فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي الشَّهَادَاتِ

رقم الحديث 1410 قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْقَوْمِ يَشْتَرُونَ السِّلْعَةَ الْبَزَّ، أَوِ الرَّقِيقَ.
فَيَسْمَعُ بِهِ الرَّجُلُ فَيَقُولُ لِرَجُلٍ مِنْهُمُ الْبَزُّ الَّذِي اشْتَرَيْتَ مِنْ فُلَانٍ، قَدْ بَلَغَتْنِي صِفَتُهُ وَأَمْرُهُ، فَهَلْ لَكَ أَنْ أُرْبِحَكَ فِي نَصِيبِكَ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: نَعَمْ فَيُرْبِحُهُ، وَيَكُونُ شَرِيكًا لِلْقَوْمِ مَكَانَهُ، فَإِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ رَآهُ قَبِيحًا وَاسْتَغْلَاهُ، قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ، وَلَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ، إِذَا كَانَ ابْتَاعَهُ عَلَى بَرْنَامَجٍ وَصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ قَالَ مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ يَقْدَمُ لَهُ أَصْنَافٌ مِنَ الْبَزِّ، وَيَحْضُرُهُ السُّوَّامُ، وَيَقْرَأُ عَلَيْهِمْ بَرْنَامَجَهُ، وَيَقُولُ: فِي كُلِّ عِدْلٍ كَذَا وَكَذَا مِلْحَفَةً بَصْرِيَّةً، وَكَذَا وَكَذَا رَيْطَةً سَابِرِيَّةً ذَرْعُهَا كَذَا وَكَذَا، وَيُسَمِّي لَهُمْ أَصْنَافًا مِنَ الْبَزِّ بِأَجْنَاسِهِ، وَيَقُولُ: اشْتَرُوا مِنِّي عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، فَيَشْتَرُونَ الْأَعْدَالَ عَلَى مَا وَصَفَ لَهُمْ ثُمَّ يَفْتَحُونَهَا فَيَسْتَغْلُونَهَا وَيَنْدَمُونَ، قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُمْ إِذَا كَانَ مُوَافِقًا لِلْبَرْنَامَجِ الَّذِي بَاعَهُمْ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ النَّاسُ عِنْدَنَا يُجِيزُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِذَا كَانَ الْمَتَاعُ مُوَافِقًا لِلْبَرْنَامَجِ وَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لَهُ.



( البيع على البرنامج)

( قال مالك الأمر عندنا في القوم يشترون السلعة البز أو الرقيق فيسمع به الرجل فيقول لرجل منهم البز الذي اشتريت من فلان قد بلغتني صفته وأمره فهل لك أن أربحك في نصيبك كذا وكذا) لشيء يسميه ( فيقول: نعم فيربحه ويكون شريكًا للقوم) بحصة من باع منهم ( مكانه) أي بنفس العقد قبل فتح المتاع قاله الباجي ( فإذا نظروا إليه رأوه قبيحًا واستغلوه) وفي نسخة بإفراد نظر ورأي واستغلى وهي أنسب ( قال مالك ذلك لازم له ولا خيار له فيه إذا كان ابتاعه على برنامج وصفة معلومة) يذكرها ولو اقتصر على قوله: بلغتني صفته وأمره لم يصح لأن للمبتاع أن يدعي من الصفة ما شاء ولم يقع بينهما بيع على صفة معينة فلم يجز ذلك ففيه اختصار قاله الباجي.
والاختصار إنما وقع فيما هو صورة سؤال وإلا فالإمام قيد اللزوم ونفى الخيار بقوله: إذا كان ابتاعه إلخ وهو حاصل معنى ما بسطه الباجي.

