فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الْقَضَاءِ فِي عِمَارَةِ الْمَوَاتِ

رقم الحديث 1435 قَالَ مَالِكٌ: وَجْهُ الْقِرَاضِ الْمَعْرُوفِ الْجَائِزِ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ الْمَالَ مِنْ صَاحِبِهِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَنَفَقَةُ الْعَامِلِ فِي الْمَالِ، فِي سَفَرِهِ مِنْ طَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ، وَمَا يُصْلِحُهُ بِالْمَعْرُوفِ، بِقَدْرِ الْمَالِ إِذَا شَخَصَ فِي الْمَالِ، إِذَا كَانَ الْمَالُ يَحْمِلُ ذَلِكَ.
فَإِنْ كَانَ مُقِيمًا فِي أَهْلِهِ، فَلَا نَفَقَةَ لَهُ مِنَ الْمَالِ، وَلَا كِسْوَةَ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُعِينَ الْمُتَقَارِضَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ، إِذَا صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُمَا قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ رَبُّ الْمَالِ مِمَّنْ قَارَضَهُ بَعْضَ مَا يَشْتَرِي مِنَ السِّلَعِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ قَالَ مَالِكٌ: فِيمَنْ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ، وَإِلَى غُلَامٍ لَهُ مَالًا قِرَاضًا يَعْمَلَانِ فِيهِ جَمِيعًا، إِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ، لِأَنَّ الرِّبْحَ مَالٌ لِغُلَامِهِ، لَا يَكُونُ الرِّبْحُ لِلسَّيِّدِ حَتَّى يَنْتَزِعَهُ مِنْهُ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ مِنْ كَسْبِهِ.



( ما يجوز في القراض)

( قال مالك وجه القراض المعروف الجائز أن يأخذ الرجل المال من صاحبه على أن يعمل فيه ولا ضمان عليه) لأنه أمين ( ونفقة العامل في المال في سفره من طعامه وكسوته وما يصلحه بالمعروف بقدر المال إذا شخص) بفتح الشين والخاء المعجمتين والصاد المهملة، أي سافر ( في المال إذا كان المال يحمل ذلك) لا إن قل ( فإن كان مقيمًا في أهله فلا نفقة له من المال ولا كسوة) وإن كان يتعب في الشراء والبيع نظرًا لأنه مقيم ( ولا بأس بأن يعين المتقارضان) رب المال والعامل ( كل واحد منهما صاحبه على وجه المعروف إذا صح ذلك منهما) بأن كان بلا شرط ولم يكن لإبقاء المال بيده ( ولا بأس بأن يشتري رب المال ممن قارضه بعض ما يشتري من السلع إذا كان ذلك صحيحًا على غير شرط) بأن لا يتوصل به إلى أخذ شيء من الربح قبل المقاسمة أو لغير ذلك سواء اشترى بنقد أو لأجل ( قال مالك فيمن دفع إلى رجل وإلى غلام له مالاً قراضًا يعملان فيه جميعًا أن ذلك جائز لا بأس به لأن الربح مال لغلامه) لأن العبد يملك ( لا يكون) الربح ( للسيد حتى ينتزعه منه وهو بمنزلة غيره من كسبه) يكون له حتى ينتزعه.



رقم الحديث 1435 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ قَالَ مَالِكٌ: وَالْعِرْقُ الظَّالِمُ: كُلُّ مَا احْتُفِرَ أَوْ أُخِذَ أَوْ غُرِسَ بِغَيْرِ حَقٍّ.


( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه)مرسل باتفاق الرواة واختلف فيه على هشام فروته طائفة مرسلا كما رواه مالك وهو أصح وطائفة عنه عن أبيه عن سعيد بن زيد وطائفة عن هشام عن وهب بن كيسان عن جابر وطائفة عنه عن عبد الله بن عبد الرحمن بن رافع عن جابر وبعضهم يقول عن هشام عن عبيد الله بن أبي رافع عن جابر واختلف فيه أيضا على عروة فرواه ابنه يحيى عنه عن صحابي لم يسمه ورواه جرير عنه فقال وأكثر ظني أنه أبو سعيد الخدري ورواه الزهري عنه عن عائشة فهذا الاختلاف على عروة يدل على أن الأصح الإرسال وهو أيضا صحيح مسند وهو حديث تلقاه بالقبول فقهاء المدينة وغيرهم قاله ابن عبد البر فصححه من الوجهين وقد رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حسن غريب والنسائي وصححه الضياء في الأحاديث المختارة من طريق أيوب عن هشام عن أبيه عن سعيد بن زيد ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أحيا أرضا ميتة)بالتشديد قال الحافظ العراقي ولا يقال بالتخفيف لأنه إذا خفف تحذف منه تاء التأنيث والميتة والموات والموتان بفتح الميم والواو الأرض التي لم تعمر سميت بذلك تشبيها لها بالميتة التي لا ينتفع بها لعدم الانتفاع بها بزرع أو غرس أو بناء أو نحوها ( فهي له)بمجرد الإحياء ولا يحتاج لإذن الإمام في البعيدة عن العمارة اتفاقا قال مالك معنى الحديث في فيافي الأرض وما بعد من العمران فإن قرب فلا يجوز إحياؤه إلا بإذن الإمام وقال أشهب وكثير من أصحابنا وغيرهم يحييها من شاء بغير إذنه قاله سحنون وهو قول أحمد وداود وإسحاق والشافعي قائلا عطية رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل من أحيا مواتا أثبت من عطية من بعده من سلطان وغيره واستحب أشهب إذنه لئلا يكون فيه ضرر على أحد وقال أبو حنيفة لا يحييها إلا بإذن السلطان قربت أو بعدت وصار الخلاف هل الحديث حكم أو فتوى فمن قال بالأول قال لا بد من الإذن ومن قال بالثاني قال لا يحتاج إليه وهذا نظير حديث من قتل قتيلا فله سلبه وروى أبو داود من طريق ابن أبي مليكة عن عروة قال أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن الأرض لله والعباد عباد الله ومن أحيا مواتا فهو أحق به جاءنا بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم الذين جاؤوا بالصلاة عنه وروى ابن عبد البر والبيهقي وابن الجارود من طريق الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العباد عباد الله والبلاد بلاد الله فمن أحيا من موات الأرض شيئًا فهو له ( وليس لعرق)بكسر العين وسكون الراء والتنوين ( ظالم)صفة للعرق على سبيل الاتساع كأن العرق بغرسه صار ظالما حتى كان الفعل له قال ابن الأثير هو على حذف مضاف فجعل العرق نفسه ظالما والحق لصاحبه أو يكون الظالم من صفة العرق اهـ أي لذي عرق ظالم وروي بالإضافة فالظالم صاحب العرق وهو الغارس لأنه تصرف في ملك الغير فليس له ( حق)في الإبقاء فيها ( قال مالك والعرق الظالم كل ما احتفر)بضم التاء وكسر الفاء أي حفر ( أو أخذ أو غرس بغير حق)وظاهر هذا أن الرواية بالتنوين وبه جزم في تهذيب الأسماء واللغات فقال واختار مالك والشافعي تنوين عرق وذكر نصه هذا ونص الشافعي بنحوه وبالتنوين جزم الأزهري وابن فارس وغيرهما وبالغ الخطابي فغلط من رواه بالإضافة وليس كما قال فقد ثبتت ووجهها ظاهر فلا يكون غلطا فالحديث يروى بالوجهين وقال القاضي عياض أصل العرق الظالم في الغرس يغرسه في الأرض غير ربها ليستوجبها به وكذلك ما أشبهه من بناء أو استنباط ماء أو استخراج معدن سميت عرقا لشبهها في الإحياء بعرق الغرس وفي المنتقى قال عروة وربيعة العروق أربعة عرقان ظاهران البناء والغرس وعرقان باطنان المياه والمعادن فليس للظالم في ذلك حق في بقاء أو انتفاع فمن فعل ذلك في ملك غيره ظلما فلربه أن يأمره بقلعه أو يخرجه منه ويدفع إليه قيمته مقلوعا وما لا قيمة له بقي لصاحب الأرض على حاله بلا عوض اهـ وروى إسحاق بن راهويه وابن عبد البر في التمهيد عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أحيا مواتا من الأرض في غير حق مسلم فهو له وليس لعرق ظالم حق وكثير ضعيف لكن شاهده حديث الباب ( مالك عن ابن شهاب)الزهري ( عن سالم بن عبد الله)بن عمر ( عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال من أحيا أرضا ميتة فهي له)والميتة الخراب التي لا عمارة بها وإحياؤها عمارتها شبهت عمارة الأرض بحياة الأبدان وتعطلها وخلوها عن العمارة بفقد الحياة وزوالها عنها وفائدة ذكر الموقوف عقب المرفوع مع أن الحجة به الإشارة إلى عدم تطرق نسخه ولذا أكده حيث قال ( مالك وعلى ذلك الأمر عندنا) بالمدينة.



