فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي مِيرَاثِ الْعَقْلِ وَالتَّغْلِيظِ فِيهِ

رقم الحديث 1593 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، نَشَدَ النَّاسَ بِمِنًى: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الدِّيَةِ أَنْ يُخْبِرَنِي، فَقَامَ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ الْكِلَابِيُّ فَقَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ادْخُلِ الْخِبَاءَ حَتَّى آتِيَكَ، فَلَمَّا نَزَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَخْبَرَهُ الضَّحَّاكُ، فَقَضَى بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ قَتْلُ أَشْيَمَ خَطَأً.


( ميراث العقل والتغليظ فيه)

( مالك عن ابن شهاب) قال أبو عمر هكذا رواه أصحاب مالك عنه ورواه أصحاب ابن شهاب سفيان بن عيينة ومعمر وابن جريج وهشيم عنه عن سعيد بن المسيب ( أن عمر بن الخطاب) ورواية ابن المسيب عن عمر تجري مجرى المتصل لأنه قد رآه وصحح بعض العلماء سماعه منه وولد سعيد لسنتين من خلافته وقال سعيد ما قضى صلى الله عليه وسلم بقضية ولا أبو بكر ولا عمر إلا وأنا أحفظها وهذا الحديث صحيح معمول به وفي طريق هشيم عن الزهري عن سعيد قال جاءت امرأة إلى عمر تسأله أن يورثها من دية زوجها فقال ما أعلم لك شيئًا ثم ( نشد) طلب ( الناس بمنى) أي طلب منهم جواب قوله ( من كان عنده علم من الدية أن يخبرني) وفي رواية معمر عن الزهري عن ابن المسيب أن عمر قال ما أرى الدية إلا للعصبة لأنهم يعقلون عنه فهل سمع منكم أحد من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئًا ( فقام الضحاك بن سفيان) بن عوف بن أبي بكر بن كلاب ( الكلابي) أبو سعيد صحب النبي صلى الله عليه وسلم وعقد له لواء وكان من الشجعان يعد بمائة فارس وبعثه صلى الله عليه وسلم على سرية وفيه يقول العباس بن مرداس

