فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ جَامِعِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ

رقم الحديث 1560 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ وَعْلَةَ الْمِصْرِيِّ، أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، عَمَّا يُعْصَرُ مِنَ الْعِنَبِ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَهْدَى رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاوِيَةَ خَمْرٍ.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا؟ قَالَ: لَا.
فَسَارَّهُ رَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ.
فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِمَ سَارَرْتَهُ.
فَقَالَ: أَمَرْتُهُ أَنْ يَبِيعَهَا.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا فَفَتَحَ الرَّجُلُ الْمَزَادَتَيْنِ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهِمَا.


( جامع تحريم الخمر)

( مالك عن زيد بن أسلم) بفتح فسكون العدوي مولاهم المدني التابعي ( عن ابن وعلة) بفتح الواو وسكون العين المهملة واسمه عبد الرحمن ( المصري) التابعي الصدوق وفي رواية ابن وهب عن مالك عن زيد عن عبد الرحمن بن وعلة السبائي من أهل مصر ( أنه سأل عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما ( عما يعصر من العنب فقال ابن عباس أهدى رجل) هو كيسان الثقفي كما رواه أحمد من حديثه ( لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر) أي مزادة وأصل الراوية البعير يحمل الماء والهاء فيه للمبالغة ثم أطلقت الراوية على كل دابة يحمل عليها الماء ثم على المزادة ولفظ رواية أحمد عن كيسان أنه كان يتجر في الخمر وأنه أقبل من الشام فقال يا رسول الله إني جئتك بشراب جيد وعنده أيضًا عن ابن عباس كان للنبي صلى الله عليه وسلم صديق من ثقيف أو دوس فلقيه يوم الفتح براوية خمر يهديها إليه ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أما) بالفتح وخفة الميم ولابن وهب هل ( علمت أن الله حرمها) بآية { { إنما الخمر والميسر } } إلى { { فاجتنبوه لعلكم تفلحون } } ( قال لا) أي لم أعلم بذلك ( فساره) بالتثقيل ( رجل إلى جنبه) وفي رواية أحمد عن ابن عباس فأقبل الرجل على غلامه فقال بعها ولابن وهب فسار إنسانًا ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بم ساررته) بأي شيء كلمته سرًا أي خفية ( قال أمرته ببيعها) لينتفع بحقها ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن) الله ( الذي حرم شربها حرم بيعها) لأنه قال رجس أي نجس وهو لا يصح بيعه ولأنه يؤدي إلى شربها وفي حديث كيسان قال إنها قد حرمت وحرم ثمنها ( ففتح الرجل المزادتين) بفتح الميم والزاي تثنية مزادة القربة لأنه يتزود فيها الماء ( حتى ذهب ما فيها) من الخمر ففيه وجوب إراقته لفعله ذلك بحضرته صلى الله عليه وسلم وأقره عليه وقد اختلف في وقت تحريم الخمر فقيل سنة أربع وقيل سنة ست وقيل سنة ثمان قبل فتح مكة قال الحافظ وهو الظاهر لرواية أحمد عن ابن عباس أن الرجل المهدي راوية الخمر لقيه صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وروى أحمد وأبو يعلى عن تميم الداري أنه كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام راوية خمر فلما كان عام حرمت جاء براويته فقال أشعرت أنها قد حرمت بعدك قال أفلا أبيعها وأنتفع بحقها فنهاه ففي هذا تأييد الوقت المذكور فإن إسلام تميم كان بعد الفتح وروى أصحاب السنن عن عمر أنه قال اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شفاء فنزلت { { قل فيهما إثم كبير } } فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شفاء فنزلت { { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } } فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شفاء فنزلت آية المائدة إلى قوله { { فهل أنتم منتهون } } قال عمر انتهينا صححه علي بن المديني والترمذي انتهى وبحديث عمر قد يجمع بين الأقوال الثلاثة باحتمال أن كل مرة كانت في سنة منها وزعم مغلطاي أنها حرمت في شوال سنة ثلاث والواقدي أنه عقب قول حمزة إنما أنتم عبيد لأبي يعني سنة اثنين ويدل عليه حديث الصحيح عن جابر اصطبح الخمر ناس يوم أحد فقتلوا من يومهم جميعًا شهداء ثم احذر أن يخطر ببالك أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب الخمر قبل تحريمها فلا يلزم من إهداء الراوية إليه كل عام قبل التحريم أن يشرب بل يهديها أو يتصدق بها أو نحو ذلك وقد صانه الله تعالى من قبل النبوة عما يخالف شرعه وهو لم يشرب الخمر المحضر من الجنة ليلة المعراج وهذا الحديث رواه مسلم في البيع من طريق ابن وهب عن مالك به وتابعه حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم وتابعه يحيى بن سعيد عن أبي وعلة في مسلم أيضًا ( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني ثقة حجة أبي يحيى مات سنة اثنين وثلاثين ومائة وقيل بعدها ( عن أنس بن مالك أنه قال كنت أسقي أبا عبيدة) عامر ( بن الجراح) أحد العشرة ( وأبا طلحة) زيد بن سهل ( الأنصاري) زوج أم أنس وجد إسحاق ( وأبي بن كعب) سيد القراء وكبير الأنصار وعالمهم زاد في رواية لمسلم وأبا دجانة وسهيل بن بيضاء ومعاذ بن جبل وأبا أيوب ( شرابًا من فضيخ) بفتح الفاء وكسر الضاد المعجمة وإسكان التحتية وخاء معجمة شراب يتخذ من البسر المفضوخ وهو المشدوخ ( وتمر) بفوقية وفي رواية ابن قزعة من فضيخ وهو تمر ولإسماعيل من خمر فضيخ وزهو بفتح الزاي وسكون الهاء فواو أي مشدوخ بسر ولمسلم من طريق قتادة عن أنس أسقيهم من مزادة فيها خليط بسر وتمر وللبخاري من طريق بكر بن عبد الله عن أنس أن الخمر حرمت والخمر يومئذ البسر والتمر ولأحمد عن حميد عن أنس حتى كاد الشراب يأخذ فيهم ولابن أبي عاصم حتى مالت رؤوسهم ( قال) أنس ( فجاءهم آت) قال الحافظ لم أقف على اسمه ( فقال إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة) لربيبه الساقي ( يا أنس قم إلى هذه الجرار) بكسر الجيم جمع جرة التي فيها الشراب المذكور ( فاكسرها قال) أنس ( فقمت إلى مهراس لنا) بكسر الميم وسكون الهاء فراء فألف فسين مهملة حجر مستطيل ينقر ويدق فيه ويتوضأ وقد استعير للخشبة التي يدق فيها الحب فقيل لها مهراس على التشبيه بالمهراس من الحجر أو الصفر الذي يهرس فيه الحبوب وغيرها ( فضربتها بأسفله حتى تكسرت) وفي رواية إسماعيل عن مالك فقال أبو طلحة قم يا أنس فأهرقها فأهرقتها وفي رواية لمسلم فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل وفيه حجة قوية في قبول خبر الواحد لأنهم أثبتوا به نسخ الشيء الذي كان مباحًا حتى قدموا من أجله على تحريمه والعمل بمقتضاه من صب الخمر وكسر أوانيه وأخرجه البخاري في الأشربة عن إسماعيل وفي خبر الواحد عن يحيى بن قزعة ومسلم في الأشربة من طريق ابن وهب كلهم عن مالك به وله طرق عندهما وعند غيرهما قال أبو عمر هذا الحديث وما كان مثله يدخل في المسند عند الجميع ( مالك عن داود بن الحصين) بمهملتين مصغر الأموي مولاهم المدني ( عن واقد) بالقاف ( ابن عمرو) بفتح العين ( ابن سعد بن معاذ) الأنصاري الأشهلي أبي عبد الله المدني الثقة التابعي الصغير مات سنة عشرين ومائة ( أنه أخبره عن محمود بن لبيد) بفتح اللام ( الأنصاري) الأوسي الأشهلي صحابي صغير وجل روايته عن الصحابة مات سنة ست وتسعين وقيل سنة سبع وله تسع وتسعون سنة ( أن عمر بن الخطاب حين قدم الشام) في خلافته ( شكا إليه أهل الشام وباء الأرض) أي مرض أرضهم العام ( وثقلها) بكسر المثلثة وفتح القاف ضد الخفة ( وقالوا لا يصلحنا إلا هذا الشراب فقال عمر اشربوا هذا العسل) النحل فإن فيه شفاء ( فقالوا لا يصلحنا العسل) لا يوافق أمزجتنا ( فقال رجل من أهل الأرض) يعني أرض الشام ( هل لك) رغبة في ( أن نجعل لك من هذا الشراب شيئًا لا يسكر قال نعم فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث فأتوا به عمر) ليعرضوه عليه ( فأدخل عمر فيه أصبعه ثم رفع يده فتبعها يتمطط) يتمدد ( فقال هذا الطلاء) بالمد ما يطبخ من العصير حتى يغلظ ( هذا مثل طلاء الإبل) أي القطران الذي يطلى به جربها ( فأمرهم عمر أن يشربوه) لأنه لم يره مسكرًا ( فقال له عبادة بن الصامت) أحد فضلاء الصحابة ( أحللتها والله) أي الخمر ( فقال عمر كلا) ردع أي انزجر عن هذا القول ( والله) لم أحللها لأن اجتهاده حينئذ أداه إلى جواز ما لا يسكر ( اللهم إني لا أحل لهم شيئًا حرمته عليهم ولا أحرم عليهم شيئًا أحللته لهم) وكأن عمر اجتهد في ذلك تلك المرة ثم رجع عنه فحد ابنه في شرب الطلاء كما مر ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما ( أن رجالاً من أهل العراق) الإقليم المعروف يذكر ويؤنث قيل هو معرب وقيل سمي عراقًا لأنه سفل عن نجد ودنا من البحر أخذا من عراق القربة والمزادة وغير ذلك هو ماثني ثم خرز مثنيًا ( قالوا له يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن عمر ( إنا نبتاع من ثمر النخل والعنب فنعصره خمرًا فنبيعها) فهل ذلك حرام أم لا ولعلهم كانوا حديثي عهد بالإسلام ( فقال عبد الله بن عمر إني أشهد الله عليكم وملائكته ومن سمع من الجن والإنس) أتى بذلك لزيادة الزجر والتهويل والإشارة إلى أن حرمة ذلك مجمع عليها ( إني لا آمركم أن تبيعوها ولا تبتاعوها) تشتروها ( ولا تعصروها ولا تشربوها ولا تسقوها) غيركم ( فإنها رجس) خبث مستقذر ( من عمل الشيطان) الذي يوسوس.



