فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْإِنْصَاتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ

رقم الحديث 231 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ، عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَدْ لَغَوْتَ.


( مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) بكسر الزاي وخفة النون عبد الله بن ذكوان ( عَنِ الْأَعْرَجِ) عبد الرحمن بن هرمز هكذا رواه يحيى وجماعة من الرواة، ورواه ابن وهب وابن القاسم ومعن وسعد بن عفير في الموطأ عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب والحديث صحيح من الوجهين، وكل من سعيد والأعرج ( عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) عبد الرحمن بن صخر أو عمرو بن عامر.

( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ) الذي تخاطبه إذ ذاك أو جليسك سمي صاحبًا لأنه صاحبه في الخطاب أو لكونه الأغلب ( أَنْصِتْ) اسكت عن الكلام مطلقًا واستمع الخطبة، وقول ابن خزيمة عن مكالمة الناس دون ذكر الله تعقب بأنه يلزم منه جواز القراءة والذكر حال الخطبة وهو خلاف الظاهر ويحتاج إلى دليل، ولا يلزم من جواز التحية عند من قال بها لدليلها الخاص جواز الذكر مطلقًا ( وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ) جملة حالية تفيد أن وجوب الإنصات من الشروع في الخطبة لا من خروج الإمام كما يقوله ابن عباس وابن عمر وأبو حنيفة قاله ابن عبد البر.
( يَوْمَ الْجُمُعَةِ) ظرف لقلت ومفهومه أن غير يوم الجمعة بخلاف ذلك ( فَقَدْ لَغَوْتَ) بالواو، ومثله في رواية الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة في الصحيحين، ولمسلم من رواية سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة فقد لغيت قال أبو الزناد وهي لغة أبي هريرة، وإنما هي فقد لغوت، لكن قال النووي وتبعه الكرماني ظاهر القرآن يقتضيها إذ قال: { { وَالْغَوْا فِيهِ } } وهي من لغى يلغى ولو كان يلغو لقال الغوا بضم الغين اهـ.

قال النضر بن شميل: معنى لغوت خبت من الأجر، وقيل بطلت فضيلة جمعتك، وقيل صارت جمعتك ظهرًا.
قال الحافظ: ويشهد للثالث ما رواه أبو داود وابن خزيمة من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا: ومن لغى وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرًا.
قال ابن وهب أحد رواته: معناه أجزأت عنه الصلاة وحرم فضيلة الجمعة، ولأحمد من حديث علي مرفوعًا: ومن قال صه فقد تكلم ومن تكلم فلا جمعة له، ولأبي داود ونحوه لأحمد والبزار عن ابن عباس مرفوعًا: من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارًا، والذي يقول له أنصت ليست له جمعة وله شاهد قوي في جامع حماد بن سلمة عن ابن عمر مرفوعًا.
قال العلماء: معنى لا جمعة له كاملة للإجماع على إسقاط فرض الوقت عنه.

وحكى ابن التين عن بعض من جوز الكلام في الخطبة أنه تأول قوله فقد لغوت أي أمرت بالإنصات من لا يجب عليه وهو جمود شديد لأن الإنصات لم يختلف في مطلوبيته فكيف يكون من أمر بما طلبه الشرع لاغيًا، بل النهي عن الكلام مأخوذ من الحديث بدلالة الموافقة لأنه إذا جعل قوله أنصت مع كونه أمرًا بمعروف لغوًا فغيره من الكلام أولى أن يسمى لغوًا.
ولأحمد من رواية الأعرج عن أبي هريرة في آخر هذا الحديث بعد قوله فقد لغوت عليك بنفسك اهـ.

وقال الباجي: معناه المنع من الكلام وأكد ذلك بأن من أمر غيره بالصمت حينئذٍ فهو لاغ لأنه قد أتى من الكلام بما ينهى عنه.
كما أن من نهى في الصلاة مصليًا عن الكلام فقد أفسد على نفسه صلاته، وإنما نص على أن الآمر بالصمت لاغ تنبيهًا على أن كل مكلم غيره لاغ واللغو رديء الكلام وما لا خير فيه اهـ.

وقال الأخفش: اللغو الكلام الذي لا أصل له من الباطل وشبهه.
وقال الحسن بن عرفة: السقط من القول، وقيل الميل عن الصواب؛ وقيل الإثم لقوله تعالى: { { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } } وقال الزين بن المنير: اتفقت أقوال المفسرين على أن اللغو ما لا يحسن من الكلام، وأغرب أبو عبيد الهروي في الغريب فقال: معنى لغى تكلم كذا أطلق والصواب التقييد.

قال الحافظ: أقوال أهل اللغة متقاربة المعنى، واستدل بالحديث على منع جميع أنواع الكلام حال الخطبة، وبه قال الجمهور في حق من يسمعها وكذا الحكم في حق من لا يسمعها عند الأكثر قالوا: وإذا أراد الأمر بالمعروف فليجعله بالإشارة، وأغرب ابن عبد البر فنقل الإجماع على وجوب الإنصات على من سمعها إلا عن قليل من التابعين ولفظه لا خلاف علمته بين فقهاء الأمصار في وجوب الإنصات على من سمعها في الجمعة وأنه غير جائز أن يقول لمن سمعه من الجهال يتكلم والإمام يخطب أنصت ونحوها آخذًا بهذا الحديث.
وروي عن الشعبي وناس قليل أنهم كانوا يتكلمون إلا في حين قراءة الإمام في الخطبة خاصة وفعلهم ذلك مردود عند أهل العلم وأحسن أحوالهم أن يقال إنه لم يبلغهم الحديث اهـ.

وللشافعي في المسألة قولان مشهوران وبناهما بعض الأصحاب على الخلاف في أن الخطبتين بدل عن الركعتين أم لا؟ فعلى الأول يحرم لا على الثاني وهو الأصح عندهم فمن ثم أطلق من أطلق منهم إباحة الكلام حتى شنع عليهم من شنع من المخالفين.

وعن أحمد أيضًا روايتان وعنهما أيضًا التفرقة بين من يسمع الخطبة ومن لا يسمعها، والذي يظهر أن من نفى وجوبه أراد أنه لا يشترط في صحة الجمعة بخلاف غيره اهـ.
وفيه نظر إذ القائلون بوجوب الإنصات لا يجعلونه شرطًا في صحة الجمعة وعلى ما ذكره يكون الخلاف لفظيًا وليس كذلك، وقد قال هو قبل ذلك كما مر في حديث علي مرفوعًا عند أحمد: ومن قال صه فقد تكلم ومن تكلم فلا جمعة له ما نصه قال العلماء: معناه لا جمعة له كاملة للإجماع على إسقاط فرض الوقت عنه اهـ.

ثم قال أعني الحافظ ويدل على الوجوب في حق السامع أن في حديث علي المشار إليه آنفًا: ومن دنا فلم ينصت فإن عليه كفلين من الوزر لأن الوزر لا يترتب على من فعل مباحًا ولو كره تنزيهًا، وأما ما استدل به من أجاز مطلقًا من قصة السائل في الاستسقاء ونحوه فيه نظر لأنه استدلال بالأخص على الأعم، فيمكن أن يخص عموم الأمر بالإنصات بمثل ذلك كأمر عارض في مصلحة عامة، وقد استثنى من الإنصات في الخطبة ما إذا انتهى الخطيب إلى كل ما لم يشرع في الخطبة مثل الدعاء للسلطان مثلاً بل جزم صاحب التهذيب بأنه مكروه.
وقال النووي: محله إذا جازف وإلا فالدعاء لولاة الأمر مطلوب اهـ.
ومحل الترك إذا لم يخف الضرر وإلا فيباح للخطيب إذا خشي على نفسه اهـ.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيِّ) بضم القاف وبالظاء المعجمة حليف الأنصار مختلف في صحبته.
قال ابن معين: له رؤية، وقال ابن سعد: قدم أبو مالك واسمه عبد الله بن سام من اليمن وهو من كندة فتزوج امرأة من قريظة فعرف بهم.
وقال مصعب: كان ثعلبة ممن لم يثبت يوم قريظة فترك كما ترك عطية ونحوه، وله رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره ابن حبان والعجلي في ثقات التابعين، وقال أبو حاتم: هو تابعي وحديثه مرسل، وردّه في الإصابة بأن من يقتل أبوه بقريظة ويكون هو بصدد القتل لولا عدم الإنبات لا يمتنع أن يصح سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم.

( أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) أي في خلافته ( يُصَلُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) النوافل ( حَتَّى يَخْرُجَ عُمَرُ فَإِذَا خَرَجَ عُمَرُ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ قَالَ ثَعْلَبَةُ: جَلَسْنَا نَتَحَدَّثُ) نتكلم بالعلم ونحوه لا بكلام الدنيا.

قال ابن عبد البر: هذا موضع شبه فيه على بعض أصحابنا وأنكر أن يكون الأذان يوم الجمعة بين يدي الإمام كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وأن ذلك حدث في زمن هشام بن عبد الملك وهذا قول من قلّ علمه.

قال ابن السائب بن يزيد: كان النداء يوم الجمعة إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء خرّجه البخاري وسماه ثالثًا باعتبار الإقامة لأنها نداء إلى الصلاة قال: وقد رفع الإشكال فيه ابن إسحاق عن الزهري عن السائب قال: كان يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس على المنبر يوم الجمعة وأبي بكر وعمر، فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء على الزوراء.
قال ابن المسيب: أراد أن يسعى الناس إلى الجمعة فهذا نص في أن الأذان كان بين يدي الإمام وعليه العمل بالأمصار.

( فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ) أي فرغوا من أذانهم ( وَقَامَ عُمَرُ يَخْطُبُ أَنْصَتْنَا فَلَمْ يَتَكَلَّمْ مِنَّا أَحَدٌ) ذكر الإمام هذا تقوية لما فهمه من مفهوم الحديث، وهو أن منع الكلام إنما هو إذا خطب لا بمجرّد خروجه.

( قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَخُرُوجُ الْإِمَامِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ) أي الشروع فيها ( وَكَلَامُهُ يَقْطَعُ الْكَلَامَ) قال ابن عبد البر: هذا يدل على أن الأمر بالإنصات وقطع الصلاة ليس برأي وأنه سنة احتج بها ابن شهاب لأنه خبر عن علم علمه لا عن رأي اجتهده، بل هو سنة وعمل مستفيض في زمن عمر وغيره.

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بالمعجمة سالم بن أبي أمية المدني ثقة ثبت روى عن ابن عمر وابن أبي أوفى والسائب بن يزيد، وكان مالك يصفه بالفضل والعبادة ( مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بن معمر التيمي تيم قريش ( عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ) الأصبحي جدّ الإمام من ثقات التابعين ( أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ قَلَّ مَا يَدَعُ) أي يترك ( ذَلِكَ القول إِذَا خَطَبَ:) والقول هو ( إِذَا قَامَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَاسْتَمِعُوا وَأَنْصِتُوا) وإن لم تسمعوا لنحو صمم أو بعد ( فَإِنَّ لِلْمُنْصِتِ الَّذِي لَا يَسْمَعُ مِنَ الْحَظِّ) النصيب من الأجر ( مِثْلَ مَا لِلْمُنْصِتِ السَّامِعِ) قال الداودي: يعني إذا لم يفرط في التهجير.
قال الباجي: والظاهر أن أجرهما في الإنصات واحد ويتباين أجرهما في التهجير وتلك قربة أخرى غير الإنصات ( فَإِذَا قَامَتِ الصَّلَاةُ فَاعْدِلُوا) سوّوا وأقيموا ( الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بِالْمَنَاكِبِ فَإِنَّ اعْتِدَالَ الصُّفُوفِ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ) قال أبو عمر: هذا أمر مجمع عليه والآثار فيه كثيرة منها قول أنس: أقيمت الصلاة فأقبل علينا النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه قبل أن يكبر فقال: تراصوا وأقيموا صفوفكم إني لأراكم من وراء ظهري وقوله صلى الله عليه وسلم: سووا صفوفكم فإن ذلك من تمام الصلاة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف.
وقال البراء بن عازب: كان صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة مسح صدورنا وقال: رصوا المناكب بالمناكب والأقدام بالأقدام فإن الله يحب في الصلاة ما يحب في القتال كأنهم بنيان مرصوص وتعديل الصفوف من سنة الصلاة.
وليس بشرط في صحتها عند الأئمة الثلاثة.
وقال أحمد وأبو ثور: من صلى خلف الصفوف بطلت صلاته.