إن الذين وفوا بما عاهدتهم
جيش بعثت عليهم الضحاكا

طورا يعانق باليمين وتارة
يفري الجماجم صارمًا بتاكا

( فقال) زاد معمر وكان صلى الله عليه وسلم استعمله على الأعراب وقال ابن سعد كان ينزل نجدًا وكان واليًا على من أسلم هناك وقال الواقدي كان على صدقات قومه ( كتب إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أورث) بضم الهمزة وفتح الواو وكسر الراء الثقيلة ( امرأة أشيم) بمعجمة وتحتية قال في الإصابة بوزن أحمد ( الضبابي) بكسر المعجمة فموحدة فألف فموحدة ثانية قتل في العهد النبوي مسلمًا ( من دية زوجها) أشيم ( فقال له عمر بن الخطاب ادخل الخباء) بكسر الخاء المعجمة وموحدة ومد الخيمة ( حتى آتيك فلما نزل عمر بن الخطاب أخبره) الضحاك بن سفيان بالخبر وروى ابن شاهين من طريق ابن إسحاق عن الزهري قال حدثت عن المغيرة بن شعيب أنه قال حدثت عمر بن الخطاب بقصة أشيم فقال إيتني على هذا بما أعرف فنشدت الناس في الموسم فأقبل رجل يقال له زرارة بن جري فحدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأخرج أبو يعلى والحسن بن سفيان بإسناد حسن عن المغيرة بن شعبة أن زرارة بن جري قال لعمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى الضحاك بن سفيان أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها ( فقضى بذلك عمر بن الخطاب) بعد رواية الضحاك وزرارة والمغيرة ذلك له عن النبي صلى الله عليه وسلم كما علم لا لأنه لا يقبل خبر الواحد بل لإشاعة الخبر وإشهاره بالموسم ورد ما كان رآه أن الدية إنما هي للعصبة لأنهم يعقلون عنه لأنه لا قياس مع النص قال أبو عمر هكذا في حديث ابن شهاب عند مالك وغيره أن الضحاك أخبر عمر وقول ابن عيينة أن الضحاك كتب إليه وهم إنما الضحاك كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم وفيه أن العالم الجليل قد يخفى عليه من السنن والعلم ما يكون عند من هو دونه في العلم وأخبار الآحاد علم خاصة لا ينكر أن يخفى منه الشيء على العالم وهو عند غيره ( قال ابن شهاب وكان قتل أشيم خطأ) هكذا في الموطأ ورواه أبو يعلى وغيره من طريق ابن المبارك عن مالك عن الزهري عن أنس قال كان قتل أشيم خطأ قال الدارقطني والمحفوظ ما في الموطأ أنه قول ابن شهاب وقال ابن عبد البر هو غريب جدًا والمعروف أنه من قول ابن شهاب فإنه كان يدخل كلامه في الأحاديث كثيرًا ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن عمرو بن شعيب) بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاصي الصدوق المتوفى سنة ثمان عشرة ومائة ( أن رجلاً من بني مدلج) بضم الميم وإسكان المهملة وكسر اللام بطن من كنانة ( يقال له قتادة) المدلجي أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره ( حذف) بحاء مهملة أي رمى ( ابنه) لم يسم قال ابن عبد البر وصحف من رواه بالخاء المنقوطة لأن الخذف بالخاء إنما هو الرمي بالحصى أو النوى وهو قد قال ( بالسيف فأصاب ساقه فنزي) بضم النون وكسر الزاي كعني في جرحه بضم الجيم ( فمات فقدم سراقة) بضم المهملة ( ابن جعشم) بضم الجيم والمعجمة بينهما عين مهملة ساكنة نسب لجده وأبوه مالك الكناني ثم المدلجي أبو سفيان صحابي شهير من مسلمة الفتح مات سنة أربع وعشرين وقيل بعدها ( على عمر بن الخطاب فذكر ذلك له فقال عمر اعدد) بضم الدال الأولى ( على ماء قديد) بضم القاف ومهملتين مصغر موضع بين مكة والمدينة ( عشرين ومائة بعير حتى أقدم عليك فلما قدم عليه عمر بن الخطاب أخذ من تلك الإبل ثلاثين حقة) بالكسر ( وثلاثين جذعة) بفتحتين ( وأربعين خلفة) بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام وفاء مفتوحة الحوامل من الإبل ( ثم قال أين أخو المقتول قال ها أنا ذا قال خذها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس لقاتل شيء) من دية ولا إرث وروى عبد الرزاق هذه القصة من طريق سليمان بن يسار نحوه وقال فورثه أخاه لأبيه وأمه ولم يورث أباه من ديته شيئًا ( مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار سئلا أتغلظ الدية) في المقتول ( في الشهر الحرام) أي جنسه فشمل الأربعة ( فقال لا) تغلظ لأنه لم يرد ( ولكن يزاد فيها للحرمة) أي حرمة الأشهر الحرم ( فقيل لسعيد هل يزاد في الجراح كما يزاد في النفس فقال نعم) أي يزاد ( قال مالك أراهما) أظن سعيدًا وسليمان ( أرادا مثل الذي صنع عمر بن الخطاب في عقل المدلجي حين أصاب ابنه) من تثليث الدية ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن عروة بن الزبير) بن العوام ( أن رجلاً من الأنصار يقال له أحيحة) بمهملتين مصغر ( ابن الجلاح) بضم الجيم وتخفيف اللام وآخره مهملة ( كان له عم صغير هو أصغر من أحيحة وكان عند أخواله فأخذه أحيحة فقتله فقال أخواله كنا أهل ثمه) بضم المثلثة وكسر الميم الثقيلة وهاء الضمير قال أبو عبيد المحدثون يروونه بالضم والوجه عندي الفتح والثم إصلاح الشيء وإحكامه يقال ثممت أثم ثما وقال