فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي إِسْبَالِ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ

رقم الحديث 1660 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَنْظُرُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ يَجُرُّ إِزَارَهُ بَطَرًا.


( ما جاء في إسبال الرجل ثوبه)

( مالك عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم أبي عبد الرحمن المدني ( عن) مولاه ( عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الذي يجر ثوبه) إزارًا أو رداءً أو قميصًا أو سراويل أو غيرها مما يسمى ثوبًا حال كونه جره ( خيلاء) بضم الخاء المعجمة وفتح التحتية كبرًا وعجبًا ( لا ينظر الله إليه يوم القيامة) نظر رحمة أي لا يرحمه لكبره وعجبه قال أبو عمر مفهوم خيلاء أن الجار لغيرها لا يلحقه الوعيد إلا أن جر القميص أو غيره من الثياب مذموم على كل حال ( مالك عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر أو عمرو بن عامر ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ينظر الله) أي لا يرحم فالنظر نسبته إلى الله مجاز وإلى المخلوق كناية لأن من اعتنى بالشخص التفت إليه ثم كثر حتى صار عبارة عن الإحسان وإن لم يكن هناك نظر فإذا نسب لمن لا يجوز عليه حقيقته وهو تقليب الحدقة والله منزه عن ذلك فهو بمعنى الإحسان مجاز عما وقع في حق غيره كناية قاله في الكواكب تبعًا للكشاف وقال الحافظ الزين العراقي عبر عن المعنى الكائن عند النظر بالنظر لأن من نظر إلى متواضع رحمه ومن نظر إلى متكبر مقته فالرحمة والمقت مسببان عن النظر ( يوم القيامة) إشارة إلى أنه محل الرحمة الدائمة خلاف رحمة الدنيا فقد تنقطع بما يتجدد من الحوادث ( إلى من يجر إزاره بطرًا) بموحدة ومهملة مفتوحتين قال عياض جاءت الرواية بفتح الطاء على المصدر وبكسرها على الحال من فاعل يجر أي تكبرًا وطغيانًا وأصل البطر الطغيان عند النعمة واستعمل بمعنى الكبر وقال الراغب أصل البطر دهش يعتري المرء عند هجوم النعمة عن القيام بحقها قال ابن جرير إنما ورد الحديث بلفظ الإزار لأن أكثر الناس في العهد النبوي كانوا يلبسون الإزار والأردية فلما لبس الناس القمص والدراريع كان حكمها حكم الإزار في ذلك وتعقبه ابن بطال بأن هذا قياس صحيح لو لم يأت النص بالثوب فإنه يشمل جميع ذلك يعني فلا داعية للقياس مع وجود النص وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به ( مالك عن نافع وعبد الله بن دينار) وكلاهما مولى ابن عمر ( وزيد بن أسلم) ابن مولى أبيه ( كلهم يخبره) أي الثلاثة يخبرون مالكًا ( عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ينظر الله) نظر رحمة ( يوم القيامة إلى من يجر ثوبه خيلاء) بضم الخاء وقد قيل بكسرها حكاه القرطبي أي عجبًا وتكبرًا في غير حالة القتال كما في حديث آخر وفي الصحيح من طريق سالم عن أبيه زيادة فقال أبو بكر يا رسول الله إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده فقال إنك لست ممن يفعله خيلاء وكذا إذا كان سببه الإسراع في المشي لا يدخل في الوعيد لما في الصحيح عن أبي بكرة نفيع خسفت الشمس ونحن عند النبي صلى الله عليه وسلم فقام يجر ثوبه حتى أتى المسجد فصلى بهم ركعتين فجلي عنها ولفظ ثوبه شامل لكل ما يلبس حتى العمامة وقد روى أبو داود والنسائي وابن ماجه عن سالم عن أبيه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الإسبال في الإزار والقميص والعمامة من جر منها شيئًا خيلاء الحديث فبين في هذه الرواية أن الحكم ليس خاصًا بالإزار وإن جاء في أكثر طرق الأحاديث بلفظ الإزار فإنما هو لكونه أكثر لباسهم حينئذ كما مر لكن في تصوير جر العمامة نظر إذ لا يتأتى جرها على الأرض كالقميص والإزار إلا أن يكون المراد ما جرت به عادة العرب من إرخاء العذبات لأن جر كل شيء بحسبه فمهما زاد على العادة في ذلك كان من الإسبال وهل يدخل في الزجر عن جر الثوب تطويل أكمام القميص ونحوه محل نظر قال الحافظ والذي يظهر أن من أطالها حتى خرج عن العادة كما يفعله بعض الحجازيين دخل في ذلك وقال شيخه الزين العراقي ما مس الأرض منها لا شك في تحريمه بل لو قيل بتحريم ما زاد على المعتاد لم يبعد وقال ابن القيم هذه الأكمام الواسعة الطوال التي هي كالإخراج وعمائم كالأبراج لم يلبسها صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه وهي مخالفة لسننه وفي