فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي أَجْرِ الْمَرِيضِ

رقم الحديث 1712 حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ مَلَكَيْنِ، فَقَالَ: انْظُرَا مَاذَا يَقُولُ لِعُوَّادِهِ، فَإِنْ هُوَ إِذَا جَاءُوهُ، حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، رَفَعَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ، فَيَقُولُ: لِعَبْدِي عَلَيَّ إِنْ تَوَفَّيْتُهُ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ أَنَا شَفَيْتُهُ أَنْ أُبْدِلَ لَهُ لَحْمًا خَيْرًا مِنْ لَحْمِهِ، وَدَمًا خَيْرًا مِنْ دَمِهِ، وَأَنْ أُكَفِّرَ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ.


( ما جاء في أجر المريض)

( مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار) وصله ابن عبد البر من طريق عباد بن كثير المكي قال وليس بالقوي وثقه بعضهم وضعفه ابن معين وغيره عن زيد عن عطاء عن أبي سعيد الخدري ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا مرض العبد) المسلم أي عرض لبدنه ما أخرجه عن الاعتدال الخاص به فأوجب الخلل في أفعاله أو أقواله ( بعث الله تعالى إليه ملكين فقال انظرا ماذا يقول لعواده) جمع عائد ( فإن هو إذا جاؤه حمد الله تعالى وأثنى عليه) بما هو أهله ( رفعا ذلك إلى الله عز وجل وهو أعلم) بذلك منهما ومن غيرهما فإنما القصد الحث على الحمد والثناء والإخبار بجزاء ذلك كما قال ( فيقول) الله ( لعبدي علي إن توفيته) أمته ( أن أدخله الجنة) بلا عذاب أو مع السابقين ( وإن أنا أشفيته) عافيته من مرضه ( أن أبدله لحمًا خيرًا من لحمه ودمًا خيرًا من دمه وأن أكفر عنه سيئاته) الصغائر كلها وما اقتضاه ظاهره من شرط الصبر إنما هو مقيد بهذا الثواب المخصوص فلا ينافي خبر الطبراني وغيره عن أنس رفعه إذا مرض العبد خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه المقتضى ترتب تكفير الذنوب على المرض سواء انضم له صبر أم لا واشتراط القرطبي الصبر منع بأنه لا دليل عليه واحتجاجه بوقوع التقييد بالصبر في أخبار لا تنهض لأن ما صح منها مقيد بثواب مخصوص فاعتبر فيها الصبر لحصوله ولن نجد حديثًا صحيحًا ترتب فيه مطلق التكفير على مطلق المرض مع اعتبار الصبر وقد اعتبر من الأحاديث في ذلك فتحرر لي ما ذكرته قال الحافظ الزين العراقي ويأتي له مزيد في تاليه ( مالك عن يزيد) بتحتية فزاي ( ابن خصيفة) بخاء معجمة فصاد مهملة مصغر نسبة إلى جده وأبوه عبد الله بن خصيفة بن عبد الله بن يزيد الكندي المدني ثقة من رجال الجميع ( عن عروة بن الزبير أنه قال سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب المؤمن من مصيبة) أصلها الرمي بالسهم ثم استعملت في كل نازلة وقال الراغب أصاب يستعمل في الخير والشر قال تعالى { { وإن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة } } الآية وقيل الإصابة في الخير مأخوذة من الصوب وهو المطر الذي ينزل بقدر الحاجة من غير ضرر وفي الشر مأخوذة من إصابة السهم وقال الكرماني المصيبة لغة ما ينزل بالإنسان مطلقًا وعرفًا ما نزل به من مكروه خاصة وهو المراد هنا وفي رواية مسلم من طريق مالك ويونس جميعًا عن الزهري ما من مصيبة يصاب بها المسلم ولأحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري ما من وجع أو مرض يصيب المؤمن ( حتى الشوكة) المرة من مصدر شاكه بدليل جعلها غاية للمعاني وقوله في رواية يشاكها ولو أراد الواحدة من النبات لقال يشاك بها قاله البيضاوي وقال الحافظ جوزوا فيه الحركات الثلاث فالجر بمعنى الغاية أي ينتهي إلى الشوكة أو عطفًا على لفظ مصيبة والنصب بتقدير عامل أي حتى وجدانه الشوكة والرفع عطفًا على الضمير في يصيب وقال القرطبي قيده المحققون بالرفع والنصب فالرفع على الابتداء ولا يجوز على المحل ( إلا قص) بالقاف والصاد المهملة أي أخذ ( بها) وأصل القص الأخذ ومنه القصاص أخذ حق المقتص له وفي رواية نقص وهما متقاربا المعنى قاله عياض ( أو كفر بها من خطاياه لا يدري يزيد) بن خصيفة ( أيهما) أي اللفظين قص أو كفر ( قال عروة) وفي رواية لأحمد إلا كان كفارة لذنبه أي لكون ذلك عقوبة بسبب ما كان صدر منه من المعصية ولكون ذلك سببًا لمغفرة ذنبه وفي رواية لمسلم إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة قال الحافظ وهذا يقتضي حصول الأمرين معًا حصول الثواب ورفع العقاب وشاهده ما للطبراني الأوسط من وجه آخر عن عائشة بلفظ ما ضرب على مؤمن عرق قط إلا حط الله عنه به خطيئة وكتب له حسنة ورفع له درجة