فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ

رقم الحديث 1557 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبِتْعِ؟ فَقَالَ: كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ.


( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن أبي سلمة) إسماعيل أو عبد الله أو اسمه كنيته ( ابن عبد الرحمن) ابن عوف ( عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع) بكسر الموحدة وتفتح وسكون الفوقية وقد تفتح وعين مهملة وهو شراب العسل وكان أهل اليمن يشربونه كما زاده في رواية شعيب عن الزهري بسنده عند البخاري قال أبو عمر بلا خلاف عند أهل الفقه واللغة أعلمه في ذلك قال الحافظ ولم أقف على اسم السائل صريحًا لكني أظنه أبا موسى الأشعري كما عند البخاري في المغازي عن أبي موسى أنه صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن فسأله عن أشربة تصنع بها فقال ما هي قال البتع والمزر ( فقال) صلى الله عليه وسلم ( كل شراب أسكر فهو حرام) عمومه شامل لما اتخذ من عصير العنب ومن غيره قال أبو عمر إذا خرج الخبر بتحريم المسكر على شراب العسل فكل مسكر مثله في الحكم ولذا قال عمر كل مسكر خمر وقال في الفتح يؤخذ من لفظ السؤال أنه وقع عن حكم جنس البتع لا عن القدر المسكر منه لأن السائل لو أراد ذلك لقال أخبرني عما يحل منه وما يحرم وهذا هو المعهود من لسان العرب إذا سألوا عن الجنس قالوا هل هذا نافع أو ضار مثلاً وإذا سألوا عن القدر قالوا كم يؤخذ منه وفيه أن المفتي يجيب السائل بزيادة عما سأله عنه إذا كان مما يحتاج إليه السائل وتحريم كل مسكر سواء اتخذ من عصير العنب أو غيره قال المازري أجمعوا على أن عصير العنب قبل أن يشتد حلال وعلى أنه إذا اشتد وغلى وقذف بالزبد حرم قليله وكثيره ثم إن حصل له تخلل بنفسه حل بالإجماع أيضًا فوقع النظر في تبدل هذه الأحكام عند هذه المحددات فأشعر ذلك بارتباط بعضها ببعض ودل على أن علة التحريم الإسكار فاقتضى ذلك أن كل شراب وجد فيه الإسكار حرم تناول قليله وكثيره وهذا الذي استنبطه المازري ثبت عند أبي داود والنسائي وصححه ابن حبان عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسكر كثيره فقليله حرام وفي ذلك جواز القياس باطراد العلة فتحرم جميع الأنبذة المسكرة وبذلك قال الأئمة الثلاثة والجمهور وقال أبو المظفر السمعاني في قياس النبيذ على الخمر بعلة الإسكار والإطراب من أجل الأقيسة وأوضحها والمقايسة التي في الخمر توجد في النبيذ وقال الحنفية نقيع التمر والزبيب وغيرهما من الأنبذة إذا غلى واشتد حرم ولا يحد شاربه حتى يسكر ولا يكفر مستحله وأما الذي في ماء العنب فحرام ويكفر مستحله لثبوت حرمتها بدليل قطعي وقد ورد لفظ هذا الحديث ومعناه من طرق عن أكثر من ثلاثين من الصحابة مضمونها أن المسكر لا يحل تناوله ويكفي ذلك في الرد على المخالف وقد قال جابر حرمت الخمر يوم حرمت وما كان شرب الناس إلا البسر والتمر وقال مالك نزل تحريم الخمر وما بالمدينة خمر من عنب وقال الحكيمي

