فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُتَحَابِّينَ فِي اللَّهِ

رقم الحديث 1739 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ لِجَلَالِي، الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي.


( ما جاء في المتحابين في الله)

( مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر) بن حزم الأنصاري أبي طوالة بضم الطاء المهملة المدني قاضيها لعمر بن عبد العزيز ثقة مات سنة أربع وثلاثين ومائة ويقال بعد ذلك ( عن أبي الحباب) بضم المهملة وموحدتين ( سعيد بن يسار) المدني ثقة متقن ( عن أبي هريرة أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تبارك وتعالى يقول) فيه رد على من كره ذلك وقال إنما يقال إن الله قال ويرد عليه هذا الحديث ونحوه وقوله تعالى { { والله يقول الحق } } يوم ( القيامة أين المتحابون) نداء تنويه وإكرام قاله القرطبي أي استعظام ( لجلالي) أي لعظمتي أي لأجل تعظيم حقي وطاعتي لا لغرض دنيا فخص الجلال بالذكر لدلالته على الهيبة والسطوة أي المنزهون عن شوائب الهوى والنفس والشيطان في المحبة فلا يتحابون إلا لأجلي ولوجهي لا لشيء من أمور الدنيا قيل التحابب للجلال أن لا يزيد الحب بالبر ولا ينقص بالجفاء ( اليوم أظلهم في ظلي) قال عياض هي إضافة خلق وتشريف لأن الظلال كلها خلق الله وجاء مفسرًا في ظل عرشي في رواية أخرى وظاهره أنه سبحانه يظلهم حقيقة من حر الشمس ووهج الموقف وأنفاس الخلائق وهو تأويل الأكثر وقال عيسى بن دينار كناية عن كنهم من المكاره وجعلهم في كنفه وستره ومنه السلطان ظل الله في الأرض وقولهم فلان في ظل فلان أي في كنفه وعزته وقد يكون الظل هنا كناية عن الراحة والتنعم من قولهم عيش ظليل ( يوم لا ظل إلا ظلي) أي ظل عرشي بدل من اليوم المتقدم أي لا يكون من له ظل مجازًا كما في الدنيا قال القرطبي فإن قيل حديث المرء في ظل صدقته حتى يقضي الله بين الخلائق وحديث سبعة يظلهم الله يدل على أن في القيامة ظلالاً غير ظل العرش أجيب بأن فيها ظلالاً بحسب الأعمال تقي أصحابها حر الشمس والنار وأنفاس الخلائق ولكن ظل العرش أعظمها وأشرفها يخص الله به من شاء من عباده الصالحين ومن جملتهم المتحابون في الله ويحتمل أنه ليس هناك إلا ظل العرش يستظل به المؤمنون أجمع ولكن لما كانت تلك الظلال لا تنال إلا بالأعمال وكانت الأعمال تختلف حصل لكل عامل ظل يخصه من ظل العرش بحسب عمله وسائر المؤمنين شركاء في ظله وهذا كله على أن الاستظلال حقيقي وتقدم ما لابن دينار وهذا الحديث رواه مسلم في البر عن قتيبة بن سعيد عن مالك به ( مالك عن خبيب) بخاء معجمة وموحدتين مصغر ( ابن عبد الرحمن) ابن حبيب الأنصاري المدني أبي الحارث ثقة مات سنة اثنين وثلاثين ومائة ( عن حفص بن عاصم) ابن عمر بن الخطاب العمري التابعي الثقة ( عن أبي سعيد الخدري أو عن أبي هريرة) بالشك لرواة الموطأ إلا مصعبًا الزبيري وموسى بن طارق فجعلاه عنهما بواو العطف وشذا في ذلك عن أصحاب مالك قاله الحافظ وذكر أبو عمر أن أبا معاذ البلخي عن مالك تابعهما في روايته بالواو قال ورواه زكريا بن يحيى الوقاد عن ابن وهب وابن القاسم ويوسف بن عمر بن يزيد كلهم عن مالك عن خبيب عن حفص عن أبي سعيد وحده ورواه عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم عن خاله خبيب عن جده حفص عن أبي هريرة وحده قال الحافظ في الأمالي المحفوظ عن مالك بالشك ورواية زكريا خطأ والمحفوظ عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة وحده كذلك أخرجه الشيخان والنسائي من طريق عبيد الله وهو أحد الحفاظ الأثبات وخبيب خاله وحفص جده ولم يشك فروايته أولى وتابعه مبارك بن فضالة عن خبيب أخرجه الطيالسي وقال في الفتح والظاهر أن عبيد الله حفظه لكونه لم يشك فيه ولكونه من رواية خاله وجده ( أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة) من الأشخاص مبتدأ خبره ( يظلهم الله في ظله) إضافة ملك وكل ظل فهو ملكه كذا قال عياض وحقه أن يقول إضافة تشريف ليحصل امتياز هذا عن غيره كما قيل للكعبة بيت الله مع أن المساجد كلها ملكه وقيل المراد كرامته ورحمته كما يقال فلان في ظل الملك وهو قول عيسى بن دينار وقواه عياض وقيل المراد ظل عرشه ويدل عليه حديث سلمان عن سعيد بن منصور بإسناد حسن سبعة يظلهم الله في ظل عرشه وإذا كان المراد ذلك استلزم كونهم في كنف الله وكرامته من غير عكس فهو أرجح وبه جزم القرطبي ويؤيده تقييد ذلك بيوم القيامة كما صرح به ابن المبارك في روايته عن عبيد الله بن عمر عند البخاري في الحدود وبه يندفع قول من قال المراد ظل طوبى أو ظل الجنة لأن ظلهما إنما يحصل لهم بعد الاستقرار في الجنة ثم أنه مشترك لجميع من يدخلها والسياق يدل على امتياز أصحاب الخصال المذكورة فترجح أن المراد ظل العرش وروى الترمذي وحسنه عن أبي سعيد مرفوعًا أحب الناس إلى الله يوم القيامة إمام عادل قاله الحافظ ( يوم لا ظل إلا ظله) أي ظل عرشه كما علم والإضافة للتشريف كناقة الله فإن الله منزه عن الظل إذ هو من خواص الأجسام ( إمام عادل) اسم فاعل من العدل كما رواه الأكثر قال الشاعر

ومن كان في إخوانه غير عادل
فما أحد في العدل منه بطامع

ورواه سعيد بن أبي مريم عن مالك بلفظ عدل وهو أبلغ لأنه جعل المسمى نفسه عدلاً قاله ابن عبد البر وهو الذي يتبع أمر الله بوضع كل شيء في موضعه بغير إفراط ولا تفريط أو الجامع للكمالات الثلاثة الحكمة والشجاعة والعفة التي هو أوساط القوى الثلاثة العقلية والغضبية والشهوانية والمراد به صاحب الولاية العظمى ويلتحق به كل من ولي شيئًا من أمور المسلمين فعدل فيه ويؤيده ما في مسلم عن عبد الله بن عمر ورفعه أن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما ملكت أيمانهم وما ولوا وقدمه في الذكر لأن نفعه أعم وقال صلى الله عليه وسلم الإمام العادل لا ترد دعوته ( وشاب نشأ) نبت وابتدأ ( في عبادة الله) أي لم يكن له صبوة قاله القرطبي وفي رواية مسلم بعبادة الله بالباء بمعنى في زاد في رواية الجوزقي حتى توفي على ذلك وفي حديث سلمان أفنى شبابه ونشاطه في عبادة الله وخص الشباب لأنه مظنة غلبة الشهوة لما فيه من قوة الباعث على متابعة الهوى فإن ملازمة العبادة مع ذلك أشد وأدل على غلبة التقوى ( ورجل قلبه متعلق) بفوقية بعد الميم وكسر اللام من العلاقة وهي شدة الحب ( بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه) زاد في حديث سلمان من حبها وعند ابن عساكر من حديث أبي هريرة معلق بالمساجد من شدة حبه إياها وذلك أنه لما آثر طاعة الله وغلب عليه حبه صار قلبه ملتفتًا إلى المسجد لا يحب البراح عنه لوجدانه فيه روح القربة وحلاوة الطاعة وفي رواية عبيد الله عن حبيب في الصحيحين معلق بدون تاء قال الحافظ ظاهره أنه من التعليق كأنه شبهه بالشيء المعلق في المسجد كالقنديل إشارة إلى طول الملازمة بقلبه وإن كان جسده خارجًا عنها ويدل عليه رواية الجوزقي كأنما قلبه معلق في المسجد ويحتمل أن يكون من العلاقة وهي شدة الحب ويدل عليه رواية أحمد معلق بالمساجد وكذا رواية متعلق بزيادة الفوقية زاد سلمان من حبها ( ورجلان تحابا) بشدة الموحدة وأصله تحاببا أي اشتركا في جنس المحبة وأحب كل منهما الآخر حقيقة لا إظهارًا فقط وفي رواية الجوزقي ورجلان قال كل منهما للآخر إني أحبك في الله فصدرا على ذلك ونحوه في حديث سلمان ( في الله) أي في طلب رضاه أو لأجله لا لغرض دنيوي ( اجتمعا على ذلك) الحب المذكور ( وتفرقا عليه) كما زيد في رواية الصحيحين أي استمرا على المحبة الدينية ولم يقطعاها بعارض دنيوي سواء اجتمعا حقيقة أم لا حتى فرق الموت بينهما أو المراد يحفظان الحب فيه في الحضور والغيبة ووقع في الجمع بين الصحيحين للحميدي اجتمعا على خير قال الحافظ ولم أر ذلك في شيء من نسخ الصحيحين ولا غيرهما من المستخرجات وهي عندي تحريف وعدت هذه الخصلة واحدة مع أن متعاطيها اثنان لأن المحبة لا تتم إلا باثنين أو لما كان المتحابان بمعنى واحد أغنى عد أحدهما عن الآخر لأن الغرض عد الخصال لا عد جميع من اتصف بها ( ورجل ذكر الله) بقلبه من التذكر أو لسانه من الذكر ( خاليًا) من الخلوة لأنه أقرب إلى الإخلاص وأبعد من الرياء أو خاليًا من الالتفات إلى غير الله ولو كان في ملإ ويؤيده رواية البيهقي ذكر الله بين يديه ويؤيد الأول رواية للبخاري وغيره ذكر الله في خلاء أي موضع خال وهي أصح ( ففاضت عيناه) أي فاضت الدموع من عينيه وأسند الفيض إلى العين مبالغة كأنها هي التي فاضت قال القرطبي وفيض العين بحسب حالة الذاكر وبحسب ما ينكشف له ففي حال أوصاف الجلال يكون البكى من خشية الله وفي حال أوصاف الجمال يكون من الشوق إليه قال الحافظ قد خص بالأول في رواية الجوزقي والبيهقي ففاضت عيناه من خشية الله ويشهد له ما رواه الحاكم عن أنس مرفوعًا من ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله حتى يصيب الأرض من دموعه لم يعذب يوم القيامة ( ورجل دعته) أي طلبته وبه عبر في الصحيحين ( ذات) بين الموصوف في رواية للبخاري ومسلم وأحمد فقال امرأة ذات ( حسب) أي أصل أو مال لأنه يطلق عليهما وفي الصحيحين ذات منصب أي أصل أو شرف ( وجمال) أي مزيد حسن زاد في رواية للبخاري إلى نفسها وللبيهقي عن أبي صالح عن أبي هريرة فعرضت نفسها عليه والظاهر أنها دعته إلى الفاحشة وبه جزم القرطبي وقال غيره يحتمل أنها دعته إلى التزويج بها فخاف أن يشتغل عن العبادة بالافتتان بها أو خاف أن لا يقوم بحقها لشغله بالعبادة عن التكسب بما يليق بها والأول أظهر ويؤيده الكناية في قوله إلى نفسها ولو أريد التزويج لصرح به ( فقال إني أخاف الله) زاد في رواية رب العالمين والظاهر أنه يقوله بلسانه إما ليزجرها عن الفاحشة أو ليعتذر إليها ويحتمل أن يقوله بقلبه قاله عياض وإنما يصدر هذا عن شدة خوف من الله ومتين تقوى وحياء كما قال القرطبي لأن الصبر على الموصوفة بأكمل الأوصاف التي جرت العادة بمزيد الرغبة لمن هي فيها وهو الحسب والمنصب المستلزم للجاه والمال مع الجمال وقل من يجتمع ذلك فيها من النساء من أكمل المراتب لكثرة الرغبة في مثلها وعسر تحصيلها لا سيما وقد أغنت من مشاق التوصل إليها بمراودة ونحوها ( ورجل تصدق بصدقة فأخفاها) أي كتمها عن الناس ونكرها ليشمل ما تصدق به من قليل وكثير وظاهره يشمل المندوبة والمفروضة لكن نقل النووي عن العلماء إن إظهار المفروضة أولى من إخفائها ( حتى لا تعلم) بفتح الميم نحو سرت حتى مغيب الشمس وضمها نحو مرض حتى لا يرجونه ( شماله ما تنفق يمينه) أي لو قدرت شماله رجلاً متيقظًا لما علم صدقة اليمين ذكر ذلك مبالغة في الإخفاء وضرب المثل بهما لقربهما وملازمتهما فهو من مجاز التشبيه ويؤيده رواية الجوزقي تصدق بصدقة كأنما أخفى يمينه من شماله أو من مجاز الحذف أي ملك شماله أو من على شماله من الناس كأنه قيل مجاوز شماله وأبعد من قال المراد بشماله نفسه من تسمية الكل باسم الجزء فإنه ينحل إلى أنه لا يعلم نفسه ما تنفق نفسه وقيل المراد لا يرائي بصدقته ولا يكتبها كاتب الشمال وحكى القرطبي عن بعض شيوخه أن معناه أن يتصدق على الضعيف المكتسب في صورة الشراء لترويج سلعته أو رفع قيمتها واستحسنه قال الحافظ وفيه نظر إن أراد أن هذه الصورة مراد الحديث خاصة وإن أراد أنها من صور الصدقة الخفية فمسلم ووقع في مسلم حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله قال عياض كذا في جميع نسخ مسلم التي وصلت إلينا وهو مقلوب والصواب الأول وهو وجه الكلام لأن السنة المعهودة في الصدقة إعطاؤها باليمين وقد ترجم عليه البخاري في الزكاة باب الصدقة باليمين قال ويشبه أن الوهم فيه ممن دون مسلم واستدل لذلك بما نوزع فيه وعارضه الحافظ بأنه ليس ممن دونه ولا منه بل من شيخه زهير بن حرب أو شيخ شيخه يحيى القطان وبه جزم أبو حامد بن الشرقي وفي جزمه نظر لأنه في البخاري وأحمد والإسماعيلي عن يحيى على الصواب وأطال في بيان ذلك وفي مسند أحمد بإسناد حسن عن أنس مرفوعًا أن الملائكة قالت رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال قال نعم الحديد قالت فهل أشد من الحديد قال نعم النار قالت فهل أشد من النار قال نعم الماء قالت فهل أشد من الماء قال نعم الريح قالت فهل أشد من الريح قال نعم ابن آدم يتصدق بيمينه فيخفيها عن شماله وذكر الرجل وصف طردي فالمرأة والخنثى مثله إلا في الإمامة العظمى ويمكن دخول المرأة في الإمام العادل حيث تكون ربة عيال فتعدل فيهم وإلا في ملازمة المسجد لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من المسجد وما عدا ذلك فالمشاركة حاصلة لهن حتى الذي دعته المرأة فإنه يتصور في امرأة دعاها ملك جميل مثلاً فامتنعت خوفًا من الله مع حاجتها أو شاب جميل دعاه ملك أن يزوجه ابنته مثلاً فخشي أن يرتكب منه الفاحشة فامتنع مع حاجته إليه وظاهر الحديث اختصاص السبعة المذكورين ووجهه الكرماني بما حاصله أن الطاعة إما بين العبد والرب أو بينه وبين الخلق فالأول باللسان وهو الذاكر أو بالقلب وهو المعلق بالمسجد أو بالبدن وهو الناشئ بالعبادة والثاني عام وهو العادل أو خاص بالقلب وهو التحاب أو بالمال وهو الصدقة أو بالبدن وهو العفة انتهى لكن دل استقراء الأحاديث على أن هذا العدد لا مفهوم له فإن هذا الحديث رواه مسلم عن يحيى التميمي والترمذي من طريق معن بن عيسى كلاهما عن مالك به وتابعه عبيد الله بن عمر في الصحيحين ورواه أبو نعيم وغيره من وجه آخر عن أبي هريرة فقال بدل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل كان في سرية مع قوم فلقوا العدو فانكشفوا فحمى آثارهم وفي لفظ أدبارهم حتى نجوا أو نجا أو استشهد قال الحافظ حسن غريب جدًا ورواه الحاكم والبيهقي من وجه آخر عن أبي هريرة فأبدل الشاب بقوله ورجل تعلم القرآن في صغره فهو يتلوه في كبره ولعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن سليمان موقوفًا وحكمه الرفع إذ لا يقال رأيًا فقال بدل الإمام والشاب ورجل يراعي الشمس لمواقيت الصلاة ورجل إن تكلم تكلم بعلم وإن سكت سكت عن حلم ولابن عدي عن أنس رفعه أربعة في ظل الله فقد عد الشاب والمتصدق والإمام قال ورجل تاجر اشترى وباع فلم يقل إلا حقًا وسنده ضعيف لكن له طريق آخر عنه مرفوعًا التاجر الصدوق تحت ظل العرش يوم القيامة رواه الديلمي وغيره وهو ضعيف لكن له شواهد عن سليمان وعلي وأبي هريرة وروى مسلم وغيره عن أبي اليسر مرفوعًا من أنظر معسرًا أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وفي زوائد المسند عن عثمان رفعه أظل الله عبدًا في ظله يوم لا ظل إلا ظله من أنظر معسرًا أو ترك لغارم وللطبراني عن شداد رفعه من أنظر معسرًا أو تصدق عليه أظله الله في ظله يوم القيامة والصدقة على المعسر أسهل من الوضع عنه فهي غيرها وللطبراني عن جابر مرفوعًا أظل الله في ظله يوم القيامة من أنظر معسرًا أو أعان أخرق وفيه ضعف والأخرق من لا صنعة له ولا يقدر أن يتعلم صنعة ولأحمد والحاكم وغيرهما عن سهل بن حنيف رفعه من أعان مجاهدًا في سبيل الله أو غارمًا في عسرته أو مكاتبًا في رقبته أظله الله في ظله يوم لا ظل له إلا ظله وإعانة الغارم غير الترك له لأنه أخص من إعانته فهذه عشرون ولابن عدي وصححه الضياء عن عمر مرفوعًا من أظل رأس غاز أظله الله يوم القيامة ولأبي الشيخ وغيره عن جابر رفعه ثلاث من كن فيه أظله الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله الوضوء على المكاره والمشي إلى المساجد في الظلم وإطعام الجائع قال الحافظ غريب وفيه ضعف لكن في الترغيب في كل من الثلاثة أحاديث قوية ورواه الطبراني عن جابر بلفظ من أطعم الجائع حتى يشبع أظله الله تحت ظل عرشه وإشباع الجائع أخص من مطلق إطعامه ولأبي الشيخ عن علي بإسناد ضعيف مرفوعًا فمن لزم البيع والشراء فلا يذم إذا اشترى ولا يحمد إذا باع وليصدق الحديث ويؤد الأمانة ولا يتمنى للمؤمنين الغلاء فإذا كان كذلك كان أحد السبعة الذين في ظل العرش وهذا قدر زائد على الصدق فيمكن أنها خصلة مستقلة وهي السادسة والعشرون وللطبراني عن أبي هريرة مرفوعًا أوحى الله إلى إبراهيم إن كلمتي سبقت لمن حسن خلقه أن أظله تحت ظل عرشي وله عن جابر مرفوعًا ومن كفل يتيمًا أو أرملة أظله الله في ظله يوم القيامة ولأحمد عن عائشة أتدرون من السابق إلى ظل الله يوم القيامة قالوا الله ورسوله أعلم قال الذين إذا أعطوا الحق قبلوه وإذا سئلوه بذلوه وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم قال الحافظ غريب وفيه ابن لهيعة وللحاكم وغيره عن أبي ذر مرفوعًا الحزين في ظل الله غريب وفيه ضعف ولابن شاهين وغيره عن الصديق رفعه الوالي العادل ظل الله ورمحه في الأرض فمن نصحه في نفسه وفي عباد الله أظله الله بظله يوم لا ظل إلا ظله ولأبي الشيخ وغيره عن الصديق مرفوعًا من أراد أن يظله الله بظله فلا يكن على المؤمنين غليظًا وليكن بالمؤمنين رحيمًا ولابن السني والديلمي بإسناد واه عن الصديق وعمران بن حصين قالا قال موسى لربه ما جزاء من عزى الثكلى قال أظله في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي ولابن أبي الدنيا عن فضيل بن عياض بلغني أن موسى قال أي رب من يظل تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك قال الذين يعودون المرضى ويشيعون الهلكى ويعزون الثكلى ولأبي سعيد السكري بإسناد واه جدًا عن علي رفعه السابقون إلى ظل العرش يوم القيامة طوبى لهم قال من هم قال شيعتك يا علي ومحبوك والبيهقي عن أبي الدرداء قال موسى يا رب من يستظل بظلك يوم لا ظل إلا ظلك قال أولئك الذين لا ينظرون بأعينهم الزنا ولا يبتغون في أموالهم الربا ولا يأخذون على أحكامهم الرشا قال الحافظ غريب ليس في رواته من اتفق على تركه والظاهر أن حكمه الرفع لأن أبا الدرداء لم يأخذ عن أهل الكتاب والتيمي في ترغيبه عن ابن عمر مرفوعًا ثلاثة يتحدثون في ظل العرش آمنين والناس في الحساب رجل لم يأخذه في الله لومة لائم ورجل لم يمد يده إلى ما لا يحل له ورجل لم ينظر إلى ما حرم عليه وروى طلحة بن علي بن الصقر عن ابن عباس قال من قرأ إذا صلى الغداة أول الأنعام إلى ويعلم ما تكسبون نزل إليه أربعون ألف ملك يكتب له مثل أعمالهم الحديث وفيه فإذا كان يوم القيامة قال الله امش في ظلي وأبو الشيخ والديلمي عن أنس رفعه ثلاثة في ظل العرش يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله واصل الرحم وامرأة مات زوجها وترك أيتامًا صغارًا فقالت لا أتزوج حتى يموتوا أو يغنيهم الله وعبد صنع طعامًا فأطاب صنعه وأحسن نفقته فدعا عليه الفقير والمسكين فأطعمهم لوجه الله والطبراني عن أبي أمامة رفعه ثلاثة في ظل الله يوم القيامة رجل حيث توجه علم أن الله معه ورجل دعته امرأة إلى نفسها فتركها من خشية الله ورجل يحب الناس لجلال الله فيه متروك وروى الخطيب بسند ضعيف جدًا عن أبي سعيد مرفوعًا إن المؤذنين ممن يظل يوم القيامة وأفرد المؤذن عن مراعي الشمس لأنه قد لا يكون مؤذنًا والديلمي بلا سند عن أنس مرفوعًا ثلاث تحت ظل العرش يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله من فرج عن مكروب من أمتي وأحيا سنتي وأكثر الصلاة علي والديلمي عن علي مرفوعًا إن حملة القرآن في ظل الله مع أنبيائه وأصفيائه ولا يلزم من حمله كونه تعلمه في صغره فهي غير السابقة ولأبي يعلى عن أنس رفعه إن المريض في ظل العرش والديلمي عن أبي هريرة مرفوعًا أهل الجوع في الدنيا خوفًا من الله يستظلون يوم القيامة والديلمي عن أبي الدرداء رفعه يوضع للصائمين موائد من ذهب تحت العرش وفي أمالي ابن ناصر عن أبي سعيد رفعه من صام من رجب ثلاثة عشر يومًا وضع الله له مائدة في ظل العرش وهو شديد الوهى والحارث بن أبي أسامة عن علي مرفوعًا من صلى ركعتين بعد ركعتي المغرب قرأ في كل ركعة الفاتحة وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة جاء يوم القيامة فلا يحجب حتى ينتهي إلى ظل العرش وهذا منكر والديلمي عن أنس مرفوعًا إن أطفال المؤمنين تحت ظل العرش والطبراني برجال ثقات عن ابن عمر مرفوعًا إن إبراهيم ابنه صلى الله عليه وسلم تحت ظل العرش ولأبي نعيم عن وهب قال موسى إلهي من ذكر بلسانه وقلبه قال أظله بظل عرشي ولابن عساكر عن ابن مسعود إن الله قال لموسى الذي لا يحسد الناس ولا يعق والديه ولا يمشي بالنميمة في ظل العرش ولأحمد عن عطاء بن يسار أن موسى سأل الله من تؤويه في ظل عرشك قال هم الطاهرة قلوبهم البرية أبدانهم الذين إذا ذكرت ذكروا بي وإذا ذكروا ذكرت بهم الذين ينيبون إلى ذكري ويغضون لمحارمي ويكلفون بحبي زاد ابن المبارك الذين يعمرون مساجدي ويستغفروني بالأسحار ولأبي نعيم إن الله قال لموسى الذين أذكرهم ويذكروني في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي والديلمي عن أنس مرفوعًا يقول الله قربوا أهل لا إله إلا الله من ظل عرشي فإني أحبهم والمراد خيار المؤمنين كما صرح به القرطبي وفي حديث مرفوع الشهداء في ظل العرش ولأبي داود صحيحًا عن ابن عباس مرفوعًا أن شهداء أحد أرواحهم في أجواف طير خضر تأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش والخطيب وغيره عن ابن عباس مرفوعًا اللهم اغفر للمعلمين وأطل أعمارهم وأظلهم تحت ظلك فإنهم يعلمون كتابك قال بعض الحفاظ موضوع ولأبي الشيخ والديلمي عن عبد الرحمن بن عوف مرفوعًا ثلاثة تحت ظل العرش القرآن يحاج العباد والأمانة والرحم ينادي ألا من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله ولأبي نعيم عن كعب الأحبار عن التوراة من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ودعا الناس إلى طاعتي فله صحبتي في الدنيا وفي القبر وفي القيامة ظلي وفي أمالي ابن البختري عن جابر مرفوعًا أنا في ظل الرحمن يوم القيامة ويروى عن أحمد في مناقب علي أنه يسير يوم القيامة بلواء الحمد وهو حامله والحسن عن يمينه والحسين عن يساره حتى يقف بينه صلى الله عليه وسلم وبين إبراهيم في ظل العرش وعن أبي موسى رفعه أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين يوم القيامة في قبة تحت العرش واعلم أن عد نبينا وإبراهيم وعلي وفاطمة والحسن والحسين لأنهم أخص من مطلق الأنبياء والأصفياء كما أن عد إبراهيم ابنه صلى الله عليه وسلم لأنه أخص من مطلق أولاد المؤمنين وشهداء أحد لأنهم أخص من مطلق الشهداء هذا خلاصة ما ذكره الحافظ السخاوي في مؤلفه قائلاً هذا ما يسر الله لي الوقوف عليه في مدة متطاولة وليس ذلك على وجه الحصر فيه بل باب الفضل مفتوح ووقف بها السيوطي إلى نيف وسبعين ونظمها واعترضه السخاوي بأنه أدرج ما لا تصريح فيه بالمراد منه في أحاديثه وإن أشعرت به كالزهد وقضاء الحوائج وصالح العبيد والإمام المرتضى للمؤمنين ولو أريد استيفاء ما شابه ذلك لزادت كثيرًا وأطال في بيان ذلك وقد كنت لخصت تأليف السخاوي في وريقات ونظمت هذه الخصال تذييلاً على بيت أبي شامة وأبيات الحافظ فقلت