وسنده جيد وما في مسلم من طريق عمرة عنها إلا كتب له بها حسنة أو حط عنه بها خطيئة فيحتمل أن يكون أو شكا من الراوي ويحتمل التنويع وهو أوجه ويكون المعنى إلا كتب الله بها حسنة إن لم يكن عليه خطايا أو حط عنه إن كانت له خطايا وعلى هذا فمقتضى الأول أن من ليست عليه خطيئة يزاد في رفع درجته بقدر ذلك والفضل واسع وفي هذا الحديث تعقب على قول العز بن عبد السلام ظن بعض الجهلة أن المصاب مأجور وهو خطأ صريح فإن الثواب والعقاب إنما هو على الكسب والمصائب ليست منها بل الأجر على الصبر والرضا ووجه ( التعقب) أن الأحاديث الصحيحة صريحة في ثبوت الأجر بمجرد حصول المصيبة وأما الصبر والرضا فقدر زائد يمكن أن يثاب عليهما زيادة على ثواب المصيبة قال الشهاب القرافي المصائب كفارات جزمًا سواء اقترن بها الرضا أم لا لكن إن اقترن بها الرضا عظم التكفير وإلا فلا كذا قال والتحقيق أن المصيبة كفارة لذنب يوازيها وبالرضا يؤجر على ذلك فإن لم يكن للمصاب ذنب عوض عن ذلك من الثواب بما يوازيه وزعم القرافي أنه لا يجوز لأحد أن يقول للمصاب جعل الله هذه المصيبة كفارة لذنبك لأن الشارع قد جعلها كفارة فسؤال التكفير طلب لحصول الحاصل وهو إساءة أدب على الشارع وتعقب بما ورد من جواز الدعاء بما هو واقع كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسؤال الوسيلة له وأجيب عنه بأن الكلام فيما لم يرد فيه شيء وأما ما ورد فهو مشروع ليثاب من امتثل الأمر على ذلك ولهذا الحديث سبب أخرجه أحمد وصححه أبو عوانة والحاكم من طريق عبد الرحمن بن شيبة العبدري أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وجع فجعل يتقلب على فراشه ويشتكي فقالت له عائشة لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه فقال إن الصالحين يشدد عليهم وأنه لا يصيب المؤمن نكبة شوكة الحديث انتهى ملخصًا وهذا الحديث رواه مسلم في الأدب من طريق ابن وهب والنسائي عن قتيبة كلاهما عن مالك به وله طرق كثيرة في الصحيحين وغيرهما ( مالك عن محمد بن عبد الله بن أبي صعصعة) بمهملات المازني المدني مات سنة تسع وثلاثين ومائة ( أنه قال سمعت أبا الحباب) بضم الحاء المهملة وخفة الموحدة ( سعيد بن يسار) المدني الثقة المتقن مات سنة سبع عشرة وقيل ست عشرة ومائة ( يقول سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرًا) أي جميع الخيرات أو خيرًا عظيمًا ( يصب منه) بضم التحتية وكسر الصاد عند أكثر المحدثين وهو الأشهر في الرواية والفاعل ضمير الله وقال ابن الجوزي سمعت ابن الخشاب يقرؤه بفتحها وهو أحسن وأليق قال الطيبي أليق بالأدب لقوله تعالى { { وإذا مرضت فهو يشفين } } ويشهد للأول ما أخرجه أحمد برواة ثقات عن محمود بن لبيد رفعه لكن اختلف في سماع محمود من المصطفى ولفظه إذا أحب الله قومًا ابتلاهم من صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع ومعنى حديث الباب ينل منه بالمصائب ويبتليه بها ليثيبه عليها قاله غير واحد وقال البيضاوي أي يوصل إليه المصائب ليطهره من الذنوب ويرفع درجته وهي اسم لكل مكروه وذلك لأن الابتلاء بالمصائب طب إلهي يداوى به الإنسان من أمراض الذنوب المهلكة ويصح عود ضمير يصب إلى من وضمير منه إلى الله أو إلى الخير والمعنى أن الخير لا يحصل للإنسان إلا بإرادته تعالى وعليه فلا شاهد فيه للمعتزلة في أن الشر ليس من الله لكونه ذكر الخير دون الشر لأن ترك ذكره لا يدل على أنه ليس منه وإنما تركه لوضوحه لأن الخير الذي هو أمر مراد لمن يحصل له مختار مرضي به إذا كان بإرادة الغير لا من نفسه فلأن يكون ما يحصل بغير إرادة ورضا أولى وفيه بشرى عظيمة لكل مؤمن لأن الآدمي لا ينفك غالبًا من ألم بسبب مرض أو هم ونحو ذلك ورواه البخاري في الطب عن عبد الله بن يوسف عن مالك به ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( أن رجلاً) لم يسم ( جاءه الموت في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل) لم يسم ( هنيئًا له مات ولم يبتل بمرض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحك) كلمة رحمة لمن وقع في هلكة لا يستحقها كما أن ويل كلمة عذاب لمن يستحقه وهما منصوبان بإضمار فعل ( وما يدريك) يعلمك ( لو أن الله ابتلاه بمرض يكفر به من سيئاته) فإن غير المعصوم لا يخلو غالبًا من مواقعة السيئات فالمرض مكفر لها أو رافع للدرجات وكاسر لشماخة النفس وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم خطب امرأة فوصفها أبوها بالجمال ثم قال وأزيدك أنها لم تمرض قط فقال صلى الله عليه وسلم ما لهذه عند الله من خير.