جوازها نظر لأنها من جنس الخيلاء وفي المدخل لا يخفى على ذي بصيرة أن كم بعض من ينسب إلى العلم اليوم فيه إضاعة المال المنهي عنها لأنه قد يفضل عن ذلك الكم ثوب لغيره انتهى وهو حسن قال في المواهب لكن حدث للناس اصطلاح بتطويلها وصار لكل نوع من الناس شعار يعرفون به ومهما كان من ذلك على سبيل الخيلاء فلا شك في تحريمه وما كان على طريق العادة فلا تحريم فيه ما لم يصل إلى جر الذيل الممنوع منه ونقل القاضي عياض عن العلماء كراهة كل ما زاد على العادة للناس وعلى المعتاد في اللباس لمثل لابسه في الطول والسعة انتهى وعموم الحديث يشمل النساء لكنه مخصوص بغيرهن لحديث أم سلمة الآتي وقد زاده الترمذي وصححه النسائي متصلاً بهذا الحديث من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر فقالت أم سلمة فكيف تصنع النساء بذيولهن الحديث وأخرج البخاري حديث الباب عن إسماعيل ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به وتابعه جماعة في مسلم وغيره ( مالك عن العلاء بن عبد الرحمن) الجهني ( عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة ( أنه قال سألت أبا سعيد) سعد بن مالك بن سنان ( الخدري) الصحابي ابن الصحابي ( عن الإزار قال أنا أخبرك بعلم) أي نص لا اجتهاد وفي رواية على الخبير سقطت ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إزرة) بكسر الهمزة الحالة وهيئة الائتزار كما في النهاية يعني الحالة المرضية من ( المؤمن) الحسنة في نظر الشرع أن يكون إزاره ( إلى أنصاف ساقيه) فقط وجمع أنصاف كراهة توالي تثنيتين كقوله مثل رؤوس الكبشين وذلك علامة التواضع والاقتداء بالمصطفى ففي الترمذي عن سلمة كان عثمان يأتزر إلى أنصاف ساقيه وقال كانت إزرة صاحبي يعني النبي صلى الله عليه وسلم وفي النسائي والترمذي عن عبيد المحاربي أنه صلى الله عليه وسلم قال له ارفع إزارك أما لك في أسوة قال فنظرت فإذا إزاره إلى نصف ساقيه ولكن ( لا جناح) لا حرج ( عليه فيما بينه وبين الكعبين) فيجوز إسباله إلى الكعبين والأول مستحب فله حالتان ( ما أسفل) قال الحافظ ما موصول وبعض صلته محذوف وهو كان وأسفل خبره فهو منصوب ويجوز الرفع أي ما هو أسفل أفعل تفضيل ويحتمل أنه فعل ماض ويجوز أن ما نكرة موصوفة بأسفل ( من ذلك) أي الكعبين زاد في حديث أبي هريرة من الإزار ( ففي النار) دخلت الفاء في الخبر بتضمين ما معنى الشرط أي ما دون الكعبين من قدم صاحب الإزار المسبل فهو في النار ( ما أسفل من ذلك ففي النار) أعادها للتأكيد وفي رواية أنه قالها ثلاث مرات قال الخطابي يريد أن الموضع الذي يناله الإزار من أسفل الكعبين في النار فكنى بالثوب عن بدن لابسه ومعناه أن الذي دون الكعبين من القدم يعذب في النار عقوبة له وحاصله أنه من تسمية الشيء باسم ما جاوره أو حل فيه وتكون من بيانية ويحتمل أن تكون سببية والمراد الشخص نفسه أو المعنى ما أسفل من الكعبين الذي يسامت الإزار في النار أو التقدير لابس ما أسفل إلخ أو تقدير أن فعل ذلك محسوب في أفعال أهل النار أو فيه تقديم وتأخير أي ما أسفل من الإزار من الكعبين في النار وكل هذا استبعاد ممن قاله لوقوع الإزار حقيقة في النار وأصله ما رواه عبد الرزاق أن نافعًا سئل عن ذلك فقال وما ذنب الثياب بل هو من القدمين لكن في الطبراني عن ابن عمر قال رآني النبي صلى الله عليه وسلم أسبلت إزاري فقال يا ابن عمر كل شيء لمس الأرض من الثياب في النار وعنده أيضًا بسند حسن عن ابن مسعود أنه رأى أعرابيًا يصلي قد أسبل فقال المسبل في الصلاة ليس من الله من حل ولا حرام ومثل هذا لا يقال من قبل الرأي فعلى هذا لا مانع من حمل الحديث على ظاهره فيكون من وادي { { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } } أو يكون من الوعيد لما وقعت به المعصية إشارة إلى أن الذي يتعاطى المعصية أحق بذلك انتهى ( لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرًا) بفتح الطاء مصدر وكسرها حال من فاعل جر روايتان كما مر وهذا الحديث رواه أصحاب السنن من طريق مالك وغيره به وأخرجوه أيضًا بنحوه من حديث أبي هريرة وأبي سعيد وابن عمر وإسناده صحيح وفي البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار.



رقم الحديث 1661 وحَدَّثَنِي يَحْيَى سُئِلَ مَالِكٌ، عَنْ جَنِينِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ يُطْرَحُ؟ فَقَالَ: أَرَى أَنَّ فِيهِ عُشْرَ دِيَةِ أُمِّهِ.


