فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي إِجْلَاءِ الْيَهُودِ مِنَ الْمَدِينَةِ

رقم الحديث 1620 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ: كَانَ مِنْ آخِرِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ قَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ، لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ.


( مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم) القرشي مولاهم المدني ثقة مات سنة ثلاثين ومائة ( أنه سمع عمر بن عبد العزيز) أمير المؤمني ن ( يقول) مرسل وهو موصول في الصحيحين وغيرهما من طرق عن عائشة وغيرها ( كان من آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال قاتل الله اليهود) قيل معناه لعنهم لرواية لعن الله اليهود وقيل أي قتلهم لأن فاعل يأتي بمعنى فعل ( والنصارى) وكأنه قيل ما سبب ذلك فقال لأنهم ( اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) أي اتخذوها جهة قبلتهم مع اعتقادهم الباطل وأن اتخاذها مساجد لازم لاتخاذ المساجد عليها كعكسه وقدم اليهود لابتدائهم بالاتخاذ وتبعهم النصارى فاليهود أظلم فإن قيل النصارى ليس لهم إلا نبي واحد ولا قبر له أجيب بأن الجمع بإزاء المجموع من اليهود والنصارى فإن اليهود لهم أنبياء أو المراد الأنبياء وكبار أتباعهم كالحواريين فاكتفى بذكر الأنبياء وفي مسلم ما يؤيد ذلك حيث قال في بعض الحديث كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد أو أنه كان في النصارى أنبياء أيضًا لكنهم غير مرسلين كالحواريين ومريم في قول أو الضمير راجع لليهود فقط بدليل رواية إسقاط والنصارى أو على الكل ويراد من أمروا بالإيمان بهم وإن كانوا من الأنبياء السابقين كنوح وإبراهيم قال البيضاوي لما كانت اليهود يسجدون لقبور الأنبياء تعظيمًا لشأنهم ويجعلونها قبلة ويتوجهون في الصلاة نحوها فاتخذوها أوثانًا لعنهم الله ومنع المسلمين عن مثل ذلك ونهاهم عنه أما من اتخذ مسجدًا بجوار صالح أو صلى في مقبرته وقصد به الاستظهار بروحه ووصول أثر من آثار عبادته إليه لا التعظيم له والتوجه فلا حرج عليه ألا ترى أن مدفن إسماعيل في المسجد الحرام عند الحطيم ثم إن ذلك المسجد أفضل مكان يتحرى المصلي بصلاته والنهي عن الصلاة في المقابر مختص بالمنبوشة لما فيها من النجاسة انتهى لكن خبر الشيخين كراهة بناء المساجد على القبور مطلقًا أي قبور المسلمين خشية أن يعبد المقبور فيها بقرينة خبر اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد فيحمل كلام البيضاوي على ما إذا لم يخف ذلك ( لا يبقين دينان بأرض العرب) الحجاز كله المعبر عنه في الثاني بجزيرة العرب ( مالك عن ابن شهاب) مرسل ورواه عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب مرسلاً أيضًا وهو موصول بنحوه من طرق في الصحيحين وغيرهما عن ابن عباس وعمر وغيرهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يجتمع) خبر بمعنى النهي للرواية قبله لا يبقين ( دينان في جزيرة العرب) هي مكة والمدينة واليمامة كما روي عن مالك أي وقراها سميت جزيرة لإحاطة البحر بها وقال ابن حبيب جزيرة العرب من أقصى عدن وما والاها من أقصى اليمن كلها إلى ريف العراق في الطول وأما في العرض فمن جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام ومصر في المغرب وفي المشرق ما بين المدينة إلى منقطع السماوة ( قال مالك قال ابن شهاب ففحص) أي استقصى في الكشف ( عن ذلك عمر بن الخطاب) في خلافته ( حتى أتاه الثلج) بفتح المثلثة وسكون اللام وجيم اليقين الذي لا شك فيه ( واليقين) الذي اطمأنت به نفسه والعطف تفسيري ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يجتمع دينان في جزيرة العرب) وفي الصحيح عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاث قال أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ونسيت الثالثة ( فأجلى) أخرج ( يهود خيبر) لما اطمأنت نفسه بكثرة من روى له ذلك ( قال مالك وقد أجلى عمر بن الخطاب يهود نجران) بفتح النون وإسكان الجيم بلدة من بلاد همدان باليمن قال البكري سميت باسم بانيها نجران بن زيد بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ( وفدك) بفتح الفاء والدال المهملة بلدة بينها وبين المدينة يومان وبينها وبين خيبر دون مرحلة ( فأما يهود خيبر فخرجوا منها ليس لهم من الثمر ولا من الأرض شيء) لأنه صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها فسألته أن يقرهم بها على أن يكفوه العمل ولهم نصف الثمر فقال صلى الله عليه وسلم أقركم ما أقركم الله فإنما ساقاهم الله مدة ولم يجعل لهم فيها شيئًا ( وأما يهود فدك فكان لهم نصف الثمر ونصف الأرض لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صالحهم) لما أوقع بأهل خيبر ( على نصف الثمر ونصف الأرض) بطلبهم ذلك فأقرهم على ذلك ولم يأتهم قال ابن إسحاق فكانت له خالصة لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب وقيل صالحوه على حقن دمائهم والجلاء ويخلوا بينه وبين الأموال ففعل قال الواقدي والأول أثبت القولين ( فأقام) أي قوم ( لهم عمر نصف الثمر ونصف الأرض قيمة من ذهب وورق) فضة ( وإبل وحبال) جمع حبل ( وأقتاب) جمع قتب ( ثم أعطاهم القيمة وأجلاهم منها) عملاً بحديث لا يجتمع دينان في جزيرة العرب.