( قال مالك في الرجل يقدم له) بفتح الدال ( أصناف من البز ويحضره السوام) جمع سائم ( ويقرأ عليهم برنامجه ويقول في كل عدل كذا وكذا ملحفة) بكسر فسكون، ملاءة يلتحف بها ( بصرية) بفتح الباء وكسرها نسبة إلى البصرة البلد المعروف ( وكذا وكذا ريطة) بفتح الراء وإسكان التحتية وفتح الطاء المهملة، كل ملاءة ليست لفقتين أي قطعتين، والجمع رياط مثل كلبة وكلاب، وريط أيضًا مثل تمرة وتمر وقد يسمى كل ثوب رقيق ريطة ( سابرية) بمهملة فألف فموحدة مفتوحة، نوع رقيق من الثياب قيل: إنه نسبة إلى سابور كورة من كور فارس ( ذرعها) قياسها ( كذا وكذا ويسمي لهم أصنافًا من البز بأجناسه ويقول: اشتروا مني على هذه الصفة) على وجه المرابحة ( فيشترون الأعدال على ما وصف لهم ثم يفتحونها فيستغلونها) يستكثرون ثمنها ( ويندمون قال مالك: ذلك لازم لهم إذا كان موافقًا للبرنامج الذي باعهم عليه) قال الباجي: يريد وقد اشتروا منه على وجه المرابحة فأما على غير وجهها ففي العتبية عن ابن القاسم عن مالك: لا أحب ذلك وهذا يدخله الخديعة ( وهذا الأمر الذي لم يزل عليه الناس عندنا يجيزونه بينهم إذا كان المتاع موافقًا للبرنامج ولم يكن مخالفًا له) قال أبو عمر: بيع البرنامج من بيوع المرابحة وهو بيع المشاع على الصفة العشرة أحد عشر ونحو ذلك أجازه مالك وأكثر أهل المدينة لفعل الصحابة وكرهه آخرون لأن الصفة إنما تكون في المضمون وهو السلم.



رقم الحديث 1410 حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ.
الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا، أَوْ يُخْبِرُ بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا.


( مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو) بفتح العين ( بن حزم) بمهملة وزاي ساكنة الأنصاري ( عن أبيه) أبي بكر اسمه وكنيته واحد، وقيل كنيته أبو محمد ثقة عابد ( عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ( بن عثمان) الأموي يلقب المطراف: بسكون الطاء المهملة وفتح الراء، ثقة شريف تابعي مات بمصر سنة ست وتسعين ( عن أبي عمرة الأنصاري) قال أبو عمر هكذا رواه يحيى وابن القاسم وأبو مصعب ومصعب الزبيري، وقال القعنبي ومعن بن عيسى ويحيى بن بكير عن ابن أبي عمرة، وكذا قال ابن وهب وعبد الرزاق عن مالك وسمياه فقالا عن عبد الرحمن بن أبي عمرة فرفعا الإشكال، وهو الصواب وعبد الرحمن هذا من خيار التابعين اهـ.
وما صوبه رواية الأكثر عن مالك كما في الإصابة وليس اسم أبي عمرة عبد الرحمن كما زعم بعض إنما هو اسم ابنه وأما أبوه فقيل اسمه بشير، وقيل بشر، وقيل عمرو، وقيل ثعلبة صحابي شهد بدرًا وغيرها كما بسطه في الإصابة فعلى رواية الأكثر يكون في الإسناد أربعة تابعيون وعلى رواية الأقل فإنما فيه ثلاثة تابعيون وصحابي عن صحابي وهما أبو عمرة ( عن زيد بن خالد الجهني) بضم الجيم وفتح الهاء المدني الصحابي المشهور، مات بالكوفة سنة ثمان وستين أو سبعين وله خمس وثمانون سنة.

( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا) بفتح الهمزة وخفة اللام، حرف افتتاح معناه التنبيه فيدل على تحقيق ما بعده وتوكيده، قال الطيبي: صدر الجملة بالكلمة التي هي من طلائع القسم إيذانًا بعظم المحدث به ( أخبركم بخير الشهداء) جمع شهيد قالوا: أخبرنا قال ( الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها) بالبناء للمجهول ( أو يخبر بشهادته قبل أن يسألها) شك الراوي أو ليس بشك وإنما هو تنويع أي يأتي الحاكم بشهادته قبل أن يسألها في محض حق الله المستدام تحريمه كطلاق وعتق ووقف أو يخبر بها رجلاً لا يعلمها وهذا يومئ إليه كلام الباجي.
وقال ابن عبد البر: قال ابن وهب قال مالك: تفسير هذا الحديث أن الرجل يكون عنده شهادة في الحق لرجل لا يعلمها فيخبره بشهادته ويرفعها إلى السلطان.
زاد يحيى بن سعيد إذا علم أنه ينتفع بها الذي له الشهادة وهذا لأن الرجل ربما نسي شاهده فظل مغمومًا لا يدري من هو، فإذا أخبره الشاهد بذلك فرج كربه، وفي الحديث: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب الآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ولا يعارض هذا حديث: خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم يعطون الشهادة قبل أن يسئلوها، لأن النخعي قال: معنى الشهادة هنا اليمين أي يحلف قبل أن يستحلف واليمين قد تسمى شهادة قال تعالى: { { فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ } } اهـ.

وقال النووي في معنى الحديث تأويلان أصحهما حمله على من عنده شهادة لإنسان بحق ولا يعلم ذلك الإنسان أنه شاهد فيأتي إليه فيخبره بأنه شاهد له وجوبًا لأنها أمانة عنده.
والثاني حمله على شهادة الحسبة في غير حقوق الآدميين المختصة بهم فمن علم شيئًا من هذا النوع وجب عليه رفعه إلى القاضي وإعلامه به والشهادة.
وحكى ثالث أنه مجاز ومبالغة في أداء الشهادة بعد طلبها لا قبله كما يقال الجواد يعطي قبل السؤال أي يعطي سريعًا عقب السؤال بلا توقف.
قال العلماء وليس في هذا الحديث مناقضة للحديث الآخر في ذمّ من يأتي بالشهادة قبل أن يستشهد في قوله صلى الله عليه وسلم يشهدون ولا يستشهدون لحمله على من معه شهادة لآدمي عالم بها فيشهد ولا يستشهد أو على من ينتصب شاهدًا وليس من أهل الشهادة أو على من يشهد لقوم بالجنة أو النار من غير توقيف، وهذا ضعيف والأصح الأول اهـ.
ووجه ضعفه أن الذم ورد في الشهادة بدون استشهاد والشهادة على المغيب مذمومة مطلقًا هبها باستشهاد أو دونه.

والحديث رواه مسلم عن يحيى عن مالك به وأبو داود والترمذي والنسائي من طريق مالك به.

( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) فروخ المدني منقطع، وقد رواه المسعودي عبد الرحمن بن عبد الله، وهو ثقة عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود المسعودي، وهو ثقة عابد روى له البخاري والأربعة ( قال قدم على عمر بن الخطاب رجل من أهل العراق) لم يسم ( فقال لقد جئتك لأمر ما له رأس ولا ذنب) قال الباجي: أي ليس له أول ولا آخر والعرب تقول هذا جيش لا أول له ولا آخر يريدون لكثرته وقد تقول ذلك في الأمر المبهم لا يعرف وجهه ولا يهتدى لإصلاحه ( فقال عمر بن الخطاب ما هو) الأمر ( فقال شهادات الزور ظهرت بأرضنا) العراق ( فقال عمر أوقد كان ذلك) يدل على أنه لم يتقدم علمه به لأن جميع الصحابة عدول بتعديل الله إياهم بقوله { { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } } وقوله { { مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ } } الآية ( قال نعم فقال عمر والله لا يؤسر رجل في الإسلام بغير العدول) أي لا يحبس والأسر الحبس أو لا يملك ملك الأسير لإقامة الحقوق عليه إلا بالصحابة الذين جميعهم عدول وبالعدول من غيرهم فمن لم يكن صحابيًا ولم تعرف عدالته لم تقبل شهادته حتى تعرف عدالته من فسقه اهـ.
وقال أبو عمر: هذا يدل على أن عمر رجع عما كتب به إلى أبي موسى وغيره من عماله المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا خصمًا أو ظنينا متهمًا.
أخرجه البزار وغيره عن عمر من وجوه كثيرة.