( عقل الجنين)

( مالك عن ابن شهاب) الزهري ( عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري ( عن أبي هريرة أن امرأتين من هذيل) بضم الهاء وفتح الذال المعجمة نسبة إلى هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر ولا يخالفه رواية الليث عن ابن شهاب امرأتين من بني لحيان لأنه بطن من هذيل ( رمت إحداهما الأخرى) بحجر كما في رواية الليث وفي رواية عبد الرحمن بن خالد عن ابن شهاب بحجر فأصاب بطنها ولبعض الرواة بعمود فسطاط ولبعضهم بمسطح أي خشبة أو عود يرقق به الخبز قال ابن عبد البر ولهذا الاضطراب لم يذكر مالك شيئًا من ذلك وإنما قضى المعنى المراد بالحكم لأنه لا فرق عنده بين الحجر وغيره في العمد والرامية أم عفيف والمرمية مليكة انتهى وكانتا ضرتين كما رواه أحمد وغيره من طريق عمرو بن تميم بن عويمر الهذلي وعويمر براء آخره وبدونها عن أبيه عن جده قال كانت أختي مليكة ومرأة منا يقال لها أم عفيف بنت مسروح من بني سعد بن هذيل تحت حمل ابن مالك ابن النابغة فضربت أم عفيف مليكة وللبيهقي وأبي نعيم في المعرفة عن ابن عباس تسمية الضاربة أم غطيف وهما واحدة وحمل بفتح الحاء المهملة والميم ( فطرحت جنينها) ميتًا زاد في رواية ابن خالد فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة) بضم الغين المعجمة وشد الراء منونًا بياض في الوجه عبر به عن الجسد كله إطلاقًا للجزء على الكل ( عبد أو وليدة) بجرهما بدل من غرة وأو للتقسيم لا للشك ورواه بعضهم بالإضافة البيانية والأول أقيس وأصوب لأنه حينئذ يكون من إضافة الشيء إلى نفسه ولا يجوز إلا بتأويل كما ورد قليلاً والمراد العبد والأمة وإن كانا أسودين وإن كان الأصل في الغرة البياض في الوجه لكن توسعوا في إطلاقها على الجسد كله كما قالوا أعتق رقبة وقول أبي عمرو بن العلاء المقري المراد الأبيض لا الأسود إذ لولا أنه صلى الله عليه وسلم أراد بالغرة معنى زائدًا على شخص العبد والأمة لما ذكرها تعقبه النووي بأنه خلاف ما اتفق عليه الفقهاء من إجزاء الغرة السوداء قال أهل اللغة الغرة عند العرب أنفس الشيء وأطلقت هنا على الإنسان لأن الله تعالى خلقه في أحسن تقويم فهو أنفس المخلوقات وزاد الليث عن ابن شهاب بسنده في هذا الحديث ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى صلى الله عليه وسلم أن ميراثها لبنيها وزوجها وأن العقل على عصبتها وقريب منه في رواية يونس عن الزهري وكلاهما في البخاري ومسلم قال ابن عبد البر ترك ذلك مالك لأن فيه إثبات شبه العمد وهو لا يقول به لأنه وجد الفتوى وعمل المدينة على خلافه فكره أن يذكر ما لا يقول به واقتصر على قصة الجنين لأنه أمر مجمع عليه في الغرة هكذا قال في شرح الحديث الثاني وقال في شرح هذا الحديث لم يختلف على مالك في إسناده ومتنه ولم يذكر فيه قتل المرأة لما فيه من الاختلاف والاضطراب بين أهل النقل والفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وذكر قصة الجنين التي لم يختلف فيها الإخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم والحديث رواه البخاري هنا عن عبد الله بن يوسف وإسماعيل وقبله في الطب عن قتيبة بن سعيد ومسلم عن يحيى والنسائي من طريق ابن وهب الخمسة عن مالك به وتابعه عبد الرحمن بن خالد به بدون تلك الزيادة عند البخاري والليث ويونس في الصحيحين بالزيادة ثلاثتهم عن ابن شهاب وتابعه محمد بن عمرو عن ابن سلمة عن أبي هريرة بمثل رواية مالك فقط كما قال أبو عمر ( مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب) مرسلاً عند رواة الموطأ ووصله مطرف وأبو عاصم النبيل كلاهما عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة قال ابن عبد البر والحديث عند ابن شهاب عنهما جميعًا عن أبي هريرة فطائفة من أصحابه يحدثون به عنه هكذا وطائفة يحدثون به عنه عن سعيد وحده عن أبي هريرة وطائفة عنه عن أبي سلمة وحده عن أبي هريرة ومالك أرسل عنه حديث سعيد هذا ووصل حديث أبي سلمة واقتصر فيهما على قصة الجنين دون قتل المرأة لما ذكرنا من العلة ولما شاء الله مما هو أعلم به انتهى ومراده أرسله في رواية الأكثر وإلا فقد رواه النسائي عن الحارث بن مسكين عن ابن القاسم حدثني مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى) حكم ( في الجنين) حال كونه ( يقتل في بطن أمه) ذكر أو أنثى أو خنثى ولو مضغة أو علقة أو ما يعلم أنه ولد عند مالك ( بغرة) بالتنوين ( عبد أو وليدة) تقسيم لا شك يساوي كل واحد منهما عشر دية أمه كما يأتي ( فقال الذي قضي عليه) بضم القاف وكسر الضاد بالغرة وفي رواية للبخاري فقال ولي المرأة التي غرت بضم المعجمة وفتح الراء الثقيلة أي التي قضي عليها بالغرة ووليها هو ابنها مسروح رواه عبد الغني والأكثر أن القائل زوجها حمل ابن النابغة الهذلي وللطبراني أنه عمران بن عويمر أخو مليكة قال الحافظ فيحتمل تعدد القائلين فإسناد هذه صحيح أيضًا انتهى وفيه دلالة قوية لقول مالك وأصحابه ومن وافقهم أن الغرة على الجاني لا على العاقلة كما يقول أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما لأن المفهوم من اللفظ أن المقضي عليه واحد معين وهو الجاني إذ لو قضي بها