رقم الحديث 1620 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجَتْ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ وَمَعَهَا مَوْلَاتَانِ لَهَا.
وَمَعَهَا غُلَامٌ لِبَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَبَعَثَتْ مَعَ الْمَوْلَاتَيْنِ بِبُرْدٍ مُرَجَّلٍ قَدْ خِيطَ عَلَيْهِ خِرْقَةٌ خَضْرَاءُ قَالَتْ: فَأَخَذَ الْغُلَامُ الْبُرْدَ فَفَتَقَ عَنْهُ فَاسْتَخْرَجَهُ وَجَعَلَ مَكَانَهُ لِبْدًا أَوْ فَرْوَةً وَخَاطَ عَلَيْهِ فَلَمَّا قَدِمَتِ الْمَوْلَاتَانِ الْمَدِينَةَ دَفَعَتَا ذَلِكَ إِلَى أَهْلِهِ فَلَمَّا فَتَقُوا عَنْهُ وَجَدُوا فِيهِ اللِّبْدَ وَلَمْ يَجِدُوا الْبُرْدَ.
فَكَلَّمُوا الْمَرْأَتَيْنِ فَكَلَّمَتَا عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ كَتَبَتَا إِلَيْهَا وَاتَّهَمَتَا الْعَبْدَ.
فَسُئِلَ الْعَبْدُ عَنْ ذَلِكَ.
فَاعْتَرَفَ.
فَأَمَرَتْ بِهِ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقُطِعَتْ يَدُهُ.
.

     وَقَالَتْ  عَائِشَةُ: الْقَطْعُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا .

     وَقَالَ  مَالِكٌ: أَحَبُّ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ إِلَيَّ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ.
وَإِنِ ارْتَفَعَ الصَّرْفُ أَوِ اتَّضَعَ.
وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ.
وَأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَطَعَ فِي أُتْرُجَّةٍ قُوِّمَتْ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ.
وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ.


( ما يجب فيه القطع)

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع) يد سارق فحذف المفعول أي أمر بقطعه ( في) سببية ( مجن) بكسر الميم وفتح الجيم وشد النون مفعل من الاجتنان وهو الاستتار والاختفاء مما يحاذره المستتر وكسرت ميمه لأنه آلة قال عمر بن أبي ربيعة

