فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ جَامِعِ الْقَطْعِ

رقم الحديث 1543 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ أَقْطَعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ قَدِمَ فَنَزَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَشَكَا إِلَيْهِ أَنَّ عَامِلَ الْيَمَنِ قَدْ ظَلَمَهُ.
فَكَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَيَقُولُ أَبُو بَكْرٍ: وَأَبِيكَ مَا لَيْلُكَ بِلَيْلِ سَارِقٍ.
ثُمَّ إِنَّهُمْ فَقَدُوا عِقْدًا لِأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ امْرَأَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَطُوفُ مَعَهُمْ.
وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِمَنْ بَيَّتَ أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ الصَّالِحِ.
فَوَجَدُوا الْحُلِيَّ عِنْدَ صَائِغٍ.
زَعَمَ أَنَّ الْأَقْطَعَ جَاءَهُ بِهِ فَاعْتَرَفَ بِهِ الْأَقْطَعُ، أَوْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِهِ.
فَأَمَرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَقُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى.
.

     وَقَالَ  أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لَدُعَاؤُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَشَدُّ عِنْدِي عَلَيْهِ مِنْ سَرِقَتِهِ
قَالَ يَحْيَى، قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الَّذِي يَسْرِقُ مِرَارًا ثُمَّ يُسْتَعْدَى عَلَيْهِ: إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ لِجَمِيعِ مَنْ سَرَقَ مِنْهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ.
فَإِنْ كَانَ قَدْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ سَرَقَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ، قُطِعَ أَيْضًا.


( جامع القطع)

( مالك عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن الصديق ( عن أبيه أن رجلاً من أهل اليمن) لم يسم ( أقطع اليد) اليمنى ( والرجل) اليسرى في السرقة ( قدم) المدينة ( فنزل على أبي بكر الصديق) في خلافته ( فشكا إليه أن عامل اليمن قد ظلمه فكان يصلي من الليل) أي بعضه ( فيقول أبو بكر) متعجبًا ( وأبيك) قسم على معنى ورب أبيك أو كلمة جرت على لسان العرب ولا يقصدون بها القسم ( ما ليلك بليل سارق) لأن قيام الليل ينافي السرقة ( ثم أنهم فقدوا) بفتح الفاء والقاف ( عقدًا) بكسر فسكون قلادة ( لأسماء بنت عميس) بضم المهملة وآخره سين مهملة مصغر ( امرأة أبي بكر الصديق) أم ابنه محمد وهي صحابية شهيرة ( فجعل الرجل يطوف) يدور ( معهم) أي مع الذين بعثوا للتفتيش على العقد ( ويقول اللهم عليك بمن بيت) بفتح الباء والتحتية الثقيلة ( أهل هذا البيت الصالح) أي أغار عليهم ليلاً بأخذ العقد ( فوجدوا الحلي) الذي هو العقد ( عند صائغ زعم أن الأقطع جاءه به فاعترف به الأقطع وأشهد عليه به) شك الراوي ( فأمر به أبو بكر الصديق فقطعت يده اليسرى وقال أبو بكر والله لدعاؤه على نفسه أشد عندي) وفي نسخة علي وفي أخرى عليه ( من سرقته) لأن فيها حظًا