لنا خمر وليست خمر كرم
ولكن من نتاج الباسقات

كرام في السماء ذهبن طولاً
وفات ثمارها أيدي الجناة

قال ابن عبد البر أجمع أهل المدينة على ذلك قرنًا بعد قرن وما أجمعوا عليه فهو الحق ثم أخرج من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن زيد بن ثابت قال إذا رأيت أهل المدينة قد أجمعوا على شيء فاعلم أنه سنة وقال ابن عبد الرحمن هو الحق الذي لا شك فيه ولا حجة للمخالف فيما رواه النسائي برجال ثقات عن ابن عباس مرفوعًا حرمت الخمر قليلها وكثيرها والسكر من كل شراب لأنه اختلف في وصله وانقطاعه وفي رفعه ووقفه وعلى تقدير صحته فقد رجح أحمد وغيره أن الرواية فيه بلفظ والمسكر بضم الميم وسكون السين لا السكر بضم السين أو بفتحتين وعلى تقدير ثبوتها فهو حديث فرد ولفظه محتمل فكيف يعارض عموم تلك الأحاديث مع كثرتها وصحتها وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به ( مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار) مرسلاً قال ابن عبد البر ذكر ابن شعبان أن ابن القاسم أسنده عن مالك فقال عن ابن عباس والذي عندنا في موطأ ابن القاسم مرسلاً كالجماعة وإنما أسنده ابن وهب وحده عن مالك عن زيد عن عطاء عن ابن عباس ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الغبيراء) بضم الغين المعجمة وفتح الموحدة وسكون التحتية فراء فألف ممدودة نبيذ الذرة وقيل نبيذ الأرز وبه جزم أبو عمر ( فقال لا خير فيها) لأنها مسكرة ( ونهى عنها) تحريمًا ( قال مالك سألت زيد بن أسلم ما الغبيراء فقال هي الأسكركة) بضم الهمزة وإسكان المهملة وكافين مفتوحتين بينهما راء ساكنة وآخره هاء وفي نسخة السكركة بفتح السين وسكون الكاف الأولى وفتح الراء والكاف الثانية وبالهاء وفي الحديث إياكم والغبيراء فإنها خمر الأعاجم قال أبو عبيد هي ضرب من الشراب يتخذه الحبش من الذرة يسكر ويقال لها السكركة وفي الصحيحين أن عمر خطب على المنبر فقال في خطبته أنه قد نزل تحريم الخمر وهي من خمسة أشياء العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل والخمر ما خامر العقل فخطب بذلك بحضور أكابر الصحابة ولم ينكر عليه أحد فله حكم الرفع لأنه خبر صحابي شهد التنزيل وقد أخرج أصحاب السنن الأربعة وصححه ابن حبان عن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الخمر من العصير والزبيب والتمر والحنطة والشعير والذرة فهذا صريح في الرفع وعد عمر الخمسة لاشتهار أسمائها في زمنه وجعل ما في معناها مما يتخذ من أرز وغيره خمرًا إذ ربما تخامر العقل ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها) أي عن شربها حتى مات وفي لفظ ثم إشعار بأن تراخي التوبة لا يمنع قبولها ما لم يغرغر ( حرمها) بضم الحاء المهملة