أتى في الموطأ والصحيحين سبعة
يظلهم الله الكريم بظله

أشار لهم نظما إمام زمانه
أبو شامة إذ قال في بيت وصله

محب عفيف ناشئ متصدق
وباك مصل والإمام بعدله

وزاد عليه العسقلاني بعده
ثلاثًا من السبعات نظمًا بقوله

وزد سبعة إظلال غاز وعونه
وإنظار ذي عسر وتخفيف حمله

وحامي غزاة حين ولوا وعون ذي
غرامة حق مع مكاتب أهله

وزد مع ضعف سبعتين إعانة
لا خرق مع أخذ الحق وبذله

وكره وضوء ثم مشي لمسجد
وتحسين خلق ثم مطعم فضله

وكافل ذي يتم وأرملة وهت
وتاجر صدق في المقال وفعله

وحزن وتصبير ونصح ورأفة
تربع بها السبعات من فيض فضله

وقد زادها ستًا بضعف ولم تقع
منظمة منه فخذ نظم جمله

فحب على ثم ترك الرشوة
زنا وربا حكم لغير كمثله

ومن أول الأنعام آي ثلاثة
عقيب صلاة الصبح غاية نفله

وأوصلها الشيخ السخاوي أربعًا
وتسعين مع ضعف لإسناد جله

مراقب شمس للمواقيت ساكت
بحلم وعن علم يقول وعقله

ومن حفظ القرآن حالة صغره
وفي كبر يتلو وحامل كله

مريض وتشييع لميت عيادة
شهيد ومن في أحد فاز بقتله

وعلم بأن الله معه وتاجر
أمين بلا مدح وذم لرحله

ومن لم يمد اليد نحو محرم
عليه ولم ينظر إلى غير حله

محسن طعم للفقير مصدق
على معسر ترك الغريم لعسره

وكافلة أيتامها بعد زوجها
ومشبع جوع ثم واصل أهله

محب الأناسي للجلال مؤذن
ومن لم يخف في الله لوما لعدله

كذا رحم ثم الأمانة بعدها
خيار ذوي التوحيد طيب فعله

مفرج كرب ثم محيي لسنة
مصل على الهادي كثيرًا بأجله

قران وأهل الجوع خوفًا وصائم
ثلاثة عشر من رجب حوله

ومن يقرأ الإخلاص من بعد مغرب
ثلاثين في ثنتين من بعد نفله

وأطفال ذي الإيمان نجل نبينا
وغير حسود لا يعق لأصله

وطاهر قلب ليس يمشي نميمة
بريء ومكلوف بحب لربه

منيب ومذكور بذكر إلهه
لحرمته غضبان داع لسبله

وأمر بمعروف ونهي لمنكر
وذكر بقلب مع لسان لنبله

ومستغفر الأسحار عمار مسجد
كذلك صوام معلم طفله

ومن يذكر الرحمن مع ذكرهم له
كذا أنبياء الله مع أهل صفوه

خليل إله العرش فاطمة كذا
علي ونجلاه وخاتم رسله

عليه صلاة مع سلام به نرى
بحرمته يوم القيام بظله

( مالك عن سهيل) بضم السين ( ابن أبي صالح) ذكوان ( عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أحب الله العبد) أي رضي الله عنه وأراد به خيرًا وهداه ووفقه قال عياض المحبة الميل وهو على الله محال فالمعنى إرادة الخير له وإيصاله إليه انتهى فيرجع الأول إلى صفة معنى هي الإرادة والثاني إلى صفة فعل هي الإيصال ( قال لجبريل قد أحببت فلانًا فأحبه) أنت يا جبريل بهمزة قطع مفتوحة وكسر الحاء وفتح الموحدة ثقيلة بإدغام أحد المثلين والأصل فأحببه ( فيحبه جبريل ثم ينادي) بأمر الله إذ لا يفعلون إلا ما يؤمرون ( في أهل السماء) زاد في مسلم فيقول ( إن الله قد أحب فلانًا فأحبوه فيحبه أهل السماء) ما قابل الأرض فالمراد السموات السبع قال المازري هذا إعلام منه سبحانه وأمره الملائكة بذلك تنويه به وتشريف له في ذلك الملأ الكريم وهو نحو قوله تعالى أنا مع عبدي إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم قال عياض محبة جبريل والملائكة تحتمل الحقيقة من الميل ويجوز أن يراد بها ثناؤهم عليه واستغفارهم له ( ثم يضع له القبول) بفتح القاف المحبة والرضا وميل النفس ( في) أهل ( الأرض) أي يحدث له في القلوب مودة ويزرع له فيها مهابة فتحبه القلوب وترضى عنه النفوس من غير تودد منه ولا تعرض للأسباب التي يكتسب بها مودات القلوب من قرابة أو صداقة أو اصطناع معروف وإنما هو اختراع منه تعالى ابتداء تخصيصًا منه لأوليائه بكرامة خاصةً كما يقذف في قلوب أعدائه الرعب والهيبة إعظامًا لهم وإجلالاً لمكانهم قاله الزمخشري وقال ابن عبد البر فيه إن الله يبتدئ المحبة بين الناس والقرآن يشهد بذلك قال تعالى { { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا } } قال المفسرون يحبهم ويحببهم إلى الناس انتهى قال بعضهم وفائدة ذلك أن يستغفر له أهل السموات والأرض وينشأ عندهم هيبته وإعزازهم له { { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } } قال الأبي ولا يشكل علي الحديث أن كثيرًا ممن يحبه الله لا يعرف فضلاً عن وضع القبول له بدليل خبر رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لأن المعنى إذا أحبه قد يضع فالقضية مهملة في قوة الجزيئة لأن إذا وإن إهمال في الشرطيات لا كلية على ما تقرر في المنطق ( وإذا أبغض الله العبد) أي أراد به شرًا وأبعده عن الهداية ( قال مالك لا أحسبه) لا أظن سهيلاً ( إلا قال في البغض مثل ذلك) قال ابن عبد البر لم تختلف رواية مالك فيما علمت في هذا الحديث وقد رواه عن سهيل جماعة لم يشكوا منهم معمر وعبد العزيز ومنهم من لم يذكر البغض انتهى وأخرجه مسلم من طريق جرير عن سهيل بسنده فقال وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل فيقول إني أبغض فلانًا فأبغضه فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض ثم رواه من طريق يعقوب القاري وعبد العزيز الدراوردي والعلاء بن المسيب وابن وهب عن مالك وقال كلهم عن سهيل بهذا الإسناد غير أن حديث ابن المسيب ليس فيه ذكر البغض ثم أخرجه من طريق عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن سهيل قال كنا بعرفة فمر عمر بن عبد العزيز وهو على الموسم فقام الناس ينظرون إليه فقلت لأبي يا أبت إني أرى الله يحب عمر قال وما ذاك قلت لما له في قلوب الناس قال بأبيك أنت سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر مثل حديث جرير عن سهيل ورواه البخاري من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن أبي هريرة رفعه بدون ذكر البغض ( مالك عن أبي حازم) بمهملة وزاي سلمة ( بن دينار عن أبي إدريس) اسمه عائذ الله بالتحتية وذال معجمة ابن عبد الله ( الخولاني) التابعي الجليل ولد عام حنين ( أنه قال دخلت مسجد دمشق) بكسر الدال وفتح الميم بالشام ( فإذا فتى شاب براق الثنايا) أي أبيض الثغر حسنه قاله أبو عمر وقيل معناه كثير التبسم وفي رواية أدعج العينين وفي أخرى وضيء الوجه أكحل العينين وإذا الناس معه من الصحابة وغيرهم وفي رواية معه من الصحابة عشرون وفي أخرى ثلاثون أو نحو ذلك فكأنهم فوق العشرين ودون ثلاثين ( إذا اختلفوا في شيء أسندوا إليه) أي صعدوا إليه بمعنى أنهم يقفون عند قوله مأخوذ من أسند إلى الجبل إذا صعد فيه وفيه لطف هنا لأنه جبل علم بنص قوله صلى الله عليه وسلم أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل ( وصدروا عن قوله) ولقاسم بن أصبغ من طريق الوليد بن عبد الرحمن عن أبي إدريس فإذا اختلفوا في شيء فقال قولاً انتهوا إلى قوله ( فسألت عنه فقيل هذا معاذ بن جبل فلما كان الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير) أي التبكير إلى كل صلاة لحديث لو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولم يرد الخروج في الهاجرة قاله الهروي قال وهي لغة حجازية ( ووجدته يصلي قال فانتظرته حتى قضى صلاته) أي أتمها ( ثم جئته من قبل) جهة ( وجهه فسلمت عليه ثم قلت والله إني لأحبك لله) لا لغرض ( فقال آلله) بمد الهمزة والخفض ( فقلت آلله قال) أبو إدريس ( فقال معاذ) ثانيًا ( آلله فقلت آلله قال) أبو إدريس ( فأخذ) معاذ ( بحبو ردائي) بضم الحاء وإسكان الباء أي بالمحل الذي يحتبى به من الرداء فالحبوة ضم الساقين إلى البطن بثوب وفي رواية سعيد بن أبي مريم عن مالك فأخذ بحبوتي لم يقل ردائي ( فجبذني) تقديم الباء لغة صحيحة بمعنى جذبني بتقديم الذال وليست مقلوبة كما زعم وقد أنكره ابن السراج فقال ليس أحدهما مأخوذًا من الآخر لأن كل واحد متصرف في نفسه أي جرني وسحبني ( وقال أبشر) بهمزة قطع مفتوحة أبشر بالجنة ( فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تبارك وتعالى وجبت) وفي رواية ابن أبي شيبة عن عطاء بن مسلم حقت ( محبتي للمتحابين) بلفظ الجمع هنا وفيما بعده ( في والمتجالسين في) أي يتجالسون في محبتي بذكري وكان الجنيد مشغولاً في خلوته فإذا جاء إخوانه خرج وقعد معهم ويقول لو أعلم شيئًا أفضل من مجالستكم ما خرجت إليكم وذلك أن لمجالسة الخواص أثرًا في صفاء الحضور ونشر العلوم ما ليس لغيرهم ( والمتباذلين في) قال الباجي الذين يبذلون أنفسهم في مرضاته من الإنفاق على جهاد عدوه وغير ذلك مما أمروا به وقال غيره أي يبذل كل واحد منهم لصاحبه نفسه وماله في مهماته في جميع حالاته في الله كما فعل الصديق يبذل نفسه ليلة الغار وبذل ماله ( والمتزاورين في) لا لغرض دنيوي ولا أخروي زاد الطبراني في روايته والمتصادقين في وذلك لأن قلوبهم لهت عن كل شيء سواه فتعلقت بتوحيده فألف بينهم بروحه وروح الجلال أعظم شأنًا من أن يوصف فإذا وجدت قلوبهم نسيم روح الجلال كادت تطير في أماكنها شوقًا إليه فهم محبوسون بهذا الهيكل فصاروا في اللقاء يهش بعضهم لبعض ائتلافًا وتلذذًا وشوقًا لمحبوبهم الأعظم فمن ثم وجب لهم الحب ففازوا بكمال القرب وهذا الحديث صحيح قال الحاكم على شرط الشيخين وقال ابن عبد البر هذا إسناد صحيح وفيه لقاء أبي إدريس لمعاذ وأنكرته طائفة لقول الزهري عن أبي إدريس أدركت عبادة بن الصامت وفلانًا وفلانًا وفاتني معاذ بن جبل ولذا قال قوم وهم مالك فأسقط من إسناده أبا مسلم الخراساني وزعموا أن أبا إدريس رواه عن أبي مسلم عن معاذ وقال آخرون غلط أبو حازم في قوله عن أبي إدريس عن معاذ إنما هو عن عبادة بن الصامت وهذا كله تخرص وظن لا يغني من الحق شيئًا فقد رواه جماعة عن أبي حازم كرواية مالك سواء منهم ابن أبي حازم وجاء عن أبي إدريس من وجوه شتى غير أبي حازم منهم الوليد بن عبد الرحمن وعطاء الخراساني كلاهما عند قاسم بن أصبغ بإسناد صحيح بنحو حديث الموطأ وشهر بن حوشب حدثني عائذ الله بن عبيد الله أنه سمع معاذ بن جبل يقول إن الذين يتحابون من جلال الله في ظل عرشه فقد ثبت أن أبا إدريس لقي معاذًا وسمع منه فلا شيء في هذا على مالك ولا على أبي حازم فيحمل قول ابن شهاب عنه فاتني معاذ على فوات لزوم وطول مجالسته أو فاتني في حديث كذا أو معنى كذا وليس سماعه منه بمنكر فإنه ولد يوم حنين ومات معاذ بالشام سنة ثمان عشرة وهو ابن ثلاث أو أربع وثلاثين سنة ولا يقدح في ذلك رواية من رواه عنه عن عبادة لجواز أن عبادة ومعاذًا وغيرهما سمعوا ذلك منه صلى الله عليه وسلم انتهى ملخصًا ( مالك أنه بلغه عن عبد الله بن عباس أنه كان يقول) موقوفًا وله حكم الرفع إذ هو لا يقال رأيًا وقد أخرجه الطبراني في الكبير عن عبد الله بن سرخس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( القصد) أي التوسط في الأمور بين طرفي الإفراط والتفريط ( والتؤدة) بضم الفوقية وفتح الهمزة والدال المهملة أي الرفق والتأني ( وحسن السمت) الهيئة والمنظر وأصل السمت الطريق ثم استعير للزي الحسن والهيئة المثلى في الملبس وغيره ( جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة) قال الباجي يريد أن هذه من أخلاق الأنبياء وصفاتهم التي طبعوا عليها وأمروا بها وجبلوا على التزامها قال ونعتقد هذه التجزئة ولا ندري وجهها يعني لأن ذلك من علوم النبوة فطريق معرفة ذلك بالرأي والاستنباط مسدود.



رقم الحديث 1740 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَوْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُتعَلِّقٌ بالْمَسْجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَى ذَلِكَ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ ذَاتُ حَسَبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ.


( ما جاء في المتحابين في الله)

( مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر) بن حزم الأنصاري أبي طوالة بضم الطاء المهملة المدني قاضيها لعمر بن عبد العزيز ثقة مات سنة أربع وثلاثين ومائة ويقال بعد ذلك ( عن أبي الحباب) بضم المهملة وموحدتين ( سعيد بن يسار) المدني ثقة متقن ( عن أبي هريرة أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تبارك وتعالى يقول) فيه رد على من كره ذلك وقال إنما يقال إن الله قال ويرد عليه هذا الحديث ونحوه وقوله تعالى { { والله يقول الحق } } يوم ( القيامة أين المتحابون) نداء تنويه وإكرام قاله القرطبي أي استعظام ( لجلالي) أي لعظمتي أي لأجل تعظيم حقي وطاعتي لا لغرض دنيا فخص الجلال بالذكر لدلالته على الهيبة والسطوة أي المنزهون عن شوائب الهوى والنفس والشيطان في المحبة فلا يتحابون إلا لأجلي ولوجهي لا لشيء من أمور الدنيا قيل التحابب للجلال أن لا يزيد الحب بالبر ولا ينقص بالجفاء ( اليوم أظلهم في ظلي) قال عياض هي إضافة خلق وتشريف لأن الظلال كلها خلق الله وجاء مفسرًا في ظل عرشي في رواية أخرى وظاهره أنه سبحانه يظلهم حقيقة من حر الشمس ووهج الموقف وأنفاس الخلائق وهو تأويل الأكثر وقال عيسى بن دينار كناية عن كنهم من المكاره وجعلهم في كنفه وستره ومنه السلطان ظل الله في الأرض وقولهم فلان في ظل فلان أي في كنفه وعزته وقد يكون الظل هنا كناية عن الراحة والتنعم من قولهم عيش ظليل ( يوم لا ظل إلا ظلي) أي ظل عرشي بدل من اليوم المتقدم أي لا يكون من له ظل مجازًا كما في الدنيا قال القرطبي فإن قيل حديث المرء في ظل صدقته حتى يقضي الله بين الخلائق وحديث سبعة يظلهم الله يدل على أن في القيامة ظلالاً غير ظل العرش أجيب بأن فيها ظلالاً بحسب الأعمال تقي أصحابها حر الشمس والنار وأنفاس الخلائق ولكن ظل العرش أعظمها وأشرفها يخص الله به من شاء من عباده الصالحين ومن جملتهم المتحابون في الله ويحتمل أنه ليس هناك إلا ظل العرش يستظل به المؤمنون أجمع ولكن لما كانت تلك الظلال لا تنال إلا بالأعمال وكانت الأعمال تختلف حصل لكل عامل ظل يخصه من ظل العرش بحسب عمله وسائر المؤمنين شركاء في ظله وهذا كله على أن الاستظلال حقيقي وتقدم ما لابن دينار وهذا الحديث رواه مسلم في البر عن قتيبة بن سعيد عن مالك به ( مالك عن خبيب) بخاء معجمة وموحدتين مصغر ( ابن عبد الرحمن) ابن حبيب الأنصاري المدني أبي الحارث ثقة مات سنة اثنين وثلاثين ومائة ( عن حفص بن عاصم) ابن عمر بن الخطاب العمري التابعي الثقة ( عن أبي سعيد الخدري أو عن أبي هريرة) بالشك لرواة الموطأ إلا مصعبًا الزبيري وموسى بن طارق فجعلاه عنهما بواو العطف وشذا في ذلك عن أصحاب مالك قاله الحافظ وذكر أبو عمر أن أبا معاذ البلخي عن مالك تابعهما في روايته بالواو قال ورواه زكريا بن يحيى الوقاد عن ابن وهب وابن القاسم ويوسف بن عمر بن يزيد كلهم عن مالك عن خبيب عن حفص عن أبي سعيد وحده ورواه عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم عن خاله خبيب عن جده حفص عن أبي هريرة وحده قال الحافظ في الأمالي المحفوظ عن مالك بالشك ورواية زكريا خطأ والمحفوظ عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة وحده كذلك أخرجه الشيخان والنسائي من طريق عبيد الله وهو أحد الحفاظ الأثبات وخبيب خاله وحفص جده ولم يشك فروايته أولى وتابعه مبارك بن فضالة عن خبيب أخرجه الطيالسي وقال في الفتح والظاهر أن عبيد الله حفظه لكونه لم يشك فيه ولكونه من رواية خاله وجده ( أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة) من الأشخاص مبتدأ خبره ( يظلهم الله في ظله) إضافة ملك وكل ظل فهو ملكه كذا قال عياض وحقه أن يقول إضافة تشريف ليحصل امتياز هذا عن غيره كما قيل للكعبة بيت الله مع أن المساجد كلها ملكه وقيل المراد كرامته ورحمته كما يقال فلان في ظل الملك وهو قول عيسى بن دينار وقواه عياض وقيل المراد ظل عرشه ويدل عليه حديث سلمان عن سعيد بن منصور بإسناد حسن سبعة يظلهم الله في ظل عرشه وإذا كان المراد ذلك استلزم كونهم في كنف الله وكرامته من غير عكس فهو أرجح وبه جزم القرطبي ويؤيده تقييد ذلك بيوم القيامة كما صرح به ابن المبارك في روايته عن عبيد الله بن عمر عند البخاري في الحدود وبه يندفع قول من قال المراد ظل طوبى أو ظل الجنة لأن ظلهما إنما يحصل لهم بعد الاستقرار في الجنة ثم أنه مشترك لجميع من يدخلها والسياق يدل على امتياز أصحاب الخصال المذكورة فترجح أن المراد ظل العرش وروى الترمذي وحسنه عن أبي سعيد مرفوعًا أحب الناس إلى الله يوم القيامة إمام عادل قاله الحافظ ( يوم لا ظل إلا ظله) أي ظل عرشه كما علم والإضافة للتشريف كناقة الله فإن الله منزه عن الظل إذ هو من خواص الأجسام ( إمام عادل) اسم فاعل من العدل كما رواه الأكثر قال الشاعر