رقم الحديث 1713 وحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عنْ رَجُلٍ قَالَ: دَخَلَ عَلَيَّ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَنَا بِالْأَسْوَافِ، قَدِ اصْطَدْتُ نُهَسًا، فَأَخَذَهُ مِنْ يَدِي فَأَرْسَلَهُ.


( ما جاء في تحريم المدينة)

( مالك عن عمرو) بفتح العين وسكون الميم ابن أبي عمرو واسمه ميسرة المدني الثقة المتوفى بعد الخمسين ومائة ( مولى المطلب) بن عبد الله بن حنطب القرشي المخزومي وعمرو قال أحمد لا بأس به روى عنه مالك وضعفه بعضهم قال ابن عبد البر ولم يفرده مالك بحكم له في الموطأ هذا الحديث الواحد انتهى وفي مقدمة الفتح وثقه أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم والعجلي وضعفه ابن معين والنسائي وعثمان الدارمي لروايته عن عكرمة عن ابن عباس من أتى البهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة وقال أبو داود ليس هو بذاك حدث بحديث البهيمة وقد روى عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس ليس على من أتى البهيمة حد وقال الساجي صدوق إلا أنه يهم انتهى وقد علم أن مالكًا لم يخرج عنه عن عكرمة شيئًا وإنما أخرج له هذا الحديث فقط ( عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلع) بفتح الطاء واللام مخففًا ظهر ( له أحد) حين رجع من خيبر ففي رواية محمد بن جعفر عن عمرو عن أنس قال خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر أخدمه فلما قدم صلى الله عليه وسلم راجعًا وبدا له أحد ( فقال هذا) مشيرًا إلى أحد ( جبل) خبر موطئ لقوله ( يحبنا) حقيقة كما رجحه جماعة وقد خاطبه صلى الله عليه وسلم مخاطبة من يعقل فقال لما اضطرب أسكن أحد الحديث فوضع الله الحب فيه كما وضع التسبيح في الجبال مع داود والخشية في الحجارة التي قال فيها { { وإن منها لما يهبط من خشية الله } } وكما حن الجذع لفراقه حتى سمع الناس حنينه فلا ينكر وصف الجماد بحب الأنبياء وقد سلم عليه الحجر والشجر وسبحت الحصيات في يده وكلمته الذراع وأمنت حوائط البيت وأسكفة الباب على دعائه صلى الله عليه وسلم إشارة إلى مزيد حب الله إياه حتى أسكن حبه في الجماد وغرس محبته في الحجر مع فضل يبسه وقوة صلابته ( ونحبه) حقيقة أيضًا لأن جزاء من يحب أن يحب ولأنه من جبال الجنة كما روى أحمد عن أبي عبس بن جبر مرفوعًا أحد جبل يحبنا ونحبه وهو من جبال الجنة وللبزار والطبراني أحد هذا جبل يحبنا ونحبه على باب من أبواب الجنة أي من داخلها فلا ينافي رواية الطبراني أيضًا أحد ركن من أركان الجنة لأنه ركن داخل الباب بدليل رواية ابن سلام في تفسيره أنه ركن باب الجنة وقيل هو على حذف مضاف أي يحبنا أهله وهم الأنصار لأنهم جيرانه وكانوا يحبونه صلى الله عليه وسلم ويحبهم لأنهم آووه ونصروه وأقاموا دينه فهو كقوله { { واسأل القرية } } وقال الشاعر

وما حب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديارا

وقيل لأنه كان يبشره بلسان الحال إذا قدم من سفر بقربه من أهله ولقائهم وذلك فعل المحب بمن يحب فكان يفرح إذا طلع له استبشارًا بالأوبة من سفره والقرب من أهله وضعف بما في رواية الطبراني عن أنس فإذا جئتموه فكلوا من شجره ولو من عضاهه بكسر المهملة وضاد معجمة كل شجرة عظيمة ذات شوك فحث على عدم إهمال الأكل حتى لو فرض أنه لا يوجد إلا ما يؤكل كالعضاه يمضغ منه تبركًا ولو بلا ابتاع قال السهيلي ويقوي الأول أي الحقيقة قوله صلى الله عليه وسلم المرء مع من أحب مع أحاديث أنه في الجنة فتناسبت هذه الآثار وشد بعضها بعضًا وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن ولا أحسن من اسم مشتق من الأحدية وقد سماه الله بهذا الاسم تقدمة لما أراده من مشاكلة اسمه لمعناه إذ أهله وهم الأنصار نصروا التوحيد والمبعوث بدين التوحيد واستقر عنده حيًا وميتًا وكان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يستعمل الوتر ويحبه في شأنه كله استشعارًا للأحدية فقد وافق اسمه أغراضه ومقاصده ومع أنه مشتق من الأحدية فحركات حروفه الرفع وذلك يشعر بارتفاع دين الأحدية وعلوه فتعلق الحب به منه صلى الله عليه وسلم اسمًا ومسمى فخص من بين الجبال بأن يكون معه في الجنة إذا بست الجبال بسًا انتهى وأخذ من هذا أنه أفضل الجبال وقيل عرفة وقيل أبو قبيس وقيل الذي كلم الله عليه موسى وقيل قاف قيل وفيه قبر هارون أخي موسى عليهما الصلاة والسلام ولا يصح ( اللهم إن إبراهيم حرم مكة) بتحريمك لها على لسانه ( وأنا أحرم) بتحريمك على لساني ( ما بين لابتيها) بخفة الموحدة تثنية لابة قال ابن حبيب أرض ذات حجارة سود وجمعها في القلة لابات وفي الكثرة لوب كساحة وسوح يعني الحرتين الشرقية والغربية وهي حرار أربع لكن القبلية والجنوبية متصلتان وقد ردها حسان إلى حرة واحدة في قوله

لنا حرة مأطورة بجبالها
بنى العز فيها بيته فتأثلا

قال ومأطورة يعني معطوفة بجبالها لاستدارة الجبال بها وإنما جبالها تلك الحجارة السود التي تسمى الحرار قال وتحريمه صلى الله عليه وسلم ما بين لابتيها إنما يعني في الصيد فأما الشجر فبريد في بريد في دورها كلها كذلك أخبرني مطرف عن مالك وعمر بن عبد العزيز انتهى وكذا قاله ابن وهب زاد في رواية في الصحيحين كما حرم إبراهيم مكة والتشبيه في الحرمة فقط لا الجزاء لأنه كما قال ابن عبد البر عن العلماء لم يكن في شريعة إبراهيم جزاء الصيد وإنما هو شيء ابتلى الله به هذه الأمة كما قال { { ليبلونكم الله بشيء من الصيد } } ولم يكن قبل ذلك والصحابة فهموا المراد في تحريم صيد المدينة فتلقوه بالوجوب دون جزاء والأصل براءة الذمة ولا يجب فيها شيء إلا بيقين هذا قول أكثر العلماء وقالت فرقة في صيدها الجزاء لأنه حرم نبي كما مكة حرم نبي انتهى وزاد في الصحيح من حديث جابر وأبي سعيد لا يقطع عضاهها ولا يصاد صيدها ووقع في رواية إسماعيل بن جعفر عن عمرو اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم به إبراهيم مكة فزعم بعض الحنفية أن الحديث مضطرب نصرة لقولهم بجواز صيدها وقطع شجرها وتعقب بأن بمثل هذا لا ترد الأحاديث الصحيحة فالجمع واضح ولو تعذر فرواية لابتيها أرجح لتوارد الرواة عليها ولا ينافيها رواية جبليها فيكون عند كل لابة جبل أو لابتيها من جهة الجنوب والشمال وجبليها من جهة المشرق والمغرب وتسمية الجبلين في رواية أخرى لا تضر والحديث رواه البخاري في أحاديث الأنبياء عن القعنبي وفي المغازي عن عبد الله بن يوسف كلاهما عن مالك به وتابعه محمد بن أبي كثير عند البخاري وإسماعيل بن جعفر ويعقوب بن عبد الرحمن عند مسلم الثلاثة عن عمرو بنحوه ( مالك عن ابن شهاب) الزهري ( عن سعيد بن المسيب) بكسر الياء وفتحها ( عن أبي هريرة) رضي الله عنه ( أنه كان يقول لو رأيت الظباء) بكسر الظاء المعجمة والمد جمع ظبي ( بالمدينة ترتع) أي ترعى ( ما ذعرتها) بذال معجمة وعين مهملة أي ما أفزعتها ونفرتها كنى بذلك عن عدم صيدها وفيه أنه لا يجوز ترويع الصيد في الحرم المدني كالمكي واستدل على ذلك بقوله ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتيها حرام) بتحريم الله تعالى كما قال صلى الله عليه وسلم حرم ما بين لابتي المدينة على لساني أخرجه البخاري عن سعيد المقبري عن أبي هريرة فلا يجوز صيدها ولا قطع شجرها الذي لا يستنبته الآدمي والمدينة بين لابتين شرقية وغربية ولها لابتان أيضًا قبلية وجنوبية لكنهما يرجعان إلى الأولين لاتصالهما بهما فجميع دورها كلها داخل ذلك قال النووي واللابتان داخلتان أيضًا قال الأبي ولعله بدليل آخر وإلا فلفظ بين لا يشملهما انتهى وفي بعض طرقه عند مسلم عن أبي هريرة حرم صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة وجعل اثني عشر ميلاً حول المدينة حمى ولأبي داود عن عدي بن زيد قال حمى صلى الله عليه وسلم كل ناحية من المدينة بريدًا في بريد وفي هذا بيان ما أجمل من حد حرم المدينة وفي هذه الأحاديث كلها حجة على الحنفية في إباحة صيد المدينة وقطع شجرها وزعموا نسخها باحتمال أن المنع من ذلك لما كانت الهجرة واجبة إليها فكان بقاء الصيد والشجر مما يقوي المقام بها وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال واحتجاج الطحاوي للجواز بحديث يا أبا عمير ما فعل النغير حيث لم ينكر صيده ولا إمساكه وبحديث عائشة كان له صلى الله عليه وسلم وحشي فإذا خرج لعب واشتد وأقبل وأدبر فإذا أحس به صلى الله عليه وسلم ربض فلم يقم من مكانه تعقبه ابن عبد البر لجواز أن كلا منهما مما صيد في غير حرم المدينة فلا حجة فيه وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به وتابعه إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عند مسلم ( مالك عن يونس بن يوسف) بن حماس بكسر المهملة وتخفيف الميم وآخره مهملة ثقة عابد وقال ابن حبان هو يوسف بن يونس ووهم ما قبله ( عن عطاء بن يسار) بخفة المهملة ( عن أبي أيوب) خالد بن زيد ( الأنصاري) أحد كبار الصحابة وفقهائهم ( أنه وجد غلمانا قد ألجأوا) بجيم أي اضطروا ( ثعلبا إلى زاوية) بزاي ناحية من نواحي المدينة يريدون اصطياده ( فطردهم عنه) لحرمة ذلك ( قال مالك لا أعلم إلا أنه قال أفي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع هذا) إنكار عليهم ( مالك عن رجل) قال أبو عمر يقال إنه شرحبيل بن سعد انتهى وهو في مسند أحمد ومعجم الطبراني عن شرحبيل بن سعد وهو من موالي الأنصار ( قال دخل علي) بشد ياء المتكلم ( زيد بن ثابت) الأنصاري بالرفع فاعل دخل ( وأنا بالأسواف) بفتح الهمزة وإسكان السين فواو فألف ففاء قال الباجي موضع ببعض أطراف المدينة بين الحرتين ( قد اصطدت نهسًا) بضم النون وفتح الهاء وسين مهملة طائر يشبه الصرد يديم تحريك رأسه وذنبه يصطاد العصافير ويأوي إلى المقابر قاله في النهاية ( فأخذه من يدي فأرسله) أطلقه فهذا زيد وهو من فقهاء الصحابة كأبي أيوب قد منعا من اصطاد وأطلق زيد الصيد فلو كان منسوخًا ما حل ذلك لأنه ضياع مال خصوصًا للغير ففي ذلك أقوى دليل على أنهما كأبي هريرة حيث قال ما ذعرتها واستدلوا بالحديث فهموا بقاء التحريم بعده صلى الله عليه وسلم وعملوا به والعمل بما نسخ حرام وذلك لا يجوز ظنه بهم والله أعلم.



رقم الحديث 1713 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ مُصِيبَةٍ، حَتَّى الشَّوْكَةُ إِلَّا قُصَّ بِهَا، أَوْ كُفِّرَ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ لَا يَدْرِي يَزِيدُ أَيُّهُمَا قَالَ عُرْوَةُ.


( ما جاء في أجر المريض)

( مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار) وصله ابن عبد البر من طريق عباد بن كثير المكي قال وليس بالقوي وثقه بعضهم وضعفه ابن معين وغيره عن زيد عن عطاء عن أبي سعيد الخدري ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا مرض العبد) المسلم أي عرض لبدنه ما أخرجه عن الاعتدال الخاص به فأوجب الخلل في أفعاله أو أقواله ( بعث الله تعالى إليه ملكين فقال انظرا ماذا يقول لعواده) جمع عائد ( فإن هو إذا جاؤه حمد الله تعالى وأثنى عليه) بما هو أهله ( رفعا ذلك إلى الله عز وجل وهو أعلم) بذلك منهما ومن غيرهما فإنما القصد الحث على الحمد والثناء والإخبار بجزاء ذلك كما قال ( فيقول) الله ( لعبدي علي إن توفيته) أمته ( أن أدخله الجنة) بلا عذاب أو مع السابقين ( وإن أنا أشفيته) عافيته من مرضه ( أن أبدله لحمًا خيرًا من لحمه ودمًا خيرًا من دمه وأن أكفر عنه سيئاته) الصغائر كلها وما اقتضاه ظاهره من شرط الصبر إنما هو مقيد بهذا الثواب المخصوص فلا ينافي خبر الطبراني وغيره عن أنس رفعه إذا مرض العبد خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه المقتضى ترتب تكفير الذنوب على المرض سواء انضم له صبر أم لا واشتراط القرطبي الصبر منع بأنه لا دليل عليه واحتجاجه بوقوع التقييد بالصبر في أخبار لا تنهض لأن ما صح منها مقيد بثواب مخصوص فاعتبر فيها الصبر لحصوله ولن نجد حديثًا صحيحًا ترتب فيه مطلق التكفير على مطلق المرض مع اعتبار الصبر وقد اعتبر من الأحاديث في ذلك فتحرر لي ما ذكرته قال الحافظ الزين العراقي ويأتي له مزيد في تاليه ( مالك عن يزيد) بتحتية فزاي ( ابن خصيفة) بخاء معجمة فصاد مهملة مصغر نسبة إلى جده وأبوه عبد الله بن خصيفة بن عبد الله بن يزيد الكندي المدني ثقة من رجال الجميع ( عن عروة بن الزبير أنه قال سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب المؤمن من مصيبة) أصلها الرمي بالسهم ثم استعملت في كل نازلة وقال الراغب أصاب يستعمل في الخير والشر قال تعالى { { وإن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة } } الآية وقيل الإصابة في الخير مأخوذة من الصوب وهو المطر الذي ينزل بقدر الحاجة من غير ضرر وفي الشر مأخوذة من إصابة السهم وقال الكرماني المصيبة لغة ما ينزل بالإنسان مطلقًا وعرفًا ما نزل به من مكروه خاصة وهو المراد هنا وفي رواية مسلم من طريق مالك ويونس جميعًا عن الزهري ما من مصيبة يصاب بها المسلم ولأحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري ما من وجع أو مرض يصيب المؤمن ( حتى الشوكة) المرة من مصدر شاكه بدليل جعلها غاية للمعاني وقوله في رواية يشاكها ولو أراد الواحدة من النبات لقال يشاك بها قاله البيضاوي وقال الحافظ جوزوا فيه الحركات الثلاث فالجر بمعنى الغاية أي ينتهي إلى الشوكة أو عطفًا على لفظ مصيبة والنصب بتقدير عامل أي حتى وجدانه الشوكة والرفع عطفًا على الضمير في يصيب وقال القرطبي قيده المحققون بالرفع والنصب فالرفع على الابتداء ولا يجوز على المحل ( إلا قص) بالقاف والصاد المهملة أي أخذ ( بها) وأصل القص الأخذ ومنه القصاص أخذ حق المقتص له وفي رواية نقص وهما متقاربا المعنى قاله عياض ( أو كفر بها من خطاياه لا يدري يزيد) بن خصيفة ( أيهما) أي اللفظين قص أو كفر ( قال عروة) وفي رواية لأحمد إلا كان كفارة لذنبه أي لكون ذلك عقوبة بسبب ما كان صدر منه من المعصية ولكون ذلك سببًا لمغفرة ذنبه وفي رواية لمسلم إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة قال الحافظ وهذا يقتضي حصول الأمرين معًا حصول الثواب ورفع العقاب وشاهده ما للطبراني الأوسط من وجه آخر عن عائشة بلفظ ما ضرب على مؤمن عرق قط إلا حط الله عنه به خطيئة وكتب له حسنة ورفع له درجة وسنده جيد وما في مسلم من طريق عمرة عنها إلا كتب له بها حسنة أو حط عنه بها خطيئة فيحتمل أن يكون أو شكا من الراوي ويحتمل التنويع وهو أوجه ويكون المعنى إلا كتب الله بها حسنة إن لم يكن عليه خطايا أو حط عنه إن كانت له خطايا وعلى هذا فمقتضى الأول أن من ليست عليه خطيئة يزاد في رفع درجته بقدر ذلك والفضل واسع وفي هذا الحديث تعقب على قول العز بن عبد السلام ظن بعض الجهلة أن المصاب مأجور وهو خطأ صريح فإن الثواب والعقاب إنما هو على الكسب والمصائب ليست منها بل الأجر على الصبر والرضا ووجه ( التعقب) أن الأحاديث الصحيحة صريحة في ثبوت الأجر بمجرد حصول المصيبة وأما الصبر والرضا فقدر زائد يمكن أن يثاب عليهما زيادة على ثواب المصيبة قال الشهاب القرافي المصائب كفارات جزمًا سواء اقترن بها الرضا أم لا لكن إن اقترن بها الرضا عظم التكفير وإلا فلا كذا قال والتحقيق أن المصيبة كفارة لذنب يوازيها وبالرضا يؤجر على ذلك فإن لم يكن للمصاب ذنب عوض عن ذلك من الثواب بما يوازيه وزعم القرافي أنه لا يجوز لأحد أن يقول للمصاب جعل الله هذه المصيبة كفارة لذنبك لأن الشارع قد جعلها كفارة فسؤال التكفير طلب لحصول الحاصل وهو إساءة أدب على الشارع وتعقب بما ورد من جواز الدعاء بما هو واقع كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسؤال الوسيلة له وأجيب عنه بأن الكلام فيما لم يرد فيه شيء وأما ما ورد فهو مشروع ليثاب من امتثل الأمر على ذلك ولهذا الحديث سبب أخرجه أحمد وصححه أبو عوانة والحاكم من طريق عبد الرحمن بن شيبة العبدري أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وجع فجعل يتقلب على فراشه ويشتكي فقالت له عائشة لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه فقال إن الصالحين يشدد عليهم وأنه لا يصيب المؤمن نكبة شوكة الحديث انتهى ملخصًا وهذا الحديث رواه مسلم في الأدب من طريق ابن وهب والنسائي عن قتيبة كلاهما عن مالك به وله طرق كثيرة في الصحيحين وغيرهما ( مالك عن محمد بن عبد الله بن أبي صعصعة) بمهملات المازني المدني مات سنة تسع وثلاثين ومائة ( أنه قال سمعت أبا الحباب) بضم الحاء المهملة وخفة الموحدة ( سعيد بن يسار) المدني الثقة المتقن مات سنة سبع عشرة وقيل ست عشرة ومائة ( يقول سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرًا) أي جميع الخيرات أو خيرًا عظيمًا ( يصب منه) بضم التحتية وكسر الصاد عند أكثر المحدثين وهو الأشهر في الرواية والفاعل ضمير الله وقال ابن الجوزي سمعت ابن الخشاب يقرؤه بفتحها وهو أحسن وأليق قال الطيبي أليق بالأدب لقوله تعالى { { وإذا مرضت فهو يشفين } } ويشهد للأول ما أخرجه أحمد برواة ثقات عن محمود بن لبيد رفعه لكن اختلف في سماع محمود من المصطفى ولفظه إذا أحب الله قومًا ابتلاهم من صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع ومعنى حديث الباب ينل منه بالمصائب ويبتليه بها ليثيبه عليها قاله غير واحد وقال البيضاوي أي يوصل إليه المصائب ليطهره من الذنوب ويرفع درجته وهي اسم لكل مكروه وذلك لأن الابتلاء بالمصائب طب إلهي يداوى به الإنسان من أمراض الذنوب المهلكة ويصح عود ضمير يصب إلى من وضمير منه إلى الله أو إلى الخير والمعنى أن الخير لا يحصل للإنسان إلا بإرادته تعالى وعليه فلا شاهد فيه للمعتزلة في أن الشر ليس من الله لكونه ذكر الخير دون الشر لأن ترك ذكره لا يدل على أنه ليس منه وإنما تركه لوضوحه لأن الخير الذي هو أمر مراد لمن يحصل له مختار مرضي به إذا كان بإرادة الغير لا من نفسه فلأن يكون ما يحصل بغير إرادة ورضا أولى وفيه بشرى عظيمة لكل مؤمن لأن الآدمي لا ينفك غالبًا من ألم بسبب مرض أو هم ونحو ذلك ورواه البخاري في الطب عن عبد الله بن يوسف عن مالك به ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( أن رجلاً) لم يسم ( جاءه الموت في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل) لم يسم ( هنيئًا له مات ولم يبتل بمرض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحك) كلمة رحمة لمن وقع في هلكة لا يستحقها كما أن ويل كلمة عذاب لمن يستحقه وهما منصوبان بإضمار فعل ( وما يدريك) يعلمك ( لو أن الله ابتلاه بمرض يكفر به من سيئاته) فإن غير المعصوم لا يخلو غالبًا من مواقعة السيئات فالمرض مكفر لها أو رافع للدرجات وكاسر لشماخة النفس وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم خطب امرأة فوصفها أبوها بالجمال ثم قال وأزيدك أنها لم تمرض قط فقال صلى الله عليه وسلم ما لهذه عند الله من خير.



رقم الحديث 1714 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحُبَابِ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ.


( ما جاء في أجر المريض)

( مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار) وصله ابن عبد البر من طريق عباد بن كثير المكي قال وليس بالقوي وثقه بعضهم وضعفه ابن معين وغيره عن زيد عن عطاء عن أبي سعيد الخدري ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا مرض العبد) المسلم أي عرض لبدنه ما أخرجه عن الاعتدال الخاص به فأوجب الخلل في أفعاله أو أقواله ( بعث الله تعالى إليه ملكين فقال انظرا ماذا يقول لعواده) جمع عائد ( فإن هو إذا جاؤه حمد الله تعالى وأثنى عليه) بما هو أهله ( رفعا ذلك إلى الله عز وجل وهو أعلم) بذلك منهما ومن غيرهما فإنما القصد الحث على الحمد والثناء والإخبار بجزاء ذلك كما قال ( فيقول) الله ( لعبدي علي إن توفيته) أمته ( أن أدخله الجنة) بلا عذاب أو مع السابقين ( وإن أنا أشفيته) عافيته من مرضه ( أن أبدله لحمًا خيرًا من لحمه ودمًا خيرًا من دمه وأن أكفر عنه سيئاته) الصغائر كلها وما اقتضاه ظاهره من شرط الصبر إنما هو مقيد بهذا الثواب المخصوص فلا ينافي خبر الطبراني وغيره عن أنس رفعه إذا مرض العبد خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه المقتضى ترتب تكفير الذنوب على المرض سواء انضم له صبر أم لا واشتراط القرطبي الصبر منع بأنه لا دليل عليه واحتجاجه بوقوع التقييد بالصبر في أخبار لا تنهض لأن ما صح منها مقيد بثواب مخصوص فاعتبر فيها الصبر لحصوله ولن نجد حديثًا صحيحًا ترتب فيه مطلق التكفير على مطلق المرض مع اعتبار الصبر وقد اعتبر من الأحاديث في ذلك فتحرر لي ما ذكرته قال الحافظ الزين العراقي ويأتي له مزيد في تاليه ( مالك عن يزيد) بتحتية فزاي ( ابن خصيفة) بخاء معجمة فصاد مهملة مصغر نسبة إلى جده وأبوه عبد الله بن خصيفة بن عبد الله بن يزيد الكندي المدني ثقة من رجال الجميع ( عن عروة بن الزبير أنه قال سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب المؤمن من مصيبة) أصلها الرمي بالسهم ثم استعملت في كل نازلة وقال الراغب أصاب يستعمل في الخير والشر قال تعالى { { وإن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة } } الآية وقيل الإصابة في الخير مأخوذة من الصوب وهو المطر الذي ينزل بقدر الحاجة من غير ضرر وفي الشر مأخوذة من إصابة السهم وقال الكرماني المصيبة لغة ما ينزل بالإنسان مطلقًا وعرفًا ما نزل به من مكروه خاصة وهو المراد هنا وفي رواية مسلم من طريق مالك ويونس جميعًا عن الزهري ما من مصيبة يصاب بها المسلم ولأحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري ما من وجع أو مرض يصيب المؤمن ( حتى الشوكة) المرة من مصدر شاكه بدليل جعلها غاية للمعاني وقوله في رواية يشاكها ولو أراد الواحدة من النبات لقال يشاك بها قاله البيضاوي وقال الحافظ جوزوا فيه الحركات الثلاث فالجر بمعنى الغاية أي ينتهي إلى الشوكة أو عطفًا على لفظ مصيبة والنصب بتقدير عامل أي حتى وجدانه الشوكة والرفع عطفًا على الضمير في يصيب وقال القرطبي قيده المحققون بالرفع والنصب فالرفع على الابتداء ولا يجوز على المحل ( إلا قص) بالقاف والصاد المهملة أي أخذ ( بها) وأصل القص الأخذ ومنه القصاص أخذ حق المقتص له وفي رواية نقص وهما متقاربا المعنى قاله عياض ( أو كفر بها من خطاياه لا يدري يزيد) بن خصيفة ( أيهما) أي اللفظين قص أو كفر ( قال عروة) وفي رواية لأحمد إلا كان كفارة لذنبه أي لكون ذلك عقوبة بسبب ما كان صدر منه من المعصية ولكون ذلك سببًا لمغفرة ذنبه وفي رواية لمسلم إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة قال الحافظ وهذا يقتضي حصول الأمرين معًا حصول الثواب ورفع العقاب وشاهده ما للطبراني الأوسط من وجه آخر عن عائشة بلفظ ما ضرب على مؤمن عرق قط إلا حط الله عنه به خطيئة وكتب له حسنة ورفع له درجة وسنده جيد وما في مسلم من طريق عمرة عنها إلا كتب له بها حسنة أو حط عنه بها خطيئة فيحتمل أن يكون أو شكا من الراوي ويحتمل التنويع وهو أوجه ويكون المعنى إلا كتب الله بها حسنة إن لم يكن عليه خطايا أو حط عنه إن كانت له خطايا وعلى هذا فمقتضى الأول أن من ليست عليه خطيئة يزاد في رفع درجته بقدر ذلك والفضل واسع وفي هذا الحديث تعقب على قول العز بن عبد السلام ظن بعض الجهلة أن المصاب مأجور وهو خطأ صريح فإن الثواب والعقاب إنما هو على الكسب والمصائب ليست منها بل الأجر على الصبر والرضا ووجه ( التعقب) أن الأحاديث الصحيحة صريحة في ثبوت الأجر بمجرد حصول المصيبة وأما الصبر والرضا فقدر زائد يمكن أن يثاب عليهما زيادة على ثواب المصيبة قال الشهاب القرافي المصائب كفارات جزمًا سواء اقترن بها الرضا أم لا لكن إن اقترن بها الرضا عظم التكفير وإلا فلا كذا قال والتحقيق أن المصيبة كفارة لذنب يوازيها وبالرضا يؤجر على ذلك فإن لم يكن للمصاب ذنب عوض عن ذلك من الثواب بما يوازيه وزعم القرافي أنه لا يجوز لأحد أن يقول للمصاب جعل الله هذه المصيبة كفارة لذنبك لأن الشارع قد جعلها كفارة فسؤال التكفير طلب لحصول الحاصل وهو إساءة أدب على الشارع وتعقب بما ورد من جواز الدعاء بما هو واقع كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسؤال الوسيلة له وأجيب عنه بأن الكلام فيما لم يرد فيه شيء وأما ما ورد فهو مشروع ليثاب من امتثل الأمر على ذلك ولهذا الحديث سبب أخرجه أحمد وصححه أبو عوانة والحاكم من طريق عبد الرحمن بن شيبة العبدري أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وجع فجعل يتقلب على فراشه ويشتكي فقالت له عائشة لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه فقال إن الصالحين يشدد عليهم وأنه لا يصيب المؤمن نكبة شوكة الحديث انتهى ملخصًا وهذا الحديث رواه مسلم في الأدب من طريق ابن وهب والنسائي عن قتيبة كلاهما عن مالك به وله طرق كثيرة في الصحيحين وغيرهما ( مالك عن محمد بن عبد الله بن أبي صعصعة) بمهملات المازني المدني مات سنة تسع وثلاثين ومائة ( أنه قال سمعت أبا الحباب) بضم الحاء المهملة وخفة الموحدة ( سعيد بن يسار) المدني الثقة المتقن مات سنة سبع عشرة وقيل ست عشرة ومائة ( يقول سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرًا) أي جميع الخيرات أو خيرًا عظيمًا ( يصب منه) بضم التحتية وكسر الصاد عند أكثر المحدثين وهو الأشهر في الرواية والفاعل ضمير الله وقال ابن الجوزي سمعت ابن الخشاب يقرؤه بفتحها وهو أحسن وأليق قال الطيبي أليق بالأدب لقوله تعالى { { وإذا مرضت فهو يشفين } } ويشهد للأول ما أخرجه أحمد برواة ثقات عن محمود بن لبيد رفعه لكن اختلف في سماع محمود من المصطفى ولفظه إذا أحب الله قومًا ابتلاهم من صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع ومعنى حديث الباب ينل منه بالمصائب ويبتليه بها ليثيبه عليها قاله غير واحد وقال البيضاوي أي يوصل إليه المصائب ليطهره من الذنوب ويرفع درجته وهي اسم لكل مكروه وذلك لأن الابتلاء بالمصائب طب إلهي يداوى به الإنسان من أمراض الذنوب المهلكة ويصح عود ضمير يصب إلى من وضمير منه إلى الله أو إلى الخير والمعنى أن الخير لا يحصل للإنسان إلا بإرادته تعالى وعليه فلا شاهد فيه للمعتزلة في أن الشر ليس من الله لكونه ذكر الخير دون الشر لأن ترك ذكره لا يدل على أنه ليس منه وإنما تركه لوضوحه لأن الخير الذي هو أمر مراد لمن يحصل له مختار مرضي به إذا كان بإرادة الغير لا من نفسه فلأن يكون ما يحصل بغير إرادة ورضا أولى وفيه بشرى عظيمة لكل مؤمن لأن الآدمي لا ينفك غالبًا من ألم بسبب مرض أو هم ونحو ذلك ورواه البخاري في الطب عن عبد الله بن يوسف عن مالك به ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( أن رجلاً) لم يسم ( جاءه الموت في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل) لم يسم ( هنيئًا له مات ولم يبتل بمرض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحك) كلمة رحمة لمن وقع في هلكة لا يستحقها كما أن ويل كلمة عذاب لمن يستحقه وهما منصوبان بإضمار فعل ( وما يدريك) يعلمك ( لو أن الله ابتلاه بمرض يكفر به من سيئاته) فإن غير المعصوم لا يخلو غالبًا من مواقعة السيئات فالمرض مكفر لها أو رافع للدرجات وكاسر لشماخة النفس وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم خطب امرأة فوصفها أبوها بالجمال ثم قال وأزيدك أنها لم تمرض قط فقال صلى الله عليه وسلم ما لهذه عند الله من خير.



رقم الحديث 1715 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ رَجُلًا جَاءَهُ الْمَوْتُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَجُلٌ: هَنِيئًا لَهُ.
مَاتَ وَلَمْ يُبْتَلَ بِمَرَضٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَيْحَكَ، وَمَا يُدْرِيكَ، لَوْ أَنَّ اللَّهَ ابْتَلَاهُ بِمَرَضٍ يُكَفِّرُ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ.


( ما جاء في أجر المريض)

( مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار) وصله ابن عبد البر من طريق عباد بن كثير المكي قال وليس بالقوي وثقه بعضهم وضعفه ابن معين وغيره عن زيد عن عطاء عن أبي سعيد الخدري ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا مرض العبد) المسلم أي عرض لبدنه ما أخرجه عن الاعتدال الخاص به فأوجب الخلل في أفعاله أو أقواله ( بعث الله تعالى إليه ملكين فقال انظرا ماذا يقول لعواده) جمع عائد ( فإن هو إذا جاؤه حمد الله تعالى وأثنى عليه) بما هو أهله ( رفعا ذلك إلى الله عز وجل وهو أعلم) بذلك منهما ومن غيرهما فإنما القصد الحث على الحمد والثناء والإخبار بجزاء ذلك كما قال ( فيقول) الله ( لعبدي علي إن توفيته) أمته ( أن أدخله الجنة) بلا عذاب أو مع السابقين ( وإن أنا أشفيته) عافيته من مرضه ( أن أبدله لحمًا خيرًا من لحمه ودمًا خيرًا من دمه وأن أكفر عنه سيئاته) الصغائر كلها وما اقتضاه ظاهره من شرط الصبر إنما هو مقيد بهذا الثواب المخصوص فلا ينافي خبر الطبراني وغيره عن أنس رفعه إذا مرض العبد خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه المقتضى ترتب تكفير الذنوب على المرض سواء انضم له صبر أم لا واشتراط القرطبي الصبر منع بأنه لا دليل عليه واحتجاجه بوقوع التقييد بالصبر في أخبار لا تنهض لأن ما صح منها مقيد بثواب مخصوص فاعتبر فيها الصبر لحصوله ولن نجد حديثًا صحيحًا ترتب فيه مطلق التكفير على مطلق المرض مع اعتبار الصبر وقد اعتبر من الأحاديث في ذلك فتحرر لي ما ذكرته قال الحافظ الزين العراقي ويأتي له مزيد في تاليه ( مالك عن يزيد) بتحتية فزاي ( ابن خصيفة) بخاء معجمة فصاد مهملة مصغر نسبة إلى جده وأبوه عبد الله بن خصيفة بن عبد الله بن يزيد الكندي المدني ثقة من رجال الجميع ( عن عروة بن الزبير أنه قال سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب المؤمن من مصيبة) أصلها الرمي بالسهم ثم استعملت في كل نازلة وقال الراغب أصاب يستعمل في الخير والشر قال تعالى { { وإن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة } } الآية وقيل الإصابة في الخير مأخوذة من الصوب وهو المطر الذي ينزل بقدر الحاجة من غير ضرر وفي الشر مأخوذة من إصابة السهم وقال الكرماني المصيبة لغة ما ينزل بالإنسان مطلقًا وعرفًا ما نزل به من مكروه خاصة وهو المراد هنا وفي رواية مسلم من طريق مالك ويونس جميعًا عن الزهري ما من مصيبة يصاب بها المسلم ولأحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري ما من وجع أو مرض يصيب المؤمن ( حتى الشوكة) المرة من مصدر شاكه بدليل جعلها غاية للمعاني وقوله في رواية يشاكها ولو أراد الواحدة من النبات لقال يشاك بها قاله البيضاوي وقال الحافظ جوزوا فيه الحركات الثلاث فالجر بمعنى الغاية أي ينتهي إلى الشوكة أو عطفًا على لفظ مصيبة والنصب بتقدير عامل أي حتى وجدانه الشوكة والرفع عطفًا على الضمير في يصيب وقال القرطبي قيده المحققون بالرفع والنصب فالرفع على الابتداء ولا يجوز على المحل ( إلا قص) بالقاف والصاد المهملة أي أخذ ( بها) وأصل القص الأخذ ومنه القصاص أخذ حق المقتص له وفي رواية نقص وهما متقاربا المعنى قاله عياض ( أو كفر بها من خطاياه لا يدري يزيد) بن خصيفة ( أيهما) أي اللفظين قص أو كفر ( قال عروة) وفي رواية لأحمد إلا كان كفارة لذنبه أي لكون ذلك عقوبة بسبب ما كان صدر منه من المعصية ولكون ذلك سببًا لمغفرة ذنبه وفي رواية لمسلم إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة قال الحافظ وهذا يقتضي حصول الأمرين معًا حصول الثواب ورفع العقاب وشاهده ما للطبراني الأوسط من وجه آخر عن عائشة بلفظ ما ضرب على مؤمن عرق قط إلا حط الله عنه به خطيئة وكتب له حسنة ورفع له درجة وسنده جيد وما في مسلم من طريق عمرة عنها إلا كتب له بها حسنة أو حط عنه بها خطيئة فيحتمل أن يكون أو شكا من الراوي ويحتمل التنويع وهو أوجه ويكون المعنى إلا كتب الله بها حسنة إن لم يكن عليه خطايا أو حط عنه إن كانت له خطايا وعلى هذا فمقتضى الأول أن من ليست عليه خطيئة يزاد في رفع درجته بقدر ذلك والفضل واسع وفي هذا الحديث تعقب على قول العز بن عبد السلام ظن بعض الجهلة أن المصاب مأجور وهو خطأ صريح فإن الثواب والعقاب إنما هو على الكسب والمصائب ليست منها بل الأجر على الصبر والرضا ووجه ( التعقب) أن الأحاديث الصحيحة صريحة في ثبوت الأجر بمجرد حصول المصيبة وأما الصبر والرضا فقدر زائد يمكن أن يثاب عليهما زيادة على ثواب المصيبة قال الشهاب القرافي المصائب كفارات جزمًا سواء اقترن بها الرضا أم لا لكن إن اقترن بها الرضا عظم التكفير وإلا فلا كذا قال والتحقيق أن المصيبة كفارة لذنب يوازيها وبالرضا يؤجر على ذلك فإن لم يكن للمصاب ذنب عوض عن ذلك من الثواب بما يوازيه وزعم القرافي أنه لا يجوز لأحد أن يقول للمصاب جعل الله هذه المصيبة كفارة لذنبك لأن الشارع قد جعلها كفارة فسؤال التكفير طلب لحصول الحاصل وهو إساءة أدب على الشارع وتعقب بما ورد من جواز الدعاء بما هو واقع كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسؤال الوسيلة له وأجيب عنه بأن الكلام فيما لم يرد فيه شيء وأما ما ورد فهو مشروع ليثاب من امتثل الأمر على ذلك ولهذا الحديث سبب أخرجه أحمد وصححه أبو عوانة والحاكم من طريق عبد الرحمن بن شيبة العبدري أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وجع فجعل يتقلب على فراشه ويشتكي فقالت له عائشة لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه فقال إن الصالحين يشدد عليهم وأنه لا يصيب المؤمن نكبة شوكة الحديث انتهى ملخصًا وهذا الحديث رواه مسلم في الأدب من طريق ابن وهب والنسائي عن قتيبة كلاهما عن مالك به وله طرق كثيرة في الصحيحين وغيرهما ( مالك عن محمد بن عبد الله بن أبي صعصعة) بمهملات المازني المدني مات سنة تسع وثلاثين ومائة ( أنه قال سمعت أبا الحباب) بضم الحاء المهملة وخفة الموحدة ( سعيد بن يسار) المدني الثقة المتقن مات سنة سبع عشرة وقيل ست عشرة ومائة ( يقول سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرًا) أي جميع الخيرات أو خيرًا عظيمًا ( يصب منه) بضم التحتية وكسر الصاد عند أكثر المحدثين وهو الأشهر في الرواية والفاعل ضمير الله وقال ابن الجوزي سمعت ابن الخشاب يقرؤه بفتحها وهو أحسن وأليق قال الطيبي أليق بالأدب لقوله تعالى { { وإذا مرضت فهو يشفين } } ويشهد للأول ما أخرجه أحمد برواة ثقات عن محمود بن لبيد رفعه لكن اختلف في سماع محمود من المصطفى ولفظه إذا أحب الله قومًا ابتلاهم من صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع ومعنى حديث الباب ينل منه بالمصائب ويبتليه بها ليثيبه عليها قاله غير واحد وقال البيضاوي أي يوصل إليه المصائب ليطهره من الذنوب ويرفع درجته وهي اسم لكل مكروه وذلك لأن الابتلاء بالمصائب طب إلهي يداوى به الإنسان من أمراض الذنوب المهلكة ويصح عود ضمير يصب إلى من وضمير منه إلى الله أو إلى الخير والمعنى أن الخير لا يحصل للإنسان إلا بإرادته تعالى وعليه فلا شاهد فيه للمعتزلة في أن الشر ليس من الله لكونه ذكر الخير دون الشر لأن ترك ذكره لا يدل على أنه ليس منه وإنما تركه لوضوحه لأن الخير الذي هو أمر مراد لمن يحصل له مختار مرضي به إذا كان بإرادة الغير لا من نفسه فلأن يكون ما يحصل بغير إرادة ورضا أولى وفيه بشرى عظيمة لكل مؤمن لأن الآدمي لا ينفك غالبًا من ألم بسبب مرض أو هم ونحو ذلك ورواه البخاري في الطب عن عبد الله بن يوسف عن مالك به ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( أن رجلاً) لم يسم ( جاءه الموت في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل) لم يسم ( هنيئًا له مات ولم يبتل بمرض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحك) كلمة رحمة لمن وقع في هلكة لا يستحقها كما أن ويل كلمة عذاب لمن يستحقه وهما منصوبان بإضمار فعل ( وما يدريك) يعلمك ( لو أن الله ابتلاه بمرض يكفر به من سيئاته) فإن غير المعصوم لا يخلو غالبًا من مواقعة السيئات فالمرض مكفر لها أو رافع للدرجات وكاسر لشماخة النفس وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم خطب امرأة فوصفها أبوها بالجمال ثم قال وأزيدك أنها لم تمرض قط فقال صلى الله عليه وسلم ما لهذه عند الله من خير.