للنفس في الجملة بخلاف الدعاء عليها ولما في ذلك من عدم المبالاة بالكبائر ( قال مالك الأمر عندنا في الذي يسرق مرارًا ثم يستعدي عليه أنه ليس عليه إلا أن تقطع يده لجميع من سرق منه) لأن حد القطع لله تعالى لا لمن سرق منهم وإلا لجاز عفوهم إذا بلغ الإمام وهذا ( إذا لم يكن أقيم عليه الحد فإن كان قد أقيم عليه الحد قبل ذلك ثم سرق ما يجب فيه القطع قطع أيضًا) من خلاف ( مالك أن أبا الزناد أخبره أن عاملاً لعمر بن عبد العزيز أخذ ناسًا في حرابة) بكسر الحاء المهملة أي مقاتلة وبخاء معجمة مكسورة أيضًا ضبط بهما بالقلم في نسخة صحيحة ويقال خرب بالمعجمة يخرب من باب قتل خرابة بالكسر إذا سرق لكن يؤيد الإهمال قوله ( ولم يقتلوا أحدًا فأراد أن يقطع أيديهم أو يقتل) إذ التخيير في ذلك وفي الصلب والنفي إنما هو في الخرابة بالإهمال لا في الخرابة بالإعجام بمعنى السرقة إذ لا قتل فيها ولا غيره سوى القطع ( فكتب إلى عمر بن عبد العزيز في ذلك فكتب إليه عمر بن عبد العزيز لو أخذت بأيسر ذلك) أهونه لكان أحسن فحذف جواب لو أو هي للتمني فلا جواب لها وهذا أيضًا يؤيد الإهمال إذ لو كانوا سرقوا لأمر بالقطع جزمًا ( مالك الأمر عندنا في الذي يسرق أمتعة الناس التي تكون موضوعة بالأسواق محرزة) في حرز مثلها ( قد أحرزها أهلها) أصحابها ( في أوعيتهم وضموا بعضها إلى بعض أنه من سرق من ذلك شيئًا من حرزه فبلغ قيمته ما يجب فيه القطع) ثلاثة دراهم ( فإن عليه القطع) سواء ( كان صاحب المتاع عند متاعه أو لم يكن ليلاً كان ذلك أو نهارًا) إذ لا فرق في المخرج من الحرز في ذلك ( قال مالك في الذي يسرق ما يجب عليه فيه القطع ثم يوجد معه ما سرق فيرد إلى صاحبه أنه تقطع يده) لأنه حق لله إذا بلغ الإمام ( فإن قال قائل كيف تقطع يده و) الحال أنه ( قد أخذ المتاع منه ودفع إلى صاحبه) فلا يقل ذلك ( فإنما هو) أي السارق ( بمنزلة الشارب) للخمر ( يوجد منه ريح الشراب المسكر) شأنه ( وليس به سكر) لنحو اعتياد فصار لا يسكره ( فيجلد الحد وإنما يجلد الحد في المسكر إذا شربه ولم يسكره و) وجه ( ذلك أنه إنما شربه ليسكره فكذلك تقطع يد السارق في السرقة التي أخذت منه ولو لم ينتفع بها ورجعت إلى صاحبها و) ذلك أنه ( إنما سرقها ليذهب بها) فحاصل جوابه أنه لا يشترط في قطع السرقة الانتفاع بالفعل بل مجرد القصد والخروج من الحرز كاف كما أنه لا يشترط في حد الشرب السكر بالفعل بل تعاطيه وإن لم يسكر ( قال مالك في القوم يأتون إلى البيت فيسرقون منه جميعًا فيخرجون بالعدل) بكسر فسكون الحمل من الأمتعة ونحوها ( يحملونه جميعًا أو) يخرجون ( بالصندوق) بضم الصاد وقد تفتح والزندوق والسندوق لغات جمعه صناديق كما في القاموس ( أو بالخشبة) واحدة الخشب ( أو بالمكتل) بكسر الميم وإسكان الكاف وفتح الفوقية الزنبيل وهو ما يعمل من الخوص يحمل فيه التمر وغيره ( أو ما يشبه ذلك مما يحمله القوم جميعًا) لثقله ( إنهم) بكسر الهمزة ( إذا أخرجوا ذلك من حرزه وهم يحملونه جميعًا فبلغ ثمن ما خرجوا به من ذلك ما يجب فيه القطع وذلك ثلاثة دراهم فصاعدًا فعليهم القطع جميعًا) أي يقطع كل واحد منهم إذ لولا اجتماعهم ما قدروا على إخراجه ( وإن خرج كل واحد منهم بمتاع على