فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي السُّنَّةِ فِي الْفِطْرَةِ

رقم الحديث 1672 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَالْاخْتِتَانُ.


( مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه) كيسان ( عن أبي هريرة قال) موقوفًا لجميع رواة الموطأ قال ابن عبد البر وهو الصحيح عن مالك ورواه بشر بن عمر عن مالك بهذا السند ورفعه أخرجه ابن الجارود وقاسم بن أصبغ وكذا رفعه حميد بن أبي الجهم العدوي عن مالك بإسناده أخرجه ابن عبد البر وهو في الصحيحين من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ( قال خمس) صفة موصوف محذوف أي خصال خمس ثم فسرها أو على الإضافة أي خمس خصال أو الجملة خبر مبتدأ محذوف أي الذي شرع لكم خمس ( من الفطرة) بكسر فسكون ( تقليم الأظفار) تفعيل من القلم وهو القطع قال الجوهري قلمت ظفري بالتخفيف وقلمت أظفاري بالتشديد للتكثير والمبالغة أي إزالة ما طال منها عن اللحم بمقص أو سكين لا غيرهما من الآلة ويكره بالأسنان والمعنى فيه أن الوسخ يجتمع تحته فيستقذر وقد ينتهي إلى حد يمنع من وصول الماء إلى ما يجب غسله في الطهارة ويستحب كيفما احتاج إليه قال الحافظ ولم يثبت في استحباب قص الظفر يوم الخميس حديث وكذا لم يثبت في كيفيته شيء ولا في تعيين يوم له عن النبي صلى الله عليه وسلم وأخرج البيهقي من مرسل أبي جعفر الباقر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب أن يأخذ من أظفاره وشاربه يوم الجمعة وله شاهد موصول عن أبي هريرة لكن سنده ضعيف قال كان صلى الله عليه وسلم يقلم أظفاره ويقص شاربه يوم الجمعة قبل أن يروح إلى الصلاة أخرجه البيهقي وقال عقبة قال أحمد في هذا الإسناد من يجهل انتهى وإلى هذا ذهب المالكية والشافعية حيث يذكرون استحباب تحسين الهيئة يوم الجمعة كقلم ظفر وقص شارب إن احتاج إلى ذلك لهذه الأحاديث وإن كانت ضعيفة فبعضها يقوي بعضًا قال السيوطي وبالجملة فأرجحها دليلاً ونقلاً يوم الجمعة والأخبار الواردة فيه ليست بواهية جدًا بل فيها متمسك خصوصًا الأول وقد اعتضد بشواهد مع أن الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال وللطبراني عن علي رفعه قص الظفر ونتف الإبط وحلق العانة يوم الخميس والغسل والطيب واللباس يوم الجمعة وللديلمي عن أبي هريرة مرفوعًا من أراد أن يأمن الفقر وشكاية العمى والبرص والجنون فليقلم أظفاره يوم الخميس بعد العصر وليبدأ بخنصره اليسرى والخبران واهيان وفي مسلسلات الحافظ جعفر المستغفري بإسناد مجهول عن علي رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقلم أظفاره يوم الخميس وما يعزى لعلي

