فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي تَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ

رقم الحديث 1615 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَمْرٍو، مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ فَقَالَ: هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَأَنَا أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا.


( ما جاء في تحريم المدينة)

( مالك عن عمرو) بفتح العين وسكون الميم ابن أبي عمرو واسمه ميسرة المدني الثقة المتوفى بعد الخمسين ومائة ( مولى المطلب) بن عبد الله بن حنطب القرشي المخزومي وعمرو قال أحمد لا بأس به روى عنه مالك وضعفه بعضهم قال ابن عبد البر ولم يفرده مالك بحكم له في الموطأ هذا الحديث الواحد انتهى وفي مقدمة الفتح وثقه أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم والعجلي وضعفه ابن معين والنسائي وعثمان الدارمي لروايته عن عكرمة عن ابن عباس من أتى البهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة وقال أبو داود ليس هو بذاك حدث بحديث البهيمة وقد روى عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس ليس على من أتى البهيمة حد وقال الساجي صدوق إلا أنه يهم انتهى وقد علم أن مالكًا لم يخرج عنه عن عكرمة شيئًا وإنما أخرج له هذا الحديث فقط ( عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلع) بفتح الطاء واللام مخففًا ظهر ( له أحد) حين رجع من خيبر ففي رواية محمد بن جعفر عن عمرو عن أنس قال خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر أخدمه فلما قدم صلى الله عليه وسلم راجعًا وبدا له أحد ( فقال هذا) مشيرًا إلى أحد ( جبل) خبر موطئ لقوله ( يحبنا) حقيقة كما رجحه جماعة وقد خاطبه صلى الله عليه وسلم مخاطبة من يعقل فقال لما اضطرب أسكن أحد الحديث فوضع الله الحب فيه كما وضع التسبيح في الجبال مع داود والخشية في الحجارة التي قال فيها { { وإن منها لما يهبط من خشية الله } } وكما حن الجذع لفراقه حتى سمع الناس حنينه فلا ينكر وصف الجماد بحب الأنبياء وقد سلم عليه الحجر والشجر وسبحت الحصيات في يده وكلمته الذراع وأمنت حوائط البيت وأسكفة الباب على دعائه صلى الله عليه وسلم إشارة إلى مزيد حب الله إياه حتى أسكن حبه في الجماد وغرس محبته في الحجر مع فضل يبسه وقوة صلابته ( ونحبه) حقيقة أيضًا لأن جزاء من يحب أن يحب ولأنه من جبال الجنة كما روى أحمد عن أبي عبس بن جبر مرفوعًا أحد جبل يحبنا ونحبه وهو من جبال الجنة وللبزار والطبراني أحد هذا جبل يحبنا ونحبه على باب من أبواب الجنة أي من داخلها فلا ينافي رواية الطبراني أيضًا أحد ركن من أركان الجنة لأنه ركن داخل الباب بدليل رواية ابن سلام في تفسيره أنه ركن باب الجنة وقيل هو على حذف مضاف أي يحبنا أهله وهم الأنصار لأنهم جيرانه وكانوا يحبونه صلى الله عليه وسلم ويحبهم لأنهم آووه ونصروه وأقاموا دينه فهو كقوله { { واسأل القرية } } وقال الشاعر

وما حب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديارا

وقيل لأنه كان يبشره بلسان الحال إذا قدم من سفر بقربه من أهله ولقائهم وذلك فعل المحب بمن يحب فكان يفرح إذا طلع له استبشارًا بالأوبة من سفره والقرب من أهله وضعف بما في رواية الطبراني عن أنس فإذا جئتموه فكلوا من شجره ولو من عضاهه بكسر المهملة وضاد معجمة كل شجرة عظيمة ذات شوك فحث على عدم إهمال الأكل حتى لو فرض أنه لا يوجد إلا ما يؤكل كالعضاه يمضغ منه تبركًا ولو بلا ابتاع قال السهيلي ويقوي الأول أي الحقيقة قوله صلى الله عليه وسلم المرء مع من أحب مع أحاديث أنه في الجنة فتناسبت هذه الآثار وشد بعضها بعضًا وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن ولا أحسن من اسم مشتق من الأحدية وقد سماه الله بهذا الاسم تقدمة لما أراده من مشاكلة اسمه لمعناه إذ أهله وهم الأنصار نصروا التوحيد والمبعوث بدين التوحيد واستقر عنده حيًا وميتًا وكان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يستعمل الوتر ويحبه في شأنه كله استشعارًا للأحدية فقد وافق اسمه أغراضه ومقاصده ومع أنه مشتق من الأحدية فحركات حروفه الرفع وذلك يشعر بارتفاع دين الأحدية وعلوه فتعلق الحب به منه صلى الله عليه وسلم اسمًا ومسمى فخص من بين الجبال بأن يكون معه في الجنة إذا بست الجبال بسًا انتهى وأخذ من هذا أنه أفضل الجبال وقيل عرفة وقيل أبو قبيس وقيل الذي كلم الله عليه موسى وقيل قاف قيل وفيه قبر هارون أخي موسى عليهما الصلاة والسلام ولا يصح ( اللهم إن إبراهيم حرم مكة) بتحريمك لها على لسانه ( وأنا أحرم) بتحريمك على لساني ( ما بين لابتيها) بخفة الموحدة تثنية لابة قال ابن حبيب أرض ذات حجارة سود وجمعها في القلة لابات وفي الكثرة لوب كساحة وسوح يعني الحرتين الشرقية والغربية وهي حرار أربع لكن القبلية والجنوبية متصلتان وقد ردها حسان إلى حرة واحدة في قوله