أبو عمرو الثم الرم ( ورمه) بضم الراء وكسر الميم شديدة قال الأزهري هكذا روته الرواة وهو الصحيح وإن أنكره بعضهم وقال ابن السكيت يقال ماله ثم ولا رم بضمهما فالثم قماش البيت والرم مرمة البيت كأنه أريد كنا القائمين به منذ ولد إلى أن شب وقوي ( حتى إذا استوى على عممه) بضم العين المهملة وفتحها وميمين أولاهما مفتوحة والثانية مكسورة مخففة أي على طوله واعتدال شبابه ويقال للنبت إذا طال اعتم ورواه أبو عبيد بالتشديد قاله الهروي أي شد الميم الثانية قال الجوهري قد تشدد للازدواج ( غلبنا حق امرئ في عمه) فأخذه منا قهرًا علينا ( قال عروة فلذلك لا يرث قاتل من قتل) أي الذي قتله قال في الإصابة بعد ذكر أثر الموطأ هذا لم أقف على نسب أحيحة هذا في أنساب الأنصار وقد ذكره بعض من ألف في الصحابة وزعم أنه أحيحة بن الجلاح بن حريش ويقال حراس بن حجبا بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس وكانت تحته سلمى بنت عمرو الخزرجية فولدت له عمرو بن أحيحة وتزوج سلمى بعد أحيحة هاشم بن عبد مناف فولدت له عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم وزعم أن عمرو بن أحيحة هذا هو الذي روى عن خزيمة بن ثابت في النهي عن إتيان النساء في الدبر وروى عنه عبد الله بن علي بن السائب وقضيته أن يكون لأبيه أحيحة صحبة وقد أنكر ابن عبد البر هذا إنكارًا شديدًا وقال في الاستيعاب ذكره ابن أبي حاتم فيمن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال وسمع من خزيمة بن ثابت قال ابن عبد البر وهذا لا أدري ما هو لأن أحيحة قديم وهو أخو عبد المطلب لأمه فمن المحال أن يروي عن خزيمة من كان بهذا القدم ويروي عنه عبد الله بن علي بن السائب فعسى أن يكون حفيدًا لعمرو بن أحيحة يعني تسمى باسم جده قلت لم يتعين ما قال بل لعل أحيحة بن الجلاح والد عمر وآخر غير أحيحة بن الجلاح المشهور وقد ذكر المرزباني عمرو بن أحيحة في معجم الشعراء وقال إنه مخضرم يعني أدرك الجاهلية والإسلام وأنشد له شعرًا قال لما خطب الحسن بن علي عند معاوية وأحيحة بن الجلاح المشهور كان شريفًا في قومه مات قبل أن يولد النبي صلى الله عليه وسلم بدهر ومن ولده محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح أحد من سمي محمدًا في الجاهلية رجاء أن يكون هو النبي المبعوث ومات محمد بن عقبة في الجاهلية وأسلم ولده المنذر بن محمد وشهد بدرًا وغيرها واستشهد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ببئر معونة وممن له صحبة من ذرية أحيحة عياض بن عمرو بن سهل بن أحيحة شهد أحدًا وما بعدها وعمران وبليل ولدا بلال بن أحيحة شهدا أحدًا أيضًا ولم يذكر أحد أباهم في الصحابة ومن ذرية أحيحة أيضًا فضالة بن عبيد بن ناقد بن قيس بن الأصرم بن حجبا أمه بنت محمد بن عقبة المذكور وذاك من الأدلة على وهم من ذكر أحيحة بن الجلاح الأكبر في الصحابة وقال عياض في المشارق وهم بعضهم ما في الموطأ بأن أحيحة جاهلي لم يدرك الإسلام والأنصار اسم إسلامي للأوس والخزرج فكيف يقال من الأنصار قال عياض وهو يتخرج على أن في اللفظ تساهلاً لما كان من قبيل المذكور وصار لهم هذا الاسم كالنسب ذكر في جملتهم لأنه من إخوتهم انتهى وهذا تسليم منه لأنه مات في الجاهلية وقد أغرب القاضي أبو عبد الله بن الحذاء في رجال الموطأ فزعم أن أحيحة بن الجلاح قديم الوفاة وأنه عمر حتى أدرك الإسلام وأنه الذي ذكر عنه مالك ما ذكر وأن عروة لم يدركه وإنما وقع له الذي وقع في الجاهلية فأقرها الإسلام انتهى فجعله تارة أدرك الإسلام وتارة لم يدركه والحق أنه مات قديمًا كما قدمته وأما صاحب القصة فالذي يظهر لي أنه غيره وكأنه والد عمرو بن أحيحة الذي روى عنه خزيمة بن ثابت فيكون أحيحة الصحابي والد عمرو غير أحيحة بن الجلاح جد محمد بن عقبة القديم الجاهلي ويحتمل أن يكون الأصغر حفيد الأكبر وافق اسمه واسم أبيه اسم جده واسم أبيه والله أعلم انتهى كلام الإصابة ( قال مالك الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أن قاتل العمد لا يرث من دية من قتل شيئًا ولا من ماله ولا يحجب أحدًا وقع له ميراث) لأن كل من لا يرث لا يحجب وارثًا ( وأن الذي يقتل خطأ لا يرث من الدية شيئًا) وروي أنه صلى الله عليه وسلم لما قام يوم فتح مكة قال لا يتوارث أهل ملتين وترث المرأة من دية زوجها وماله وهو يرث من ديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه عمدًا فلا يرث من ديته وماله شيئًا وإن قتل صاحبه خطأ ورث من ماله ولا يرث من ديته رواه الدارقطني بإسناد ضعيف لكنه اعتضد باتفاق أهل المدينة عليه ( وقد اختلف في أن يرث من ماله لأنه لا يتهم على أنه قتله ليرثه وليأخذ ماله) الذي هو علة منع إرثه في قتله عمدًا فإذا انتفت العلة بكون القتل خطأ ورث من المال أو لا يرث عملاً بعموم قوله صلى الله عليه وسلم ليس لقاتل شيء ( فأحب) القولين ( إلي أن يرث من ماله ولا يرث من ديته) لأن الحكم يدور مع العلة وجودًا وعدمًا.