( مالك أنه بلغه) أخرجه البزار وقاسم بن ثابت وغيرهما من طرق كثيرة من رواية الحجازيين والعراقيين والشاميين والمصريين ( أن عمر بن الخطاب) رضي الله عنه ( قال لا تجوز شهادة خصم) في أمر جسيم مثله يورث العداوة على خصمه في ذلك الأمر، وفي غيره فإن خاصم في يسير كثوب قليل الثمن وما لا يوجب عداوة جازت شهادته عليه في غير ما خاصمه فيه قاله ابن كنانة.
وقال يحيى بن سعيد وابن وهب: الخصم هنا الوكيل على خصومته لا تقبل شهادته فيما يخاصم فيه والوجهان محتملان قاله الباجي ولا ظنين بالظاء المعجمة أي متهم.



رقم الحديث 1411 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَقَالَ: لَقَدْ جِئْتُكَ لِأَمْرٍ، مَا لَهُ رَأْسٌ، وَلَا ذَنَبٌ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا هُوَ؟ قَالَ: شَهَادَاتُ الزُّورِ ظَهَرَتْ بِأَرْضِنَا، فَقَالَ عُمَرُ: أَوَقَدْ كَانَ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لَا يُؤْسَرُ رَجُلٌ فِي الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ الْعُدُولِ.


( مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو) بفتح العين ( بن حزم) بمهملة وزاي ساكنة الأنصاري ( عن أبيه) أبي بكر اسمه وكنيته واحد، وقيل كنيته أبو محمد ثقة عابد ( عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ( بن عثمان) الأموي يلقب المطراف: بسكون الطاء المهملة وفتح الراء، ثقة شريف تابعي مات بمصر سنة ست وتسعين ( عن أبي عمرة الأنصاري) قال أبو عمر هكذا رواه يحيى وابن القاسم وأبو مصعب ومصعب الزبيري، وقال القعنبي ومعن بن عيسى ويحيى بن بكير عن ابن أبي عمرة، وكذا قال ابن وهب وعبد الرزاق عن مالك وسمياه فقالا عن عبد الرحمن بن أبي عمرة فرفعا الإشكال، وهو الصواب وعبد الرحمن هذا من خيار التابعين اهـ.
وما صوبه رواية الأكثر عن مالك كما في الإصابة وليس اسم أبي عمرة عبد الرحمن كما زعم بعض إنما هو اسم ابنه وأما أبوه فقيل اسمه بشير، وقيل بشر، وقيل عمرو، وقيل ثعلبة صحابي شهد بدرًا وغيرها كما بسطه في الإصابة فعلى رواية الأكثر يكون في الإسناد أربعة تابعيون وعلى رواية الأقل فإنما فيه ثلاثة تابعيون وصحابي عن صحابي وهما أبو عمرة ( عن زيد بن خالد الجهني) بضم الجيم وفتح الهاء المدني الصحابي المشهور، مات بالكوفة سنة ثمان وستين أو سبعين وله خمس وثمانون سنة.

( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا) بفتح الهمزة وخفة اللام، حرف افتتاح معناه التنبيه فيدل على تحقيق ما بعده وتوكيده، قال الطيبي: صدر الجملة بالكلمة التي هي من طلائع القسم إيذانًا بعظم المحدث به ( أخبركم بخير الشهداء) جمع شهيد قالوا: أخبرنا قال ( الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها) بالبناء للمجهول ( أو يخبر بشهادته قبل أن يسألها) شك الراوي أو ليس بشك وإنما هو تنويع أي يأتي الحاكم بشهادته قبل أن يسألها في محض حق الله المستدام تحريمه كطلاق وعتق ووقف أو يخبر بها رجلاً لا يعلمها وهذا يومئ إليه كلام الباجي.
وقال ابن عبد البر: قال ابن وهب قال مالك: تفسير هذا الحديث أن الرجل يكون عنده شهادة في الحق لرجل لا يعلمها فيخبره بشهادته ويرفعها إلى السلطان.
زاد يحيى بن سعيد إذا علم أنه ينتفع بها الذي له الشهادة وهذا لأن الرجل ربما نسي شاهده فظل مغمومًا لا يدري من هو، فإذا أخبره الشاهد بذلك فرج كربه، وفي الحديث: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب الآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ولا يعارض هذا حديث: خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم يعطون الشهادة قبل أن يسئلوها، لأن النخعي قال: معنى الشهادة هنا اليمين أي يحلف قبل أن يستحلف واليمين قد تسمى شهادة قال تعالى: { { فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ } } اهـ.

وقال النووي في معنى الحديث تأويلان أصحهما حمله على من عنده شهادة لإنسان بحق ولا يعلم ذلك الإنسان أنه شاهد فيأتي إليه فيخبره بأنه شاهد له وجوبًا لأنها أمانة عنده.
والثاني حمله على شهادة الحسبة في غير حقوق الآدميين المختصة بهم فمن علم شيئًا من هذا النوع وجب عليه رفعه إلى القاضي وإعلامه به والشهادة.
وحكى ثالث أنه مجاز ومبالغة في أداء الشهادة بعد طلبها لا قبله كما يقال الجواد يعطي قبل السؤال أي يعطي سريعًا عقب السؤال بلا توقف.
قال العلماء وليس في هذا الحديث مناقضة للحديث الآخر في ذمّ من يأتي بالشهادة قبل أن يستشهد في قوله صلى الله عليه وسلم يشهدون ولا يستشهدون لحمله على من معه شهادة لآدمي عالم بها فيشهد ولا يستشهد أو على من ينتصب شاهدًا وليس من أهل الشهادة أو على من يشهد لقوم بالجنة أو النار من غير توقيف، وهذا ضعيف والأصح الأول اهـ.
ووجه ضعفه أن الذم ورد في الشهادة بدون استشهاد والشهادة على المغيب مذمومة مطلقًا هبها باستشهاد أو دونه.

والحديث رواه مسلم عن يحيى عن مالك به وأبو داود والترمذي والنسائي من طريق مالك به.

( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) فروخ المدني منقطع، وقد رواه المسعودي عبد الرحمن بن عبد الله، وهو ثقة عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود المسعودي، وهو ثقة عابد روى له البخاري والأربعة ( قال قدم على عمر بن الخطاب رجل من أهل العراق) لم يسم ( فقال لقد جئتك لأمر ما له رأس ولا ذنب) قال الباجي: أي ليس له أول ولا آخر والعرب تقول هذا جيش لا أول له ولا آخر يريدون لكثرته وقد تقول ذلك في الأمر المبهم لا يعرف وجهه ولا يهتدى لإصلاحه ( فقال عمر بن الخطاب ما هو) الأمر ( فقال شهادات الزور ظهرت بأرضنا) العراق ( فقال عمر أوقد كان ذلك) يدل على أنه لم يتقدم علمه به لأن جميع الصحابة عدول بتعديل الله إياهم بقوله { { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } } وقوله { { مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ } } الآية ( قال نعم فقال عمر والله لا يؤسر رجل في الإسلام بغير العدول) أي لا يحبس والأسر الحبس أو لا يملك ملك الأسير لإقامة الحقوق عليه إلا بالصحابة الذين جميعهم عدول وبالعدول من غيرهم فمن لم يكن صحابيًا ولم تعرف عدالته لم تقبل شهادته حتى تعرف عدالته من فسقه اهـ.
وقال أبو عمر: هذا يدل على أن عمر رجع عما كتب به إلى أبي موسى وغيره من عماله المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا خصمًا أو ظنينا متهمًا.
أخرجه البزار وغيره عن عمر من وجوه كثيرة.