ومن كان في إخوانه غير عادل
فما أحد في العدل منه بطامع

ورواه سعيد بن أبي مريم عن مالك بلفظ عدل وهو أبلغ لأنه جعل المسمى نفسه عدلاً قاله ابن عبد البر وهو الذي يتبع أمر الله بوضع كل شيء في موضعه بغير إفراط ولا تفريط أو الجامع للكمالات الثلاثة الحكمة والشجاعة والعفة التي هو أوساط القوى الثلاثة العقلية والغضبية والشهوانية والمراد به صاحب الولاية العظمى ويلتحق به كل من ولي شيئًا من أمور المسلمين فعدل فيه ويؤيده ما في مسلم عن عبد الله بن عمر ورفعه أن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما ملكت أيمانهم وما ولوا وقدمه في الذكر لأن نفعه أعم وقال صلى الله عليه وسلم الإمام العادل لا ترد دعوته ( وشاب نشأ) نبت وابتدأ ( في عبادة الله) أي لم يكن له صبوة قاله القرطبي وفي رواية مسلم بعبادة الله بالباء بمعنى في زاد في رواية الجوزقي حتى توفي على ذلك وفي حديث سلمان أفنى شبابه ونشاطه في عبادة الله وخص الشباب لأنه مظنة غلبة الشهوة لما فيه من قوة الباعث على متابعة الهوى فإن ملازمة العبادة مع ذلك أشد وأدل على غلبة التقوى ( ورجل قلبه متعلق) بفوقية بعد الميم وكسر اللام من العلاقة وهي شدة الحب ( بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه) زاد في حديث سلمان من حبها وعند ابن عساكر من حديث أبي هريرة معلق بالمساجد من شدة حبه إياها وذلك أنه لما آثر طاعة الله وغلب عليه حبه صار قلبه ملتفتًا إلى المسجد لا يحب البراح عنه لوجدانه فيه روح القربة وحلاوة الطاعة وفي رواية عبيد الله عن حبيب في الصحيحين معلق بدون تاء قال الحافظ ظاهره أنه من التعليق كأنه شبهه بالشيء المعلق في المسجد كالقنديل إشارة إلى طول الملازمة بقلبه وإن كان جسده خارجًا عنها ويدل عليه رواية الجوزقي كأنما قلبه معلق في المسجد ويحتمل أن يكون من العلاقة وهي شدة الحب ويدل عليه رواية أحمد معلق بالمساجد وكذا رواية متعلق بزيادة الفوقية زاد سلمان من حبها ( ورجلان تحابا) بشدة الموحدة وأصله تحاببا أي اشتركا في جنس المحبة وأحب كل منهما الآخر حقيقة لا إظهارًا فقط وفي رواية الجوزقي ورجلان قال كل منهما للآخر إني أحبك في الله فصدرا على ذلك ونحوه في حديث سلمان ( في الله) أي في طلب رضاه أو لأجله لا لغرض دنيوي ( اجتمعا على ذلك) الحب المذكور ( وتفرقا عليه) كما زيد في رواية الصحيحين أي استمرا على المحبة الدينية ولم يقطعاها بعارض دنيوي سواء اجتمعا حقيقة أم لا حتى فرق الموت بينهما أو المراد يحفظان الحب فيه في الحضور والغيبة ووقع في الجمع بين الصحيحين للحميدي اجتمعا على خير قال الحافظ ولم أر ذلك في شيء من نسخ الصحيحين ولا غيرهما من المستخرجات وهي عندي تحريف وعدت هذه الخصلة واحدة مع أن متعاطيها اثنان لأن المحبة لا تتم إلا باثنين أو لما كان المتحابان بمعنى واحد أغنى عد أحدهما عن الآخر لأن الغرض عد الخصال لا عد جميع من اتصف بها ( ورجل ذكر الله) بقلبه من التذكر أو لسانه من الذكر ( خاليًا) من الخلوة لأنه أقرب إلى الإخلاص وأبعد من الرياء أو خاليًا من الالتفات إلى غير الله ولو كان في ملإ ويؤيده رواية البيهقي ذكر الله بين يديه ويؤيد الأول رواية للبخاري وغيره ذكر الله في خلاء أي موضع خال وهي أصح ( ففاضت عيناه) أي فاضت الدموع من عينيه وأسند الفيض إلى العين مبالغة كأنها هي التي فاضت قال القرطبي وفيض العين بحسب حالة الذاكر وبحسب ما ينكشف له ففي حال أوصاف الجلال يكون البكى من خشية الله وفي حال أوصاف الجمال يكون من الشوق إليه قال الحافظ قد خص بالأول في رواية الجوزقي والبيهقي ففاضت عيناه من خشية الله ويشهد له ما رواه الحاكم عن أنس مرفوعًا من ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله حتى يصيب الأرض من دموعه لم يعذب يوم القيامة ( ورجل دعته) أي طلبته وبه عبر في الصحيحين ( ذات) بين الموصوف في رواية للبخاري ومسلم وأحمد فقال امرأة ذات ( حسب) أي أصل أو مال لأنه يطلق عليهما وفي الصحيحين ذات منصب أي أصل أو شرف ( وجمال) أي مزيد حسن زاد في رواية للبخاري إلى نفسها وللبيهقي عن أبي صالح عن أبي هريرة فعرضت نفسها عليه والظاهر أنها دعته إلى الفاحشة وبه جزم القرطبي وقال غيره يحتمل أنها دعته إلى التزويج بها فخاف أن يشتغل عن العبادة بالافتتان بها أو خاف أن لا يقوم بحقها لشغله بالعبادة عن التكسب بما يليق بها والأول أظهر ويؤيده الكناية في قوله إلى نفسها ولو أريد التزويج لصرح به ( فقال إني أخاف الله) زاد في رواية رب العالمين والظاهر أنه يقوله بلسانه إما ليزجرها عن الفاحشة أو ليعتذر إليها ويحتمل أن يقوله بقلبه قاله عياض وإنما يصدر هذا عن شدة خوف من الله ومتين تقوى وحياء كما قال القرطبي لأن الصبر على الموصوفة بأكمل الأوصاف التي جرت العادة بمزيد الرغبة لمن هي فيها وهو الحسب والمنصب المستلزم للجاه والمال مع الجمال وقل من يجتمع ذلك فيها من النساء من أكمل المراتب لكثرة الرغبة في مثلها وعسر تحصيلها لا سيما وقد أغنت من مشاق التوصل إليها بمراودة ونحوها ( ورجل تصدق بصدقة فأخفاها) أي كتمها عن الناس ونكرها ليشمل ما تصدق به من قليل وكثير وظاهره يشمل المندوبة والمفروضة لكن نقل النووي عن العلماء إن إظهار المفروضة أولى من إخفائها ( حتى لا تعلم) بفتح الميم نحو سرت حتى مغيب الشمس وضمها نحو مرض حتى لا يرجونه ( شماله ما تنفق يمينه) أي لو قدرت شماله رجلاً متيقظًا لما علم صدقة اليمين ذكر ذلك مبالغة في الإخفاء وضرب المثل بهما لقربهما وملازمتهما فهو من مجاز التشبيه ويؤيده رواية الجوزقي تصدق بصدقة كأنما أخفى يمينه من شماله أو من مجاز الحذف أي ملك شماله أو من على شماله من الناس كأنه قيل مجاوز شماله وأبعد من قال المراد بشماله نفسه من تسمية الكل باسم الجزء فإنه ينحل إلى أنه لا يعلم نفسه ما تنفق نفسه وقيل المراد لا يرائي بصدقته ولا يكتبها كاتب الشمال وحكى القرطبي عن بعض شيوخه أن معناه أن يتصدق على الضعيف المكتسب في صورة الشراء لترويج سلعته أو رفع قيمتها واستحسنه قال الحافظ وفيه نظر إن أراد أن هذه الصورة مراد الحديث خاصة وإن أراد أنها من صور الصدقة الخفية فمسلم ووقع في مسلم حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله قال عياض كذا في جميع نسخ مسلم التي وصلت إلينا وهو مقلوب والصواب الأول وهو وجه الكلام لأن السنة المعهودة في الصدقة إعطاؤها باليمين وقد ترجم عليه البخاري في الزكاة باب الصدقة باليمين قال ويشبه أن الوهم فيه ممن دون مسلم واستدل لذلك بما نوزع فيه وعارضه الحافظ بأنه ليس ممن دونه ولا منه بل من شيخه زهير بن حرب أو شيخ شيخه يحيى القطان وبه جزم أبو حامد بن الشرقي وفي جزمه نظر لأنه في البخاري وأحمد والإسماعيلي عن يحيى على الصواب وأطال في بيان ذلك وفي مسند أحمد بإسناد حسن عن أنس مرفوعًا أن الملائكة قالت رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال قال نعم الحديد قالت فهل أشد من الحديد قال نعم النار قالت فهل أشد من النار قال نعم الماء قالت فهل أشد من الماء قال نعم الريح قالت فهل أشد من الريح قال نعم ابن آدم يتصدق بيمينه فيخفيها عن شماله وذكر الرجل وصف طردي فالمرأة والخنثى مثله إلا في الإمامة العظمى ويمكن دخول المرأة في الإمام العادل حيث تكون ربة عيال فتعدل فيهم وإلا في ملازمة المسجد لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من المسجد وما عدا ذلك فالمشاركة حاصلة لهن حتى الذي دعته المرأة فإنه يتصور في امرأة دعاها ملك جميل مثلاً فامتنعت خوفًا من الله مع حاجتها أو شاب جميل دعاه ملك أن يزوجه ابنته مثلاً فخشي أن يرتكب منه الفاحشة فامتنع مع حاجته إليه وظاهر الحديث اختصاص السبعة المذكورين ووجهه الكرماني بما حاصله أن الطاعة إما بين العبد والرب أو بينه وبين الخلق فالأول باللسان وهو الذاكر أو بالقلب وهو المعلق بالمسجد أو بالبدن وهو الناشئ بالعبادة والثاني عام وهو العادل أو خاص بالقلب وهو التحاب أو بالمال وهو الصدقة أو بالبدن وهو العفة انتهى لكن دل استقراء الأحاديث على أن هذا العدد لا مفهوم له فإن هذا الحديث رواه مسلم عن يحيى التميمي والترمذي من طريق معن بن عيسى كلاهما عن مالك به وتابعه عبيد الله بن عمر في الصحيحين ورواه أبو نعيم وغيره من وجه آخر عن أبي هريرة فقال بدل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل كان في سرية مع قوم فلقوا العدو فانكشفوا فحمى آثارهم وفي لفظ أدبارهم حتى نجوا أو نجا أو استشهد قال الحافظ حسن غريب جدًا ورواه الحاكم والبيهقي من وجه آخر عن أبي هريرة فأبدل الشاب بقوله ورجل تعلم القرآن في صغره فهو يتلوه في كبره ولعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن سليمان موقوفًا وحكمه الرفع إذ لا يقال رأيًا فقال بدل الإمام والشاب ورجل يراعي الشمس لمواقيت الصلاة ورجل إن تكلم تكلم بعلم وإن سكت سكت عن حلم ولابن عدي عن أنس رفعه أربعة في ظل الله فقد عد الشاب والمتصدق والإمام قال ورجل تاجر اشترى وباع فلم يقل إلا حقًا وسنده ضعيف لكن له طريق آخر عنه مرفوعًا التاجر الصدوق تحت ظل العرش يوم القيامة رواه الديلمي وغيره وهو ضعيف لكن له شواهد عن سليمان وعلي وأبي هريرة وروى مسلم وغيره عن أبي اليسر مرفوعًا من أنظر معسرًا أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وفي زوائد المسند عن عثمان رفعه أظل الله عبدًا في ظله يوم لا ظل إلا ظله من أنظر معسرًا أو ترك لغارم وللطبراني عن شداد رفعه من أنظر معسرًا أو تصدق عليه أظله الله في ظله يوم القيامة والصدقة على المعسر أسهل من الوضع عنه فهي غيرها وللطبراني عن جابر مرفوعًا أظل الله في ظله يوم القيامة من أنظر معسرًا أو أعان أخرق وفيه ضعف والأخرق من لا صنعة له ولا يقدر أن يتعلم صنعة ولأحمد والحاكم وغيرهما عن سهل بن حنيف رفعه من أعان مجاهدًا في سبيل الله أو غارمًا في عسرته أو مكاتبًا في رقبته أظله الله في ظله يوم لا ظل له إلا ظله وإعانة الغارم غير الترك له لأنه أخص من إعانته فهذه عشرون ولابن عدي وصححه الضياء عن عمر مرفوعًا من أظل رأس غاز أظله الله يوم القيامة ولأبي الشيخ وغيره عن جابر رفعه ثلاث من كن فيه أظله الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله الوضوء على المكاره والمشي إلى المساجد في الظلم وإطعام الجائع قال الحافظ غريب وفيه ضعف لكن في الترغيب في كل من الثلاثة أحاديث قوية ورواه الطبراني عن جابر بلفظ من أطعم الجائع حتى يشبع أظله الله تحت ظل عرشه وإشباع الجائع أخص من مطلق إطعامه ولأبي الشيخ عن علي بإسناد ضعيف مرفوعًا فمن لزم البيع والشراء فلا يذم إذا اشترى ولا يحمد إذا باع وليصدق الحديث ويؤد الأمانة ولا يتمنى للمؤمنين الغلاء فإذا كان كذلك كان أحد السبعة الذين في ظل العرش وهذا قدر زائد على الصدق فيمكن أنها خصلة مستقلة وهي السادسة والعشرون وللطبراني عن أبي هريرة مرفوعًا أوحى الله إلى إبراهيم إن كلمتي سبقت لمن حسن خلقه أن أظله تحت ظل عرشي وله عن جابر مرفوعًا ومن كفل يتيمًا أو أرملة أظله الله في ظله يوم القيامة ولأحمد عن عائشة أتدرون من السابق إلى ظل الله يوم القيامة قالوا الله ورسوله أعلم قال الذين إذا أعطوا الحق قبلوه وإذا سئلوه بذلوه وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم قال الحافظ غريب وفيه ابن لهيعة وللحاكم وغيره عن أبي ذر مرفوعًا الحزين في ظل الله غريب وفيه ضعف ولابن شاهين وغيره عن الصديق رفعه الوالي العادل ظل الله ورمحه في الأرض فمن نصحه في نفسه وفي عباد الله أظله الله بظله يوم لا ظل إلا ظله ولأبي الشيخ وغيره عن الصديق مرفوعًا من أراد أن يظله الله بظله فلا يكن على المؤمنين غليظًا وليكن بالمؤمنين رحيمًا ولابن السني والديلمي بإسناد واه عن الصديق وعمران بن حصين قالا قال موسى لربه ما جزاء من عزى الثكلى قال أظله في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي ولابن أبي الدنيا عن فضيل بن عياض بلغني أن موسى قال أي رب من يظل تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك قال الذين يعودون المرضى ويشيعون الهلكى ويعزون الثكلى ولأبي سعيد السكري بإسناد واه جدًا عن علي رفعه السابقون إلى ظل العرش يوم القيامة طوبى لهم قال من هم قال شيعتك يا علي ومحبوك والبيهقي عن أبي الدرداء قال موسى يا رب من يستظل بظلك يوم لا ظل إلا ظلك قال أولئك الذين لا ينظرون بأعينهم الزنا ولا يبتغون في أموالهم الربا ولا يأخذون على أحكامهم الرشا قال الحافظ غريب ليس في رواته من اتفق على تركه والظاهر أن حكمه الرفع لأن أبا الدرداء لم يأخذ عن أهل الكتاب والتيمي في ترغيبه عن ابن عمر مرفوعًا ثلاثة يتحدثون في ظل العرش آمنين والناس في الحساب رجل لم يأخذه في الله لومة لائم ورجل لم يمد يده إلى ما لا يحل له ورجل لم ينظر إلى ما حرم عليه وروى طلحة بن علي بن الصقر عن ابن عباس قال من قرأ إذا صلى الغداة أول الأنعام إلى ويعلم ما تكسبون نزل إليه أربعون ألف ملك يكتب له مثل أعمالهم الحديث وفيه فإذا كان يوم القيامة قال الله امش في ظلي وأبو الشيخ والديلمي عن أنس رفعه ثلاثة في ظل العرش يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله واصل الرحم وامرأة مات زوجها وترك أيتامًا صغارًا فقالت لا أتزوج حتى يموتوا أو يغنيهم الله وعبد صنع طعامًا فأطاب صنعه وأحسن نفقته فدعا عليه الفقير والمسكين فأطعمهم لوجه الله والطبراني عن أبي أمامة رفعه ثلاثة في ظل الله يوم القيامة رجل حيث توجه علم أن الله معه ورجل دعته امرأة إلى نفسها فتركها من خشية الله ورجل يحب الناس لجلال الله فيه متروك وروى الخطيب بسند ضعيف جدًا عن أبي سعيد مرفوعًا إن المؤذنين ممن يظل يوم القيامة وأفرد المؤذن عن مراعي الشمس لأنه قد لا يكون مؤذنًا والديلمي بلا سند عن أنس مرفوعًا ثلاث تحت ظل العرش يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله من فرج عن مكروب من أمتي وأحيا سنتي وأكثر الصلاة علي والديلمي عن علي مرفوعًا إن حملة القرآن في ظل الله مع أنبيائه وأصفيائه ولا يلزم من حمله كونه تعلمه في صغره فهي غير السابقة ولأبي يعلى عن أنس رفعه إن المريض في ظل العرش والديلمي عن أبي هريرة مرفوعًا أهل الجوع في الدنيا خوفًا من الله يستظلون يوم القيامة والديلمي عن أبي الدرداء رفعه يوضع للصائمين موائد من ذهب تحت العرش وفي أمالي ابن ناصر عن أبي سعيد رفعه من صام من رجب ثلاثة عشر يومًا وضع الله له مائدة في ظل العرش وهو شديد الوهى والحارث بن أبي أسامة عن علي مرفوعًا من صلى ركعتين بعد ركعتي المغرب قرأ في كل ركعة الفاتحة وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة جاء يوم القيامة فلا يحجب حتى ينتهي إلى ظل العرش وهذا منكر والديلمي عن أنس مرفوعًا إن أطفال المؤمنين تحت ظل العرش والطبراني برجال ثقات عن ابن عمر مرفوعًا إن إبراهيم ابنه صلى الله عليه وسلم تحت ظل العرش ولأبي نعيم عن وهب قال موسى إلهي من ذكر بلسانه وقلبه قال أظله بظل عرشي ولابن عساكر عن ابن مسعود إن الله قال لموسى الذي لا يحسد الناس ولا يعق والديه ولا يمشي بالنميمة في ظل العرش ولأحمد عن عطاء بن يسار أن موسى سأل الله من تؤويه في ظل عرشك قال هم الطاهرة قلوبهم البرية أبدانهم الذين إذا ذكرت ذكروا بي وإذا ذكروا ذكرت بهم الذين ينيبون إلى ذكري ويغضون لمحارمي ويكلفون بحبي زاد ابن المبارك الذين يعمرون مساجدي ويستغفروني بالأسحار ولأبي نعيم إن الله قال لموسى الذين أذكرهم ويذكروني في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي والديلمي عن أنس مرفوعًا يقول الله قربوا أهل لا إله إلا الله من ظل عرشي فإني أحبهم والمراد خيار المؤمنين كما صرح به القرطبي وفي حديث مرفوع الشهداء في ظل العرش ولأبي داود صحيحًا عن ابن عباس مرفوعًا أن شهداء أحد أرواحهم في أجواف طير خضر تأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش والخطيب وغيره عن ابن عباس مرفوعًا اللهم اغفر للمعلمين وأطل أعمارهم وأظلهم تحت ظلك فإنهم يعلمون كتابك قال بعض الحفاظ موضوع ولأبي الشيخ والديلمي عن عبد الرحمن بن عوف مرفوعًا ثلاثة تحت ظل العرش القرآن يحاج العباد والأمانة والرحم ينادي ألا من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله ولأبي نعيم عن كعب الأحبار عن التوراة من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ودعا الناس إلى طاعتي فله صحبتي في الدنيا وفي القبر وفي القيامة ظلي وفي أمالي ابن البختري عن جابر مرفوعًا أنا في ظل الرحمن يوم القيامة ويروى عن أحمد في مناقب علي أنه يسير يوم القيامة بلواء الحمد وهو حامله والحسن عن يمينه والحسين عن يساره حتى يقف بينه صلى الله عليه وسلم وبين إبراهيم في ظل العرش وعن أبي موسى رفعه أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين يوم القيامة في قبة تحت العرش واعلم أن عد نبينا وإبراهيم وعلي وفاطمة والحسن والحسين لأنهم أخص من مطلق الأنبياء والأصفياء كما أن عد إبراهيم ابنه صلى الله عليه وسلم لأنه أخص من مطلق أولاد المؤمنين وشهداء أحد لأنهم أخص من مطلق الشهداء هذا خلاصة ما ذكره الحافظ السخاوي في مؤلفه قائلاً هذا ما يسر الله لي الوقوف عليه في مدة متطاولة وليس ذلك على وجه الحصر فيه بل باب الفضل مفتوح ووقف بها السيوطي إلى نيف وسبعين ونظمها واعترضه السخاوي بأنه أدرج ما لا تصريح فيه بالمراد منه في أحاديثه وإن أشعرت به كالزهد وقضاء الحوائج وصالح العبيد والإمام المرتضى للمؤمنين ولو أريد استيفاء ما شابه ذلك لزادت كثيرًا وأطال في بيان ذلك وقد كنت لخصت تأليف السخاوي في وريقات ونظمت هذه الخصال تذييلاً على بيت أبي شامة وأبيات الحافظ فقلت

أتى في الموطأ والصحيحين سبعة
يظلهم الله الكريم بظله

أشار لهم نظما إمام زمانه
أبو شامة إذ قال في بيت وصله

محب عفيف ناشئ متصدق
وباك مصل والإمام بعدله

وزاد عليه العسقلاني بعده
ثلاثًا من السبعات نظمًا بقوله

وزد سبعة إظلال غاز وعونه
وإنظار ذي عسر وتخفيف حمله

وحامي غزاة حين ولوا وعون ذي
غرامة حق مع مكاتب أهله

وزد مع ضعف سبعتين إعانة
لا خرق مع أخذ الحق وبذله

وكره وضوء ثم مشي لمسجد
وتحسين خلق ثم مطعم فضله

وكافل ذي يتم وأرملة وهت
وتاجر صدق في المقال وفعله

وحزن وتصبير ونصح ورأفة
تربع بها السبعات من فيض فضله

وقد زادها ستًا بضعف ولم تقع
منظمة منه فخذ نظم جمله

فحب على ثم ترك الرشوة
زنا وربا حكم لغير كمثله

ومن أول الأنعام آي ثلاثة
عقيب صلاة الصبح غاية نفله

وأوصلها الشيخ السخاوي أربعًا
وتسعين مع ضعف لإسناد جله

مراقب شمس للمواقيت ساكت
بحلم وعن علم يقول وعقله

ومن حفظ القرآن حالة صغره
وفي كبر يتلو وحامل كله

مريض وتشييع لميت عيادة
شهيد ومن في أحد فاز بقتله

وعلم بأن الله معه وتاجر
أمين بلا مدح وذم لرحله

ومن لم يمد اليد نحو محرم
عليه ولم ينظر إلى غير حله

محسن طعم للفقير مصدق
على معسر ترك الغريم لعسره

وكافلة أيتامها بعد زوجها
ومشبع جوع ثم واصل أهله

محب الأناسي للجلال مؤذن
ومن لم يخف في الله لوما لعدله

كذا رحم ثم الأمانة بعدها
خيار ذوي التوحيد طيب فعله

مفرج كرب ثم محيي لسنة
مصل على الهادي كثيرًا بأجله

قران وأهل الجوع خوفًا وصائم
ثلاثة عشر من رجب حوله

ومن يقرأ الإخلاص من بعد مغرب
ثلاثين في ثنتين من بعد نفله

وأطفال ذي الإيمان نجل نبينا
وغير حسود لا يعق لأصله

وطاهر قلب ليس يمشي نميمة
بريء ومكلوف بحب لربه

منيب ومذكور بذكر إلهه
لحرمته غضبان داع لسبله

وأمر بمعروف ونهي لمنكر
وذكر بقلب مع لسان لنبله

ومستغفر الأسحار عمار مسجد
كذلك صوام معلم طفله

ومن يذكر الرحمن مع ذكرهم له
كذا أنبياء الله مع أهل صفوه

خليل إله العرش فاطمة كذا
علي ونجلاه وخاتم رسله

عليه صلاة مع سلام به نرى
بحرمته يوم القيام بظله

( مالك عن سهيل) بضم السين ( ابن أبي صالح) ذكوان ( عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أحب الله العبد) أي رضي الله عنه وأراد به خيرًا وهداه ووفقه قال عياض المحبة الميل وهو على الله محال فالمعنى إرادة الخير له وإيصاله إليه انتهى فيرجع الأول إلى صفة معنى هي الإرادة والثاني إلى صفة فعل هي الإيصال ( قال لجبريل قد أحببت فلانًا فأحبه) أنت يا جبريل بهمزة قطع مفتوحة وكسر الحاء وفتح الموحدة ثقيلة بإدغام أحد المثلين والأصل فأحببه ( فيحبه جبريل ثم ينادي) بأمر الله إذ لا يفعلون إلا ما يؤمرون ( في أهل السماء) زاد في مسلم فيقول ( إن الله قد أحب فلانًا فأحبوه فيحبه أهل السماء) ما قابل الأرض فالمراد السموات السبع قال المازري هذا إعلام منه سبحانه وأمره الملائكة بذلك تنويه به وتشريف له في ذلك الملأ الكريم وهو نحو قوله تعالى أنا مع عبدي إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم قال عياض محبة جبريل والملائكة تحتمل الحقيقة من الميل ويجوز أن يراد بها ثناؤهم عليه واستغفارهم له ( ثم يضع له القبول) بفتح القاف المحبة والرضا وميل النفس ( في) أهل ( الأرض) أي يحدث له في القلوب مودة ويزرع له فيها مهابة فتحبه القلوب وترضى عنه النفوس من غير تودد منه ولا تعرض للأسباب التي يكتسب بها مودات القلوب من قرابة أو صداقة أو اصطناع معروف وإنما هو اختراع منه تعالى ابتداء تخصيصًا منه لأوليائه بكرامة خاصةً كما يقذف في قلوب أعدائه الرعب والهيبة إعظامًا لهم وإجلالاً لمكانهم قاله الزمخشري وقال ابن عبد البر فيه إن الله يبتدئ المحبة بين الناس والقرآن يشهد بذلك قال تعالى { { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا } } قال المفسرون يحبهم ويحببهم إلى الناس انتهى قال بعضهم وفائدة ذلك أن يستغفر له أهل السموات والأرض وينشأ عندهم هيبته وإعزازهم له { { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } } قال الأبي ولا يشكل علي الحديث أن كثيرًا ممن يحبه الله لا يعرف فضلاً عن وضع القبول له بدليل خبر رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لأن المعنى إذا أحبه قد يضع فالقضية مهملة في قوة الجزيئة لأن إذا وإن إهمال في الشرطيات لا كلية على ما تقرر في المنطق ( وإذا أبغض الله العبد) أي أراد به شرًا وأبعده عن الهداية ( قال مالك لا أحسبه) لا أظن سهيلاً ( إلا قال في البغض مثل ذلك) قال ابن عبد البر لم تختلف رواية مالك فيما علمت في هذا الحديث وقد رواه عن سهيل جماعة لم يشكوا منهم معمر وعبد العزيز ومنهم من لم يذكر البغض انتهى وأخرجه مسلم من طريق جرير عن سهيل بسنده فقال وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل فيقول إني أبغض فلانًا فأبغضه فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض ثم رواه من طريق يعقوب القاري وعبد العزيز الدراوردي والعلاء بن المسيب وابن وهب عن مالك وقال كلهم عن سهيل بهذا الإسناد غير أن حديث ابن المسيب ليس فيه ذكر البغض ثم أخرجه من طريق عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن سهيل قال كنا بعرفة فمر عمر بن عبد العزيز وهو على الموسم فقام الناس ينظرون إليه فقلت لأبي يا أبت إني أرى الله يحب عمر قال وما ذاك قلت لما له في قلوب الناس قال بأبيك أنت سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر مثل حديث جرير عن سهيل ورواه البخاري من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن أبي هريرة رفعه بدون ذكر البغض ( مالك عن أبي حازم) بمهملة وزاي سلمة ( بن دينار عن أبي إدريس) اسمه عائذ الله بالتحتية وذال معجمة ابن عبد الله ( الخولاني) التابعي الجليل ولد عام حنين ( أنه قال دخلت مسجد دمشق) بكسر الدال وفتح الميم بالشام ( فإذا فتى شاب براق الثنايا) أي أبيض الثغر حسنه قاله أبو عمر وقيل معناه كثير التبسم وفي رواية أدعج العينين وفي أخرى وضيء الوجه أكحل العينين وإذا الناس معه من الصحابة وغيرهم وفي رواية معه من الصحابة عشرون وفي أخرى ثلاثون أو نحو ذلك فكأنهم فوق العشرين ودون ثلاثين ( إذا اختلفوا في شيء أسندوا إليه) أي صعدوا إليه بمعنى أنهم يقفون عند قوله مأخوذ من أسند إلى الجبل إذا صعد فيه وفيه لطف هنا لأنه جبل علم بنص قوله صلى الله عليه وسلم أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل ( وصدروا عن قوله) ولقاسم بن أصبغ من طريق الوليد بن عبد الرحمن عن أبي إدريس فإذا اختلفوا في شيء فقال قولاً انتهوا إلى قوله ( فسألت عنه فقيل هذا معاذ بن جبل فلما كان الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير) أي التبكير إلى كل صلاة لحديث لو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولم يرد الخروج في الهاجرة قاله الهروي قال وهي لغة حجازية ( ووجدته يصلي قال فانتظرته حتى قضى صلاته) أي أتمها ( ثم جئته من قبل) جهة ( وجهه فسلمت عليه ثم قلت والله إني لأحبك لله) لا لغرض ( فقال آلله) بمد الهمزة والخفض ( فقلت آلله قال) أبو إدريس ( فقال معاذ) ثانيًا ( آلله فقلت آلله قال) أبو إدريس ( فأخذ) معاذ ( بحبو ردائي) بضم الحاء وإسكان الباء أي بالمحل الذي يحتبى به من الرداء فالحبوة ضم الساقين إلى البطن بثوب وفي رواية سعيد بن أبي مريم عن مالك فأخذ بحبوتي لم يقل ردائي ( فجبذني) تقديم الباء لغة صحيحة بمعنى جذبني بتقديم الذال وليست مقلوبة كما زعم وقد أنكره ابن السراج فقال ليس أحدهما مأخوذًا من الآخر لأن كل واحد متصرف في نفسه أي جرني وسحبني ( وقال أبشر) بهمزة قطع مفتوحة أبشر بالجنة ( فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تبارك وتعالى وجبت) وفي رواية ابن أبي شيبة عن عطاء بن مسلم حقت ( محبتي للمتحابين) بلفظ الجمع هنا وفيما بعده ( في والمتجالسين في) أي يتجالسون في محبتي بذكري وكان الجنيد مشغولاً في خلوته فإذا جاء إخوانه خرج وقعد معهم ويقول لو أعلم شيئًا أفضل من مجالستكم ما خرجت إليكم وذلك أن لمجالسة الخواص أثرًا في صفاء الحضور ونشر العلوم ما ليس لغيرهم ( والمتباذلين في) قال الباجي الذين يبذلون أنفسهم في مرضاته من الإنفاق على جهاد عدوه وغير ذلك مما أمروا به وقال غيره أي يبذل كل واحد منهم لصاحبه نفسه وماله في مهماته في جميع حالاته في الله كما فعل الصديق يبذل نفسه ليلة الغار وبذل ماله ( والمتزاورين في) لا لغرض دنيوي ولا أخروي زاد الطبراني في روايته والمتصادقين في وذلك لأن قلوبهم لهت عن كل شيء سواه فتعلقت بتوحيده فألف بينهم بروحه وروح الجلال أعظم شأنًا من أن يوصف فإذا وجدت قلوبهم نسيم روح الجلال كادت تطير في أماكنها شوقًا إليه فهم محبوسون بهذا الهيكل فصاروا في اللقاء يهش بعضهم لبعض ائتلافًا وتلذذًا وشوقًا لمحبوبهم الأعظم فمن ثم وجب لهم الحب ففازوا بكمال القرب وهذا الحديث صحيح قال الحاكم على شرط الشيخين وقال ابن عبد البر هذا إسناد صحيح وفيه لقاء أبي إدريس لمعاذ وأنكرته طائفة لقول الزهري عن أبي إدريس أدركت عبادة بن الصامت وفلانًا وفلانًا وفاتني معاذ بن جبل ولذا قال قوم وهم مالك فأسقط من إسناده أبا مسلم الخراساني وزعموا أن أبا إدريس رواه عن أبي مسلم عن معاذ وقال آخرون غلط أبو حازم في قوله عن أبي إدريس عن معاذ إنما هو عن عبادة بن الصامت وهذا كله تخرص وظن لا يغني من الحق شيئًا فقد رواه جماعة عن أبي حازم كرواية مالك سواء منهم ابن أبي حازم وجاء عن أبي إدريس من وجوه شتى غير أبي حازم منهم الوليد بن عبد الرحمن وعطاء الخراساني كلاهما عند قاسم بن أصبغ بإسناد صحيح بنحو حديث الموطأ وشهر بن حوشب حدثني عائذ الله بن عبيد الله أنه سمع معاذ بن جبل يقول إن الذين يتحابون من جلال الله في ظل عرشه فقد ثبت أن أبا إدريس لقي معاذًا وسمع منه فلا شيء في هذا على مالك ولا على أبي حازم فيحمل قول ابن شهاب عنه فاتني معاذ على فوات لزوم وطول مجالسته أو فاتني في حديث كذا أو معنى كذا وليس سماعه منه بمنكر فإنه ولد يوم حنين ومات معاذ بالشام سنة ثمان عشرة وهو ابن ثلاث أو أربع وثلاثين سنة ولا يقدح في ذلك رواية من رواه عنه عن عبادة لجواز أن عبادة ومعاذًا وغيرهما سمعوا ذلك منه صلى الله عليه وسلم انتهى ملخصًا ( مالك أنه بلغه عن عبد الله بن عباس أنه كان يقول) موقوفًا وله حكم الرفع إذ هو لا يقال رأيًا وقد أخرجه الطبراني في الكبير عن عبد الله بن سرخس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( القصد) أي التوسط في الأمور بين طرفي الإفراط والتفريط ( والتؤدة) بضم الفوقية وفتح الهمزة والدال المهملة أي الرفق والتأني ( وحسن السمت) الهيئة والمنظر وأصل السمت الطريق ثم استعير للزي الحسن والهيئة المثلى في الملبس وغيره ( جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة) قال الباجي يريد أن هذه من أخلاق الأنبياء وصفاتهم التي طبعوا عليها وأمروا بها وجبلوا على التزامها قال ونعتقد هذه التجزئة ولا ندري وجهها يعني لأن ذلك من علوم النبوة فطريق معرفة ذلك بالرأي والاستنباط مسدود.