وكسر الراء الخفيفة من الحرمان أي منع من شربها ( في الآخرة) ولمسلم من طريق أيوب عن نافع فمات وهو مدمنها لم يشربها في الآخرة قال ابن العربي ظاهر الحديث أنه لا يشربها في الجنة وذلك لأنه استعجل ما أمر بتأخيره ووعد به فحرمه عند ميقاته كالوارث إذا قتل مورثه فإنه يحرم ميراثه لاستعجاله وبهذا قال نفر من الصحابة ومن العلماء وهو موضع احتمال وتوقف وإشكال والله أعلم كيف يكون الحال وقال القرطبي نقول بظاهره أنه يحرم ذلك وإن دخل الجنة إذا لم يتب لاستعجال ما أخر الله له في الآخرة وارتكاب ما حرم عليه في الدنيا وقد أخرج الطيالسي بسند صحيح وابن حبان والحاكم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو قال فهذا نص صريح إن كان كله مرفوعًا وإن كانت الجملة الأخيرة مدرجة من كلام الراوي فهو أعرف بالحديث وأعلم بالحال ومثله لا يقال من قبل الرأي وقيل إن الحديث مؤول على حرمانه وقت تعذيبه في النار فإذا خرج منها بالشفاعة أو بالرحمة العامة وأدخل الجنة لم يحرم شيئًا منها لا خمرًا ولا حريرًا ولا غير ذلك لأن حرمان شيء من ذلك لمن هو في الجنة يعد عقوبة ومؤاخذة والجنة ليست بدار عقوبة ولا مؤاخذة فيها بوجه من الوجوه وهذا ضعيف يرده حديث أبي سعيد والجواب عما قالوه أنه لا يشتهي ذلك كما لا يشتهي منزلة من هو أرفع منه ولا يكون ذلك في حقه عقوبة انتهى وقال ابن المنير معناه لا يدخلها ولا يشرب الخمر فيها إلا إن عفا الله عنه كما في بقية الكبائر وهو في المشيئة فالمعنى جزاؤه في الآخرة أن يحرمها لحرمانه دخول الجنة إلا إن عفا الله عنه قال وجائز أن يدخلها بالعفو ثم لا يشرب فيها خمرًا ولا تشتهيها نفسه وإن علم وجوده فيها ويدل له حديث أبي سعيد المذكور قال الحافظ وفصل بعض المتأخرين بين من يشربها مستحلاً فهو الذي لا يشربها أصلاً لأنه لا يدخل الجنة وبين من يشربها عالمًا بتحريمها فهو محل الخلاف فقيل إنه الذي يحرم شربها مدة ولو حال تعذيبه إن عذب أو المعنى أن ذلك جزاؤه إن جوزي قال الحافظ وأعدل الأقوال أن الفعل المذكور يقتضي العقوبة المذكورة وقد يتخلف ذلك لمانع كالتوبة والحسنات التي توزن والمصائب التي تكفر وكدعاء الولد بشرائط ذلك وكذا شفاعة من يؤذن له في الشفاعة وأعم من ذلك كله عفو أرحم الراحمين وفي حديث الباب أن التوبة من الذنب مكفرة له وبه صرح الكتاب والسنة وهو مقطوع به في الكفر أما غيره فهل هو مقطوع أو مظنون قولان قال القرطبي والذي أقوله أن من استقرأ الشريعة قرآنًا وسنة علم بالقطع واليقين أن الله يقبل توبة الصادقين وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى النيسابوري والقعنبي كلهم عن مالك به وتابعه عبيد الله وموسى بن عقبة وأيوب وشعبة عن نافع بنحوه عند مسلم.