( مالك أنه بلغه) أخرجه البزار وقاسم بن ثابت وغيرهما من طرق كثيرة من رواية الحجازيين والعراقيين والشاميين والمصريين ( أن عمر بن الخطاب) رضي الله عنه ( قال لا تجوز شهادة خصم) في أمر جسيم مثله يورث العداوة على خصمه في ذلك الأمر، وفي غيره فإن خاصم في يسير كثوب قليل الثمن وما لا يوجب عداوة جازت شهادته عليه في غير ما خاصمه فيه قاله ابن كنانة.
وقال يحيى بن سعيد وابن وهب: الخصم هنا الوكيل على خصومته لا تقبل شهادته فيما يخاصم فيه والوجهان محتملان قاله الباجي ولا ظنين بالظاء المعجمة أي متهم.



رقم الحديث 1412 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ.


( مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو) بفتح العين ( بن حزم) بمهملة وزاي ساكنة الأنصاري ( عن أبيه) أبي بكر اسمه وكنيته واحد، وقيل كنيته أبو محمد ثقة عابد ( عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ( بن عثمان) الأموي يلقب المطراف: بسكون الطاء المهملة وفتح الراء، ثقة شريف تابعي مات بمصر سنة ست وتسعين ( عن أبي عمرة الأنصاري) قال أبو عمر هكذا رواه يحيى وابن القاسم وأبو مصعب ومصعب الزبيري، وقال القعنبي ومعن بن عيسى ويحيى بن بكير عن ابن أبي عمرة، وكذا قال ابن وهب وعبد الرزاق عن مالك وسمياه فقالا عن عبد الرحمن بن أبي عمرة فرفعا الإشكال، وهو الصواب وعبد الرحمن هذا من خيار التابعين اهـ.
وما صوبه رواية الأكثر عن مالك كما في الإصابة وليس اسم أبي عمرة عبد الرحمن كما زعم بعض إنما هو اسم ابنه وأما أبوه فقيل اسمه بشير، وقيل بشر، وقيل عمرو، وقيل ثعلبة صحابي شهد بدرًا وغيرها كما بسطه في الإصابة فعلى رواية الأكثر يكون في الإسناد أربعة تابعيون وعلى رواية الأقل فإنما فيه ثلاثة تابعيون وصحابي عن صحابي وهما أبو عمرة ( عن زيد بن خالد الجهني) بضم الجيم وفتح الهاء المدني الصحابي المشهور، مات بالكوفة سنة ثمان وستين أو سبعين وله خمس وثمانون سنة.

( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا) بفتح الهمزة وخفة اللام، حرف افتتاح معناه التنبيه فيدل على تحقيق ما بعده وتوكيده، قال الطيبي: صدر الجملة بالكلمة التي هي من طلائع القسم إيذانًا بعظم المحدث به ( أخبركم بخير الشهداء) جمع شهيد قالوا: أخبرنا قال ( الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها) بالبناء للمجهول ( أو يخبر بشهادته قبل أن يسألها) شك الراوي أو ليس بشك وإنما هو تنويع أي يأتي الحاكم بشهادته قبل أن يسألها في محض حق الله المستدام تحريمه كطلاق وعتق ووقف أو يخبر بها رجلاً لا يعلمها وهذا يومئ إليه كلام الباجي.
وقال ابن عبد البر: قال ابن وهب قال مالك: تفسير هذا الحديث أن الرجل يكون عنده شهادة في الحق لرجل لا يعلمها فيخبره بشهادته ويرفعها إلى السلطان.
زاد يحيى بن سعيد إذا علم أنه ينتفع بها الذي له الشهادة وهذا لأن الرجل ربما نسي شاهده فظل مغمومًا لا يدري من هو، فإذا أخبره الشاهد بذلك فرج كربه، وفي الحديث: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب الآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ولا يعارض هذا حديث: خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم يعطون الشهادة قبل أن يسئلوها، لأن النخعي قال: معنى الشهادة هنا اليمين أي يحلف قبل أن يستحلف واليمين قد تسمى شهادة قال تعالى: { { فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ } } اهـ.