حدته) بالكسر ( فمن خرج منهم بما تبلغ قيمته ثلاثة دراهم فصاعدًا فعليه القطع ومن لم يخرج منهم بما تبلغ قيمته ثلاثة دراهم فلا قطع عليه) لنقص شرط القطع وهو النصاب ( والأمر عندنا إذا كانت دار رجل مغلقة) مقفلة ( عليه ليس معه فيها غيره فإنه لا يجب على من سرق منها شيئًا القطع حتى يخرج به من الدار كلها و) وجه ( ذلك أن الدار كلها هي حرزه فإن كان معه في الدار ساكن غيره وكان كل إنسان منهم يغلق) بكسر اللام ( عليه بابه وكانت حرزًا لهم جميعًا فمن سرق من بيوت تلك الدار شيئًا فخرج به إلى الدار فقد أخرجه من حرزه إلى غير حرزه ووجب عليه فيه القطع والأمر عندنا في العبد يسرق) بكسر الراء ( من متاع سيده أنه إن كان ليس من خدمه ولا ممن يؤمن على بيته ثم دخل سرًا فسرق من متاع سيده ما يجب فيه القطع فلا قطع عليه وكذلك الأمة إذا سرقت من متاع سيدها لا قطع عليها) وحاصله أن لا قطع على رقيق سرق من مال سيده ( وقال في العبد لا يكون من خدمه ولا ممن يؤمن على بيته فدخل سرًا فسرق من متاع امرأة سيده ما يجب فيه القطع أنه تقطع يده وكذلك أمة المرأة إذا كانت ليست بخادم لها ولا لزوجها ولا ممن تؤمن على بيتها فدخلت سرًا فسرقت من متاع سيدتها ما يجب فيه القطع) على غيرها ( فلا قطع عليها وكذلك أمة المرأة التي لا تكون من خدمها ولا ممن تؤمن على بيتها فدخلت سرًا فسرقت من متاع زوج سيدتها ما يجب فيه القطع أنها تقطع يدها) إذ لا ملك لزوج سيدتها فيها ( وكذلك الرجل يسرق من متاع امرأته أو المرأة تسرق من متاع زوجها ما يجب فيه القطع إن كان الذي سرق كل واحد منهما من متاع صاحبه في بيت سوى البيت الذي يغلقان عليهما وكان في حرز سوى البيت الذي هما فيه فإن من سرق منهما من متاع صاحبه ما يجب فيه القطع فعليه القطع) وكذا إن سرق كل ما حجر عليه الآخر ولو في بيت واحد ( قال مالك في الصبي الصغير والأعجمي الذي لا يفصح) بضم فسكون فكسر صفة مبينة لأعجميته ( أنهما إذا سرقا) بضم أوله ( من حرزهما وغلقهما فعلى من سرقهما القطع فإن خرجا من حرزهما وغلقهما فليس على من سرقهما قطع) لفقد شرطه ( وإنما هما بمنزلة حريسة الجبل) أي ما يحرس فيه ( والثمر المعلق) على شجره ( والأمر عندنا في الذي ينبش) بضم الباء وكسرها يكشف ( القبور أنه إذا بلغ ما أخرج من القبر ما يجب فيه القطع فعليه فيه القطع وذلك أن القبر حرز لما فيه كما البيوت حرز لما فيها ولا يجب عليه القطع حتى يخرج به من القبر) فإن لم يخرج فلا قطع.



رقم الحديث 1544 قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ فَبَتَّ عِتْقَهُ، حَتَّى تَجُوزَ شَهَادَتُهُ وَتَتِمَّ حُرِّيَّتُهُ وَيَثْبُتَ مِيرَاثُهُ.
فَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا يَشْتَرِطُ عَلَى عَبْدِهِ مِنْ مَالٍ أَوْ خِدْمَةٍ.
وَلَا يَحْمِلَ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنَ الرِّقِّ.
لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ.
فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ.
وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ قَالَ مَالِكٌ: فَهُوَ، إِذَا كَانَ لَهُ الْعَبْدُ خَالِصًا أَحَقُّ بِاسْتِكْمَالِ عَتَاقَتِهِ.