لنا حرة مأطورة بجبالها
بنى العز فيها بيته فتأثلا

قال ومأطورة يعني معطوفة بجبالها لاستدارة الجبال بها وإنما جبالها تلك الحجارة السود التي تسمى الحرار قال وتحريمه صلى الله عليه وسلم ما بين لابتيها إنما يعني في الصيد فأما الشجر فبريد في بريد في دورها كلها كذلك أخبرني مطرف عن مالك وعمر بن عبد العزيز انتهى وكذا قاله ابن وهب زاد في رواية في الصحيحين كما حرم إبراهيم مكة والتشبيه في الحرمة فقط لا الجزاء لأنه كما قال ابن عبد البر عن العلماء لم يكن في شريعة إبراهيم جزاء الصيد وإنما هو شيء ابتلى الله به هذه الأمة كما قال { { ليبلونكم الله بشيء من الصيد } } ولم يكن قبل ذلك والصحابة فهموا المراد في تحريم صيد المدينة فتلقوه بالوجوب دون جزاء والأصل براءة الذمة ولا يجب فيها شيء إلا بيقين هذا قول أكثر العلماء وقالت فرقة في صيدها الجزاء لأنه حرم نبي كما مكة حرم نبي انتهى وزاد في الصحيح من حديث جابر وأبي سعيد لا يقطع عضاهها ولا يصاد صيدها ووقع في رواية إسماعيل بن جعفر عن عمرو اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم به إبراهيم مكة فزعم بعض الحنفية أن الحديث مضطرب نصرة لقولهم بجواز صيدها وقطع شجرها وتعقب بأن بمثل هذا لا ترد الأحاديث الصحيحة فالجمع واضح ولو تعذر فرواية لابتيها أرجح لتوارد الرواة عليها ولا ينافيها رواية جبليها فيكون عند كل لابة جبل أو لابتيها من جهة الجنوب والشمال وجبليها من جهة المشرق والمغرب وتسمية الجبلين في رواية أخرى لا تضر والحديث رواه البخاري في أحاديث الأنبياء عن القعنبي وفي المغازي عن عبد الله بن يوسف كلاهما عن مالك به وتابعه محمد بن أبي كثير عند البخاري وإسماعيل بن جعفر ويعقوب بن عبد الرحمن عند مسلم الثلاثة عن عمرو بنحوه ( مالك عن ابن شهاب) الزهري ( عن سعيد بن المسيب) بكسر الياء وفتحها ( عن أبي هريرة) رضي الله عنه ( أنه كان يقول لو رأيت الظباء) بكسر الظاء المعجمة والمد جمع ظبي ( بالمدينة ترتع) أي ترعى ( ما ذعرتها) بذال معجمة وعين مهملة أي ما أفزعتها ونفرتها كنى بذلك عن عدم صيدها وفيه أنه لا يجوز ترويع الصيد في الحرم المدني كالمكي واستدل على ذلك بقوله ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتيها حرام) بتحريم الله تعالى كما قال صلى الله عليه وسلم حرم ما بين لابتي المدينة على لساني أخرجه البخاري عن سعيد المقبري عن أبي هريرة فلا يجوز صيدها ولا قطع شجرها الذي لا يستنبته الآدمي والمدينة بين لابتين شرقية وغربية ولها لابتان أيضًا قبلية وجنوبية لكنهما يرجعان إلى الأولين لاتصالهما بهما فجميع دورها كلها داخل ذلك قال النووي واللابتان داخلتان