( ثُمَّ لَا يُكَبِّرُ) عثمان ( حَتَّى يَأْتِيَهُ رِجَالٌ قَدْ وَكَّلَهُمْ) بخفة الكاف وتشديدها ( بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فَيُخْبِرُونَهُ أَنْ قَدِ اسْتَوَتْ فَيُكَبِّرُ) أراد أن يستوي حالهم فلا يكون الإمام في صلاة والقوم في عمل، وفيه جواز الكلام بين الإقامة والإحرام وأنه العمل بالمدينة.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَأَى رَجُلَيْنِ يَتَحَدَّثَانِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَحَصَبَهُمَا) رماهما بالحصباء ( أَنِ اصْمُتَا) فيه تعليم كيف الإنكار لذلك وأن ذلك لا يفسد عليهما صلاتهما لأنه لم يأمرهما بالإعادة قاله أبو عمر.
قال عيسى بن دينار: ليس العمل على حصبه ولا بأس أن يشير إليهما.
قال الباجي: مقتضى مذهب مالك أن لا يشير إليهما لأن الإشارة بمنزلة قوله اصمتا وذلك لغو.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ) بفتحتين من باب ضرب ونصر ( يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَشَمَّتَهُ إِنْسَانٌ إِلَى جَنْبِهِ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ.

     وَقَالَ : لَا تَعُدْ)
قال ابن عبد البر: إنما قال سعيد ذلك للسائل بعد السلام من الصلاة، وقد منعه كردّ السلام أكثر أهل المدينة ومالك وأبو حنيفة والشافعي في القديم، وقال في الجديد: يشمت ويردّ السلام لأنه فرض وأكره أن يسلم عليه أحد اهـ.

واستدل في الأم بحديث الحسن البصري رفعه مرسلاً: إذا عطس الرجل والإمام يخطب يوم الجمعة فشمته، ولابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي قال: كانوا يردون السلام يوم الجمعة والإمام يخطب ويشمتون العاطس، فهذا عاضد المرسل لأن الشافعي إنما يحتج به إذا اعتضد، لكن قال الحافظ العراقي: مراسيل الحسن عند المحدثين شبه الريح لروايته عن كل أحد.

( مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنِ الْكَلَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا نَزَلَ الْإِمَامُ عَنِ الْمِنْبَرِ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ؟ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أي يجوز لفراغ الخطبة التي أمر بالاستماع إليها، وعليه العمل والفتيا بالمدينة خلاف ما ذهب إليه العراقيون أخذًا من قول بلال للنبي صلى الله عليه وسلم لا تسبقني بآمين، وأخذوا منه أنه كان يكبر قبل فراغ بلال من الإقامة والأمر فيه عندي مباح كله قاله أبو عمر.



رقم الحديث 232 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، يُصَلُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، حَتَّى يَخْرُجَ عُمَرُ.
فَإِذَا خَرَجَ عُمَرُ، وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ قَالَ ثَعْلَبَةُ جَلَسْنَا نَتَحَدَّثُ.
فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ وَقَامَ عُمَرُ يَخْطُبُ، أَنْصَتْنَا، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ مِنَّا أَحَدٌ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَخُرُوجُ الْإِمَامِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَكَلَامُهُ يَقْطَعُ الْكَلَامَ.


( مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) بكسر الزاي وخفة النون عبد الله بن ذكوان ( عَنِ الْأَعْرَجِ) عبد الرحمن بن هرمز هكذا رواه يحيى وجماعة من الرواة، ورواه ابن وهب وابن القاسم ومعن وسعد بن عفير في الموطأ عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب والحديث صحيح من الوجهين، وكل من سعيد والأعرج ( عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) عبد الرحمن بن صخر أو عمرو بن عامر.

( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ) الذي تخاطبه إذ ذاك أو جليسك سمي صاحبًا لأنه صاحبه في الخطاب أو لكونه الأغلب ( أَنْصِتْ) اسكت عن الكلام مطلقًا واستمع الخطبة، وقول ابن خزيمة عن مكالمة الناس دون ذكر الله تعقب بأنه يلزم منه جواز القراءة والذكر حال الخطبة وهو خلاف الظاهر ويحتاج إلى دليل، ولا يلزم من جواز التحية عند من قال بها لدليلها الخاص جواز الذكر مطلقًا ( وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ) جملة حالية تفيد أن وجوب الإنصات من الشروع في الخطبة لا من خروج الإمام كما يقوله ابن عباس وابن عمر وأبو حنيفة قاله ابن عبد البر.
( يَوْمَ الْجُمُعَةِ) ظرف لقلت ومفهومه أن غير يوم الجمعة بخلاف ذلك ( فَقَدْ لَغَوْتَ) بالواو، ومثله في رواية الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة في الصحيحين، ولمسلم من رواية سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة فقد لغيت قال أبو الزناد وهي لغة أبي هريرة، وإنما هي فقد لغوت، لكن قال النووي وتبعه الكرماني ظاهر القرآن يقتضيها إذ قال: { { وَالْغَوْا فِيهِ } } وهي من لغى يلغى ولو كان يلغو لقال الغوا بضم الغين اهـ.

قال النضر بن شميل: معنى لغوت خبت من الأجر، وقيل بطلت فضيلة جمعتك، وقيل صارت جمعتك ظهرًا.
قال الحافظ: ويشهد للثالث ما رواه أبو داود وابن خزيمة من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا: ومن لغى وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرًا.
قال ابن وهب أحد رواته: معناه أجزأت عنه الصلاة وحرم فضيلة الجمعة، ولأحمد من حديث علي مرفوعًا: ومن قال صه فقد تكلم ومن تكلم فلا جمعة له، ولأبي داود ونحوه لأحمد والبزار عن ابن عباس مرفوعًا: من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارًا، والذي يقول له أنصت ليست له جمعة وله شاهد قوي في جامع حماد بن سلمة عن ابن عمر مرفوعًا.
قال العلماء: معنى لا جمعة له كاملة للإجماع على إسقاط فرض الوقت عنه.

وحكى ابن التين عن بعض من جوز الكلام في الخطبة أنه تأول قوله فقد لغوت أي أمرت بالإنصات من لا يجب عليه وهو جمود شديد لأن الإنصات لم يختلف في مطلوبيته فكيف يكون من أمر بما طلبه الشرع لاغيًا، بل النهي عن الكلام مأخوذ من الحديث بدلالة الموافقة لأنه إذا جعل قوله أنصت مع كونه أمرًا بمعروف لغوًا فغيره من الكلام أولى أن يسمى لغوًا.
ولأحمد من رواية الأعرج عن أبي هريرة في آخر هذا الحديث بعد قوله فقد لغوت عليك بنفسك اهـ.

وقال الباجي: معناه المنع من الكلام وأكد ذلك بأن من أمر غيره بالصمت حينئذٍ فهو لاغ لأنه قد أتى من الكلام بما ينهى عنه.
كما أن من نهى في الصلاة مصليًا عن الكلام فقد أفسد على نفسه صلاته، وإنما نص على أن الآمر بالصمت لاغ تنبيهًا على أن كل مكلم غيره لاغ واللغو رديء الكلام وما لا خير فيه اهـ.

وقال الأخفش: اللغو الكلام الذي لا أصل له من الباطل وشبهه.
وقال الحسن بن عرفة: السقط من القول، وقيل الميل عن الصواب؛ وقيل الإثم لقوله تعالى: { { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } } وقال الزين بن المنير: اتفقت أقوال المفسرين على أن اللغو ما لا يحسن من الكلام، وأغرب أبو عبيد الهروي في الغريب فقال: معنى لغى تكلم كذا أطلق والصواب التقييد.

قال الحافظ: أقوال أهل اللغة متقاربة المعنى، واستدل بالحديث على منع جميع أنواع الكلام حال الخطبة، وبه قال الجمهور في حق من يسمعها وكذا الحكم في حق من لا يسمعها عند الأكثر قالوا: وإذا أراد الأمر بالمعروف فليجعله بالإشارة، وأغرب ابن عبد البر فنقل الإجماع على وجوب الإنصات على من سمعها إلا عن قليل من التابعين ولفظه لا خلاف علمته بين فقهاء الأمصار في وجوب الإنصات على من سمعها في الجمعة وأنه غير جائز أن يقول لمن سمعه من الجهال يتكلم والإمام يخطب أنصت ونحوها آخذًا بهذا الحديث.
وروي عن الشعبي وناس قليل أنهم كانوا يتكلمون إلا في حين قراءة الإمام في الخطبة خاصة وفعلهم ذلك مردود عند أهل العلم وأحسن أحوالهم أن يقال إنه لم يبلغهم الحديث اهـ.

وللشافعي في المسألة قولان مشهوران وبناهما بعض الأصحاب على الخلاف في أن الخطبتين بدل عن الركعتين أم لا؟ فعلى الأول يحرم لا على الثاني وهو الأصح عندهم فمن ثم أطلق من أطلق منهم إباحة الكلام حتى شنع عليهم من شنع من المخالفين.

وعن أحمد أيضًا روايتان وعنهما أيضًا التفرقة بين من يسمع الخطبة ومن لا يسمعها، والذي يظهر أن من نفى وجوبه أراد أنه لا يشترط في صحة الجمعة بخلاف غيره اهـ.
وفيه نظر إذ القائلون بوجوب الإنصات لا يجعلونه شرطًا في صحة الجمعة وعلى ما ذكره يكون الخلاف لفظيًا وليس كذلك، وقد قال هو قبل ذلك كما مر في حديث علي مرفوعًا عند أحمد: ومن قال صه فقد تكلم ومن تكلم فلا جمعة له ما نصه قال العلماء: معناه لا جمعة له كاملة للإجماع على إسقاط فرض الوقت عنه اهـ.

ثم قال أعني الحافظ ويدل على الوجوب في حق السامع أن في حديث علي المشار إليه آنفًا: ومن دنا فلم ينصت فإن عليه كفلين من الوزر لأن الوزر لا يترتب على من فعل مباحًا ولو كره تنزيهًا، وأما ما استدل به من أجاز مطلقًا من قصة السائل في الاستسقاء ونحوه فيه نظر لأنه استدلال بالأخص على الأعم، فيمكن أن يخص عموم الأمر بالإنصات بمثل ذلك كأمر عارض في مصلحة عامة، وقد استثنى من الإنصات في الخطبة ما إذا انتهى الخطيب إلى كل ما لم يشرع في الخطبة مثل الدعاء للسلطان مثلاً بل جزم صاحب التهذيب بأنه مكروه.
وقال النووي: محله إذا جازف وإلا فالدعاء لولاة الأمر مطلوب اهـ.
ومحل الترك إذا لم يخف الضرر وإلا فيباح للخطيب إذا خشي على نفسه اهـ.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيِّ) بضم القاف وبالظاء المعجمة حليف الأنصار مختلف في صحبته.
قال ابن معين: له رؤية، وقال ابن سعد: قدم أبو مالك واسمه عبد الله بن سام من اليمن وهو من كندة فتزوج امرأة من قريظة فعرف بهم.
وقال مصعب: كان ثعلبة ممن لم يثبت يوم قريظة فترك كما ترك عطية ونحوه، وله رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره ابن حبان والعجلي في ثقات التابعين، وقال أبو حاتم: هو تابعي وحديثه مرسل، وردّه في الإصابة بأن من يقتل أبوه بقريظة ويكون هو بصدد القتل لولا عدم الإنبات لا يمتنع أن يصح سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم.

( أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) أي في خلافته ( يُصَلُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) النوافل ( حَتَّى يَخْرُجَ عُمَرُ فَإِذَا خَرَجَ عُمَرُ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ قَالَ ثَعْلَبَةُ: جَلَسْنَا نَتَحَدَّثُ) نتكلم بالعلم ونحوه لا بكلام الدنيا.

قال ابن عبد البر: هذا موضع شبه فيه على بعض أصحابنا وأنكر أن يكون الأذان يوم الجمعة بين يدي الإمام كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وأن ذلك حدث في زمن هشام بن عبد الملك وهذا قول من قلّ علمه.

قال ابن السائب بن يزيد: كان النداء يوم الجمعة إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء خرّجه البخاري وسماه ثالثًا باعتبار الإقامة لأنها نداء إلى الصلاة قال: وقد رفع الإشكال فيه ابن إسحاق عن الزهري عن السائب قال: كان يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس على المنبر يوم الجمعة وأبي بكر وعمر، فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء على الزوراء.
قال ابن المسيب: أراد أن يسعى الناس إلى الجمعة فهذا نص في أن الأذان كان بين يدي الإمام وعليه العمل بالأمصار.

( فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ) أي فرغوا من أذانهم ( وَقَامَ عُمَرُ يَخْطُبُ أَنْصَتْنَا فَلَمْ يَتَكَلَّمْ مِنَّا أَحَدٌ) ذكر الإمام هذا تقوية لما فهمه من مفهوم الحديث، وهو أن منع الكلام إنما هو إذا خطب لا بمجرّد خروجه.

( قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَخُرُوجُ الْإِمَامِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ) أي الشروع فيها ( وَكَلَامُهُ يَقْطَعُ الْكَلَامَ) قال ابن عبد البر: هذا يدل على أن الأمر بالإنصات وقطع الصلاة ليس برأي وأنه سنة احتج بها ابن شهاب لأنه خبر عن علم علمه لا عن رأي اجتهده، بل هو سنة وعمل مستفيض في زمن عمر وغيره.

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بالمعجمة سالم بن أبي أمية المدني ثقة ثبت روى عن ابن عمر وابن أبي أوفى والسائب بن يزيد، وكان مالك يصفه بالفضل والعبادة ( مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بن معمر التيمي تيم قريش ( عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ) الأصبحي جدّ الإمام من ثقات التابعين ( أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ قَلَّ مَا يَدَعُ) أي يترك ( ذَلِكَ القول إِذَا خَطَبَ:) والقول هو ( إِذَا قَامَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَاسْتَمِعُوا وَأَنْصِتُوا) وإن لم تسمعوا لنحو صمم أو بعد ( فَإِنَّ لِلْمُنْصِتِ الَّذِي لَا يَسْمَعُ مِنَ الْحَظِّ) النصيب من الأجر ( مِثْلَ مَا لِلْمُنْصِتِ السَّامِعِ) قال الداودي: يعني إذا لم يفرط في التهجير.
قال الباجي: والظاهر أن أجرهما في الإنصات واحد ويتباين أجرهما في التهجير وتلك قربة أخرى غير الإنصات ( فَإِذَا قَامَتِ الصَّلَاةُ فَاعْدِلُوا) سوّوا وأقيموا ( الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بِالْمَنَاكِبِ فَإِنَّ اعْتِدَالَ الصُّفُوفِ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ) قال أبو عمر: هذا أمر مجمع عليه والآثار فيه كثيرة منها قول أنس: أقيمت الصلاة فأقبل علينا النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه قبل أن يكبر فقال: تراصوا وأقيموا صفوفكم إني لأراكم من وراء ظهري وقوله صلى الله عليه وسلم: سووا صفوفكم فإن ذلك من تمام الصلاة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف.
وقال البراء بن عازب: كان صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة مسح صدورنا وقال: رصوا المناكب بالمناكب والأقدام بالأقدام فإن الله يحب في الصلاة ما يحب في القتال كأنهم بنيان مرصوص وتعديل الصفوف من سنة الصلاة.
وليس بشرط في صحتها عند الأئمة الثلاثة.
وقال أحمد وأبو ثور: من صلى خلف الصفوف بطلت صلاته.

( ثُمَّ لَا يُكَبِّرُ) عثمان ( حَتَّى يَأْتِيَهُ رِجَالٌ قَدْ وَكَّلَهُمْ) بخفة الكاف وتشديدها ( بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فَيُخْبِرُونَهُ أَنْ قَدِ اسْتَوَتْ فَيُكَبِّرُ) أراد أن يستوي حالهم فلا يكون الإمام في صلاة والقوم في عمل، وفيه جواز الكلام بين الإقامة والإحرام وأنه العمل بالمدينة.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَأَى رَجُلَيْنِ يَتَحَدَّثَانِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَحَصَبَهُمَا) رماهما بالحصباء ( أَنِ اصْمُتَا) فيه تعليم كيف الإنكار لذلك وأن ذلك لا يفسد عليهما صلاتهما لأنه لم يأمرهما بالإعادة قاله أبو عمر.
قال عيسى بن دينار: ليس العمل على حصبه ولا بأس أن يشير إليهما.
قال الباجي: مقتضى مذهب مالك أن لا يشير إليهما لأن الإشارة بمنزلة قوله اصمتا وذلك لغو.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ) بفتحتين من باب ضرب ونصر ( يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَشَمَّتَهُ إِنْسَانٌ إِلَى جَنْبِهِ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ.

     وَقَالَ : لَا تَعُدْ)
قال ابن عبد البر: إنما قال سعيد ذلك للسائل بعد السلام من الصلاة، وقد منعه كردّ السلام أكثر أهل المدينة ومالك وأبو حنيفة والشافعي في القديم، وقال في الجديد: يشمت ويردّ السلام لأنه فرض وأكره أن يسلم عليه أحد اهـ.

واستدل في الأم بحديث الحسن البصري رفعه مرسلاً: إذا عطس الرجل والإمام يخطب يوم الجمعة فشمته، ولابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي قال: كانوا يردون السلام يوم الجمعة والإمام يخطب ويشمتون العاطس، فهذا عاضد المرسل لأن الشافعي إنما يحتج به إذا اعتضد، لكن قال الحافظ العراقي: مراسيل الحسن عند المحدثين شبه الريح لروايته عن كل أحد.

( مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنِ الْكَلَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا نَزَلَ الْإِمَامُ عَنِ الْمِنْبَرِ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ؟ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أي يجوز لفراغ الخطبة التي أمر بالاستماع إليها، وعليه العمل والفتيا بالمدينة خلاف ما ذهب إليه العراقيون أخذًا من قول بلال للنبي صلى الله عليه وسلم لا تسبقني بآمين، وأخذوا منه أنه كان يكبر قبل فراغ بلال من الإقامة والأمر فيه عندي مباح كله قاله أبو عمر.



رقم الحديث 234 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ، قَلَّ مَا يَدَعُ ذَلِكَ إِذَا خَطَبَ: إِذَا قَامَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَاسْتَمِعُوا وَأَنْصِتُوا.
فَإِنَّ لِلْمُنْصِتِ، الَّذِي لَا يَسْمَعُ، مِنَ الْحَظِّ، مِثْلَ مَا لِلْمُنْصِتِ السَّامِعِ.
فَإِذَا قَامَتِ الصَّلَاةُ فَاعْدِلُوا الصُّفُوفَ، وَحَاذُوا بِالْمَنَاكِبِ، فَإِنَّ اعْتِدَالَ الصُّفُوفِ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ.
ثُمَّ لَا يُكَبِّرُ، حَتَّى يَأْتِيَهُ رِجَالٌ قَدْ وَكَّلَهُمْ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ، فَيُخْبِرُونَهُ أَنْ قَدِ اسْتَوَتْ، فَيُكَبِّرُ.


( مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) بكسر الزاي وخفة النون عبد الله بن ذكوان ( عَنِ الْأَعْرَجِ) عبد الرحمن بن هرمز هكذا رواه يحيى وجماعة من الرواة، ورواه ابن وهب وابن القاسم ومعن وسعد بن عفير في الموطأ عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب والحديث صحيح من الوجهين، وكل من سعيد والأعرج ( عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) عبد الرحمن بن صخر أو عمرو بن عامر.

( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ) الذي تخاطبه إذ ذاك أو جليسك سمي صاحبًا لأنه صاحبه في الخطاب أو لكونه الأغلب ( أَنْصِتْ) اسكت عن الكلام مطلقًا واستمع الخطبة، وقول ابن خزيمة عن مكالمة الناس دون ذكر الله تعقب بأنه يلزم منه جواز القراءة والذكر حال الخطبة وهو خلاف الظاهر ويحتاج إلى دليل، ولا يلزم من جواز التحية عند من قال بها لدليلها الخاص جواز الذكر مطلقًا ( وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ) جملة حالية تفيد أن وجوب الإنصات من الشروع في الخطبة لا من خروج الإمام كما يقوله ابن عباس وابن عمر وأبو حنيفة قاله ابن عبد البر.
( يَوْمَ الْجُمُعَةِ) ظرف لقلت ومفهومه أن غير يوم الجمعة بخلاف ذلك ( فَقَدْ لَغَوْتَ) بالواو، ومثله في رواية الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة في الصحيحين، ولمسلم من رواية سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة فقد لغيت قال أبو الزناد وهي لغة أبي هريرة، وإنما هي فقد لغوت، لكن قال النووي وتبعه الكرماني ظاهر القرآن يقتضيها إذ قال: { { وَالْغَوْا فِيهِ } } وهي من لغى يلغى ولو كان يلغو لقال الغوا بضم الغين اهـ.

قال النضر بن شميل: معنى لغوت خبت من الأجر، وقيل بطلت فضيلة جمعتك، وقيل صارت جمعتك ظهرًا.
قال الحافظ: ويشهد للثالث ما رواه أبو داود وابن خزيمة من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا: ومن لغى وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرًا.
قال ابن وهب أحد رواته: معناه أجزأت عنه الصلاة وحرم فضيلة الجمعة، ولأحمد من حديث علي مرفوعًا: ومن قال صه فقد تكلم ومن تكلم فلا جمعة له، ولأبي داود ونحوه لأحمد والبزار عن ابن عباس مرفوعًا: من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارًا، والذي يقول له أنصت ليست له جمعة وله شاهد قوي في جامع حماد بن سلمة عن ابن عمر مرفوعًا.
قال العلماء: معنى لا جمعة له كاملة للإجماع على إسقاط فرض الوقت عنه.

وحكى ابن التين عن بعض من جوز الكلام في الخطبة أنه تأول قوله فقد لغوت أي أمرت بالإنصات من لا يجب عليه وهو جمود شديد لأن الإنصات لم يختلف في مطلوبيته فكيف يكون من أمر بما طلبه الشرع لاغيًا، بل النهي عن الكلام مأخوذ من الحديث بدلالة الموافقة لأنه إذا جعل قوله أنصت مع كونه أمرًا بمعروف لغوًا فغيره من الكلام أولى أن يسمى لغوًا.
ولأحمد من رواية الأعرج عن أبي هريرة في آخر هذا الحديث بعد قوله فقد لغوت عليك بنفسك اهـ.

وقال الباجي: معناه المنع من الكلام وأكد ذلك بأن من أمر غيره بالصمت حينئذٍ فهو لاغ لأنه قد أتى من الكلام بما ينهى عنه.
كما أن من نهى في الصلاة مصليًا عن الكلام فقد أفسد على نفسه صلاته، وإنما نص على أن الآمر بالصمت لاغ تنبيهًا على أن كل مكلم غيره لاغ واللغو رديء الكلام وما لا خير فيه اهـ.

وقال الأخفش: اللغو الكلام الذي لا أصل له من الباطل وشبهه.
وقال الحسن بن عرفة: السقط من القول، وقيل الميل عن الصواب؛ وقيل الإثم لقوله تعالى: { { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } } وقال الزين بن المنير: اتفقت أقوال المفسرين على أن اللغو ما لا يحسن من الكلام، وأغرب أبو عبيد الهروي في الغريب فقال: معنى لغى تكلم كذا أطلق والصواب التقييد.

