فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الْقَضَاءِ فِيمَنِ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ

رقم الحديث 1424 حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ وَمَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ.
أَنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَى غَيْرِهِ، مِثْلُ الزَّنَادِقَةِ وَأَشْبَاهِهِمْ.
فَإِنَّ أُولَئِكَ، إِذَا ظُهِرَ عَلَيْهِمْ قُتِلُوا، وَلَمْ يُسْتَتَابُوا، لِأَنَّهُ لَا تُعْرَفُ تَوْبَتُهُمْ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُسِرُّونَ الْكُفْرَ وَيُعْلِنُونَ الْإِسْلَامَ، فَلَا أَرَى أَنْ يُسْتَتَابَ هَؤُلَاءِ.
وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ .

     قَوْلُهُ مْ.
.
وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَى غَيْرِهِ، وَأَظْهَرَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ.
فَإِنْ تَابَ.
وَإِلَّا قُتِلَ.
وَذَلِكَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا كَانُوا عَلَى ذَلِكَ، رَأَيْتُ أَنْ يُدْعَوْا إِلَى الْإِسْلَامِ وَيُسْتَتَابُوا، فَإِنْ تَابُوا قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَتُوبُوا قُتِلُوا، وَلَمْ يَعْنِ بِذَلِكَ، فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ، مَنْ خَرَجَ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ إِلَى النَّصْرَانِيَّةِ، وَلَا مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ، وَلَا مَنْ يُغَيِّرُ دِينَهُ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا.
إِلَّا الْإِسْلَامَ فَمَنْ خَرَجَ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَى غَيْرِهِ، وَأَظْهَرَ ذَلِكَ، فَذَلِكَ الَّذِي عُنِيَ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.


القضاء فيمن ارتد عن الإسلام

( مالك عن زيد بن أسلم) مرسلا عند جميع الرواة وهو موصول في البخاري والسنن الأربع من طريق أيوب عن عكرمة عن ابن عباس ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من غير دينه) أي انتقل من دين الإسلام إلى غيره بقول أو فعل وتمادى على ذلك ( فاضربوا عنقه) أي بعد الاستتابة وجوبا كما جاء عن الصحابة أو هو على ظاهره لكن في الزنادقة إذا ظهر عليهم كما قال الإمام ( ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما نرى) بضم النون نظن ( والله أعلم) بما أراد نبيه ( من غير دينه فاضربوا عنقه إنه من خرج عن الإسلام) إذ هو الدين المعتبر ( إلى غيره مثل الزنادقة وأشباههم) من كل من أسر من الكفر دينا غير الإسلام من يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو صابئة أو عبادة شمس أو قمر أو نجم ( فإن أولئك إذا ظهر عليهم قتلوا ولم يستتابوا لأنه لا تعرف توبتهم و) ذلك ( أنهم كانوا يسرون الكفر ويعلنون) يظهرون ( الإسلام فلا أرى أن يستتاب هؤلاء ولا يقبل منهم قولهم) أي تلفظهم بالإسلام إذ كانوا يقولونه قبل الظهور عليهم فلم يخرجوا بعده عما كانوا عليه فيتحتم قتلهم وقال الشافعي تقبل توبتهم ولأبي حنيفة القولان ( وأما من خرج من الإسلام إلى غيره وأظهر ذلك فإنه يستتاب) ثلاثة أيام بلا جوع ولا عطش ( فإن تاب وإلا قتل) بضرب عنقه ( وذلك لو أن قوما كانوا على ذلك رأيت أن يدعوا إلى الإسلام ويستتابوا فإن تابوا قبل) بموحدة ( ذلك منهم وإن لم يتوبوا) لم يسلموا ( قتلوا ولم يعن) بضم الياء وفتح النون مبني للمجهول وبفتح الياء وكسر النون للفاعل أي لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم ( والله أعلم من خرج من اليهودية إلى النصرانية ولا من النصرانية إلى اليهودية ولا من يغير دينه من أهل الأديان كلها) إلى غيره ( إلا الإسلام فمن خرج من الإسلام إلى غيره وأظهر ذلك فذلك الذي عنى) بالبناء للمفعول أو الفاعل ( به) أي الحديث المذكور ( والله أعلم) وروى ابن عبد الحكم أن للإمام قتل الذمي إذا غير دينه على ظاهر الحديث لأن الذمة إنما انعقدت له على أن يبقى على ذلك الدين فلما خرج عنه عاد كالحربي وروى المزني عن الشافعي أن الإمام يخرجه من بلده لدار الحرب وعلله بما ذكر ويستثنى من عموم الحديث من غير دينه ظاهرا لكن مع الإكراه لقوله تعالى { { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } } وشمل عمومه الرجل وهو إجماع والمرأة وعليه الأئمة الثلاثة والجمهور وخصه الحنفية بالذكر للنهي عن قتل النساء فكما لا تقتل في الكفر الأصلي لا تقتل في الكفر الطارئ ولأن من الشرطية لا تعم المؤنث وتعقب بأن ابن عباس راوي القصة قال تقتل المرتدة وقتل أبو بكر في خلافته امرأة ارتدت والصحابة متوافرون فلم ينكر عليه أحد وفي حديث معاذ لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال وأيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه فإن عاد وإلا فاضرب عنقه وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها فإن عادت وإلا فاضرب عنقها وسنده حسن وهو نص في موضع النزاع فيجب المصير إليه وفي حديث قصة روى البخاري وغيره عن عكرمة قال أتى علي بزنادقة فأحرقهم فبلغ ذلك ابن عباس فقال لو كنت أنا لم أحرقهم لنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعذبوا بعذاب الله ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه زاد أحمد وأبو داود والنسائي فبلغ ذلك عليا فقال ويح أم ابن عباس وهو محتمل أنه لم يرض اعتراضه عليه ورأى أن النهي للتنزيه لأن عليا كان يرى جواز التحريق وكذا خالد بن الوليد وغيرهما تشديدا على الكفار ومبالغة في النكاية والنكال ولا يعارض ذلك ما روي فبلغ ذلك عليا فقال صدق ابن عباس لأن تصديقه من حيث التنزيه لكن قال أبو عمر قد روينا من وجوه أن عليا إنما أحرقهم بعد قتلهم روى العقيلي عن عثمان الأنصاري قال جاء ناس من الشيعة إلى علي فقالوا يا أمير المؤمنين أنت هو قال من أنا قال أنت هو قال ويلكم من أنا قالوا أنت ربنا قال ويلكم ارجعوا وتوبوا فأبوا فضرب أعناقهم ثم قال يا قنبر ائتني بحزم الحطب فحفر لهم في الأرض أخدودا فأحرقهم بالنار ثم قال

لما رأيت الأمر أمرا منكرا
أججت ناري ودعوت قنبرا

( مالك عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد) بالتنوين بلا إضافة ( القاري) بتشديد التحتية نسبة إلى القارة بطن من خزيمة بن مدركة ( عن أبيه) محمد المدني الثقة ( أنه قال قدم على عمر بن الخطاب رجل من قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة ( أبي موسى) عبد الله بن قيس ( الأشعري فسأله عن الناس فأخبره ثم قال له عمر هل كان فيكم من مغربة) بضم الميم وفتح المعجمة وكسر الراء وفتحها مثقلة فيهما ثم موحدة فتاء تأنيث مضاف إلى ( خبر) أي هل من حالة حاملة لخبر من موضع بعيد ( فقال نعم رجل كفر بعد إسلامه قال فما فعلتم به قال قربناه فضربنا عنقه) بلا استتابة أخذا بظاهر الحديث وبأنه صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة أمر بقتل قوم ارتدوا كابن خطل ولم يذكر استتابة وبما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل أبا موسى على اليمن ثم أتبعه معاذ بن جبل فوجد عنده رجلا مقيدا في الحديد فقال ما هذا قال كان يهوديا فأسلم ثم ارتد فقال معاذ لا أنزل حتى يقتل قضاء الله ورسوله وبه قال عبد العزيز بن أبي سلمة ولا حجة فيه لأنه روي أن أبا موسى قد استتابه شهرين ولا حجة في حديث الفتح كما لا يخفى والجمهور على الاستتابة على الاختلاف في قدرها ( فقال عمر أفلا حبستموه ثلاثا) من الأيام وكذا قال عثمان وعلي وابن مسعود وقيل يستتاب مرة واحدة وقيل شهرا وقيل ثلاثة جمع وقيل غير ذلك قال الباجي يحتمل أنه أخذ الثلاث من قوله تعالى { { تمتعوا في داركم ثلاثة أيام } } ولأن الثلاث جعلت أصلا في معان كالمصراة واستظهار المستحاضة وعهدة الرقيق وغير ذلك ( وأطعمتموه كل يوم رغيفا) يريد أن لا يوسع عليه توسعة إحسان قال ابن القاسم في المدونة ليس العمل على قول عمر ولكن يطعم ما يقوته ويكفيه ولا يجوع وإنما يطعم من ماله قال ابن مزين يعني في غير توسع ولا تفكه قال مالك في الموازية يقوت من الطعام ما لا يضره وإنما أراد ابن القاسم أن لا يجعل الرغيف حدا وإنما أشار عمر إلى قلة مؤنته ورزيته في ماله إن كان وبيت المال إن لم يكن ولم يرد به الحد ( واستتبتموه لعله يتوب ويراجع أمر الله) يرجع إلى الإسلام احتج أصحابنا على وجوب الاستتابة بقول عمر هذا وأنه لا مخالف له قال الباجي ولا يصح إلا إن ثبت رجوع أبي موسى ومن وافقه إلى قول عمر ( ثم قال عمر اللهم إني لم أحضر) قتله بلا استتابة ( ولم آمر به ولم أرض) به ( إذ بلغني) فيه تصريح يخطأ فاعله ولا يكون ذلك إلا بنص أو إجماع وقد قال سحنون إن أبا بكر استتاب أهل الردة وروى عيسى عن ابن القاسم في العتبية أن أبا بكر استتاب أم قرفة لما ارتدت فلم تتب فقتلها فلعل عمر علم بانعقاد الإجماع على ذلك زمن أبي بكر فأنكر على أبي موسى تغيير ذلك وإلا فأبو موسى مجتهد فإذا حكم باجتهاده فيما لا نص فيه ولا إجماع لم يبلغ عمر من الإنكار عليه هذا الحد ولو لم يجز لأبي موسى ذلك ما جاز لعمر أن يوليه الحكم حتى يطالعه على قضيته وفي هذا من فساد الأحوال وتوقف الأحكام ما لا يخفى قاله الباجي.



رقم الحديث 1425 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِّيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَجُلٌ مِنْ قِبَلِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ.
فَسَأَلَهُ عَنِ النَّاسِ، فَأَخْبَرَهُ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ عُمَرُ: هَلْ كَانَ فِيكُمْ مِنْ مُغَرِّبَةِ خَبَرٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ، قَالَ: فَمَا فَعَلْتُمْ بِهِ؟ قَالَ: قَرَّبْنَاهُ فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَفَلَا حَبَسْتُمُوهُ ثَلَاثًا، وَأَطْعَمْتُمُوهُ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفًا، وَاسْتَتَبْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ، وَيُرَاجِعُ أَمْرَ اللَّهِ؟ ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَمْ أَحْضُرْ، وَلَمْ آمُرْ، وَلَمْ أَرْضَ إِذْ بَلَغَنِي.


القضاء فيمن ارتد عن الإسلام

( مالك عن زيد بن أسلم) مرسلا عند جميع الرواة وهو موصول في البخاري والسنن الأربع من طريق أيوب عن عكرمة عن ابن عباس ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من غير دينه) أي انتقل من دين الإسلام إلى غيره بقول أو فعل وتمادى على ذلك ( فاضربوا عنقه) أي بعد الاستتابة وجوبا كما جاء عن الصحابة أو هو على ظاهره لكن في الزنادقة إذا ظهر عليهم كما قال الإمام ( ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما نرى) بضم النون نظن ( والله أعلم) بما أراد نبيه ( من غير دينه فاضربوا عنقه إنه من خرج عن الإسلام) إذ هو الدين المعتبر ( إلى غيره مثل الزنادقة وأشباههم) من كل من أسر من الكفر دينا غير الإسلام من يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو صابئة أو عبادة شمس أو قمر أو نجم ( فإن أولئك إذا ظهر عليهم قتلوا ولم يستتابوا لأنه لا تعرف توبتهم و) ذلك ( أنهم كانوا يسرون الكفر ويعلنون) يظهرون ( الإسلام فلا أرى أن يستتاب هؤلاء ولا يقبل منهم قولهم) أي تلفظهم بالإسلام إذ كانوا يقولونه قبل الظهور عليهم فلم يخرجوا بعده عما كانوا عليه فيتحتم قتلهم وقال الشافعي تقبل توبتهم ولأبي حنيفة القولان ( وأما من خرج من الإسلام إلى غيره وأظهر ذلك فإنه يستتاب) ثلاثة أيام بلا جوع ولا عطش ( فإن تاب وإلا قتل) بضرب عنقه ( وذلك لو أن قوما كانوا على ذلك رأيت أن يدعوا إلى الإسلام ويستتابوا فإن تابوا قبل) بموحدة ( ذلك منهم وإن لم يتوبوا) لم يسلموا ( قتلوا ولم يعن) بضم الياء وفتح النون مبني للمجهول وبفتح الياء وكسر النون للفاعل أي لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم ( والله أعلم من خرج من اليهودية إلى النصرانية ولا من النصرانية إلى اليهودية ولا من يغير دينه من أهل الأديان كلها) إلى غيره ( إلا الإسلام فمن خرج من الإسلام إلى غيره وأظهر ذلك فذلك الذي عنى) بالبناء للمفعول أو الفاعل ( به) أي الحديث المذكور ( والله أعلم) وروى ابن عبد الحكم أن للإمام قتل الذمي إذا غير دينه على ظاهر الحديث لأن الذمة إنما انعقدت له على أن يبقى على ذلك الدين فلما خرج عنه عاد كالحربي وروى المزني عن الشافعي أن الإمام يخرجه من بلده لدار الحرب وعلله بما ذكر ويستثنى من عموم الحديث من غير دينه ظاهرا لكن مع الإكراه لقوله تعالى { { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } } وشمل عمومه الرجل وهو إجماع والمرأة وعليه الأئمة الثلاثة والجمهور وخصه الحنفية بالذكر للنهي عن قتل النساء فكما لا تقتل في الكفر الأصلي لا تقتل في الكفر الطارئ ولأن من الشرطية لا تعم المؤنث وتعقب بأن ابن عباس راوي القصة قال تقتل المرتدة وقتل أبو بكر في خلافته امرأة ارتدت والصحابة متوافرون فلم ينكر عليه أحد وفي حديث معاذ لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال وأيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه فإن عاد وإلا فاضرب عنقه وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها فإن عادت وإلا فاضرب عنقها وسنده حسن وهو نص في موضع النزاع فيجب المصير إليه وفي حديث قصة روى البخاري وغيره عن عكرمة قال أتى علي بزنادقة فأحرقهم فبلغ ذلك ابن عباس فقال لو كنت أنا لم أحرقهم لنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعذبوا بعذاب الله ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه زاد أحمد وأبو داود والنسائي فبلغ ذلك عليا فقال ويح أم ابن عباس وهو محتمل أنه لم يرض اعتراضه عليه ورأى أن النهي للتنزيه لأن عليا كان يرى جواز التحريق وكذا خالد بن الوليد وغيرهما تشديدا على الكفار ومبالغة في النكاية والنكال ولا يعارض ذلك ما روي فبلغ ذلك عليا فقال صدق ابن عباس لأن تصديقه من حيث التنزيه لكن قال أبو عمر قد روينا من وجوه أن عليا إنما أحرقهم بعد قتلهم روى العقيلي عن عثمان الأنصاري قال جاء ناس من الشيعة إلى علي فقالوا يا أمير المؤمنين أنت هو قال من أنا قال أنت هو قال ويلكم من أنا قالوا أنت ربنا قال ويلكم ارجعوا وتوبوا فأبوا فضرب أعناقهم ثم قال يا قنبر ائتني بحزم الحطب فحفر لهم في الأرض أخدودا فأحرقهم بالنار ثم قال

لما رأيت الأمر أمرا منكرا
أججت ناري ودعوت قنبرا

( مالك عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد) بالتنوين بلا إضافة ( القاري) بتشديد التحتية نسبة إلى القارة بطن من خزيمة بن مدركة ( عن أبيه) محمد المدني الثقة ( أنه قال قدم على عمر بن الخطاب رجل من قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة ( أبي موسى) عبد الله بن قيس ( الأشعري فسأله عن الناس فأخبره ثم قال له عمر هل كان فيكم من مغربة) بضم الميم وفتح المعجمة وكسر الراء وفتحها مثقلة فيهما ثم موحدة فتاء تأنيث مضاف إلى ( خبر) أي هل من حالة حاملة لخبر من موضع بعيد ( فقال نعم رجل كفر بعد إسلامه قال فما فعلتم به قال قربناه فضربنا عنقه) بلا استتابة أخذا بظاهر الحديث وبأنه صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة أمر بقتل قوم ارتدوا كابن خطل ولم يذكر استتابة وبما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل أبا موسى على اليمن ثم أتبعه معاذ بن جبل فوجد عنده رجلا مقيدا في الحديد فقال ما هذا قال كان يهوديا فأسلم ثم ارتد فقال معاذ لا أنزل حتى يقتل قضاء الله ورسوله وبه قال عبد العزيز بن أبي سلمة ولا حجة فيه لأنه روي أن أبا موسى قد استتابه شهرين ولا حجة في حديث الفتح كما لا يخفى والجمهور على الاستتابة على الاختلاف في قدرها ( فقال عمر أفلا حبستموه ثلاثا) من الأيام وكذا قال عثمان وعلي وابن مسعود وقيل يستتاب مرة واحدة وقيل شهرا وقيل ثلاثة جمع وقيل غير ذلك قال الباجي يحتمل أنه أخذ الثلاث من قوله تعالى { { تمتعوا في داركم ثلاثة أيام } } ولأن الثلاث جعلت أصلا في معان كالمصراة واستظهار المستحاضة وعهدة الرقيق وغير ذلك ( وأطعمتموه كل يوم رغيفا) يريد أن لا يوسع عليه توسعة إحسان قال ابن القاسم في المدونة ليس العمل على قول عمر ولكن يطعم ما يقوته ويكفيه ولا يجوع وإنما يطعم من ماله قال ابن مزين يعني في غير توسع ولا تفكه قال مالك في الموازية يقوت من الطعام ما لا يضره وإنما أراد ابن القاسم أن لا يجعل الرغيف حدا وإنما أشار عمر إلى قلة مؤنته ورزيته في ماله إن كان وبيت المال إن لم يكن ولم يرد به الحد ( واستتبتموه لعله يتوب ويراجع أمر الله) يرجع إلى الإسلام احتج أصحابنا على وجوب الاستتابة بقول عمر هذا وأنه لا مخالف له قال الباجي ولا يصح إلا إن ثبت رجوع أبي موسى ومن وافقه إلى قول عمر ( ثم قال عمر اللهم إني لم أحضر) قتله بلا استتابة ( ولم آمر به ولم أرض) به ( إذ بلغني) فيه تصريح يخطأ فاعله ولا يكون ذلك إلا بنص أو إجماع وقد قال سحنون إن أبا بكر استتاب أهل الردة وروى عيسى عن ابن القاسم في العتبية أن أبا بكر استتاب أم قرفة لما ارتدت فلم تتب فقتلها فلعل عمر علم بانعقاد الإجماع على ذلك زمن أبي بكر فأنكر على أبي موسى تغيير ذلك وإلا فأبو موسى مجتهد فإذا حكم باجتهاده فيما لا نص فيه ولا إجماع لم يبلغ عمر من الإنكار عليه هذا الحد ولو لم يجز لأبي موسى ذلك ما جاز لعمر أن يوليه الحكم حتى يطالعه على قضيته وفي هذا من فساد الأحوال وتوقف الأحكام ما لا يخفى قاله الباجي.