ابدأ بيمناك وبالخنصر
في قص أظفارك واستبصر

وثن بالوسطى وثلث كما
قد قيل بالإبهام والبنصر

واختتم الكف بسبابة
في اليد والرجل ولا تمتر

وفي اليد اليسرى بإبهامها
والأصبع الوسطى وبالخنصر

وبعد سبابتها بنصر
فإنها خاتمة الأيسر

فباطل عنه وكذا ما يعزى للحافظ ابن حجر قال السخاوي ونصه وحاشاه من ذلك

في قص ظفرك يوم السبت آكلة
تبدو وفيما يليه تذهب البركه

وعالم فاضل يبدو بتلوهما
وإن يكن في الثلاثا فاحذر الهلكه

ويورث السوء في الأخلاق وابعها
وفي الخميس الغنى يأتي لمن سلكه

والعمر والرزق زيدًا في عروبتها
عن النبي روينا فاقتفوا نسكه

وقال السيوطي هذا مفترى عليه بل في مسند الفردوس بسند واه عن أبي هريرة مرفوعًا من قلم أظفاره يوم السبت خرج منه الداء ودخل فيه الشفاء ويوم الأحد خرج منه الفاقة ودخل فيه الغنى ويوم الإثنين خرج منه الجنون ودخلت فيه الصحة ويوم الثلاثاء خرج منه المرض ودخل فيه الشفاء ويوم الأربعاء خرج منه الوسواس والخوف ودخل فيه الأمن والشفاء ويوم الخميس خرج منه الجذام ودخلت فيه العافية ويوم الجمعة دخلت فيه الرحمة وخرجت منه الذنوب قال وآثار البطلان لائحة عليه انتهى ( وقص الشارب) وهو الشعر النابت على الشفة وهو عند النسائي بلفظ حلق لكن أكثر الأحاديث بلفظ قص الشارب وقد رواه النسائي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ تقصير الشارب ( ونتف الإبط) بكسر الهمزة وسكون الموحدة يبدأ باليمنى استحبابًا ويتأدى أصله بالحلق لا سيما من يؤلمه النتف قال ابن دقيق العيد من نظر إلى اللفظ وقف مع النتف ومن نظر إلى المعنى أزاله بكل مزيل لكن يتعين أن النتف مقصود من جهة المعنى لأنه محل الرائحة الكريهة الناشئة من الوسخ المجسم للعرق فيه فيتلبد ويهيج فشرع النتف الذي يضعفه فتخف الرائحة به بخلاف الحلق فإنه يقوي الشعر ويهيجه فتكثر الرائحة بذلك انتهى وقد جاء عن جماعة من الصحابة بياض إبطيه صلى الله عليه وسلم فقال الطبري من خصائصه أن الإبط من جميع الناس متغير اللون إلا هو عليه الصلاة والسلام ومثله للقرطبي وزاد وأنه لا شعر عليه ونازعه الولي العراقي وقال لم يثبت ذلك بوجه والخصائص لا تثبت بالاحتمال ولا يلزم من ذكر أنس وغيره بياض إبطيه أن لا يكون له شعر فإن الشعر إذا نتف بقي المكان أبيض وإن بقي فيه آثار الشعر وقال عبد الله بن أقرم وقد صلى معه صلى الله عليه وسلم كنت أنظر إلى عفرة إبطيه حسنه الترمذي والعفرة بياض ليس بالناصع كما قاله الهروي وغيره وهذا يدل على أن آثار الشعر هو الذي جعل المكان أعفر وإلا فلو كان خاليًا عن نبات الشعر جملة لم يكن أعفر نعم الذي نعتقده أنه لم يكن لإبطيه رائحة كريهة انتهى وقد تمنع دلالته على ما قال بأن شأن المغابن أنها أقل بياضًا من باقي الجسد قال الحافظ واختلف في المراد ببياض إبطيه فقيل لم يكن تحتهما شعر فكانا كلون جسده ثم قيل لم يكن تحتهما شعر البتة وقيل كأن لدوام تعاهده له لا يبقى فيه شعر وعند مسلم في حديث حتى رأينا عفرة إبطيه ولا تنافي بينهما لأن الأعفر ما بياضه ليس بالناصع وهذا شأن المغابن تكون لونها في البياض دون لون بقية الجسد ( وحلق العانة) بالموسى وفي معناه الإزالة بالنتف والنورة لكن بالموسى أولى بالرجل لتقوية المحل بخلاف المرأة فالأولى لها النتف واستشكله الفاكهاني بأن فيه ضررًا على الزوج باسترخاء المحل باتفاق الأطباء انتهى ويؤيده حديث حتى تستحد المغيبة ولابن العربي تفصيل جيد فقال إن كانت شابة فالنتف أولى في حقها لأنه يربو مكان النتف وإن كانت كهلة فالأولى الحلق لأن النتف يرخي المحل ولو قيل في حقها بالتنوير مطلقًا لما