رقم الحديث 1741 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ، قَالَ لِجِبْرِيلَ قَدْ أَحْبَبْتُ فُلَانًا، فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلَانًا، فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ، وَإِذَا أَبْغَضَ اللَّهُ الْعَبْدَ قَالَ مَالِكٌ: لَا أَحْسِبُهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الْبُغْضِ مِثْلَ ذَلِكَ.


( ما جاء في المتحابين في الله)

( مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر) بن حزم الأنصاري أبي طوالة بضم الطاء المهملة المدني قاضيها لعمر بن عبد العزيز ثقة مات سنة أربع وثلاثين ومائة ويقال بعد ذلك ( عن أبي الحباب) بضم المهملة وموحدتين ( سعيد بن يسار) المدني ثقة متقن ( عن أبي هريرة أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تبارك وتعالى يقول) فيه رد على من كره ذلك وقال إنما يقال إن الله قال ويرد عليه هذا الحديث ونحوه وقوله تعالى { { والله يقول الحق } } يوم ( القيامة أين المتحابون) نداء تنويه وإكرام قاله القرطبي أي استعظام ( لجلالي) أي لعظمتي أي لأجل تعظيم حقي وطاعتي لا لغرض دنيا فخص الجلال بالذكر لدلالته على الهيبة والسطوة أي المنزهون عن شوائب الهوى والنفس والشيطان في المحبة فلا يتحابون إلا لأجلي ولوجهي لا لشيء من أمور الدنيا قيل التحابب للجلال أن لا يزيد الحب بالبر ولا ينقص بالجفاء ( اليوم أظلهم في ظلي) قال عياض هي إضافة خلق وتشريف لأن الظلال كلها خلق الله وجاء مفسرًا في ظل عرشي في رواية أخرى وظاهره أنه سبحانه يظلهم حقيقة من حر الشمس ووهج الموقف وأنفاس الخلائق وهو تأويل الأكثر وقال عيسى بن دينار كناية عن كنهم من المكاره وجعلهم في كنفه وستره ومنه السلطان ظل الله في الأرض وقولهم فلان في ظل فلان أي في كنفه وعزته وقد يكون الظل هنا كناية عن الراحة والتنعم من قولهم عيش ظليل ( يوم لا ظل إلا ظلي) أي ظل عرشي بدل من اليوم المتقدم أي لا يكون من له ظل مجازًا كما في الدنيا قال القرطبي فإن قيل حديث المرء في ظل صدقته حتى يقضي الله بين الخلائق وحديث سبعة يظلهم الله يدل على أن في القيامة ظلالاً غير ظل العرش أجيب بأن فيها ظلالاً بحسب الأعمال تقي أصحابها حر الشمس والنار وأنفاس الخلائق ولكن ظل العرش أعظمها وأشرفها يخص الله به من شاء من عباده الصالحين ومن جملتهم المتحابون في الله ويحتمل أنه ليس هناك إلا ظل العرش يستظل به المؤمنون أجمع ولكن لما كانت تلك الظلال لا تنال إلا بالأعمال وكانت الأعمال تختلف حصل لكل عامل ظل يخصه من ظل العرش بحسب عمله وسائر المؤمنين شركاء في ظله وهذا كله على أن الاستظلال حقيقي وتقدم ما لابن دينار وهذا الحديث رواه مسلم في البر عن قتيبة بن سعيد عن مالك به ( مالك عن خبيب) بخاء معجمة وموحدتين مصغر ( ابن عبد الرحمن) ابن حبيب الأنصاري المدني أبي الحارث ثقة مات سنة اثنين وثلاثين ومائة ( عن حفص بن عاصم) ابن عمر بن الخطاب العمري التابعي الثقة ( عن أبي سعيد الخدري أو عن أبي هريرة) بالشك لرواة الموطأ إلا مصعبًا الزبيري وموسى بن طارق فجعلاه عنهما بواو العطف وشذا في ذلك عن أصحاب مالك قاله الحافظ وذكر أبو عمر أن أبا معاذ البلخي عن مالك تابعهما في روايته بالواو قال ورواه زكريا بن يحيى الوقاد عن ابن وهب وابن القاسم ويوسف بن عمر بن يزيد كلهم عن مالك عن خبيب عن حفص عن أبي سعيد وحده ورواه عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم عن خاله خبيب عن جده حفص عن أبي هريرة وحده قال الحافظ في الأمالي المحفوظ عن مالك بالشك ورواية زكريا خطأ والمحفوظ عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة وحده كذلك أخرجه الشيخان والنسائي من طريق عبيد الله وهو أحد الحفاظ الأثبات وخبيب خاله وحفص جده ولم يشك فروايته أولى وتابعه مبارك بن فضالة عن خبيب أخرجه الطيالسي وقال في الفتح والظاهر أن عبيد الله حفظه لكونه لم يشك فيه ولكونه من رواية خاله وجده ( أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة) من الأشخاص مبتدأ خبره ( يظلهم الله في ظله) إضافة ملك وكل ظل فهو ملكه كذا قال عياض وحقه أن يقول إضافة تشريف ليحصل امتياز هذا عن غيره كما قيل للكعبة بيت الله مع أن المساجد كلها ملكه وقيل المراد كرامته ورحمته كما يقال فلان في ظل الملك وهو قول عيسى بن دينار وقواه عياض وقيل المراد ظل عرشه ويدل عليه حديث سلمان عن سعيد بن منصور بإسناد حسن سبعة يظلهم الله في ظل عرشه وإذا كان المراد ذلك استلزم كونهم في كنف الله وكرامته من غير عكس فهو أرجح وبه جزم القرطبي ويؤيده تقييد ذلك بيوم القيامة كما صرح به ابن المبارك في روايته عن عبيد الله بن عمر عند البخاري في الحدود وبه يندفع قول من قال المراد ظل طوبى أو ظل الجنة لأن ظلهما إنما يحصل لهم بعد الاستقرار في الجنة ثم أنه مشترك لجميع من يدخلها والسياق يدل على امتياز أصحاب الخصال المذكورة فترجح أن المراد ظل العرش وروى الترمذي وحسنه عن أبي سعيد مرفوعًا أحب الناس إلى الله يوم القيامة إمام عادل قاله الحافظ ( يوم لا ظل إلا ظله) أي ظل عرشه كما علم والإضافة للتشريف كناقة الله فإن الله منزه عن الظل إذ هو من خواص الأجسام ( إمام عادل) اسم فاعل من العدل كما رواه الأكثر قال الشاعر

ومن كان في إخوانه غير عادل
فما أحد في العدل منه بطامع

ورواه سعيد بن أبي مريم عن مالك بلفظ عدل وهو أبلغ لأنه جعل المسمى نفسه عدلاً قاله ابن عبد البر وهو الذي يتبع أمر الله بوضع كل شيء في موضعه بغير إفراط ولا تفريط أو الجامع للكمالات الثلاثة الحكمة والشجاعة والعفة التي هو أوساط القوى الثلاثة العقلية والغضبية والشهوانية والمراد به صاحب الولاية العظمى ويلتحق به كل من ولي شيئًا من أمور المسلمين فعدل فيه ويؤيده ما في مسلم عن عبد الله بن عمر ورفعه أن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما ملكت أيمانهم وما ولوا وقدمه في الذكر لأن نفعه أعم وقال صلى الله عليه وسلم الإمام العادل لا ترد دعوته ( وشاب نشأ) نبت وابتدأ ( في عبادة الله) أي لم يكن له صبوة قاله القرطبي وفي رواية مسلم بعبادة الله بالباء بمعنى في زاد في رواية الجوزقي حتى توفي على ذلك وفي حديث سلمان أفنى شبابه ونشاطه في عبادة الله وخص الشباب لأنه مظنة غلبة الشهوة لما فيه من قوة الباعث على متابعة الهوى فإن ملازمة العبادة مع ذلك أشد وأدل على غلبة التقوى ( ورجل قلبه متعلق) بفوقية بعد الميم وكسر اللام من العلاقة وهي شدة الحب ( بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه) زاد في حديث سلمان من حبها وعند ابن عساكر من حديث أبي هريرة معلق بالمساجد من شدة حبه إياها وذلك أنه لما آثر طاعة الله وغلب عليه حبه صار قلبه ملتفتًا إلى المسجد لا يحب البراح عنه لوجدانه فيه روح القربة وحلاوة الطاعة وفي رواية عبيد الله عن حبيب في الصحيحين معلق بدون تاء قال الحافظ ظاهره أنه من التعليق كأنه شبهه بالشيء المعلق في المسجد كالقنديل إشارة إلى طول الملازمة بقلبه وإن كان جسده خارجًا عنها ويدل عليه رواية الجوزقي كأنما قلبه معلق في المسجد ويحتمل أن يكون من العلاقة وهي شدة الحب ويدل عليه رواية أحمد معلق بالمساجد وكذا رواية متعلق بزيادة الفوقية زاد سلمان من حبها ( ورجلان تحابا) بشدة الموحدة وأصله تحاببا أي اشتركا في جنس المحبة وأحب كل منهما الآخر حقيقة لا إظهارًا فقط وفي رواية الجوزقي ورجلان قال كل منهما للآخر إني أحبك في الله فصدرا على ذلك ونحوه في حديث سلمان ( في الله) أي في طلب رضاه أو لأجله لا لغرض دنيوي ( اجتمعا على ذلك) الحب المذكور ( وتفرقا عليه) كما زيد في رواية الصحيحين أي استمرا على المحبة الدينية ولم يقطعاها بعارض دنيوي سواء اجتمعا حقيقة أم لا حتى فرق الموت بينهما أو المراد يحفظان الحب فيه في الحضور والغيبة ووقع في الجمع بين الصحيحين للحميدي اجتمعا على خير قال الحافظ ولم أر ذلك في شيء من نسخ الصحيحين ولا غيرهما من المستخرجات وهي عندي تحريف وعدت هذه الخصلة واحدة مع أن متعاطيها اثنان لأن المحبة لا تتم إلا باثنين أو لما كان المتحابان بمعنى واحد أغنى عد أحدهما عن الآخر لأن الغرض عد الخصال لا عد جميع من اتصف بها ( ورجل ذكر الله) بقلبه من التذكر أو لسانه من الذكر ( خاليًا) من الخلوة لأنه أقرب إلى الإخلاص وأبعد من الرياء أو خاليًا من الالتفات إلى غير الله ولو كان في ملإ ويؤيده رواية البيهقي ذكر الله بين يديه ويؤيد الأول رواية للبخاري وغيره ذكر الله في خلاء أي موضع خال وهي أصح ( ففاضت عيناه) أي فاضت الدموع من عينيه وأسند الفيض إلى العين مبالغة كأنها هي التي فاضت قال القرطبي وفيض العين بحسب حالة الذاكر وبحسب ما ينكشف له ففي حال أوصاف الجلال يكون البكى من خشية الله وفي حال أوصاف الجمال يكون من الشوق إليه قال الحافظ قد خص بالأول في رواية الجوزقي والبيهقي ففاضت عيناه من خشية الله ويشهد له ما رواه الحاكم عن أنس مرفوعًا من ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله حتى يصيب الأرض من دموعه لم يعذب يوم القيامة ( ورجل دعته) أي طلبته وبه عبر في الصحيحين ( ذات) بين الموصوف في رواية للبخاري ومسلم وأحمد فقال امرأة ذات ( حسب) أي أصل أو مال لأنه يطلق عليهما وفي الصحيحين ذات منصب أي أصل أو شرف ( وجمال) أي مزيد حسن زاد في رواية للبخاري إلى نفسها وللبيهقي عن أبي صالح عن أبي هريرة فعرضت نفسها عليه والظاهر أنها دعته إلى الفاحشة وبه جزم القرطبي وقال غيره يحتمل أنها دعته إلى التزويج بها فخاف أن يشتغل عن العبادة بالافتتان بها أو خاف أن لا يقوم بحقها لشغله بالعبادة عن التكسب بما يليق بها والأول أظهر ويؤيده الكناية في قوله إلى نفسها ولو أريد التزويج لصرح به ( فقال إني أخاف الله) زاد في رواية رب العالمين والظاهر أنه يقوله بلسانه إما ليزجرها عن الفاحشة أو ليعتذر إليها ويحتمل أن يقوله بقلبه قاله عياض وإنما يصدر هذا عن شدة خوف من الله ومتين تقوى وحياء كما قال القرطبي لأن الصبر على الموصوفة بأكمل الأوصاف التي جرت العادة بمزيد الرغبة لمن هي فيها وهو الحسب والمنصب المستلزم للجاه والمال مع الجمال وقل من يجتمع ذلك فيها من النساء من أكمل المراتب لكثرة الرغبة في مثلها وعسر تحصيلها لا سيما وقد أغنت من مشاق التوصل إليها بمراودة ونحوها ( ورجل تصدق بصدقة فأخفاها) أي كتمها عن الناس ونكرها ليشمل ما تصدق به من قليل وكثير وظاهره يشمل المندوبة والمفروضة لكن نقل النووي عن العلماء إن إظهار المفروضة أولى من إخفائها ( حتى لا تعلم) بفتح الميم نحو سرت حتى مغيب الشمس وضمها نحو مرض حتى لا يرجونه ( شماله ما تنفق يمينه) أي لو قدرت شماله رجلاً متيقظًا لما علم صدقة اليمين ذكر ذلك مبالغة في الإخفاء وضرب المثل بهما لقربهما وملازمتهما فهو من مجاز التشبيه ويؤيده رواية الجوزقي تصدق بصدقة كأنما أخفى يمينه من شماله أو من مجاز الحذف أي ملك شماله أو من على شماله من الناس كأنه قيل مجاوز شماله وأبعد من قال المراد بشماله نفسه من تسمية الكل باسم الجزء فإنه ينحل إلى أنه لا يعلم نفسه ما تنفق نفسه وقيل المراد لا يرائي بصدقته ولا يكتبها كاتب الشمال وحكى القرطبي عن بعض شيوخه أن معناه أن يتصدق على الضعيف المكتسب في صورة الشراء لترويج سلعته أو رفع قيمتها واستحسنه قال الحافظ وفيه نظر إن أراد أن هذه الصورة مراد الحديث خاصة وإن أراد أنها من صور الصدقة الخفية فمسلم ووقع في مسلم حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله قال عياض كذا في جميع نسخ مسلم التي وصلت إلينا وهو مقلوب والصواب الأول وهو وجه الكلام لأن السنة المعهودة في الصدقة إعطاؤها باليمين وقد ترجم عليه البخاري في الزكاة باب الصدقة باليمين قال ويشبه أن الوهم فيه ممن دون مسلم واستدل لذلك بما نوزع فيه وعارضه الحافظ بأنه ليس ممن دونه ولا منه بل من شيخه زهير بن حرب أو شيخ شيخه يحيى القطان وبه جزم أبو حامد بن الشرقي وفي جزمه نظر لأنه في البخاري وأحمد والإسماعيلي عن يحيى على الصواب وأطال في بيان ذلك وفي مسند أحمد بإسناد حسن عن أنس مرفوعًا أن الملائكة قالت رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال قال نعم الحديد قالت فهل أشد من الحديد قال نعم النار قالت فهل أشد من النار قال نعم الماء قالت فهل أشد من الماء قال نعم الريح قالت فهل أشد من الريح قال نعم ابن آدم يتصدق بيمينه فيخفيها عن شماله وذكر الرجل وصف طردي فالمرأة والخنثى مثله إلا في الإمامة العظمى ويمكن دخول المرأة في الإمام العادل حيث تكون ربة عيال فتعدل فيهم وإلا في ملازمة المسجد لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من المسجد وما عدا ذلك فالمشاركة حاصلة لهن حتى الذي دعته المرأة فإنه يتصور في امرأة دعاها ملك جميل مثلاً فامتنعت خوفًا من الله مع حاجتها أو شاب جميل دعاه ملك أن يزوجه ابنته مثلاً فخشي أن يرتكب منه الفاحشة فامتنع مع حاجته إليه وظاهر الحديث اختصاص السبعة المذكورين ووجهه الكرماني بما حاصله أن الطاعة إما بين العبد والرب أو بينه وبين الخلق فالأول باللسان وهو الذاكر أو بالقلب وهو المعلق بالمسجد أو بالبدن وهو الناشئ بالعبادة والثاني عام وهو العادل أو خاص بالقلب وهو التحاب أو بالمال وهو الصدقة أو بالبدن وهو العفة انتهى لكن دل استقراء الأحاديث على أن هذا العدد لا مفهوم له فإن هذا الحديث رواه مسلم عن يحيى التميمي والترمذي من طريق معن بن عيسى كلاهما عن مالك به وتابعه عبيد الله بن عمر في الصحيحين ورواه أبو نعيم وغيره من وجه آخر عن أبي هريرة فقال بدل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل كان في سرية مع قوم فلقوا العدو فانكشفوا فحمى آثارهم وفي لفظ أدبارهم حتى نجوا أو نجا أو استشهد قال الحافظ حسن غريب جدًا ورواه الحاكم والبيهقي من وجه آخر عن أبي هريرة فأبدل الشاب بقوله ورجل تعلم القرآن في صغره فهو يتلوه في كبره ولعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن سليمان موقوفًا وحكمه الرفع إذ لا يقال رأيًا فقال بدل الإمام والشاب ورجل يراعي الشمس لمواقيت الصلاة ورجل إن تكلم تكلم بعلم وإن سكت سكت عن حلم ولابن عدي عن أنس رفعه أربعة في ظل الله فقد عد الشاب والمتصدق والإمام قال ورجل تاجر اشترى وباع فلم يقل إلا حقًا وسنده ضعيف لكن له طريق آخر عنه مرفوعًا التاجر الصدوق تحت ظل العرش يوم القيامة رواه الديلمي وغيره وهو ضعيف لكن له شواهد عن سليمان وعلي وأبي هريرة وروى مسلم وغيره عن أبي اليسر مرفوعًا من أنظر معسرًا أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وفي زوائد المسند عن عثمان رفعه أظل الله عبدًا في ظله يوم لا ظل إلا ظله من أنظر معسرًا أو ترك لغارم وللطبراني عن شداد رفعه من أنظر معسرًا أو تصدق عليه أظله الله في ظله يوم القيامة والصدقة على المعسر أسهل من الوضع عنه فهي غيرها وللطبراني عن جابر مرفوعًا أظل الله في ظله يوم القيامة من أنظر معسرًا أو أعان أخرق وفيه ضعف والأخرق من لا صنعة له ولا يقدر أن يتعلم صنعة ولأحمد والحاكم وغيرهما عن سهل بن حنيف رفعه من أعان مجاهدًا في سبيل الله أو غارمًا في عسرته أو مكاتبًا في رقبته أظله الله في ظله يوم لا ظل له إلا ظله وإعانة الغارم غير الترك له لأنه أخص من إعانته فهذه عشرون ولابن عدي وصححه الضياء عن عمر مرفوعًا من أظل رأس غاز أظله الله يوم القيامة ولأبي الشيخ وغيره عن جابر رفعه ثلاث من كن فيه أظله الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله الوضوء على المكاره والمشي إلى المساجد في الظلم وإطعام الجائع قال الحافظ غريب وفيه ضعف لكن في الترغيب في كل من الثلاثة أحاديث قوية ورواه الطبراني عن جابر بلفظ من أطعم الجائع حتى يشبع أظله الله تحت ظل عرشه وإشباع الجائع أخص من مطلق إطعامه ولأبي الشيخ عن علي بإسناد ضعيف مرفوعًا فمن لزم البيع والشراء فلا يذم إذا اشترى ولا يحمد إذا باع وليصدق الحديث ويؤد الأمانة ولا يتمنى للمؤمنين الغلاء فإذا كان كذلك كان أحد السبعة الذين في ظل العرش وهذا قدر زائد على الصدق فيمكن أنها خصلة مستقلة وهي السادسة والعشرون وللطبراني عن أبي هريرة مرفوعًا أوحى الله إلى إبراهيم إن كلمتي سبقت لمن حسن خلقه أن أظله تحت ظل عرشي وله عن جابر مرفوعًا ومن كفل يتيمًا أو أرملة أظله الله في ظله يوم القيامة ولأحمد عن عائشة أتدرون من السابق إلى ظل الله يوم القيامة قالوا الله ورسوله أعلم قال الذين إذا أعطوا الحق قبلوه وإذا سئلوه بذلوه وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم قال الحافظ غريب وفيه ابن لهيعة وللحاكم وغيره عن أبي ذر مرفوعًا الحزين في ظل الله غريب وفيه ضعف ولابن شاهين وغيره عن الصديق رفعه الوالي العادل ظل الله ورمحه في الأرض فمن نصحه في نفسه وفي عباد الله أظله الله بظله يوم لا ظل إلا ظله ولأبي الشيخ وغيره عن الصديق مرفوعًا من أراد أن يظله الله بظله فلا يكن على المؤمنين غليظًا وليكن بالمؤمنين رحيمًا ولابن السني والديلمي بإسناد واه عن الصديق وعمران بن حصين قالا قال موسى لربه ما جزاء من عزى الثكلى قال أظله في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي ولابن أبي الدنيا عن فضيل بن عياض بلغني أن موسى قال أي رب من يظل تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك قال الذين يعودون المرضى ويشيعون الهلكى ويعزون الثكلى ولأبي سعيد السكري بإسناد واه جدًا عن علي رفعه السابقون إلى ظل العرش يوم القيامة طوبى لهم قال من هم قال شيعتك يا علي ومحبوك والبيهقي عن أبي الدرداء قال موسى يا رب من يستظل بظلك يوم لا ظل إلا ظلك قال أولئك الذين لا ينظرون بأعينهم الزنا ولا يبتغون في أموالهم الربا ولا يأخذون على أحكامهم الرشا قال الحافظ غريب ليس في رواته من اتفق على تركه والظاهر أن حكمه الرفع لأن أبا الدرداء لم يأخذ عن أهل الكتاب والتيمي في ترغيبه عن ابن عمر مرفوعًا ثلاثة يتحدثون في ظل العرش آمنين والناس في الحساب رجل لم يأخذه في الله لومة لائم ورجل لم يمد يده إلى ما لا يحل له ورجل لم ينظر إلى ما حرم عليه وروى طلحة بن علي بن الصقر عن ابن عباس قال من قرأ إذا صلى الغداة أول الأنعام إلى ويعلم ما تكسبون نزل إليه أربعون ألف ملك يكتب له مثل أعمالهم الحديث وفيه فإذا كان يوم القيامة قال الله امش في ظلي وأبو الشيخ والديلمي عن أنس رفعه ثلاثة في ظل العرش يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله واصل الرحم وامرأة مات زوجها وترك أيتامًا صغارًا فقالت لا أتزوج حتى يموتوا أو يغنيهم الله وعبد صنع طعامًا فأطاب صنعه وأحسن نفقته فدعا عليه الفقير والمسكين فأطعمهم لوجه الله والطبراني عن أبي أمامة رفعه ثلاثة في ظل الله يوم القيامة رجل حيث توجه علم أن الله معه ورجل دعته امرأة إلى نفسها فتركها من خشية الله ورجل يحب الناس لجلال الله فيه متروك وروى الخطيب بسند ضعيف جدًا عن أبي سعيد مرفوعًا إن المؤذنين ممن يظل يوم القيامة وأفرد المؤذن عن مراعي الشمس لأنه قد لا يكون مؤذنًا والديلمي بلا سند عن أنس مرفوعًا ثلاث تحت ظل العرش يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله من فرج عن مكروب من أمتي وأحيا سنتي وأكثر الصلاة علي والديلمي عن علي مرفوعًا إن حملة القرآن في ظل الله مع أنبيائه وأصفيائه ولا يلزم من حمله كونه تعلمه في صغره فهي غير السابقة ولأبي يعلى عن أنس رفعه إن المريض في ظل العرش والديلمي عن أبي هريرة مرفوعًا أهل الجوع في الدنيا خوفًا من الله يستظلون يوم القيامة والديلمي عن أبي الدرداء رفعه يوضع للصائمين موائد من ذهب تحت العرش وفي أمالي ابن ناصر عن أبي سعيد رفعه من صام من رجب ثلاثة عشر يومًا وضع الله له مائدة في ظل العرش وهو شديد الوهى والحارث بن أبي أسامة عن علي مرفوعًا من صلى ركعتين بعد ركعتي المغرب قرأ في كل ركعة الفاتحة وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة جاء يوم القيامة فلا يحجب حتى ينتهي إلى ظل العرش وهذا منكر والديلمي عن أنس مرفوعًا إن أطفال المؤمنين تحت ظل العرش والطبراني برجال ثقات عن ابن عمر مرفوعًا إن إبراهيم ابنه صلى الله عليه وسلم تحت ظل العرش ولأبي نعيم عن وهب قال موسى إلهي من ذكر بلسانه وقلبه قال أظله بظل عرشي ولابن عساكر عن ابن مسعود إن الله قال لموسى الذي لا يحسد الناس ولا يعق والديه ولا يمشي بالنميمة في ظل العرش ولأحمد عن عطاء بن يسار أن موسى سأل الله من تؤويه في ظل عرشك قال هم الطاهرة قلوبهم البرية أبدانهم الذين إذا ذكرت ذكروا بي وإذا ذكروا ذكرت بهم الذين ينيبون إلى ذكري ويغضون لمحارمي ويكلفون بحبي زاد ابن المبارك الذين يعمرون مساجدي ويستغفروني بالأسحار ولأبي نعيم إن الله قال لموسى الذين أذكرهم ويذكروني في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي والديلمي عن أنس مرفوعًا يقول الله قربوا أهل لا إله إلا الله من ظل عرشي فإني أحبهم والمراد خيار المؤمنين كما صرح به القرطبي وفي حديث مرفوع الشهداء في ظل العرش ولأبي داود صحيحًا عن ابن عباس مرفوعًا أن شهداء أحد أرواحهم في أجواف طير خضر تأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش والخطيب وغيره عن ابن عباس مرفوعًا اللهم اغفر للمعلمين وأطل أعمارهم وأظلهم تحت ظلك فإنهم يعلمون كتابك قال بعض الحفاظ موضوع ولأبي الشيخ والديلمي عن عبد الرحمن بن عوف مرفوعًا ثلاثة تحت ظل العرش القرآن يحاج العباد والأمانة والرحم ينادي ألا من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله ولأبي نعيم عن كعب الأحبار عن التوراة من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ودعا الناس إلى طاعتي فله صحبتي في الدنيا وفي القبر وفي القيامة ظلي وفي أمالي ابن البختري عن جابر مرفوعًا أنا في ظل الرحمن يوم القيامة ويروى عن أحمد في مناقب علي أنه يسير يوم القيامة بلواء الحمد وهو حامله والحسن عن يمينه والحسين عن يساره حتى يقف بينه صلى الله عليه وسلم وبين إبراهيم في ظل العرش وعن أبي موسى رفعه أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين يوم القيامة في قبة تحت العرش واعلم أن عد نبينا وإبراهيم وعلي وفاطمة والحسن والحسين لأنهم أخص من مطلق الأنبياء والأصفياء كما أن عد إبراهيم ابنه صلى الله عليه وسلم لأنه أخص من مطلق أولاد المؤمنين وشهداء أحد لأنهم أخص من مطلق الشهداء هذا خلاصة ما ذكره الحافظ السخاوي في مؤلفه قائلاً هذا ما يسر الله لي الوقوف عليه في مدة متطاولة وليس ذلك على وجه الحصر فيه بل باب الفضل مفتوح ووقف بها السيوطي إلى نيف وسبعين ونظمها واعترضه السخاوي بأنه أدرج ما لا تصريح فيه بالمراد منه في أحاديثه وإن أشعرت به كالزهد وقضاء الحوائج وصالح العبيد والإمام المرتضى للمؤمنين ولو أريد استيفاء ما شابه ذلك لزادت كثيرًا وأطال في بيان ذلك وقد كنت لخصت تأليف السخاوي في وريقات ونظمت هذه الخصال تذييلاً على بيت أبي شامة وأبيات الحافظ فقلت