وكان مجني دون من كنت أتقي
ثلاث شخوص كاعبان ومعصر

وحذف الهاء من ثلاثة مع أنه عدد شخوص حملاً على المعنى لأنه أراد بشخوص المرأة فأنث العدد لذلك يريد أنه استتر بثلاث نسوة عن أعين الرقباء واستظهر في محل التخلص منهم بهن والكاعب التي نهد ثديها والمعصر الداخلة في عصر شبابها ( ثمنه) مبتدأ خبره ( ثلاثة دراهم) فضة هكذا رواه الأكثر عن نافع ثمنه ورواه الليث عنه بلفظ قيمته وهو المراد بالثمن هنا وأصل الثمن ما يقابل به الشيء في عقد البيع فأطلق على القيمة ثمنًا مجازًا أو لتساويهما في ذلك الوقت أو في ظن الراوي أو باعتبار الغلبة قال ابن عبد البر هذا الحديث أصح حديث روي في ذلك وأخرجه البخاري عن إسماعيل ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به وتابعه جويرية بن أسماء وموسى بن عتبة وعبيد الله بن عمر عند البخاري ومحمد بن إسحاق عند الإسماعيلي كلهم بلفظ ثمنه والليث بن سعد عند مسلم بلفظ قيمته كلهم عن نافع به ( مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين) بن الحارث بن عامر بن نوفل ( المكي) النوفلي ثقة عالم بالمناسك من رجال الجميع تابعي صغير قال أبو عمر لم تختلف رواة الموطأ في إرساله ويتصل معناه من حديث عبد الله بن عمرو وغيره ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا قطع في ثمر) بفتح المثلثة والميم ( معلق) بالنخل والشجر قيل ( أن) يجذ ويحرز ( ولا في حريسة جبل) قال ابن الأثير أي ليس فيما يحرس بالجبل إذا سرق قطع لأنه ليس بحرز وحريسة فعيلة بمعنى مفعولة أي أن لها من يحرسها ويحفظها ومنهم من يجعل الحريسة السرقة نفسها أي ليس فيما يسرق من الماشية بالجبل قطع ( فإذا آواه المراح) بضم الميم وحاء مهملة موضع مبيت الغنم ( أو الجرين) بفتح الجيم وكسر الراء الموضع يجفف فيه الثمار والجمع جرن كبريد وبرد ففيه لف ونشر غير مرتب ( فالقطع فيما بلغ ثمن المجن) ثلاثة دراهم بين صلى الله عليه وسلم الحالة التي يجب فيها القطع وهي حالة كون المال في حرزه فلا قطع على من سرق من غير حرز إجماعًا إلا ما شذ به الحسن والظاهرية قال ابن العربي اتفقت الأمة على أن شرط القطع أن يكون المسروق محرزًا بحرز مثله ممنوعًا من الوصول إليه بمانع خلافًا لقول الظاهرية لا قطع في كل فاكهة رطبة ولو بحرزها وقاسوا على ذلك الأطعمة الرطبة التي لا تدخر قال وليس مقصود الحديث ما ذهبوا إليه بدليل قوله فإذا آواه إلخ فبين أن العلة كونه في غير حرز له ( مالك عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم ( عن أبيه) أبي بكر ولا يعرف له اسم سواه ( عن عمرة بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية ( أن سارقًا سرق في زمان) أي خلافة ( عثمان بن عفان أترنجة) واحدة ترنج في لغة ضعيفة واللغة الصحيحة أترج بضم الهمزة وشد الجيم الواحدة أترجة وهي التي تكلم بها الفصحاء وارتضاه النحويون قاله الأزهري ( فأمر بها عثمان أن تقوم) لينظر هل تبلغ النصاب ( فقومت بثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهمًا بدينار فقطع عثمان يده) أي أمر بقطعها قال في المدونة وكانت تلك الأترجة تؤكل وروى عنه أشهب ولو كانت من ذهب لما قومها عثمان أي لأن الذهب لا يقوم وإنما