رقم الحديث 1561 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَصُبَّ لَهُمْ ثَمَنَكِ صَبَّةً وَاحِدَةً وَأُعْتِقَكِ فَعَلْتُ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ لِأَهْلِهَا.
فَقَالُوا: لَا.
إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَنَا وَلَاؤُكِ.
قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: فَزَعَمَتْ عَمْرَةُ أَنَّ عَائِشَةَ، ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ.


مصير الولاء لمن أعتق

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام ( عن خالته عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت جاءت بريرة) بفتح الموحدة وراءين بلا نقط بينهما تحتية بوزن فعيلة مشتقة من البرير وهو ثمر الأراك وقيل كأنها فعيلة من البر بمعنى مفعولة كبرورة أو بمعنى فاعلة كرحيمة هكذا وجهه القرطبي قال الحافظ الأول أولى لأن النبي صلى الله عليه وسلم غير اسم جويرية وكان اسمها برة وقال لا تزكوا أنفسكم فلو كانت بريرة من البر لشاركتها في ذلك وكانت بريرة لناس من الأنصار كما عند أبي نعيم وقيل لناس من بني هلال قاله ابن عبد البر ويمكن الجمع وقيل لآل أبي أحمد بن جحش وفيه نظر فإن زوجها مغيث هو الذي كان مولى أبي أحمد وقيل لآل عقبة وفيه نظر أيضا لأن مولى عقبة سأل عائشة عن حكم هذه المسألة فذكرت له قصة بريرة أخرجه ابن سعد وكانت بريرة تخدم عائشة قبل أن تعتق كما في حديث الإفك وعاشت إلى خلافة معاوية وتفرست في عبد الملك بن مروان أنه يلي الخلافة فبشرته بذلك ورواه هو عنها كما قدمته ( فقالت إني كاتبت أهلي) يعني ساداتها والأهل في الأصل الآل ( على تسع أواق) بوزن جوار والأصل أواقي بشد الياء فحذفت إحدى الياءين تخفيفا والثانية على طريقة قاض ( في كل عام أوقية) بضم الهمزة وهي أربعون درهما وهذا هو المشهور في الروايات ومثله في رواية ابن وهب عن يونس عن الزهري عن عروة عند مسلم ووقع في رواية علقها البخاري عن الليث عن يونس عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن بريرة دخلت عليها تستعينها في كتابتها وعليها خمس أواق نجمت عليها في خمس سنين وجزم الإسماعيلي بأنها غلط ويمكن الجمع بأن التسع أصل والخمس كانت بقيت عليها وبه جزم القرطبي وغيره ويعكر عليه قوله في رواية قتيبة عن الليث في الصحيحين ولم تكن أدت من كتابتها شيئا وأجيب بأنها كانت حصلت الأربع أواق قبل أن تستعين بعائشة ثم جاءتها وقد بقي عليها خمسة وأجاب القرطبي بأن الخمس هي التي كانت استحقت عليها بحلول نجومها من جملة التسع الأواقي ويؤيده قوله في رواية عمرة عن عائشة عند البخاري فقال أهلها إن شئت أعطيت ما تبقى ( فأعينيني) بصيغة أمر المؤنث من الإعانة ووقع عند بعض رواة البخاري فأعيتني بصيغة الخبر الماضي من الإعياء أي أعجزتني الأواقي عن تحصيلها وهو متجه المعنى وفي رواية حماد بن سلمة عن هشام عند ابن خزيمة وغيره فأعتقيني من العتق بصيغة الأمر لكن الثابت عن مالك وغيره عن هشام الأول ( فقالت عائشة إن أحب أهلك) بكسر الكاف مواليك ( أن أعدها) أي التسع أواق ( لهم) ثمنا ( عنك عددتها) فيه أن العد في الدراهم المعلومة الوزن يكفي عن الوزن وأن المعاملة حينئذ كانت بالأواقي وزعم بعضهم أن أهل المدينة كانوا يتعاملون بالعد حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فأمرهم بالوزن وفيه نظر لأن قصة بريرة بعد الهجرة بنحو ثمان سنين لكن يحتمل أن قول عائشة أن أعدها أي أدفعها لا حقيقة العد ويؤيده قولها في رواية عمرة الآتية أن أصب لهم ثمنك صبة واحدة ( ويكون) بالنصب عطفا على أعدها ( ولاؤك لي) بعد أن أعتقك ( فعلت) جواب الشرط قال الحافظ وظاهره أن عائشة طلبت أن يكون الولاء لها إذا بذلت جميع مال المكاتبة ولم يقع ذلك إذ لو وقع لكان اللوم على عائشة بطلبها ولاء من أعتقه غيرها وقد رواه أبو أسامة ووهيب كلاهما عن هشام بلفظ يزيل الإشكال فقال بعد قوله أن أعدها لهم عدة واحدة وأعتقك ويكون ولاؤك لي فعلت فعرف بذلك أنها أرادت أن تشتريها شراء صحيحا ثم تعتقها إذ العتق فرع ثبوت الملك ويؤيده رواية الزهري عن عروة عنها فقال صلى الله عليه وسلم ابتاعي فأعتقي ( فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم ذلك) الذي قالته عائشة ( فأبوا عليها) أي امتنعوا أن يكون الولاء لعائشة ( فجاءت من عند أهلها) إلى عائشة ( ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس) عندها ( فقالت لعائشة إني قد عرضت عليهم ذلك) بكسر الكاف الذي قلتيه ( فأبوا علي إلا أن يكون الولاء لهم) استثناء مفرغ لأن في أبى معنى النفي قال الزمخشري في سورة التوبة فإن قلت كيف جاز أبى الله إلا كذا ولا يقال كرهت أو أبغضت إلا زيدا قلت قد أجرى أبى مجرى لم يرد ألا ترى كيف قوبل يريدون أن يطفئوا نور الله بقوله ويأبى الله وكيف أوقع موقع ولا يريد الله إلا أن يتم نوره ( فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم) من بريرة على سبيل الإجمال ( فسألها) أي عائشة وفي رواية للبخاري فقال ما شأن بريرة ( فأخبرته عائشة) به على سبيل التفصيل ولمسلم من رواية أبي أسامة ولابن خزيمة واللفظ له من رواية حماد بن سلمة كلاهما عن هشام فجاءتني بريرة والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فقالت لي فيما بيني وبينها ما رد أهلها فقلت لاها الله إذا ورفعت صوتي وانتهرتها فسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فسألني فأخبرته ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذيها) أي اشتريها منهم لرواية البخاري عن الزهري عن عروة عن عائشة فقال ابتاعي وأعتقي فهذه مفسرة لقوله خذيها وكذا رواية البخاري من وجه آخر عن عائشة دخلت علي بريرة وهي مكاتبة قالت اشتريني وأعتقيني قلت نعم وقوله في حديث ابن عمر التالي لهذا أرادت عائشة أن تشتري جارية فتعتقها ( واشترطي) بصيغة أمر المؤنث من الشرط ( لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق) فعبر بإنما التي للحصر وهو إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه ولولا ذلك لما لزم من إثبات الولاء للمعتق نفيه عن غيره ( ففعلت عائشة) الشراء والعتق قال ابن عبد البر وغيره كذا رواه أصحاب هشام وأصحاب مالك عنه عن هشام واستشكل صدور إذنه صلى الله عليه وسلم في البيع على شرط يفسد البيع وخداع البائعين وشرط ما لا يصح ولا يحصل لهم ولذا أنكر ذلك يحيى بن أكثم وأشار الشافعي في الأم إلى تضعيف رواية هشام المصرحة بالاشتراط لانفراده بها دون أصحاب أبيه وروايات غيره قابلة للتأويل وقال غيره إن هشاما روى بالمعنى ما سمعه من أبيه وليس كما ظن وأثبت الروايات آخرون وقالوا هشام ثقة حافظ والحديث متفق على صحته فلا وجه لرده قال ابن خزيمة وكلام يحيى بن أكثم غلط ثم اختلف في التوجيه فزعم الطحاوي عن المزني عن الشافعي أنه بلفظ وأشرطي بهمزة قطع بغير فوقية ومعناه أظهري لهم حكم الولاء والإشراط الإظهار قال أوس بن حجر يذكر رجلا نزل من رأس جبل إلى نبقة يقطعها ليتخذ منها قوسا

فأشرط فيها نفسه وهو معصم
وألقى بأسباب له وتوكلا

أي أظهر نفسه لما حاول أن يفعل انتهى فأنكر غيره هذه الرواية بأن الذي في الأم ومختصر المزني وغيرهما عن الشافعي عن مالك كرواية الجمهور واشترطي بالفوقية وقيل إن اللام بمعنى على كقوله { { وإن أسأتم فلها } } قاله الشافعي والمزني والطحاوي وغيرهم وقال ابن خزيمة إنه لا يصح وقال النووي هو ضعيف لأنه عليه الصلاة والسلام أنكر الاشتراط ولو كانت بمعنى على لم ينكره فإن قيل إنما أنكر إرادة الاشتراط في أول الأمر فالجواب أن سياق الحديث يأبى ذلك وضعفه أيضا ابن دقيق العيد بأن اللام لا تدل بوضعها على الاختصاص النافع بل على مطلق الاختصاص فلا بد في حملها على ذلك من قرينة وقال آخرون الأمر في اشترطي للإباحة على جهة التنبيه على أنه لا ينفعهم فوجوده وعدمه سواء كأنه قال اشترطي أو لا تشترطي ويؤيده قوله في رواية عند البخاري اشتريها ودعيهم يشترطون ما شاؤوا وقيل كان صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بأن اشتراط البائع الولاء باطل واشتهر ذلك بحيث لا يخفى على أهل بريرة فلما أرادوا أن يشترطوا ما تقدم لهم علم بطلانه أطلق الأمر مريدا التهديد على مآل الحال كقوله تعالى { { وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله } } وكقول موسى { { ألقوا ما أنتم ملقون } } فليس بنافعكم فكأنه قيل اشترطي لهم فسيعلمون أنه لا ينفعهم ويؤيده أنه وبخهم في خطبته بأنهم يشترطون ما ليس في كتاب الله مشيرا إلى أنه سبق منه بيان حكم الله بإبطاله إذ لو لم يقدم بيان ذلك لبدأ ببيان الحكم في الخطبة لا بتوبيخ الفاعل لأنه كان باقيا على البراءة الأصلية وقيل الأمر فيه بمعنى الوعيد الذي ظاهره الأمر وباطنه النهي كقوله { { اعملوا ما شئتم } } وقال الشافعي لما كان من اشترط خلاف ما قضى الله ورسوله عاصيا وكان في المعاصي حدود وأدب كان من أدب العاصين أن تعطل عليهم شروطهم ليرتدعوا عن ذلك ويرتدع غيرهم وذلك من أيسر الأدب وقيل معنى اشترطي اتركي مخالفتهم فيما شرطوه ولا تظهري نزاعهم فيما طلبوه مراعاة لتنجيز العتق لتشوف الشرع إليه وقد يعبر عن الترك بالفعل كقوله تعالى { { وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله } } أي بتركهم يفعلون ذلك وليس المراد بالإذن إباحة الإضرار بالسحر قال ابن دقيق العيد وهذا وإن كان محتملا إلا أنه خارج عن الحقيقة من غير دلالة على المجاز من حيث السياق وقال النووي أقوى الأجوبة أن هذا الحكم خاص بعائشة في هذه القضية وأن سببه المبالغة في الرجوع عن هذا الشرط لمخالفته حكم الشرع وهو كفسخ الحج إلى العمرة كان خاصا بتلك الحجة مبالغة في إزالة ما كانوا عليه من منع العمرة في أشهر الحج ويستفاد منه ارتكاب أخف الضررين إذا استلزم إزالة أشدهما وتعقب بأنه استدلال بمختلف فيه على مختلف فيه وتعقبه ابن دقيق العيد بأن التخصيص لا يثبت إلا بدليل وبأن الشافعي نص على خلاف هذه المقالة وقال ابن الجوزي ليس في الحديث أن اشتراط الولاء والعتق كان مقارنا للعقد فيحمل على أنه كان سابقا عليه فالأمر بقوله اشترطي مجرد وعد لا يجب الوفاء به وتعقب باستبعاد أنه صلى الله عليه وسلم يأمر شخصا أن يعد مع علمه بأنه لا يفي بذلك الوعد وقال ابن حزم كان الحكم ثابتا بجواز اشتراط الولاء لغير المعتق فوقع الأمر باشتراطه في الوقت الذي كان جائزا فيه ثم نسخ بالخطبة وقوله إنما الولاء لمن أعتق وتعقب بأنه لا يخفى بعده وسياق طرق الحديث تدفع في وجه هذا الجواب وقال الخطابي وجه الحديث أن الولاء لما كان كلحمة النسب والإنسان إذا ولد له ولد ثبت نسبه ولم ينتقل عنه ولو نسب إلى غيره فكذلك إذا أعتق عبدا ثبت له ولاؤه ولو أراد نقل ولائه عنه أو أذن في نقله عنه لم ينتقل لم يعبأ باشتراطهم الولاء وقيل اشترطي ودعيهم يشترطون ما شاؤوا ونحو ذلك لأنه غير قادح في العقد بل بمنزلة لغو الكلام وأخر إعلامهم ليكون رده وإبطالهم قولا شهيرا يخطب به على المنبر ظاهرا وهو أبلغ في النكير وآكد في التعبير انتهى وهو يؤول إلى أن الأمر بمعنى الإباحة كما تقدم ( ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس) خطيبا ( فحمد الله وأثنى عليه) بما هو أهله ( ثم قال أما بعد) أي بعد الحمد والثناء وفيه القيام في الخطبة وابتداؤها بالحمد والثناء وأما بعد ( فما) بالفاء في جواب أما وفي رواية التنيسي بلا فاء على القليل ( بال) أي حال ( رجال) وفيه حسن الأدب والعشرة فلم يواجههم بالخطاب ولم يصرح بأسمائهم ولأنه يؤخذ منه تقرير شرع عام للمذكورين وغيرهم وللصورة المذكورة وغيرها وهذا بخلاف قصة علي في خطبته بنت أبي جهل فكانت خاصة بفاطمة فلذا عينها ( يشترطون شروطا ليست في كتاب الله) أي ليست في حكمه وقضائه من كتابه أو سنة رسوله لأن الله لما أمر باتباعه جاز أن يقال لما حكم به حكم الله وقضاؤه وقد أخبر أن الولاء لمن أعتق ولا يعلم ذلك في نص الكتاب ولا دلالته قاله ابن عبد البر زاد ابن بطال أو إجماع الأمة وقال ابن خزيمة أي ليس في حكم الله جوازه أو وجوبه لأن كل شرط لم ينطق به القرآن باطل لأنه قد يشترط الكفيل فلا يبطل الشرط ويشترط في الثمن شروط من أوصافه أو نجومه أو نحو ذلك فلا يبطل وقال القرطبي أي ليس مشروعا في كتاب الله تأصيلا ولا تفصيلا ومعنى هذا أن من الأحكام ما يوجد تفصيله في كتاب الله كالوضوء ومنها ما يوجد تأصيله دون تفصيله كالصلاة ومنها ما أصل أصله لدلالة الكتاب على أصلية السنة والإجماع وكذلك القياس الصحيح فكل ما يقتبس من هذه الأصول تفصيلا فهو مأخوذ من كتاب الله تأصيلا ( ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) جواب ما الموصولة المقتضية لمعنى الشرط ( وإن كان مائة شرط) قال القرطبي وغيره خرج مخرج التكثير لأن العموم في قوله ما كان إلخ دال على بطلان جميع الشروط ولو زادت على مائة شرط يعني أن الشروط الغير مشروعة باطلة وإن كثرت ويستفاد منه أن الشروط المشروعة صحيحة وقال المازري الشروط ثلاثة شرط يقتضيه العقد كالتسليم والتصرف فلا خلاف في جوازه ولزومه وإن لم يشترط وشرط لا يقتضيه بل هو مصلح له كرهن وحميل فهو جائز ولا يلزم إلا بشرط وشرط مناقض للعقد فهذا اضطرب فيه العلماء والمشهور في المذهب بطلان العقد والشرط معا لحديث من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو رد ولما في العقد من الجهالة لأن الشرط