فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الدُّعَاءِ لِلْمَدِينَةِ وَأَهْلِهَا

رقم الحديث 1606 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بَنُ يَحْيَى، قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مِكْيَالِهِمْ، وَبَارِكْ لَهُمْ فِي صَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ يَعْنِي أَهْلَ الْمَدِينَةِ.


( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد ( الأنصاري) المدني الثقة الحجة قيل كان مالك لا يقدم عليه أحدًا مات سنة اثنين وثلاثين ومائة وقيل بعدها ( عن أنس بن مالك) رضي الله عنه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم بارك) أتم وزد ( لهم في مكيالهم) بكسر الميم آلة الكيل أي فيما يكال في مكيالهم ( وبارك لهم في) ما يكال في ( صاعهم و) ما يكال في ( مدهم) فحذف المقدر لفهم السامع وهو من باب ذكر المحل وإرادة الحال قال ابن عبد البر هذا من فصيح كلامه وبلاغته صلى الله عليه وسلم وفيه استعارة لأن الدعاء إنما هو للبركة في الطعام المكيل بالصاع والمد لا في الظروف وقد يحتمل على ظاهر العموم أن تكون فيهما وقال القاضي عياض البركة هنا بمعنى النمو والزيادة وتكون بمعنى الثبات واللزوم قال وقيل يحتمل أن تكون هذه البركة دينية وهي ما يتعلق بهذه المقادير من حقوق الله تعالى في الزكاة والكفارات فيكون بمعنى الدعاء لها ببقاء الشريعة وثباتها وأن تكون دنيوية من تكثير المال والقدر بها حتى يكفي منها ما لا يكفي من غيره في غير المدينة أو ترجع البركة إلى التصرف بها في التجارة وأرباحها أو إلى كثرة ما يكال بها من غلاتها وأثمارها أو لاتساع عيشهم بعد ضيقه بما فتح الله عليهم ووسع من فضله لهم بتمليك بلاد الخصب والريف بالشام والعراق ومصر وغيرها حتى كثر الحمل إلى المدينة واتسع عيشهم حتى صارت هذه البركة في الكيل نفسه فزاد مدهم وصار هشاميًا مثل مد النبي صلى الله عليه وسلم مرتين أو مرة ونصفًا وفي هذا كله ظهور إجابة دعوته صلى الله عليه وسلم انتهى قال النووي والظاهر من هذا كله أن المراد البركة في نفس الكيل في المدينة بحيث يكفي المد فيها لمن لا يكفيه في غيرها وقال الطيبي ولعل الظاهر هو قول عياض أو لاتساع عيش أهلها إلخ لأنه صلى الله عليه وسلم قال وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك إبراهيم لمكة ودعاء إبراهيم هو قوله { { فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون } } يعني وارزقهم من الثمرات بأن تجلب إليهم من البلاد لعلهم يشكرون النعمة في أن يرزقوا أنواع الثمرات في واد ليس فيه نجم ولا شجر ولا ماء لا جرم أن الله عز وجل أجاب دعوته فجعله حرمًا آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقًا من لدنه ولعمري أن دعاء حبيب الله صلى الله عليه وسلم استجيب لها وضاعف خيرها على غيرها بأن جلب إليها في زمن الخلفاء الراشدين من مشارق الأرض ومغاربها من كنوز كسرى وقيصر وخاقان ما لا يحصى ولا يحصر وفي آخر الأمر يأرز الدين إليها من أقاصي الأرض وشاسع البلاد وينصر هذا التأويل قوله في حديث أبي هريرة أمرت بقرية تأكل القرى ومكة أيضًا من مأكولها انتهى ( يعني) صلى الله عليه وسلم ( أهل المدينة) بيان من الراوي للضمائر في لهم وما بعده وهل يختص بالمد المخصوص أو يعم كل مد تعارفه أهل المدينة في سائر الأعصار زاد أو نقص وهو الظاهر لأنه صلى الله عليه وسلم أضافه إلى المدينة تارة وإلى أهلها أخرى ولم يضفه إلى نفسه الزكية فدل على عموم الدعوة لا على خصوصه بمده صلى الله عليه وسلم كما أفاده بعض العلماء وهذا الحديث رواه البخاري في البيع والاعتصام عن القعنبي وفي كفارات الأيمان عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن قتيبة بن سعيد الثلاثة عن مالك به ( مالك عن سهيل) بضم السين مصغر ( ابن أبي صالح) المدني أحد الأئمة المشهورين المكثرين