رقم الحديث 1558 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْغُبَيْرَاءِ؟ فَقَالَ: لَا خَيْرَ فِيهَا وَنَهَى عَنْهَا قَالَ مَالِكٌ فَسَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ مَا الْغُبَيْرَاءُ؟ فَقَالَ: هِيَ الْأُسْكَرْكَةُ.


( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن أبي سلمة) إسماعيل أو عبد الله أو اسمه كنيته ( ابن عبد الرحمن) ابن عوف ( عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع) بكسر الموحدة وتفتح وسكون الفوقية وقد تفتح وعين مهملة وهو شراب العسل وكان أهل اليمن يشربونه كما زاده في رواية شعيب عن الزهري بسنده عند البخاري قال أبو عمر بلا خلاف عند أهل الفقه واللغة أعلمه في ذلك قال الحافظ ولم أقف على اسم السائل صريحًا لكني أظنه أبا موسى الأشعري كما عند البخاري في المغازي عن أبي موسى أنه صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن فسأله عن أشربة تصنع بها فقال ما هي قال البتع والمزر ( فقال) صلى الله عليه وسلم ( كل شراب أسكر فهو حرام) عمومه شامل لما اتخذ من عصير العنب ومن غيره قال أبو عمر إذا خرج الخبر بتحريم المسكر على شراب العسل فكل مسكر مثله في الحكم ولذا قال عمر كل مسكر خمر وقال في الفتح يؤخذ من لفظ السؤال أنه وقع عن حكم جنس البتع لا عن القدر المسكر منه لأن السائل لو أراد ذلك لقال أخبرني عما يحل منه وما يحرم وهذا هو المعهود من لسان العرب إذا سألوا عن الجنس قالوا هل هذا نافع أو ضار مثلاً وإذا سألوا عن القدر قالوا كم يؤخذ منه وفيه أن المفتي يجيب السائل بزيادة عما سأله عنه إذا كان مما يحتاج إليه السائل وتحريم كل مسكر سواء اتخذ من عصير العنب أو غيره قال المازري أجمعوا على أن عصير العنب قبل أن يشتد حلال وعلى أنه إذا اشتد وغلى وقذف بالزبد حرم قليله وكثيره ثم إن حصل له تخلل بنفسه حل بالإجماع أيضًا فوقع النظر في تبدل هذه الأحكام عند هذه المحددات فأشعر ذلك بارتباط بعضها ببعض ودل على أن علة التحريم الإسكار فاقتضى ذلك أن كل شراب وجد فيه الإسكار حرم تناول قليله وكثيره وهذا الذي استنبطه المازري ثبت عند أبي داود والنسائي وصححه ابن حبان عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسكر كثيره فقليله حرام وفي ذلك جواز القياس باطراد العلة فتحرم جميع الأنبذة المسكرة وبذلك قال الأئمة الثلاثة والجمهور وقال أبو المظفر السمعاني في قياس النبيذ على الخمر بعلة الإسكار والإطراب من أجل الأقيسة وأوضحها والمقايسة التي في الخمر توجد في النبيذ وقال الحنفية نقيع التمر والزبيب وغيرهما من الأنبذة إذا غلى واشتد حرم ولا يحد شاربه حتى يسكر ولا يكفر مستحله وأما الذي في ماء العنب فحرام ويكفر مستحله لثبوت حرمتها بدليل قطعي وقد ورد لفظ هذا الحديث ومعناه من طرق عن أكثر من ثلاثين من الصحابة مضمونها أن المسكر لا يحل تناوله ويكفي ذلك في الرد على المخالف وقد قال جابر حرمت الخمر يوم حرمت وما كان شرب الناس إلا البسر والتمر وقال مالك نزل تحريم الخمر وما بالمدينة خمر من عنب وقال الحكيمي