على العاقلة لقيل فقال الذين قضي عليهم وفي القياس أن كل جان جنايته عليه إلا بدليل لا معارض له كالإجماع أو السنة وقد قال تعالى { { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } } { { ولا تزر وازرة وزر أخرى } } وقال صلى الله عليه وسلم لأبي رمثة في ابنه إنك لا تجني عليه ولا يجني عليك ولا ينافي ذلك اختلاف الروايات في تعيين القائل والجمع بينهما باحتمال تعدده لأن كلا تكلم عن المرأة الجانية كما في رواية البخاري بلفظ فقال ولي المرأة التي غرمت فصرح بأن المرأة الجانية هي التي غرمت الغرة ولا يخالفه رواية غرت بضم الغين وفتح الراء مشددة وتاء ساكنة بلا ميم لأن معناها التي قضي عليها بغرم الغرة ( كيف أغرم ما لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل) أي صاح عند الولادة وهو من إقامة الماضي مقام المضارع أي لم يشرب إلخ ( ومثل ذلك بطل) بموحدة وطاء مهملة مفتوحتين ولام خفيفة من البطلان وفي رواية يطل بتحتية مضمومة بدل الموحدة وشد اللام أي يهدر من الأفعال التي لا تستعمل إلا مبنية للمفعول قال المنذري وأكثر الروايات بالموحدة وإن رجح الخطابي التحتية ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هذا من إخوان الكهان) لمشابهة كلامه كلامهم زاد مسلم من أجل سجعه الذي سجع فيه فشبه بالإخوان لأن الأخوة تقتضي المشابهة وذمه لأنه أراد بسجعه دفع ما أوجبه صلى الله عليه وسلم ولم يعاقبه لأنه مأمور بالصفح عن الجاهلين وهو كان أعرابيًا لا علم له بأحكام الدين فقال له قولاً لينا وتلك سيمته أن يعرض عن الجاهلين ولا ينتقم لنفسه فلا دلالة فيه لمن زعم كراهة التسجيع مطلقًا نعم ينكر على الإنسان الخطيب أو غيره أن يكون كلامه كله سجعًا أما إذا كان أقل كلامه فليس بمعيب بل مستحسن محمود فإنه كلام وكذلك الشعر فحسنهما حسن وقبيحهما قبيح كالكلام المنثور كما دلت على ذلك الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه وفيه حجة لقول مالك والشافعي وأصحابهما تورث الغرة عن الجنين على فرائض الله تعالى واحتج الشافعي بقوله كيف أغرم إلخ قال فالمضمون الجنين لأن العضو لا يعترض فيه بهذا وقال أبو حنيفة وأصحابه تختص بها الأم لأنها بمنزلة قطع عضو من أعضائها وليست بدية إذ لم يعتبر فيها هل ذكر أو أنثى كالديات وكذا قال الظاهرية واحتج إمامهم داود بأن الغرة لم يملكها الجنين فتورث عنه ويرد عليه دية المقتول خطأ فإنه لم يملكها وهي تورث عنه قاله أبو عمر ملخصًا وهذا الحديث رواه البخاري عن قتيبة عن مالك به مرسلاً ففيه أن مراسيل مالك صحيحة عند البخاري ( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه كان يقول الغرة تقوم خمسين دينارًا أو ستمائة درهم) يعني أن العبد أو الأمة لا يكفي إلا أن يساوي ذلك ( ودية المرأة الحرة المسلمة خمسمائة دينار) على أهل الذهب ( أو ستة آلاف درهم) على أهل الورق لأنها على النصف من الذكر ( قال مالك فدية جنين الحرة) المسلمة ( عشر ديتها والعشر خمسون دينارًا أو ستمائة درهم) وبهذا قال الزهري وسائر أهل المدينة وقال أبو حنيفة والكوفيون قيمة الغرة خمسمائة درهم وقال الشافعي سن الغرة سبع سنين أو ثمان سنين بلا عيب وقال داود كل ما وقع عليه اسم الغرة ( ولم أسمع أحدًا يخالف في أن الجنين لا تكون فيه الغرة حتى يزايل) يفارق ( بطن أمه ويسقط من بطنها ميتًا) وهي حية ( وسمعت أنه إذا خرج الجنين من بطن أمه حيًا ثم مات) بقرب خروجه وعلم أن موته كان من الضربة وما فعل بأمه وبه في بطنها ( أن فيه الدية كاملة) ويعتبر فيه الذكر والأنثى وهذا اجتماع ( قال مالك ولا حياة للجنين إلا بالاستهلال) أي الصياح عند الولادة ( فإذا خرج من بطن أمه فاستهل ثم مات ففيه الدية كاملة) وقال الشافعي وباقي الفقهاء إذا علمت حياته بحركة أو بعطاس أو استهلال أو غير ذلك مما يتيقن به حياته ثم مات فالدية كاملة ( ونرى أن في جنين الأمة) ذكرًا كان أو أنثى ( عشر ثمن أمه) وبه قال أهل المدينة والشافعي وغيرهم وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري كذلك إن كان أنثى لا إن كان ذكرًا فنصف عشر قيمة نفسه وقال داود لا شيء في جنين الأمة مطلقًا ( وإذا قتلت المرأة رجلاً أو امرأة) أي ذكرًا أو أنثى ( عمدًا و) الحال أن ( التي قتلت) بفتحات ( حامل لم يقد) يقتص ( منها حتى تضع حملها) لئلا يؤخذ نفسان في نفس ( وإن قتلت) بضم فكسر ( المرأة وهي حامل عمدًا أو خطأ فليس على من قتلها في جنينها شيء) ثم ( إن قتلت عمدًا قتل الذي قتلها) قصاصًا ( وليس في جنينها دية وإن قتلت خطأ فعلى عاقلة قاتلها ديتها وليس في جنينها دية) وعلى هذا الفقهاء كلهم إلا الليث وأهل الظاهر فقالوا إذا ألقت جنينها ميتًا فالغرة سواء رمته بعد موتها أو قبله وأبطله الطحاوي بأنهم أجمعوا والليث معهم على أنه لو ضرب بطنها فماتت وهو في بطنها لم يسقط أنه لا شيء فيه فكذلك إذا أسقطته بعد موتها قال ولا خلاف أيضًا لو ضرب بطن ميتة حامل فألقت جنينًا ميتًا أنه لا شيء فيه فكذلك إذا كان الضرب في حياتها فماتت ثم ألقته ميتًا ( وسئل مالك عن جنين اليهودية والنصرانية يطرح) بنحو ضرب بطنها ( فقال أرى أن فيه عشر دية أمه) وهي نصف دية المسلمة.