أيضًا قال الأبي ولعله بدليل آخر وإلا فلفظ بين لا يشملهما انتهى وفي بعض طرقه عند مسلم عن أبي هريرة حرم صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة وجعل اثني عشر ميلاً حول المدينة حمى ولأبي داود عن عدي بن زيد قال حمى صلى الله عليه وسلم كل ناحية من المدينة بريدًا في بريد وفي هذا بيان ما أجمل من حد حرم المدينة وفي هذه الأحاديث كلها حجة على الحنفية في إباحة صيد المدينة وقطع شجرها وزعموا نسخها باحتمال أن المنع من ذلك لما كانت الهجرة واجبة إليها فكان بقاء الصيد والشجر مما يقوي المقام بها وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال واحتجاج الطحاوي للجواز بحديث يا أبا عمير ما فعل النغير حيث لم ينكر صيده ولا إمساكه وبحديث عائشة كان له صلى الله عليه وسلم وحشي فإذا خرج لعب واشتد وأقبل وأدبر فإذا أحس به صلى الله عليه وسلم ربض فلم يقم من مكانه تعقبه ابن عبد البر لجواز أن كلا منهما مما صيد في غير حرم المدينة فلا حجة فيه وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به وتابعه إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عند مسلم ( مالك عن يونس بن يوسف) بن حماس بكسر المهملة وتخفيف الميم وآخره مهملة ثقة عابد وقال ابن حبان هو يوسف بن يونس ووهم ما قبله ( عن عطاء بن يسار) بخفة المهملة ( عن أبي أيوب) خالد بن زيد ( الأنصاري) أحد كبار الصحابة وفقهائهم ( أنه وجد غلمانا قد ألجأوا) بجيم أي اضطروا ( ثعلبا إلى زاوية) بزاي ناحية من نواحي المدينة يريدون اصطياده ( فطردهم عنه) لحرمة ذلك ( قال مالك لا أعلم إلا أنه قال أفي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع هذا) إنكار عليهم ( مالك عن رجل) قال أبو عمر يقال إنه شرحبيل بن سعد انتهى وهو في مسند أحمد ومعجم الطبراني عن شرحبيل بن سعد وهو من موالي الأنصار ( قال دخل علي) بشد ياء المتكلم ( زيد بن ثابت) الأنصاري بالرفع فاعل دخل ( وأنا بالأسواف) بفتح الهمزة وإسكان السين فواو فألف ففاء قال الباجي موضع ببعض أطراف المدينة بين الحرتين ( قد اصطدت نهسًا) بضم النون وفتح الهاء وسين مهملة طائر يشبه الصرد يديم تحريك رأسه وذنبه يصطاد العصافير ويأوي إلى المقابر قاله في النهاية ( فأخذه من يدي فأرسله) أطلقه فهذا زيد وهو من فقهاء الصحابة كأبي أيوب قد منعا من اصطاد وأطلق زيد الصيد فلو كان منسوخًا ما حل ذلك لأنه ضياع مال خصوصًا للغير ففي ذلك أقوى دليل على أنهما كأبي هريرة حيث قال ما ذعرتها واستدلوا بالحديث فهموا بقاء التحريم بعده صلى الله عليه وسلم وعملوا به والعمل بما نسخ حرام وذلك لا يجوز ظنه بهم والله أعلم.



رقم الحديث 1616 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَوْ رَأَيْتُ الظِّبَاءَ بِالْمَدِينَةِ تَرْتَعُ مَا ذَعَرْتُهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حَرَامٌ.


( ما جاء في تحريم المدينة)

( مالك عن عمرو) بفتح العين وسكون الميم ابن أبي عمرو واسمه ميسرة المدني الثقة المتوفى بعد الخمسين ومائة ( مولى المطلب) بن عبد الله بن حنطب القرشي المخزومي وعمرو قال أحمد لا بأس به روى عنه مالك وضعفه بعضهم قال ابن عبد البر ولم يفرده مالك بحكم له في الموطأ هذا الحديث الواحد انتهى وفي مقدمة الفتح وثقه أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم والعجلي وضعفه ابن معين والنسائي وعثمان الدارمي لروايته عن عكرمة عن ابن عباس من أتى البهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة وقال أبو داود ليس هو بذاك حدث بحديث البهيمة وقد روى عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس ليس على من أتى البهيمة حد وقال الساجي صدوق إلا أنه يهم انتهى وقد علم أن مالكًا لم يخرج عنه عن عكرمة شيئًا وإنما أخرج له هذا الحديث فقط ( عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلع) بفتح الطاء واللام مخففًا ظهر ( له أحد) حين رجع من خيبر ففي رواية محمد بن جعفر عن عمرو عن أنس قال خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر أخدمه فلما قدم صلى الله عليه وسلم راجعًا وبدا له أحد ( فقال هذا) مشيرًا إلى أحد ( جبل) خبر موطئ لقوله ( يحبنا) حقيقة كما رجحه جماعة وقد خاطبه صلى الله عليه وسلم مخاطبة من يعقل فقال لما اضطرب أسكن أحد الحديث فوضع الله الحب فيه كما وضع التسبيح في الجبال مع داود والخشية في الحجارة التي قال فيها { { وإن منها لما يهبط من خشية الله } } وكما حن الجذع لفراقه حتى سمع الناس حنينه فلا ينكر وصف الجماد بحب الأنبياء وقد سلم عليه الحجر والشجر وسبحت الحصيات في يده وكلمته الذراع وأمنت حوائط البيت وأسكفة الباب على دعائه صلى الله عليه وسلم إشارة إلى مزيد حب الله إياه حتى أسكن حبه في الجماد وغرس محبته في الحجر مع فضل يبسه وقوة صلابته ( ونحبه) حقيقة أيضًا لأن جزاء من يحب أن يحب ولأنه من جبال الجنة كما روى أحمد عن أبي عبس بن جبر مرفوعًا أحد جبل يحبنا ونحبه وهو من جبال الجنة وللبزار والطبراني أحد هذا جبل يحبنا ونحبه على باب من أبواب الجنة أي من داخلها فلا ينافي رواية الطبراني أيضًا أحد ركن من أركان الجنة لأنه ركن داخل الباب بدليل رواية ابن سلام في تفسيره أنه ركن باب الجنة وقيل هو على حذف مضاف أي يحبنا أهله وهم الأنصار لأنهم جيرانه وكانوا يحبونه صلى الله عليه وسلم ويحبهم لأنهم آووه ونصروه وأقاموا دينه فهو كقوله { { واسأل القرية } } وقال الشاعر

وما حب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديارا

وقيل لأنه كان يبشره بلسان الحال إذا قدم من سفر بقربه من أهله ولقائهم وذلك فعل المحب بمن يحب فكان يفرح إذا طلع له استبشارًا بالأوبة من سفره والقرب من أهله وضعف بما في رواية الطبراني عن أنس فإذا جئتموه فكلوا من شجره ولو من عضاهه بكسر المهملة وضاد معجمة كل شجرة عظيمة ذات شوك فحث على عدم إهمال الأكل حتى لو فرض أنه لا يوجد إلا ما يؤكل كالعضاه يمضغ منه تبركًا ولو بلا ابتاع قال السهيلي ويقوي الأول أي الحقيقة قوله صلى الله عليه وسلم المرء مع من أحب مع أحاديث أنه في الجنة فتناسبت هذه الآثار وشد بعضها بعضًا وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن ولا أحسن من اسم مشتق من الأحدية وقد سماه الله بهذا الاسم تقدمة لما أراده من مشاكلة اسمه لمعناه إذ أهله وهم الأنصار نصروا التوحيد والمبعوث بدين التوحيد واستقر عنده حيًا وميتًا وكان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يستعمل الوتر ويحبه في شأنه كله استشعارًا للأحدية فقد وافق اسمه أغراضه ومقاصده ومع أنه مشتق من الأحدية فحركات حروفه الرفع وذلك يشعر بارتفاع دين الأحدية وعلوه فتعلق الحب به منه صلى الله عليه وسلم اسمًا ومسمى فخص من بين الجبال بأن يكون معه في الجنة إذا بست الجبال بسًا انتهى وأخذ من هذا أنه أفضل الجبال وقيل عرفة وقيل أبو قبيس وقيل الذي كلم الله عليه موسى وقيل قاف قيل وفيه قبر هارون أخي موسى عليهما الصلاة والسلام ولا يصح ( اللهم إن إبراهيم حرم مكة) بتحريمك لها على لسانه ( وأنا أحرم) بتحريمك على لساني ( ما بين لابتيها) بخفة الموحدة تثنية لابة قال ابن حبيب أرض ذات حجارة سود وجمعها في القلة لابات وفي الكثرة لوب كساحة وسوح يعني الحرتين الشرقية والغربية وهي حرار أربع لكن القبلية والجنوبية متصلتان وقد ردها حسان إلى حرة واحدة في قوله

لنا حرة مأطورة بجبالها
بنى العز فيها بيته فتأثلا

قال ومأطورة يعني معطوفة بجبالها لاستدارة الجبال بها وإنما جبالها تلك الحجارة السود التي تسمى الحرار قال وتحريمه صلى الله عليه وسلم ما بين لابتيها إنما يعني في الصيد فأما الشجر فبريد في بريد في دورها كلها كذلك أخبرني مطرف عن مالك وعمر بن عبد العزيز انتهى وكذا قاله ابن وهب زاد في رواية في الصحيحين كما حرم إبراهيم مكة والتشبيه في الحرمة فقط لا الجزاء لأنه كما قال ابن عبد البر عن العلماء لم يكن في شريعة إبراهيم جزاء الصيد وإنما هو شيء ابتلى الله به هذه الأمة كما قال { { ليبلونكم الله بشيء من الصيد } } ولم يكن قبل ذلك والصحابة فهموا المراد في تحريم صيد المدينة فتلقوه بالوجوب دون جزاء والأصل براءة الذمة ولا يجب فيها شيء إلا بيقين هذا قول أكثر العلماء وقالت فرقة في صيدها الجزاء لأنه حرم نبي كما مكة حرم نبي انتهى وزاد في الصحيح من حديث جابر وأبي سعيد لا يقطع عضاهها ولا يصاد صيدها ووقع في رواية إسماعيل بن جعفر عن عمرو اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم به إبراهيم مكة فزعم بعض الحنفية أن الحديث مضطرب نصرة لقولهم بجواز صيدها وقطع شجرها وتعقب بأن بمثل هذا لا ترد الأحاديث الصحيحة فالجمع واضح ولو تعذر فرواية لابتيها أرجح لتوارد الرواة عليها ولا ينافيها رواية جبليها فيكون عند كل لابة جبل أو لابتيها من جهة الجنوب والشمال وجبليها من جهة المشرق والمغرب وتسمية الجبلين في رواية أخرى لا تضر والحديث رواه البخاري في أحاديث الأنبياء عن القعنبي وفي المغازي عن عبد الله بن يوسف كلاهما عن مالك به وتابعه محمد بن أبي كثير عند البخاري وإسماعيل بن جعفر ويعقوب بن عبد الرحمن عند مسلم الثلاثة عن عمرو بنحوه ( مالك عن ابن شهاب) الزهري ( عن سعيد بن المسيب) بكسر الياء وفتحها ( عن أبي هريرة) رضي الله عنه ( أنه كان يقول لو رأيت الظباء) بكسر الظاء المعجمة والمد جمع ظبي ( بالمدينة ترتع) أي ترعى ( ما ذعرتها) بذال معجمة وعين مهملة أي ما أفزعتها ونفرتها كنى بذلك عن عدم صيدها وفيه أنه لا يجوز ترويع الصيد في الحرم المدني كالمكي واستدل على ذلك بقوله ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتيها حرام) بتحريم الله تعالى كما قال صلى الله عليه وسلم حرم ما بين لابتي المدينة على لساني أخرجه البخاري عن سعيد المقبري عن أبي هريرة فلا يجوز صيدها ولا قطع شجرها الذي لا يستنبته الآدمي والمدينة بين لابتين شرقية وغربية ولها لابتان أيضًا قبلية وجنوبية لكنهما يرجعان إلى الأولين لاتصالهما بهما فجميع دورها كلها داخل ذلك قال النووي واللابتان داخلتان أيضًا قال الأبي ولعله بدليل آخر وإلا فلفظ بين لا يشملهما انتهى وفي بعض طرقه عند مسلم عن أبي هريرة حرم صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة وجعل اثني عشر ميلاً حول المدينة حمى ولأبي داود عن عدي بن زيد قال حمى صلى الله عليه وسلم كل ناحية من المدينة بريدًا في بريد وفي هذا بيان ما أجمل من حد حرم المدينة وفي هذه الأحاديث كلها حجة على الحنفية في إباحة صيد المدينة وقطع شجرها وزعموا نسخها باحتمال أن المنع من ذلك لما كانت الهجرة واجبة إليها فكان بقاء الصيد والشجر مما يقوي المقام بها وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال واحتجاج الطحاوي للجواز بحديث يا أبا عمير ما فعل النغير حيث لم ينكر صيده ولا إمساكه وبحديث عائشة كان له صلى الله عليه وسلم وحشي فإذا خرج لعب واشتد وأقبل وأدبر فإذا أحس به صلى الله عليه وسلم ربض فلم يقم من مكانه تعقبه ابن عبد البر لجواز أن كلا منهما مما صيد في غير حرم المدينة فلا حجة فيه وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به وتابعه إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عند مسلم ( مالك عن يونس بن يوسف) بن حماس بكسر المهملة وتخفيف الميم وآخره مهملة ثقة عابد وقال ابن حبان هو يوسف بن يونس ووهم ما قبله ( عن عطاء بن يسار) بخفة المهملة ( عن أبي أيوب) خالد بن زيد ( الأنصاري) أحد كبار الصحابة وفقهائهم ( أنه وجد غلمانا قد ألجأوا) بجيم أي اضطروا ( ثعلبا إلى زاوية) بزاي ناحية من نواحي المدينة يريدون اصطياده ( فطردهم عنه) لحرمة ذلك ( قال مالك لا أعلم إلا أنه قال أفي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع هذا) إنكار عليهم ( مالك عن رجل) قال أبو عمر يقال إنه شرحبيل بن سعد انتهى وهو في مسند أحمد ومعجم الطبراني عن شرحبيل بن سعد وهو من موالي الأنصار ( قال دخل علي) بشد ياء المتكلم ( زيد بن ثابت) الأنصاري بالرفع فاعل دخل ( وأنا بالأسواف) بفتح الهمزة وإسكان السين فواو فألف ففاء قال الباجي موضع ببعض أطراف المدينة بين الحرتين ( قد اصطدت نهسًا) بضم النون وفتح الهاء وسين مهملة طائر يشبه الصرد يديم تحريك رأسه وذنبه يصطاد العصافير ويأوي إلى المقابر قاله في النهاية ( فأخذه من يدي فأرسله) أطلقه فهذا زيد وهو من فقهاء الصحابة كأبي أيوب قد منعا من اصطاد وأطلق زيد الصيد فلو كان منسوخًا ما حل ذلك لأنه ضياع مال خصوصًا للغير ففي ذلك أقوى دليل على أنهما كأبي هريرة حيث قال ما ذعرتها واستدلوا بالحديث فهموا بقاء التحريم بعده صلى الله عليه وسلم وعملوا به والعمل بما نسخ حرام وذلك لا يجوز ظنه بهم والله أعلم.



رقم الحديث 1617 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ وَجَدَ غِلْمَانًا قَدْ أَلْجَئُوا ثَعْلَبًا إِلَى زَاوِيَةٍ، فَطَرَدَهُمْ عَنْهُ، قَالَ مَالِكٌ: لَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: أَفِي حَرَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْنَعُ هَذَا؟.


( ما جاء في تحريم المدينة)

( مالك عن عمرو) بفتح العين وسكون الميم ابن أبي عمرو واسمه ميسرة المدني الثقة المتوفى بعد الخمسين ومائة ( مولى المطلب) بن عبد الله بن حنطب القرشي المخزومي وعمرو قال أحمد لا بأس به روى عنه مالك وضعفه بعضهم قال ابن عبد البر ولم يفرده مالك بحكم له في الموطأ هذا الحديث الواحد انتهى وفي مقدمة الفتح وثقه أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم والعجلي وضعفه ابن معين والنسائي وعثمان الدارمي لروايته عن عكرمة عن ابن عباس من أتى البهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة وقال أبو داود ليس هو بذاك حدث بحديث البهيمة وقد روى عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس ليس على من أتى البهيمة حد وقال الساجي صدوق إلا أنه يهم انتهى وقد علم أن مالكًا لم يخرج عنه عن عكرمة شيئًا وإنما أخرج له هذا الحديث فقط ( عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلع) بفتح الطاء واللام مخففًا ظهر ( له أحد) حين رجع من خيبر ففي رواية محمد بن جعفر عن عمرو عن أنس قال خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر أخدمه فلما قدم صلى الله عليه وسلم راجعًا وبدا له أحد ( فقال هذا) مشيرًا إلى أحد ( جبل) خبر موطئ لقوله ( يحبنا) حقيقة كما رجحه جماعة وقد خاطبه صلى الله عليه وسلم مخاطبة من يعقل فقال لما اضطرب أسكن أحد الحديث فوضع الله الحب فيه كما وضع التسبيح في الجبال مع داود والخشية في الحجارة التي قال فيها { { وإن منها لما يهبط من خشية الله } } وكما حن الجذع لفراقه حتى سمع الناس حنينه فلا ينكر وصف الجماد بحب الأنبياء وقد سلم عليه الحجر والشجر وسبحت الحصيات في يده وكلمته الذراع وأمنت حوائط البيت وأسكفة الباب على دعائه صلى الله عليه وسلم إشارة إلى مزيد حب الله إياه حتى أسكن حبه في الجماد وغرس محبته في الحجر مع فضل يبسه وقوة صلابته ( ونحبه) حقيقة أيضًا لأن جزاء من يحب أن يحب ولأنه من جبال الجنة كما روى أحمد عن أبي عبس بن جبر مرفوعًا أحد جبل يحبنا ونحبه وهو من جبال الجنة وللبزار والطبراني أحد هذا جبل يحبنا ونحبه على باب من أبواب الجنة أي من داخلها فلا ينافي رواية الطبراني أيضًا أحد ركن من أركان الجنة لأنه ركن داخل الباب بدليل رواية ابن سلام في تفسيره أنه ركن باب الجنة وقيل هو على حذف مضاف أي يحبنا أهله وهم الأنصار لأنهم جيرانه وكانوا يحبونه صلى الله عليه وسلم ويحبهم لأنهم آووه ونصروه وأقاموا دينه فهو كقوله { { واسأل القرية } } وقال الشاعر

وما حب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديارا

وقيل لأنه كان يبشره بلسان الحال إذا قدم من سفر بقربه من أهله ولقائهم وذلك فعل المحب بمن يحب فكان يفرح إذا طلع له استبشارًا بالأوبة من سفره والقرب من أهله وضعف بما في رواية الطبراني عن أنس فإذا جئتموه فكلوا من شجره ولو من عضاهه بكسر المهملة وضاد معجمة كل شجرة عظيمة ذات شوك فحث على عدم إهمال الأكل حتى لو فرض أنه لا يوجد إلا ما يؤكل كالعضاه يمضغ منه تبركًا ولو بلا ابتاع قال السهيلي ويقوي الأول أي الحقيقة قوله صلى الله عليه وسلم المرء مع من أحب مع أحاديث أنه في الجنة فتناسبت هذه الآثار وشد بعضها بعضًا وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن ولا أحسن من اسم مشتق من الأحدية وقد سماه الله بهذا الاسم تقدمة لما أراده من مشاكلة اسمه لمعناه إذ أهله وهم الأنصار نصروا التوحيد والمبعوث بدين التوحيد واستقر عنده حيًا وميتًا وكان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يستعمل الوتر ويحبه في شأنه كله استشعارًا للأحدية فقد وافق اسمه أغراضه ومقاصده ومع أنه مشتق من الأحدية فحركات حروفه الرفع وذلك يشعر بارتفاع دين الأحدية وعلوه فتعلق الحب به منه صلى الله عليه وسلم اسمًا ومسمى فخص من بين الجبال بأن يكون معه في الجنة إذا بست الجبال بسًا انتهى وأخذ من هذا أنه أفضل الجبال وقيل عرفة وقيل أبو قبيس وقيل الذي كلم الله عليه موسى وقيل قاف قيل وفيه قبر هارون أخي موسى عليهما الصلاة والسلام ولا يصح ( اللهم إن إبراهيم حرم مكة) بتحريمك لها على لسانه ( وأنا أحرم) بتحريمك على لساني ( ما بين لابتيها) بخفة الموحدة تثنية لابة قال ابن حبيب أرض ذات حجارة سود وجمعها في القلة لابات وفي الكثرة لوب كساحة وسوح يعني الحرتين الشرقية والغربية وهي حرار أربع لكن القبلية والجنوبية متصلتان وقد ردها حسان إلى حرة واحدة في قوله