أتى في الموطأ والصحيحين سبعة
يظلهم الله الكريم بظله

أشار لهم نظما إمام زمانه
أبو شامة إذ قال في بيت وصله

محب عفيف ناشئ متصدق
وباك مصل والإمام بعدله

وزاد عليه العسقلاني بعده
ثلاثًا من السبعات نظمًا بقوله

وزد سبعة إظلال غاز وعونه
وإنظار ذي عسر وتخفيف حمله

وحامي غزاة حين ولوا وعون ذي
غرامة حق مع مكاتب أهله

وزد مع ضعف سبعتين إعانة
لا خرق مع أخذ الحق وبذله

وكره وضوء ثم مشي لمسجد
وتحسين خلق ثم مطعم فضله

وكافل ذي يتم وأرملة وهت
وتاجر صدق في المقال وفعله

وحزن وتصبير ونصح ورأفة
تربع بها السبعات من فيض فضله

وقد زادها ستًا بضعف ولم تقع
منظمة منه فخذ نظم جمله

فحب على ثم ترك الرشوة
زنا وربا حكم لغير كمثله

ومن أول الأنعام آي ثلاثة
عقيب صلاة الصبح غاية نفله

وأوصلها الشيخ السخاوي أربعًا
وتسعين مع ضعف لإسناد جله

مراقب شمس للمواقيت ساكت
بحلم وعن علم يقول وعقله

ومن حفظ القرآن حالة صغره
وفي كبر يتلو وحامل كله

مريض وتشييع لميت عيادة
شهيد ومن في أحد فاز بقتله

وعلم بأن الله معه وتاجر
أمين بلا مدح وذم لرحله

ومن لم يمد اليد نحو محرم
عليه ولم ينظر إلى غير حله

محسن طعم للفقير مصدق
على معسر ترك الغريم لعسره

وكافلة أيتامها بعد زوجها
ومشبع جوع ثم واصل أهله

محب الأناسي للجلال مؤذن
ومن لم يخف في الله لوما لعدله

كذا رحم ثم الأمانة بعدها
خيار ذوي التوحيد طيب فعله

مفرج كرب ثم محيي لسنة
مصل على الهادي كثيرًا بأجله

قران وأهل الجوع خوفًا وصائم
ثلاثة عشر من رجب حوله

ومن يقرأ الإخلاص من بعد مغرب
ثلاثين في ثنتين من بعد نفله

وأطفال ذي الإيمان نجل نبينا
وغير حسود لا يعق لأصله

وطاهر قلب ليس يمشي نميمة
بريء ومكلوف بحب لربه

منيب ومذكور بذكر إلهه
لحرمته غضبان داع لسبله

وأمر بمعروف ونهي لمنكر
وذكر بقلب مع لسان لنبله

ومستغفر الأسحار عمار مسجد
كذلك صوام معلم طفله

ومن يذكر الرحمن مع ذكرهم له
كذا أنبياء الله مع أهل صفوه

خليل إله العرش فاطمة كذا
علي ونجلاه وخاتم رسله

عليه صلاة مع سلام به نرى
بحرمته يوم القيام بظله

( مالك عن سهيل) بضم السين ( ابن أبي صالح) ذكوان ( عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أحب الله العبد) أي رضي الله عنه وأراد به خيرًا وهداه ووفقه قال عياض المحبة الميل وهو على الله محال فالمعنى إرادة الخير له وإيصاله إليه انتهى فيرجع الأول إلى صفة معنى هي الإرادة والثاني إلى صفة فعل هي الإيصال ( قال لجبريل قد أحببت فلانًا فأحبه) أنت يا جبريل بهمزة قطع مفتوحة وكسر الحاء وفتح الموحدة ثقيلة بإدغام أحد المثلين والأصل فأحببه ( فيحبه جبريل ثم ينادي) بأمر الله إذ لا يفعلون إلا ما يؤمرون ( في أهل السماء) زاد في مسلم فيقول ( إن الله قد أحب فلانًا فأحبوه فيحبه أهل السماء) ما قابل الأرض فالمراد السموات السبع قال المازري هذا إعلام منه سبحانه وأمره الملائكة بذلك تنويه به وتشريف له في ذلك الملأ الكريم وهو نحو قوله تعالى أنا مع عبدي إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم قال عياض محبة جبريل والملائكة تحتمل الحقيقة من الميل ويجوز أن يراد بها ثناؤهم عليه واستغفارهم له ( ثم يضع له القبول) بفتح القاف المحبة والرضا وميل النفس ( في) أهل ( الأرض) أي يحدث له في القلوب مودة ويزرع له فيها مهابة فتحبه القلوب وترضى عنه النفوس من غير تودد منه ولا تعرض للأسباب التي يكتسب بها مودات القلوب من قرابة أو صداقة أو اصطناع معروف وإنما هو اختراع منه تعالى ابتداء تخصيصًا منه لأوليائه بكرامة خاصةً كما يقذف في قلوب أعدائه الرعب والهيبة إعظامًا لهم وإجلالاً لمكانهم قاله الزمخشري وقال ابن عبد البر فيه إن الله يبتدئ المحبة بين الناس والقرآن يشهد بذلك قال تعالى { { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا } } قال المفسرون يحبهم ويحببهم إلى الناس انتهى قال بعضهم وفائدة ذلك أن يستغفر له أهل السموات والأرض وينشأ عندهم هيبته وإعزازهم له { { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } } قال الأبي ولا يشكل علي الحديث أن كثيرًا ممن يحبه الله لا يعرف فضلاً عن وضع القبول له بدليل خبر رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لأن المعنى إذا أحبه قد يضع فالقضية مهملة في قوة الجزيئة لأن إذا وإن إهمال في الشرطيات لا كلية على ما تقرر في المنطق ( وإذا أبغض الله العبد) أي أراد به شرًا وأبعده عن الهداية ( قال مالك لا أحسبه) لا أظن سهيلاً ( إلا قال في البغض مثل ذلك) قال ابن عبد البر لم تختلف رواية مالك فيما علمت في هذا الحديث وقد رواه عن سهيل جماعة لم يشكوا منهم معمر وعبد العزيز ومنهم من لم يذكر البغض انتهى وأخرجه مسلم من طريق جرير عن سهيل بسنده فقال وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل فيقول إني أبغض فلانًا فأبغضه فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض ثم رواه من طريق يعقوب القاري وعبد العزيز الدراوردي والعلاء بن المسيب وابن وهب عن مالك وقال كلهم عن سهيل بهذا الإسناد غير أن حديث ابن المسيب ليس فيه ذكر البغض ثم أخرجه من طريق عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن سهيل قال كنا بعرفة فمر عمر بن عبد العزيز وهو على الموسم فقام الناس ينظرون إليه فقلت لأبي يا أبت إني أرى الله يحب عمر قال وما ذاك قلت لما له في قلوب الناس قال بأبيك أنت سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر مثل حديث جرير عن سهيل ورواه البخاري من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن أبي هريرة رفعه بدون ذكر البغض ( مالك عن أبي حازم) بمهملة وزاي سلمة ( بن دينار عن أبي إدريس) اسمه عائذ الله بالتحتية وذال معجمة ابن عبد الله ( الخولاني) التابعي الجليل ولد عام حنين ( أنه قال دخلت مسجد دمشق) بكسر الدال وفتح الميم بالشام ( فإذا فتى شاب براق الثنايا) أي أبيض الثغر حسنه قاله أبو عمر وقيل معناه كثير التبسم وفي رواية أدعج العينين وفي أخرى وضيء الوجه أكحل العينين وإذا الناس معه من الصحابة وغيرهم وفي رواية معه من الصحابة عشرون وفي أخرى ثلاثون أو نحو ذلك فكأنهم فوق العشرين ودون ثلاثين ( إذا اختلفوا في شيء أسندوا إليه) أي صعدوا إليه بمعنى أنهم يقفون عند قوله مأخوذ من أسند إلى الجبل إذا صعد فيه وفيه لطف هنا لأنه جبل علم بنص قوله صلى الله عليه وسلم أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل ( وصدروا عن قوله) ولقاسم بن أصبغ من طريق الوليد بن عبد الرحمن عن أبي إدريس فإذا اختلفوا في شيء فقال قولاً انتهوا إلى قوله ( فسألت عنه فقيل هذا معاذ بن جبل فلما كان الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير) أي التبكير إلى كل صلاة لحديث لو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولم يرد الخروج في الهاجرة قاله الهروي قال وهي لغة حجازية ( ووجدته يصلي قال فانتظرته حتى قضى صلاته) أي أتمها ( ثم جئته من قبل) جهة ( وجهه فسلمت عليه ثم قلت والله إني لأحبك لله) لا لغرض ( فقال آلله) بمد الهمزة والخفض ( فقلت آلله قال) أبو إدريس ( فقال معاذ) ثانيًا ( آلله فقلت آلله قال) أبو إدريس ( فأخذ) معاذ ( بحبو ردائي) بضم الحاء وإسكان الباء أي بالمحل الذي يحتبى به من الرداء فالحبوة ضم الساقين إلى البطن بثوب وفي رواية سعيد بن أبي مريم عن مالك فأخذ بحبوتي لم يقل ردائي ( فجبذني) تقديم الباء لغة صحيحة بمعنى جذبني بتقديم الذال وليست مقلوبة كما زعم وقد أنكره ابن السراج فقال ليس أحدهما مأخوذًا من الآخر لأن كل واحد متصرف في نفسه أي جرني وسحبني ( وقال أبشر) بهمزة قطع مفتوحة أبشر بالجنة ( فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تبارك وتعالى وجبت) وفي رواية ابن أبي شيبة عن عطاء بن مسلم حقت ( محبتي للمتحابين) بلفظ الجمع هنا وفيما بعده ( في والمتجالسين في) أي يتجالسون في محبتي بذكري وكان الجنيد مشغولاً في خلوته فإذا جاء إخوانه خرج وقعد معهم ويقول لو أعلم شيئًا أفضل من مجالستكم ما خرجت إليكم وذلك أن لمجالسة الخواص أثرًا في صفاء الحضور ونشر العلوم ما ليس لغيرهم ( والمتباذلين في) قال الباجي الذين يبذلون أنفسهم في مرضاته من الإنفاق على جهاد عدوه وغير ذلك مما أمروا به وقال غيره أي يبذل كل واحد منهم لصاحبه نفسه وماله في مهماته في جميع حالاته في الله كما فعل الصديق يبذل نفسه ليلة الغار وبذل ماله ( والمتزاورين في) لا لغرض دنيوي ولا أخروي زاد الطبراني في روايته والمتصادقين في وذلك لأن قلوبهم لهت عن كل شيء سواه فتعلقت بتوحيده فألف بينهم بروحه وروح الجلال أعظم شأنًا من أن يوصف فإذا وجدت قلوبهم نسيم روح الجلال كادت تطير في أماكنها شوقًا إليه فهم محبوسون بهذا الهيكل فصاروا في اللقاء يهش بعضهم لبعض ائتلافًا وتلذذًا وشوقًا لمحبوبهم الأعظم فمن ثم وجب لهم الحب ففازوا بكمال القرب وهذا الحديث صحيح قال الحاكم على شرط الشيخين وقال ابن عبد البر هذا إسناد صحيح وفيه لقاء أبي إدريس لمعاذ وأنكرته طائفة لقول الزهري عن أبي إدريس أدركت عبادة بن الصامت وفلانًا وفلانًا وفاتني معاذ بن جبل ولذا قال قوم وهم مالك فأسقط من إسناده أبا مسلم الخراساني وزعموا أن أبا إدريس رواه عن أبي مسلم عن معاذ وقال آخرون غلط أبو حازم في قوله عن أبي إدريس عن معاذ إنما هو عن عبادة بن الصامت وهذا كله تخرص وظن لا يغني من الحق شيئًا فقد رواه جماعة عن أبي حازم كرواية مالك سواء منهم ابن أبي حازم وجاء عن أبي إدريس من وجوه شتى غير أبي حازم منهم الوليد بن عبد الرحمن وعطاء الخراساني كلاهما عند قاسم بن أصبغ بإسناد صحيح بنحو حديث الموطأ وشهر بن حوشب حدثني عائذ الله بن عبيد الله أنه سمع معاذ بن جبل يقول إن الذين يتحابون من جلال الله في ظل عرشه فقد ثبت أن أبا إدريس لقي معاذًا وسمع منه فلا شيء في هذا على مالك ولا على أبي حازم فيحمل قول ابن شهاب عنه فاتني معاذ على فوات لزوم وطول مجالسته أو فاتني في حديث كذا أو معنى كذا وليس سماعه منه بمنكر فإنه ولد يوم حنين ومات معاذ بالشام سنة ثمان عشرة وهو ابن ثلاث أو أربع وثلاثين سنة ولا يقدح في ذلك رواية من رواه عنه عن عبادة لجواز أن عبادة ومعاذًا وغيرهما سمعوا ذلك منه صلى الله عليه وسلم انتهى ملخصًا ( مالك أنه بلغه عن عبد الله بن عباس أنه كان يقول) موقوفًا وله حكم الرفع إذ هو لا يقال رأيًا وقد أخرجه الطبراني في الكبير عن عبد الله بن سرخس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( القصد) أي التوسط في الأمور بين طرفي الإفراط والتفريط ( والتؤدة) بضم الفوقية وفتح الهمزة والدال المهملة أي الرفق والتأني ( وحسن السمت) الهيئة والمنظر وأصل السمت الطريق ثم استعير للزي الحسن والهيئة المثلى في الملبس وغيره ( جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة) قال الباجي يريد أن هذه من أخلاق الأنبياء وصفاتهم التي طبعوا عليها وأمروا بها وجبلوا على التزامها قال ونعتقد هذه التجزئة ولا ندري وجهها يعني لأن ذلك من علوم النبوة فطريق معرفة ذلك بالرأي والاستنباط مسدود.



رقم الحديث 1742 وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ أَنَّهُ قَدْ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ حُسْنَ الْأَخْلَاقِ.