رقم الحديث 1661 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الَّذِي يَجُرُّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ، لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.


( ما جاء في إسبال الرجل ثوبه)

( مالك عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم أبي عبد الرحمن المدني ( عن) مولاه ( عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الذي يجر ثوبه) إزارًا أو رداءً أو قميصًا أو سراويل أو غيرها مما يسمى ثوبًا حال كونه جره ( خيلاء) بضم الخاء المعجمة وفتح التحتية كبرًا وعجبًا ( لا ينظر الله إليه يوم القيامة) نظر رحمة أي لا يرحمه لكبره وعجبه قال أبو عمر مفهوم خيلاء أن الجار لغيرها لا يلحقه الوعيد إلا أن جر القميص أو غيره من الثياب مذموم على كل حال ( مالك عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر أو عمرو بن عامر ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ينظر الله) أي لا يرحم فالنظر نسبته إلى الله مجاز وإلى المخلوق كناية لأن من اعتنى بالشخص التفت إليه ثم كثر حتى صار عبارة عن الإحسان وإن لم يكن هناك نظر فإذا نسب لمن لا يجوز عليه حقيقته وهو تقليب الحدقة والله منزه عن ذلك فهو بمعنى الإحسان مجاز عما وقع في حق غيره كناية قاله في الكواكب تبعًا للكشاف وقال الحافظ الزين العراقي عبر عن المعنى الكائن عند النظر بالنظر لأن من نظر إلى متواضع رحمه ومن نظر إلى متكبر مقته فالرحمة والمقت مسببان عن النظر ( يوم القيامة) إشارة إلى أنه محل الرحمة الدائمة خلاف رحمة الدنيا فقد تنقطع بما يتجدد من الحوادث ( إلى من يجر إزاره بطرًا) بموحدة ومهملة مفتوحتين قال عياض جاءت الرواية بفتح الطاء على المصدر وبكسرها على الحال من فاعل يجر أي تكبرًا وطغيانًا وأصل البطر الطغيان عند النعمة واستعمل بمعنى الكبر وقال الراغب أصل البطر دهش يعتري المرء عند هجوم النعمة عن القيام بحقها قال ابن جرير إنما ورد الحديث بلفظ الإزار لأن أكثر الناس في العهد النبوي كانوا يلبسون الإزار والأردية فلما لبس الناس القمص والدراريع كان حكمها حكم الإزار في ذلك وتعقبه ابن بطال بأن هذا قياس صحيح لو لم يأت النص بالثوب فإنه يشمل جميع ذلك يعني فلا داعية للقياس مع وجود النص وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به ( مالك عن نافع وعبد الله بن دينار) وكلاهما مولى ابن عمر ( وزيد بن أسلم) ابن مولى أبيه ( كلهم يخبره) أي الثلاثة يخبرون مالكًا ( عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ينظر الله) نظر رحمة ( يوم القيامة إلى من يجر ثوبه خيلاء) بضم الخاء وقد قيل بكسرها حكاه القرطبي أي عجبًا وتكبرًا في غير حالة القتال كما في حديث آخر وفي الصحيح من طريق سالم عن أبيه زيادة فقال أبو بكر يا رسول الله إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده فقال إنك لست ممن يفعله خيلاء وكذا إذا كان سببه الإسراع في المشي لا يدخل في الوعيد لما في الصحيح عن أبي بكرة نفيع خسفت الشمس ونحن عند النبي صلى الله عليه وسلم فقام يجر ثوبه حتى أتى المسجد فصلى بهم ركعتين فجلي عنها ولفظ ثوبه شامل لكل ما يلبس حتى العمامة وقد روى أبو داود والنسائي وابن ماجه عن سالم عن أبيه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الإسبال في الإزار والقميص والعمامة من جر منها شيئًا خيلاء الحديث فبين في هذه الرواية أن الحكم ليس خاصًا بالإزار وإن جاء في أكثر طرق الأحاديث بلفظ الإزار فإنما هو لكونه أكثر لباسهم حينئذ كما مر لكن في تصوير جر العمامة نظر إذ لا يتأتى جرها على الأرض كالقميص والإزار إلا أن يكون المراد ما جرت به عادة العرب من إرخاء العذبات لأن جر كل شيء بحسبه فمهما زاد على العادة في ذلك كان من الإسبال وهل يدخل في الزجر عن جر الثوب تطويل أكمام القميص ونحوه محل نظر قال الحافظ والذي يظهر أن من أطالها حتى خرج عن العادة كما يفعله بعض الحجازيين دخل في ذلك وقال شيخه الزين العراقي ما مس الأرض منها لا شك في تحريمه بل لو قيل بتحريم ما زاد على المعتاد لم يبعد وقال ابن القيم هذه الأكمام الواسعة الطوال التي هي كالإخراج وعمائم كالأبراج لم يلبسها صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه وهي مخالفة لسننه وفي جوازها نظر لأنها من جنس الخيلاء وفي المدخل لا يخفى على ذي بصيرة أن كم بعض من ينسب إلى العلم اليوم فيه إضاعة المال المنهي عنها لأنه قد يفضل عن ذلك الكم ثوب لغيره انتهى وهو حسن قال في المواهب لكن حدث للناس اصطلاح بتطويلها وصار لكل نوع من الناس شعار يعرفون به ومهما كان من ذلك على سبيل الخيلاء فلا شك في تحريمه وما كان على طريق العادة فلا تحريم فيه ما لم يصل إلى جر الذيل الممنوع منه ونقل القاضي عياض عن العلماء كراهة كل ما زاد على العادة للناس وعلى المعتاد في اللباس لمثل لابسه في الطول والسعة انتهى وعموم الحديث يشمل النساء لكنه مخصوص بغيرهن لحديث أم سلمة الآتي وقد زاده الترمذي وصححه النسائي متصلاً بهذا الحديث من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر فقالت أم سلمة فكيف تصنع النساء بذيولهن الحديث وأخرج البخاري حديث الباب عن إسماعيل ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به وتابعه جماعة في مسلم وغيره ( مالك عن العلاء بن عبد الرحمن) الجهني ( عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة ( أنه قال سألت أبا سعيد) سعد بن مالك بن سنان ( الخدري) الصحابي ابن الصحابي ( عن الإزار قال أنا أخبرك بعلم) أي نص لا اجتهاد وفي رواية على الخبير سقطت ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إزرة) بكسر الهمزة الحالة وهيئة الائتزار كما في النهاية يعني الحالة المرضية من ( المؤمن) الحسنة في نظر الشرع أن يكون إزاره ( إلى أنصاف ساقيه) فقط وجمع أنصاف كراهة توالي تثنيتين كقوله مثل رؤوس الكبشين وذلك علامة التواضع والاقتداء بالمصطفى ففي الترمذي عن سلمة كان عثمان يأتزر إلى أنصاف ساقيه وقال كانت إزرة صاحبي يعني النبي صلى الله عليه وسلم وفي النسائي والترمذي عن عبيد المحاربي أنه صلى الله عليه وسلم قال له ارفع إزارك أما لك في أسوة قال فنظرت فإذا إزاره إلى نصف ساقيه ولكن ( لا جناح) لا حرج ( عليه فيما بينه وبين الكعبين) فيجوز إسباله إلى الكعبين والأول مستحب فله حالتان ( ما أسفل) قال الحافظ ما موصول وبعض صلته محذوف وهو كان وأسفل خبره فهو منصوب ويجوز الرفع أي ما هو أسفل أفعل تفضيل ويحتمل أنه فعل ماض ويجوز أن ما نكرة موصوفة بأسفل ( من ذلك) أي الكعبين زاد في حديث أبي هريرة من الإزار ( ففي النار) دخلت الفاء في الخبر بتضمين ما معنى الشرط أي ما دون الكعبين من قدم صاحب الإزار المسبل فهو في النار ( ما أسفل من ذلك ففي النار) أعادها للتأكيد وفي رواية أنه قالها ثلاث مرات قال الخطابي يريد أن الموضع الذي يناله الإزار من أسفل الكعبين في النار فكنى بالثوب عن بدن لابسه ومعناه أن الذي دون الكعبين من القدم يعذب في النار عقوبة له وحاصله أنه من تسمية الشيء باسم ما جاوره أو حل فيه وتكون من بيانية ويحتمل أن تكون سببية والمراد الشخص نفسه أو المعنى ما أسفل من الكعبين الذي يسامت الإزار في النار أو التقدير لابس ما أسفل إلخ أو تقدير أن فعل ذلك محسوب في أفعال أهل النار أو فيه تقديم وتأخير أي ما أسفل من الإزار من الكعبين في النار وكل هذا استبعاد ممن قاله لوقوع الإزار حقيقة في النار وأصله ما رواه عبد الرزاق أن نافعًا سئل عن ذلك فقال وما ذنب الثياب بل هو من القدمين لكن في الطبراني عن ابن عمر قال رآني النبي صلى الله عليه وسلم أسبلت إزاري فقال يا ابن عمر كل شيء لمس الأرض من الثياب في النار وعنده أيضًا بسند حسن عن ابن مسعود أنه رأى أعرابيًا يصلي قد أسبل فقال المسبل في الصلاة ليس من الله من حل ولا حرام ومثل هذا لا يقال من قبل الرأي فعلى هذا لا مانع من حمل الحديث على ظاهره فيكون من وادي { { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } } أو يكون من الوعيد لما وقعت به المعصية إشارة إلى أن الذي يتعاطى المعصية أحق بذلك انتهى ( لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرًا) بفتح الطاء مصدر وكسرها حال من فاعل جر روايتان كما مر وهذا الحديث رواه أصحاب السنن من طريق مالك وغيره به وأخرجوه أيضًا بنحوه من حديث أبي هريرة وأبي سعيد وابن عمر وإسناده صحيح وفي البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار.