وضع له من الثمن فله حصة من المعاوضة فيجب بطلان ما قابله وهو مجهول وجهالته تؤدي إلى جهالة ما سواه فيجب فسخ الجميع وقيل يبطل الشرط خاصة ( قضاء الله) أي حكمه ( أحق) بالاتباع من الشروط المخالفة ( وشرط الله) أي قوله { { فإخوانكم في الدين ومواليكم } } وقوله { { وما آتاكم الرسول فخذوه } } الآية قاله الداودي قال عياض والظاهر عندي أنه قوله صلى الله عليه وسلم إنما الولاء لمن أعتق وقوله مولى القوم منهم وقوله الولاء لحمة كلحمة النسب ( أوثق) أقوى باتباع حدوده التي حدها وأفعل فيهما ليس على بابه إذ لا مشاركة بين الحق والباطل وقد جاء أفعل لغير التفضيل كثيرا ويحتمل أن ذلك ورد على ما اعتقدوه من الجواز ( وإنما الولاء لمن أعتق) ذكرا كان أو أنثى واحدا أو جمعا لأن من للعموم لا لمن أسلم على يديه ولا يحلف خلافا للحنفية ولا للملتقط خلافا لإسحاق وفيه جواز السجع غير المتكلف وإنما نهي عن سجع الكهان وشبهه لتكلفه واشتماله على مطوي الغيب وجواز كتابة الأمة كالعبد وكتابة المتزوجة وإن لم يأذن الزوج وأنه ليس له منعها منها ولو كانت تؤدي إلى فراقها كما أنه ليس للعبد المتزوج منع السيد من عتق أمته التي تحته وإن أدى إلى بطلان نكاحها وجواز سعي المكاتبة وسؤالها واكتسابها وتمكين السيد لها من ذلك ومحله إذا علم حل كسبها والنهي الوارد عن كسب الأمة محمول على من لم يعرف حله أو على غير المكاتبة وأن للمكاتب أن يسأل من حين الكتابة ولا يشترط عجزه خلافا لمن شرطه وجواز السؤال لمن احتاج إليه من دين أو غرم أو نحو ذلك وأنه يجوز تعجيل مال الكتابة والمساومة في البيع وغيره وتشديد صاحب السلعة فيها وتصرف المرأة الرشيدة لنفسها في البيع وغيره ولو متزوجة خلافا لمن أبى ذلك وأن من لا يتصرف بنفسه له أن يقيم غيره مقامه وأن العبد إذا أذن له في التجارة جاز تصرفه وجواز رفع الصوت عند إنكار المنكر وأنه يجوز لمن أراد أن يشتري للعتق إظهار ذلك لأصحاب الرقبة ليساهلوه في الثمن ولا يعد ذلك من الرياء وإنكار القول المخالف للشرع وانتهار الرسول فيه وأن الشيء إذا بيع بالنقد فالرغبة فيه أكثر مما إذا بيع بالنسيئة وأن المكاتب لو عجل بعض كتابته قبل المحل على أن يضع عنه سيده الباقي لم يجبر وجواز الكتابة على قيمة الرقيق وأقل منها وأكثر لأن بين الثمن المنجز والمؤجل فرقا ومع ذلك فقد بذلت عائشة المؤجل ناجزا فدل على أن قيمتها بالتأجيل أكثر مما كوتبت به وكان أهلها باعوها به وأن المراد بالخير في قوله تعالى { { فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا } } القدرة على الكسب والوفاء بما وقعت الكتابة عليه وليس المراد به المال وعن ابن عباس أن المراد بالخير المال مع أنه يقول إن العبد لا يملك فنسب إلى التناقض لأن المال الذي في يد المكاتب لسيده فكيف يكاتبه بماله ومن يقول العبد يملك لا يرد هذا عليه قال الحافظ والذي يظهر أنه لا يصح عن ابن عباس أحد الأمرين وفيه جواز كتابة من لا حرفة له وقال به الجمهور واختلف عن مالك وأحمد وذلك أن بريرة استعانت على كتابتها فلو كان لها حرفة أو مال لم تحتج إلى الاستعانة لأن كتابتها لم تكن حالة وعند الطبري من رواية أبي الزبير عن عروة أن عائشة ابتاعت بريرة مكاتبة وهي لم تقبض من كتابتها شيئا وجواز أخذ الكتابة من مسألة الناس والرد على من كره ذلك وزعم أنها أوساخ الناس ومشروعية إعانة المكاتب بالصدقة وجواز التأقيت في الديون في كل شهر كذا من غير بيان أوله أو وسطه ولا يكون ذلك مجهولا لأنه يتبين بانقضاء الشهر الحلول قاله ابن عبد البر ونظر فيه باحتمال أن قول بريرة في كل عام أوقية أي في غرته مثلا وعلى تسليمه فيفرق بين الكتابة والديون بأن المكاتب إذا عجز حل لسيده ما أخذه منه بخلاف الأجنبي وقال ابن بطال لا فرق بين الديون وغيرها وقصة بريرة محمولة على أن الراوي قصر في بيان تعيين الوقت وإلا يصير الأجل مجهولا وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البيع إلا إلى أجل معلوم وفيه غير ذلك وقد ذكر أبو عمر أن الناس أكثروا في حديث بريرة من الاستنباط فمنهم من أجاد ومنهم من خلط وأتى بما لا معنى له كقول بعضهم فيه إباحة البكاء في المحبة لبكاء زوج بريرة وذكر في الحديث المتقدم في النكاح أن ابن خزيمة وابن جرير ألف كل منهما كتابا في ذلك قال الحافظ وبلغ بعض المتأخرين فوائده أربعمائة أكثرها مستبعد متكلف كما وقع نظير ذلك للذي صنف في الكلام على حديث المجامع في رمضان فبلغ به ألف فائدة وواحدة وأخرجه البخاري في البيوع عن عبد الله بن يوسف وفي الشروط عن إسماعيل كلاهما عن مالك به وتابعه أبو أسامة وجماعة بكثرة عن هشام في الصحيحين وغيرهما وطرقه كثيرة عندهم ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عائشة أم المؤمنين) وليحيى النيسابوري عن ابن عمر عن عائشة جعله من مسندها وأشار ابن عبد البر في تفرده عن مالك بذلك ورده الحافظ بأن الشافعي عن مالك رواه كذلك عند أبي عوانة والبيهقي ويمكن أنه لم يرد بعن هنا الرواية عنها نفسها بل في السياق شيء محذوف تقديره عن قصة عائشة في أنها ( أرادت أن تشتري جارية) هي بريرة ( تعتقها) بالرفع وفي رواية لتعتقها بلام وفي أخرى فتعتقها بالفاء بدل اللام فهو بالنصب ( فقال أهلها) مواليها ( نبيعكها) بكسر الكاف ( على أن ولاءها لنا فذكرت) عائشة ( ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم) بعد ما سألها حين سمع إخبار بريرة لها كما مر ( فقال لا يمنعنك) بنون التوكيد الثقيلة وليحيى النيسابوري بدونها ( ذلك) بكسر الكاف وهذا كقوله في رواية الزهري عن عروة ابتاعي فأعتقي وليس فيها شيء من الإشكال الواقع في رواية هشام السابقة حتى قال الشافعي لعل هشاما أو عروة حين سمع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يمنعنك ذلك رأى أنه أمرها أن تشترط لهم الولاء فلم يقف من حفظه على ما وقف عليه ابن عمر ورد بأن هشاما ثقة حافظ حديثه متفق على صحته فلا وجه لرده فوجب تأويله بما مر ( فإنما الولاء لمن أعتق) بلام الاختصاص أي أن الولاء مختص بمن أعتق قاله الكرماني وجوز غيره أن تكون للاستحقاق كهي في قوله تعالى { { ويل للمطففين } } أو للصيرورة وكل منهما ينافي أن يكون الولاء لغير من أعتق قال المازري فيه حجة لمالك والشافعي وأحمد أنه لا ولاء لملتقط اللقيط خلافا لإسحاق ولا لمن أسلم على يديه خلافا للحنفية