( مالك أن معاذ بن جبل) كذا ليحيى وابن القاسم والقعنبي ورواه ابن بكير عن مالك عن يحيى بن سعيد عن معاذ وهو مع هذا منقطع جدًا ولا يوجد مسندًا من حديث معاذ ولا غيره بهذا اللفظ لكن ورد معناه قاله ابن عبد البر ( قال آخر ما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وسلم) لما بعثه إلى اليمن ( حين وضعت رجلي في الغرز) بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وزاي منقوطة في موضع الركاب من رجل البعير كالركاب للسرج ( أن قال أحسن خلقك للناس يا معاذ بن جبل) فهو منادى بحذف الأداة بأن يظهر منه لمجالسه أو الوارد عليه البشر والحلم والإشفاق والصبر على التعليم والتودد إلى الصغير والكبير والناس وإن كان لفظه عامًا لكن أريد به من يستحق تحسين الخلق لهم فأما أهل الكفر والإصرار على الكبائر والتمادي على الظلم فلا يؤمر بتحسين الخلق لهم بل يؤمر بالإغلاظ عليهم قاله الباجي وهذا آخر الأحاديث الأربعة التي قالوا أنها لم توجد موصولة في غير الموطأ وذلك لا يضر مالكًا الذي قال فيه سفيان بن عيينة كان مالكًا لا يبلغ من الحديث إلا ما كان صحيحًا وإذا قال بلغني فهو إسناد صحيح فتصور المتأخرين عن وجود هذه الأربعة موصولة لا يقدح فيها فلعلها وصلت في الكتب التي لم تصل إليهم وقد قال السيوطي في حديث اختلاف أمتي رحمة لعله خرج في بعض الكتب التي لم تصل إلينا لأنه عزاه لجمع من الأجلة ذكروه في كتبهم بلا إسناد ولا نسبة لمخرج كإمام الحرمين ولا ريب أنهم دون مالك بمراحل بعيدة كيف ومن شواهد هذا الحديث ما رواه أحمد والترمذي وغيرهما بإسناد حسن عن معاذ قال قلت يا رسول الله علمني ما ينفعني قال اتق الله حيث كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن.
وأخرج الترمذي عن أنس قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن فقال يا معاذ اتق الله وخالق الناس بخلق حسن وروى قاسم بن أصبغ عن معاذ أن آخر كلمة فارقت عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت يا رسول الله أي العمل أفضل قال لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله فكأنه لما كان آخر ما أوصاه سأله عن هذا فأجابه فكان آخر كلمة فلا خلف ( مالك عن ابن شهاب) الزهري ( عن عروة بن الزبير) ابن العوام ( عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت ما خير) بضم الخاء المعجمة وكسر التحتية الثقيلة قال الحافظ وأيهم فاعل خير ليكون أعم من قبل الله أو من قبل المخلوقين وقال الباجي يحتمل أن المخير له هو الله فيما كلف أمته من الأعمال أو الناس فعلى الأول يكون قوله ما لم يكن إثمًا استثناء منقطعًا ولعل مراده الاستثناء اللغوي وهو الإخراج ( في أمرين) وللتنيسي والقعنبي بين أمرين ( قط) قال الحافظ أي من أمور الدنيا بدليل قوله ما لم يكن إثمًا لأن أمور الدين لا إثم فيها ( إلا أخذ أيسرهما) أي أسهلهما ( ما لم يكن) الأيسر ( إثمًا) أي مفضيًا للإثم ( فإن كان) الأيسر ( إثمًا كان أبعد الناس منه) ويختار الأشد حينئذ وللطبراني الأوسط عن أنس إلا اختار أيسرهما ما لم يكن لله فيه سخط ووقوع التخيير بين ما فيه إثم وما لا إثم فيه من قبل المخلوقين واضح وأما من قبل الله ففيه إشكال لأن التخيير إنما يكون بين جائزين لكن إذا حمل على ما يفضي إلى الإثم أمكن ذلك بأن يخيره بين أن يفتح عليه من كنوز الأرض ما يخشى من الاشتغال به إلا أن يتفرغ للعبادة مثلاً وبين أن لا يؤتيه من الدنيا إلا الكفاف فيختار الكفاف وإن كانت السعة أسهل منه والإثم على هذا أمر نسبي لا يراد منه معنى الخطيئة لثبوت العصمة له انتهى ومثله غيره بالتخيير بين المجاهدة في العبادة والاقتصاد فيها فإن المجاهدة إن كانت بحيث تجر إلى الهلاك لا تجوز ( وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه) أي خاصة فلا يرد أمره بقتل ابن خطل وعقبة بن أبي معيط وغيرهما ممن كان يؤذيه لأنهم كانوا مع ذلك ينتهكون حرمات الله وقيل إرادة لا ينتقم لنفسه إذا أوذي في غير السبب الذي يخرج إلى الكفر كما عفا عن الأعرابي الذي جفا في رفع صوته عليه وعن الآخر الذي جبذ بردائه حتى أثر في كتفه وقال محمد أعطني من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء كما في الصحيحين من طريق مالك عن إسحاق بن عبد الله عن أنس وفي أبي داود ثم دعا رجلاً فقال احمل له على بعيريه هذين على بعير تمرًا وعلى الآخر شعيرًا ( إلا أن تنتهك) بضم الفوقية وسكون النون وفتح الفوقية والهاء أي لكن إذا انتهكت ( حرمة الله) عز وجل ( فينتقم لله) لا لنفسه ممن ارتكب تلك الحرمة ( بها) أي بسببها وللطبراني عن أنس فإذا انتهكت حرمة الله كان أشد الناس غضبًا لله قال الباجي يريد أن يؤذى أذى فيه غضاضة على الدين فإن في ذلك انتهاكًا لحرمة الله فينتقم بذلك إعظامًا لحق الله وقال بعض العلماء لا يجوز أن يؤذى النبي صلى الله عليه وسلم بفعل مباح ولا غيره وأما غيره من الناس فيجوز أن يؤذى بمباح وليس له المنع منه ولا يأثم فاعله وإن وصل بذلك إلى أذى غيره ولذا لم يأذن صلى الله عليه وسلم في نكاح ابنة أبي جهل فجعل حكم ابنته فاطمة حكمه في أنه لا يجوز أن تؤذى بمباح واحتج على ذلك بقوله تعالى { { إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله } } إلى أن قال { { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا } } فشرط على المؤمنين أن يؤذوا بغير ما اكتسبوا وأطلق الأذى في خاصة النبي صلى الله عليه وسلم من غير شرط انتهى وحمل الداودي عدم انتقامه لنفسه على ما يختص بالمال وأما العرض فقد اقتص مما نال منه قال فاقتص ممن لده في مرضه بعد نهيه عن ذلك بأن أمر بلدهم مع أنهم تأولوا نهيه على عادة البشر من كراهة النفس للدواء قال الحافظ كذا قال وقد أخرج الحاكم هذا الحديث من طريق معمر عن الزهري بإسناد مطولاً وأوله ما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمًا بذكر اسمه أي بصريحه ولا ضرب بيده شيئًا قط إلا أن يضرب في سبيل الله ولا سئل عن شيء قط فمنعه إلا أن يسأل مأثمًا ولا انتقم لنفسه من شيء إلا أن تنتهك حرمات الله فيكون الله ينتقم الحديث وهذا السياق سوى صدره عند مسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة به وفيه الحث على ترك الأخذ بالشيء العسير والاقتناع باليسير وترك الإلحاح فيما لا يضطر إليه ويؤخذ من ذلك ندب الأخذ بالرخص ما لم يظهر الخطأ والحث على العفو إلا في حقوق الله تعالى والندب إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحله ما لم يفض إلى ما هو أشد منه وفيه ترك الحكم للنفس وإن كان الحاكم متمكنًا من ذلك بحيث يؤمن منه الحيف على المحكوم عليه لكن لحسم المادة وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الصبر والحلم والقيام بالحق وهذا هو الخلق الحسن المحمود لأنه لو ترك القيام لحق الله وحق غيره كان ذلك مهانة ولو انتقم لنفسه لم يكن ثم صبر وكان هذا الخلق بطشًا فانتفى عنه الطرفان المذمومان وبقي الوسط وخير الأمور أوسطها وأخرجه البخاري في الصفة النبوية عن التنيسي وفي الأدب عن القعنبي ومسلم عن يحيى ثلاثتهم عن مالك به وتابعه منصور بن المعتمر ويونس عن ابن شهاب وتابعه هشام عن عروة كل ذلك عند مسلم ( مالك عن ابن شهاب عن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب) مرسلاً عند جماعة رواة الموطأ فيما علمت إلا خالد بن عبد الرحمن الخراساني فقال عن مالك عن ابن شهاب عن علي بن الحسين عن أبيه وخالد ضعيف ليس بحجة فيما خولف فيه ولابن شهاب فيه إسنادان أحدهما مرسل كما قال مالك والآخر عن أبي سلمة عن أبي هريرة وهما من رواية الثقات قاله في التمهيد وقال السيوطي وصله الدارقطني من طريق خالد الخراساني وموسى بن داود الضبي كلاهما عن مالك عن الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه قال ابن عبد البر وخالد وموسى لا بأس بهما انتهى ولم أجده في التمهيد إنما فيه ما ذكرته فلعل نسخه اختلفت والحديث حسن بل صحيح أخرجه أحمد وأبو يعلى والترمذي وابن ماجه من حديث الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وأحمد والطبراني الكبير عن الحسن بن علي والحاكم في الكنى عن أبي ذر العسكري والحاكم في تاريخه عن علي بن أبي طالب والطبراني في الصغير عن زيد بن ثابت وابن عساكر عن الحارث بن هشام ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) بفتح أوله من عناه كذا إذا تعلقت عنايته به وكان من قصده يعني ترك الفضول كله على اختلاف أنواعه قال ابن العربي لأن المرء لا يقدر أن يشتغل باللازم فكيف يتعداه إلى الفاضل انتهى وفي إفهامه أن من قبح إسلام المرء أخذه ما لا يعنيه لأنه ضياع للوقت النفيس الذي لا يمكن تعويض فائته فيما لم يخلق لأجله فإن الذي يعنيه الإسلام والإيمان والعمل الصالح وما تعلق بضرورة حياته في معاشه من شبع وروي وستر عورة وعفة فرج ونحو ذلك مما يدفع الضرورة دون مزيد النعم وبهذا يسلم من جميع الآفات دنيا وأخرى فمن عبد الله على استحضار قربه من ربه أو قرب ربه منه فقد حسن إسلامه قال الطيبي من تبعيضية ويجوز أنها بيانية وآثر التعبير بالإسلام على الإيمان لأنه الأعمال الظاهرة والفعل والترك إنما يتعاقبان عليها وزاد حسن إيماء إلى أنه لا يتميز بصورة الأعمال فعلاً وتركًا إلا أن اتصف بالحسن بأن توفرت شروط مكملاتها فضلاً عن المصححات وجعل ترك ما لا يعني من الحسن مبالغة قال بعضهم ومما لا يعني تعلم ما لا يهم من العلوم وترك الأهم منه كمن ترك تعلم العلم الذي فيه صلاح نفسه واشتغل بتعلم ما يصلح به غيره كعلم الجدل ويقول في اعتذاره نيتي نفع الناس ولو كان صادقًا لبدأ باشتغاله بما يصلح به نفسه وقلبه من إخراج الصفات المذمومة من نحو حسد ورياء وكبر وعجب وترؤس على الأقران وتطاول عليهم ونحوها من المهلكات قال ابن عبد البر هذا الحديث من الكلام الجامع للمعاني الكثيرة الجليلة في الألفاظ القليلة وهو مما لم يقله أحد قبله صلى الله عليه وسلم لكن روي معناه عن صحف إبراهيم مرفوعًا ثم أخرج بسنده عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله ما كانت صحف إبراهيم قال كانت أمثالاً كلها الحديث وفيه وعلى العاقل أن يكون بصيرًا بزمانه مقبلاً على شأنه حافظًا للسانه ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه وقيل للقمان الحكيم ما الذي بلغ بك ما نرى أي الفضل قال قدر الله وصدق الحديث وأداء الأمانة وترك ما لا يعنيني وروى أبو عبيدة عن الحسن من علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه وقال أبو داود أصول السنن في كل فن أربعة أحاديث هذا وحديث الأعمال بالنيات والحلال بين وازهد في الدنيا وقال الباجي قال حمزة الكناني هذا الحديث ثلث الإسلام والثاني الأعمال بالنيات والثالث الحلال بين والحرام بين وقال غيره هو نصف الإسلام وقيل كله ( مالك أنه بلغه) أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي من طريق سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر عن عروة ( عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت استأذن رجل) في الدخول ( على النبي صلى الله عليه وسلم) بيته وهو عيينة بن حصن الفزاري كما جزم به ابن بطال وعياض والقرطبي ونقله الباجي عن ابن حبيب عن مالك ورواه عبد الغني في المبهمات عن مالك بلاغًا وابن بشكوال عن يحيى بن أبي كثير أن عيينة استأذن فذكره مرسلاً وقيل هو مخرمة بن نوفل أخرجه عبد الغني عن عائشة قال الحافظ فيحمل على التعدد وقد حكى المنذري القولين فقال هو عيينة وقيل مخرمة وهو الراجح انتهى وتعقب بأن حديث تسميته عيينة صحيح وإن كان مرسلاً وخبر تسميته مخرمة فيه راويان ضعيفان ولذا قال الخطيب وعياض وغيرهما الصحيح أنه عيينة قالوا ويبعد أن يقول صلى الله عليه وسلم في حق مخرمة ما قال لأنه كان من خيار الصحابة ( قالت عائشة وأنا معه في البيت) قبل نزول الحجاب فقال من هذه قال عائشة قال ألا أنزل لك عن أم البنين فغضبت عائشة وقالت من هذا قال صلى الله عليه وسلم هذا الأحمق المطاع رواه سعيد بن منصور يعني في قومه لأنه كان يتبعه منهم عشرة آلاف قناة لا يسألونه أين يريد ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) له ( بئس ابن العشيرة) الجماعة أو القبيلة أو الأدنى إلى الرجل من أهله وهم ولد أبيه وجده وفي رواية البخاري بئس أخو العشيرة وبئس ابن العشيرة ( ثم أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم) وللبخاري رواية فقال ائذنوا له ( قالت عائشة فلم أنشب) بمعجمة وموحدة ( أن سمعت ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم معه) وللبخاري فلما جلس تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وانبسط إليه وله أيضًا فلما دخل ألان له الكلام ( فلما خرج الرجل قلت) مستفهمة ( يا رسول الله قلت فيه ما قلت) بفتح التاء فيهما خطابًا ( ثم لم تنشب أن ضحكت معه) فما السر في ذلك وفي رواية ثم ألنت له القول ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) يا عائشة ( إن من شر الناس من اتقاه الناس لشره) أي قبيح كلامه وفي رواية لهما فقال يا عائشة متى عهدتني فحاشًا إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره فقال الباجي وصفه بذلك ليعلم حاله فيحذر وليس ذلك من باب الغيبة وقال القرطبي فيه جواز غيبة المعلن بالفسق أو الفحش ونحو ذلك مع جواز مداراتهم اتقاء لشرهم ما لم يؤد ذلك إلى المداهنة في دين الله والفرق بينها وبين المداراة أنها بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معًا وهي مباحة وربما استحسنت والمداهنة بذل الدين لصلاح الدنيا والنبي صلى الله عليه وسلم إنما يذل له من دنياه حسن عشرته والرفق في مكالمته ومع ذلك فلم يمدحه بقول فلم يناقض قوله فيه فعله فإن قوله فيه بئس ابن العشيرة حق وفعله معه حسن عشرة فيزول بهذا التقرير الإشكال انتهى أي الذي هو أن النصيحة فرض وطلاقة الوجه وإلانة القول يستلزمان الترك وحاصل جوابه أن الفرض سقط لعارض وقال عياض لم تكن غيبة والله أعلم حين إذ أسلم فلم يكن القول فيه غيبة أو كان أسلم ولم يكن إسلامه ناصحًا فأراد صلى الله عليه وسلم بيان ذلك لئلا يغتر به من لم يعرف باطنه فيكون ما وصفه به من علامات النبوة وأما إلانة القول بعد أن دخل فعلى سبيل الاستئلاف وقال القرطبي في هذا الحديث إن عيينة ختم له بسوء لأنه صلى الله عليه وسلم ذمه وأخبر بأن من كان كذلك كان شر الناس ورده الحافظ بأن الحديث ورد بلفظ العموم وشرط من اتصف بالصفة المذكورة أن يموت على ذلك وقد ارتد عيينة في زمن الصديق وحارب ثم رجع وأسلم وحضر بعض الفتوح في عهد عمر وفي الأم للشافعي أن عمر قتل عيينة على الردة قال في الإصابة ولم أر ذلك لغيره فإن كان محفوظًا فلا يذكر في الصحابة لكن يحتمل أنه أمر بقتله فبادر إلى الإسلام فعاش إلى خلافة عثمان وقال أيضًا في ترجمة طليحة نقلاً عن الأم أن عمر قتل طليحة وعيينة على الردة فراجعت جلال الدين البلقيني فاستغربه وقال لعله قبلهما بموحدة أي قبل منهما الإسلام بعد الارتداد ( مالك عن عمه أبي سهيل) نافع ( بن مالك عن أبيه) مالك بن أبي عامر الأصبحي ( عن كعب الأحبار أنه قال) موقوفًا ويحتمل أن يكون من الكتب القديمة لأنه حبرها وقد رواه ابن عساكر بسند ضعيف عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا أحببتم) أي أردتم ( أن تعلموا ما للعبد عند ربه) مما قدر له من خير أو شر ( فانظروا) أي تأملوا ( ماذا يتبعه) أي الذي يجري على ألسنة الناس في حياته أو بعد موته ( من حسن الثناء) بفتح المثلثة والمد الوصف بمدح أو به وبذم قال الباجي والمراد ما يذكره أهل الدين والخير دون أهل الضلال والفسق لأنه قد يكون للإنسان العدو فيتبعه بالذكر القبيح انتهى فإن ذكره الصلحاء بشيء علم أن الله أجرى على ألسنتهم ماله عنده فإنهم ينطقون بإلهامه كما يفيده قوله صلى الله عليه وسلم إن لله ملائكة تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير والشر رواه الحاكم وغيره عن أنس فإن كان خيرًا فليحمد الله ولا يعجب بل يكون خائفًا من مكره الخفي وإن كان شرًا فليبادر بالتوبة ويحذر سطوته وقهره ( مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال بلغني) أخرجه ابن عبد البر من طريق زهير عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ( إن المرء) وفي رواية إن الرجل والمراد منهما الإنسان وفي رواية إن المؤمن ( ليدرك بحسن خلقه) قال ابن العربي الخلق أي بالفتح والخلق أي بالضم عبارتان عن جملة الإنسان فالخلق عبارة عن صفته الظاهرة والخلق عبارة عن صفته الباطنة والإشارة بالخلق أي بالضم إلى الإيمان والكفر والعلم والجهل واللين والشدة والمسامحة والاستقصاء والسخاء والبخل وما أشبه ذلك ولبابها في المحمود والمذموم يدور على عشرين خصلة ( درجة) أي مثل درجة أي منزلة ( القائم بالليل) أي المتهجد ( الظامي بالهواجر) أي العطشان في شدة الحر بسبب الصوم لأنهما مجاهدان لأنفسهما في مخالفة حفظهما من الطعام والشراب والنكاح والنوم والقيام والصيام يمنعان من ذلك والنفس أمارة بالسوء تدعو إلى ذلك لأن بالطعام يتقوى وبالنوم ينمو ومن حسن خلقه يجاهد نفسه في تحمل أثقال مساوئ أخلاق الناس لأنه يحمل أثقال غيره ولا يحمل غيره أثقاله وهو جهاد كبير فأدرك ما أدركه القائم الصائم فاستويا في الدرجة قال الباجي المراد أنه يدرك درجة المتنفل بالصلاة والصوم بصبره على الأذى وكفه عن أذى غيره والمقارضة عليه مع سلامة صدره من الغل قال الغزالي ولا يتم لرجل حسن خلقه حتى يتم عقله فعند ذلك يتم إيمانه ويطيع ربه ويعصي عدوه إبليس وهذا الحديث أخرجه أبو داود من وجه آخر عن عائشة والطبراني في الكبير عن أبي أمامة والحاكم وقال صحيح على شرطهما وأقره الذهبي عن أبي هريرة ثلاثتهم مرفوعًا به ( مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال سمعت سعيد بن المسيب يقول) موقوفًا لجميع رواة الموطأ إلا إسحاق بن بشر الكامل وهو ضعيف متروك الحديث فرواه عن مالك عن يحيى عن سعيد عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه الدارقطني من طريق حفص بن غياث عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره مرسلاً ورواه أيضًا من طريق ابن عيينة عن يحيى عن سعيد عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجه البزار من طريق الأعمش عن عمر بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن أم الدرداء عن أبي الدرداء وذكر ابن المديني أن يحيى لم يسمعه من سعيد وإنما بينهما إسماعيل بن أبي حكيم كما حدث به عبد الوهاب ويزيد بن هارون وغيرهما عن يحيى بن سعيد عن إسماعيل عن سعيد بن المسيب مرفوعًا مرسلاً قاله كله ابن عبد البر ملخصًا وتعليل ابن المديني ليس بظاهر فإن يحيى ثقة حافظ باتفاق وقد صرح بالسماع في بعض طرقه فلا مانع أنه سمعه من إسماعيل عن سعيد ثم سمعه من سعيد فحدث به على الوجهين كما أن ابن المسيب حدث به مرسلاً وموقوفًا وموصولاً وأيما كان فالحديث صحيح وقد أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وصححه عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ألا) حرف تنبيه يذكر لتحقيق ما بعدها مركبة من همزة الاستفهام التي هي بمعنى الإنكار ولا التي للنفي والإنكار إذا دخل عليه النفي أفاد التحقيق ولذا لا يكاد يقع بعدها إلا ما كان مصدرًا بنحو ما يتلقى به القسم وشقيقتها أما التي هي من طلائع القسم ومقدماته قاله البيضاوي ( أخبركم بخير من كثير من الصلاة والصدقة) زاد في رواية حفص بن غياث والصيام وفي رواية أحمد ومن بعده ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ( قالوا بلى) أخبرنا ( قال صلح) بضم فسكون وفي رواية الجماعة إصلاح ( ذات البين) أي صلاح الحال التي بين الناس وإنها خير من نوافل الصلاة وما ذكر معها وقال غيره أي إصلاح أحوال البين حتى تكون أحوالكم أحوال صحة وألفة أو هو إصلاح الفساد والفتنة التي بين القوم وذلك لما فيه من عموم المنافع الدينية والدنيوية من التعاون والتناصر والألفة والاجتماع على الخير حتى أبيح فيه الكذب ولكثرة ما يندفع من المضرة في الدين والدنيا وفي رواية أحمد ومن بعده فإن فساد ذات البين هي الحالقة بدل قوله ( وإياكم والبغضة) بكسر الموحدة وإسكان الغين وفتح الضاد المعجمتين وهاء تأنيث شدة البغض وفي رواية والبغضاء بالفتح والمد وهو أيضًا شدته ( فإنها هي الحالقة) أي الخصلة التي شأنها أن تحلق أي تهلك وتستأصل الدين كما يستأصل الموسى الشعر والمراد المزيلة لمن وقع فيها لما يترتب عليه من الفساد والضغائن وقد زاد الدارقطني قال أبو الدرداء أما إني لا أقول حالقة الشعر ولكنها حالقة الدين قال الباجي أي أنها لا تبقي شيئًا من الحسنات حتى تذهب بها كما يذهب الحلق بشعر الرأس ويتركه عاريًا وقال أبو عمر فيه أوضح حجة على تحريم العداوة وفضل المؤاخاة وسلامة الصدور من الغل ( مالك أنه بلغه) رواه أحمد وقاسم بن أصبغ والحاكم والخرايطي برجال الصحيح عن محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعثت) وفي رواية إنما بعثت ( لأتمم حسن) بفتحتين وبضم فسكون وفي رواية مكارم وفي رواية صالح ( الأخلاق) قال الباجي كانت العرب أحسن الناس أخلاقًا بما بقي عندهم من شريعة إبراهيم وكانوا ضلوا بالكفر عن كثير منها فبعث صلى الله عليه وسلم ليتمم محاسن الأخلاق ببيان ما ضلوا عنه وبما خص به في شرعه قال ابن عبد البر ويدخل فيه الصلاح والخير كله والدين والفضل والمروءة والإحسان والعدل فبذلك بعث ليتممه قال وهو حديث مدني صحيح متصل من وجوه صحاح عن أبي هريرة وغيره وللطبراني عن جابر مرفوعًا إن الله بعثني بتمام مكارم الأخلاق وكمال محاسن الأفعال وعزاه الديلمي لأحمد عن معاذ قال السخاوي وما رأيته فيه والذي فيه عن أبي هريرة.


رقم الحديث 1742 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ فَإِذَا فَتًى شَابٌّ بَرَّاقُ الثَّنَايَا، وَإِذَا النَّاسُ مَعَهُ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَسْنَدُوا إِلَيْهِ، وَصَدَرُوا عَنْ قَوْلِهِ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقِيلَ هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ هَجَّرْتُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ، وَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، قَالَ: فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ، ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ لِلَّهِ، فَقَالَ: أَاللَّهِ؟ فَقُلْتُ: أَاللَّهِ، فَقَالَ: أَاللَّهِ؟ فَقُلْتُ: أَاللَّهِ، فَقَالَ: أَاللَّهِ؟ فَقُلْتُ: أَاللَّهِ.
قَالَ: فَأَخَذَ بِحُبْوَةِ رِدَائِي فَجَبَذَنِي إِلَيْهِ،.

     وَقَالَ : أَبْشِرْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ.


( ما جاء في المتحابين في الله)

( مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر) بن حزم الأنصاري أبي طوالة بضم الطاء المهملة المدني قاضيها لعمر بن عبد العزيز ثقة مات سنة أربع وثلاثين ومائة ويقال بعد ذلك ( عن أبي الحباب) بضم المهملة وموحدتين ( سعيد بن يسار) المدني ثقة متقن ( عن أبي هريرة أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تبارك وتعالى يقول) فيه رد على من كره ذلك وقال إنما يقال إن الله قال ويرد عليه هذا الحديث ونحوه وقوله تعالى { { والله يقول الحق } } يوم ( القيامة أين المتحابون) نداء تنويه وإكرام قاله القرطبي أي استعظام ( لجلالي) أي لعظمتي أي لأجل تعظيم حقي وطاعتي لا لغرض دنيا فخص الجلال بالذكر لدلالته على الهيبة والسطوة أي المنزهون عن شوائب الهوى والنفس والشيطان في المحبة فلا يتحابون إلا لأجلي ولوجهي لا لشيء من أمور الدنيا قيل التحابب للجلال أن لا يزيد الحب بالبر ولا ينقص بالجفاء ( اليوم أظلهم في ظلي) قال عياض هي إضافة خلق وتشريف لأن الظلال كلها خلق الله وجاء مفسرًا في ظل عرشي في رواية أخرى وظاهره أنه سبحانه يظلهم حقيقة من حر الشمس ووهج الموقف وأنفاس الخلائق وهو تأويل الأكثر وقال عيسى بن دينار كناية عن كنهم من المكاره وجعلهم في كنفه وستره ومنه السلطان ظل الله في الأرض وقولهم فلان في ظل فلان أي في كنفه وعزته وقد يكون الظل هنا كناية عن الراحة والتنعم من قولهم عيش ظليل ( يوم لا ظل إلا ظلي) أي ظل عرشي بدل من اليوم المتقدم أي لا يكون من له ظل مجازًا كما في الدنيا قال القرطبي فإن قيل حديث المرء في ظل صدقته حتى يقضي الله بين الخلائق وحديث سبعة يظلهم الله يدل على أن في القيامة ظلالاً غير ظل العرش أجيب بأن فيها ظلالاً بحسب الأعمال تقي أصحابها حر الشمس والنار وأنفاس الخلائق ولكن ظل العرش أعظمها وأشرفها يخص الله به من شاء من عباده الصالحين ومن جملتهم المتحابون في الله ويحتمل أنه ليس هناك إلا ظل العرش يستظل به المؤمنون أجمع ولكن لما كانت تلك الظلال لا تنال إلا بالأعمال وكانت الأعمال تختلف حصل لكل عامل ظل يخصه من ظل العرش بحسب عمله وسائر المؤمنين شركاء في ظله وهذا كله على أن الاستظلال حقيقي وتقدم ما لابن دينار وهذا الحديث رواه مسلم في البر عن قتيبة بن سعيد عن مالك به ( مالك عن خبيب) بخاء معجمة وموحدتين مصغر ( ابن عبد الرحمن) ابن حبيب الأنصاري المدني أبي الحارث ثقة مات سنة اثنين وثلاثين ومائة ( عن حفص بن عاصم) ابن عمر بن الخطاب العمري التابعي الثقة ( عن أبي سعيد الخدري أو عن أبي هريرة) بالشك لرواة الموطأ إلا مصعبًا الزبيري وموسى بن طارق فجعلاه عنهما بواو العطف وشذا في ذلك عن أصحاب مالك قاله الحافظ وذكر أبو عمر أن أبا معاذ البلخي عن مالك تابعهما في روايته بالواو قال ورواه زكريا بن يحيى الوقاد عن ابن وهب وابن القاسم ويوسف بن عمر بن يزيد كلهم عن مالك عن خبيب عن حفص عن أبي سعيد وحده ورواه عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم عن خاله خبيب عن جده حفص عن أبي هريرة وحده قال الحافظ في الأمالي المحفوظ عن مالك بالشك ورواية زكريا خطأ والمحفوظ عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة وحده كذلك أخرجه الشيخان والنسائي من طريق عبيد الله وهو أحد الحفاظ الأثبات وخبيب خاله وحفص جده ولم يشك فروايته أولى وتابعه مبارك بن فضالة عن خبيب أخرجه الطيالسي وقال في الفتح والظاهر أن عبيد الله حفظه لكونه لم يشك فيه ولكونه من رواية خاله وجده ( أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة) من الأشخاص مبتدأ خبره ( يظلهم الله في ظله) إضافة ملك وكل ظل فهو ملكه كذا قال عياض وحقه أن يقول إضافة تشريف ليحصل امتياز هذا عن غيره كما قيل للكعبة بيت الله مع أن المساجد كلها ملكه وقيل المراد كرامته ورحمته كما يقال فلان في ظل الملك وهو قول عيسى بن دينار وقواه عياض وقيل المراد ظل عرشه ويدل عليه حديث سلمان عن سعيد بن منصور بإسناد حسن سبعة يظلهم الله في ظل عرشه وإذا كان المراد ذلك استلزم كونهم في كنف الله وكرامته من غير عكس فهو أرجح وبه جزم القرطبي ويؤيده تقييد ذلك بيوم القيامة كما صرح به ابن المبارك في روايته عن عبيد الله بن عمر عند البخاري في الحدود وبه يندفع قول من قال المراد ظل طوبى أو ظل الجنة لأن ظلهما إنما يحصل لهم بعد الاستقرار في الجنة ثم أنه مشترك لجميع من يدخلها والسياق يدل على امتياز أصحاب الخصال المذكورة فترجح أن المراد ظل العرش وروى الترمذي وحسنه عن أبي سعيد مرفوعًا أحب الناس إلى الله يوم القيامة إمام عادل قاله الحافظ ( يوم لا ظل إلا ظله) أي ظل عرشه كما علم والإضافة للتشريف كناقة الله فإن الله منزه عن الظل إذ هو من خواص الأجسام ( إمام عادل) اسم فاعل من العدل كما رواه الأكثر قال الشاعر