وقال النووي في معنى الحديث تأويلان أصحهما حمله على من عنده شهادة لإنسان بحق ولا يعلم ذلك الإنسان أنه شاهد فيأتي إليه فيخبره بأنه شاهد له وجوبًا لأنها أمانة عنده.
والثاني حمله على شهادة الحسبة في غير حقوق الآدميين المختصة بهم فمن علم شيئًا من هذا النوع وجب عليه رفعه إلى القاضي وإعلامه به والشهادة.
وحكى ثالث أنه مجاز ومبالغة في أداء الشهادة بعد طلبها لا قبله كما يقال الجواد يعطي قبل السؤال أي يعطي سريعًا عقب السؤال بلا توقف.
قال العلماء وليس في هذا الحديث مناقضة للحديث الآخر في ذمّ من يأتي بالشهادة قبل أن يستشهد في قوله صلى الله عليه وسلم يشهدون ولا يستشهدون لحمله على من معه شهادة لآدمي عالم بها فيشهد ولا يستشهد أو على من ينتصب شاهدًا وليس من أهل الشهادة أو على من يشهد لقوم بالجنة أو النار من غير توقيف، وهذا ضعيف والأصح الأول اهـ.
ووجه ضعفه أن الذم ورد في الشهادة بدون استشهاد والشهادة على المغيب مذمومة مطلقًا هبها باستشهاد أو دونه.

والحديث رواه مسلم عن يحيى عن مالك به وأبو داود والترمذي والنسائي من طريق مالك به.

( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) فروخ المدني منقطع، وقد رواه المسعودي عبد الرحمن بن عبد الله، وهو ثقة عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود المسعودي، وهو ثقة عابد روى له البخاري والأربعة ( قال قدم على عمر بن الخطاب رجل من أهل العراق) لم يسم ( فقال لقد جئتك لأمر ما له رأس ولا ذنب) قال الباجي: أي ليس له أول ولا آخر والعرب تقول هذا جيش لا أول له ولا آخر يريدون لكثرته وقد تقول ذلك في الأمر المبهم لا يعرف وجهه ولا يهتدى لإصلاحه ( فقال عمر بن الخطاب ما هو) الأمر ( فقال شهادات الزور ظهرت بأرضنا) العراق ( فقال عمر أوقد كان ذلك) يدل على أنه لم يتقدم علمه به لأن جميع الصحابة عدول بتعديل الله إياهم بقوله { { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } } وقوله { { مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ } } الآية ( قال نعم فقال عمر والله لا يؤسر رجل في الإسلام بغير العدول) أي لا يحبس والأسر الحبس أو لا يملك ملك الأسير لإقامة الحقوق عليه إلا بالصحابة الذين جميعهم عدول وبالعدول من غيرهم فمن لم يكن صحابيًا ولم تعرف عدالته لم تقبل شهادته حتى تعرف عدالته من فسقه اهـ.
وقال أبو عمر: هذا يدل على أن عمر رجع عما كتب به إلى أبي موسى وغيره من عماله المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا خصمًا أو ظنينا متهمًا.
أخرجه البزار وغيره عن عمر من وجوه كثيرة.

( مالك أنه بلغه) أخرجه البزار وقاسم بن ثابت وغيرهما من طرق كثيرة من رواية الحجازيين والعراقيين والشاميين والمصريين ( أن عمر بن الخطاب) رضي الله عنه ( قال لا تجوز شهادة خصم) في أمر جسيم مثله يورث العداوة على خصمه في ذلك الأمر، وفي غيره فإن خاصم في يسير كثوب قليل الثمن وما لا يوجب عداوة جازت شهادته عليه في غير ما خاصمه فيه قاله ابن كنانة.
وقال يحيى بن سعيد وابن وهب: الخصم هنا الوكيل على خصومته لا تقبل شهادته فيما يخاصم فيه والوجهان محتملان قاله الباجي ولا ظنين بالظاء المعجمة أي متهم.