وَلَا يَخْلِطُهَا بِشَيْءٍ مِنَ الرِّقِّ.


الشرط في العتق

( مالك من أعتق عبدا له فبت عتقه) أي نجزه ( حتى تجوز شهادته وتتم حرمته ويثبت ميراثه فليس لسيده أن يشترط عليه مثل ما يشترط على عبده من مال أو خدمة ولا يحمل عليه شيئا من الرق) أي لا يجريه على شيء من أحكامه ( لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أعتق) ناجزا أو معلقا على شيء وجد عند الجمهور ( شركا) أي شقصا أي نصيبا له ( في عبد) أي رقيق ذكر أو أنثى ( قوم) بالبناء للمفعول ( قيمة العدل) فلا يزاد على قيمته ولا ينقص ( فأعطى شركاءه حصصهم) أي قيمتها ( وعتق عليه) العبد بعد الإعطاء بالحكم على أصح الروايتين عن الإمام كما يدل عليه لفظ قوم وظاهره العموم في كل من أعتق لكنه مخصوص باتفاق فلا يصح من مجنون ولا محجور عليه بسفه وفي المحجور عليه بفلس والعبد والمريض مرض الموت والكافر تفاصيل بحسب ما يظهر لهم من أدلة التخصيص وخرج بقوله أعتق ما إذا أعتق عليه بأن ورث بعض من يعتق عليه بقرابة فلا سراية عند الجمهور وعن أحمد رواية بالسراية ( قال مالك فهو إذا كان له العبد خالصا) أي لا شريك له فيه ( أحق باستكمال عتاقته) إذا أعتق بعضه ( ولا يخلطها بشيء من الرق) لأنه إذا لزمه تكميله بدفع قيمته لشركائه فأولى إذا كان له كله وأعتق بعضه.



رقم الحديث 1544 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا الزِّنَادِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَامِلًا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَذَ نَاسًا فِي حِرَابَةٍ وَلَمْ يَقْتُلُوا أَحَدًا فَأَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ أَيْدِيَهُمْ أَوْ يَقْتُلَ، فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي ذَلِكَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَوْ أَخَذْتَ بِأَيْسَرِ ذَلِكَ قَالَ يَحْيَى وسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الَّذِي يَسْرِقُ أَمْتِعَةَ النَّاسِ الَّتِي تَكُونُ مَوْضُوعَةً بِالْأَسْوَاقِ مُحْرَزَةً قَدْ أَحْرَزَهَا أَهْلُهَا فِي أَوْعِيَتِهِمْ وَضَمُّوا بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ: إِنَّهُ مَنْ سَرَقَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ حِرْزِهِ فَبَلَغَ قِيمَتُهُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْقَطْعَ سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ عِنْدَ مَتَاعِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَيْلًا ذَلِكَ أَوْ نَهَارًا قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَسْرِقُ: مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ الْقَطْعُ ثُمَّ يُوجَدُ مَعَهُ مَا سَرَقَ فَيُرَدُّ إِلَى صَاحِبِهِ إِنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ.
قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ تُقْطَعُ يَدُهُ وَقَدْ أُخِذَ الْمَتَاعُ مِنْهُ وَدُفِعَ إِلَى صَاحِبِهِ؟ فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الشَّارِبِ.
يُوجَدُ مِنْهُ رِيحُ الشَّرَابِ الْمُسْكِرِ.
وَلَيْسَ بِهِ سُكْرٌ فَيُجْلَدُ الْحَدَّ.
قَالَ: وَإِنَّمَا يُجْلَدُ الْحَدَّ فِي الْمُسْكِرِ إِذَا شَرِبَهُ.
وَإِنْ لَمْ يُسْكِرْهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِنَّمَا شَرِبَهُ لِيُسْكِرَهُ.
فَكَذَلِكَ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي السَّرِقَةِ.
الَّتِي أُخِذَتْ مِنْهُ وَلَوْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا.
وَرَجَعَتْ إِلَى صَاحِبِهَا وَإِنَّمَا سَرَقَهَا حِينَ سَرَقَهَا لِيَذْهَبَ بِهَا.
قَالَ مَالِكٌ فِي الْقَوْمِ يَأْتُونَ إِلَى الْبَيْتِ فَيَسْرِقُونَ مِنْهُ جَمِيعًا فَيَخْرُجُونَ بِالْعِدْلِ يَحْمِلُونَهُ جَمِيعًا أَوِ الصُّنْدُوقِ أَوِ الْخَشَبَةِ أَوْ بِالْمِكْتَلِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ: مِمَّا يَحْمِلُهُ الْقَوْمُ جَمِيعًا إِنَّهُمْ إِذَا أَخْرَجُوا ذَلِكَ مِنْ حِرْزِهِ.
وَهُمْ يَحْمِلُونَهُ جَمِيعًا.
فَبَلَغَ ثَمَنُ مَا خَرَجُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ.
مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ.
وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا فَعَلَيْهِمُ الْقَطْعُ جَمِيعًا.
قَالَ: وَإِنْ خَرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَتَاعٍ عَلَى حِدَتِهِ.
فَمَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ بِمَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ.
وَمَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُمْ بِمَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ إِذَا كَانَتْ دَارُ رَجُلٍ مُغْلَقَةً عَلَيْهِ لَيْسَ مَعَهُ فِيهَا غَيْرُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْهَا شَيْئًا الْقَطْعُ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ مِنَ الدَّارِ كُلِّهَا.
وَذَلِكَ أَنَّ الدَّارَ كُلَّهَا هِيَ حِرْزُهُ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ فِي الدَّارِ سَاكِنٌ غَيْرُهُ وَكَانَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ يُغْلِقُ عَلَيْهِ بَابَهُ وَكَانَتْ حِرْزًا لَهُمْ جَمِيعًا فَمَنْ سَرَقَ مِنْ بُيُوتِ تِلْكَ الدَّارِ شَيْئًا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ فَخَرَجَ بِهِ إِلَى الدَّارِ فَقَدْ أَخْرَجَهُ مِنْ حِرْزِهِ إِلَى غَيْرِ حِرْزِهِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ فِيهِ الْقَطْعُ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْعَبْدِ يَسْرِقُ مِنْ مَتَاعِ سَيِّدِهِ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ لَيْسَ مِنْ خَدَمِهِ.
وَلَا مِمَّنْ يَأْمَنُ عَلَى بَيْتِهِ.
ثُمَّ دَخَلَ سِرًّا.
فَسَرَقَ مِنْ مَتَاعِ سَيِّدِهِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ.
فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ إِذَا سَرَقَتْ مِنْ مَتَاعِ سَيِّدِهَا.
لَا قَطْعَ عَلَيْهَا.
.

     وَقَالَ  فِي الْعَبْدِ لَا يَكُونُ مِنْ خَدَمِهِ.
وَلَا مِمَّنْ يَأْمَنُ عَلَى بَيْتِهِ.
فَدَخَلَ سِرًّا.
فَسَرَقَ مِنْ مَتَاعِ امْرَأَةِ سَيِّدِهِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ إِنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ أَمَةُ الْمَرْأَةِ إِذَا كَانَتْ لَيْسَتْ بِخَادِمٍ لَهَا.
وَلَا لِزَوْجِهَا وَلَا مِمَّنْ تَأْمَنُ عَلَى بَيْتِهَا.
فَدَخَلَتْ سِرًّا فَسَرَقَتْ مِنْ مَتَاعِ سَيِّدَتِهَا مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهَا قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ أَمَةُ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا تَكُونُ مِنْ خَدَمِهَا.
وَلَا مِمَّنْ تَأْمَنُ عَلَى بَيْتِهَا.
فَدَخَلَتْ سِرًّا فَسَرَقَتْ مِنْ مَتَاعِ زَوْجِ سَيِّدَتِهَا مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ أَنَّهَا تُقْطَعُ يَدُهَا قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَسْرِقُ مِنْ مَتَاعِ امْرَأَتِهِ.
أَوِ الْمَرْأَةُ تَسْرِقُ مِنْ مَتَاعِ زَوْجِهَا مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ: إِنْ كَانَ الَّذِي سَرَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ مَتَاعِ صَاحِبِهِ فِي بَيْتٍ سِوَى الْبَيْتِ الَّذِي يُغْلِقَانِ عَلَيْهِمَا.
وَكَانَ فِي حِرْزٍ سِوَى الْبَيْتِ الَّذِي هُمَا فِيهِ.
فَإِنَّ مَنْ سَرَقَ مِنْهُمَا مِنْ مَتَاعِ صَاحِبِهِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ.
فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الصَّبِيِّ الصَّغِيرِ وَالْأَعْجَمِيِّ الَّذِي لَا يُفْصِحُ: أَنَّهُمَا إِذَا سُرِقَا مِنْ حِرْزِهِمَا أَوْ غَلْقِهِمَا.
فَعَلَى مَنْ سَرَقَهُمَا الْقَطْعُ.
وَإِنْ خَرَجَا مِنْ حِرْزِهِمَا وَغَلْقِهِمَا.
فَلَيْسَ عَلَى مَنْ سَرَقَهُمَا قَطْعٌ.
قَالَ: وَإِنَّمَا هُمَا بِمَنْزِلَةِ حَرِيسَةِ الْجَبَلِ وَالثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ.
قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الَّذِي يَنْبِشُ الْقُبُورَ: أَنَّهُ إِذَا بَلَغَ مَا أَخْرَجَ مِنَ الْقَبْرِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ.
فَعَلَيْهِ فِيهِ الْقَطْعُ.
وقَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَنَّ الْقَبْرَ حِرْزٌ لِمَا فِيهِ كَمَا أَنَّ الْبُيُوتَ حِرْزٌ لِمَا فِيهَا.
قَالَ: وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ مِنَ الْقَبْرِ.


( جامع القطع)

( مالك عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن الصديق ( عن أبيه أن رجلاً من أهل اليمن) لم يسم ( أقطع اليد) اليمنى ( والرجل) اليسرى في السرقة ( قدم) المدينة ( فنزل على أبي بكر الصديق) في خلافته ( فشكا إليه أن عامل اليمن قد ظلمه فكان يصلي من الليل) أي بعضه ( فيقول أبو بكر) متعجبًا ( وأبيك) قسم على معنى ورب أبيك أو كلمة جرت على لسان العرب ولا يقصدون بها القسم ( ما ليلك بليل سارق) لأن قيام الليل ينافي السرقة ( ثم أنهم فقدوا) بفتح الفاء والقاف ( عقدًا) بكسر فسكون قلادة ( لأسماء بنت عميس) بضم المهملة وآخره سين مهملة مصغر ( امرأة أبي بكر الصديق) أم ابنه محمد وهي صحابية شهيرة ( فجعل الرجل يطوف) يدور ( معهم) أي مع الذين بعثوا للتفتيش على العقد ( ويقول اللهم عليك بمن بيت) بفتح الباء والتحتية الثقيلة ( أهل هذا البيت الصالح) أي أغار عليهم ليلاً بأخذ العقد ( فوجدوا الحلي) الذي هو العقد ( عند صائغ زعم أن الأقطع جاءه به فاعترف به الأقطع وأشهد عليه به) شك الراوي ( فأمر به أبو بكر الصديق فقطعت يده اليسرى وقال أبو بكر والله لدعاؤه على نفسه أشد عندي) وفي نسخة علي وفي أخرى عليه ( من سرقته) لأن فيها حظًا للنفس في الجملة بخلاف الدعاء عليها ولما في ذلك من عدم المبالاة بالكبائر ( قال مالك الأمر عندنا في الذي يسرق مرارًا ثم يستعدي عليه أنه ليس عليه إلا أن تقطع يده لجميع من سرق منه) لأن حد القطع لله تعالى لا لمن سرق منهم وإلا لجاز عفوهم إذا بلغ الإمام وهذا ( إذا لم يكن أقيم عليه الحد فإن كان قد أقيم عليه الحد قبل ذلك ثم سرق ما يجب فيه القطع قطع أيضًا) من خلاف ( مالك أن أبا الزناد أخبره أن عاملاً لعمر بن عبد العزيز أخذ ناسًا في حرابة) بكسر الحاء المهملة أي مقاتلة وبخاء معجمة مكسورة أيضًا ضبط بهما بالقلم في نسخة صحيحة ويقال خرب بالمعجمة يخرب من باب قتل خرابة بالكسر إذا سرق لكن يؤيد الإهمال قوله ( ولم يقتلوا أحدًا فأراد أن يقطع أيديهم أو يقتل) إذ التخيير في ذلك وفي الصلب والنفي إنما هو في الخرابة بالإهمال لا في الخرابة بالإعجام بمعنى السرقة إذ لا قتل فيها ولا غيره سوى القطع ( فكتب إلى عمر بن عبد العزيز في ذلك فكتب إليه عمر بن عبد العزيز لو أخذت بأيسر ذلك) أهونه لكان أحسن فحذف جواب لو أو هي للتمني فلا جواب لها وهذا أيضًا يؤيد الإهمال إذ لو كانوا سرقوا لأمر بالقطع جزمًا ( مالك الأمر عندنا في الذي يسرق أمتعة الناس التي تكون موضوعة بالأسواق محرزة) في حرز مثلها ( قد أحرزها أهلها) أصحابها ( في أوعيتهم وضموا بعضها إلى بعض أنه من سرق من ذلك شيئًا من حرزه فبلغ قيمته ما يجب فيه القطع) ثلاثة دراهم ( فإن عليه القطع) سواء ( كان صاحب المتاع عند متاعه أو لم يكن ليلاً كان ذلك أو نهارًا) إذ لا فرق في المخرج من الحرز في ذلك ( قال مالك في الذي يسرق ما يجب عليه فيه القطع ثم يوجد معه ما سرق فيرد إلى صاحبه أنه تقطع يده) لأنه حق لله إذا بلغ الإمام ( فإن قال قائل كيف تقطع يده و) الحال أنه ( قد أخذ المتاع منه ودفع إلى صاحبه) فلا يقل ذلك ( فإنما هو) أي السارق ( بمنزلة الشارب) للخمر ( يوجد منه ريح الشراب المسكر) شأنه ( وليس به سكر) لنحو اعتياد فصار لا يسكره ( فيجلد الحد وإنما يجلد الحد في المسكر إذا شربه ولم يسكره و) وجه ( ذلك أنه إنما شربه ليسكره فكذلك تقطع يد السارق في السرقة التي أخذت منه ولو لم ينتفع بها ورجعت إلى صاحبها و) ذلك أنه ( إنما سرقها ليذهب بها) فحاصل جوابه أنه لا يشترط في قطع السرقة الانتفاع بالفعل بل مجرد القصد والخروج من الحرز كاف كما أنه لا يشترط في حد الشرب السكر بالفعل بل تعاطيه وإن لم يسكر ( قال مالك في القوم يأتون إلى البيت فيسرقون منه جميعًا فيخرجون بالعدل) بكسر فسكون الحمل من الأمتعة ونحوها ( يحملونه جميعًا أو) يخرجون ( بالصندوق) بضم الصاد وقد تفتح والزندوق والسندوق لغات جمعه صناديق كما في القاموس ( أو بالخشبة) واحدة الخشب ( أو بالمكتل) بكسر الميم