بعد وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتنور وكان إذا كثر شعره حلقه وإسناده ضعيف روى ابن ماجه والبيهقي عن أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا طلى بدأ بعانته فطلاها بالنورة وسائر جسده أهله رجاله ثقات لكن أعل بالانقطاع وأنكر أحمد صحته وروى الخرائطي عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينوره الرجل فإذا بلغ مراقه تولى هو ذلك قال ابن القيم ورد في النورة أحاديث هذا أمثلها قال السيوطي هو مثبت وأجود إسنادًا من حديث النفي فيقدم عليه واستعمالها مباح لا مكروه ( والاختتان) وهو قطع القلفة التي تغطي الحشفة من الرجل وقطع بعض الجلدة التي بأعلى الفرج من المرأة كالنواة أو كعرف الديك ويسمى ختان الرجل إعذارًا وختان المرأة خفضًا بمعجمتين هذا وفي مسلم عن عائشة مرفوعًا عشر من الفطرة فذكر ما هنا إلا الختان وزاد إعفاء اللحية والسواك والمضمضة والاستنشاق وغسل البراجم والاستنجاء ولأحمد وأبي داود وابن ماجه عن عمار بن ياسر رفعه زيادة الانتضاح ولابن أبي حاتم عن ابن عباس غسل يوم الجمعة ولأبي عوانة زيادة الاستنثار ولعبد الرزاق والطبري من طريقه بسند صحيح عن ابن عباس في قوله تعالى { { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن } } ذكر مفرق الرأس فالحصر في رواية الفطرة خمس ليس بمراد ( مالك عن يحيى بن سعيد) بن قيس بن عمرو الأنصاري ( عن سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي وصله ابن عدي والبيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه قال كان إبراهيم أول الناس ضيف الضيف) يطلق على الواحد وغيره ( وأول الناس اختتن) بهمزة وصل روى الشيخان عن أبي هريرة قال قال صلى الله عليه وسلم اختتن إبراهيم النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم بخفة الدال اسم آلة النجار يعني الفأس كما رواه ابن عساكر وروي بشدها وأنكره يعقوب بن شبة وقيل المراد المكان الذي وقع فيه الختان وهو أيضًا بالتخفيف والتشديد قرية بالشام والأكثر على أنه بالتخفيف وإرادة الآلة كما قاله يحيى بن سعيد أحد رواته وأنكر النضر بن شميل الموضع ورجحه البيهقي والقرطبي والزركشي والحافظ مستدلاً بحديث أبي يعلى أمر إبراهيم بالختان فاختتن بقدوم فاشتد عليه فأوحى الله إليه عجلت قبل أن نأمرك بآلته قال يا رب كرهت أن أؤخر أمرك وجمع بأنه اختتن بالآلة وفي الموضع وللبخاري في الأدب المفرد وابن حبان عن أبي هريرة مرفوعًا وابن السماك وابن حبان أيضًا عنه مرفوعًا وهو ابن مائة وعشرين وزادوا وعاش بعد ذلك ثمانين سنة وأعل بأن عمره مائة وعشرون ورد بأن مثله عند ابن أبي شيبة وابن سعد والحاكم والبيهقي وصححاه وأبي الشيخ في العقيقة من وجه آخر وزادوا أيضًا وعاش بعد ذلك ثمانين فعلى هذا عاش مائتين وجمع بأن الأول حسب من منذ نبوته والثاني حسب من مولده وبأن المراد وهو ابن ثمانين من وقت فراق قومه وهجرته من العراق إلى الشام وقوله وهو ابن مائة وعشرين أي من مولده وبأن بعض الرواة رأى مائة وعشرين فظنها إلا عشرين أو عكسه والأولان أولى لأنه توهيم للرواة بلا داعية وقد أمكن الجمع بدون توهيمهم وفي التمهيد تواتر عن جمع من العلماء أن إبراهيم ختن إسماعيل لثلاث عشرة سنة وإسحاق لسبعة أيام وكره جمع الختان يوم السابع قال ابن وهب قلت لمالك أترى أن تختن الصبي يوم السابع فقال لا أرى ذلك إنما ذلك من عمل اليهود ولم يكن من عمل الناس إلا حديثًا قلت فما حد ختانه قال إذا أدب على الصلاة قلت عشر سنين أو أدنى من ذلك قال نعم ( وأول الناس قص شاربه وأول الناس رأى الشيب فقال