رقم الحديث 1594 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ يُقَالُ لَهُ قَتَادَةُ، حَذَفَ ابْنَهُ بِالسَّيْفِ، فَأَصَابَ سَاقَهُ، فَنُزِيَ فِي جُرْحِهِ فَمَاتَ، فَقَدِمَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اعْدُدْ عَلَى مَاءِ قُدَيْدٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ بَعِيرٍ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيْكَ، فَلَمَّا قَدِمَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، أَخَذَ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ ثَلَاثِينَ حِقَّةً، وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ أَخُو الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: هَأَنَذَا، قَالَ: خُذْهَا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ.


( ميراث العقل والتغليظ فيه)

( مالك عن ابن شهاب) قال أبو عمر هكذا رواه أصحاب مالك عنه ورواه أصحاب ابن شهاب سفيان بن عيينة ومعمر وابن جريج وهشيم عنه عن سعيد بن المسيب ( أن عمر بن الخطاب) ورواية ابن المسيب عن عمر تجري مجرى المتصل لأنه قد رآه وصحح بعض العلماء سماعه منه وولد سعيد لسنتين من خلافته وقال سعيد ما قضى صلى الله عليه وسلم بقضية ولا أبو بكر ولا عمر إلا وأنا أحفظها وهذا الحديث صحيح معمول به وفي طريق هشيم عن الزهري عن سعيد قال جاءت امرأة إلى عمر تسأله أن يورثها من دية زوجها فقال ما أعلم لك شيئًا ثم ( نشد) طلب ( الناس بمنى) أي طلب منهم جواب قوله ( من كان عنده علم من الدية أن يخبرني) وفي رواية معمر عن الزهري عن ابن المسيب أن عمر قال ما أرى الدية إلا للعصبة لأنهم يعقلون عنه فهل سمع منكم أحد من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئًا ( فقام الضحاك بن سفيان) بن عوف بن أبي بكر بن كلاب ( الكلابي) أبو سعيد صحب النبي صلى الله عليه وسلم وعقد له لواء وكان من الشجعان يعد بمائة فارس وبعثه صلى الله عليه وسلم على سرية وفيه يقول العباس بن مرداس