والولاء في جميعهم للمسلمين إلا أن يكون لأحدهم وارث وقال أبو حنيفة لكل أحد أن يوالي من شاء فيرثه والحديث حجة على الجميع لأن إنما للحصر تثبت الحكم للمذكور وتنفيه عما سواه وعبر عنها بعضهم بتحقيق المتصل وتمحيق المنفصل قال الأبي إنما مركبة من إن التي هي حرف نفي والأصل بقاء الحروف على معانيها عند الضم ولما استحال رد النفي إلى نفس المثبت لما فيه من التناقض وجب حمله على إثباته للمذكور ونفيه عما سواه وبه عرف معنى تحقيق المتصل وتمحيق المنفصل انتهى والحديث رواه البخاري في العتق والبيع عن عبد الله بن يوسف وفي الفرائض عن قتيبة بن سعيد ومسلم عن يحيى الثلاثة عن مالك به ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن عمرة بنت عبد الرحمن) الأنصارية المدنية المكثرة عن عائشة ( أن بريرة جاءت تستعين عائشة أم المؤمنين) تطلب منها الإعانة على ما كوتبت به قال الحافظ صورة سياقه الإرسال ولم تختلف الرواة عن مالك في ذلك لكن رواه البخاري من طريق ابن عيينة عن يحيى عن عمرة عن عائشة وفي رواية الإسماعيلي عن القطان وعبد الوهاب الثقفي عن يحيى سمعت عمرة تقول سمعت عائشة فظهر أنه موصول وقد وصله ابن خزيمة من طريق مطرف عن مالك فقال عن عائشة أن بريرة جاءت تستعينها في كتابتها ( فقالت عائشة إن أحب أهلك) ساداتك ( أن أصب لهم ثمنك صبة واحدة) أي أدفعه عاجلا في مرة تشبيها بصب الماء وهو انسكابه ( وأعتقك) بضم الهمزة والنصب عطفا على أصب ( فعلت) ذلك ( فذكرت) بإسكان التاء ( ذلك بريرة لأهلها) لمواليها ( فقالوا لا) نبيعك بشرط العتق ( إلا أن يكون لنا ولاؤك قال مالك قال يحيى بن سعيد) شيخه ( فزعمت عمرة) الزعم يستعمل بمعنى القول المحقق أي قالت ( أن عائشة ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتريها وأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق) لا لغيره وظاهره جواز بيع رقبة المكاتب إذا رضي بذلك ولو لم يعجز نفسه وهو قول أحمد وربيعة والأوزاعي والليث وأبي ثور وأحد قولي مالك والشافعي واختاره ابن جرير وابن المنذر والبخاري وغيرهم على تفاصيل لهم في ذلك ومنعه مالك في المشهور وأبو حنيفة والشافعي في أصح قوليه وأجابوا عن قصة بريرة بأنها عجزت نفسها واستدلوا باستعانة بريرة عائشة في ذلك وليس في استعانتها ما يستلزم العجز ولا سيما مع القول بجواز كتابة من لا مال عنده ولا حرفة له قال ابن عبد البر ليس في شيء من طرق حديث بريرة أنها عجزت عن أداء النجم ولا أخبرت بأنه قد حل عليها شيء ولم يرد في شيء من طرقه استفصال النبي صلى الله عليه وسلم لها عن شيء من ذلك لكن قال القرطبي أشبه ما قيل أنها عجزت كما في رواية ابن شهاب عن عروة عن عائشة فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك لأنه لا يقضى من الحقوق إلا ما وجبت المطالبة به ومنهم من أول قولها كاتبت أهلي فقال معناه راوضتهم واتفقت معهم على هذا القدر ولم يقع العقد فبعد رد ذلك بيعت فلا حجة فيه على بيع المكاتب قال القرطبي وهو خلاف ظاهر سياق الحديث وقيل الذي اشترته عائشة كتابة بريرة لا رقبتها وقد أجازه مالك وقال يؤدي إلى المشتري فإن عجز رق له ومنعه الشافعي وأبو حنيفة ورأياه غررا لأنه لا يدري ما يحصل له النجوم أو الرقبة واستبعده القرطبي أيضا وقيل إنهم باعوها بشرط العتق وإذا وقع البيع بشرط العتق صح على أصح القولين عند المالكية والشافعية وقال الحنفية يبطل وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف وأصحاب السنن الثلاثة من طريق ابن القاسم كلاهما عن مالك به وتابعه سفيان بن عيينة عند البخاري ويحيى القطان وعبد الوهاب الثقفي عند الإسماعيلي وجعفر بن عون عند أصحاب السنن أربعتهم عن يحيى بن سعيد بنحوه ( مالك عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم المدني ( عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء) بفتح الواو ممدودا وأصله من الولي وهو القرب وأما من الإمارة فالولاء بكسر الواو وقيل فيهما بالوجهين ويطلق على معان والمراد به هنا ولاء الإنعام بالعتق ( وعن هبته) أي الولاء وكانوا في الجاهلية ينقلون الولاء بالبيع وغيره فنهي عن ذلك وهذا الحديث من إفراد ابن دينار واحتاج الناس فيه إليه كما قال أبو عمر وغيره حتى قال مسلم الناس كلهم عيال على عبد الله بن دينار في هذا الحديث وأخرجه عنه من طرق سبعة في صحيحه وأورده غيره عن خمسة وثلاثين حدثوا به عنه قال ابن عبد البر ورواه ابن الماجشون عن مالك عن نافع عن ابن عمر وهو خطأ لم يتابع عليه والصواب عبد الله بن دينار ورواه محمد بن سليمان عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن عمر مرفوعا ولم يتابعه أحد وجميع الأئمة لم يذكروا عمر انتهى وأخرج أبو يعلى وابن حبان عن ابن دينار عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب قال الأبي هذا منه صلى الله عليه وسلم تعريف لحقيقة الولاء شرعا ولا تجد تعريفا أتم منه والمعنى أن بين المعتق والعتيق نسبة تشبه نسبة النسب وليست به ووجه الشبه أن العبد لما فيه من الرق كالمعدوم في نفسه والمعتق صيره موجودا كما أن الولد كان معدوما فتسبب الأب في وجوده انتهى وأصله قول ابن العربي معنى الولاء لحمة كلحمة النسب أن الله أخرجه بالحرية إلى النسب حكما كما أن الأب أخرجه بالنطفة إلى الوجود حسًا لأن العبد كان كالمعدوم في حق الأحكام لا يقضي ولا يلي ولا يشهد فأخرجه سيده بالحرية إلى وجود هذه الأحكام من عدمها فلما شابه حكم النسب أنيط بالعتق فلذا جاء إنما الولاء لمن أعتق وألحق برتبة النسب فنهي عن بيعه وعن هبته وأجاز بعض السلف نقله ولعله لم يبلغهم الحديث ( قال مالك في العبد يبتاع نفسه من سيده على أنه يوالي من شاء أن ذلك لا يجوز) لا يصح ( وإنما الولاء لمن أعتق) بنص الحديث وبهذا قال الأكثر وقيل لا ولاء عليه ( ولو أن رجلًا أذن لمولاه) عتيقه ( أن يوالي من شاء ما جاز ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الولاء لمن أعتق) هكذا ورد أيضا بدون إنما عند أحمد والطبراني والخطيب من حديث ابن عباس ( ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء) بالفتح والمد حق ميراث المعتق من العتيق ( وعن هبته فإذا جاز لسيده أن يشترط ذلك) أي الولاء ( له) أي للعبد ( أو يأذن له أن يوالي من شاء فتلك الهبة) المنهي عنها فلذا لا يجوز.