ومن كان في إخوانه غير عادل
فما أحد في العدل منه بطامع

ورواه سعيد بن أبي مريم عن مالك بلفظ عدل وهو أبلغ لأنه جعل المسمى نفسه عدلاً قاله ابن عبد البر وهو الذي يتبع أمر الله بوضع كل شيء في موضعه بغير إفراط ولا تفريط أو الجامع للكمالات الثلاثة الحكمة والشجاعة والعفة التي هو أوساط القوى الثلاثة العقلية والغضبية والشهوانية والمراد به صاحب الولاية العظمى ويلتحق به كل من ولي شيئًا من أمور المسلمين فعدل فيه ويؤيده ما في مسلم عن عبد الله بن عمر ورفعه أن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما ملكت أيمانهم وما ولوا وقدمه في الذكر لأن نفعه أعم وقال صلى الله عليه وسلم الإمام العادل لا ترد دعوته ( وشاب نشأ) نبت وابتدأ ( في عبادة الله) أي لم يكن له صبوة قاله القرطبي وفي رواية مسلم بعبادة الله بالباء بمعنى في زاد في رواية الجوزقي حتى توفي على ذلك وفي حديث سلمان أفنى شبابه ونشاطه في عبادة الله وخص الشباب لأنه مظنة غلبة الشهوة لما فيه من قوة الباعث على متابعة الهوى فإن ملازمة العبادة مع ذلك أشد وأدل على غلبة التقوى ( ورجل قلبه متعلق) بفوقية بعد الميم وكسر اللام من العلاقة وهي شدة الحب ( بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه) زاد في حديث سلمان من حبها وعند ابن عساكر من حديث أبي هريرة معلق بالمساجد من شدة حبه إياها وذلك أنه لما آثر طاعة الله وغلب عليه حبه صار قلبه ملتفتًا إلى المسجد لا يحب البراح عنه لوجدانه فيه روح القربة وحلاوة الطاعة وفي رواية عبيد الله عن حبيب في الصحيحين معلق بدون تاء قال الحافظ ظاهره أنه من التعليق كأنه شبهه بالشيء المعلق في المسجد كالقنديل إشارة إلى طول الملازمة بقلبه وإن كان جسده خارجًا عنها ويدل عليه رواية الجوزقي كأنما قلبه معلق في المسجد ويحتمل أن يكون من العلاقة وهي شدة الحب ويدل عليه رواية أحمد معلق بالمساجد وكذا رواية متعلق بزيادة الفوقية زاد سلمان من حبها ( ورجلان تحابا) بشدة الموحدة وأصله تحاببا أي اشتركا في جنس المحبة وأحب كل منهما الآخر حقيقة لا إظهارًا فقط وفي رواية الجوزقي ورجلان قال كل منهما للآخر إني أحبك في الله فصدرا على ذلك ونحوه في حديث سلمان ( في الله) أي في طلب رضاه أو لأجله لا لغرض دنيوي ( اجتمعا على ذلك) الحب المذكور ( وتفرقا عليه) كما زيد في رواية الصحيحين أي استمرا على المحبة الدينية ولم يقطعاها بعارض دنيوي سواء اجتمعا حقيقة أم لا حتى فرق الموت بينهما أو المراد يحفظان الحب فيه في الحضور والغيبة ووقع في الجمع بين الصحيحين للحميدي اجتمعا على خير قال الحافظ ولم أر ذلك في شيء من نسخ الصحيحين ولا غيرهما من المستخرجات وهي عندي تحريف وعدت هذه الخصلة واحدة مع أن متعاطيها اثنان لأن المحبة لا تتم إلا باثنين أو لما كان المتحابان بمعنى واحد أغنى عد أحدهما عن الآخر لأن الغرض عد الخصال لا عد جميع من اتصف بها ( ورجل ذكر الله) بقلبه من التذكر أو لسانه من الذكر ( خاليًا) من الخلوة لأنه أقرب إلى الإخلاص وأبعد من الرياء أو خاليًا من الالتفات إلى غير الله ولو كان في ملإ ويؤيده رواية البيهقي ذكر الله بين يديه ويؤيد الأول رواية للبخاري وغيره ذكر الله في خلاء أي موضع خال وهي أصح ( ففاضت عيناه) أي فاضت الدموع من عينيه وأسند الفيض إلى العين مبالغة كأنها هي التي فاضت قال القرطبي وفيض العين بحسب حالة الذاكر وبحسب ما ينكشف له ففي حال أوصاف الجلال يكون البكى من خشية الله وفي حال أوصاف الجمال يكون من الشوق إليه قال الحافظ قد خص بالأول في رواية الجوزقي والبيهقي ففاضت عيناه من خشية الله ويشهد له ما رواه الحاكم عن أنس مرفوعًا من ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله حتى يصيب الأرض من دموعه لم يعذب يوم القيامة ( ورجل دعته) أي طلبته وبه عبر في الصحيحين ( ذات) بين الموصوف في رواية للبخاري ومسلم وأحمد فقال امرأة ذات ( حسب) أي أصل أو مال لأنه يطلق عليهما وفي الصحيحين ذات منصب أي أصل أو شرف ( وجمال) أي مزيد حسن زاد في رواية للبخاري إلى نفسها وللبيهقي عن أبي صالح عن أبي هريرة فعرضت نفسها عليه والظاهر أنها دعته إلى الفاحشة وبه جزم القرطبي وقال غيره يحتمل أنها دعته إلى التزويج بها فخاف أن يشتغل عن العبادة بالافتتان بها أو خاف أن لا يقوم بحقها لشغله بالعبادة عن التكسب بما يليق بها والأول أظهر ويؤيده الكناية في قوله إلى نفسها ولو أريد التزويج لصرح به ( فقال إني أخاف الله) زاد في رواية رب العالمين والظاهر أنه يقوله بلسانه إما ليزجرها عن الفاحشة أو ليعتذر إليها ويحتمل أن يقوله بقلبه قاله عياض وإنما يصدر هذا عن شدة خوف من الله ومتين تقوى وحياء كما قال القرطبي لأن الصبر على الموصوفة بأكمل الأوصاف التي جرت العادة بمزيد الرغبة لمن هي فيها وهو الحسب والمنصب المستلزم للجاه والمال مع الجمال وقل من يجتمع ذلك فيها من النساء من أكمل المراتب لكثرة الرغبة في مثلها وعسر تحصيلها لا سيما وقد أغنت من مشاق التوصل إليها بمراودة ونحوها ( ورجل تصدق بصدقة فأخفاها) أي كتمها عن الناس ونكرها ليشمل ما تصدق به من قليل وكثير وظاهره يشمل المندوبة والمفروضة لكن نقل النووي عن العلماء إن إظهار المفروضة أولى من إخفائها ( حتى لا تعلم) بفتح الميم نحو سرت حتى مغيب الشمس وضمها نحو مرض حتى لا يرجونه ( شماله ما تنفق يمينه) أي لو قدرت شماله رجلاً متيقظًا لما علم صدقة اليمين ذكر ذلك مبالغة في الإخفاء وضرب المثل بهما لقربهما وملازمتهما فهو من مجاز التشبيه ويؤيده رواية الجوزقي تصدق بصدقة كأنما أخفى يمينه من شماله أو من مجاز الحذف أي ملك شماله أو من على شماله من الناس كأنه قيل مجاوز شماله وأبعد من قال المراد بشماله نفسه من تسمية الكل باسم الجزء فإنه ينحل إلى أنه لا يعلم نفسه ما تنفق نفسه وقيل المراد لا يرائي بصدقته ولا يكتبها كاتب الشمال وحكى القرطبي عن بعض شيوخه أن معناه أن يتصدق على الضعيف المكتسب في صورة الشراء لترويج سلعته أو رفع قيمتها واستحسنه قال الحافظ وفيه نظر إن أراد أن هذه الصورة مراد الحديث خاصة وإن أراد أنها من صور الصدقة الخفية فمسلم ووقع في مسلم حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله قال عياض كذا في جميع نسخ مسلم التي وصلت إلينا وهو مقلوب والصواب الأول وهو وجه الكلام لأن السنة المعهودة في الصدقة إعطاؤها باليمين وقد ترجم عليه البخاري في الزكاة باب الصدقة باليمين قال ويشبه أن الوهم فيه ممن دون مسلم واستدل لذلك بما نوزع فيه وعارضه الحافظ بأنه ليس ممن دونه ولا منه بل من شيخه زهير بن حرب أو شيخ شيخه يحيى القطان وبه جزم أبو حامد بن الشرقي وفي جزمه نظر لأنه في البخاري وأحمد والإسماعيلي عن يحيى على الصواب وأطال في بيان ذلك وفي مسند أحمد بإسناد حسن عن أنس مرفوعًا أن الملائكة قالت رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال قال نعم الحديد قالت فهل أشد من الحديد قال نعم النار قالت فهل أشد من النار قال نعم الماء قالت فهل أشد من الماء قال نعم الريح قالت فهل أشد من الريح قال نعم ابن آدم يتصدق بيمينه فيخفيها عن شماله وذكر الرجل وصف طردي فالمرأة والخنثى مثله إلا في الإمامة العظمى ويمكن دخول المرأة في الإمام العادل حيث تكون ربة عيال فتعدل فيهم وإلا في ملازمة المسجد لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من المسجد وما عدا ذلك فالمشاركة حاصلة لهن حتى الذي دعته المرأة فإنه يتصور في امرأة دعاها ملك جميل مثلاً فامتنعت خوفًا من الله مع حاجتها أو شاب جميل دعاه ملك أن يزوجه ابنته مثلاً فخشي أن يرتكب منه الفاحشة فامتنع مع حاجته إليه وظاهر الحديث اختصاص السبعة المذكورين ووجهه الكرماني بما حاصله أن الطاعة إما بين العبد والرب أو بينه وبين الخلق فالأول باللسان وهو الذاكر أو بالقلب وهو المعلق بالمسجد أو بالبدن وهو الناشئ بالعبادة والثاني عام وهو العادل أو خاص بالقلب وهو التحاب أو بالمال وهو الصدقة أو بالبدن وهو العفة انتهى لكن دل استقراء الأحاديث على أن هذا العدد لا مفهوم له فإن هذا الحديث رواه مسلم عن يحيى التميمي والترمذي من طريق معن بن عيسى كلاهما عن مالك به وتابعه عبيد الله بن عمر في الصحيحين ورواه أبو نعيم وغيره من وجه آخر عن أبي هريرة فقال بدل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل كان في سرية مع قوم فلقوا العدو فانكشفوا فحمى آثارهم وفي لفظ أدبارهم حتى نجوا أو نجا أو استشهد قال الحافظ حسن غريب جدًا ورواه الحاكم والبيهقي من وجه آخر عن أبي هريرة فأبدل الشاب بقوله ورجل تعلم القرآن في صغره فهو يتلوه في كبره ولعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن سليمان موقوفًا وحكمه الرفع إذ لا يقال رأيًا فقال بدل الإمام والشاب ورجل يراعي الشمس لمواقيت الصلاة ورجل إن تكلم تكلم بعلم وإن سكت سكت عن حلم ولابن عدي عن أنس رفعه أربعة في ظل الله فقد عد الشاب والمتصدق والإمام قال ورجل تاجر اشترى وباع فلم يقل إلا حقًا وسنده ضعيف لكن له طريق آخر عنه مرفوعًا التاجر الصدوق تحت ظل العرش يوم القيامة رواه الديلمي وغيره وهو ضعيف لكن له شواهد عن سليمان وعلي وأبي هريرة وروى مسلم وغيره عن أبي اليسر مرفوعًا من أنظر معسرًا أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وفي زوائد المسند عن عثمان رفعه أظل الله عبدًا في ظله يوم لا ظل إلا ظله من أنظر معسرًا أو ترك لغارم وللطبراني عن شداد رفعه من أنظر معسرًا أو تصدق عليه أظله الله في ظله يوم القيامة والصدقة على المعسر أسهل من الوضع عنه فهي غيرها وللطبراني عن جابر مرفوعًا أظل الله في ظله يوم القيامة من أنظر معسرًا أو أعان أخرق وفيه ضعف والأخرق من لا صنعة له ولا يقدر أن يتعلم صنعة ولأحمد والحاكم وغيرهما عن سهل بن حنيف رفعه من أعان مجاهدًا في سبيل الله أو غارمًا في عسرته أو مكاتبًا في رقبته أظله الله في ظله يوم لا ظل له إلا ظله وإعانة الغارم غير الترك له لأنه أخص من إعانته فهذه عشرون ولابن عدي وصححه الضياء عن عمر مرفوعًا من أظل رأس غاز أظله الله يوم القيامة ولأبي الشيخ وغيره عن جابر رفعه ثلاث من كن فيه أظله الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله الوضوء على المكاره والمشي إلى المساجد في الظلم وإطعام الجائع قال الحافظ غريب وفيه ضعف لكن في الترغيب في كل من الثلاثة أحاديث قوية ورواه الطبراني عن جابر بلفظ من أطعم الجائع حتى يشبع أظله الله تحت ظل عرشه وإشباع الجائع أخص من مطلق إطعامه ولأبي الشيخ عن علي بإسناد ضعيف مرفوعًا فمن لزم البيع والشراء فلا يذم إذا اشترى ولا يحمد إذا باع وليصدق الحديث ويؤد الأمانة ولا يتمنى للمؤمنين الغلاء فإذا كان كذلك كان أحد السبعة الذين في ظل العرش وهذا قدر زائد على الصدق فيمكن أنها خصلة مستقلة وهي السادسة والعشرون وللطبراني عن أبي هريرة مرفوعًا أوحى الله إلى إبراهيم إن كلمتي سبقت لمن حسن خلقه أن أظله تحت ظل عرشي وله عن جابر مرفوعًا ومن كفل يتيمًا أو أرملة أظله الله في ظله يوم القيامة ولأحمد عن عائشة أتدرون من السابق إلى ظل الله يوم القيامة قالوا الله ورسوله أعلم قال الذين إذا أعطوا الحق قبلوه وإذا سئلوه بذلوه وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم قال الحافظ غريب وفيه ابن لهيعة وللحاكم وغيره عن أبي ذر مرفوعًا الحزين في ظل الله غريب وفيه ضعف ولابن شاهين وغيره عن الصديق رفعه الوالي العادل ظل الله ورمحه في الأرض فمن نصحه في نفسه وفي عباد الله أظله الله بظله يوم لا ظل إلا ظله ولأبي الشيخ وغيره عن الصديق مرفوعًا من أراد أن يظله الله بظله فلا يكن على المؤمنين غليظًا وليكن بالمؤمنين رحيمًا ولابن السني والديلمي بإسناد واه عن الصديق وعمران بن حصين قالا قال موسى لربه ما جزاء من عزى الثكلى قال أظله في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي ولابن أبي الدنيا عن فضيل بن عياض بلغني أن موسى قال أي رب من يظل تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك قال الذين يعودون المرضى ويشيعون الهلكى ويعزون الثكلى ولأبي سعيد السكري بإسناد واه جدًا عن علي رفعه السابقون إلى ظل العرش يوم القيامة طوبى لهم قال من هم قال شيعتك يا علي ومحبوك والبيهقي عن أبي الدرداء قال موسى يا رب من يستظل بظلك يوم لا ظل إلا ظلك قال أولئك الذين لا ينظرون بأعينهم الزنا ولا يبتغون في أموالهم الربا ولا يأخذون على أحكامهم الرشا قال الحافظ غريب ليس في رواته من اتفق على تركه والظاهر أن حكمه الرفع لأن أبا الدرداء لم يأخذ عن أهل الكتاب والتيمي في ترغيبه عن ابن عمر مرفوعًا ثلاثة يتحدثون في ظل العرش آمنين والناس في الحساب رجل لم يأخذه في الله لومة لائم ورجل لم يمد يده إلى ما لا يحل له ورجل لم ينظر إلى ما حرم عليه وروى طلحة بن علي بن الصقر عن ابن عباس قال من قرأ إذا صلى الغداة أول الأنعام إلى ويعلم ما تكسبون نزل إليه أربعون ألف ملك يكتب له مثل أعمالهم الحديث وفيه فإذا كان يوم القيامة قال الله امش في ظلي وأبو الشيخ والديلمي عن أنس رفعه ثلاثة في ظل العرش يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله واصل الرحم وامرأة مات زوجها وترك أيتامًا صغارًا فقالت لا أتزوج حتى يموتوا أو يغنيهم الله وعبد صنع طعامًا فأطاب صنعه وأحسن نفقته فدعا عليه الفقير والمسكين فأطعمهم لوجه الله والطبراني عن أبي أمامة رفعه ثلاثة في ظل الله يوم القيامة رجل حيث توجه علم أن الله معه ورجل دعته امرأة إلى نفسها فتركها من خشية الله ورجل يحب الناس لجلال الله فيه متروك وروى الخطيب بسند ضعيف جدًا عن أبي سعيد مرفوعًا إن المؤذنين ممن يظل يوم القيامة وأفرد المؤذن عن مراعي الشمس لأنه قد لا يكون مؤذنًا والديلمي بلا سند عن أنس مرفوعًا ثلاث تحت ظل العرش يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله من فرج عن مكروب من أمتي وأحيا سنتي وأكثر الصلاة علي والديلمي عن علي مرفوعًا إن حملة القرآن في ظل الله مع أنبيائه وأصفيائه ولا يلزم من حمله كونه تعلمه في صغره فهي غير السابقة ولأبي يعلى عن أنس رفعه إن المريض في ظل العرش والديلمي عن أبي هريرة مرفوعًا أهل الجوع في الدنيا خوفًا من الله يستظلون يوم القيامة والديلمي عن أبي الدرداء رفعه يوضع للصائمين موائد من ذهب تحت العرش وفي أمالي ابن ناصر عن أبي سعيد رفعه من صام من رجب ثلاثة عشر يومًا وضع الله له مائدة في ظل العرش وهو شديد الوهى والحارث بن أبي أسامة عن علي مرفوعًا من صلى ركعتين بعد ركعتي المغرب قرأ في كل ركعة الفاتحة وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة جاء يوم القيامة فلا يحجب حتى ينتهي إلى ظل العرش وهذا منكر والديلمي عن أنس مرفوعًا إن أطفال المؤمنين تحت ظل العرش والطبراني برجال ثقات عن ابن عمر مرفوعًا إن إبراهيم ابنه صلى الله عليه وسلم تحت ظل العرش ولأبي نعيم عن وهب قال موسى إلهي من ذكر بلسانه وقلبه قال أظله بظل عرشي ولابن عساكر عن ابن مسعود إن الله قال لموسى الذي لا يحسد الناس ولا يعق والديه ولا يمشي بالنميمة في ظل العرش ولأحمد عن عطاء بن يسار أن موسى سأل الله من تؤويه في ظل عرشك قال هم الطاهرة قلوبهم البرية أبدانهم الذين إذا ذكرت ذكروا بي وإذا ذكروا ذكرت بهم الذين ينيبون إلى ذكري ويغضون لمحارمي ويكلفون بحبي زاد ابن المبارك الذين يعمرون مساجدي ويستغفروني بالأسحار ولأبي نعيم إن الله قال لموسى الذين أذكرهم ويذكروني في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي والديلمي عن أنس مرفوعًا يقول الله قربوا أهل لا إله إلا الله من ظل عرشي فإني أحبهم والمراد خيار المؤمنين كما صرح به القرطبي وفي حديث مرفوع الشهداء في ظل العرش ولأبي داود صحيحًا عن ابن عباس مرفوعًا أن شهداء أحد أرواحهم في أجواف طير خضر تأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش والخطيب وغيره عن ابن عباس مرفوعًا اللهم اغفر للمعلمين وأطل أعمارهم وأظلهم تحت ظلك فإنهم يعلمون كتابك قال بعض الحفاظ موضوع ولأبي الشيخ والديلمي عن عبد الرحمن بن عوف مرفوعًا ثلاثة تحت ظل العرش القرآن يحاج العباد والأمانة والرحم ينادي ألا من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله ولأبي نعيم عن كعب الأحبار عن التوراة من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ودعا الناس إلى طاعتي فله صحبتي في الدنيا وفي القبر وفي القيامة ظلي وفي أمالي ابن البختري عن جابر مرفوعًا أنا في ظل الرحمن يوم القيامة ويروى عن أحمد في مناقب علي أنه يسير يوم القيامة بلواء الحمد وهو حامله والحسن عن يمينه والحسين عن يساره حتى يقف بينه صلى الله عليه وسلم وبين إبراهيم في ظل العرش وعن أبي موسى رفعه أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين يوم القيامة في قبة تحت العرش واعلم أن عد نبينا وإبراهيم وعلي وفاطمة والحسن والحسين لأنهم أخص من مطلق الأنبياء والأصفياء كما أن عد إبراهيم ابنه صلى الله عليه وسلم لأنه أخص من مطلق أولاد المؤمنين وشهداء أحد لأنهم أخص من مطلق الشهداء هذا خلاصة ما ذكره الحافظ السخاوي في مؤلفه قائلاً هذا ما يسر الله لي الوقوف عليه في مدة متطاولة وليس ذلك على وجه الحصر فيه بل باب الفضل مفتوح ووقف بها السيوطي إلى نيف وسبعين ونظمها واعترضه السخاوي بأنه أدرج ما لا تصريح فيه بالمراد منه في أحاديثه وإن أشعرت به كالزهد وقضاء الحوائج وصالح العبيد والإمام المرتضى للمؤمنين ولو أريد استيفاء ما شابه ذلك لزادت كثيرًا وأطال في بيان ذلك وقد كنت لخصت تأليف السخاوي في وريقات ونظمت هذه الخصال تذييلاً على بيت أبي شامة وأبيات الحافظ فقلت

أتى في الموطأ والصحيحين سبعة
يظلهم الله الكريم بظله

أشار لهم نظما إمام زمانه
أبو شامة إذ قال في بيت وصله

محب عفيف ناشئ متصدق
وباك مصل والإمام بعدله

وزاد عليه العسقلاني بعده
ثلاثًا من السبعات نظمًا بقوله

وزد سبعة إظلال غاز وعونه
وإنظار ذي عسر وتخفيف حمله

وحامي غزاة حين ولوا وعون ذي
غرامة حق مع مكاتب أهله

وزد مع ضعف سبعتين إعانة
لا خرق مع أخذ الحق وبذله

وكره وضوء ثم مشي لمسجد
وتحسين خلق ثم مطعم فضله

وكافل ذي يتم وأرملة وهت
وتاجر صدق في المقال وفعله

وحزن وتصبير ونصح ورأفة
تربع بها السبعات من فيض فضله

وقد زادها ستًا بضعف ولم تقع
منظمة منه فخذ نظم جمله

فحب على ثم ترك الرشوة
زنا وربا حكم لغير كمثله

ومن أول الأنعام آي ثلاثة
عقيب صلاة الصبح غاية نفله

وأوصلها الشيخ السخاوي أربعًا
وتسعين مع ضعف لإسناد جله

مراقب شمس للمواقيت ساكت
بحلم وعن علم يقول وعقله

ومن حفظ القرآن حالة صغره
وفي كبر يتلو وحامل كله

مريض وتشييع لميت عيادة
شهيد ومن في أحد فاز بقتله

وعلم بأن الله معه وتاجر
أمين بلا مدح وذم لرحله

ومن لم يمد اليد نحو محرم
عليه ولم ينظر إلى غير حله

محسن طعم للفقير مصدق
على معسر ترك الغريم لعسره

وكافلة أيتامها بعد زوجها
ومشبع جوع ثم واصل أهله

محب الأناسي للجلال مؤذن
ومن لم يخف في الله لوما لعدله

كذا رحم ثم الأمانة بعدها
خيار ذوي التوحيد طيب فعله

مفرج كرب ثم محيي لسنة
مصل على الهادي كثيرًا بأجله

قران وأهل الجوع خوفًا وصائم
ثلاثة عشر من رجب حوله

ومن يقرأ الإخلاص من بعد مغرب
ثلاثين في ثنتين من بعد نفله

وأطفال ذي الإيمان نجل نبينا
وغير حسود لا يعق لأصله

وطاهر قلب ليس يمشي نميمة
بريء ومكلوف بحب لربه

منيب ومذكور بذكر إلهه
لحرمته غضبان داع لسبله

وأمر بمعروف ونهي لمنكر
وذكر بقلب مع لسان لنبله

ومستغفر الأسحار عمار مسجد
كذلك صوام معلم طفله

ومن يذكر الرحمن مع ذكرهم له
كذا أنبياء الله مع أهل صفوه

خليل إله العرش فاطمة كذا
علي ونجلاه وخاتم رسله

عليه صلاة مع سلام به نرى
بحرمته يوم القيام بظله

( مالك عن سهيل) بضم السين ( ابن أبي صالح) ذكوان ( عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أحب الله العبد) أي رضي الله عنه وأراد به خيرًا وهداه ووفقه قال عياض المحبة الميل وهو على الله محال فالمعنى إرادة الخير له وإيصاله إليه انتهى فيرجع الأول إلى صفة معنى هي الإرادة والثاني إلى صفة فعل هي الإيصال ( قال لجبريل قد أحببت فلانًا فأحبه) أنت يا جبريل بهمزة قطع مفتوحة وكسر الحاء وفتح الموحدة ثقيلة بإدغام أحد المثلين والأصل فأحببه ( فيحبه جبريل ثم ينادي) بأمر الله إذ لا يفعلون إلا ما يؤمرون ( في أهل السماء) زاد في مسلم فيقول ( إن الله قد أحب فلانًا فأحبوه فيحبه أهل السماء) ما قابل الأرض فالمراد السموات السبع قال المازري هذا إعلام منه سبحانه وأمره الملائكة بذلك تنويه به وتشريف له في ذلك الملأ الكريم وهو نحو قوله تعالى أنا مع عبدي إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم قال عياض محبة جبريل والملائكة تحتمل الحقيقة من الميل ويجوز أن يراد بها ثناؤهم عليه واستغفارهم له ( ثم يضع له القبول) بفتح القاف المحبة والرضا وميل النفس ( في) أهل ( الأرض) أي يحدث له في القلوب مودة ويزرع له فيها مهابة فتحبه القلوب وترضى عنه النفوس من غير تودد منه ولا تعرض للأسباب التي يكتسب بها مودات القلوب من قرابة أو صداقة أو اصطناع معروف وإنما هو اختراع منه تعالى ابتداء تخصيصًا منه لأوليائه بكرامة خاصةً كما يقذف في قلوب أعدائه الرعب والهيبة إعظامًا لهم وإجلالاً لمكانهم قاله الزمخشري وقال ابن عبد البر فيه إن الله يبتدئ المحبة بين الناس والقرآن يشهد بذلك قال تعالى { { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا } } قال المفسرون يحبهم ويحببهم إلى الناس انتهى قال بعضهم وفائدة ذلك أن يستغفر له أهل السموات والأرض وينشأ عندهم هيبته وإعزازهم له { { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } } قال الأبي ولا يشكل علي الحديث أن كثيرًا ممن يحبه الله لا يعرف فضلاً عن وضع القبول له بدليل خبر رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لأن المعنى إذا أحبه قد يضع فالقضية مهملة في قوة الجزيئة لأن إذا وإن إهمال في الشرطيات لا كلية على ما تقرر في المنطق ( وإذا أبغض الله العبد) أي أراد به شرًا وأبعده عن الهداية ( قال مالك لا أحسبه) لا أظن سهيلاً ( إلا قال في البغض مثل ذلك) قال ابن عبد البر لم تختلف رواية مالك فيما علمت في هذا الحديث وقد رواه عن سهيل جماعة لم يشكوا منهم معمر وعبد العزيز ومنهم من لم يذكر البغض انتهى وأخرجه مسلم من طريق جرير عن سهيل بسنده فقال وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل فيقول إني أبغض فلانًا فأبغضه فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض ثم رواه من طريق يعقوب القاري وعبد العزيز الدراوردي والعلاء بن المسيب وابن وهب عن مالك وقال كلهم عن سهيل بهذا الإسناد غير أن حديث ابن المسيب ليس فيه ذكر البغض ثم أخرجه من طريق عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن سهيل قال كنا بعرفة فمر عمر بن عبد العزيز وهو على الموسم فقام الناس ينظرون إليه فقلت لأبي يا أبت إني أرى الله يحب عمر قال وما ذاك قلت لما له في قلوب الناس قال بأبيك أنت سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر مثل حديث جرير عن سهيل ورواه البخاري من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن أبي هريرة رفعه بدون ذكر البغض ( مالك عن أبي حازم) بمهملة وزاي سلمة ( بن دينار عن أبي إدريس) اسمه عائذ الله بالتحتية وذال معجمة ابن عبد الله ( الخولاني) التابعي الجليل ولد عام حنين ( أنه قال دخلت مسجد دمشق) بكسر الدال وفتح الميم بالشام ( فإذا فتى شاب براق الثنايا) أي أبيض الثغر حسنه قاله أبو عمر وقيل معناه كثير التبسم وفي رواية أدعج العينين وفي أخرى وضيء الوجه أكحل العينين وإذا الناس معه من الصحابة وغيرهم وفي رواية معه من الصحابة عشرون وفي أخرى ثلاثون أو نحو ذلك فكأنهم فوق العشرين ودون ثلاثين ( إذا اختلفوا في شيء أسندوا إليه) أي صعدوا إليه بمعنى أنهم يقفون عند قوله مأخوذ من أسند إلى الجبل إذا صعد فيه وفيه لطف هنا لأنه جبل علم بنص قوله صلى الله عليه وسلم أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل ( وصدروا عن قوله) ولقاسم بن أصبغ من طريق الوليد بن عبد الرحمن عن أبي إدريس فإذا اختلفوا في شيء فقال قولاً انتهوا إلى قوله ( فسألت عنه فقيل هذا معاذ بن جبل فلما كان الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير) أي التبكير إلى كل صلاة لحديث لو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولم يرد الخروج في الهاجرة قاله الهروي قال وهي لغة حجازية ( ووجدته يصلي قال فانتظرته حتى قضى صلاته) أي أتمها ( ثم جئته من قبل) جهة ( وجهه فسلمت عليه ثم قلت والله إني لأحبك لله) لا لغرض ( فقال آلله) بمد الهمزة والخفض ( فقلت آلله قال) أبو إدريس ( فقال معاذ) ثانيًا ( آلله فقلت آلله قال) أبو إدريس ( فأخذ) معاذ ( بحبو ردائي) بضم الحاء وإسكان الباء أي بالمحل الذي يحتبى به من الرداء فالحبوة ضم الساقين إلى البطن بثوب وفي رواية سعيد بن أبي مريم عن مالك فأخذ بحبوتي لم يقل ردائي ( فجبذني) تقديم الباء لغة صحيحة بمعنى جذبني بتقديم الذال وليست مقلوبة كما زعم وقد أنكره ابن السراج فقال ليس أحدهما مأخوذًا من الآخر لأن كل واحد متصرف في نفسه أي جرني وسحبني ( وقال أبشر) بهمزة قطع مفتوحة أبشر بالجنة ( فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تبارك وتعالى وجبت) وفي رواية ابن أبي شيبة عن عطاء بن مسلم حقت ( محبتي للمتحابين) بلفظ الجمع هنا وفيما بعده ( في والمتجالسين في) أي يتجالسون في محبتي بذكري وكان الجنيد مشغولاً في خلوته فإذا جاء إخوانه خرج وقعد معهم ويقول لو أعلم شيئًا أفضل من مجالستكم ما خرجت إليكم وذلك أن لمجالسة الخواص أثرًا في صفاء الحضور ونشر العلوم ما ليس لغيرهم ( والمتباذلين في) قال الباجي الذين يبذلون أنفسهم في مرضاته من الإنفاق على جهاد عدوه وغير ذلك مما أمروا به وقال غيره أي يبذل كل واحد منهم لصاحبه نفسه وماله في مهماته في جميع حالاته في الله كما فعل الصديق يبذل نفسه ليلة الغار وبذل ماله ( والمتزاورين في) لا لغرض دنيوي ولا أخروي زاد الطبراني في روايته والمتصادقين في وذلك لأن قلوبهم لهت عن كل شيء سواه فتعلقت بتوحيده فألف بينهم بروحه وروح الجلال أعظم شأنًا من أن يوصف فإذا وجدت قلوبهم نسيم روح الجلال كادت تطير في أماكنها شوقًا إليه فهم محبوسون بهذا الهيكل فصاروا في اللقاء يهش بعضهم لبعض ائتلافًا وتلذذًا وشوقًا لمحبوبهم الأعظم فمن ثم وجب لهم الحب ففازوا بكمال القرب وهذا الحديث صحيح قال الحاكم على شرط الشيخين وقال ابن عبد البر هذا إسناد صحيح وفيه لقاء أبي إدريس لمعاذ وأنكرته طائفة لقول الزهري عن أبي إدريس أدركت عبادة بن الصامت وفلانًا وفلانًا وفاتني معاذ بن جبل ولذا قال قوم وهم مالك فأسقط من إسناده أبا مسلم الخراساني وزعموا أن أبا إدريس رواه عن أبي مسلم عن معاذ وقال آخرون غلط أبو حازم في قوله عن أبي إدريس عن معاذ إنما هو عن عبادة بن الصامت وهذا كله تخرص وظن لا يغني من الحق شيئًا فقد رواه جماعة عن أبي حازم كرواية مالك سواء منهم ابن أبي حازم وجاء عن أبي إدريس من وجوه شتى غير أبي حازم منهم الوليد بن عبد الرحمن وعطاء الخراساني كلاهما عند قاسم بن أصبغ بإسناد صحيح بنحو حديث الموطأ وشهر بن حوشب حدثني عائذ الله بن عبيد الله أنه سمع معاذ بن جبل يقول إن الذين يتحابون من جلال الله في ظل عرشه فقد ثبت أن أبا إدريس لقي معاذًا وسمع منه فلا شيء في هذا على مالك ولا على أبي حازم فيحمل قول ابن شهاب عنه فاتني معاذ على فوات لزوم وطول مجالسته أو فاتني في حديث كذا أو معنى كذا وليس سماعه منه بمنكر فإنه ولد يوم حنين ومات معاذ بالشام سنة ثمان عشرة وهو ابن ثلاث أو أربع وثلاثين سنة ولا يقدح في ذلك رواية من رواه عنه عن عبادة لجواز أن عبادة ومعاذًا وغيرهما سمعوا ذلك منه صلى الله عليه وسلم انتهى ملخصًا ( مالك أنه بلغه عن عبد الله بن عباس أنه كان يقول) موقوفًا وله حكم الرفع إذ هو لا يقال رأيًا وقد أخرجه الطبراني في الكبير عن عبد الله بن سرخس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( القصد) أي التوسط في الأمور بين طرفي الإفراط والتفريط ( والتؤدة) بضم الفوقية وفتح الهمزة والدال المهملة أي الرفق والتأني ( وحسن السمت) الهيئة والمنظر وأصل السمت الطريق ثم استعير للزي الحسن والهيئة المثلى في الملبس وغيره ( جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة) قال الباجي يريد أن هذه من أخلاق الأنبياء وصفاتهم التي طبعوا عليها وأمروا بها وجبلوا على التزامها قال ونعتقد هذه التجزئة ولا ندري وجهها يعني لأن ذلك من علوم النبوة فطريق معرفة ذلك بالرأي والاستنباط مسدود.