إن الذين وفوا بما عاهدتهم
جيش بعثت عليهم الضحاكا

طورا يعانق باليمين وتارة
يفري الجماجم صارمًا بتاكا

( فقال) زاد معمر وكان صلى الله عليه وسلم استعمله على الأعراب وقال ابن سعد كان ينزل نجدًا وكان واليًا على من أسلم هناك وقال الواقدي كان على صدقات قومه ( كتب إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أورث) بضم الهمزة وفتح الواو وكسر الراء الثقيلة ( امرأة أشيم) بمعجمة وتحتية قال في الإصابة بوزن أحمد ( الضبابي) بكسر المعجمة فموحدة فألف فموحدة ثانية قتل في العهد النبوي مسلمًا ( من دية زوجها) أشيم ( فقال له عمر بن الخطاب ادخل الخباء) بكسر الخاء المعجمة وموحدة ومد الخيمة ( حتى آتيك فلما نزل عمر بن الخطاب أخبره) الضحاك بن سفيان بالخبر وروى ابن شاهين من طريق ابن إسحاق عن الزهري قال حدثت عن المغيرة بن شعيب أنه قال حدثت عمر بن الخطاب بقصة أشيم فقال إيتني على هذا بما أعرف فنشدت الناس في الموسم فأقبل رجل يقال له زرارة بن جري فحدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأخرج أبو يعلى والحسن بن سفيان بإسناد حسن عن المغيرة بن شعبة أن زرارة بن جري قال لعمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى الضحاك بن سفيان أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها ( فقضى بذلك عمر بن الخطاب) بعد رواية الضحاك وزرارة والمغيرة ذلك له عن النبي صلى الله عليه وسلم كما علم لا لأنه لا يقبل خبر الواحد بل لإشاعة الخبر وإشهاره بالموسم ورد ما كان رآه أن الدية إنما هي للعصبة لأنهم يعقلون عنه لأنه لا قياس مع النص قال أبو عمر هكذا في حديث ابن شهاب عند مالك وغيره أن الضحاك أخبر عمر وقول ابن عيينة أن الضحاك كتب إليه وهم إنما الضحاك كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم وفيه أن العالم الجليل قد يخفى عليه من السنن والعلم ما يكون عند من هو دونه في العلم وأخبار الآحاد علم خاصة لا ينكر أن يخفى منه الشيء على العالم وهو عند غيره ( قال ابن شهاب وكان قتل أشيم خطأ) هكذا في الموطأ ورواه أبو يعلى وغيره من طريق ابن المبارك عن مالك عن الزهري عن أنس قال كان قتل أشيم خطأ قال الدارقطني والمحفوظ ما في الموطأ أنه قول ابن شهاب وقال ابن عبد البر هو غريب جدًا والمعروف أنه من قول ابن شهاب فإنه كان يدخل كلامه في الأحاديث كثيرًا ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن عمرو بن شعيب) بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاصي الصدوق المتوفى سنة ثمان عشرة ومائة ( أن رجلاً من بني مدلج) بضم الميم وإسكان المهملة وكسر اللام بطن من كنانة ( يقال له قتادة) المدلجي أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره ( حذف) بحاء مهملة أي رمى ( ابنه) لم يسم قال ابن عبد البر وصحف من رواه بالخاء المنقوطة لأن الخذف بالخاء إنما هو الرمي بالحصى أو النوى وهو قد قال ( بالسيف فأصاب ساقه فنزي) بضم النون وكسر الزاي كعني في جرحه بضم الجيم ( فمات فقدم سراقة) بضم المهملة ( ابن جعشم) بضم الجيم والمعجمة بينهما عين مهملة ساكنة نسب لجده وأبوه مالك الكناني ثم المدلجي أبو سفيان صحابي شهير من مسلمة الفتح مات سنة أربع وعشرين وقيل بعدها ( على عمر بن الخطاب فذكر ذلك له فقال عمر اعدد) بضم الدال الأولى ( على ماء قديد) بضم القاف ومهملتين مصغر موضع بين مكة والمدينة ( عشرين ومائة بعير حتى أقدم عليك فلما قدم عليه عمر بن الخطاب أخذ من تلك الإبل ثلاثين حقة) بالكسر ( وثلاثين جذعة) بفتحتين ( وأربعين خلفة) بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام وفاء مفتوحة الحوامل من الإبل ( ثم قال أين أخو المقتول قال ها أنا ذا قال خذها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس لقاتل شيء) من دية ولا إرث وروى عبد الرزاق هذه القصة من طريق سليمان بن يسار نحوه وقال فورثه أخاه لأبيه وأمه ولم يورث أباه من ديته شيئًا ( مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار سئلا أتغلظ الدية) في المقتول ( في الشهر الحرام) أي جنسه فشمل الأربعة ( فقال لا) تغلظ لأنه لم يرد ( ولكن يزاد فيها للحرمة) أي حرمة الأشهر الحرم ( فقيل لسعيد هل يزاد في الجراح كما يزاد في النفس فقال نعم) أي يزاد ( قال مالك أراهما) أظن سعيدًا وسليمان ( أرادا مثل الذي صنع عمر بن الخطاب في عقل المدلجي حين أصاب ابنه) من تثليث الدية ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن عروة بن الزبير) بن العوام ( أن رجلاً من الأنصار يقال له أحيحة) بمهملتين مصغر ( ابن الجلاح) بضم الجيم وتخفيف اللام وآخره مهملة ( كان له عم صغير هو أصغر من أحيحة وكان عند أخواله فأخذه أحيحة فقتله فقال أخواله كنا أهل ثمه) بضم المثلثة وكسر الميم الثقيلة وهاء الضمير قال أبو عبيد المحدثون يروونه بالضم والوجه عندي الفتح والثم إصلاح الشيء وإحكامه يقال ثممت أثم ثما وقال