رقم الحديث 1662 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ عَنِ الْإِزَارِ، فَقَالَ: أَنَا أُخْبِرُكَ بِعِلْمٍ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ، مَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ، مَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ، لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا.


( ما جاء في إسبال الرجل ثوبه)

( مالك عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم أبي عبد الرحمن المدني ( عن) مولاه ( عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الذي يجر ثوبه) إزارًا أو رداءً أو قميصًا أو سراويل أو غيرها مما يسمى ثوبًا حال كونه جره ( خيلاء) بضم الخاء المعجمة وفتح التحتية كبرًا وعجبًا ( لا ينظر الله إليه يوم القيامة) نظر رحمة أي لا يرحمه لكبره وعجبه قال أبو عمر مفهوم خيلاء أن الجار لغيرها لا يلحقه الوعيد إلا أن جر القميص أو غيره من الثياب مذموم على كل حال ( مالك عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر أو عمرو بن عامر ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ينظر الله) أي لا يرحم فالنظر نسبته إلى الله مجاز وإلى المخلوق كناية لأن من اعتنى بالشخص التفت إليه ثم كثر حتى صار عبارة عن الإحسان وإن لم يكن هناك نظر فإذا نسب لمن لا يجوز عليه حقيقته وهو تقليب الحدقة والله منزه عن ذلك فهو بمعنى الإحسان مجاز عما وقع في حق غيره كناية قاله في الكواكب تبعًا للكشاف وقال الحافظ الزين العراقي عبر عن المعنى الكائن عند النظر بالنظر لأن من نظر إلى متواضع رحمه ومن نظر إلى متكبر مقته فالرحمة والمقت مسببان عن النظر ( يوم القيامة) إشارة إلى أنه محل الرحمة الدائمة خلاف رحمة الدنيا فقد تنقطع بما يتجدد من الحوادث ( إلى من يجر إزاره بطرًا) بموحدة ومهملة مفتوحتين قال عياض جاءت الرواية بفتح الطاء على المصدر وبكسرها على الحال من فاعل يجر أي تكبرًا وطغيانًا وأصل البطر الطغيان عند النعمة واستعمل بمعنى الكبر وقال الراغب أصل البطر دهش يعتري المرء عند هجوم النعمة عن القيام بحقها قال ابن جرير إنما ورد الحديث بلفظ الإزار لأن أكثر الناس في العهد النبوي كانوا يلبسون الإزار والأردية فلما لبس الناس القمص والدراريع كان حكمها حكم الإزار في ذلك وتعقبه ابن بطال بأن هذا قياس صحيح لو لم يأت النص بالثوب فإنه يشمل جميع ذلك يعني فلا داعية للقياس مع وجود النص وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به ( مالك عن نافع وعبد الله بن دينار) وكلاهما مولى ابن عمر ( وزيد بن أسلم) ابن مولى أبيه ( كلهم يخبره) أي الثلاثة يخبرون مالكًا ( عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ينظر الله) نظر رحمة ( يوم القيامة إلى من يجر ثوبه خيلاء) بضم الخاء وقد قيل بكسرها حكاه القرطبي أي عجبًا وتكبرًا في غير حالة القتال كما في حديث آخر وفي الصحيح من طريق سالم عن أبيه زيادة فقال أبو بكر يا رسول الله إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده فقال إنك لست ممن يفعله خيلاء وكذا إذا كان سببه الإسراع في المشي لا يدخل في الوعيد لما في الصحيح عن أبي بكرة نفيع خسفت الشمس ونحن عند النبي صلى الله عليه وسلم فقام يجر ثوبه حتى أتى المسجد فصلى بهم ركعتين فجلي عنها ولفظ ثوبه شامل لكل ما يلبس حتى العمامة وقد روى أبو داود والنسائي وابن ماجه عن سالم عن أبيه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الإسبال في الإزار والقميص والعمامة من جر منها شيئًا خيلاء الحديث فبين في هذه الرواية أن الحكم ليس خاصًا بالإزار وإن جاء في أكثر طرق الأحاديث بلفظ الإزار فإنما هو لكونه أكثر لباسهم حينئذ كما مر لكن في تصوير جر العمامة نظر إذ لا يتأتى جرها على الأرض كالقميص والإزار إلا أن يكون المراد ما جرت به عادة العرب من إرخاء العذبات لأن جر كل شيء بحسبه فمهما زاد على العادة في ذلك كان من الإسبال وهل يدخل في الزجر عن جر الثوب تطويل أكمام القميص ونحوه محل نظر قال الحافظ والذي يظهر أن من أطالها حتى خرج عن العادة كما يفعله بعض الحجازيين دخل في ذلك وقال شيخه الزين العراقي ما مس الأرض منها لا شك في تحريمه بل لو قيل بتحريم ما زاد على المعتاد لم يبعد وقال ابن القيم هذه الأكمام الواسعة