لنا حرة مأطورة بجبالها
بنى العز فيها بيته فتأثلا

قال ومأطورة يعني معطوفة بجبالها لاستدارة الجبال بها وإنما جبالها تلك الحجارة السود التي تسمى الحرار قال وتحريمه صلى الله عليه وسلم ما بين لابتيها إنما يعني في الصيد فأما الشجر فبريد في بريد في دورها كلها كذلك أخبرني مطرف عن مالك وعمر بن عبد العزيز انتهى وكذا قاله ابن وهب زاد في رواية في الصحيحين كما حرم إبراهيم مكة والتشبيه في الحرمة فقط لا الجزاء لأنه كما قال ابن عبد البر عن العلماء لم يكن في شريعة إبراهيم جزاء الصيد وإنما هو شيء ابتلى الله به هذه الأمة كما قال { { ليبلونكم الله بشيء من الصيد } } ولم يكن قبل ذلك والصحابة فهموا المراد في تحريم صيد المدينة فتلقوه بالوجوب دون جزاء والأصل براءة الذمة ولا يجب فيها شيء إلا بيقين هذا قول أكثر العلماء وقالت فرقة في صيدها الجزاء لأنه حرم نبي كما مكة حرم نبي انتهى وزاد في الصحيح من حديث جابر وأبي سعيد لا يقطع عضاهها ولا يصاد صيدها ووقع في رواية إسماعيل بن جعفر عن عمرو اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم به إبراهيم مكة فزعم بعض الحنفية أن الحديث مضطرب نصرة لقولهم بجواز صيدها وقطع شجرها وتعقب بأن بمثل هذا لا ترد الأحاديث الصحيحة فالجمع واضح ولو تعذر فرواية لابتيها أرجح لتوارد الرواة عليها ولا ينافيها رواية جبليها فيكون عند كل لابة جبل أو لابتيها من جهة الجنوب والشمال وجبليها من جهة المشرق والمغرب وتسمية الجبلين في رواية أخرى لا تضر والحديث رواه البخاري في أحاديث الأنبياء عن القعنبي وفي المغازي عن عبد الله بن يوسف كلاهما عن مالك به وتابعه محمد بن أبي كثير عند البخاري وإسماعيل بن جعفر ويعقوب بن عبد الرحمن عند مسلم الثلاثة عن عمرو بنحوه ( مالك عن ابن شهاب) الزهري ( عن سعيد بن المسيب) بكسر الياء وفتحها ( عن أبي هريرة) رضي الله عنه ( أنه كان يقول لو رأيت الظباء) بكسر الظاء المعجمة والمد جمع ظبي ( بالمدينة ترتع) أي ترعى ( ما ذعرتها) بذال معجمة وعين مهملة أي ما أفزعتها ونفرتها كنى بذلك عن عدم صيدها وفيه أنه لا يجوز ترويع الصيد في الحرم المدني كالمكي واستدل على ذلك بقوله ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتيها حرام) بتحريم الله تعالى كما قال صلى الله عليه وسلم حرم ما بين لابتي المدينة على لساني أخرجه البخاري عن سعيد المقبري عن أبي هريرة فلا يجوز صيدها ولا قطع شجرها الذي لا يستنبته الآدمي والمدينة بين لابتين شرقية وغربية ولها لابتان أيضًا قبلية وجنوبية لكنهما يرجعان إلى الأولين لاتصالهما بهما فجميع دورها كلها داخل ذلك قال النووي واللابتان داخلتان أيضًا قال الأبي ولعله بدليل آخر وإلا فلفظ بين لا يشملهما انتهى وفي بعض طرقه عند مسلم عن أبي هريرة حرم صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة وجعل اثني عشر ميلاً حول المدينة حمى ولأبي داود عن عدي بن زيد قال حمى صلى الله عليه وسلم كل ناحية من المدينة بريدًا في بريد وفي هذا بيان ما أجمل من حد حرم المدينة وفي هذه الأحاديث كلها حجة على الحنفية في إباحة صيد المدينة وقطع شجرها وزعموا نسخها باحتمال أن المنع من ذلك لما كانت الهجرة واجبة إليها فكان بقاء الصيد والشجر مما يقوي المقام بها وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال واحتجاج الطحاوي للجواز بحديث يا أبا عمير ما فعل النغير حيث لم ينكر صيده ولا إمساكه وبحديث عائشة كان له صلى الله عليه وسلم وحشي فإذا خرج لعب واشتد وأقبل وأدبر فإذا أحس به صلى الله عليه وسلم ربض فلم يقم من مكانه تعقبه ابن عبد البر لجواز أن كلا منهما مما صيد في غير حرم المدينة فلا حجة فيه وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به وتابعه إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عند مسلم ( مالك عن يونس بن يوسف) بن حماس بكسر المهملة وتخفيف الميم وآخره مهملة ثقة عابد وقال ابن حبان هو يوسف بن يونس ووهم ما قبله ( عن عطاء بن يسار) بخفة المهملة ( عن أبي أيوب) خالد بن زيد ( الأنصاري) أحد كبار الصحابة وفقهائهم ( أنه وجد غلمانا قد ألجأوا) بجيم أي اضطروا ( ثعلبا إلى زاوية) بزاي ناحية من نواحي المدينة يريدون اصطياده ( فطردهم عنه) لحرمة ذلك ( قال مالك لا أعلم إلا أنه قال أفي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع هذا) إنكار عليهم ( مالك عن رجل) قال أبو عمر يقال إنه شرحبيل بن سعد انتهى وهو في مسند أحمد ومعجم الطبراني عن شرحبيل بن سعد وهو من موالي الأنصار ( قال دخل علي) بشد ياء المتكلم ( زيد بن ثابت) الأنصاري بالرفع فاعل دخل ( وأنا بالأسواف) بفتح الهمزة وإسكان السين فواو فألف ففاء قال الباجي موضع ببعض أطراف المدينة بين الحرتين ( قد اصطدت نهسًا) بضم النون وفتح الهاء وسين مهملة طائر يشبه الصرد يديم تحريك رأسه وذنبه يصطاد العصافير ويأوي إلى المقابر قاله في النهاية ( فأخذه من يدي فأرسله) أطلقه فهذا زيد وهو من فقهاء الصحابة كأبي أيوب قد منعا من اصطاد وأطلق زيد الصيد فلو كان منسوخًا ما حل ذلك لأنه ضياع مال خصوصًا للغير ففي ذلك أقوى دليل على أنهما كأبي هريرة حيث قال ما ذعرتها واستدلوا بالحديث فهموا بقاء التحريم بعده صلى الله عليه وسلم وعملوا به والعمل بما نسخ حرام وذلك لا يجوز ظنه بهم والله أعلم.