قال الحافظ: أقوال أهل اللغة متقاربة المعنى، واستدل بالحديث على منع جميع أنواع الكلام حال الخطبة، وبه قال الجمهور في حق من يسمعها وكذا الحكم في حق من لا يسمعها عند الأكثر قالوا: وإذا أراد الأمر بالمعروف فليجعله بالإشارة، وأغرب ابن عبد البر فنقل الإجماع على وجوب الإنصات على من سمعها إلا عن قليل من التابعين ولفظه لا خلاف علمته بين فقهاء الأمصار في وجوب الإنصات على من سمعها في الجمعة وأنه غير جائز أن يقول لمن سمعه من الجهال يتكلم والإمام يخطب أنصت ونحوها آخذًا بهذا الحديث.
وروي عن الشعبي وناس قليل أنهم كانوا يتكلمون إلا في حين قراءة الإمام في الخطبة خاصة وفعلهم ذلك مردود عند أهل العلم وأحسن أحوالهم أن يقال إنه لم يبلغهم الحديث اهـ.

وللشافعي في المسألة قولان مشهوران وبناهما بعض الأصحاب على الخلاف في أن الخطبتين بدل عن الركعتين أم لا؟ فعلى الأول يحرم لا على الثاني وهو الأصح عندهم فمن ثم أطلق من أطلق منهم إباحة الكلام حتى شنع عليهم من شنع من المخالفين.

وعن أحمد أيضًا روايتان وعنهما أيضًا التفرقة بين من يسمع الخطبة ومن لا يسمعها، والذي يظهر أن من نفى وجوبه أراد أنه لا يشترط في صحة الجمعة بخلاف غيره اهـ.
وفيه نظر إذ القائلون بوجوب الإنصات لا يجعلونه شرطًا في صحة الجمعة وعلى ما ذكره يكون الخلاف لفظيًا وليس كذلك، وقد قال هو قبل ذلك كما مر في حديث علي مرفوعًا عند أحمد: ومن قال صه فقد تكلم ومن تكلم فلا جمعة له ما نصه قال العلماء: معناه لا جمعة له كاملة للإجماع على إسقاط فرض الوقت عنه اهـ.

ثم قال أعني الحافظ ويدل على الوجوب في حق السامع أن في حديث علي المشار إليه آنفًا: ومن دنا فلم ينصت فإن عليه كفلين من الوزر لأن الوزر لا يترتب على من فعل مباحًا ولو كره تنزيهًا، وأما ما استدل به من أجاز مطلقًا من قصة السائل في الاستسقاء ونحوه فيه نظر لأنه استدلال بالأخص على الأعم، فيمكن أن يخص عموم الأمر بالإنصات بمثل ذلك كأمر عارض في مصلحة عامة، وقد استثنى من الإنصات في الخطبة ما إذا انتهى الخطيب إلى كل ما لم يشرع في الخطبة مثل الدعاء للسلطان مثلاً بل جزم صاحب التهذيب بأنه مكروه.
وقال النووي: محله إذا جازف وإلا فالدعاء لولاة الأمر مطلوب اهـ.
ومحل الترك إذا لم يخف الضرر وإلا فيباح للخطيب إذا خشي على نفسه اهـ.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيِّ) بضم القاف وبالظاء المعجمة حليف الأنصار مختلف في صحبته.
قال ابن معين: له رؤية، وقال ابن سعد: قدم أبو مالك واسمه عبد الله بن سام من اليمن وهو من كندة فتزوج امرأة من قريظة فعرف بهم.
وقال مصعب: كان ثعلبة ممن لم يثبت يوم قريظة فترك كما ترك عطية ونحوه، وله رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره ابن حبان والعجلي في ثقات التابعين، وقال أبو حاتم: هو تابعي وحديثه مرسل، وردّه في الإصابة بأن من يقتل أبوه بقريظة ويكون هو بصدد القتل لولا عدم الإنبات لا يمتنع أن يصح سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم.

( أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) أي في خلافته ( يُصَلُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) النوافل ( حَتَّى يَخْرُجَ عُمَرُ فَإِذَا خَرَجَ عُمَرُ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ قَالَ ثَعْلَبَةُ: جَلَسْنَا نَتَحَدَّثُ) نتكلم بالعلم ونحوه لا بكلام الدنيا.

قال ابن عبد البر: هذا موضع شبه فيه على بعض أصحابنا وأنكر أن يكون الأذان يوم الجمعة بين يدي الإمام كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وأن ذلك حدث في زمن هشام بن عبد الملك وهذا قول من قلّ علمه.

قال ابن السائب بن يزيد: كان النداء يوم الجمعة إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء خرّجه البخاري وسماه ثالثًا باعتبار الإقامة لأنها نداء إلى الصلاة قال: وقد رفع الإشكال فيه ابن إسحاق عن الزهري عن السائب قال: كان يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس على المنبر يوم الجمعة وأبي بكر وعمر، فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء على الزوراء.
قال ابن المسيب: أراد أن يسعى الناس إلى الجمعة فهذا نص في أن الأذان كان بين يدي الإمام وعليه العمل بالأمصار.

( فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ) أي فرغوا من أذانهم ( وَقَامَ عُمَرُ يَخْطُبُ أَنْصَتْنَا فَلَمْ يَتَكَلَّمْ مِنَّا أَحَدٌ) ذكر الإمام هذا تقوية لما فهمه من مفهوم الحديث، وهو أن منع الكلام إنما هو إذا خطب لا بمجرّد خروجه.

( قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَخُرُوجُ الْإِمَامِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ) أي الشروع فيها ( وَكَلَامُهُ يَقْطَعُ الْكَلَامَ) قال ابن عبد البر: هذا يدل على أن الأمر بالإنصات وقطع الصلاة ليس برأي وأنه سنة احتج بها ابن شهاب لأنه خبر عن علم علمه لا عن رأي اجتهده، بل هو سنة وعمل مستفيض في زمن عمر وغيره.

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بالمعجمة سالم بن أبي أمية المدني ثقة ثبت روى عن ابن عمر وابن أبي أوفى والسائب بن يزيد، وكان مالك يصفه بالفضل والعبادة ( مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بن معمر التيمي تيم قريش ( عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ) الأصبحي جدّ الإمام من ثقات التابعين ( أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ قَلَّ مَا يَدَعُ) أي يترك ( ذَلِكَ القول إِذَا خَطَبَ:) والقول هو ( إِذَا قَامَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَاسْتَمِعُوا وَأَنْصِتُوا) وإن لم تسمعوا لنحو صمم أو بعد ( فَإِنَّ لِلْمُنْصِتِ الَّذِي لَا يَسْمَعُ مِنَ الْحَظِّ) النصيب من الأجر ( مِثْلَ مَا لِلْمُنْصِتِ السَّامِعِ) قال الداودي: يعني إذا لم يفرط في التهجير.
قال الباجي: والظاهر أن أجرهما في الإنصات واحد ويتباين أجرهما في التهجير وتلك قربة أخرى غير الإنصات ( فَإِذَا قَامَتِ الصَّلَاةُ فَاعْدِلُوا) سوّوا وأقيموا ( الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بِالْمَنَاكِبِ فَإِنَّ اعْتِدَالَ الصُّفُوفِ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ) قال أبو عمر: هذا أمر مجمع عليه والآثار فيه كثيرة منها قول أنس: أقيمت الصلاة فأقبل علينا النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه قبل أن يكبر فقال: تراصوا وأقيموا صفوفكم إني لأراكم من وراء ظهري وقوله صلى الله عليه وسلم: سووا صفوفكم فإن ذلك من تمام الصلاة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف.
وقال البراء بن عازب: كان صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة مسح صدورنا وقال: رصوا المناكب بالمناكب والأقدام بالأقدام فإن الله يحب في الصلاة ما يحب في القتال كأنهم بنيان مرصوص وتعديل الصفوف من سنة الصلاة.
وليس بشرط في صحتها عند الأئمة الثلاثة.
وقال أحمد وأبو ثور: من صلى خلف الصفوف بطلت صلاته.

( ثُمَّ لَا يُكَبِّرُ) عثمان ( حَتَّى يَأْتِيَهُ رِجَالٌ قَدْ وَكَّلَهُمْ) بخفة الكاف وتشديدها ( بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فَيُخْبِرُونَهُ أَنْ قَدِ اسْتَوَتْ فَيُكَبِّرُ) أراد أن يستوي حالهم فلا يكون الإمام في صلاة والقوم في عمل، وفيه جواز الكلام بين الإقامة والإحرام وأنه العمل بالمدينة.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَأَى رَجُلَيْنِ يَتَحَدَّثَانِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَحَصَبَهُمَا) رماهما بالحصباء ( أَنِ اصْمُتَا) فيه تعليم كيف الإنكار لذلك وأن ذلك لا يفسد عليهما صلاتهما لأنه لم يأمرهما بالإعادة قاله أبو عمر.
قال عيسى بن دينار: ليس العمل على حصبه ولا بأس أن يشير إليهما.
قال الباجي: مقتضى مذهب مالك أن لا يشير إليهما لأن الإشارة بمنزلة قوله اصمتا وذلك لغو.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ) بفتحتين من باب ضرب ونصر ( يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَشَمَّتَهُ إِنْسَانٌ إِلَى جَنْبِهِ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ.

     وَقَالَ : لَا تَعُدْ)
قال ابن عبد البر: إنما قال سعيد ذلك للسائل بعد السلام من الصلاة، وقد منعه كردّ السلام أكثر أهل المدينة ومالك وأبو حنيفة والشافعي في القديم، وقال في الجديد: يشمت ويردّ السلام لأنه فرض وأكره أن يسلم عليه أحد اهـ.

واستدل في الأم بحديث الحسن البصري رفعه مرسلاً: إذا عطس الرجل والإمام يخطب يوم الجمعة فشمته، ولابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي قال: كانوا يردون السلام يوم الجمعة والإمام يخطب ويشمتون العاطس، فهذا عاضد المرسل لأن الشافعي إنما يحتج به إذا اعتضد، لكن قال الحافظ العراقي: مراسيل الحسن عند المحدثين شبه الريح لروايته عن كل أحد.

( مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنِ الْكَلَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا نَزَلَ الْإِمَامُ عَنِ الْمِنْبَرِ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ؟ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أي يجوز لفراغ الخطبة التي أمر بالاستماع إليها، وعليه العمل والفتيا بالمدينة خلاف ما ذهب إليه العراقيون أخذًا من قول بلال للنبي صلى الله عليه وسلم لا تسبقني بآمين، وأخذوا منه أنه كان يكبر قبل فراغ بلال من الإقامة والأمر فيه عندي مباح كله قاله أبو عمر.



رقم الحديث 235 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَأَى رَجُلَيْنِ يَتَحَدَّثَانِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَحَصَبَهُمَا أَنِ اصْمُتَا.


( مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) بكسر الزاي وخفة النون عبد الله بن ذكوان ( عَنِ الْأَعْرَجِ) عبد الرحمن بن هرمز هكذا رواه يحيى وجماعة من الرواة، ورواه ابن وهب وابن القاسم ومعن وسعد بن عفير في الموطأ عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب والحديث صحيح من الوجهين، وكل من سعيد والأعرج ( عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) عبد الرحمن بن صخر أو عمرو بن عامر.

( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ) الذي تخاطبه إذ ذاك أو جليسك سمي صاحبًا لأنه صاحبه في الخطاب أو لكونه الأغلب ( أَنْصِتْ) اسكت عن الكلام مطلقًا واستمع الخطبة، وقول ابن خزيمة عن مكالمة الناس دون ذكر الله تعقب بأنه يلزم منه جواز القراءة والذكر حال الخطبة وهو خلاف الظاهر ويحتاج إلى دليل، ولا يلزم من جواز التحية عند من قال بها لدليلها الخاص جواز الذكر مطلقًا ( وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ) جملة حالية تفيد أن وجوب الإنصات من الشروع في الخطبة لا من خروج الإمام كما يقوله ابن عباس وابن عمر وأبو حنيفة قاله ابن عبد البر.
( يَوْمَ الْجُمُعَةِ) ظرف لقلت ومفهومه أن غير يوم الجمعة بخلاف ذلك ( فَقَدْ لَغَوْتَ) بالواو، ومثله في رواية الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة في الصحيحين، ولمسلم من رواية سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة فقد لغيت قال أبو الزناد وهي لغة أبي هريرة، وإنما هي فقد لغوت، لكن قال النووي وتبعه الكرماني ظاهر القرآن يقتضيها إذ قال: { { وَالْغَوْا فِيهِ } } وهي من لغى يلغى ولو كان يلغو لقال الغوا بضم الغين اهـ.

قال النضر بن شميل: معنى لغوت خبت من الأجر، وقيل بطلت فضيلة جمعتك، وقيل صارت جمعتك ظهرًا.
قال الحافظ: ويشهد للثالث ما رواه أبو داود وابن خزيمة من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا: ومن لغى وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرًا.
قال ابن وهب أحد رواته: معناه أجزأت عنه الصلاة وحرم فضيلة الجمعة، ولأحمد من حديث علي مرفوعًا: ومن قال صه فقد تكلم ومن تكلم فلا جمعة له، ولأبي داود ونحوه لأحمد والبزار عن ابن عباس مرفوعًا: من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارًا، والذي يقول له أنصت ليست له جمعة وله شاهد قوي في جامع حماد بن سلمة عن ابن عمر مرفوعًا.
قال العلماء: معنى لا جمعة له كاملة للإجماع على إسقاط فرض الوقت عنه.

وحكى ابن التين عن بعض من جوز الكلام في الخطبة أنه تأول قوله فقد لغوت أي أمرت بالإنصات من لا يجب عليه وهو جمود شديد لأن الإنصات لم يختلف في مطلوبيته فكيف يكون من أمر بما طلبه الشرع لاغيًا، بل النهي عن الكلام مأخوذ من الحديث بدلالة الموافقة لأنه إذا جعل قوله أنصت مع كونه أمرًا بمعروف لغوًا فغيره من الكلام أولى أن يسمى لغوًا.
ولأحمد من رواية الأعرج عن أبي هريرة في آخر هذا الحديث بعد قوله فقد لغوت عليك بنفسك اهـ.

وقال الباجي: معناه المنع من الكلام وأكد ذلك بأن من أمر غيره بالصمت حينئذٍ فهو لاغ لأنه قد أتى من الكلام بما ينهى عنه.
كما أن من نهى في الصلاة مصليًا عن الكلام فقد أفسد على نفسه صلاته، وإنما نص على أن الآمر بالصمت لاغ تنبيهًا على أن كل مكلم غيره لاغ واللغو رديء الكلام وما لا خير فيه اهـ.

وقال الأخفش: اللغو الكلام الذي لا أصل له من الباطل وشبهه.
وقال الحسن بن عرفة: السقط من القول، وقيل الميل عن الصواب؛ وقيل الإثم لقوله تعالى: { { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } } وقال الزين بن المنير: اتفقت أقوال المفسرين على أن اللغو ما لا يحسن من الكلام، وأغرب أبو عبيد الهروي في الغريب فقال: معنى لغى تكلم كذا أطلق والصواب التقييد.

قال الحافظ: أقوال أهل اللغة متقاربة المعنى، واستدل بالحديث على منع جميع أنواع الكلام حال الخطبة، وبه قال الجمهور في حق من يسمعها وكذا الحكم في حق من لا يسمعها عند الأكثر قالوا: وإذا أراد الأمر بالمعروف فليجعله بالإشارة، وأغرب ابن عبد البر فنقل الإجماع على وجوب الإنصات على من سمعها إلا عن قليل من التابعين ولفظه لا خلاف علمته بين فقهاء الأمصار في وجوب الإنصات على من سمعها في الجمعة وأنه غير جائز أن يقول لمن سمعه من الجهال يتكلم والإمام يخطب أنصت ونحوها آخذًا بهذا الحديث.
وروي عن الشعبي وناس قليل أنهم كانوا يتكلمون إلا في حين قراءة الإمام في الخطبة خاصة وفعلهم ذلك مردود عند أهل العلم وأحسن أحوالهم أن يقال إنه لم يبلغهم الحديث اهـ.

وللشافعي في المسألة قولان مشهوران وبناهما بعض الأصحاب على الخلاف في أن الخطبتين بدل عن الركعتين أم لا؟ فعلى الأول يحرم لا على الثاني وهو الأصح عندهم فمن ثم أطلق من أطلق منهم إباحة الكلام حتى شنع عليهم من شنع من المخالفين.

وعن أحمد أيضًا روايتان وعنهما أيضًا التفرقة بين من يسمع الخطبة ومن لا يسمعها، والذي يظهر أن من نفى وجوبه أراد أنه لا يشترط في صحة الجمعة بخلاف غيره اهـ.
وفيه نظر إذ القائلون بوجوب الإنصات لا يجعلونه شرطًا في صحة الجمعة وعلى ما ذكره يكون الخلاف لفظيًا وليس كذلك، وقد قال هو قبل ذلك كما مر في حديث علي مرفوعًا عند أحمد: ومن قال صه فقد تكلم ومن تكلم فلا جمعة له ما نصه قال العلماء: معناه لا جمعة له كاملة للإجماع على إسقاط فرض الوقت عنه اهـ.

ثم قال أعني الحافظ ويدل على الوجوب في حق السامع أن في حديث علي المشار إليه آنفًا: ومن دنا فلم ينصت فإن عليه كفلين من الوزر لأن الوزر لا يترتب على من فعل مباحًا ولو كره تنزيهًا، وأما ما استدل به من أجاز مطلقًا من قصة السائل في الاستسقاء ونحوه فيه نظر لأنه استدلال بالأخص على الأعم، فيمكن أن يخص عموم الأمر بالإنصات بمثل ذلك كأمر عارض في مصلحة عامة، وقد استثنى من الإنصات في الخطبة ما إذا انتهى الخطيب إلى كل ما لم يشرع في الخطبة مثل الدعاء للسلطان مثلاً بل جزم صاحب التهذيب بأنه مكروه.
وقال النووي: محله إذا جازف وإلا فالدعاء لولاة الأمر مطلوب اهـ.
ومحل الترك إذا لم يخف الضرر وإلا فيباح للخطيب إذا خشي على نفسه اهـ.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيِّ) بضم القاف وبالظاء المعجمة حليف الأنصار مختلف في صحبته.
قال ابن معين: له رؤية، وقال ابن سعد: قدم أبو مالك واسمه عبد الله بن سام من اليمن وهو من كندة فتزوج امرأة من قريظة فعرف بهم.
وقال مصعب: كان ثعلبة ممن لم يثبت يوم قريظة فترك كما ترك عطية ونحوه، وله رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره ابن حبان والعجلي في ثقات التابعين، وقال أبو حاتم: هو تابعي وحديثه مرسل، وردّه في الإصابة بأن من يقتل أبوه بقريظة ويكون هو بصدد القتل لولا عدم الإنبات لا يمتنع أن يصح سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم.

( أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) أي في خلافته ( يُصَلُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) النوافل ( حَتَّى يَخْرُجَ عُمَرُ فَإِذَا خَرَجَ عُمَرُ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ قَالَ ثَعْلَبَةُ: جَلَسْنَا نَتَحَدَّثُ) نتكلم بالعلم ونحوه لا بكلام الدنيا.

قال ابن عبد البر: هذا موضع شبه فيه على بعض أصحابنا وأنكر أن يكون الأذان يوم الجمعة بين يدي الإمام كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وأن ذلك حدث في زمن هشام بن عبد الملك وهذا قول من قلّ علمه.

قال ابن السائب بن يزيد: كان النداء يوم الجمعة إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء خرّجه البخاري وسماه ثالثًا باعتبار الإقامة لأنها نداء إلى الصلاة قال: وقد رفع الإشكال فيه ابن إسحاق عن الزهري عن السائب قال: كان يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس على المنبر يوم الجمعة وأبي بكر وعمر، فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء على الزوراء.
قال ابن المسيب: أراد أن يسعى الناس إلى الجمعة فهذا نص في أن الأذان كان بين يدي الإمام وعليه العمل بالأمصار.

( فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ) أي فرغوا من أذانهم ( وَقَامَ عُمَرُ يَخْطُبُ أَنْصَتْنَا فَلَمْ يَتَكَلَّمْ مِنَّا أَحَدٌ) ذكر الإمام هذا تقوية لما فهمه من مفهوم الحديث، وهو أن منع الكلام إنما هو إذا خطب لا بمجرّد خروجه.

( قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَخُرُوجُ الْإِمَامِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ) أي الشروع فيها ( وَكَلَامُهُ يَقْطَعُ الْكَلَامَ) قال ابن عبد البر: هذا يدل على أن الأمر بالإنصات وقطع الصلاة ليس برأي وأنه سنة احتج بها ابن شهاب لأنه خبر عن علم علمه لا عن رأي اجتهده، بل هو سنة وعمل مستفيض في زمن عمر وغيره.

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بالمعجمة سالم بن أبي أمية المدني ثقة ثبت روى عن ابن عمر وابن أبي أوفى والسائب بن يزيد، وكان مالك يصفه بالفضل والعبادة ( مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بن معمر التيمي تيم قريش ( عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ) الأصبحي جدّ الإمام من ثقات التابعين ( أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ قَلَّ مَا يَدَعُ) أي يترك ( ذَلِكَ القول إِذَا خَطَبَ:) والقول هو ( إِذَا قَامَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَاسْتَمِعُوا وَأَنْصِتُوا) وإن لم تسمعوا لنحو صمم أو بعد ( فَإِنَّ لِلْمُنْصِتِ الَّذِي لَا يَسْمَعُ مِنَ الْحَظِّ) النصيب من الأجر ( مِثْلَ مَا لِلْمُنْصِتِ السَّامِعِ) قال الداودي: يعني إذا لم يفرط في التهجير.
قال الباجي: والظاهر أن أجرهما في الإنصات واحد ويتباين أجرهما في التهجير وتلك قربة أخرى غير الإنصات ( فَإِذَا قَامَتِ الصَّلَاةُ فَاعْدِلُوا) سوّوا وأقيموا ( الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بِالْمَنَاكِبِ فَإِنَّ اعْتِدَالَ الصُّفُوفِ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ) قال أبو عمر: هذا أمر مجمع عليه والآثار فيه كثيرة منها قول أنس: أقيمت الصلاة فأقبل علينا النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه قبل أن يكبر فقال: تراصوا وأقيموا صفوفكم إني لأراكم من وراء ظهري وقوله صلى الله عليه وسلم: سووا صفوفكم فإن ذلك من تمام الصلاة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف.
وقال البراء بن عازب: كان صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة مسح صدورنا وقال: رصوا المناكب بالمناكب والأقدام بالأقدام فإن الله يحب في الصلاة ما يحب في القتال كأنهم بنيان مرصوص وتعديل الصفوف من سنة الصلاة.
وليس بشرط في صحتها عند الأئمة الثلاثة.
وقال أحمد وأبو ثور: من صلى خلف الصفوف بطلت صلاته.

( ثُمَّ لَا يُكَبِّرُ) عثمان ( حَتَّى يَأْتِيَهُ رِجَالٌ قَدْ وَكَّلَهُمْ) بخفة الكاف وتشديدها ( بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فَيُخْبِرُونَهُ أَنْ قَدِ اسْتَوَتْ فَيُكَبِّرُ) أراد أن يستوي حالهم فلا يكون الإمام في صلاة والقوم في عمل، وفيه جواز الكلام بين الإقامة والإحرام وأنه العمل بالمدينة.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَأَى رَجُلَيْنِ يَتَحَدَّثَانِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَحَصَبَهُمَا) رماهما بالحصباء ( أَنِ اصْمُتَا) فيه تعليم كيف الإنكار لذلك وأن ذلك لا يفسد عليهما صلاتهما لأنه لم يأمرهما بالإعادة قاله أبو عمر.
قال عيسى بن دينار: ليس العمل على حصبه ولا بأس أن يشير إليهما.
قال الباجي: مقتضى مذهب مالك أن لا يشير إليهما لأن الإشارة بمنزلة قوله اصمتا وذلك لغو.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ) بفتحتين من باب ضرب ونصر ( يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَشَمَّتَهُ إِنْسَانٌ إِلَى جَنْبِهِ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ.

     وَقَالَ : لَا تَعُدْ)
قال ابن عبد البر: إنما قال سعيد ذلك للسائل بعد السلام من الصلاة، وقد منعه كردّ السلام أكثر أهل المدينة ومالك وأبو حنيفة والشافعي في القديم، وقال في الجديد: يشمت ويردّ السلام لأنه فرض وأكره أن يسلم عليه أحد اهـ.

واستدل في الأم بحديث الحسن البصري رفعه مرسلاً: إذا عطس الرجل والإمام يخطب يوم الجمعة فشمته، ولابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي قال: كانوا يردون السلام يوم الجمعة والإمام يخطب ويشمتون العاطس، فهذا عاضد المرسل لأن الشافعي إنما يحتج به إذا اعتضد، لكن قال الحافظ العراقي: مراسيل الحسن عند المحدثين شبه الريح لروايته عن كل أحد.

( مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنِ الْكَلَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا نَزَلَ الْإِمَامُ عَنِ الْمِنْبَرِ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ؟ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أي يجوز لفراغ الخطبة التي أمر بالاستماع إليها، وعليه العمل والفتيا بالمدينة خلاف ما ذهب إليه العراقيون أخذًا من قول بلال للنبي صلى الله عليه وسلم لا تسبقني بآمين، وأخذوا منه أنه كان يكبر قبل فراغ بلال من الإقامة والأمر فيه عندي مباح كله قاله أبو عمر.



رقم الحديث 235 قَالَ مَالِكٌ: مَنْ رَعَفَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَخَرَجَ فَلَمْ يَرْجِعْ، حَتَّى فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاتِهِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي أَرْبَعًا قَالَ مَالِكٌ: فِي الَّذِي يَرْكَعُ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ يَرْعُفُ فَيَخْرُجُ فَيَأْتِي وَقَدْ صَلَّى الْإِمَامُ الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا أَنَّهُ يَبْنِي بِرَكْعَةٍ أُخْرَى مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى مَنْ رَعَفَ، أَوْ أَصَابَهُ أَمْرٌ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْخُرُوجِ، أَنْ يَسْتَأْذِنَ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ.



مَا جَاءَ فِيمَنْ رَعَفَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

( قَالَ مَالِكٌ: مَنْ رَعَفَ) بفتح العين وضمها ( يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَخَرَجَ) لغسل الدم ( فَلَمْ يَرْجِعْ حَتَّى فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي أَرْبَعًا) باتفاق إذ لم يدرك شيئًا ( قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَرْكَعُ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ يَرْعُفُ) بضم العين وفتحها من بابي نصر ومنع ( فَيَخْرُجُ) لغسل الدم ( فَيَأْتِي) أي يرجع ( وَقَدْ صَلَّى الْإِمَامُ الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا أَنَّهُ يَبْنِي بِرَكْعَةٍ أُخْرَى مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ) ولم يطأ نجسًا ولم يستدبر بلا عذر ولم يجاوز أقرب مكان ممكن.

( قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى مَنْ رَعَفَ أَوْ أَصَابَهُ أَمْرٌ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْخُرُوجِ) كالحدث والإمام يخطب ( أَنْ يَسْتَأْذِنَ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ) وبه قال جمهور الفقهاء لأنه يشق على الناس خصوصًا مع كثرتهم وكبر المسجد وما في الدين من حرج وتأوّلوا قوله تعالى: { { وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ } } وعلى السرايا لا تخرج من العسكر إلا بإذن الإمام.
وقال جماعة من التابعين: لا يخرج في الجمعة حتى يستأذن الإمام وتأوّلوا عليه الآية.
وقال ابن سيرين: كانوا يستأذنون الإمام يوم الجمعة وهو يخطب في الحدث والرعاف، فلما كان زمن زياد كثر ذلك فقال زياد: من أخذه مانعه فهو إذن.



رقم الحديث 236 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَشَمَّتَهُ إِنْسَانٌ إِلَى جَنْبِهِ، فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ،.

     وَقَالَ : لَا تَعُدْ.


( مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) بكسر الزاي وخفة النون عبد الله بن ذكوان ( عَنِ الْأَعْرَجِ) عبد الرحمن بن هرمز هكذا رواه يحيى وجماعة من الرواة، ورواه ابن وهب وابن القاسم ومعن وسعد بن عفير في الموطأ عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب والحديث صحيح من الوجهين، وكل من سعيد والأعرج ( عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) عبد الرحمن بن صخر أو عمرو بن عامر.

( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ) الذي تخاطبه إذ ذاك أو جليسك سمي صاحبًا لأنه صاحبه في الخطاب أو لكونه الأغلب ( أَنْصِتْ) اسكت عن الكلام مطلقًا واستمع الخطبة، وقول ابن خزيمة عن مكالمة الناس دون ذكر الله تعقب بأنه يلزم منه جواز القراءة والذكر حال الخطبة وهو خلاف الظاهر ويحتاج إلى دليل، ولا يلزم من جواز التحية عند من قال بها لدليلها الخاص جواز الذكر مطلقًا ( وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ) جملة حالية تفيد أن وجوب الإنصات من الشروع في الخطبة لا من خروج الإمام كما يقوله ابن عباس وابن عمر وأبو حنيفة قاله ابن عبد البر.
( يَوْمَ الْجُمُعَةِ) ظرف لقلت ومفهومه أن غير يوم الجمعة بخلاف ذلك ( فَقَدْ لَغَوْتَ) بالواو، ومثله في رواية الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة في الصحيحين، ولمسلم من رواية سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة فقد لغيت قال أبو الزناد وهي لغة أبي هريرة، وإنما هي فقد لغوت، لكن قال النووي وتبعه الكرماني ظاهر القرآن يقتضيها إذ قال: { { وَالْغَوْا فِيهِ } } وهي من لغى يلغى ولو كان يلغو لقال الغوا بضم الغين اهـ.

قال النضر بن شميل: معنى لغوت خبت من الأجر، وقيل بطلت فضيلة جمعتك، وقيل صارت جمعتك ظهرًا.
قال الحافظ: ويشهد للثالث ما رواه أبو داود وابن خزيمة من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا: ومن لغى وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرًا.
قال ابن وهب أحد رواته: معناه أجزأت عنه الصلاة وحرم فضيلة الجمعة، ولأحمد من حديث علي مرفوعًا: ومن قال صه فقد تكلم ومن تكلم فلا جمعة له، ولأبي داود ونحوه لأحمد والبزار عن ابن عباس مرفوعًا: من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارًا، والذي يقول له أنصت ليست له جمعة وله شاهد قوي في جامع حماد بن سلمة عن ابن عمر مرفوعًا.
قال العلماء: معنى لا جمعة له كاملة للإجماع على إسقاط فرض الوقت عنه.

وحكى ابن التين عن بعض من جوز الكلام في الخطبة أنه تأول قوله فقد لغوت أي أمرت بالإنصات من لا يجب عليه وهو جمود شديد لأن الإنصات لم يختلف في مطلوبيته فكيف يكون من أمر بما طلبه الشرع لاغيًا، بل النهي عن الكلام مأخوذ من الحديث بدلالة الموافقة لأنه إذا جعل قوله أنصت مع كونه أمرًا بمعروف لغوًا فغيره من الكلام أولى أن يسمى لغوًا.
ولأحمد من رواية الأعرج عن أبي هريرة في آخر هذا الحديث بعد قوله فقد لغوت عليك بنفسك اهـ.

وقال الباجي: معناه المنع من الكلام وأكد ذلك بأن من أمر غيره بالصمت حينئذٍ فهو لاغ لأنه قد أتى من الكلام بما ينهى عنه.
كما أن من نهى في الصلاة مصليًا عن الكلام فقد أفسد على نفسه صلاته، وإنما نص على أن الآمر بالصمت لاغ تنبيهًا على أن كل مكلم غيره لاغ واللغو رديء الكلام وما لا خير فيه اهـ.

وقال الأخفش: اللغو الكلام الذي لا أصل له من الباطل وشبهه.
وقال الحسن بن عرفة: السقط من القول، وقيل الميل عن الصواب؛ وقيل الإثم لقوله تعالى: { { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } } وقال الزين بن المنير: اتفقت أقوال المفسرين على أن اللغو ما لا يحسن من الكلام، وأغرب أبو عبيد الهروي في الغريب فقال: معنى لغى تكلم كذا أطلق والصواب التقييد.

قال الحافظ: أقوال أهل اللغة متقاربة المعنى، واستدل بالحديث على منع جميع أنواع الكلام حال الخطبة، وبه قال الجمهور في حق من يسمعها وكذا الحكم في حق من لا يسمعها عند الأكثر قالوا: وإذا أراد الأمر بالمعروف فليجعله بالإشارة، وأغرب ابن عبد البر فنقل الإجماع على وجوب الإنصات على من سمعها إلا عن قليل من التابعين ولفظه لا خلاف علمته بين فقهاء الأمصار في وجوب الإنصات على من سمعها في الجمعة وأنه غير جائز أن يقول لمن سمعه من الجهال يتكلم والإمام يخطب أنصت ونحوها آخذًا بهذا الحديث.
وروي عن الشعبي وناس قليل أنهم كانوا يتكلمون إلا في حين قراءة الإمام في الخطبة خاصة وفعلهم ذلك مردود عند أهل العلم وأحسن أحوالهم أن يقال إنه لم يبلغهم الحديث اهـ.

وللشافعي في المسألة قولان مشهوران وبناهما بعض الأصحاب على الخلاف في أن الخطبتين بدل عن الركعتين أم لا؟ فعلى الأول يحرم لا على الثاني وهو الأصح عندهم فمن ثم أطلق من أطلق منهم إباحة الكلام حتى شنع عليهم من شنع من المخالفين.

وعن أحمد أيضًا روايتان وعنهما أيضًا التفرقة بين من يسمع الخطبة ومن لا يسمعها، والذي يظهر أن من نفى وجوبه أراد أنه لا يشترط في صحة الجمعة بخلاف غيره اهـ.
وفيه نظر إذ القائلون بوجوب الإنصات لا يجعلونه شرطًا في صحة الجمعة وعلى ما ذكره يكون الخلاف لفظيًا وليس كذلك، وقد قال هو قبل ذلك كما مر في حديث علي مرفوعًا عند أحمد: ومن قال صه فقد تكلم ومن تكلم فلا جمعة له ما نصه قال العلماء: معناه لا جمعة له كاملة للإجماع على إسقاط فرض الوقت عنه اهـ.

ثم قال أعني الحافظ ويدل على الوجوب في حق السامع أن في حديث علي المشار إليه آنفًا: ومن دنا فلم ينصت فإن عليه كفلين من الوزر لأن الوزر لا يترتب على من فعل مباحًا ولو كره تنزيهًا، وأما ما استدل به من أجاز مطلقًا من قصة السائل في الاستسقاء ونحوه فيه نظر لأنه استدلال بالأخص على الأعم، فيمكن أن يخص عموم الأمر بالإنصات بمثل ذلك كأمر عارض في مصلحة عامة، وقد استثنى من الإنصات في الخطبة ما إذا انتهى الخطيب إلى كل ما لم يشرع في الخطبة مثل الدعاء للسلطان مثلاً بل جزم صاحب التهذيب بأنه مكروه.
وقال النووي: محله إذا جازف وإلا فالدعاء لولاة الأمر مطلوب اهـ.
ومحل الترك إذا لم يخف الضرر وإلا فيباح للخطيب إذا خشي على نفسه اهـ.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيِّ) بضم القاف وبالظاء المعجمة حليف الأنصار مختلف في صحبته.
قال ابن معين: له رؤية، وقال ابن سعد: قدم أبو مالك واسمه عبد الله بن سام من اليمن وهو من كندة فتزوج امرأة من قريظة فعرف بهم.
وقال مصعب: كان ثعلبة ممن لم يثبت يوم قريظة فترك كما ترك عطية ونحوه، وله رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره ابن حبان والعجلي في ثقات التابعين، وقال أبو حاتم: هو تابعي وحديثه مرسل، وردّه في الإصابة بأن من يقتل أبوه بقريظة ويكون هو بصدد القتل لولا عدم الإنبات لا يمتنع أن يصح سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم.

( أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) أي في خلافته ( يُصَلُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) النوافل ( حَتَّى يَخْرُجَ عُمَرُ فَإِذَا خَرَجَ عُمَرُ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ قَالَ ثَعْلَبَةُ: جَلَسْنَا نَتَحَدَّثُ) نتكلم بالعلم ونحوه لا بكلام الدنيا.

قال ابن عبد البر: هذا موضع شبه فيه على بعض أصحابنا وأنكر أن يكون الأذان يوم الجمعة بين يدي الإمام كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وأن ذلك حدث في زمن هشام بن عبد الملك وهذا قول من قلّ علمه.

قال ابن السائب بن يزيد: كان النداء يوم الجمعة إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء خرّجه البخاري وسماه ثالثًا باعتبار الإقامة لأنها نداء إلى الصلاة قال: وقد رفع الإشكال فيه ابن إسحاق عن الزهري عن السائب قال: كان يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس على المنبر يوم الجمعة وأبي بكر وعمر، فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء على الزوراء.
قال ابن المسيب: أراد أن يسعى الناس إلى الجمعة فهذا نص في أن الأذان كان بين يدي الإمام وعليه العمل بالأمصار.

( فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ) أي فرغوا من أذانهم ( وَقَامَ عُمَرُ يَخْطُبُ أَنْصَتْنَا فَلَمْ يَتَكَلَّمْ مِنَّا أَحَدٌ) ذكر الإمام هذا تقوية لما فهمه من مفهوم الحديث، وهو أن منع الكلام إنما هو إذا خطب لا بمجرّد خروجه.

( قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَخُرُوجُ الْإِمَامِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ) أي الشروع فيها ( وَكَلَامُهُ يَقْطَعُ الْكَلَامَ) قال ابن عبد البر: هذا يدل على أن الأمر بالإنصات وقطع الصلاة ليس برأي وأنه سنة احتج بها ابن شهاب لأنه خبر عن علم علمه لا عن رأي اجتهده، بل هو سنة وعمل مستفيض في زمن عمر وغيره.

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بالمعجمة سالم بن أبي أمية المدني ثقة ثبت روى عن ابن عمر وابن أبي أوفى والسائب بن يزيد، وكان مالك يصفه بالفضل والعبادة ( مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بن معمر التيمي تيم قريش ( عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ) الأصبحي جدّ الإمام من ثقات التابعين ( أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ قَلَّ مَا يَدَعُ) أي يترك ( ذَلِكَ القول إِذَا خَطَبَ:) والقول هو ( إِذَا قَامَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَاسْتَمِعُوا وَأَنْصِتُوا) وإن لم تسمعوا لنحو صمم أو بعد ( فَإِنَّ لِلْمُنْصِتِ الَّذِي لَا يَسْمَعُ مِنَ الْحَظِّ) النصيب من الأجر ( مِثْلَ مَا لِلْمُنْصِتِ السَّامِعِ) قال الداودي: يعني إذا لم يفرط في التهجير.
قال الباجي: والظاهر أن أجرهما في الإنصات واحد ويتباين أجرهما في التهجير وتلك قربة أخرى غير الإنصات ( فَإِذَا قَامَتِ الصَّلَاةُ فَاعْدِلُوا) سوّوا وأقيموا ( الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بِالْمَنَاكِبِ فَإِنَّ اعْتِدَالَ الصُّفُوفِ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ) قال أبو عمر: هذا أمر مجمع عليه والآثار فيه كثيرة منها قول أنس: أقيمت الصلاة فأقبل علينا النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه قبل أن يكبر فقال: تراصوا وأقيموا صفوفكم إني لأراكم من وراء ظهري وقوله صلى الله عليه وسلم: سووا صفوفكم فإن ذلك من تمام الصلاة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف.
وقال البراء بن عازب: كان صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة مسح صدورنا وقال: رصوا المناكب بالمناكب والأقدام بالأقدام فإن الله يحب في الصلاة ما يحب في القتال كأنهم بنيان مرصوص وتعديل الصفوف من سنة الصلاة.
وليس بشرط في صحتها عند الأئمة الثلاثة.
وقال أحمد وأبو ثور: من صلى خلف الصفوف بطلت صلاته.

( ثُمَّ لَا يُكَبِّرُ) عثمان ( حَتَّى يَأْتِيَهُ رِجَالٌ قَدْ وَكَّلَهُمْ) بخفة الكاف وتشديدها ( بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فَيُخْبِرُونَهُ أَنْ قَدِ اسْتَوَتْ فَيُكَبِّرُ) أراد أن يستوي حالهم فلا يكون الإمام في صلاة والقوم في عمل، وفيه جواز الكلام بين الإقامة والإحرام وأنه العمل بالمدينة.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَأَى رَجُلَيْنِ يَتَحَدَّثَانِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَحَصَبَهُمَا) رماهما بالحصباء ( أَنِ اصْمُتَا) فيه تعليم كيف الإنكار لذلك وأن ذلك لا يفسد عليهما صلاتهما لأنه لم يأمرهما بالإعادة قاله أبو عمر.
قال عيسى بن دينار: ليس العمل على حصبه ولا بأس أن يشير إليهما.
قال الباجي: مقتضى مذهب مالك أن لا يشير إليهما لأن الإشارة بمنزلة قوله اصمتا وذلك لغو.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ) بفتحتين من باب ضرب ونصر ( يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَشَمَّتَهُ إِنْسَانٌ إِلَى جَنْبِهِ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ.

     وَقَالَ : لَا تَعُدْ)
قال ابن عبد البر: إنما قال سعيد ذلك للسائل بعد السلام من الصلاة، وقد منعه كردّ السلام أكثر أهل المدينة ومالك وأبو حنيفة والشافعي في القديم، وقال في الجديد: يشمت ويردّ السلام لأنه فرض وأكره أن يسلم عليه أحد اهـ.

واستدل في الأم بحديث الحسن البصري رفعه مرسلاً: إذا عطس الرجل والإمام يخطب يوم الجمعة فشمته، ولابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي قال: كانوا يردون السلام يوم الجمعة والإمام يخطب ويشمتون العاطس، فهذا عاضد المرسل لأن الشافعي إنما يحتج به إذا اعتضد، لكن قال الحافظ العراقي: مراسيل الحسن عند المحدثين شبه الريح لروايته عن كل أحد.

( مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنِ الْكَلَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا نَزَلَ الْإِمَامُ عَنِ الْمِنْبَرِ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ؟ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أي يجوز لفراغ الخطبة التي أمر بالاستماع إليها، وعليه العمل والفتيا بالمدينة خلاف ما ذهب إليه العراقيون أخذًا من قول بلال للنبي صلى الله عليه وسلم لا تسبقني بآمين، وأخذوا منه أنه كان يكبر قبل فراغ بلال من الإقامة والأمر فيه عندي مباح كله قاله أبو عمر.



رقم الحديث 237 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنِ الْكَلَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِذَا نَزَلَ الْإِمَامُ عَنِ الْمِنْبَرِ، قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ.
فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ.


( مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) بكسر الزاي وخفة النون عبد الله بن ذكوان ( عَنِ الْأَعْرَجِ) عبد الرحمن بن هرمز هكذا رواه يحيى وجماعة من الرواة، ورواه ابن وهب وابن القاسم ومعن وسعد بن عفير في الموطأ عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب والحديث صحيح من الوجهين، وكل من سعيد والأعرج ( عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) عبد الرحمن بن صخر أو عمرو بن عامر.

( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ) الذي تخاطبه إذ ذاك أو جليسك سمي صاحبًا لأنه صاحبه في الخطاب أو لكونه الأغلب ( أَنْصِتْ) اسكت عن الكلام مطلقًا واستمع الخطبة، وقول ابن خزيمة عن مكالمة الناس دون ذكر الله تعقب بأنه يلزم منه جواز القراءة والذكر حال الخطبة وهو خلاف الظاهر ويحتاج إلى دليل، ولا يلزم من جواز التحية عند من قال بها لدليلها الخاص جواز الذكر مطلقًا ( وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ) جملة حالية تفيد أن وجوب الإنصات من الشروع في الخطبة لا من خروج الإمام كما يقوله ابن عباس وابن عمر وأبو حنيفة قاله ابن عبد البر.
( يَوْمَ الْجُمُعَةِ) ظرف لقلت ومفهومه أن غير يوم الجمعة بخلاف ذلك ( فَقَدْ لَغَوْتَ) بالواو، ومثله في رواية الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة في الصحيحين، ولمسلم من رواية سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة فقد لغيت قال أبو الزناد وهي لغة أبي هريرة، وإنما هي فقد لغوت، لكن قال النووي وتبعه الكرماني ظاهر القرآن يقتضيها إذ قال: { { وَالْغَوْا فِيهِ } } وهي من لغى يلغى ولو كان يلغو لقال الغوا بضم الغين اهـ.

قال النضر بن شميل: معنى لغوت خبت من الأجر، وقيل بطلت فضيلة جمعتك، وقيل صارت جمعتك ظهرًا.
قال الحافظ: ويشهد للثالث ما رواه أبو داود وابن خزيمة من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا: ومن لغى وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرًا.
قال ابن وهب أحد رواته: معناه أجزأت عنه الصلاة وحرم فضيلة الجمعة، ولأحمد من حديث علي مرفوعًا: ومن قال صه فقد تكلم ومن تكلم فلا جمعة له، ولأبي داود ونحوه لأحمد والبزار عن ابن عباس مرفوعًا: من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارًا، والذي يقول له أنصت ليست له جمعة وله شاهد قوي في جامع حماد بن سلمة عن ابن عمر مرفوعًا.
قال العلماء: معنى لا جمعة له كاملة للإجماع على إسقاط فرض الوقت عنه.

وحكى ابن التين عن بعض من جوز الكلام في الخطبة أنه تأول قوله فقد لغوت أي أمرت بالإنصات من لا يجب عليه وهو جمود شديد لأن الإنصات لم يختلف في مطلوبيته فكيف يكون من أمر بما طلبه الشرع لاغيًا، بل النهي عن الكلام مأخوذ من الحديث بدلالة الموافقة لأنه إذا جعل قوله أنصت مع كونه أمرًا بمعروف لغوًا فغيره من الكلام أولى أن يسمى لغوًا.
ولأحمد من رواية الأعرج عن أبي هريرة في آخر هذا الحديث بعد قوله فقد لغوت عليك بنفسك اهـ.

وقال الباجي: معناه المنع من الكلام وأكد ذلك بأن من أمر غيره بالصمت حينئذٍ فهو لاغ لأنه قد أتى من الكلام بما ينهى عنه.
كما أن من نهى في الصلاة مصليًا عن الكلام فقد أفسد على نفسه صلاته، وإنما نص على أن الآمر بالصمت لاغ تنبيهًا على أن كل مكلم غيره لاغ واللغو رديء الكلام وما لا خير فيه اهـ.

وقال الأخفش: اللغو الكلام الذي لا أصل له من الباطل وشبهه.
وقال الحسن بن عرفة: السقط من القول، وقيل الميل عن الصواب؛ وقيل الإثم لقوله تعالى: { { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } } وقال الزين بن المنير: اتفقت أقوال المفسرين على أن اللغو ما لا يحسن من الكلام، وأغرب أبو عبيد الهروي في الغريب فقال: معنى لغى تكلم كذا أطلق والصواب التقييد.

قال الحافظ: أقوال أهل اللغة متقاربة المعنى، واستدل بالحديث على منع جميع أنواع الكلام حال الخطبة، وبه قال الجمهور في حق من يسمعها وكذا الحكم في حق من لا يسمعها عند الأكثر قالوا: وإذا أراد الأمر بالمعروف فليجعله بالإشارة، وأغرب ابن عبد البر فنقل الإجماع على وجوب الإنصات على من سمعها إلا عن قليل من التابعين ولفظه لا خلاف علمته بين فقهاء الأمصار في وجوب الإنصات على من سمعها في الجمعة وأنه غير جائز أن يقول لمن سمعه من الجهال يتكلم والإمام يخطب أنصت ونحوها آخذًا بهذا الحديث.
وروي عن الشعبي وناس قليل أنهم كانوا يتكلمون إلا في حين قراءة الإمام في الخطبة خاصة وفعلهم ذلك مردود عند أهل العلم وأحسن أحوالهم أن يقال إنه لم يبلغهم الحديث اهـ.

وللشافعي في المسألة قولان مشهوران وبناهما بعض الأصحاب على الخلاف في أن الخطبتين بدل عن الركعتين أم لا؟ فعلى الأول يحرم لا على الثاني وهو الأصح عندهم فمن ثم أطلق من أطلق منهم إباحة الكلام حتى شنع عليهم من شنع من المخالفين.

وعن أحمد أيضًا روايتان وعنهما أيضًا التفرقة بين من يسمع الخطبة ومن لا يسمعها، والذي يظهر أن من نفى وجوبه أراد أنه لا يشترط في صحة الجمعة بخلاف غيره اهـ.
وفيه نظر إذ القائلون بوجوب الإنصات لا يجعلونه شرطًا في صحة الجمعة وعلى ما ذكره يكون الخلاف لفظيًا وليس كذلك، وقد قال هو قبل ذلك كما مر في حديث علي مرفوعًا عند أحمد: ومن قال صه فقد تكلم ومن تكلم فلا جمعة له ما نصه قال العلماء: معناه لا جمعة له كاملة للإجماع على إسقاط فرض الوقت عنه اهـ.

ثم قال أعني الحافظ ويدل على الوجوب في حق السامع أن في حديث علي المشار إليه آنفًا: ومن دنا فلم ينصت فإن عليه كفلين من الوزر لأن الوزر لا يترتب على من فعل مباحًا ولو كره تنزيهًا، وأما ما استدل به من أجاز مطلقًا من قصة السائل في الاستسقاء ونحوه فيه نظر لأنه استدلال بالأخص على الأعم، فيمكن أن يخص عموم الأمر بالإنصات بمثل ذلك كأمر عارض في مصلحة عامة، وقد استثنى من الإنصات في الخطبة ما إذا انتهى الخطيب إلى كل ما لم يشرع في الخطبة مثل الدعاء للسلطان مثلاً بل جزم صاحب التهذيب بأنه مكروه.
وقال النووي: محله إذا جازف وإلا فالدعاء لولاة الأمر مطلوب اهـ.
ومحل الترك إذا لم يخف الضرر وإلا فيباح للخطيب إذا خشي على نفسه اهـ.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيِّ) بضم القاف وبالظاء المعجمة حليف الأنصار مختلف في صحبته.
قال ابن معين: له رؤية، وقال ابن سعد: قدم أبو مالك واسمه عبد الله بن سام من اليمن وهو من كندة فتزوج امرأة من قريظة فعرف بهم.
وقال مصعب: كان ثعلبة ممن لم يثبت يوم قريظة فترك كما ترك عطية ونحوه، وله رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره ابن حبان والعجلي في ثقات التابعين، وقال أبو حاتم: هو تابعي وحديثه مرسل، وردّه في الإصابة بأن من يقتل أبوه بقريظة ويكون هو بصدد القتل لولا عدم الإنبات لا يمتنع أن يصح سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم.

( أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) أي في خلافته ( يُصَلُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) النوافل ( حَتَّى يَخْرُجَ عُمَرُ فَإِذَا خَرَجَ عُمَرُ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ قَالَ ثَعْلَبَةُ: جَلَسْنَا نَتَحَدَّثُ) نتكلم بالعلم ونحوه لا بكلام الدنيا.

قال ابن عبد البر: هذا موضع شبه فيه على بعض أصحابنا وأنكر أن يكون الأذان يوم الجمعة بين يدي الإمام كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وأن ذلك حدث في زمن هشام بن عبد الملك وهذا قول من قلّ علمه.

قال ابن السائب بن يزيد: كان النداء يوم الجمعة إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء خرّجه البخاري وسماه ثالثًا باعتبار الإقامة لأنها نداء إلى الصلاة قال: وقد رفع الإشكال فيه ابن إسحاق عن الزهري عن السائب قال: كان يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس على المنبر يوم الجمعة وأبي بكر وعمر، فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء على الزوراء.
قال ابن المسيب: أراد أن يسعى الناس إلى الجمعة فهذا نص في أن الأذان كان بين يدي الإمام وعليه العمل بالأمصار.

( فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ) أي فرغوا من أذانهم ( وَقَامَ عُمَرُ يَخْطُبُ أَنْصَتْنَا فَلَمْ يَتَكَلَّمْ مِنَّا أَحَدٌ) ذكر الإمام هذا تقوية لما فهمه من مفهوم الحديث، وهو أن منع الكلام إنما هو إذا خطب لا بمجرّد خروجه.

( قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَخُرُوجُ الْإِمَامِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ) أي الشروع فيها ( وَكَلَامُهُ يَقْطَعُ الْكَلَامَ) قال ابن عبد البر: هذا يدل على أن الأمر بالإنصات وقطع الصلاة ليس برأي وأنه سنة احتج بها ابن شهاب لأنه خبر عن علم علمه لا عن رأي اجتهده، بل هو سنة وعمل مستفيض في زمن عمر وغيره.

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بالمعجمة سالم بن أبي أمية المدني ثقة ثبت روى عن ابن عمر وابن أبي أوفى والسائب بن يزيد، وكان مالك يصفه بالفضل والعبادة ( مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بن معمر التيمي تيم قريش ( عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ) الأصبحي جدّ الإمام من ثقات التابعين ( أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ قَلَّ مَا يَدَعُ) أي يترك ( ذَلِكَ القول إِذَا خَطَبَ:) والقول هو ( إِذَا قَامَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَاسْتَمِعُوا وَأَنْصِتُوا) وإن لم تسمعوا لنحو صمم أو بعد ( فَإِنَّ لِلْمُنْصِتِ الَّذِي لَا يَسْمَعُ مِنَ الْحَظِّ) النصيب من الأجر ( مِثْلَ مَا لِلْمُنْصِتِ السَّامِعِ) قال الداودي: يعني إذا لم يفرط في التهجير.
قال الباجي: والظاهر أن أجرهما في الإنصات واحد ويتباين أجرهما في التهجير وتلك قربة أخرى غير الإنصات ( فَإِذَا قَامَتِ الصَّلَاةُ فَاعْدِلُوا) سوّوا وأقيموا ( الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بِالْمَنَاكِبِ فَإِنَّ اعْتِدَالَ الصُّفُوفِ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ) قال أبو عمر: هذا أمر مجمع عليه والآثار فيه كثيرة منها قول أنس: أقيمت الصلاة فأقبل علينا النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه قبل أن يكبر فقال: تراصوا وأقيموا صفوفكم إني لأراكم من وراء ظهري وقوله صلى الله عليه وسلم: سووا صفوفكم فإن ذلك من تمام الصلاة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف.
وقال البراء بن عازب: كان صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة مسح صدورنا وقال: رصوا المناكب بالمناكب والأقدام بالأقدام فإن الله يحب في الصلاة ما يحب في القتال كأنهم بنيان مرصوص وتعديل الصفوف من سنة الصلاة.
وليس بشرط في صحتها عند الأئمة الثلاثة.
وقال أحمد وأبو ثور: من صلى خلف الصفوف بطلت صلاته.

( ثُمَّ لَا يُكَبِّرُ) عثمان ( حَتَّى يَأْتِيَهُ رِجَالٌ قَدْ وَكَّلَهُمْ) بخفة الكاف وتشديدها ( بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فَيُخْبِرُونَهُ أَنْ قَدِ اسْتَوَتْ فَيُكَبِّرُ) أراد أن يستوي حالهم فلا يكون الإمام في صلاة والقوم في عمل، وفيه جواز الكلام بين الإقامة والإحرام وأنه العمل بالمدينة.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَأَى رَجُلَيْنِ يَتَحَدَّثَانِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَحَصَبَهُمَا) رماهما بالحصباء ( أَنِ اصْمُتَا) فيه تعليم كيف الإنكار لذلك وأن ذلك لا يفسد عليهما صلاتهما لأنه لم يأمرهما بالإعادة قاله أبو عمر.
قال عيسى بن دينار: ليس العمل على حصبه ولا بأس أن يشير إليهما.
قال الباجي: مقتضى مذهب مالك أن لا يشير إليهما لأن الإشارة بمنزلة قوله اصمتا وذلك لغو.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ) بفتحتين من باب ضرب ونصر ( يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَشَمَّتَهُ إِنْسَانٌ إِلَى جَنْبِهِ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ.

     وَقَالَ : لَا تَعُدْ)
قال ابن عبد البر: إنما قال سعيد ذلك للسائل بعد السلام من الصلاة، وقد منعه كردّ السلام أكثر أهل المدينة ومالك وأبو حنيفة والشافعي في القديم، وقال في الجديد: يشمت ويردّ السلام لأنه فرض وأكره أن يسلم عليه أحد اهـ.

واستدل في الأم بحديث الحسن البصري رفعه مرسلاً: إذا عطس الرجل والإمام يخطب يوم الجمعة فشمته، ولابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي قال: كانوا يردون السلام يوم الجمعة والإمام يخطب ويشمتون العاطس، فهذا عاضد المرسل لأن الشافعي إنما يحتج به إذا اعتضد، لكن قال الحافظ العراقي: مراسيل الحسن عند المحدثين شبه الريح لروايته عن كل أحد.

( مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنِ الْكَلَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا نَزَلَ الْإِمَامُ عَنِ الْمِنْبَرِ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ؟ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أي يجوز لفراغ الخطبة التي أمر بالاستماع إليها، وعليه العمل والفتيا بالمدينة خلاف ما ذهب إليه العراقيون أخذًا من قول بلال للنبي صلى الله عليه وسلم لا تسبقني بآمين، وأخذوا منه أنه كان يكبر قبل فراغ بلال من الإقامة والأمر فيه عندي مباح كله قاله أبو عمر.



رقم الحديث 237 قَالَ مَالِكٌ: إِذَا نَزَلَ الْإِمَامُ بِقَرْيَةٍ تَجِبُ فِيهَا الْجُمُعَةُ، وَالْإِمَامُ مُسَافِرٌ.
فَخَطَبَ وَجَمَّعَ بِهِمْ، فَإِنَّ أَهْلَ تِلْكَ الْقَرْيَةِ وَغَيْرَهُمْ يُجَمِّعُونَ مَعَهُ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ جَمَّعَ الْإِمَامُ وَهُوَ مُسَافِرٌ، بِقَرْيَةٍ لَا تَجِبُ فِيهَا الْجُمُعَةُ، فَلَا جُمُعَةَ لَهُ وَلَا لِأَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ، وَلَا لِمَنْ جَمَّعَ مَعَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلْيُتَمِّمْ أَهْلُ تِلْكَ الْقَرْيَةِ وَغَيْرُهُمْ، مِمَّنْ لَيْسَ بِمُسَافِرٍ، الصَّلَاةَ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا جُمُعَةَ عَلَى مُسَافِرٍ.