الطوال التي هي كالإخراج وعمائم كالأبراج لم يلبسها صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه وهي مخالفة لسننه وفي جوازها نظر لأنها من جنس الخيلاء وفي المدخل لا يخفى على ذي بصيرة أن كم بعض من ينسب إلى العلم اليوم فيه إضاعة المال المنهي عنها لأنه قد يفضل عن ذلك الكم ثوب لغيره انتهى وهو حسن قال في المواهب لكن حدث للناس اصطلاح بتطويلها وصار لكل نوع من الناس شعار يعرفون به ومهما كان من ذلك على سبيل الخيلاء فلا شك في تحريمه وما كان على طريق العادة فلا تحريم فيه ما لم يصل إلى جر الذيل الممنوع منه ونقل القاضي عياض عن العلماء كراهة كل ما زاد على العادة للناس وعلى المعتاد في اللباس لمثل لابسه في الطول والسعة انتهى وعموم الحديث يشمل النساء لكنه مخصوص بغيرهن لحديث أم سلمة الآتي وقد زاده الترمذي وصححه النسائي متصلاً بهذا الحديث من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر فقالت أم سلمة فكيف تصنع النساء بذيولهن الحديث وأخرج البخاري حديث الباب عن إسماعيل ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به وتابعه جماعة في مسلم وغيره ( مالك عن العلاء بن عبد الرحمن) الجهني ( عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة ( أنه قال سألت أبا سعيد) سعد بن مالك بن سنان ( الخدري) الصحابي ابن الصحابي ( عن الإزار قال أنا أخبرك بعلم) أي نص لا اجتهاد وفي رواية على الخبير سقطت ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إزرة) بكسر الهمزة الحالة وهيئة الائتزار كما في النهاية يعني الحالة المرضية من ( المؤمن) الحسنة في نظر الشرع أن يكون إزاره ( إلى أنصاف ساقيه) فقط وجمع أنصاف كراهة توالي تثنيتين كقوله مثل رؤوس الكبشين وذلك علامة التواضع والاقتداء بالمصطفى ففي الترمذي عن سلمة كان عثمان يأتزر إلى أنصاف ساقيه وقال كانت إزرة صاحبي يعني النبي صلى الله عليه وسلم وفي النسائي والترمذي عن عبيد المحاربي أنه صلى الله عليه وسلم قال له ارفع إزارك أما لك في أسوة قال فنظرت فإذا إزاره إلى نصف ساقيه ولكن ( لا جناح) لا حرج ( عليه فيما بينه وبين الكعبين) فيجوز إسباله إلى الكعبين والأول مستحب فله حالتان ( ما أسفل) قال الحافظ ما موصول وبعض صلته محذوف وهو كان وأسفل خبره فهو منصوب ويجوز الرفع أي ما هو أسفل أفعل تفضيل ويحتمل أنه فعل ماض ويجوز أن ما نكرة موصوفة بأسفل ( من ذلك) أي الكعبين زاد في حديث أبي هريرة من الإزار ( ففي النار) دخلت الفاء في الخبر بتضمين ما معنى الشرط أي ما دون الكعبين من قدم صاحب الإزار المسبل فهو في النار ( ما أسفل من ذلك ففي النار) أعادها للتأكيد وفي رواية أنه قالها ثلاث مرات قال الخطابي يريد أن الموضع الذي يناله الإزار من أسفل الكعبين في النار فكنى بالثوب عن بدن لابسه ومعناه أن الذي دون الكعبين من القدم يعذب في النار عقوبة له وحاصله أنه من تسمية الشيء باسم ما جاوره أو حل فيه وتكون من بيانية ويحتمل أن تكون سببية والمراد الشخص نفسه أو المعنى ما أسفل من الكعبين الذي يسامت الإزار في النار أو التقدير لابس ما أسفل إلخ أو تقدير أن فعل ذلك محسوب في أفعال أهل النار أو فيه تقديم وتأخير أي ما أسفل من الإزار من الكعبين في النار وكل هذا استبعاد ممن قاله لوقوع الإزار حقيقة في النار وأصله ما رواه عبد الرزاق أن نافعًا سئل عن ذلك فقال وما ذنب الثياب بل هو من القدمين لكن في الطبراني عن ابن عمر قال رآني النبي صلى الله عليه وسلم أسبلت إزاري فقال يا ابن عمر كل شيء لمس الأرض من الثياب في النار وعنده أيضًا بسند حسن عن ابن مسعود أنه رأى أعرابيًا يصلي قد أسبل فقال المسبل في الصلاة ليس من الله من حل ولا حرام ومثل هذا لا يقال من قبل الرأي فعلى هذا لا مانع من حمل الحديث على ظاهره فيكون من وادي { { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } } أو يكون من الوعيد لما وقعت به المعصية إشارة إلى أن الذي يتعاطى المعصية أحق بذلك انتهى ( لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرًا) بفتح الطاء مصدر وكسرها حال من فاعل جر روايتان كما مر وهذا الحديث رواه أصحاب السنن من طريق مالك وغيره به وأخرجوه أيضًا بنحوه من حديث أبي هريرة وأبي سعيد وابن عمر وإسناده صحيح وفي البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار.