن المسيب ( قال مالك: في رجل اشترى شقصًا) بكسر المعجمة وإسكان القاف وصاد مهملة، قطعة ( مع قوم في أرض بحيوان) متعلق باشترى ( عبد أو وليدة) أي أمة بدل من حيوان ( أو ما أشبه ذلك من العروض فجاء الشريك يأخذ بشفعته بعد ذلك فوجد العبد أو الوليدة قد هلكا ولم يعلم أحد قدر قيمتهما فيقول المشتري قيمة العبد أو الوليدة مائة دينار ويقول صاحب الشفعة الشريك بل قيمتهما خمسون دينارًا قال مالك: يحلف المشتري أن قيمة ما اشترى به مائة دينار ثم) بعد حلفه ( إن شاء أن يأخذ صاحب الشفعة) بما حلف عليه المشتري ( أخذ أو يترك إلا أن يأتي الشفيع ببينة أن قيمة العبد أو الوليدة دون ما قال المشتري) فيأخذه بما شهدت به البينة، وبهذا قال الجمهور والشافعي والكوفيون: لأن الشفيع طالب آخذ والمشتري مطلوب مأخوذ فوجب أن القول قوله بيمينه لأنه مدعى عليه، والشفيع مدع حيث لا بينة وإلا عمل بها قاله أبو عمر.

( ومن وهب شقصًا في دار أو أرض مشتركة فأثابه الموهوب له بها نقدًا أو عرضًا فإن الشركاء يأخذونها بالشفعة إن شاؤوا ويدفعون إلى الموهوب له قيمة مثوبته) أي ما أثاب به ( دنانير أو دراهم) وإن شاؤوا سلموا لأنه حق لهم ( ومن وهب هبة في دار أو أرض مشتركة فلم يثب) بضم أوله ( منها) أي بدلها ( ولم يطلبها فأراد شريكه أن يأخذها بقيمتها فليس ذلك له ما) أي مدة كونه ( لم يثب عليها فإن أثيب فهو للشفيع بقيمة الثواب) الذي حصل إن علم ببينة أو حلف كما فوقه ( وفي رجل اشترى شقصًا في أرض مشتركة بثمن إلى أجل فأراد الشريك أن يأخذها بالشفعة قال مالك: إن كان مليًا فله الشفعة بذلك الثمن إلى ذلك الأجل وإن كان مخوفًا أن لا يؤدي الثمن إلى ذلك الأجل) لأنه عديم ( فإن جاءهم بحميل) ضامن ( ملي) غني ( ثقة مثل الذي اشترى منه الشقص في الأرض المشتركة فذلك له) وإلا فلا شفعة ( ولا تقطع شفعة الغائب غيبته) بالرفع فاعل ( وإن طالت غيبته وليس لذلك عندنا حد تقطع) إذا انتهى ( إليه الشفعة) لعذره بالغيبة فحقه باق فأما إن كان حاضرًا فهل حقه باق مطلقًا حتى يصرح بالإسقاط، وهو قول لمالك.
قال الأبهري: وهو القياس لأنه حق ثبت له فلا يبطله سكوته أو لا شفعة له بعد سنة.
رواه أشهب عن مالك وبالغ فيه حتى قال: إذا غربت الشمس من آخر أيام السنة فلا شفعة لكن المعتمد مذهب المدونة أن ما قاربها له حكمها، وفيه أنه الشهر والشهران أو ثلاثة أشهر أو أربع خلاف.

( قال مالك في الرجل يورث الأرض نفرًا من ولده ثم يولد لأحد النفر) أولاد ( ثم يهلك الأب) الذي ولد ( فيبيع أحد ولد الميت حقه في تلك الأرض فإن أخا البائع) الذي هو ولد الميت ( أحق بشفعته من عمومته شركاء أبيه) لأنه شريك لأخيه دون عمومته ( وهذا الأمر عندنا) بالمدينة ( والشفعة بين الشركاء على قدر حصصهم يأخذ كل إنسان منهم بقدر نصيبه إن كان قليلاً فقليلاً وإن كان كثيرًا فبقدره وذلك إذا تشاحوا فيها) فإذا كانت دار بين ثلاثة لأحدهم النصف وآخر الثلث وآخر السدس، فباع صاحب النصف فإن لصاحب الثلث ثلثي النصف ولصاحب السدس ثلثه فيصير له ثلث الدار ولذلك ثلثاها، وهذا هو المشهور وقيل على عدد الرؤوس ( فأما أن يشتري رجل من رجل من شركائه حقه) نصيبه في المكان ( فيقول أحد الشركاء أنا آخذ من الشفعة بقدر حصتي ويقول المشتري: إن شئت أن تأخذ الشفعة كلها أسلمتها إليك وإن شئت أن تدع) تترك ( فدع فإن المشتري إذا خيره في هذا وأسلمه إليه فليس للشفيع إلا أن يأخذ الشفعة كلها أو يسلمها إليه فإن أخذها فهو أحق بها وإلا فلا شيء له) لتضرر المشتري بتبعيض ما اشترى.

( قال مالك في الرجل يشتري الأرض فيعمرها)بضم الميم ( بالأصل يضعه فيها أو البئر يحفرها)بكسر الفاء ( ثم يأتي رجل فيدرك فيها حقًا فيريد أن يأخذها بالشفعة إنه لا شفعة له فيها إلا أن يعطيه قيمة ما عمر فإن أعطاه قيمة ما عمر)قائمة ( كان أحق بشفعته وإلا فلا حق له فيها)بل للمشتري لأنه فعل بوجه جائز في ملك صحيح ( ومن باع حصته من أرض أو دار مشتركة فلما علم أن صاحب الشفعة يأخذ بالشفعة استقال المشتري)طلب منه الإقالة ( فأقاله قال: ليس ذلك له والشفيع أحق بها بالثمن الذي كان باعها به)إن شاء ( ومن اشترى شقصًا في دار أو أرض وحيوانًا وعروضًا في صفقة واحدة فطلب الشفيع شفعته في الأرض أو الدار)أو فيهما ( فقال المشتري: خذ ما اشتريت جميعًا فإني إنما اشتريته جميعًا) فليس له ذلك.

( قال مالك: بل يأخذ الشفيع شفعته في الأرض أو الدار) أو فيهما ( بحصتها من ذلك الثمن) وبيان ذلك أنه ( يقام) أي يقوم ( كل شيء اشتراه على حدته) بكسر الحاء، أي متميز عن غيره ( على الثمن الذي اشتراه به ثم يأخذ الشفيع شفعته بالذي يصيبها من القيمة من رأس الثمن ولا يأخذ من الحيوان والعروض شيئًا) إذ لا شفعة فيها ( إلا أن يشاء ذلك) فيأخذ لا بالشفعة إذ لا شفعة في حيوان وعرض، بل لأن المشتري أراد ذلك فإن لم يشأه لزم المشتري الحيوان والعروض.

( ومن باع شقصًا من أرض مشتركة فسلم بعض من له فيها الشفعة للبائع وأبى بعضهم إلا أن يأخذ بشفعته إن من أبى أن يسلم أخذ بالشفعة كلها وليس له أن يأخذ بقدر حقه ويترك ما بقي) لضرر المشتري بذلك ( وفي نفر شركاء في دار واحدة فباع أحدهم حصته وشركاؤه غيب) جمع غائب ( كلهم إلا رجلاً فعرض على الحاضر أن يأخذ بالشفعة أو يترك فقال: أنا آخذ بحصتي وأترك حصص شركائي حتى يقدموا فإن أخذوا فذلك وإن تركوا أخذت جميع الشفعة قال مالك: ليس له إلا أن يأخذ ذلك كله أو يترك فإن جاء شركاؤه أخذوا منه أو تركوا) إن شاؤوا ( فإذا عرض هذا) التخيير ( عليه) أي الرجل الحاضر ( فلم يقبله فلا أرى له شفعة) فإن قبله فله الشفعة.



رقم الحديث 1406 وحَدَّثَنِي مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: فِي رَجُلٍ اشْتَرَى شِقْصًا مَعَ قَوْمٍ فِي أَرْضٍ بِحَيَوَانٍ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْعُرُوضِ، فَجَاءَ الشَّرِيكُ يَأْخُذُ بِشُفْعَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَوَجَدَ الْعَبْدَ أَوِ الْوَلِيدَةَ قَدْ هَلَكَا، وَلَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ قَدْرَ قِيمَتِهِمَا، فَيَقُولُ الْمُشْتَرِي قِيمَةُ الْعَبْدِ أَوِ الْوَلِيدَةِ مِائَةُ دِينَارٍ، وَيَقُولُ صَاحِبُ الشُّفْعَةِ الشَّرِيكُ بَلْ قِيمَتُهُمَا خَمْسُونَ دِينَارًا، قَالَ مَالِكٌ: يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي أَنَّ قِيمَةَ مَا اشْتَرَى بِهِ مِائَةُ دِينَارٍ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ صَاحِبُ الشُّفْعَةِ، أَخَذَ أَوْ يَتْرُكَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ الشَّفِيعُ بِبَيِّنَةٍ، أَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ أَوِ الْوَلِيدَةِ دُونَ مَا قَالَ الْمُشْتَرِي قَالَ مَالِكٌ: مَنْ وَهَبَ شِقْصًا فِي دَارٍ، أَوْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ، فَأَثَابَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِهَا نَقْدًا أَوْ عَرْضًا، فَإِنَّ الشُّرَكَاءَ يَأْخُذُونَهَا بِالشُّفْعَةِ إِنْ شَاءُوا، وَيَدْفَعُونَ إِلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ قِيمَةَ مَثُوبَتِهِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ وَهَبَ هِبَةً فِي دَارٍ أَوْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ.
فَلَمْ يُثَبْ مِنْهَا، وَلَمْ يَطْلُبْهَا.
فَأَرَادَ شَرِيكُهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِقِيمَتِهَا، فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ.
مَا لَمْ يُثَبْ عَلَيْهَا، فَإِنْ أُثِيبَ، فَهُوَ لِلشَّفِيعِ بِقِيمَةِ الثَّوَابِ قَالَ مَالِكٌ: فِي رَجُلٍ اشْتَرَى شِقْصًا فِي أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ، بِثَمَنٍ إِلَى أَجَلٍ.
فَأَرَادَ الشَّرِيكُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ، قَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ مَلِيًّا، فَلَهُ الشُّفْعَةُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ إِلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ.
وَإِنْ كَانَ مَخُوفًا أَنْ لَا يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ إِلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ، فَإِذَا جَاءَهُمْ بِحَمِيلٍ مَلِيٍّ ثِقَةٍ مِثْلِ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ الشِّقْصَ فِي الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ، فَذَلِكَ لَهُ قَالَ مَالِكٌ: لَا تَقْطَعُ شُفْعَةَ الْغَائِبِ غَيْبَتُهُ، وَإِنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ.
وَلَيْسَ لِذَلِكَ عِنْدَنَا حَدٌّ تُقْطَعُ إِلَيْهِ الشُّفْعَةُ قَالَ مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ يُوَرِّثُ الْأَرْضَ نَفَرًا مِنْ وَلَدِهِ، ثُمَّ يُولَدُ لِأَحَدِ النَّفَرِ ثُمَّ يَهْلِكُ الْأَبُ، فَيَبِيعُ أَحَدُ وَلَدِ الْمَيِّتِ حَقَّهُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ، فَإِنَّ أَخَا الْبَائِعِ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ مِنْ عُمُومَتِهِ شُرَكَاءِ أَبِيهِ، قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ: الشُّفْعَةُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ، يَأْخُذُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ، إِنْ كَانَ قَلِيلًا فَقَلِيلًا، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَبِقَدْرِهِ، وَذَلِكَ إِنْ تَشَاحُّوا فِيهَا قَالَ مَالِكٌ: فَأَمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ مِنْ شُرَكَائِهِ حَقَّهُ، فَيَقُولُ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ: أَنَا آخُذُ مِنَ الشُّفْعَةِ بِقَدْرِ حِصَّتِي، وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي: إِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْخُذَ الشُّفْعَةَ كُلَّهَا أَسْلَمْتُهَا إِلَيْكَ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَدَعَ فَدَعْ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إِذَا خَيَّرَهُ فِي هَذَا، وَأَسْلَمَهُ إِلَيْهِ، فَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ إِلَّا أَنْ يَأْخُذَ الشُّفْعَةَ كُلَّهَا، أَوْ يُسْلِمَهَا إِلَيْهِ، فَإِنْ أَخَذَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ قَالَ مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْأَرْضَ فَيَعْمُرُهَا بِالْأَصْلِ يَضَعُهُ فِيهَا، أَوِ الْبِئْرِ يَحْفِرُهَا، ثُمَّ يَأْتِي رَجُلٌ فَيُدْرِكُ فِيهَا حَقًّا، فَيُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ، إِنَّهُ لَا شُفْعَةَ لَهُ فِيهَا، إِلَّا أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ مَا عَمَرَ، فَإِنْ أَعْطَاهُ قِيمَةَ مَا عَمَرَ كَانَ أَحَقَّ بِالشُّفْعَةِ، وَإِلَّا فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهَا قَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَاعَ حِصَّتَهُ مِنْ أَرْضٍ أَوْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ، فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَ الشُّفْعَةِ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ، اسْتَقَالَ الْمُشْتَرِيَ، فَأَقَالَهُ.
قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ.
وَالشَّفِيعُ أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي كَانَ بَاعَهَا بِهِ قَالَ مَالِكٌ: مَنِ اشْتَرَى شِقْصًا فِي دَارٍ أَوْ أَرْضٍ.
وَحَيَوَانًا وَعُرُوضًا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ.
فَطَلَبَ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ فِي الدَّارِ أَوِ الْأَرْضِ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: خُذْ مَا اشْتَرَيْتُ جَمِيعًا.
فَإِنِّي إِنَّمَا اشْتَرَيْتُهُ جَمِيعًا قَالَ مَالِكٌ: بَلْ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ فِي الدَّارِ أَوِ الْأَرْضِ.
بِحِصَّتِهَا مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ يُقَامُ كُلُّ شَيْءٍ اشْتَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى حِدَتِهِ.
عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ.
ثُمَّ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ بِالَّذِي يُصِيبُهَا مِنَ الْقِيمَةِ مِنْ رَأْسِ الثَّمَنِ.
وَلَا يَأْخُذُ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ شَيْئًا.
إِلَّا أَنْ يَشَاءَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ بَاعَ شِقْصًا مِنْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ، فَسَلَّمَ بَعْضُ مَنْ لَهُ فِيهَا الشُّفْعَةُ لِلْبَائِعِ.
وَأَبَى بَعْضُهُمْ إِلَّا أَنْ يَأْخُذَ بِشُفْعَتِهِ: إِنَّ مَنْ أَبَى أَنْ يُسَلِّمَ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ كُلِّهَا.
وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ حَقِّهِ وَيَتْرُكَ مَا بَقِيَ قَالَ مَالِكٌ: فِي نَفَرٍ شُرَكَاءَ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ، فَبَاعَ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ، وَشُرَكَاؤُهُ غُيَّبٌ كُلُّهُمْ إِلَّا رَجُلًا، فَعُرِضَ عَلَى الْحَاضِرِ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ أَوْ يَتْرُكَ، فَقَالَ: أَنَا آخُذُ بِحِصَّتِي وَأَتْرُكُ حِصَصَ شُرَكَائِي حَتَّى يَقْدَمُوا، فَإِنْ أَخَذُوا فَذَلِكَ، وَإِنْ تَرَكُوا أَخَذْتُ جَمِيعَ الشُّفْعَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ كُلَّهُ أَوْ يَتْرُكَ، فَإِنْ جَاءَ شُرَكَاؤُهُ، أَخَذُوا مِنْهُ أَوْ تَرَكُوا إِنْ شَاءُوا، فَإِذَا عُرِضَ هَذَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ، فَلَا أَرَى لَهُ شُفْعَةً.


( مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي ( وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري، قال ابن عبد البر: مرسل عن مالك لأكثر رواة الموطأ وغيرهم ووصله عنه عبد الملك بن الماجشون وأبو عاصم النبيل ويحيى بن أبي قتيلة وابن وهب بخلف عنه فقالوا عن أبي هريرة.
وذكر الطحاوي: أن قتيبة وصله أيضًا عن مالك فالله أعلم.
وكذا اختلف فيه رواة ابن شهاب فرواه ابن إسحاق عنه عن سعيد وحده عن أبي هريرة، ويونس عنه عن سعيد وحده مرسلاً.
ورواه معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر قال أحمد: رواية معمر حسنة.
وقال ابن معين: رواية مالك أحب إلي وأصح، يعني مرسلاً عن سعيد وأبي سلمة.
وأسند هذه الروايات كلها في التمهيد ثم قال: كان ابن شهاب أكثر الناس بحثًا عن هذا الشأن فربما اجتمع له في الحديث جماعة فحدث به مرة عنهم ومرة عن أحدهم بقدر نشاطه حين تحديثه، وربما أدخل حديث بعضهم في بعض كما صنع في حديث الإفك وغيره، وربما كسل فأرسل، وربما انشرح فوصل فلذا اختلف أصحابه عليه اختلافًا كثيرًا اهـ.
ومثله يقال في مالك ورواية معمر في الصحيحين.

( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة) بين الشركاء ( فيما) أي في كل مشترك مشاع قابل للقسمة ( لم يقسم) بالفعل ( بين الشركاء فإذا وقعت الحدود) جمع حد، وهو هنا ما تتميز به الأملاك بعد القسمة وأصل الحد المنع فتحديد الشيء يمنع خروج شيء منه، ويمنع دخوله فيه زاد في حديث جابر عند البخاري وصرفت الطرق: بضم الصاد المهملة وكسر الراء مخففة ومثقلة، أي بينت مصارفها وشوارعها ( بينهم) أي الشركاء ( فلا شفعة فيه) لأنه لا محل لها بعد تميز الحقوق بالقسمة فصارت غير مشاعة.
وهذا الحديث نص في ثبوت الشفعة في المشاع وصدره يشعر بثبوتها في المنقولات وسياقه يشعر باختصاصها بالعقار، وهو مشهور مذهب مالك والشافعي وأحمد لأنه أكثر الأنواع ضررًا والمراد العقار المحتمل للقسمة فما لا يحتملها لا شفعة فيه لأن بقسمه تبطل منفعته.
وعن مالك رواية بالشفعة احتمل القسمة أم لا؟ وللبيهقي عن ابن عباس مرفوعًا: الشفعة في كل شيء.
ورجاله ثقات لكن أعل بالإرسال إلا أن له شاهدًا من حديث جابر بإسناد لا بأس به وشذ عطاء فأخذ بظاهره فقال بالشفعة في كل شيء حتى الثوب.
ونقله بعض الشافعية عن مالك ورد بأنه لا يعرف عند أصحابه وحمله الجمهور على العقار لحديث الباب ونحوه وهو أصل في ثبوت الشفعة.

وأخرجه مسلم عن أبي الزبير عن جابر بلفظ: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شرك لم يقسم ربعة أو حائط، ولا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به والربعة: بفتح الراء، تأنيث الربع وهو المنزل والحائط والبستان.
وفيه أنه لا شفعة للجار لأنه حصر الشفعة فيما لا يقسم فما قسم لا شفعة فيه وقد صار جارًا.
وبه قال الجمهور وأثبتها أبو حنيفة والكوفيون للجار ولو اقتصر على قوله: فإذا وقعت الحدود لكان قويًا في الرد عليهم لكن ضم إليه قوله: وصرفت الطرق، فقال الجمهور: المراد بها التي كانت قبل القسم، وقال الحنفية: المراد صرف الطرق التي يشترك فيها الجار ويبقى النظر في أي التأويلين أظهر.
واحتجوا أيضًا بحديث الجار أحق بصقبه.
رواه البخاري وأبو داود والنسائي مرفوعًا ولا حجة فيه لاحتمال أن المراد أنه أحق بتحويزه وصلته وهو أولى إذ حمله على الشفعة يستلزم أن الجار أحق من الشريك ولا قائل به.
والصقب: بفتحتين وصاد أو سين أي بسبب قربه من غيره واحتجوا أيضًا بحديث أبي داود والترمذي مرفوعًا: جار الدار أحق بدار الجار.
وأجيب: بأنه لم يبين ما هو أحق هل بالشفعة أو غيرها من وجوه الرفق والمعروف فلا حجة فيه، ولاحتمال أن يريد بالجار الشريك والمخالط كما قال الأعشى يخاطب زوجته.

أجارتنا بيني فإنك طالق

فسماها جارة لأنها مخالطة وأقوى حججهم حديث أصحاب السنن عن جابر مرفوعًا: الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائبًا إذا كان طريقهما واحدًا فإنه بين بما يكون أحق ونبه على الاشتراك في الطريق لكنه حديث ضعيف كما قال أحمد وابن معين والبخاري والترمذي وابن عبد البر وغيرهم.
وبالجملة فأحاديث الشفعة ليس فيها ما يعارض حديث الباب لأنه ظاهر أو نص في نفي الشفعة للجار بخلاف تلك فيتطرق إليها الاحتمالات.
وزعم بعضهم أن قوله: فإذا وقعت الحدود إلخ مدرج لأن الأول كلام تام والثاني مستقل ولو كان الثاني مرفوعًا لقيل وقال وإذا وقعت إلخ وتعقب بأن الإدراج لا يثبت بالاحتمال العقلي والتشهي والأصل أن كل ما ذكر في الحديث فهو منه حتى يثبت الإدراج بدليل كمجيء رواية مبينة للقدر المدرج أو استحالة أن النبي صلى الله عليه وسلم يقوله وقد قوى حديثنا إجماع أهل المدينة عليه كما ( قال مالك وعلى ذلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا) وقال أحمد: إذا اختلفت الأحاديث فالحجة فيما عمل به أهل المدينة.

( مالك إنه بلغه أن سعيد بن المسيب سئل عن الشفعة هل فيها من سنة فقال: نعم الشفعة) ثابتة ( في الدور والأرضين ولا تكون إلا بين الشركاء) لا بالجوار بالسنة الصحيحة لأنه إذا لم تثبت الشفعة للشريك إذا قسم، وضرب الحدود فالجار الملاصق الذي لم يقسم ولا ضرب الحدود أبعد من ذلك.

( مالك أنه بلغه عن سليمان بن يسار مثل ذلك) الذي قاله ابن المسيب ( قال مالك: في رجل اشترى شقصًا) بكسر المعجمة وإسكان القاف وصاد مهملة، قطعة ( مع قوم في أرض بحيوان) متعلق باشترى ( عبد أو وليدة) أي أمة بدل من حيوان ( أو ما أشبه ذلك من العروض فجاء الشريك يأخذ بشفعته بعد ذلك فوجد العبد أو الوليدة قد هلكا ولم يعلم أحد قدر قيمتهما فيقول المشتري قيمة العبد أو الوليدة مائة دينار ويقول صاحب الشفعة الشريك بل قيمتهما خمسون دينارًا قال مالك: يحلف المشتري أن قيمة ما اشترى به مائة دينار ثم) بعد حلفه ( إن شاء أن يأخذ صاحب الشفعة) بما حلف عليه المشتري ( أخذ أو يترك إلا أن يأتي الشفيع ببينة أن قيمة العبد أو الوليدة دون ما قال المشتري) فيأخذه بما شهدت به البينة، وبهذا قال الجمهور والشافعي والكوفيون: لأن الشفيع طالب آخذ والمشتري مطلوب مأخوذ فوجب أن القول قوله بيمينه لأنه مدعى عليه، والشفيع مدع حيث لا بينة وإلا عمل بها قاله أبو عمر.

( ومن وهب شقصًا في دار أو أرض مشتركة فأثابه الموهوب له بها نقدًا أو عرضًا فإن الشركاء يأخذونها بالشفعة إن شاؤوا ويدفعون إلى الموهوب له قيمة مثوبته) أي ما أثاب به ( دنانير أو دراهم) وإن شاؤوا سلموا لأنه حق لهم ( ومن وهب هبة في دار أو أرض مشتركة فلم يثب) بضم أوله ( منها) أي بدلها ( ولم يطلبها فأراد شريكه أن يأخذها بقيمتها فليس ذلك له ما) أي مدة كونه ( لم يثب عليها فإن أثيب فهو للشفيع بقيمة الثواب) الذي حصل إن علم ببينة أو حلف كما فوقه ( وفي رجل اشترى شقصًا في أرض مشتركة بثمن إلى أجل فأراد الشريك أن يأخذها بالشفعة قال مالك: إن كان مليًا فله الشفعة بذلك الثمن إلى ذلك الأجل وإن كان مخوفًا أن لا يؤدي الثمن إلى ذلك الأجل) لأنه عديم ( فإن جاءهم بحميل) ضامن ( ملي) غني ( ثقة مثل الذي اشترى منه الشقص في الأرض المشتركة فذلك له) وإلا فلا شفعة ( ولا تقطع شفعة الغائب غيبته) بالرفع فاعل ( وإن طالت غيبته وليس لذلك عندنا حد تقطع) إذا انتهى ( إليه الشفعة) لعذره بالغيبة فحقه باق فأما إن كان حاضرًا فهل حقه باق مطلقًا حتى يصرح بالإسقاط، وهو قول لمالك.
قال الأبهري: وهو القياس لأنه حق ثبت له فلا يبطله سكوته أو لا شفعة له بعد سنة.
رواه أشهب عن مالك وبالغ فيه حتى قال: إذا غربت الشمس من آخر أيام السنة فلا شفعة لكن المعتمد مذهب المدونة أن ما قاربها له حكمها، وفيه أنه الشهر والشهران أو ثلاثة أشهر أو أربع خلاف.

( قال مالك في الرجل يورث الأرض نفرًا من ولده ثم يولد لأحد النفر) أولاد ( ثم يهلك الأب) الذي ولد ( فيبيع أحد ولد الميت حقه في تلك الأرض فإن أخا البائع) الذي هو ولد الميت ( أحق بشفعته من عمومته شركاء أبيه) لأنه شريك لأخيه دون عمومته ( وهذا الأمر عندنا) بالمدينة ( والشفعة بين الشركاء على قدر حصصهم يأخذ كل إنسان منهم بقدر نصيبه إن كان قليلاً فقليلاً وإن كان كثيرًا فبقدره وذلك إذا تشاحوا فيها) فإذا كانت دار بين ثلاثة لأحدهم النصف وآخر الثلث وآخر السدس، فباع صاحب النصف فإن لصاحب الثلث ثلثي النصف ولصاحب السدس ثلثه فيصير له ثلث الدار ولذلك ثلثاها، وهذا هو المشهور وقيل على عدد الرؤوس ( فأما أن يشتري رجل من رجل من شركائه حقه) نصيبه في المكان ( فيقول أحد الشركاء أنا آخذ من الشفعة بقدر حصتي ويقول المشتري: إن شئت أن تأخذ الشفعة كلها أسلمتها إليك وإن شئت أن تدع) تترك ( فدع فإن المشتري إذا خيره في هذا وأسلمه إليه فليس للشفيع إلا أن يأخذ الشفعة كلها أو يسلمها إليه فإن أخذها فهو أحق بها وإلا فلا شيء له) لتضرر المشتري بتبعيض ما اشترى.

( قال مالك في الرجل يشتري الأرض فيعمرها)بضم الميم ( بالأصل يضعه فيها أو البئر يحفرها)بكسر الفاء ( ثم يأتي رجل فيدرك فيها حقًا فيريد أن يأخذها بالشفعة إنه لا شفعة له فيها إلا أن يعطيه قيمة ما عمر فإن أعطاه قيمة ما عمر)قائمة ( كان أحق بشفعته وإلا فلا حق له فيها)بل للمشتري لأنه فعل بوجه جائز في ملك صحيح ( ومن باع حصته من أرض أو دار مشتركة فلما علم أن صاحب الشفعة يأخذ بالشفعة استقال المشتري)طلب منه الإقالة ( فأقاله قال: ليس ذلك له والشفيع أحق بها بالثمن الذي كان باعها به)إن شاء ( ومن اشترى شقصًا في دار أو أرض وحيوانًا وعروضًا في صفقة واحدة فطلب الشفيع شفعته في الأرض أو الدار)أو فيهما ( فقال المشتري: خذ ما اشتريت جميعًا فإني إنما اشتريته جميعًا) فليس له ذلك.

( قال مالك: بل يأخذ الشفيع شفعته في الأرض أو الدار) أو فيهما ( بحصتها من ذلك الثمن) وبيان ذلك أنه ( يقام) أي يقوم ( كل شيء اشتراه على حدته) بكسر الحاء، أي متميز عن غيره ( على الثمن الذي اشتراه به ثم يأخذ الشفيع شفعته بالذي يصيبها من القيمة من رأس الثمن ولا يأخذ من الحيوان والعروض شيئًا) إذ لا شفعة فيها ( إلا أن يشاء ذلك) فيأخذ لا بالشفعة إذ لا شفعة في حيوان وعرض، بل لأن المشتري أراد ذلك فإن لم يشأه لزم المشتري الحيوان والعروض.

( ومن باع شقصًا من أرض مشتركة فسلم بعض من له فيها الشفعة للبائع وأبى بعضهم إلا أن يأخذ بشفعته إن من أبى أن يسلم أخذ بالشفعة كلها وليس له أن يأخذ بقدر حقه ويترك ما بقي) لضرر المشتري بذلك ( وفي نفر شركاء في دار واحدة فباع أحدهم حصته وشركاؤه غيب) جمع غائب ( كلهم إلا رجلاً فعرض على الحاضر أن يأخذ بالشفعة أو يترك فقال: أنا آخذ بحصتي وأترك حصص شركائي حتى يقدموا فإن أخذوا فذلك وإن تركوا أخذت جميع الشفعة قال مالك: ليس له إلا أن يأخذ ذلك كله أو يترك فإن جاء شركاؤه أخذوا منه أو تركوا) إن شاؤوا ( فإذا عرض هذا) التخيير ( عليه) أي الرجل الحاضر ( فلم يقبله فلا أرى له شفعة) فإن قبله فله الشفعة.