لنا خمر وليست خمر كرم
ولكن من نتاج الباسقات

كرام في السماء ذهبن طولاً
وفات ثمارها أيدي الجناة

قال ابن عبد البر أجمع أهل المدينة على ذلك قرنًا بعد قرن وما أجمعوا عليه فهو الحق ثم أخرج من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن زيد بن ثابت قال إذا رأيت أهل المدينة قد أجمعوا على شيء فاعلم أنه سنة وقال ابن عبد الرحمن هو الحق الذي لا شك فيه ولا حجة للمخالف فيما رواه النسائي برجال ثقات عن ابن عباس مرفوعًا حرمت الخمر قليلها وكثيرها والسكر من كل شراب لأنه اختلف في وصله وانقطاعه وفي رفعه ووقفه وعلى تقدير صحته فقد رجح أحمد وغيره أن الرواية فيه بلفظ والمسكر بضم الميم وسكون السين لا السكر بضم السين أو بفتحتين وعلى تقدير ثبوتها فهو حديث فرد ولفظه محتمل فكيف يعارض عموم تلك الأحاديث مع كثرتها وصحتها وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به ( مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار) مرسلاً قال ابن عبد البر ذكر ابن شعبان أن ابن القاسم أسنده عن مالك فقال عن ابن عباس والذي عندنا في موطأ ابن القاسم مرسلاً كالجماعة وإنما أسنده ابن وهب وحده عن مالك عن زيد عن عطاء عن ابن عباس ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الغبيراء) بضم الغين المعجمة وفتح الموحدة وسكون التحتية فراء فألف ممدودة نبيذ الذرة وقيل نبيذ الأرز وبه جزم أبو عمر ( فقال لا خير فيها) لأنها مسكرة ( ونهى عنها) تحريمًا ( قال مالك سألت زيد بن أسلم ما الغبيراء فقال هي الأسكركة) بضم الهمزة وإسكان المهملة وكافين مفتوحتين بينهما راء ساكنة وآخره هاء وفي نسخة السكركة بفتح السين وسكون الكاف الأولى وفتح الراء والكاف الثانية وبالهاء وفي الحديث إياكم والغبيراء فإنها خمر الأعاجم قال أبو عبيد هي ضرب من الشراب يتخذه الحبش من الذرة يسكر ويقال لها السكركة وفي الصحيحين أن عمر خطب على المنبر فقال في خطبته أنه قد نزل تحريم الخمر وهي من خمسة أشياء العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل والخمر ما خامر العقل فخطب بذلك بحضور أكابر الصحابة ولم ينكر عليه أحد فله حكم الرفع لأنه خبر صحابي شهد التنزيل وقد أخرج أصحاب السنن الأربعة وصححه ابن حبان عن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الخمر من العصير والزبيب والتمر والحنطة والشعير والذرة فهذا صريح في الرفع وعد عمر الخمسة لاشتهار أسمائها في زمنه وجعل ما في معناها مما يتخذ من أرز وغيره خمرًا إذ ربما تخامر العقل ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها) أي عن شربها حتى مات وفي لفظ ثم إشعار بأن تراخي التوبة لا يمنع قبولها ما لم يغرغر ( حرمها) بضم الحاء المهملة وكسر الراء الخفيفة من الحرمان أي منع من شربها ( في الآخرة) ولمسلم من طريق أيوب عن نافع فمات وهو مدمنها لم يشربها في الآخرة قال ابن العربي ظاهر الحديث أنه لا يشربها في الجنة وذلك لأنه استعجل ما أمر بتأخيره ووعد به فحرمه عند ميقاته كالوارث إذا قتل مورثه فإنه يحرم ميراثه لاستعجاله وبهذا قال نفر من الصحابة ومن العلماء وهو موضع احتمال وتوقف وإشكال والله أعلم كيف يكون الحال وقال القرطبي نقول بظاهره أنه يحرم ذلك وإن دخل الجنة إذا لم يتب لاستعجال ما أخر الله له في الآخرة وارتكاب ما حرم عليه في الدنيا وقد أخرج الطيالسي بسند صحيح وابن حبان والحاكم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو قال فهذا نص صريح إن كان كله مرفوعًا وإن كانت الجملة الأخيرة مدرجة من كلام الراوي فهو أعرف بالحديث وأعلم بالحال ومثله لا يقال من قبل الرأي وقيل إن الحديث مؤول على حرمانه وقت تعذيبه في النار فإذا خرج منها بالشفاعة أو بالرحمة العامة وأدخل الجنة لم يحرم شيئًا منها لا خمرًا ولا حريرًا ولا غير ذلك لأن حرمان شيء من ذلك لمن هو في الجنة يعد عقوبة ومؤاخذة والجنة ليست بدار عقوبة ولا مؤاخذة فيها بوجه من الوجوه وهذا ضعيف يرده حديث أبي سعيد والجواب عما قالوه أنه لا يشتهي ذلك كما لا يشتهي منزلة من هو أرفع منه ولا يكون ذلك في حقه عقوبة انتهى وقال ابن المنير معناه لا يدخلها ولا يشرب الخمر فيها إلا إن عفا الله عنه كما في بقية الكبائر وهو في المشيئة فالمعنى جزاؤه في الآخرة أن يحرمها لحرمانه دخول الجنة إلا إن عفا الله عنه قال وجائز أن يدخلها بالعفو ثم لا يشرب فيها خمرًا ولا تشتهيها نفسه وإن علم وجوده فيها ويدل له حديث أبي سعيد المذكور قال الحافظ وفصل بعض المتأخرين بين من يشربها مستحلاً فهو الذي لا يشربها أصلاً لأنه لا يدخل الجنة وبين من يشربها عالمًا بتحريمها فهو محل الخلاف فقيل إنه الذي يحرم شربها مدة ولو حال تعذيبه إن عذب أو المعنى أن ذلك جزاؤه إن جوزي قال الحافظ وأعدل الأقوال أن الفعل المذكور يقتضي العقوبة المذكورة وقد يتخلف ذلك لمانع كالتوبة والحسنات التي توزن والمصائب التي تكفر وكدعاء الولد بشرائط ذلك وكذا شفاعة من يؤذن له في الشفاعة وأعم من ذلك كله عفو أرحم الراحمين وفي حديث الباب أن التوبة من الذنب مكفرة له وبه صرح الكتاب والسنة وهو مقطوع به في الكفر أما غيره فهل هو مقطوع أو مظنون قولان قال القرطبي والذي أقوله أن من استقرأ الشريعة قرآنًا وسنة علم بالقطع واليقين أن الله يقبل توبة الصادقين وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى النيسابوري والقعنبي كلهم عن مالك به وتابعه عبيد الله وموسى بن عقبة وأيوب وشعبة عن نافع بنحوه عند مسلم.



رقم الحديث 1559 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا، حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ.


( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن أبي سلمة) إسماعيل أو عبد الله أو اسمه كنيته ( ابن عبد الرحمن) ابن عوف ( عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع) بكسر الموحدة وتفتح وسكون الفوقية وقد تفتح وعين مهملة وهو شراب العسل وكان أهل اليمن يشربونه كما زاده في رواية شعيب عن الزهري بسنده عند البخاري قال أبو عمر بلا خلاف عند أهل الفقه واللغة أعلمه في ذلك قال الحافظ ولم أقف على اسم السائل صريحًا لكني أظنه أبا موسى الأشعري كما عند البخاري في المغازي عن أبي موسى أنه صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن فسأله عن أشربة تصنع بها فقال ما هي قال البتع والمزر ( فقال) صلى الله عليه وسلم ( كل شراب أسكر فهو حرام) عمومه شامل لما اتخذ من عصير العنب ومن غيره قال أبو عمر إذا خرج الخبر بتحريم المسكر على شراب العسل فكل مسكر مثله في الحكم ولذا قال عمر كل مسكر خمر وقال في الفتح يؤخذ من لفظ السؤال أنه وقع عن حكم جنس البتع لا عن القدر المسكر منه لأن السائل لو أراد ذلك لقال أخبرني عما يحل منه وما يحرم وهذا هو المعهود من لسان العرب إذا سألوا عن الجنس قالوا هل هذا نافع أو ضار مثلاً وإذا سألوا عن القدر قالوا كم يؤخذ منه وفيه أن المفتي يجيب السائل بزيادة عما سأله عنه إذا كان مما يحتاج إليه السائل وتحريم كل مسكر سواء اتخذ من عصير العنب أو غيره قال المازري أجمعوا على أن عصير العنب قبل أن يشتد حلال وعلى أنه إذا اشتد وغلى وقذف بالزبد حرم قليله وكثيره ثم إن حصل له تخلل بنفسه حل بالإجماع أيضًا فوقع النظر في تبدل هذه الأحكام عند هذه المحددات فأشعر ذلك بارتباط بعضها ببعض ودل على أن علة التحريم الإسكار فاقتضى ذلك أن كل شراب وجد فيه الإسكار حرم تناول قليله وكثيره وهذا الذي استنبطه المازري ثبت عند أبي داود والنسائي وصححه ابن حبان عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسكر كثيره فقليله حرام وفي ذلك جواز القياس باطراد العلة فتحرم جميع الأنبذة المسكرة وبذلك قال الأئمة الثلاثة والجمهور وقال أبو المظفر السمعاني في قياس النبيذ على الخمر بعلة الإسكار والإطراب من أجل الأقيسة وأوضحها والمقايسة التي في الخمر توجد في النبيذ وقال الحنفية نقيع التمر والزبيب وغيرهما من الأنبذة إذا غلى واشتد حرم ولا يحد شاربه حتى يسكر ولا يكفر مستحله وأما الذي في ماء العنب فحرام ويكفر مستحله لثبوت حرمتها بدليل قطعي وقد ورد لفظ هذا الحديث ومعناه من طرق عن أكثر من ثلاثين من الصحابة مضمونها أن المسكر لا يحل تناوله ويكفي ذلك في الرد على المخالف وقد قال جابر حرمت الخمر يوم حرمت وما كان شرب الناس إلا البسر والتمر وقال مالك نزل تحريم الخمر وما بالمدينة خمر من عنب وقال الحكيمي