يعتبر وزنه لأنه أصل الأثمان وقيم المتلفات ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن عمرة) بفتح فسكون ( بنت عبد الرحمن) المدنية الأنصارية ( عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت ما طال علي) أي الزمان ( وما) وفي نسخة ولا ( نسيت) حكم ما يقطع فيه السارق وهو ( القطع في ربع دينار فصاعدًا) من الذهب وهذا الحديث وإن كان ظاهره الوقف لكنه مشعر بالرفع وقد أخرجه الشيخان من طرق عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدًا ( مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم) بمهملة وزاي نسبة لجده ( عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها قالت خرجت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة) في نسك ( ومعها مولاتان لها ومعها غلام) لم أقف على اسم أحد من الثلاثة ( لبني عبد الله بن أبي بكر الصديق) رضي الله عنهما ( فبعثت مع المولاتين ببرد مرجل) بالجيم والحاء أي عليه تصاوير الرجال أو الرحال كما أفاده أبو عبيد الهروي ومنع تصوير الحيوان إنما هو إذا تم تصويره وكان له ظل دائم وهذا مجرد وشي في البرد لا ظل له وليس بتام ( قد خيط عليه خرقة خضراء قالت فأخذ الغلام البرد ففتق عنه) نقض خياطته ( فاستخرجه وجعل مكانه لبدًا) بكسر فسكون ما يتلبد من شعر أو صوف ( أو فروة) بالهاء ويقال أيضًا بحذفها ما يلبس من جلد الغنم ونحوها شك الراوي ( وخاط عليه فلما قدمتا) بالألف على لغية ( المولاتان المدينة دفعتا ذلك إلى أهله فلما فتقوا عنه وجدوا فيه اللبدو ولم يجدوا البرد فكلموا المرأتين) أي المولاتين ( فكلمتا عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أو كتبتا إليها) شك الراوي ( واتهمتا) أي المرأتان ( العبد فسئل العبد عن ذلك فاعترف) بأنه سرقه ( فأمرت به عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقطعت يده وقالت عائشة القطع في ربع دينار فصاعدًا) من الذهب ( قال مالك أحب ما يجب فيه القطع) للسارق ( إلي) أي عندي ( ثلاثة دراهم) من الفضة ( وإن ارتفع) زاد ( الصرف أو اتضع) نقص ( وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في) سرقة ( مجن) حجفة أو ترس كما في حديث عائشة عند الشيخين ( ثمنه ثلاثة دراهم) أي قيمته ( وأن عثمان بن عفان قطع في أترنجة) الفاكهة المأكولة ( قومت بثلاثة دراهم) فضة وكان الأترج في ذلك الزمان غاليًا ( وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك) يقتضي أنه سمع غيره وقد اختلف في قدر ما يقطع فيه السارق فقيل فيما كثر وقل تافهًا أو غيره وقيل إلا في التافه وقيل أربعون درهمًا أو أربعة دنانير وقيل درهمان وقيل ما زاد عليهما ولم يبلغ ثلاثة وقيل ثلاثة دراهم ويقوم ما عداها بها وقيل إن كان المسروق ذهبًا فربع دينار وإن كان غيره وبلغت قيمته ثلاثة دراهم قطع وإلا فلا ولو كان نصف دينار وهو قول مالك المعروف عند أصحابه ورواية عن أحمد والمشهور عنه إذا كان المسروق غير الذهب والفضة فالقطع إذا بلغت قيمته أحدهما وقيل ربع دينار أو ما بلغت قيمته من فضة أو عرض وهو مذهب الشافعي وقيل عشرة دراهم أو ما بلغ قيمتها من ذهب أو عرض وهو مذهب الحنفية وقيل غير ذلك.



رقم الحديث 1621 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ قَالَ مَالِكٌ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَفَحَصَ عَنْ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَتَّى أَتَاهُ الثَّلَجُ وَالْيَقِينُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَأَجْلَى يَهُودَ خَيْبَرَ قَالَ مَالِكٌ: وَقَدْ أَجْلَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَهُودَ نَجْرَانَ وَفَدَكَ، فَأَمَّا يَهُودُ خَيْبَرَ فَخَرَجُوا مِنْهَا لَيْسَ لَهُمْ مِنَ الثَّمَرِ، وَلَا مِنَ الْأَرْضِ شَيْءٌ،.
وَأَمَّا يَهُودُ فَدَكَ فَكَانَ لَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ وَنِصْفُ الْأَرْضِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ صَالَحَهُمْ عَلَى نِصْفِ الثَّمَرِ وَنِصْفِ الْأَرْضِ، فَأَقَامَ لَهُمْ عُمَرُ نِصْفَ الثَّمَرِ وَنِصْفَ الْأَرْضِ، قِيمَةً مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ وَإِبِلٍ وَحِبَالٍ، وَأَقْتَابٍ ثُمَّ أَعْطَاهُمُ الْقِيمَةَ وَأَجْلَاهُمْ مِنْهَا.


( مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم) القرشي مولاهم المدني ثقة مات سنة ثلاثين ومائة ( أنه سمع عمر بن عبد العزيز) أمير المؤمني ن ( يقول) مرسل وهو موصول في الصحيحين وغيرهما من طرق عن عائشة وغيرها ( كان من آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال قاتل الله اليهود) قيل معناه لعنهم لرواية لعن الله اليهود وقيل أي قتلهم لأن فاعل يأتي بمعنى فعل ( والنصارى) وكأنه قيل ما سبب ذلك فقال لأنهم ( اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) أي اتخذوها جهة قبلتهم مع اعتقادهم الباطل وأن اتخاذها مساجد لازم لاتخاذ المساجد عليها كعكسه وقدم اليهود لابتدائهم بالاتخاذ وتبعهم النصارى فاليهود أظلم فإن قيل النصارى ليس لهم إلا نبي واحد ولا قبر له أجيب بأن الجمع بإزاء المجموع من اليهود والنصارى فإن اليهود لهم أنبياء أو المراد الأنبياء وكبار أتباعهم كالحواريين فاكتفى بذكر الأنبياء وفي مسلم ما يؤيد ذلك حيث قال في بعض الحديث كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد أو أنه كان في النصارى أنبياء أيضًا لكنهم غير مرسلين كالحواريين ومريم في قول أو الضمير راجع لليهود فقط بدليل رواية إسقاط والنصارى أو على الكل ويراد من أمروا بالإيمان بهم وإن كانوا من الأنبياء السابقين كنوح وإبراهيم قال البيضاوي لما كانت اليهود يسجدون لقبور الأنبياء تعظيمًا لشأنهم ويجعلونها قبلة ويتوجهون في الصلاة نحوها فاتخذوها أوثانًا لعنهم الله ومنع المسلمين عن مثل ذلك ونهاهم عنه أما من اتخذ مسجدًا بجوار صالح أو صلى في مقبرته وقصد به الاستظهار بروحه ووصول أثر من آثار عبادته إليه لا التعظيم له والتوجه فلا حرج عليه ألا ترى أن مدفن إسماعيل في المسجد الحرام عند الحطيم ثم إن ذلك المسجد أفضل مكان يتحرى المصلي بصلاته والنهي عن الصلاة في المقابر مختص بالمنبوشة لما فيها من النجاسة انتهى لكن خبر الشيخين كراهة بناء المساجد على القبور مطلقًا أي قبور المسلمين خشية أن يعبد المقبور فيها بقرينة خبر اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد فيحمل كلام البيضاوي على ما إذا لم يخف ذلك ( لا يبقين دينان بأرض العرب) الحجاز كله المعبر عنه في الثاني بجزيرة العرب ( مالك عن ابن شهاب) مرسل ورواه عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب مرسلاً أيضًا وهو موصول بنحوه من طرق في الصحيحين وغيرهما عن ابن عباس وعمر وغيرهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يجتمع) خبر بمعنى النهي للرواية قبله لا يبقين ( دينان في جزيرة العرب) هي مكة والمدينة واليمامة كما روي عن مالك أي وقراها سميت جزيرة لإحاطة البحر بها وقال ابن حبيب جزيرة العرب من أقصى عدن وما والاها من أقصى اليمن كلها إلى ريف العراق في الطول وأما في العرض فمن جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام ومصر في المغرب وفي المشرق ما بين المدينة إلى منقطع السماوة ( قال مالك قال ابن شهاب ففحص) أي استقصى في الكشف ( عن ذلك عمر بن الخطاب) في خلافته ( حتى أتاه الثلج) بفتح المثلثة وسكون اللام وجيم اليقين الذي لا شك فيه ( واليقين) الذي اطمأنت به نفسه والعطف تفسيري ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يجتمع دينان في جزيرة العرب) وفي الصحيح عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاث قال أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ونسيت الثالثة ( فأجلى) أخرج ( يهود خيبر) لما اطمأنت نفسه بكثرة من روى له ذلك ( قال مالك وقد أجلى عمر بن الخطاب يهود نجران) بفتح النون وإسكان الجيم بلدة من بلاد همدان باليمن قال البكري سميت باسم بانيها نجران بن زيد بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ( وفدك) بفتح الفاء والدال المهملة بلدة بينها وبين المدينة يومان وبينها وبين خيبر دون مرحلة ( فأما يهود خيبر فخرجوا منها ليس لهم من الثمر ولا من الأرض شيء) لأنه صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها فسألته أن يقرهم بها على أن يكفوه العمل ولهم نصف الثمر فقال صلى الله عليه وسلم أقركم ما أقركم الله فإنما ساقاهم الله مدة ولم يجعل لهم فيها شيئًا ( وأما يهود فدك فكان لهم نصف الثمر ونصف الأرض لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صالحهم) لما أوقع بأهل خيبر ( على نصف الثمر ونصف الأرض) بطلبهم ذلك فأقرهم على ذلك ولم يأتهم قال ابن إسحاق فكانت له خالصة لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب وقيل صالحوه على حقن دمائهم والجلاء ويخلوا بينه وبين الأموال ففعل قال الواقدي والأول أثبت القولين ( فأقام) أي قوم ( لهم عمر نصف الثمر ونصف الأرض قيمة من ذهب وورق) فضة ( وإبل وحبال) جمع حبل ( وأقتاب) جمع قتب ( ثم أعطاهم القيمة وأجلاهم منها) عملاً بحديث لا يجتمع دينان في جزيرة العرب.