أبو عمرو الثم الرم ( ورمه) بضم الراء وكسر الميم شديدة قال الأزهري هكذا روته الرواة وهو الصحيح وإن أنكره بعضهم وقال ابن السكيت يقال ماله ثم ولا رم بضمهما فالثم قماش البيت والرم مرمة البيت كأنه أريد كنا القائمين به منذ ولد إلى أن شب وقوي ( حتى إذا استوى على عممه) بضم العين المهملة وفتحها وميمين أولاهما مفتوحة والثانية مكسورة مخففة أي على طوله واعتدال شبابه ويقال للنبت إذا طال اعتم ورواه أبو عبيد بالتشديد قاله الهروي أي شد الميم الثانية قال الجوهري قد تشدد للازدواج ( غلبنا حق امرئ في عمه) فأخذه منا قهرًا علينا ( قال عروة فلذلك لا يرث قاتل من قتل) أي الذي قتله قال في الإصابة بعد ذكر أثر الموطأ هذا لم أقف على نسب أحيحة هذا في أنساب الأنصار وقد ذكره بعض من ألف في الصحابة وزعم أنه أحيحة بن الجلاح بن حريش ويقال حراس بن حجبا بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس وكانت تحته سلمى بنت عمرو الخزرجية فولدت له عمرو بن أحيحة وتزوج سلمى بعد أحيحة هاشم بن عبد مناف فولدت له عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم وزعم أن عمرو بن أحيحة هذا هو الذي روى عن خزيمة بن ثابت في النهي عن إتيان النساء في الدبر وروى عنه عبد الله بن علي بن السائب وقضيته أن يكون لأبيه أحيحة صحبة وقد أنكر ابن عبد البر هذا إنكارًا شديدًا وقال في الاستيعاب ذكره ابن أبي حاتم فيمن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال وسمع من خزيمة بن ثابت قال ابن عبد البر وهذا لا أدري ما هو لأن أحيحة قديم وهو أخو عبد المطلب لأمه فمن المحال أن يروي عن خزيمة من كان بهذا القدم ويروي عنه عبد الله بن علي بن السائب فعسى أن يكون حفيدًا لعمرو بن أحيحة يعني تسمى باسم جده قلت لم يتعين ما قال بل لعل أحيحة بن الجلاح والد عمر وآخر غير أحيحة بن الجلاح المشهور وقد ذكر المرزباني عمرو بن أحيحة في معجم الشعراء وقال إنه مخضرم يعني أدرك الجاهلية والإسلام وأنشد له شعرًا قال لما خطب الحسن بن علي عند معاوية وأحيحة بن الجلاح المشهور كان شريفًا في قومه مات قبل أن يولد النبي صلى الله عليه وسلم بدهر ومن ولده محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح أحد من سمي محمدًا في الجاهلية رجاء أن يكون هو النبي المبعوث ومات محمد بن عقبة في الجاهلية وأسلم ولده المنذر بن محمد وشهد بدرًا وغيرها واستشهد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ببئر معونة وممن له صحبة من ذرية أحيحة عياض بن عمرو بن سهل بن أحيحة شهد أحدًا وما بعدها وعمران وبليل ولدا بلال بن أحيحة شهدا أحدًا أيضًا ولم يذكر أحد أباهم في الصحابة ومن ذرية أحيحة أيضًا فضالة بن عبيد بن ناقد بن قيس بن الأصرم بن حجبا أمه بنت محمد بن عقبة المذكور وذاك من الأدلة على وهم من ذكر أحيحة بن الجلاح الأكبر في الصحابة وقال عياض في المشارق وهم بعضهم ما في الموطأ بأن أحيحة جاهلي لم يدرك الإسلام والأنصار اسم إسلامي للأوس والخزرج فكيف يقال من الأنصار قال عياض وهو يتخرج على أن في اللفظ تساهلاً لما كان من قبيل المذكور وصار لهم هذا الاسم كالنسب ذكر في جملتهم لأنه من إخوتهم انتهى وهذا تسليم منه لأنه مات في الجاهلية وقد أغرب القاضي أبو عبد الله بن الحذاء في رجال الموطأ فزعم أن أحيحة بن الجلاح قديم الوفاة وأنه عمر حتى أدرك الإسلام وأنه الذي ذكر عنه مالك ما ذكر وأن عروة لم يدركه وإنما وقع له الذي وقع في الجاهلية فأقرها الإسلام انتهى فجعله تارة أدرك الإسلام وتارة لم يدركه والحق أنه مات قديمًا كما قدمته وأما صاحب القصة فالذي يظهر لي أنه غيره وكأنه والد عمرو بن أحيحة الذي روى عنه خزيمة بن ثابت فيكون أحيحة الصحابي والد عمرو غير أحيحة بن الجلاح جد محمد بن عقبة القديم الجاهلي ويحتمل أن يكون الأصغر حفيد الأكبر وافق اسمه واسم أبيه اسم جده واسم أبيه والله أعلم انتهى كلام الإصابة ( قال مالك الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أن قاتل العمد لا يرث من دية من قتل شيئًا ولا من ماله ولا يحجب أحدًا وقع له ميراث) لأن كل من لا يرث لا يحجب وارثًا ( وأن الذي يقتل خطأ لا يرث من الدية شيئًا) وروي أنه صلى الله عليه وسلم لما قام يوم فتح مكة قال لا يتوارث أهل ملتين وترث المرأة من دية زوجها وماله وهو يرث من ديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه عمدًا فلا يرث من ديته وماله شيئًا وإن قتل صاحبه خطأ ورث من ماله ولا يرث من ديته رواه الدارقطني بإسناد ضعيف لكنه اعتضد باتفاق أهل المدينة عليه ( وقد اختلف في أن يرث من ماله لأنه لا يتهم على أنه قتله ليرثه وليأخذ ماله) الذي هو علة منع إرثه في قتله عمدًا فإذا انتفت العلة بكون القتل خطأ ورث من المال أو لا يرث عملاً بعموم قوله صلى الله عليه وسلم ليس لقاتل شيء ( فأحب) القولين ( إلي أن يرث من ماله ولا يرث من ديته) لأن الحكم يدور مع العلة وجودًا وعدمًا.