لنا خمر وليست خمر كرم
ولكن من نتاج الباسقات

كرام في السماء ذهبن طولاً
وفات ثمارها أيدي الجناة

قال ابن عبد البر أجمع أهل المدينة على ذلك قرنًا بعد قرن وما أجمعوا عليه فهو الحق ثم أخرج من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن زيد بن ثابت قال إذا رأيت أهل المدينة قد أجمعوا على شيء فاعلم أنه سنة وقال ابن عبد الرحمن هو الحق الذي لا شك فيه ولا حجة للمخالف فيما رواه النسائي برجال ثقات عن ابن عباس مرفوعًا حرمت الخمر قليلها وكثيرها والسكر من كل شراب لأنه اختلف في وصله وانقطاعه وفي رفعه ووقفه وعلى تقدير صحته فقد رجح أحمد وغيره أن الرواية فيه بلفظ والمسكر بضم الميم وسكون السين لا السكر بضم السين أو بفتحتين وعلى تقدير ثبوتها فهو حديث فرد ولفظه محتمل فكيف يعارض عموم تلك الأحاديث مع كثرتها وصحتها وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به ( مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار) مرسلاً قال ابن عبد البر ذكر ابن شعبان أن ابن القاسم أسنده عن مالك فقال عن ابن عباس والذي عندنا في موطأ ابن القاسم مرسلاً كالجماعة وإنما أسنده ابن وهب وحده عن مالك عن زيد عن عطاء عن ابن عباس ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الغبيراء) بضم الغين المعجمة وفتح الموحدة وسكون التحتية فراء فألف ممدودة نبيذ الذرة وقيل نبيذ الأرز وبه جزم أبو عمر ( فقال لا خير فيها) لأنها مسكرة ( ونهى عنها) تحريمًا ( قال مالك سألت زيد بن أسلم ما الغبيراء فقال هي الأسكركة) بضم الهمزة وإسكان المهملة وكافين مفتوحتين بينهما راء ساكنة وآخره هاء وفي نسخة السكركة بفتح السين وسكون الكاف الأولى وفتح الراء والكاف الثانية وبالهاء وفي الحديث إياكم والغبيراء فإنها خمر الأعاجم قال أبو عبيد هي ضرب من الشراب يتخذه الحبش من الذرة يسكر ويقال لها السكركة وفي الصحيحين أن عمر خطب على المنبر فقال في خطبته أنه قد نزل تحريم الخمر وهي من خمسة أشياء العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل والخمر ما خامر العقل فخطب بذلك بحضور أكابر الصحابة ولم ينكر عليه أحد فله حكم الرفع لأنه خبر صحابي شهد التنزيل وقد أخرج أصحاب السنن الأربعة وصححه ابن حبان عن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الخمر من العصير والزبيب والتمر والحنطة والشعير والذرة فهذا صريح في الرفع وعد عمر الخمسة لاشتهار أسمائها في زمنه وجعل ما في معناها مما يتخذ من أرز وغيره خمرًا إذ ربما تخامر العقل ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها) أي عن شربها حتى مات وفي لفظ ثم إشعار بأن تراخي التوبة لا يمنع قبولها ما لم يغرغر ( حرمها) بضم الحاء المهملة وكسر الراء الخفيفة من الحرمان أي منع من شربها ( في الآخرة) ولمسلم من طريق أيوب عن نافع فمات وهو مدمنها لم يشربها في الآخرة قال ابن العربي ظاهر الحديث أنه لا يشربها في الجنة وذلك لأنه استعجل ما أمر بتأخيره ووعد به فحرمه عند ميقاته كالوارث إذا قتل مورثه فإنه يحرم ميراثه لاستعجاله وبهذا قال نفر من الصحابة ومن العلماء وهو موضع احتمال وتوقف وإشكال والله أعلم كيف يكون الحال وقال القرطبي نقول بظاهره أنه يحرم ذلك وإن دخل الجنة إذا لم يتب لاستعجال ما أخر الله له في الآخرة وارتكاب ما حرم عليه في الدنيا وقد أخرج الطيالسي بسند صحيح وابن حبان والحاكم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو قال فهذا نص صريح إن كان كله مرفوعًا وإن كانت الجملة الأخيرة مدرجة من كلام الراوي فهو أعرف بالحديث وأعلم بالحال ومثله لا يقال من قبل الرأي وقيل إن الحديث مؤول على حرمانه وقت تعذيبه في النار فإذا خرج منها بالشفاعة أو بالرحمة العامة وأدخل الجنة لم يحرم شيئًا منها لا خمرًا ولا حريرًا ولا غير ذلك لأن حرمان شيء من ذلك لمن هو في الجنة يعد عقوبة ومؤاخذة والجنة ليست بدار عقوبة ولا مؤاخذة فيها بوجه من الوجوه وهذا ضعيف يرده حديث أبي سعيد والجواب عما قالوه أنه لا يشتهي ذلك كما لا يشتهي منزلة من هو أرفع منه ولا يكون ذلك في حقه عقوبة انتهى وقال ابن المنير معناه لا يدخلها ولا يشرب الخمر فيها إلا إن عفا الله عنه كما في بقية الكبائر وهو في المشيئة فالمعنى جزاؤه في الآخرة أن يحرمها لحرمانه دخول الجنة إلا إن عفا الله عنه قال وجائز أن يدخلها بالعفو ثم لا يشرب فيها خمرًا ولا تشتهيها نفسه وإن علم وجوده فيها ويدل له حديث أبي سعيد المذكور قال الحافظ وفصل بعض المتأخرين بين من يشربها مستحلاً فهو الذي لا يشربها أصلاً لأنه لا يدخل الجنة وبين من يشربها عالمًا بتحريمها فهو محل الخلاف فقيل إنه الذي يحرم شربها مدة ولو حال تعذيبه إن عذب أو المعنى أن ذلك جزاؤه إن جوزي قال الحافظ وأعدل الأقوال أن الفعل المذكور يقتضي العقوبة المذكورة وقد يتخلف ذلك لمانع كالتوبة والحسنات التي توزن والمصائب التي تكفر وكدعاء الولد بشرائط ذلك وكذا شفاعة من يؤذن له في الشفاعة وأعم من ذلك كله عفو أرحم الراحمين وفي حديث الباب أن التوبة من الذنب مكفرة له وبه صرح الكتاب والسنة وهو مقطوع به في الكفر أما غيره فهل هو مقطوع أو مظنون قولان قال القرطبي والذي أقوله أن من استقرأ الشريعة قرآنًا وسنة علم بالقطع واليقين أن الله يقبل توبة الصادقين وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى النيسابوري والقعنبي كلهم عن مالك به وتابعه عبيد الله وموسى بن عقبة وأيوب وشعبة عن نافع بنحوه عند مسلم.