وثقه النسائي والدارقطني وغيرهما واحتج به الجماعة وكفى برواية مالك عنه توثيقًا ( عن أبيه) ذكوان السمان الزيات الثقة الثبت ( عن أبي هريرة أنه قال كان الناس إذا رأوا أول الثمر) بفتح المثلثة والميم ( جاؤوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) إما هدية وجلالة ومحبة وتعظيمًا وإما تبركًا بدعائه لهم بالبركة وهو الذي يغلب على ظني وسياق الحديث يدل عليه والمعنيان محتملان قاله ابن عبد البر وقال المازري يفعلون ذلك رغبة في دعائه ورجاء تمام ثمرهم بذلك وإعلامًا ببدو صلاحها بما يتعلق بذلك من حقوق الشرع كبعث الخراص والزكاة وغير ذلك ( فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد في بعض طرق الحديث وضعه على وجهه ( قال اللهم بارك لنا في ثمرنا) أي أنمه وزده ( وبارك لنا في مدينتنا) طيبة ( وبارك لنا في صاعنا) وهو مكيال أربعة أمداد زاد الدراوردي بركة في بركة ( وبارك لنا في مدنا) بضم الميم وشد الدال ( اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك) كما قلت { { واتخذ الله إبراهيم خليلا } } ونبيك وإني عبدك ونبيك لم يقل وخليلك مع أنه خليل كما صرح به في أحاديث عدة قال الأبي رعاية للأدب في ترك المساواة بينه وبين آبائه وأجداده الكرام وقال الطيبي عدم التصريح بذلك مع رعاية الأدب أفخم قال الزمخشري في قوله تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات الظاهر أنه أراد محمدًا صلى الله عليه وسلم وفي هذا الإبهام من تفخيم فضله ما لا يخفى وقد سئل الحطيئة عن أشعر الناس فقال زهير والنابغة ولو شئت لذكرت الثالث أراد نفسه ولو صرح به لم يفخم أمره ( وإنه دعاك لمكة) بقوله { { فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون } }( وإني أدعوك) أطلب منك ( للمدينة بمثل ما دعاك به لمكة ومثله معه) في أمر الرزق والدنيا أو في أمر الآخرة وتضعيف الحسنات وغفران السيئات قاله الباجي وقد أجاب الله دعاءه كما مر تقريره ( ثم يدعو أصغر وليد) أي مولود فعيل بمعنى مفعول ( يراه فيعطيه ذلك الثمر) وفي رواية الدراوردي ثم يعطيه أصغر من يحضره من الولدان قال الباجي يحتمل أن يريد بذلك عظم الأجر في إدخال المسرة على من لا ذنب له لصغره فإن سروره به أعظم من سرور الكبير وقال أبو عمر فيه من الآداب وجميل الأخلاق إعطاء الصغير وإتحافه بالطرفة لأنه أولى من الكبير لقلة صبره ولفرحه بذلك وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في كل حال وقال عياض تخصيصه أصغر وليد حضره لأنه ليس فيه ما يقسم على الولدان ومن كبر منهم ملحق بأخلاق الرجال وتلويحًا إلى التفاؤل بنماء الثمار وزيادتها بدفعها لمن هو في سن النماء والزيادة كما قيل في قلب الرداء للاستسقاء قال الأبي ولا يعارض دعاءه لها بالبركة قوله في الحديث الآخر أصابهم بالمدينة جهد وشدة إذ لا منافاة بين ثبوت الشدة وثبوت البركة فيها وتخلفها عن بعض لا يضر بها كذا أجاب شيخنا والأظهر أن البركة في تحصيل القوت وأن المد بها يشبع ثلاثة أمثاله بغيرها فتكون الشدة في تحصيل المد والبركة في تضعيف القوت به انتهى ولعل الأظهر جواب شيخه وهو ابن عرفة قال ابن عبد البر وظاهر الحديث يدل على أن المدينة أفضل من مكة لدعائه بذلك ومثله معه وهذا بين لموضعه صلى الله عليه وسلم وموضع التضعيف في ذلك وأما دعاء إبراهيم فهو معنى قوله تعالى { { وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر } } أخرج الفريابي عن ابن عباس قال كأن إبراهيم يحجرها أي الدعوة على المؤمنين دون الناس فقال تعالى { { ومن كفر } } أيضًا فإني أرزقه كما أرزق المؤمنين أأخلق خلقًا لا أرزقهم أمتعهم قليلاً ثم أضطرهم إلى عذاب أليم ثم قرأ ابن عباس { { كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا } } انتهى وهذا الحديث رواه مسلم عن قتيبة بن سعيد عن مالك به وتابعه الدراوردي عن سهيل نحوه في مسلم أيضًا.


رقم الحديث 1607 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا أَوَّلَ الثَّمَرِ جَاءُوا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا أَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا، اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وَإِنِّي أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ بِهِ لِمَكَّةَ، وَمِثْلَهُ مَعَهُ، ثُمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ يَرَاهُ فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ الثَّمَرَ.


( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد ( الأنصاري) المدني الثقة الحجة قيل كان مالك لا يقدم عليه أحدًا مات سنة اثنين وثلاثين ومائة وقيل بعدها ( عن أنس بن مالك) رضي الله عنه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم بارك) أتم وزد ( لهم في مكيالهم) بكسر الميم آلة الكيل أي فيما يكال في مكيالهم ( وبارك لهم في) ما يكال في ( صاعهم و) ما يكال في ( مدهم) فحذف المقدر لفهم السامع وهو من باب ذكر المحل وإرادة الحال قال ابن عبد البر هذا من فصيح كلامه وبلاغته صلى الله عليه وسلم وفيه استعارة لأن الدعاء إنما هو للبركة في الطعام المكيل بالصاع والمد لا في الظروف وقد يحتمل على ظاهر العموم أن تكون فيهما وقال القاضي عياض البركة هنا بمعنى النمو والزيادة وتكون بمعنى الثبات واللزوم قال وقيل يحتمل أن تكون هذه البركة دينية وهي ما يتعلق بهذه المقادير من حقوق الله تعالى في الزكاة والكفارات فيكون بمعنى الدعاء لها ببقاء الشريعة وثباتها وأن تكون دنيوية من تكثير المال والقدر بها حتى يكفي منها ما لا يكفي من غيره في غير المدينة أو ترجع البركة إلى التصرف بها في التجارة وأرباحها أو إلى كثرة ما يكال بها من غلاتها وأثمارها أو لاتساع عيشهم بعد ضيقه بما فتح الله عليهم ووسع من فضله لهم بتمليك بلاد الخصب والريف بالشام والعراق ومصر وغيرها حتى كثر الحمل إلى المدينة واتسع عيشهم حتى صارت هذه البركة في الكيل نفسه فزاد مدهم وصار هشاميًا مثل مد النبي صلى الله عليه وسلم مرتين أو مرة ونصفًا وفي هذا كله ظهور إجابة دعوته صلى الله عليه وسلم انتهى قال النووي والظاهر من هذا كله أن المراد البركة في نفس الكيل في المدينة بحيث يكفي المد فيها لمن لا يكفيه في غيرها وقال الطيبي ولعل الظاهر هو قول عياض أو لاتساع عيش أهلها إلخ لأنه صلى الله عليه وسلم قال وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك إبراهيم لمكة ودعاء إبراهيم هو قوله { { فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون } } يعني وارزقهم من الثمرات بأن تجلب إليهم من البلاد لعلهم يشكرون النعمة في أن يرزقوا أنواع الثمرات في واد ليس فيه نجم ولا شجر ولا ماء لا جرم أن الله عز وجل أجاب دعوته فجعله حرمًا آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقًا من لدنه ولعمري أن دعاء حبيب الله صلى الله عليه وسلم استجيب لها وضاعف خيرها على غيرها بأن جلب إليها في زمن الخلفاء الراشدين من مشارق الأرض ومغاربها من كنوز كسرى وقيصر وخاقان ما لا يحصى ولا يحصر وفي آخر الأمر يأرز الدين إليها من أقاصي الأرض وشاسع البلاد وينصر هذا التأويل قوله في حديث أبي هريرة أمرت بقرية تأكل القرى ومكة أيضًا من مأكولها انتهى ( يعني) صلى الله عليه وسلم ( أهل المدينة) بيان من الراوي للضمائر في لهم وما بعده وهل يختص بالمد المخصوص أو يعم كل مد تعارفه أهل المدينة في سائر الأعصار زاد أو نقص وهو الظاهر لأنه صلى الله عليه وسلم أضافه إلى المدينة تارة وإلى أهلها أخرى ولم يضفه إلى نفسه الزكية فدل على عموم الدعوة لا على خصوصه بمده صلى الله عليه وسلم كما أفاده بعض العلماء وهذا الحديث رواه البخاري في البيع والاعتصام عن القعنبي وفي كفارات الأيمان عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن قتيبة بن سعيد الثلاثة عن مالك به ( مالك عن سهيل) بضم السين مصغر ( ابن أبي صالح) المدني أحد الأئمة المشهورين المكثرين وثقه النسائي والدارقطني وغيرهما واحتج به الجماعة وكفى برواية مالك عنه توثيقًا ( عن أبيه) ذكوان السمان الزيات الثقة الثبت ( عن أبي هريرة أنه قال كان الناس إذا رأوا أول الثمر) بفتح المثلثة والميم ( جاؤوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) إما هدية وجلالة ومحبة وتعظيمًا وإما تبركًا بدعائه لهم بالبركة وهو الذي يغلب على ظني وسياق الحديث يدل عليه والمعنيان محتملان قاله ابن عبد البر وقال المازري يفعلون ذلك رغبة في دعائه ورجاء تمام ثمرهم بذلك وإعلامًا ببدو صلاحها بما يتعلق بذلك من حقوق الشرع كبعث الخراص والزكاة وغير ذلك ( فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد في بعض طرق الحديث وضعه على وجهه ( قال اللهم بارك لنا في ثمرنا) أي أنمه وزده ( وبارك لنا في مدينتنا) طيبة ( وبارك لنا في صاعنا) وهو مكيال أربعة أمداد زاد الدراوردي بركة في بركة ( وبارك لنا في مدنا) بضم الميم وشد الدال ( اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك) كما قلت { { واتخذ الله إبراهيم خليلا } } ونبيك وإني عبدك ونبيك لم يقل وخليلك مع أنه خليل كما صرح به في أحاديث عدة قال الأبي رعاية للأدب في ترك المساواة بينه وبين آبائه وأجداده الكرام وقال الطيبي عدم التصريح بذلك مع رعاية الأدب أفخم قال الزمخشري في قوله تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات الظاهر أنه أراد محمدًا صلى الله عليه وسلم وفي هذا الإبهام من تفخيم فضله ما لا يخفى وقد سئل الحطيئة عن أشعر الناس فقال زهير والنابغة ولو شئت لذكرت الثالث أراد نفسه ولو صرح به لم يفخم أمره ( وإنه دعاك لمكة) بقوله { { فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون } }( وإني أدعوك) أطلب منك ( للمدينة بمثل ما دعاك به لمكة ومثله معه) في أمر الرزق والدنيا أو في أمر الآخرة وتضعيف الحسنات وغفران السيئات قاله الباجي وقد أجاب الله دعاءه كما مر تقريره ( ثم يدعو أصغر وليد) أي مولود فعيل بمعنى مفعول ( يراه فيعطيه ذلك الثمر) وفي رواية الدراوردي ثم يعطيه أصغر من يحضره من الولدان قال الباجي يحتمل أن يريد بذلك عظم الأجر في إدخال المسرة على من لا ذنب له لصغره فإن سروره به أعظم من سرور الكبير وقال أبو عمر فيه من الآداب وجميل الأخلاق إعطاء الصغير وإتحافه بالطرفة لأنه أولى من الكبير لقلة صبره ولفرحه بذلك وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في كل حال وقال عياض تخصيصه أصغر وليد حضره لأنه ليس فيه ما يقسم على الولدان ومن كبر منهم ملحق بأخلاق الرجال وتلويحًا إلى التفاؤل بنماء الثمار وزيادتها بدفعها لمن هو في سن النماء والزيادة كما قيل في قلب الرداء للاستسقاء قال الأبي ولا يعارض دعاءه لها بالبركة قوله في الحديث الآخر أصابهم بالمدينة جهد وشدة إذ لا منافاة بين ثبوت الشدة وثبوت البركة فيها وتخلفها عن بعض لا يضر بها كذا أجاب شيخنا والأظهر أن البركة في تحصيل القوت وأن المد بها يشبع ثلاثة أمثاله بغيرها فتكون الشدة في تحصيل المد والبركة في تضعيف القوت به انتهى ولعل الأظهر جواب شيخه وهو ابن عرفة قال ابن عبد البر وظاهر الحديث يدل على أن المدينة أفضل من مكة لدعائه بذلك ومثله معه وهذا بين لموضعه صلى الله عليه وسلم وموضع التضعيف في ذلك وأما دعاء إبراهيم فهو معنى قوله تعالى { { وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر } } أخرج الفريابي عن ابن عباس قال كأن إبراهيم يحجرها أي الدعوة على المؤمنين دون الناس فقال تعالى { { ومن كفر } } أيضًا فإني أرزقه كما أرزق المؤمنين أأخلق خلقًا لا أرزقهم أمتعهم قليلاً ثم أضطرهم إلى عذاب أليم ثم قرأ ابن عباس { { كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا } } انتهى وهذا الحديث رواه مسلم عن قتيبة بن سعيد عن مالك به وتابعه الدراوردي عن سهيل نحوه في مسلم أيضًا.