رقم الحديث 1595 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أُحَيْحَةُ بْنُ الْجُلَاحِ، كَانَ لَهُ عَمٌّ صَغِيرٌ هُوَ أَصْغَرُ مِنْ أُحَيْحَةَ، وَكَانَ عِنْدَ أَخْوَالِهِ، فَأَخَذَهُ أُحَيْحَةُ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ أَخْوَالُهُ: كُنَّا أَهْلَ ثُمِّهِ وَرُمِّهِ حَتَّى إِذَا اسْتَوَى عَلَى عُمَمِهِ، غَلَبَنَا حَقُّ امْرِئٍ فِي عَمِّهِ، قَالَ عُرْوَةُ: فَلِذَلِكَ لَا يَرِثُ قَاتِلٌ مَنْ قَتَلَ قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ قَاتِلَ الْعَمْدِ لَا يَرِثُ مِنْ دِيَةِ مَنْ قَتَلَ شَيْئًا، وَلَا مِنْ مَالِهِ، وَلَا يَحْجُبُ أَحَدًا وَقَعَ لَهُ مِيرَاثٌ، وَأَنَّ الَّذِي يَقْتُلُ خَطَأً لَا يَرِثُ مِنَ الدِّيَةِ شَيْئًا، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي أَنْ يَرِثَ مِنْ مَالِهِ لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ عَلَى أَنَّهُ قَتَلَهُ لِيَرِثَهُ، وَلِيَأْخُذَ مَالَهُ فَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَرِثَ مِنْ مَالِهِ، وَلَا يَرِثُ مِنْ دِيَتِهِ.


( ميراث العقل والتغليظ فيه)

( مالك عن ابن شهاب) قال أبو عمر هكذا رواه أصحاب مالك عنه ورواه أصحاب ابن شهاب سفيان بن عيينة ومعمر وابن جريج وهشيم عنه عن سعيد بن المسيب ( أن عمر بن الخطاب) ورواية ابن المسيب عن عمر تجري مجرى المتصل لأنه قد رآه وصحح بعض العلماء سماعه منه وولد سعيد لسنتين من خلافته وقال سعيد ما قضى صلى الله عليه وسلم بقضية ولا أبو بكر ولا عمر إلا وأنا أحفظها وهذا الحديث صحيح معمول به وفي طريق هشيم عن الزهري عن سعيد قال جاءت امرأة إلى عمر تسأله أن يورثها من دية زوجها فقال ما أعلم لك شيئًا ثم ( نشد) طلب ( الناس بمنى) أي طلب منهم جواب قوله ( من كان عنده علم من الدية أن يخبرني) وفي رواية معمر عن الزهري عن ابن المسيب أن عمر قال ما أرى الدية إلا للعصبة لأنهم يعقلون عنه فهل سمع منكم أحد من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئًا ( فقام الضحاك بن سفيان) بن عوف بن أبي بكر بن كلاب ( الكلابي) أبو سعيد صحب النبي صلى الله عليه وسلم وعقد له لواء وكان من الشجعان يعد بمائة فارس وبعثه صلى الله عليه وسلم على سرية وفيه يقول العباس بن مرداس