رقم الحديث 1561 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَسْقِي أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، وَأَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ، وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، شَرَابًا مِنْ فَضِيخٍ وَتَمْرٍ.
قَالَ: فَجَاءَهُمْ آتٍ.
فَقَالَ: إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ.
فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أَنَسُ قُمْ إِلَى هَذِهِ الْجِرَارِ فَاكْسِرْهَا.
قَالَ: فَقُمْتُ إِلَى مِهْرَاسٍ لَنَا فَضَرَبْتُهَا بِأَسْفَلِهِ حَتَّى تَكَسَّرَتْ.


( جامع تحريم الخمر)

( مالك عن زيد بن أسلم) بفتح فسكون العدوي مولاهم المدني التابعي ( عن ابن وعلة) بفتح الواو وسكون العين المهملة واسمه عبد الرحمن ( المصري) التابعي الصدوق وفي رواية ابن وهب عن مالك عن زيد عن عبد الرحمن بن وعلة السبائي من أهل مصر ( أنه سأل عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما ( عما يعصر من العنب فقال ابن عباس أهدى رجل) هو كيسان الثقفي كما رواه أحمد من حديثه ( لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر) أي مزادة وأصل الراوية البعير يحمل الماء والهاء فيه للمبالغة ثم أطلقت الراوية على كل دابة يحمل عليها الماء ثم على المزادة ولفظ رواية أحمد عن كيسان أنه كان يتجر في الخمر وأنه أقبل من الشام فقال يا رسول الله إني جئتك بشراب جيد وعنده أيضًا عن ابن عباس كان للنبي صلى الله عليه وسلم صديق من ثقيف أو دوس فلقيه يوم الفتح براوية خمر يهديها إليه ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أما) بالفتح وخفة الميم ولابن وهب هل ( علمت أن الله حرمها) بآية { { إنما الخمر والميسر } } إلى { { فاجتنبوه لعلكم تفلحون } } ( قال لا) أي لم أعلم بذلك ( فساره) بالتثقيل ( رجل إلى جنبه) وفي رواية أحمد عن ابن عباس فأقبل الرجل على غلامه فقال بعها ولابن وهب فسار إنسانًا ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بم ساررته) بأي شيء كلمته سرًا أي خفية ( قال أمرته ببيعها) لينتفع بحقها ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن) الله ( الذي حرم شربها حرم بيعها) لأنه قال رجس أي نجس وهو لا يصح بيعه ولأنه يؤدي إلى شربها وفي حديث كيسان قال إنها قد حرمت وحرم ثمنها ( ففتح الرجل المزادتين) بفتح الميم والزاي تثنية مزادة القربة لأنه يتزود فيها الماء ( حتى ذهب ما فيها) من الخمر ففيه وجوب إراقته لفعله ذلك بحضرته صلى الله عليه وسلم وأقره عليه وقد اختلف في وقت تحريم الخمر فقيل سنة أربع وقيل سنة ست وقيل سنة ثمان قبل فتح مكة قال الحافظ وهو الظاهر لرواية أحمد عن ابن عباس أن الرجل المهدي راوية الخمر لقيه صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وروى أحمد وأبو يعلى عن تميم الداري أنه كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام راوية خمر فلما كان عام حرمت جاء براويته فقال أشعرت أنها قد حرمت بعدك قال أفلا أبيعها وأنتفع بحقها فنهاه ففي هذا تأييد الوقت المذكور فإن إسلام تميم كان بعد الفتح وروى أصحاب السنن عن عمر أنه قال اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شفاء فنزلت { { قل فيهما إثم كبير } } فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شفاء فنزلت { { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } } فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شفاء فنزلت آية المائدة إلى قوله { { فهل أنتم منتهون } } قال عمر انتهينا صححه علي بن المديني والترمذي انتهى وبحديث عمر قد يجمع بين الأقوال الثلاثة باحتمال أن كل مرة كانت في سنة منها وزعم مغلطاي أنها حرمت في شوال سنة ثلاث والواقدي أنه عقب قول حمزة إنما أنتم عبيد لأبي يعني سنة اثنين ويدل عليه حديث الصحيح عن جابر اصطبح الخمر ناس يوم أحد فقتلوا من يومهم جميعًا شهداء ثم احذر أن يخطر ببالك أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب الخمر قبل تحريمها فلا يلزم من إهداء الراوية إليه كل عام قبل التحريم أن يشرب بل يهديها أو يتصدق بها أو نحو ذلك وقد صانه الله تعالى من قبل النبوة عما يخالف شرعه وهو لم يشرب الخمر المحضر من الجنة ليلة المعراج وهذا الحديث رواه مسلم في البيع من طريق ابن وهب عن مالك به وتابعه حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم وتابعه يحيى بن سعيد عن أبي وعلة في مسلم أيضًا ( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني ثقة حجة أبي يحيى مات سنة اثنين وثلاثين ومائة وقيل بعدها ( عن أنس بن مالك أنه قال كنت أسقي أبا عبيدة) عامر ( بن الجراح) أحد العشرة ( وأبا طلحة) زيد بن سهل ( الأنصاري) زوج أم أنس وجد إسحاق ( وأبي بن كعب) سيد القراء وكبير الأنصار وعالمهم زاد في رواية لمسلم وأبا دجانة وسهيل بن بيضاء ومعاذ بن جبل وأبا أيوب ( شرابًا من فضيخ) بفتح الفاء وكسر الضاد المعجمة وإسكان التحتية وخاء معجمة شراب يتخذ من البسر المفضوخ وهو المشدوخ ( وتمر) بفوقية وفي رواية ابن قزعة من فضيخ وهو تمر ولإسماعيل من خمر فضيخ وزهو بفتح الزاي وسكون الهاء فواو أي مشدوخ بسر ولمسلم من طريق قتادة عن أنس أسقيهم من مزادة فيها خليط بسر وتمر وللبخاري من طريق بكر بن عبد الله عن أنس أن الخمر حرمت والخمر يومئذ البسر والتمر ولأحمد عن حميد عن أنس حتى كاد الشراب يأخذ فيهم ولابن أبي عاصم حتى مالت رؤوسهم ( قال) أنس ( فجاءهم آت) قال الحافظ لم أقف على اسمه ( فقال إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة) لربيبه الساقي ( يا أنس قم إلى هذه الجرار) بكسر الجيم جمع جرة التي فيها الشراب المذكور ( فاكسرها قال) أنس ( فقمت إلى مهراس لنا) بكسر الميم وسكون الهاء فراء فألف فسين مهملة حجر مستطيل ينقر ويدق فيه ويتوضأ وقد استعير للخشبة التي يدق فيها الحب فقيل لها مهراس على التشبيه بالمهراس من الحجر أو الصفر الذي يهرس فيه الحبوب وغيرها ( فضربتها بأسفله حتى تكسرت) وفي رواية إسماعيل عن مالك فقال أبو طلحة قم يا أنس فأهرقها فأهرقتها وفي رواية لمسلم فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل وفيه حجة قوية في قبول خبر الواحد لأنهم أثبتوا به نسخ الشيء الذي كان مباحًا حتى قدموا من أجله على تحريمه والعمل بمقتضاه من صب الخمر وكسر أوانيه وأخرجه البخاري في الأشربة عن إسماعيل وفي خبر الواحد عن يحيى بن قزعة ومسلم في الأشربة من طريق ابن وهب كلهم عن مالك به وله طرق عندهما وعند غيرهما قال أبو عمر هذا الحديث وما كان مثله يدخل في المسند عند الجميع ( مالك عن داود بن الحصين) بمهملتين مصغر الأموي مولاهم المدني ( عن واقد) بالقاف ( ابن عمرو) بفتح العين ( ابن سعد بن معاذ) الأنصاري الأشهلي أبي عبد الله المدني الثقة التابعي الصغير مات سنة عشرين ومائة ( أنه أخبره عن محمود بن لبيد) بفتح اللام ( الأنصاري) الأوسي الأشهلي صحابي صغير وجل روايته عن الصحابة مات سنة ست وتسعين وقيل سنة سبع وله تسع وتسعون سنة ( أن عمر بن الخطاب حين قدم الشام) في خلافته ( شكا إليه أهل الشام وباء الأرض) أي مرض أرضهم العام ( وثقلها) بكسر المثلثة وفتح القاف ضد الخفة ( وقالوا لا يصلحنا إلا هذا الشراب فقال عمر اشربوا هذا العسل) النحل فإن فيه شفاء ( فقالوا لا يصلحنا العسل) لا يوافق أمزجتنا ( فقال رجل من أهل الأرض) يعني أرض الشام ( هل لك) رغبة في ( أن نجعل لك من هذا الشراب شيئًا لا يسكر قال نعم فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث فأتوا به عمر) ليعرضوه عليه ( فأدخل عمر فيه أصبعه ثم رفع يده فتبعها يتمطط) يتمدد ( فقال هذا الطلاء) بالمد ما يطبخ من العصير حتى يغلظ ( هذا مثل طلاء الإبل) أي القطران الذي يطلى به جربها ( فأمرهم عمر أن يشربوه) لأنه لم يره مسكرًا ( فقال له عبادة بن الصامت) أحد فضلاء الصحابة ( أحللتها والله) أي الخمر ( فقال عمر كلا) ردع أي انزجر عن هذا القول ( والله) لم أحللها لأن اجتهاده حينئذ أداه إلى جواز ما لا يسكر ( اللهم إني لا أحل لهم شيئًا حرمته عليهم ولا أحرم عليهم شيئًا أحللته لهم) وكأن عمر اجتهد في ذلك تلك المرة ثم رجع عنه فحد ابنه في شرب الطلاء كما مر ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما ( أن رجالاً من أهل العراق) الإقليم المعروف يذكر ويؤنث قيل هو معرب وقيل سمي عراقًا لأنه سفل عن نجد ودنا من البحر أخذا من عراق القربة والمزادة وغير ذلك هو ماثني ثم خرز مثنيًا ( قالوا له يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن عمر ( إنا نبتاع من ثمر النخل والعنب فنعصره خمرًا فنبيعها) فهل ذلك حرام أم لا ولعلهم كانوا حديثي عهد بالإسلام ( فقال عبد الله بن عمر إني أشهد الله عليكم وملائكته ومن سمع من الجن والإنس) أتى بذلك لزيادة الزجر والتهويل والإشارة إلى أن حرمة ذلك مجمع عليها ( إني لا آمركم أن تبيعوها ولا تبتاعوها) تشتروها ( ولا تعصروها ولا تشربوها ولا تسقوها) غيركم ( فإنها رجس) خبث مستقذر ( من عمل الشيطان) الذي يوسوس.



رقم الحديث 1562 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، حِينَ قَدِمَ الشَّامَ شَكَا إِلَيْهِ أَهْلُ الشَّامِ وَبَاءَ الْأَرْضِ وَثِقَلَهَا.
وَقَالُوا: لَا يُصْلِحُنَا إِلَّا هَذَا الشَّرَابُ.
فَقَالَ عُمَرُ: اشْرَبُوا هَذَا الْعَسَلَ.
قَالُوا: لَا يُصْلِحُنَا الْعَسَلُ.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ: هَلْ لَكَ أَنْ نَجْعَلَ لَكَ مِنْ هَذَا الشَّرَابِ شَيْئًا لَا يُسْكِرُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
فَطَبَخُوهُ حَتَّى ذَهَبَ مِنْهُ الثُّلُثَانِ وَبَقِيَ الثُّلُثُ.
فَأَتَوْا بِهِ عُمَرَ فَأَدْخَلَ فِيهِ عُمَرُ إِصْبَعَهُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ.
فَتَبِعَهَا يَتَمَطَّطُ فَقَالَ: هَذَا الطِّلَاءُ هَذَا مِثْلُ طِلَاءِ الْإِبِلِ فَأَمَرَهُمْ عُمَرُ أَنْ يَشْرَبُوهُ.
فَقَالَ لَهُ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ أَحْلَلْتَهَا.
وَاللَّهِ فَقَالَ عُمَرُ: كَلَّا وَاللَّهِ اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أُحِلُّ لَهُمْ شَيْئًا حَرَّمْتَهُ عَلَيْهِمْ.
وَلَا أُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ شَيْئًا أَحْلَلْتَهُ لَهُمْ.


( جامع تحريم الخمر)