رقم الحديث 1436 قَالَ مَالِكٌ: إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ، فَسَأَلَهُ أَنْ يُقِرَّهُ عِنْدَهُ قِرَاضًا، إِنَّ ذَلِكَ يُكْرَهُ حَتَّى يَقْبِضَ مَالَهُ، ثُمَّ يُقَارِضُهُ بَعْدُ أَوْ يُمْسِكُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ أَعْسَرَ بِمَالِهِ، فَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ: فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَهَلَكَ بَعْضُهُ، قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ، ثُمَّ عَمِلَ فِيهِ فَرَبِحَ، فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ رَأْسَ الْمَالِ بَقِيَّةَ الْمَالِ بَعْدَ الَّذِي هَلَكَ مِنْهُ، قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ، قَالَ مَالِكٌ: لَا يُقْبَلُ .

     قَوْلُهُ ، وَيُجْبَرُ رَأْسُ الْمَالِ مِنْ رِبْحِهِ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ بَعْدَ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى شَرْطِهِمَا، مِنَ الْقِرَاضِ قالَ مَالِكٌ: لَا يَصْلُحُ الْقِرَاضُ إِلَّا فِي الْعَيْنِ مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْوَرِقِ، وَلَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْعُرُوضِ، وَالسِّلَعِ، وَمِنَ الْبُيُوعِ مَا يَجُوزُ إِذَا تَفَاوَتَ أَمْرُهُ، وَتَفَاحَشَ رَدُّهُ، فَأَمَّا الرِّبَا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فِيهِ إِلَّا الرَّدُّ أَبَدًا، وَلَا يَجُوزُ مِنْهُ قَلِيلٌ، وَلَا كَثِيرٌ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ مَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ { { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ } }



( ما لا يجوز في القراض)

( قال مالك إذا كان لرجل على رجل دين فسأله أن يقره) بضم أوله وكسر القاف، يبقيه ( عنده قراضًا إن ذلك يكره) كراهة منع ( حتى يقبض ماله ثم يقارضه بعدُ) بالضم ( أو يمسك وإنما ذلك مخافة أن يكون أعسر بماله فهو يريد أن يؤخر ذلك على أن يزيده فيه) فيكون ذريعة للربا ووافقه الشافعي على الحكم، وعلله بأن ما في الذمة لا يعود أمانة حتى يقبض ( قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالاً قراضًا فهلك بعضه قبل أن يعمل فيه ثم عمل فيه فربح فأراد أن يجعل رأس المال بقية المال بعد الذي هلك منه قبل أن يعمل فيه قال لا يقبل قوله ويجبر رأس المال من ربحه) ومفهومه لو صح التلف قبل الشروع في العمل لم يكن رأس المال إلا ما بقي، وهو ما نقله ابن حبيب عن أصحاب مالك كلهم وقال عيسى: هو أحب إليَّ.
ابن عبد البر وعليه جمهور الفقهاء: وهو أولى بالصواب وفي المدونة عن ابن القاسم لا يكون كذلك حتى يقبض منه المال ثم يرده قراضًا ثانيًا وإلا فهو على الأول يجبر التلف بالربح ( ثم يقتسمان ما بقي بعد رأس المال على شرطهما من القراض) من نصف وغيره ( ولا يصلح القراض إلا في العين من الذهب والورق) لأنها قيم المتلفات وأصول الأثمان ولا يدخل أسواقها تغير وما يدخله تغير الأسواق لا يجوز القراض به ( و) لذا ( لا يكون في شيء من العروض والسلع ومن البيوع) الممنوعة ( ما يجوز) أي يمضي ( إذا تفاوت أمره وتفاحش رده) كبيع حب أفرك قبل يبسه وبيع ثمر بعد أن أزهى يؤخذ كيلاً بعد أن يثمر.
قال ابن مزين: وإنما خرج مالك من ذكر القراض إلى ذكر البيوع تمثيلاً أن للقراض مكروهًا كالبيوع فمكروه القراض إذا فات بالعمل رد إلى قراض مثله كالقراض بالعروض أو الضمان أو إلى أجل، وحرام القراض إذا فات بالعمل رد إلى أجر مثله ( فأما الربا فإنه لا يكون فيه إلا الرد أبداً ولا يجوز منه) وفي نسخة فيه ( قليل ولا كثير ولا يجوز فيه ما يجوز في غيره لأن الله تبارك وتعالى قال في كتابه: { { وَإِنْ تُبْتُمْ) } } رجعتم عن الربا { { فَلَكُمْ رُؤُوسُ } } أصول { { أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ } } بزيادة { { وَلاَ تُظْلَمُونَ } } بنقص فلم يبح فيه شيئًا قال أبو عمر هذه مسئلة وقعت هنا من رواية يحيى وهو قول صحيح.



رقم الحديث 1436 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا.


( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه)مرسل باتفاق الرواة واختلف فيه على هشام فروته طائفة مرسلا كما رواه مالك وهو أصح وطائفة عنه عن أبيه عن سعيد بن زيد وطائفة عن هشام عن وهب بن كيسان عن جابر وطائفة عنه عن عبد الله بن عبد الرحمن بن رافع عن جابر وبعضهم يقول عن هشام عن عبيد الله بن أبي رافع عن جابر واختلف فيه أيضا على عروة فرواه ابنه يحيى عنه عن صحابي لم يسمه ورواه جرير عنه فقال وأكثر ظني أنه أبو سعيد الخدري ورواه الزهري عنه عن عائشة فهذا الاختلاف على عروة يدل على أن الأصح الإرسال وهو أيضا صحيح مسند وهو حديث تلقاه بالقبول فقهاء المدينة وغيرهم قاله ابن عبد البر فصححه من الوجهين وقد رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حسن غريب والنسائي وصححه الضياء في الأحاديث المختارة من طريق أيوب عن هشام عن أبيه عن سعيد بن زيد ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أحيا أرضا ميتة)بالتشديد قال الحافظ العراقي ولا يقال بالتخفيف لأنه إذا خفف تحذف منه تاء التأنيث والميتة والموات والموتان بفتح الميم والواو الأرض التي لم تعمر سميت بذلك تشبيها لها بالميتة التي لا ينتفع بها لعدم الانتفاع بها بزرع أو غرس أو بناء أو نحوها ( فهي له)بمجرد الإحياء ولا يحتاج لإذن الإمام في البعيدة عن العمارة اتفاقا قال مالك معنى الحديث في فيافي الأرض وما بعد من العمران فإن قرب فلا يجوز إحياؤه إلا بإذن الإمام وقال أشهب وكثير من أصحابنا وغيرهم يحييها من شاء بغير إذنه قاله سحنون وهو قول أحمد وداود وإسحاق والشافعي قائلا عطية رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل من أحيا مواتا أثبت من عطية من بعده من سلطان وغيره واستحب أشهب إذنه لئلا يكون فيه ضرر على أحد وقال أبو حنيفة لا يحييها إلا بإذن السلطان قربت أو بعدت وصار الخلاف هل الحديث حكم أو فتوى فمن قال بالأول قال لا بد من الإذن ومن قال بالثاني قال لا يحتاج إليه وهذا نظير حديث من قتل قتيلا فله سلبه وروى أبو داود من طريق ابن أبي مليكة عن عروة قال أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن الأرض لله والعباد عباد الله ومن أحيا مواتا فهو أحق به جاءنا بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم الذين جاؤوا بالصلاة عنه وروى ابن عبد البر والبيهقي وابن الجارود من طريق الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العباد عباد الله والبلاد بلاد الله فمن أحيا من موات الأرض شيئًا فهو له ( وليس لعرق)بكسر العين وسكون الراء والتنوين ( ظالم)صفة للعرق على سبيل الاتساع كأن العرق بغرسه صار ظالما حتى كان الفعل له قال ابن الأثير هو على حذف مضاف فجعل العرق نفسه ظالما والحق لصاحبه أو يكون الظالم من صفة العرق اهـ أي لذي عرق ظالم وروي بالإضافة فالظالم صاحب العرق وهو الغارس لأنه تصرف في ملك الغير فليس له ( حق)في الإبقاء فيها ( قال مالك والعرق الظالم كل ما احتفر)بضم التاء وكسر الفاء أي حفر ( أو أخذ أو غرس بغير حق)وظاهر هذا أن الرواية بالتنوين وبه جزم في تهذيب الأسماء واللغات فقال واختار مالك والشافعي تنوين عرق وذكر نصه هذا ونص الشافعي بنحوه وبالتنوين جزم الأزهري وابن فارس وغيرهما وبالغ الخطابي فغلط من رواه بالإضافة وليس كما قال فقد ثبتت ووجهها ظاهر فلا يكون غلطا فالحديث يروى بالوجهين وقال القاضي عياض أصل العرق الظالم في الغرس يغرسه في الأرض غير ربها ليستوجبها به وكذلك ما أشبهه من بناء أو استنباط ماء أو استخراج معدن سميت عرقا لشبهها في الإحياء بعرق الغرس وفي المنتقى قال عروة وربيعة العروق أربعة عرقان ظاهران البناء والغرس وعرقان باطنان المياه والمعادن فليس للظالم في ذلك حق في بقاء أو انتفاع فمن فعل ذلك في ملك غيره ظلما فلربه أن يأمره بقلعه أو يخرجه منه ويدفع إليه قيمته مقلوعا وما لا قيمة له بقي لصاحب الأرض على حاله بلا عوض اهـ وروى إسحاق بن راهويه وابن عبد البر في التمهيد عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أحيا مواتا من الأرض في غير حق مسلم فهو له وليس لعرق ظالم حق وكثير ضعيف لكن شاهده حديث الباب ( مالك عن ابن شهاب)الزهري ( عن سالم بن عبد الله)بن عمر ( عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال من أحيا أرضا ميتة فهي له)والميتة الخراب التي لا عمارة بها وإحياؤها عمارتها شبهت عمارة الأرض بحياة الأبدان وتعطلها وخلوها عن العمارة بفقد الحياة وزوالها عنها وفائدة ذكر الموقوف عقب المرفوع مع أن الحجة به الإشارة إلى عدم تطرق نسخه ولذا أكده حيث قال ( مالك وعلى ذلك الأمر عندنا) بالمدينة.