إن الذين وفوا بما عاهدتهم
جيش بعثت عليهم الضحاكا

طورا يعانق باليمين وتارة
يفري الجماجم صارمًا بتاكا

( فقال) زاد معمر وكان صلى الله عليه وسلم استعمله على الأعراب وقال ابن سعد كان ينزل نجدًا وكان واليًا على من أسلم هناك وقال الواقدي كان على صدقات قومه ( كتب إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أورث) بضم الهمزة وفتح الواو وكسر الراء الثقيلة ( امرأة أشيم) بمعجمة وتحتية قال في الإصابة بوزن أحمد ( الضبابي) بكسر المعجمة فموحدة فألف فموحدة ثانية قتل في العهد النبوي مسلمًا ( من دية زوجها) أشيم ( فقال له عمر بن الخطاب ادخل الخباء) بكسر الخاء المعجمة وموحدة ومد الخيمة ( حتى آتيك فلما نزل عمر بن الخطاب أخبره) الضحاك بن سفيان بالخبر وروى ابن شاهين من طريق ابن إسحاق عن الزهري قال حدثت عن المغيرة بن شعيب أنه قال حدثت عمر بن الخطاب بقصة أشيم فقال إيتني على هذا بما أعرف فنشدت الناس في الموسم فأقبل رجل يقال له زرارة بن جري فحدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأخرج أبو يعلى والحسن بن سفيان بإسناد حسن عن المغيرة بن شعبة أن زرارة بن جري قال لعمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى الضحاك بن سفيان أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها ( فقضى بذلك عمر بن الخطاب) بعد رواية الضحاك وزرارة والمغيرة ذلك له عن النبي صلى الله عليه وسلم كما علم لا لأنه لا يقبل خبر الواحد بل لإشاعة الخبر وإشهاره بالموسم ورد ما كان رآه أن الدية إنما هي للعصبة لأنهم يعقلون عنه لأنه لا قياس مع النص قال أبو عمر هكذا في حديث ابن شهاب عند مالك وغيره أن الضحاك أخبر عمر وقول ابن عيينة أن الضحاك كتب إليه وهم إنما الضحاك كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم وفيه أن العالم الجليل قد يخفى عليه من السنن والعلم ما يكون عند من هو دونه في العلم وأخبار الآحاد علم خاصة لا ينكر أن يخفى منه الشيء على العالم وهو عند غيره ( قال ابن شهاب وكان قتل أشيم خطأ) هكذا في الموطأ ورواه أبو يعلى وغيره من طريق ابن المبارك عن مالك عن الزهري عن أنس قال كان قتل أشيم خطأ قال الدارقطني والمحفوظ ما في الموطأ أنه قول ابن شهاب وقال ابن عبد البر هو غريب جدًا والمعروف أنه من قول ابن شهاب فإنه كان يدخل كلامه في الأحاديث كثيرًا ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن عمرو بن شعيب) بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاصي الصدوق المتوفى سنة ثمان عشرة ومائة ( أن رجلاً من بني مدلج) بضم الميم وإسكان المهملة وكسر اللام بطن من كنانة ( يقال له قتادة) المدلجي أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره ( حذف) بحاء مهملة أي رمى ( ابنه) لم يسم قال ابن عبد البر وصحف من رواه بالخاء المنقوطة لأن الخذف بالخاء إنما هو الرمي بالحصى أو النوى وهو قد قال ( بالسيف فأصاب ساقه فنزي) بضم النون وكسر الزاي كعني في جرحه بضم الجيم ( فمات فقدم سراقة) بضم المهملة ( ابن جعشم) بضم الجيم والمعجمة بينهما عين مهملة ساكنة نسب لجده وأبوه مالك الكناني ثم المدلجي أبو سفيان صحابي شهير من مسلمة الفتح مات سنة أربع وعشرين وقيل بعدها ( على عمر بن الخطاب فذكر ذلك له فقال عمر اعدد) بضم الدال الأولى ( على ماء قديد) بضم القاف ومهملتين مصغر موضع بين مكة والمدينة ( عشرين ومائة بعير حتى أقدم عليك فلما قدم عليه عمر بن الخطاب أخذ من تلك الإبل ثلاثين حقة) بالكسر ( وثلاثين جذعة) بفتحتين ( وأربعين خلفة) بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام وفاء مفتوحة الحوامل من الإبل ( ثم قال أين أخو المقتول قال ها أنا ذا قال خذها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس لقاتل شيء) من دية ولا إرث وروى عبد الرزاق هذه القصة من طريق سليمان بن يسار نحوه وقال فورثه أخاه لأبيه وأمه ولم يورث أباه من ديته شيئًا ( مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار سئلا أتغلظ الدية) في المقتول ( في الشهر الحرام) أي جنسه فشمل الأربعة ( فقال لا) تغلظ لأنه لم يرد ( ولكن يزاد فيها للحرمة) أي حرمة الأشهر الحرم ( فقيل لسعيد هل يزاد في الجراح كما يزاد في النفس فقال نعم) أي يزاد ( قال مالك أراهما) أظن سعيدًا وسليمان ( أرادا مثل الذي صنع عمر بن الخطاب في عقل المدلجي حين أصاب ابنه) من تثليث الدية ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن عروة بن الزبير) بن العوام ( أن رجلاً من الأنصار يقال له أحيحة) بمهملتين مصغر ( ابن الجلاح) بضم الجيم وتخفيف اللام وآخره مهملة ( كان له عم صغير هو أصغر من أحيحة وكان عند أخواله فأخذه أحيحة فقتله فقال أخواله كنا أهل ثمه) بضم المثلثة وكسر الميم الثقيلة وهاء الضمير قال أبو عبيد المحدثون يروونه بالضم والوجه عندي الفتح والثم إصلاح الشيء وإحكامه يقال ثممت أثم ثما وقال أبو عمرو الثم الرم ( ورمه) بضم الراء وكسر الميم شديدة قال الأزهري هكذا روته الرواة وهو الصحيح وإن أنكره بعضهم وقال ابن السكيت يقال ماله ثم ولا رم بضمهما فالثم قماش البيت والرم مرمة البيت كأنه أريد كنا القائمين به منذ ولد إلى أن شب وقوي ( حتى إذا استوى على عممه) بضم العين المهملة وفتحها وميمين أولاهما مفتوحة والثانية مكسورة مخففة أي على طوله واعتدال شبابه ويقال للنبت إذا طال اعتم ورواه أبو عبيد بالتشديد قاله الهروي أي شد الميم الثانية قال الجوهري قد تشدد للازدواج ( غلبنا حق امرئ في عمه) فأخذه منا قهرًا علينا ( قال عروة فلذلك لا يرث قاتل من قتل) أي الذي قتله قال في الإصابة بعد ذكر أثر الموطأ هذا لم أقف على نسب أحيحة هذا في أنساب الأنصار وقد ذكره بعض من ألف في الصحابة وزعم أنه أحيحة بن الجلاح بن حريش ويقال حراس بن حجبا بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس وكانت تحته سلمى بنت عمرو الخزرجية فولدت له عمرو بن أحيحة وتزوج سلمى بعد أحيحة هاشم بن عبد مناف فولدت له عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم وزعم أن عمرو بن أحيحة هذا هو الذي روى عن خزيمة بن ثابت في النهي عن إتيان النساء في الدبر وروى عنه عبد الله بن علي بن السائب وقضيته أن يكون لأبيه أحيحة صحبة وقد أنكر ابن عبد البر هذا إنكارًا شديدًا وقال في الاستيعاب ذكره ابن أبي حاتم فيمن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال وسمع من خزيمة بن ثابت قال ابن عبد البر وهذا لا أدري ما هو لأن أحيحة قديم وهو أخو عبد المطلب لأمه فمن المحال أن يروي عن خزيمة من كان بهذا القدم ويروي عنه عبد الله بن علي بن السائب فعسى أن يكون حفيدًا لعمرو بن أحيحة يعني تسمى باسم جده قلت لم يتعين ما قال بل لعل أحيحة بن الجلاح والد عمر وآخر غير أحيحة بن الجلاح المشهور وقد ذكر المرزباني عمرو بن أحيحة في معجم الشعراء وقال إنه مخضرم يعني أدرك الجاهلية والإسلام وأنشد له شعرًا قال لما خطب الحسن بن علي عند معاوية وأحيحة بن الجلاح المشهور كان شريفًا في قومه مات قبل أن يولد النبي صلى الله عليه وسلم بدهر ومن ولده محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح أحد من سمي محمدًا في الجاهلية رجاء أن يكون هو النبي المبعوث ومات محمد بن عقبة في الجاهلية وأسلم ولده المنذر بن محمد وشهد بدرًا وغيرها واستشهد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ببئر معونة وممن له صحبة من ذرية أحيحة عياض بن عمرو بن سهل بن أحيحة شهد أحدًا وما بعدها وعمران وبليل ولدا بلال بن أحيحة شهدا أحدًا أيضًا ولم يذكر أحد أباهم في الصحابة ومن ذرية أحيحة أيضًا فضالة بن عبيد بن ناقد بن قيس بن الأصرم بن حجبا أمه بنت محمد بن عقبة المذكور وذاك من الأدلة على وهم من ذكر أحيحة بن الجلاح الأكبر في الصحابة وقال عياض في المشارق وهم بعضهم ما في الموطأ بأن أحيحة جاهلي لم يدرك الإسلام والأنصار اسم إسلامي للأوس والخزرج فكيف يقال من الأنصار قال عياض وهو يتخرج على أن في اللفظ تساهلاً لما كان من قبيل المذكور وصار لهم هذا الاسم كالنسب ذكر في جملتهم لأنه من إخوتهم انتهى وهذا تسليم منه لأنه مات في الجاهلية وقد أغرب القاضي أبو عبد الله بن الحذاء في رجال الموطأ فزعم أن أحيحة بن الجلاح قديم الوفاة وأنه عمر حتى أدرك الإسلام وأنه الذي ذكر عنه مالك ما ذكر وأن عروة لم يدركه وإنما وقع له الذي وقع في الجاهلية فأقرها الإسلام انتهى فجعله تارة أدرك الإسلام وتارة لم يدركه والحق أنه مات قديمًا كما قدمته وأما صاحب القصة فالذي يظهر لي أنه غيره وكأنه والد عمرو بن أحيحة الذي روى عنه خزيمة بن ثابت فيكون أحيحة الصحابي والد عمرو غير أحيحة بن الجلاح جد محمد بن عقبة القديم الجاهلي ويحتمل أن يكون الأصغر حفيد الأكبر وافق اسمه واسم أبيه اسم جده واسم أبيه والله أعلم انتهى كلام الإصابة ( قال مالك الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أن قاتل العمد لا يرث من دية من قتل شيئًا ولا من ماله ولا يحجب أحدًا وقع له ميراث) لأن كل من لا يرث لا يحجب وارثًا ( وأن الذي يقتل خطأ لا يرث من الدية شيئًا) وروي أنه صلى الله عليه وسلم لما قام يوم فتح مكة قال لا يتوارث أهل ملتين وترث المرأة من دية زوجها وماله وهو يرث من ديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه عمدًا فلا يرث من ديته وماله شيئًا وإن قتل صاحبه خطأ ورث من ماله ولا يرث من ديته رواه الدارقطني بإسناد ضعيف لكنه اعتضد باتفاق أهل المدينة عليه ( وقد اختلف في أن يرث من ماله لأنه لا يتهم على أنه قتله ليرثه وليأخذ ماله) الذي هو علة منع إرثه في قتله عمدًا فإذا انتفت العلة بكون القتل خطأ ورث من المال أو لا يرث عملاً بعموم قوله صلى الله عليه وسلم ليس لقاتل شيء ( فأحب) القولين ( إلي أن يرث من ماله ولا يرث من ديته) لأن الحكم يدور مع العلة وجودًا وعدمًا.