( مالك عن زيد بن أسلم) بفتح فسكون العدوي مولاهم المدني التابعي ( عن ابن وعلة) بفتح الواو وسكون العين المهملة واسمه عبد الرحمن ( المصري) التابعي الصدوق وفي رواية ابن وهب عن مالك عن زيد عن عبد الرحمن بن وعلة السبائي من أهل مصر ( أنه سأل عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما ( عما يعصر من العنب فقال ابن عباس أهدى رجل) هو كيسان الثقفي كما رواه أحمد من حديثه ( لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر) أي مزادة وأصل الراوية البعير يحمل الماء والهاء فيه للمبالغة ثم أطلقت الراوية على كل دابة يحمل عليها الماء ثم على المزادة ولفظ رواية أحمد عن كيسان أنه كان يتجر في الخمر وأنه أقبل من الشام فقال يا رسول الله إني جئتك بشراب جيد وعنده أيضًا عن ابن عباس كان للنبي صلى الله عليه وسلم صديق من ثقيف أو دوس فلقيه يوم الفتح براوية خمر يهديها إليه ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أما) بالفتح وخفة الميم ولابن وهب هل ( علمت أن الله حرمها) بآية { { إنما الخمر والميسر } } إلى { { فاجتنبوه لعلكم تفلحون } } ( قال لا) أي لم أعلم بذلك ( فساره) بالتثقيل ( رجل إلى جنبه) وفي رواية أحمد عن ابن عباس فأقبل الرجل على غلامه فقال بعها ولابن وهب فسار إنسانًا ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بم ساررته) بأي شيء كلمته سرًا أي خفية ( قال أمرته ببيعها) لينتفع بحقها ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن) الله ( الذي حرم شربها حرم بيعها) لأنه قال رجس أي نجس وهو لا يصح بيعه ولأنه يؤدي إلى شربها وفي حديث كيسان قال إنها قد حرمت وحرم ثمنها ( ففتح الرجل المزادتين) بفتح الميم والزاي تثنية مزادة القربة لأنه يتزود فيها الماء ( حتى ذهب ما فيها) من الخمر ففيه وجوب إراقته لفعله ذلك بحضرته صلى الله عليه وسلم وأقره عليه وقد اختلف في وقت تحريم الخمر فقيل سنة أربع وقيل سنة ست وقيل سنة ثمان قبل فتح مكة قال الحافظ وهو الظاهر لرواية أحمد عن ابن عباس أن الرجل المهدي راوية الخمر لقيه صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وروى أحمد وأبو يعلى عن تميم الداري أنه كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام راوية خمر فلما كان عام حرمت جاء براويته فقال أشعرت أنها قد حرمت بعدك قال أفلا أبيعها وأنتفع بحقها فنهاه ففي هذا تأييد الوقت المذكور فإن إسلام تميم كان بعد الفتح وروى أصحاب السنن عن عمر أنه قال اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شفاء فنزلت { { قل فيهما إثم كبير } } فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شفاء فنزلت { { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } } فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شفاء فنزلت آية المائدة إلى قوله { { فهل أنتم منتهون } } قال عمر انتهينا صححه علي بن المديني والترمذي انتهى وبحديث عمر قد يجمع بين الأقوال الثلاثة باحتمال أن كل مرة كانت في سنة منها وزعم مغلطاي أنها حرمت في شوال سنة ثلاث والواقدي أنه عقب قول حمزة إنما أنتم عبيد لأبي يعني سنة اثنين ويدل عليه حديث الصحيح عن جابر اصطبح الخمر ناس يوم أحد فقتلوا من يومهم جميعًا شهداء ثم احذر أن يخطر ببالك أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب الخمر قبل تحريمها فلا يلزم من إهداء الراوية إليه كل عام قبل التحريم أن يشرب بل يهديها أو يتصدق بها أو نحو ذلك وقد صانه الله تعالى من قبل النبوة عما يخالف شرعه وهو لم يشرب الخمر المحضر من الجنة ليلة المعراج وهذا الحديث رواه مسلم في البيع من طريق ابن وهب عن مالك به وتابعه حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم وتابعه يحيى بن سعيد عن أبي وعلة في مسلم أيضًا ( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني ثقة حجة أبي يحيى مات سنة اثنين وثلاثين ومائة وقيل بعدها ( عن أنس بن مالك أنه قال كنت أسقي أبا عبيدة) عامر ( بن الجراح) أحد العشرة ( وأبا طلحة) زيد بن سهل ( الأنصاري) زوج أم أنس وجد إسحاق ( وأبي بن كعب) سيد القراء وكبير الأنصار وعالمهم زاد في رواية لمسلم وأبا دجانة وسهيل بن بيضاء ومعاذ بن جبل وأبا أيوب ( شرابًا من فضيخ) بفتح الفاء وكسر الضاد المعجمة وإسكان التحتية وخاء معجمة شراب يتخذ من البسر المفضوخ وهو المشدوخ ( وتمر) بفوقية وفي رواية ابن قزعة من فضيخ وهو تمر ولإسماعيل من خمر فضيخ وزهو بفتح الزاي وسكون الهاء فواو أي مشدوخ بسر ولمسلم من طريق قتادة عن أنس أسقيهم من مزادة فيها خليط بسر وتمر وللبخاري من طريق بكر بن عبد الله عن أنس أن الخمر حرمت والخمر يومئذ البسر والتمر ولأحمد عن حميد عن أنس حتى كاد الشراب يأخذ فيهم ولابن أبي عاصم حتى مالت رؤوسهم ( قال) أنس ( فجاءهم آت) قال الحافظ لم أقف على اسمه ( فقال إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة) لربيبه الساقي ( يا أنس قم إلى هذه الجرار) بكسر الجيم جمع جرة التي فيها الشراب المذكور ( فاكسرها قال) أنس ( فقمت إلى مهراس لنا) بكسر الميم وسكون الهاء فراء فألف فسين مهملة حجر مستطيل ينقر ويدق فيه ويتوضأ وقد استعير للخشبة التي يدق فيها الحب فقيل لها مهراس على التشبيه بالمهراس من الحجر أو الصفر الذي يهرس فيه الحبوب وغيرها ( فضربتها بأسفله حتى تكسرت) وفي رواية إسماعيل عن مالك فقال أبو طلحة قم يا أنس فأهرقها فأهرقتها وفي رواية لمسلم فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل وفيه حجة قوية في قبول خبر الواحد لأنهم أثبتوا به نسخ الشيء الذي كان مباحًا حتى قدموا من أجله على تحريمه والعمل بمقتضاه من صب الخمر وكسر أوانيه وأخرجه البخاري في الأشربة عن إسماعيل وفي خبر الواحد عن يحيى بن قزعة ومسلم في الأشربة من طريق ابن وهب كلهم عن مالك به وله طرق عندهما وعند غيرهما قال أبو عمر هذا الحديث وما كان مثله يدخل في المسند عند الجميع ( مالك عن داود بن الحصين) بمهملتين مصغر الأموي مولاهم المدني ( عن واقد) بالقاف ( ابن عمرو) بفتح العين ( ابن سعد بن معاذ) الأنصاري الأشهلي أبي عبد الله المدني الثقة التابعي الصغير مات سنة عشرين ومائة ( أنه أخبره عن محمود بن لبيد) بفتح اللام ( الأنصاري) الأوسي الأشهلي صحابي صغير وجل روايته عن الصحابة مات سنة ست وتسعين وقيل سنة سبع وله تسع وتسعون سنة ( أن عمر بن الخطاب حين قدم الشام) في خلافته ( شكا إليه أهل الشام وباء الأرض) أي مرض أرضهم العام ( وثقلها) بكسر المثلثة وفتح القاف ضد الخفة ( وقالوا لا يصلحنا إلا هذا الشراب فقال عمر اشربوا هذا العسل) النحل فإن فيه شفاء ( فقالوا لا يصلحنا العسل) لا يوافق أمزجتنا ( فقال رجل من أهل الأرض) يعني أرض الشام ( هل لك) رغبة في ( أن نجعل لك من هذا الشراب شيئًا لا يسكر قال نعم فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث فأتوا به عمر) ليعرضوه عليه ( فأدخل عمر فيه أصبعه ثم رفع يده فتبعها يتمطط) يتمدد ( فقال هذا الطلاء) بالمد ما يطبخ من العصير حتى يغلظ ( هذا مثل طلاء الإبل) أي القطران الذي يطلى به جربها ( فأمرهم عمر أن يشربوه) لأنه لم يره مسكرًا ( فقال له عبادة بن الصامت) أحد فضلاء الصحابة ( أحللتها والله) أي الخمر ( فقال عمر كلا) ردع أي انزجر عن هذا القول ( والله) لم أحللها لأن اجتهاده حينئذ أداه إلى جواز ما لا يسكر ( اللهم إني لا أحل لهم شيئًا حرمته عليهم ولا أحرم عليهم شيئًا أحللته لهم) وكأن عمر اجتهد في ذلك تلك المرة ثم رجع عنه فحد ابنه في شرب الطلاء كما مر ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما ( أن رجالاً من أهل العراق) الإقليم المعروف يذكر ويؤنث قيل هو معرب وقيل سمي عراقًا لأنه سفل عن نجد ودنا من البحر أخذا من عراق القربة والمزادة وغير ذلك هو ماثني ثم خرز مثنيًا ( قالوا له يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن عمر ( إنا نبتاع من ثمر النخل والعنب فنعصره خمرًا فنبيعها) فهل ذلك حرام أم لا ولعلهم كانوا حديثي عهد بالإسلام ( فقال عبد الله بن عمر إني أشهد الله عليكم وملائكته ومن سمع من الجن والإنس) أتى بذلك لزيادة الزجر والتهويل والإشارة إلى أن حرمة ذلك مجمع عليها ( إني لا آمركم أن تبيعوها ولا تبتاعوها) تشتروها ( ولا تعصروها ولا تشربوها ولا تسقوها) غيركم ( فإنها رجس) خبث مستقذر ( من عمل الشيطان) الذي يوسوس.



رقم الحديث 1563 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالُوا لَهُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّا نَبْتَاعُ مِنْ ثَمَرِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ فَنَعْصِرُهُ خَمْرًا فَنَبِيعُهَا.
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتَهُ وَمَنْ سَمِعَ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ.
أَنِّي لَا آمُرُكُمْ أَنْ تَبِيعُوهَا وَلَا تَبْتَاعُوهَا وَلَا تَعْصِرُوهَا وَلَا تَشْرَبُوهَا وَلَا تَسْقُوهَا فَإِنَّهَا رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ.


( جامع تحريم الخمر)

( مالك عن زيد بن أسلم) بفتح فسكون العدوي مولاهم المدني التابعي ( عن ابن وعلة) بفتح الواو وسكون العين المهملة واسمه عبد الرحمن ( المصري) التابعي الصدوق وفي رواية ابن وهب عن مالك عن زيد عن عبد الرحمن بن وعلة السبائي من أهل مصر ( أنه سأل عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما ( عما يعصر من العنب فقال ابن عباس أهدى رجل) هو كيسان الثقفي كما رواه أحمد من حديثه ( لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر) أي مزادة وأصل الراوية البعير يحمل الماء والهاء فيه للمبالغة ثم أطلقت الراوية على كل دابة يحمل عليها الماء ثم على المزادة ولفظ رواية أحمد عن كيسان أنه كان يتجر في الخمر وأنه أقبل من الشام فقال يا رسول الله إني جئتك بشراب جيد وعنده أيضًا عن ابن عباس كان للنبي صلى الله عليه وسلم صديق من ثقيف أو دوس فلقيه يوم الفتح براوية خمر يهديها إليه ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أما) بالفتح وخفة الميم ولابن وهب هل ( علمت أن الله حرمها) بآية { { إنما الخمر والميسر } } إلى { { فاجتنبوه لعلكم تفلحون } } ( قال لا) أي لم أعلم بذلك ( فساره) بالتثقيل ( رجل إلى جنبه) وفي رواية أحمد عن ابن عباس فأقبل الرجل على غلامه فقال بعها ولابن وهب فسار إنسانًا ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بم ساررته) بأي شيء كلمته سرًا أي خفية ( قال أمرته ببيعها) لينتفع بحقها ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن) الله ( الذي حرم شربها حرم بيعها) لأنه قال رجس أي نجس وهو لا يصح بيعه ولأنه يؤدي إلى شربها وفي حديث كيسان قال إنها قد حرمت وحرم ثمنها ( ففتح الرجل المزادتين) بفتح الميم والزاي تثنية مزادة القربة لأنه يتزود فيها الماء ( حتى ذهب ما فيها) من الخمر ففيه وجوب إراقته لفعله ذلك بحضرته صلى الله عليه وسلم وأقره عليه وقد اختلف في وقت تحريم الخمر فقيل سنة أربع وقيل سنة ست وقيل سنة ثمان قبل فتح مكة قال الحافظ وهو الظاهر لرواية أحمد عن ابن عباس أن الرجل المهدي راوية الخمر لقيه صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وروى أحمد وأبو يعلى عن تميم الداري أنه كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام راوية خمر فلما كان عام حرمت جاء براويته فقال أشعرت أنها قد حرمت بعدك قال أفلا أبيعها وأنتفع بحقها فنهاه ففي هذا تأييد الوقت المذكور فإن إسلام تميم كان بعد الفتح وروى أصحاب السنن عن عمر أنه قال اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شفاء فنزلت { { قل فيهما إثم كبير } } فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شفاء فنزلت { { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } } فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شفاء فنزلت آية المائدة إلى قوله { { فهل أنتم منتهون } } قال عمر انتهينا صححه علي بن المديني والترمذي انتهى وبحديث عمر قد يجمع بين الأقوال الثلاثة باحتمال أن كل مرة كانت في سنة منها وزعم مغلطاي أنها حرمت في شوال سنة ثلاث والواقدي أنه عقب قول حمزة إنما أنتم عبيد لأبي يعني سنة اثنين ويدل عليه حديث الصحيح عن جابر اصطبح الخمر ناس يوم أحد فقتلوا من يومهم جميعًا شهداء ثم احذر أن يخطر ببالك أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب الخمر قبل تحريمها فلا يلزم من إهداء الراوية إليه كل عام قبل التحريم أن يشرب بل يهديها أو يتصدق بها أو نحو ذلك وقد صانه الله تعالى من قبل النبوة عما يخالف شرعه وهو لم يشرب الخمر المحضر من الجنة ليلة المعراج وهذا الحديث رواه مسلم في البيع من طريق ابن وهب عن مالك به وتابعه حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم وتابعه يحيى بن سعيد عن أبي وعلة في مسلم أيضًا ( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني ثقة حجة أبي يحيى مات سنة اثنين وثلاثين ومائة وقيل بعدها ( عن أنس بن مالك أنه قال كنت أسقي أبا عبيدة) عامر ( بن الجراح) أحد العشرة ( وأبا طلحة) زيد بن سهل ( الأنصاري) زوج أم أنس وجد إسحاق ( وأبي بن كعب) سيد القراء وكبير الأنصار وعالمهم زاد في رواية لمسلم وأبا دجانة وسهيل بن بيضاء ومعاذ بن جبل وأبا أيوب ( شرابًا من فضيخ) بفتح الفاء وكسر الضاد المعجمة وإسكان التحتية وخاء معجمة شراب يتخذ من البسر المفضوخ وهو المشدوخ ( وتمر) بفوقية وفي رواية ابن قزعة من فضيخ وهو تمر ولإسماعيل من خمر فضيخ وزهو بفتح الزاي وسكون الهاء فواو أي مشدوخ بسر ولمسلم من طريق قتادة عن أنس أسقيهم من مزادة فيها خليط بسر وتمر وللبخاري من طريق بكر بن عبد الله عن أنس أن الخمر حرمت والخمر يومئذ البسر والتمر ولأحمد عن حميد عن أنس حتى كاد الشراب يأخذ فيهم ولابن أبي عاصم حتى مالت رؤوسهم ( قال) أنس ( فجاءهم آت) قال الحافظ لم أقف على اسمه ( فقال إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة) لربيبه الساقي ( يا أنس قم إلى هذه الجرار) بكسر الجيم جمع جرة التي فيها الشراب المذكور ( فاكسرها قال) أنس ( فقمت إلى مهراس لنا) بكسر الميم وسكون الهاء فراء فألف فسين مهملة حجر مستطيل ينقر ويدق فيه ويتوضأ وقد استعير للخشبة التي يدق فيها الحب فقيل لها مهراس على التشبيه بالمهراس من الحجر أو الصفر الذي يهرس فيه الحبوب وغيرها ( فضربتها بأسفله حتى تكسرت) وفي رواية إسماعيل عن مالك فقال أبو طلحة قم يا أنس فأهرقها فأهرقتها وفي رواية لمسلم فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل وفيه حجة قوية في قبول خبر الواحد لأنهم أثبتوا به نسخ الشيء الذي كان مباحًا حتى قدموا من أجله على تحريمه والعمل بمقتضاه من صب الخمر وكسر أوانيه وأخرجه البخاري في الأشربة عن إسماعيل وفي خبر الواحد عن يحيى بن قزعة ومسلم في الأشربة من طريق ابن وهب كلهم عن مالك به وله طرق عندهما وعند غيرهما قال أبو عمر هذا الحديث وما كان مثله يدخل في المسند عند الجميع ( مالك عن داود بن الحصين) بمهملتين مصغر الأموي مولاهم المدني ( عن واقد) بالقاف ( ابن عمرو) بفتح العين ( ابن سعد بن معاذ) الأنصاري الأشهلي أبي عبد الله المدني الثقة التابعي الصغير مات سنة عشرين ومائة ( أنه أخبره عن محمود بن لبيد) بفتح اللام ( الأنصاري) الأوسي الأشهلي صحابي صغير وجل روايته عن الصحابة مات سنة ست وتسعين وقيل سنة سبع وله تسع وتسعون سنة ( أن عمر بن الخطاب حين قدم الشام) في خلافته ( شكا إليه أهل الشام وباء الأرض) أي مرض أرضهم العام ( وثقلها) بكسر المثلثة وفتح القاف ضد الخفة ( وقالوا لا يصلحنا إلا هذا الشراب فقال عمر اشربوا هذا العسل) النحل فإن فيه شفاء ( فقالوا لا يصلحنا العسل) لا يوافق أمزجتنا ( فقال رجل من أهل الأرض) يعني أرض الشام ( هل لك) رغبة في ( أن نجعل لك من هذا الشراب شيئًا لا يسكر قال نعم فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث فأتوا به عمر) ليعرضوه عليه ( فأدخل عمر فيه أصبعه ثم رفع يده فتبعها يتمطط) يتمدد ( فقال هذا الطلاء) بالمد ما يطبخ من العصير حتى يغلظ ( هذا مثل طلاء الإبل) أي القطران الذي يطلى به جربها ( فأمرهم عمر أن يشربوه) لأنه لم يره مسكرًا ( فقال له عبادة بن الصامت) أحد فضلاء الصحابة ( أحللتها والله) أي الخمر ( فقال عمر كلا) ردع أي انزجر عن هذا القول ( والله) لم أحللها لأن اجتهاده حينئذ أداه إلى جواز ما لا يسكر ( اللهم إني لا أحل لهم شيئًا حرمته عليهم ولا أحرم عليهم شيئًا أحللته لهم) وكأن عمر اجتهد في ذلك تلك المرة ثم رجع عنه فحد ابنه في شرب الطلاء كما مر ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما ( أن رجالاً من أهل العراق) الإقليم المعروف يذكر ويؤنث قيل هو معرب وقيل سمي عراقًا لأنه سفل عن نجد ودنا من البحر أخذا من عراق القربة والمزادة وغير ذلك هو ماثني ثم خرز مثنيًا ( قالوا له يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن عمر ( إنا نبتاع من ثمر النخل والعنب فنعصره خمرًا فنبيعها) فهل ذلك حرام أم لا ولعلهم كانوا حديثي عهد بالإسلام ( فقال عبد الله بن عمر إني أشهد الله عليكم وملائكته ومن سمع من الجن والإنس) أتى بذلك لزيادة الزجر والتهويل والإشارة إلى أن حرمة ذلك مجمع عليها ( إني لا آمركم أن تبيعوها ولا تبتاعوها) تشتروها ( ولا تعصروها ولا تشربوها ولا تسقوها) غيركم ( فإنها رجس) خبث مستقذر ( من عمل الشيطان) الذي يوسوس.