يا رب ما هذا فقال الله تبارك وتعالى) هذا ( وقار) حلم ورزانة ( يا إبراهيم فقال رب زدني وقارًا) فالشيب ممدوح وفي أبي داود عن ابن عمر مرفوعًا لا تنتفوا الشيب فإنه نور الإسلام ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كانت له نورًا يوم القيامة وللترمذي والنسائي عن كعب بن عجرة رفعه من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة زاد الحاكم في الكنى ما لم يغيرها وللبيهقي عنه مرفوعًا الشيب نور المؤمن لا يشيب رجل شيبة في الإسلام إلا كانت له بكل شيبة حسنة ورفع بها درجة وللديلمي عن أنس مرفوعًا الشيب نور من خلع الشيب فقد خلع نور الإسلام وللديلمي عنه رفعه أيما رجل نتف شعرة بيضاء متعمدًا صارت رمحًا يوم القيامة يطعن به وأما حديث مسلم عن أنس أنه سئل عن شيب النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما شانه الله ببيضاء فقال الحافظ إنه محمول على أن تلك الشعرات البيض لم يتغير بها شيء من حسنه صلى الله عليه وسلم انتهى وهذا أحسن من تعجب ابن الأثير من جعل أنس الشيب عيبًا وتعسفه الجمع بأنه عليه الصلاة والسلام لما رأى أبا قحافة ورأسه كالثغامة أمرهم بتغييره وكرهه فلما علم أنس ذلك من عادته قال ما شانه الله ببيضاء بناء على هذا القول وحملاً له على هذا الرأي يعني كراهة الشيب ولم يسمع الحديث الآخر ولعل أحدهما ناسخ للآخر فإن في نفيه نظرًا إذ أنس قد روى بعض أحاديث مدحه كما رأيت وكذا في ترجيه لأن النسخ إنما يكون بمعرفة التاريخ قال السيوطي زاد ابن أبي شيبة عن سعيد وأول من قص أظفاره وأول من استحد وزاد وكيع عن أبي هريرة وأول من تسرول وأول من فرق وللديلمي عن أنس مرفوعًا أنه أول من خضب بالحناء والكتم ولابن أبي شيبة عن سعد بن إبراهيم عن أبيه أنه أول من خطب على المنبر ولابن عساكر عن جابر أنه أول من قاتل في سبيل الله وله عن حسان بن عطية أنه أول من رتب العسكر في الحرب ميمنة وميسرة وقلبًا ولابن أبي الدنيا في كتاب الرمي عن ابن عباس أنه أول من عمل القسي وله في كتاب الإخوان عن تميم الداري مرفوعًا أنه أول من عانق ولابن سعد عن الكلبي أنه أول من ثرد الثريد وللديلمي عن نبيط بن شريط مرفوعًا أنه أول من اتخذ الخبز المبلقس ولأحمد في الزهد عن مطرف أنه أول من راغم ( مالك يؤخذ من الشارب حتى يبدو) يظهر ( طرف الشفة) ظهورا بينا ( وهو الإطار) بزنة كتاب أي اللحم المحيط بالشفة ( ولا يجزه) بضم الجيم يقطعه ( فيمثل بنفسه) وقال ابن عبد الحكم عنه يحفي الشوارب ويعفي اللحى وليس إحفاء الشارب حلقه وأرى تأديب من حلق شاربه وقال عنه أشهب إن حلقه بدعة وأرى أن يوجع ضربًا من فعله وإلى هذا ذهب كثير وذهب آخرون إلى استحباب حلقه كله لظاهر حديث الصحيحين عن ابن عمر رفعه خالفوا المشركين ووفروا اللحى وأحفوا الشوارب ورد بأن معناه أزيلوا ما طال على الشفتين بحيث لا يؤذي الآكل ولا يجتمع فيه الوسخ كما قال مالك وتفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم في إحفاء الشارب إنما هو الإطار يعني لحديث زيد بن أرقم قال قال النبي صلى الله عليه وسلم من لم يأخذ من شاربه فليس منا رواه أحمد والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح فعبر بمن الصريحة في أنه لا يستأصله قال الطحاوي ولم نجد نصًا عن الشافعي وأصحابه الذين رأيناهم منهم الربيع والمزني يحفيان شاربهما وما أظنهم أخذوا ذلك إلا عنه وأما أبو حنيفة وأصحابه فعندهم الإحفاء في الرأس والشارب أفضل من التقصير وذكر ابن خويز منداد عن الشافعي كالحنفي سواء وقال الأثرم رأيت أحمد يحفي شاربه شديدًا ويقول هو السنة.



رقم الحديث 1673 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ النَّاسِ ضَيَّفَ الضَّيْفَ، وَأَوَّلَ النَّاسِ اخْتَتَنَ، وَأَوَّلَ النَّاسِ قَصَّ الشَّارِبَ، وَأَوَّلَ النَّاسِ رَأَى الشَّيْبَ، فَقَالَ: يَا رَبِّ مَا هَذَا؟ فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَقَارٌ يَا إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ: يَا رَبِّ زِدْنِي وَقَارًا قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: يُؤْخَذُ مِنَ الشَّارِبِ حَتَّى يَبْدُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ، وَهُوَ الْإِطَارُ، وَلَا يَجُزُّهُ فَيُمَثِّلُ بِنَفْسِهِ.


( مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه) كيسان ( عن أبي هريرة قال) موقوفًا لجميع رواة الموطأ قال ابن عبد البر وهو الصحيح عن مالك ورواه بشر بن عمر عن مالك بهذا السند ورفعه أخرجه ابن الجارود وقاسم بن أصبغ وكذا رفعه حميد بن أبي الجهم العدوي عن مالك بإسناده أخرجه ابن عبد البر وهو في الصحيحين من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ( قال خمس) صفة موصوف محذوف أي خصال خمس ثم فسرها أو على الإضافة أي خمس خصال أو الجملة خبر مبتدأ محذوف أي الذي شرع لكم خمس ( من الفطرة) بكسر فسكون ( تقليم الأظفار) تفعيل من القلم وهو القطع قال الجوهري قلمت ظفري بالتخفيف وقلمت أظفاري بالتشديد للتكثير والمبالغة أي إزالة ما طال منها عن اللحم بمقص أو سكين لا غيرهما من الآلة ويكره بالأسنان والمعنى فيه أن الوسخ يجتمع تحته فيستقذر وقد ينتهي إلى حد يمنع من وصول الماء إلى ما يجب غسله في الطهارة ويستحب كيفما احتاج إليه قال الحافظ ولم يثبت في استحباب قص الظفر يوم الخميس حديث وكذا لم يثبت في كيفيته شيء ولا في تعيين يوم له عن النبي صلى الله عليه وسلم وأخرج البيهقي من مرسل أبي جعفر الباقر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب أن يأخذ من أظفاره وشاربه يوم الجمعة وله شاهد موصول عن أبي هريرة لكن سنده ضعيف قال كان صلى الله عليه وسلم يقلم أظفاره ويقص شاربه يوم الجمعة قبل أن يروح إلى الصلاة أخرجه البيهقي وقال عقبة قال أحمد في هذا الإسناد من يجهل انتهى وإلى هذا ذهب المالكية والشافعية حيث يذكرون استحباب تحسين الهيئة يوم الجمعة كقلم ظفر وقص شارب إن احتاج إلى ذلك لهذه الأحاديث وإن كانت ضعيفة فبعضها يقوي بعضًا قال السيوطي وبالجملة فأرجحها دليلاً ونقلاً يوم الجمعة والأخبار الواردة فيه ليست بواهية جدًا بل فيها متمسك خصوصًا الأول وقد اعتضد بشواهد مع أن الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال وللطبراني عن علي رفعه قص الظفر ونتف الإبط وحلق العانة يوم الخميس والغسل والطيب واللباس يوم الجمعة وللديلمي عن أبي هريرة مرفوعًا من أراد أن يأمن الفقر وشكاية العمى والبرص والجنون فليقلم أظفاره يوم الخميس بعد العصر وليبدأ بخنصره اليسرى والخبران واهيان وفي مسلسلات الحافظ جعفر المستغفري بإسناد مجهول عن علي رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقلم أظفاره يوم الخميس وما يعزى لعلي

ابدأ بيمناك وبالخنصر
في قص أظفارك واستبصر

وثن بالوسطى وثلث كما
قد قيل بالإبهام والبنصر

واختتم الكف بسبابة
في اليد والرجل ولا تمتر

وفي اليد اليسرى بإبهامها
والأصبع الوسطى وبالخنصر

وبعد سبابتها بنصر
فإنها خاتمة الأيسر

فباطل عنه وكذا ما يعزى للحافظ ابن حجر قال السخاوي ونصه وحاشاه من ذلك

في قص ظفرك يوم السبت آكلة
تبدو وفيما يليه تذهب البركه

وعالم فاضل يبدو بتلوهما
وإن يكن في الثلاثا فاحذر الهلكه

ويورث السوء في الأخلاق وابعها
وفي الخميس الغنى يأتي لمن سلكه

والعمر والرزق زيدًا في عروبتها
عن النبي روينا فاقتفوا نسكه

وقال السيوطي هذا مفترى عليه بل في مسند الفردوس بسند واه عن أبي هريرة مرفوعًا من قلم أظفاره يوم السبت خرج منه الداء ودخل فيه الشفاء ويوم الأحد خرج منه الفاقة ودخل فيه الغنى ويوم الإثنين خرج منه الجنون ودخلت فيه الصحة ويوم الثلاثاء خرج منه المرض ودخل فيه الشفاء ويوم الأربعاء خرج منه الوسواس والخوف ودخل فيه الأمن والشفاء ويوم الخميس خرج منه الجذام ودخلت فيه العافية ويوم الجمعة دخلت فيه الرحمة وخرجت منه الذنوب قال وآثار البطلان لائحة عليه انتهى ( وقص الشارب) وهو الشعر النابت على الشفة وهو عند النسائي بلفظ حلق لكن أكثر الأحاديث بلفظ قص الشارب وقد رواه النسائي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ تقصير الشارب ( ونتف الإبط) بكسر الهمزة وسكون الموحدة يبدأ باليمنى استحبابًا ويتأدى أصله بالحلق لا سيما من يؤلمه النتف قال ابن دقيق العيد من نظر إلى اللفظ وقف مع النتف ومن نظر إلى المعنى أزاله بكل مزيل لكن يتعين أن النتف مقصود من جهة المعنى لأنه محل الرائحة الكريهة الناشئة من الوسخ المجسم للعرق فيه فيتلبد ويهيج فشرع النتف الذي يضعفه فتخف الرائحة به بخلاف الحلق فإنه يقوي الشعر ويهيجه فتكثر الرائحة بذلك انتهى وقد جاء عن جماعة من الصحابة بياض إبطيه صلى الله عليه وسلم فقال الطبري من خصائصه أن الإبط من جميع الناس متغير اللون إلا هو عليه الصلاة والسلام ومثله للقرطبي وزاد وأنه لا شعر عليه ونازعه الولي العراقي وقال لم يثبت ذلك بوجه والخصائص لا تثبت بالاحتمال ولا يلزم من ذكر أنس وغيره بياض إبطيه أن لا يكون له شعر فإن الشعر إذا نتف بقي المكان أبيض وإن بقي فيه آثار الشعر وقال عبد الله بن أقرم وقد صلى معه صلى الله عليه وسلم كنت أنظر إلى عفرة إبطيه حسنه الترمذي والعفرة بياض ليس بالناصع كما قاله الهروي وغيره وهذا يدل على أن آثار الشعر هو الذي جعل المكان أعفر وإلا فلو كان خاليًا عن نبات الشعر جملة لم يكن أعفر نعم الذي نعتقده أنه لم يكن لإبطيه رائحة كريهة انتهى وقد تمنع دلالته على ما قال بأن شأن المغابن أنها أقل بياضًا من باقي الجسد قال الحافظ واختلف في المراد ببياض إبطيه فقيل لم يكن تحتهما شعر فكانا كلون جسده ثم قيل لم يكن تحتهما شعر البتة وقيل كأن لدوام تعاهده له لا يبقى فيه شعر وعند مسلم في حديث حتى رأينا عفرة إبطيه ولا تنافي بينهما لأن الأعفر ما بياضه ليس بالناصع وهذا شأن المغابن تكون لونها في البياض دون لون بقية الجسد ( وحلق العانة) بالموسى وفي معناه الإزالة بالنتف والنورة لكن بالموسى أولى بالرجل لتقوية المحل بخلاف المرأة فالأولى لها النتف واستشكله الفاكهاني بأن فيه ضررًا على الزوج باسترخاء المحل باتفاق الأطباء انتهى ويؤيده حديث حتى تستحد المغيبة ولابن العربي تفصيل جيد فقال إن كانت شابة فالنتف أولى في حقها لأنه يربو مكان النتف وإن كانت كهلة فالأولى الحلق لأن النتف يرخي المحل ولو قيل في حقها بالتنوير مطلقًا لما بعد وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتنور وكان إذا كثر شعره حلقه وإسناده ضعيف روى ابن ماجه والبيهقي عن أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا طلى بدأ بعانته فطلاها بالنورة وسائر جسده أهله رجاله ثقات لكن أعل بالانقطاع وأنكر أحمد صحته وروى الخرائطي عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينوره الرجل فإذا بلغ مراقه تولى هو ذلك قال ابن القيم ورد في النورة أحاديث هذا أمثلها قال السيوطي هو مثبت وأجود إسنادًا من حديث النفي فيقدم عليه واستعمالها مباح لا مكروه ( والاختتان) وهو قطع القلفة التي تغطي الحشفة من الرجل وقطع بعض الجلدة التي بأعلى الفرج من المرأة كالنواة أو كعرف الديك ويسمى ختان الرجل إعذارًا وختان المرأة خفضًا بمعجمتين هذا وفي مسلم عن عائشة مرفوعًا عشر من الفطرة فذكر ما هنا إلا الختان وزاد إعفاء اللحية والسواك والمضمضة والاستنشاق وغسل البراجم والاستنجاء ولأحمد وأبي داود وابن ماجه عن عمار بن ياسر رفعه زيادة الانتضاح ولابن أبي حاتم عن ابن عباس غسل يوم الجمعة ولأبي عوانة زيادة الاستنثار ولعبد الرزاق والطبري من طريقه بسند صحيح عن ابن عباس في قوله تعالى { { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن } } ذكر مفرق الرأس فالحصر في رواية الفطرة خمس ليس بمراد ( مالك عن يحيى بن سعيد) بن قيس بن عمرو الأنصاري ( عن سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي وصله ابن عدي والبيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه قال كان إبراهيم أول الناس ضيف الضيف) يطلق على الواحد وغيره ( وأول الناس اختتن) بهمزة وصل روى الشيخان عن أبي هريرة قال قال صلى الله عليه وسلم اختتن إبراهيم النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم بخفة الدال اسم آلة النجار يعني الفأس كما رواه ابن عساكر وروي بشدها وأنكره يعقوب بن شبة وقيل المراد المكان الذي وقع فيه الختان وهو أيضًا بالتخفيف والتشديد قرية بالشام والأكثر على أنه بالتخفيف وإرادة الآلة كما قاله يحيى بن سعيد أحد رواته وأنكر النضر بن شميل الموضع ورجحه البيهقي والقرطبي والزركشي والحافظ مستدلاً بحديث أبي يعلى أمر إبراهيم بالختان فاختتن بقدوم فاشتد عليه فأوحى الله إليه عجلت قبل أن نأمرك بآلته قال يا رب كرهت أن أؤخر أمرك وجمع بأنه اختتن بالآلة وفي الموضع وللبخاري في الأدب المفرد وابن حبان عن أبي هريرة مرفوعًا وابن السماك وابن حبان أيضًا عنه مرفوعًا وهو ابن مائة وعشرين وزادوا وعاش بعد ذلك ثمانين سنة وأعل بأن عمره مائة وعشرون ورد بأن مثله عند ابن أبي شيبة وابن سعد والحاكم والبيهقي وصححاه وأبي الشيخ في العقيقة من وجه آخر وزادوا أيضًا وعاش بعد ذلك ثمانين فعلى هذا عاش مائتين وجمع بأن الأول حسب من منذ نبوته والثاني حسب من مولده وبأن المراد وهو ابن ثمانين من وقت فراق قومه وهجرته من العراق إلى الشام وقوله وهو ابن مائة وعشرين أي من مولده وبأن بعض الرواة رأى مائة وعشرين فظنها إلا عشرين أو عكسه والأولان أولى لأنه توهيم للرواة بلا داعية وقد أمكن الجمع بدون توهيمهم وفي التمهيد تواتر عن جمع من العلماء أن إبراهيم ختن إسماعيل لثلاث عشرة سنة وإسحاق لسبعة أيام وكره جمع الختان يوم السابع قال ابن وهب قلت لمالك أترى أن تختن الصبي يوم السابع فقال لا أرى ذلك إنما ذلك من عمل اليهود ولم يكن من عمل الناس إلا حديثًا قلت فما حد ختانه قال إذا أدب على الصلاة قلت عشر سنين أو أدنى من ذلك قال نعم ( وأول الناس قص شاربه وأول الناس رأى الشيب فقال يا رب ما هذا فقال الله تبارك وتعالى) هذا ( وقار) حلم ورزانة ( يا إبراهيم فقال رب زدني وقارًا) فالشيب ممدوح وفي أبي داود عن ابن عمر مرفوعًا لا تنتفوا الشيب فإنه نور الإسلام ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كانت له نورًا يوم القيامة وللترمذي والنسائي عن كعب بن عجرة رفعه من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة زاد الحاكم في الكنى ما لم يغيرها وللبيهقي عنه مرفوعًا الشيب نور المؤمن لا يشيب رجل شيبة في الإسلام إلا كانت له بكل شيبة حسنة ورفع بها درجة وللديلمي عن أنس مرفوعًا الشيب نور من خلع الشيب فقد خلع نور الإسلام وللديلمي عنه رفعه أيما رجل نتف شعرة بيضاء متعمدًا صارت رمحًا يوم القيامة يطعن به وأما حديث مسلم عن أنس أنه سئل عن شيب النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما شانه الله ببيضاء فقال الحافظ إنه محمول على أن تلك الشعرات البيض لم يتغير بها شيء من حسنه صلى الله عليه وسلم انتهى وهذا أحسن من تعجب ابن الأثير من جعل أنس الشيب عيبًا وتعسفه الجمع بأنه عليه الصلاة والسلام لما رأى أبا قحافة ورأسه كالثغامة أمرهم بتغييره وكرهه فلما علم أنس ذلك من عادته قال ما شانه الله ببيضاء بناء على هذا القول وحملاً له على هذا الرأي يعني كراهة الشيب ولم يسمع الحديث الآخر ولعل أحدهما ناسخ للآخر فإن في نفيه نظرًا إذ أنس قد روى بعض أحاديث مدحه كما رأيت وكذا في ترجيه لأن النسخ إنما يكون بمعرفة التاريخ قال السيوطي زاد ابن أبي شيبة عن سعيد وأول من قص أظفاره وأول من استحد وزاد وكيع عن أبي هريرة وأول من تسرول وأول من فرق وللديلمي عن أنس مرفوعًا أنه أول من خضب بالحناء والكتم ولابن أبي شيبة عن سعد بن إبراهيم عن أبيه أنه أول من خطب على المنبر ولابن عساكر عن جابر أنه أول من قاتل في سبيل الله وله عن حسان بن عطية أنه أول من رتب العسكر في الحرب ميمنة وميسرة وقلبًا ولابن أبي الدنيا في كتاب الرمي عن ابن عباس أنه أول من عمل القسي وله في كتاب الإخوان عن تميم الداري مرفوعًا أنه أول من عانق ولابن سعد عن الكلبي أنه أول من ثرد الثريد وللديلمي عن نبيط بن شريط مرفوعًا أنه أول من اتخذ الخبز المبلقس ولأحمد في الزهد عن مطرف أنه أول من راغم ( مالك يؤخذ من الشارب حتى يبدو) يظهر ( طرف الشفة) ظهورا بينا ( وهو الإطار) بزنة كتاب أي اللحم المحيط بالشفة ( ولا يجزه) بضم الجيم يقطعه ( فيمثل بنفسه) وقال ابن عبد الحكم عنه يحفي الشوارب ويعفي اللحى وليس إحفاء الشارب حلقه وأرى تأديب من حلق شاربه وقال عنه أشهب إن حلقه بدعة وأرى أن يوجع ضربًا من فعله وإلى هذا ذهب كثير وذهب آخرون إلى استحباب حلقه كله لظاهر حديث الصحيحين عن ابن عمر رفعه خالفوا المشركين ووفروا اللحى وأحفوا الشوارب ورد بأن معناه أزيلوا ما طال على الشفتين بحيث لا يؤذي الآكل ولا يجتمع فيه الوسخ كما قال مالك وتفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم في إحفاء الشارب إنما هو الإطار يعني لحديث زيد بن أرقم قال قال النبي صلى الله عليه وسلم من لم يأخذ من شاربه فليس منا رواه أحمد والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح فعبر بمن الصريحة في أنه لا يستأصله قال الطحاوي ولم نجد نصًا عن الشافعي وأصحابه الذين رأيناهم منهم الربيع والمزني يحفيان شاربهما وما أظنهم أخذوا ذلك إلا عنه وأما أبو حنيفة وأصحابه فعندهم الإحفاء في الرأس والشارب أفضل من التقصير وذكر ابن خويز منداد عن الشافعي كالحنفي سواء وقال الأثرم رأيت أحمد يحفي شاربه شديدًا ويقول هو السنة.