وإسكان الكاف وفتح الفوقية الزنبيل وهو ما يعمل من الخوص يحمل فيه التمر وغيره ( أو ما يشبه ذلك مما يحمله القوم جميعًا) لثقله ( إنهم) بكسر الهمزة ( إذا أخرجوا ذلك من حرزه وهم يحملونه جميعًا فبلغ ثمن ما خرجوا به من ذلك ما يجب فيه القطع وذلك ثلاثة دراهم فصاعدًا فعليهم القطع جميعًا) أي يقطع كل واحد منهم إذ لولا اجتماعهم ما قدروا على إخراجه ( وإن خرج كل واحد منهم بمتاع على حدته) بالكسر ( فمن خرج منهم بما تبلغ قيمته ثلاثة دراهم فصاعدًا فعليه القطع ومن لم يخرج منهم بما تبلغ قيمته ثلاثة دراهم فلا قطع عليه) لنقص شرط القطع وهو النصاب ( والأمر عندنا إذا كانت دار رجل مغلقة) مقفلة ( عليه ليس معه فيها غيره فإنه لا يجب على من سرق منها شيئًا القطع حتى يخرج به من الدار كلها و) وجه ( ذلك أن الدار كلها هي حرزه فإن كان معه في الدار ساكن غيره وكان كل إنسان منهم يغلق) بكسر اللام ( عليه بابه وكانت حرزًا لهم جميعًا فمن سرق من بيوت تلك الدار شيئًا فخرج به إلى الدار فقد أخرجه من حرزه إلى غير حرزه ووجب عليه فيه القطع والأمر عندنا في العبد يسرق) بكسر الراء ( من متاع سيده أنه إن كان ليس من خدمه ولا ممن يؤمن على بيته ثم دخل سرًا فسرق من متاع سيده ما يجب فيه القطع فلا قطع عليه وكذلك الأمة إذا سرقت من متاع سيدها لا قطع عليها) وحاصله أن لا قطع على رقيق سرق من مال سيده ( وقال في العبد لا يكون من خدمه ولا ممن يؤمن على بيته فدخل سرًا فسرق من متاع امرأة سيده ما يجب فيه القطع أنه تقطع يده وكذلك أمة المرأة إذا كانت ليست بخادم لها ولا لزوجها ولا ممن تؤمن على بيتها فدخلت سرًا فسرقت من متاع سيدتها ما يجب فيه القطع) على غيرها ( فلا قطع عليها وكذلك أمة المرأة التي لا تكون من خدمها ولا ممن تؤمن على بيتها فدخلت سرًا فسرقت من متاع زوج سيدتها ما يجب فيه القطع أنها تقطع يدها) إذ لا ملك لزوج سيدتها فيها ( وكذلك الرجل يسرق من متاع امرأته أو المرأة تسرق من متاع زوجها ما يجب فيه القطع إن كان الذي سرق كل واحد منهما من متاع صاحبه في بيت سوى البيت الذي يغلقان عليهما وكان في حرز سوى البيت الذي هما فيه فإن من سرق منهما من متاع صاحبه ما يجب فيه القطع فعليه القطع) وكذا إن سرق كل ما حجر عليه الآخر ولو في بيت واحد ( قال مالك في الصبي الصغير والأعجمي الذي لا يفصح) بضم فسكون فكسر صفة مبينة لأعجميته ( أنهما إذا سرقا) بضم أوله ( من حرزهما وغلقهما فعلى من سرقهما القطع فإن خرجا من حرزهما وغلقهما فليس على من سرقهما قطع) لفقد شرطه ( وإنما هما بمنزلة حريسة الجبل) أي ما يحرس فيه ( والثمر المعلق) على شجره ( والأمر عندنا في الذي ينبش) بضم الباء وكسرها يكشف ( القبور أنه إذا بلغ ما أخرج من القبر ما يجب فيه القطع فعليه فيه القطع وذلك أن القبر حرز لما فيه كما البيوت حرز لما فيها ولا يجب عليه القطع حتى يخرج به من القبر) فإن لم يخرج فلا قطع.