رقم الحديث 1743 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْقَصْدُ وَالتُّؤَدَةُ وَحُسْنُ السَّمْتِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ.


( ما جاء في المتحابين في الله)

( مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر) بن حزم الأنصاري أبي طوالة بضم الطاء المهملة المدني قاضيها لعمر بن عبد العزيز ثقة مات سنة أربع وثلاثين ومائة ويقال بعد ذلك ( عن أبي الحباب) بضم المهملة وموحدتين ( سعيد بن يسار) المدني ثقة متقن ( عن أبي هريرة أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تبارك وتعالى يقول) فيه رد على من كره ذلك وقال إنما يقال إن الله قال ويرد عليه هذا الحديث ونحوه وقوله تعالى { { والله يقول الحق } } يوم ( القيامة أين المتحابون) نداء تنويه وإكرام قاله القرطبي أي استعظام ( لجلالي) أي لعظمتي أي لأجل تعظيم حقي وطاعتي لا لغرض دنيا فخص الجلال بالذكر لدلالته على الهيبة والسطوة أي المنزهون عن شوائب الهوى والنفس والشيطان في المحبة فلا يتحابون إلا لأجلي ولوجهي لا لشيء من أمور الدنيا قيل التحابب للجلال أن لا يزيد الحب بالبر ولا ينقص بالجفاء ( اليوم أظلهم في ظلي) قال عياض هي إضافة خلق وتشريف لأن الظلال كلها خلق الله وجاء مفسرًا في ظل عرشي في رواية أخرى وظاهره أنه سبحانه يظلهم حقيقة من حر الشمس ووهج الموقف وأنفاس الخلائق وهو تأويل الأكثر وقال عيسى بن دينار كناية عن كنهم من المكاره وجعلهم في كنفه وستره ومنه السلطان ظل الله في الأرض وقولهم فلان في ظل فلان أي في كنفه وعزته وقد يكون الظل هنا كناية عن الراحة والتنعم من قولهم عيش ظليل ( يوم لا ظل إلا ظلي) أي ظل عرشي بدل من اليوم المتقدم أي لا يكون من له ظل مجازًا كما في الدنيا قال القرطبي فإن قيل حديث المرء في ظل صدقته حتى يقضي الله بين الخلائق وحديث سبعة يظلهم الله يدل على أن في القيامة ظلالاً غير ظل العرش أجيب بأن فيها ظلالاً بحسب الأعمال تقي أصحابها حر الشمس والنار وأنفاس الخلائق ولكن ظل العرش أعظمها وأشرفها يخص الله به من شاء من عباده الصالحين ومن جملتهم المتحابون في الله ويحتمل أنه ليس هناك إلا ظل العرش يستظل به المؤمنون أجمع ولكن لما كانت تلك الظلال لا تنال إلا بالأعمال وكانت الأعمال تختلف حصل لكل عامل ظل يخصه من ظل العرش بحسب عمله وسائر المؤمنين شركاء في ظله وهذا كله على أن الاستظلال حقيقي وتقدم ما لابن دينار وهذا الحديث رواه مسلم في البر عن قتيبة بن سعيد عن مالك به ( مالك عن خبيب) بخاء معجمة وموحدتين مصغر ( ابن عبد الرحمن) ابن حبيب الأنصاري المدني أبي الحارث ثقة مات سنة اثنين وثلاثين ومائة ( عن حفص بن عاصم) ابن عمر بن الخطاب العمري التابعي الثقة ( عن أبي سعيد الخدري أو عن أبي هريرة) بالشك لرواة الموطأ إلا مصعبًا الزبيري وموسى بن طارق فجعلاه عنهما بواو العطف وشذا في ذلك عن أصحاب مالك قاله الحافظ وذكر أبو عمر أن أبا معاذ البلخي عن مالك تابعهما في روايته بالواو قال ورواه زكريا بن يحيى الوقاد عن ابن وهب وابن القاسم ويوسف بن عمر بن يزيد كلهم عن مالك عن خبيب عن حفص عن أبي سعيد وحده ورواه عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم عن خاله خبيب عن جده حفص عن أبي هريرة وحده قال الحافظ في الأمالي المحفوظ عن مالك بالشك ورواية زكريا خطأ والمحفوظ عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة وحده كذلك أخرجه الشيخان والنسائي من طريق عبيد الله وهو أحد الحفاظ الأثبات وخبيب خاله وحفص جده ولم يشك فروايته أولى وتابعه مبارك بن فضالة عن خبيب أخرجه الطيالسي وقال في الفتح والظاهر أن عبيد الله حفظه لكونه لم يشك فيه ولكونه من رواية خاله وجده ( أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة) من الأشخاص مبتدأ خبره ( يظلهم الله في ظله) إضافة ملك وكل ظل فهو ملكه كذا قال عياض وحقه أن يقول إضافة تشريف ليحصل امتياز هذا عن غيره كما قيل للكعبة بيت الله مع أن المساجد كلها ملكه وقيل المراد كرامته ورحمته كما يقال فلان في ظل الملك وهو قول عيسى بن دينار وقواه عياض وقيل المراد ظل عرشه ويدل عليه حديث سلمان عن سعيد بن منصور بإسناد حسن سبعة يظلهم الله في ظل عرشه وإذا كان المراد ذلك استلزم كونهم في كنف الله وكرامته من غير عكس فهو أرجح وبه جزم القرطبي ويؤيده تقييد ذلك بيوم القيامة كما صرح به ابن المبارك في روايته عن عبيد الله بن عمر عند البخاري في الحدود وبه يندفع قول من قال المراد ظل طوبى أو ظل الجنة لأن ظلهما إنما يحصل لهم بعد الاستقرار في الجنة ثم أنه مشترك لجميع من يدخلها والسياق يدل على امتياز أصحاب الخصال المذكورة فترجح أن المراد ظل العرش وروى الترمذي وحسنه عن أبي سعيد مرفوعًا أحب الناس إلى الله يوم القيامة إمام عادل قاله الحافظ ( يوم لا ظل إلا ظله) أي ظل عرشه كما علم والإضافة للتشريف كناقة الله فإن الله منزه عن الظل إذ هو من خواص الأجسام ( إمام عادل) اسم فاعل من العدل كما رواه الأكثر قال الشاعر

ومن كان في إخوانه غير عادل
فما أحد في العدل منه بطامع

ورواه سعيد بن أبي مريم عن مالك بلفظ عدل وهو أبلغ لأنه جعل المسمى نفسه عدلاً قاله ابن عبد البر وهو الذي يتبع أمر الله بوضع كل شيء في موضعه بغير إفراط ولا تفريط أو الجامع للكمالات الثلاثة الحكمة والشجاعة والعفة التي هو أوساط القوى الثلاثة العقلية والغضبية والشهوانية والمراد به صاحب الولاية العظمى ويلتحق به كل من ولي شيئًا من أمور المسلمين فعدل فيه ويؤيده ما في مسلم عن عبد الله بن عمر ورفعه أن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما ملكت أيمانهم وما ولوا وقدمه في الذكر لأن نفعه أعم وقال صلى الله عليه وسلم الإمام العادل لا ترد دعوته ( وشاب نشأ) نبت وابتدأ ( في عبادة الله) أي لم يكن له صبوة قاله القرطبي وفي رواية مسلم بعبادة الله بالباء بمعنى في زاد في رواية الجوزقي حتى توفي على ذلك وفي حديث سلمان أفنى شبابه ونشاطه في عبادة الله وخص الشباب لأنه مظنة غلبة الشهوة لما فيه من قوة الباعث على متابعة الهوى فإن ملازمة العبادة مع ذلك أشد وأدل على غلبة التقوى ( ورجل قلبه متعلق) بفوقية بعد الميم وكسر اللام من العلاقة وهي شدة الحب ( بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه) زاد في حديث سلمان من حبها وعند ابن عساكر من حديث أبي هريرة معلق بالمساجد من شدة حبه إياها وذلك أنه لما آثر طاعة الله وغلب عليه حبه صار قلبه ملتفتًا إلى المسجد لا يحب البراح عنه لوجدانه فيه روح القربة وحلاوة الطاعة وفي رواية عبيد الله عن حبيب في الصحيحين معلق بدون تاء قال الحافظ ظاهره أنه من التعليق كأنه شبهه بالشيء المعلق في المسجد كالقنديل إشارة إلى طول الملازمة بقلبه وإن كان جسده خارجًا عنها ويدل عليه رواية الجوزقي كأنما قلبه معلق في المسجد ويحتمل أن يكون من العلاقة وهي شدة الحب ويدل عليه رواية أحمد معلق بالمساجد وكذا رواية متعلق بزيادة الفوقية زاد سلمان من حبها ( ورجلان تحابا) بشدة الموحدة وأصله تحاببا أي اشتركا في جنس المحبة وأحب كل منهما الآخر حقيقة لا إظهارًا فقط وفي رواية الجوزقي ورجلان قال كل منهما للآخر إني أحبك في الله فصدرا على ذلك ونحوه في حديث سلمان ( في الله) أي في طلب رضاه أو لأجله لا لغرض دنيوي ( اجتمعا على ذلك) الحب المذكور ( وتفرقا عليه) كما زيد في رواية الصحيحين أي استمرا على المحبة الدينية ولم يقطعاها بعارض دنيوي سواء اجتمعا حقيقة أم لا حتى فرق الموت بينهما أو المراد يحفظان الحب فيه في الحضور والغيبة ووقع في الجمع بين الصحيحين للحميدي اجتمعا على خير قال الحافظ ولم أر ذلك في شيء من نسخ الصحيحين ولا غيرهما من المستخرجات وهي عندي تحريف وعدت هذه الخصلة واحدة مع أن متعاطيها اثنان لأن المحبة لا تتم إلا باثنين أو لما كان المتحابان بمعنى واحد أغنى عد أحدهما عن الآخر لأن الغرض عد الخصال لا عد جميع من اتصف بها ( ورجل ذكر الله) بقلبه من التذكر أو لسانه من الذكر ( خاليًا) من الخلوة لأنه أقرب إلى الإخلاص وأبعد من الرياء أو خاليًا من الالتفات إلى غير الله ولو كان في ملإ ويؤيده رواية البيهقي ذكر الله بين يديه ويؤيد الأول رواية للبخاري وغيره ذكر الله في خلاء أي موضع خال وهي أصح ( ففاضت عيناه) أي فاضت الدموع من عينيه وأسند الفيض إلى العين مبالغة كأنها هي التي فاضت قال القرطبي وفيض العين بحسب حالة الذاكر وبحسب ما ينكشف له ففي حال أوصاف الجلال يكون البكى من خشية الله وفي حال أوصاف الجمال يكون من الشوق إليه قال الحافظ قد خص بالأول في رواية الجوزقي والبيهقي ففاضت عيناه من خشية الله ويشهد له ما رواه الحاكم عن أنس مرفوعًا من ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله حتى يصيب الأرض من دموعه لم يعذب يوم القيامة ( ورجل دعته) أي طلبته وبه عبر في الصحيحين ( ذات) بين الموصوف في رواية للبخاري ومسلم وأحمد فقال امرأة ذات ( حسب) أي أصل أو مال لأنه يطلق عليهما وفي الصحيحين ذات منصب أي أصل أو شرف ( وجمال) أي مزيد حسن زاد في رواية للبخاري إلى نفسها وللبيهقي عن أبي صالح عن أبي هريرة فعرضت نفسها عليه والظاهر أنها دعته إلى الفاحشة وبه جزم القرطبي وقال غيره يحتمل أنها دعته إلى التزويج بها فخاف أن يشتغل عن العبادة بالافتتان بها أو خاف أن لا يقوم بحقها لشغله بالعبادة عن التكسب بما يليق بها والأول أظهر ويؤيده الكناية في قوله إلى نفسها ولو أريد التزويج لصرح به ( فقال إني أخاف الله) زاد في رواية رب العالمين والظاهر أنه يقوله بلسانه إما ليزجرها عن الفاحشة أو ليعتذر إليها ويحتمل أن يقوله بقلبه قاله عياض وإنما يصدر هذا عن شدة خوف من الله ومتين تقوى وحياء كما قال القرطبي لأن الصبر على الموصوفة بأكمل الأوصاف التي جرت العادة بمزيد الرغبة لمن هي فيها وهو الحسب والمنصب المستلزم للجاه والمال مع الجمال وقل من يجتمع ذلك فيها من النساء من أكمل المراتب لكثرة الرغبة في مثلها وعسر تحصيلها لا سيما وقد أغنت من مشاق التوصل إليها بمراودة ونحوها ( ورجل تصدق بصدقة فأخفاها) أي كتمها عن الناس ونكرها ليشمل ما تصدق به من قليل وكثير وظاهره يشمل المندوبة والمفروضة لكن نقل النووي عن العلماء إن إظهار المفروضة أولى من إخفائها ( حتى لا تعلم) بفتح الميم نحو سرت حتى مغيب الشمس وضمها نحو مرض حتى لا يرجونه ( شماله ما تنفق يمينه) أي لو قدرت شماله رجلاً متيقظًا لما علم صدقة اليمين ذكر ذلك مبالغة في الإخفاء وضرب المثل بهما لقربهما وملازمتهما فهو من مجاز التشبيه ويؤيده رواية الجوزقي تصدق بصدقة كأنما أخفى يمينه من شماله أو من مجاز الحذف أي ملك شماله أو من على شماله من الناس كأنه قيل مجاوز شماله وأبعد من قال المراد بشماله نفسه من تسمية الكل باسم الجزء فإنه ينحل إلى أنه لا يعلم نفسه ما تنفق نفسه وقيل المراد لا يرائي بصدقته ولا يكتبها كاتب الشمال وحكى القرطبي عن بعض شيوخه أن معناه أن يتصدق على الضعيف المكتسب في صورة الشراء لترويج سلعته أو رفع قيمتها واستحسنه قال الحافظ وفيه نظر إن أراد أن هذه الصورة مراد الحديث خاصة وإن أراد أنها من صور الصدقة الخفية فمسلم ووقع في مسلم حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله قال عياض كذا في جميع نسخ مسلم التي وصلت إلينا وهو مقلوب والصواب الأول وهو وجه الكلام لأن السنة المعهودة في الصدقة إعطاؤها باليمين وقد ترجم عليه البخاري في الزكاة باب الصدقة باليمين قال ويشبه أن الوهم فيه ممن دون مسلم واستدل لذلك بما نوزع فيه وعارضه الحافظ بأنه ليس ممن دونه ولا منه بل من شيخه زهير بن حرب أو شيخ شيخه يحيى القطان وبه جزم أبو حامد بن الشرقي وفي جزمه نظر لأنه في البخاري وأحمد والإسماعيلي عن يحيى على الصواب وأطال في بيان ذلك وفي مسند أحمد بإسناد حسن عن أنس مرفوعًا أن الملائكة قالت رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال قال نعم الحديد قالت فهل أشد من الحديد قال نعم النار قالت فهل أشد من النار قال نعم الماء قالت فهل أشد من الماء قال نعم الريح قالت فهل أشد من الريح قال نعم ابن آدم يتصدق بيمينه فيخفيها عن شماله وذكر الرجل وصف طردي فالمرأة والخنثى مثله إلا في الإمامة العظمى ويمكن دخول المرأة في الإمام العادل حيث تكون ربة عيال فتعدل فيهم وإلا في ملازمة المسجد لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من المسجد وما عدا ذلك فالمشاركة حاصلة لهن حتى الذي دعته المرأة فإنه يتصور في امرأة دعاها ملك جميل مثلاً فامتنعت خوفًا من الله مع حاجتها أو شاب جميل دعاه ملك أن يزوجه ابنته مثلاً فخشي أن يرتكب منه الفاحشة فامتنع مع حاجته إليه وظاهر الحديث اختصاص السبعة المذكورين ووجهه الكرماني بما حاصله أن الطاعة إما بين العبد والرب أو بينه وبين الخلق فالأول باللسان وهو الذاكر أو بالقلب وهو المعلق بالمسجد أو بالبدن وهو الناشئ بالعبادة والثاني عام وهو العادل أو خاص بالقلب وهو التحاب أو بالمال وهو الصدقة أو بالبدن وهو العفة انتهى لكن دل استقراء الأحاديث على أن هذا العدد لا مفهوم له فإن هذا الحديث رواه مسلم عن يحيى التميمي والترمذي من طريق معن بن عيسى كلاهما عن مالك به وتابعه عبيد الله بن عمر في الصحيحين ورواه أبو نعيم وغيره من وجه آخر عن أبي هريرة فقال بدل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل كان في سرية مع قوم فلقوا العدو فانكشفوا فحمى آثارهم وفي لفظ أدبارهم حتى نجوا أو نجا أو استشهد قال الحافظ حسن غريب جدًا ورواه الحاكم والبيهقي من وجه آخر عن أبي هريرة فأبدل الشاب بقوله ورجل تعلم القرآن في صغره فهو يتلوه في كبره ولعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن سليمان موقوفًا وحكمه الرفع إذ لا يقال رأيًا فقال بدل الإمام والشاب ورجل يراعي الشمس لمواقيت الصلاة ورجل إن تكلم تكلم بعلم وإن سكت سكت عن حلم ولابن عدي عن أنس رفعه أربعة في ظل الله فقد عد الشاب والمتصدق والإمام قال ورجل تاجر اشترى وباع فلم يقل إلا حقًا وسنده ضعيف لكن له طريق آخر عنه مرفوعًا التاجر الصدوق تحت ظل العرش يوم القيامة رواه الديلمي وغيره وهو ضعيف لكن له شواهد عن سليمان وعلي وأبي هريرة وروى مسلم وغيره عن أبي اليسر مرفوعًا من أنظر معسرًا أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وفي زوائد المسند عن عثمان رفعه أظل الله عبدًا في ظله يوم لا ظل إلا ظله من أنظر معسرًا أو ترك لغارم وللطبراني عن شداد رفعه من أنظر معسرًا أو تصدق عليه أظله الله في ظله يوم القيامة والصدقة على المعسر أسهل من الوضع عنه فهي غيرها وللطبراني عن جابر مرفوعًا أظل الله في ظله يوم القيامة من أنظر معسرًا أو أعان أخرق وفيه ضعف والأخرق من لا صنعة له ولا يقدر أن يتعلم صنعة ولأحمد والحاكم وغيرهما عن سهل بن حنيف رفعه من أعان مجاهدًا في سبيل الله أو غارمًا في عسرته أو مكاتبًا في رقبته أظله الله في ظله يوم لا ظل له إلا ظله وإعانة الغارم غير الترك له لأنه أخص من إعانته فهذه عشرون ولابن عدي وصححه الضياء عن عمر مرفوعًا من أظل رأس غاز أظله الله يوم القيامة ولأبي الشيخ وغيره عن جابر رفعه ثلاث من كن فيه أظله الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله الوضوء على المكاره والمشي إلى المساجد في الظلم وإطعام الجائع قال الحافظ غريب وفيه ضعف لكن في الترغيب في كل من الثلاثة أحاديث قوية ورواه الطبراني عن جابر بلفظ من أطعم الجائع حتى يشبع أظله الله تحت ظل عرشه وإشباع الجائع أخص من مطلق إطعامه ولأبي الشيخ عن علي بإسناد ضعيف مرفوعًا فمن لزم البيع والشراء فلا يذم إذا اشترى ولا يحمد إذا باع وليصدق الحديث ويؤد الأمانة ولا يتمنى للمؤمنين الغلاء فإذا كان كذلك كان أحد السبعة الذين في ظل العرش وهذا قدر زائد على الصدق فيمكن أنها خصلة مستقلة وهي السادسة والعشرون وللطبراني عن أبي هريرة مرفوعًا أوحى الله إلى إبراهيم إن كلمتي سبقت لمن حسن خلقه أن أظله تحت ظل عرشي وله عن جابر مرفوعًا ومن كفل يتيمًا أو أرملة أظله الله في ظله يوم القيامة ولأحمد عن عائشة أتدرون من السابق إلى ظل الله يوم القيامة قالوا الله ورسوله أعلم قال الذين إذا أعطوا الحق قبلوه وإذا سئلوه بذلوه وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم قال الحافظ غريب وفيه ابن لهيعة وللحاكم وغيره عن أبي ذر مرفوعًا الحزين في ظل الله غريب وفيه ضعف ولابن شاهين وغيره عن الصديق رفعه الوالي العادل ظل الله ورمحه في الأرض فمن نصحه في نفسه وفي عباد الله أظله الله بظله يوم لا ظل إلا ظله ولأبي الشيخ وغيره عن الصديق مرفوعًا من أراد أن يظله الله بظله فلا يكن على المؤمنين غليظًا وليكن بالمؤمنين رحيمًا ولابن السني والديلمي بإسناد واه عن الصديق وعمران بن حصين قالا قال موسى لربه ما جزاء من عزى الثكلى قال أظله في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي ولابن أبي الدنيا عن فضيل بن عياض بلغني أن موسى قال أي رب من يظل تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك قال الذين يعودون المرضى ويشيعون الهلكى ويعزون الثكلى ولأبي سعيد السكري بإسناد واه جدًا عن علي رفعه السابقون إلى ظل العرش يوم القيامة طوبى لهم قال من هم قال شيعتك يا علي ومحبوك والبيهقي عن أبي الدرداء قال موسى يا رب من يستظل بظلك يوم لا ظل إلا ظلك قال أولئك الذين لا ينظرون بأعينهم الزنا ولا يبتغون في أموالهم الربا ولا يأخذون على أحكامهم الرشا قال الحافظ غريب ليس في رواته من اتفق على تركه والظاهر أن حكمه الرفع لأن أبا الدرداء لم يأخذ عن أهل الكتاب والتيمي في ترغيبه عن ابن عمر مرفوعًا ثلاثة يتحدثون في ظل العرش آمنين والناس في الحساب رجل لم يأخذه في الله لومة لائم ورجل لم يمد يده إلى ما لا يحل له ورجل لم ينظر إلى ما حرم عليه وروى طلحة بن علي بن الصقر عن ابن عباس قال من قرأ إذا صلى الغداة أول الأنعام إلى ويعلم ما تكسبون نزل إليه أربعون ألف ملك يكتب له مثل أعمالهم الحديث وفيه فإذا كان يوم القيامة قال الله امش في ظلي وأبو الشيخ والديلمي عن أنس رفعه ثلاثة في ظل العرش يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله واصل الرحم وامرأة مات زوجها وترك أيتامًا صغارًا فقالت لا أتزوج حتى يموتوا أو يغنيهم الله وعبد صنع طعامًا فأطاب صنعه وأحسن نفقته فدعا عليه الفقير والمسكين فأطعمهم لوجه الله والطبراني عن أبي أمامة رفعه ثلاثة في ظل الله يوم القيامة رجل حيث توجه علم أن الله معه ورجل دعته امرأة إلى نفسها فتركها من خشية الله ورجل يحب الناس لجلال الله فيه متروك وروى الخطيب بسند ضعيف جدًا عن أبي سعيد مرفوعًا إن المؤذنين ممن يظل يوم القيامة وأفرد المؤذن عن مراعي الشمس لأنه قد لا يكون مؤذنًا والديلمي بلا سند عن أنس مرفوعًا ثلاث تحت ظل العرش يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله من فرج عن مكروب من أمتي وأحيا سنتي وأكثر الصلاة علي والديلمي عن علي مرفوعًا إن حملة القرآن في ظل الله مع أنبيائه وأصفيائه ولا يلزم من حمله كونه تعلمه في صغره فهي غير السابقة ولأبي يعلى عن أنس رفعه إن المريض في ظل العرش والديلمي عن أبي هريرة مرفوعًا أهل الجوع في الدنيا خوفًا من الله يستظلون يوم القيامة والديلمي عن أبي الدرداء رفعه يوضع للصائمين موائد من ذهب تحت العرش وفي أمالي ابن ناصر عن أبي سعيد رفعه من صام من رجب ثلاثة عشر يومًا وضع الله له مائدة في ظل العرش وهو شديد الوهى والحارث بن أبي أسامة عن علي مرفوعًا من صلى ركعتين بعد ركعتي المغرب قرأ في كل ركعة الفاتحة وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة جاء يوم القيامة فلا يحجب حتى ينتهي إلى ظل العرش وهذا منكر والديلمي عن أنس مرفوعًا إن أطفال المؤمنين تحت ظل العرش والطبراني برجال ثقات عن ابن عمر مرفوعًا إن إبراهيم ابنه صلى الله عليه وسلم تحت ظل العرش ولأبي نعيم عن وهب قال موسى إلهي من ذكر بلسانه وقلبه قال أظله بظل عرشي ولابن عساكر عن ابن مسعود إن الله قال لموسى الذي لا يحسد الناس ولا يعق والديه ولا يمشي بالنميمة في ظل العرش ولأحمد عن عطاء بن يسار أن موسى سأل الله من تؤويه في ظل عرشك قال هم الطاهرة قلوبهم البرية أبدانهم الذين إذا ذكرت ذكروا بي وإذا ذكروا ذكرت بهم الذين ينيبون إلى ذكري ويغضون لمحارمي ويكلفون بحبي زاد ابن المبارك الذين يعمرون مساجدي ويستغفروني بالأسحار ولأبي نعيم إن الله قال لموسى الذين أذكرهم ويذكروني في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي والديلمي عن أنس مرفوعًا يقول الله قربوا أهل لا إله إلا الله من ظل عرشي فإني أحبهم والمراد خيار المؤمنين كما صرح به القرطبي وفي حديث مرفوع الشهداء في ظل العرش ولأبي داود صحيحًا عن ابن عباس مرفوعًا أن شهداء أحد أرواحهم في أجواف طير خضر تأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش والخطيب وغيره عن ابن عباس مرفوعًا اللهم اغفر للمعلمين وأطل أعمارهم وأظلهم تحت ظلك فإنهم يعلمون كتابك قال بعض الحفاظ موضوع ولأبي الشيخ والديلمي عن عبد الرحمن بن عوف مرفوعًا ثلاثة تحت ظل العرش القرآن يحاج العباد والأمانة والرحم ينادي ألا من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله ولأبي نعيم عن كعب الأحبار عن التوراة من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ودعا الناس إلى طاعتي فله صحبتي في الدنيا وفي القبر وفي القيامة ظلي وفي أمالي ابن البختري عن جابر مرفوعًا أنا في ظل الرحمن يوم القيامة ويروى عن أحمد في مناقب علي أنه يسير يوم القيامة بلواء الحمد وهو حامله والحسن عن يمينه والحسين عن يساره حتى يقف بينه صلى الله عليه وسلم وبين إبراهيم في ظل العرش وعن أبي موسى رفعه أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين يوم القيامة في قبة تحت العرش واعلم أن عد نبينا وإبراهيم وعلي وفاطمة والحسن والحسين لأنهم أخص من مطلق الأنبياء والأصفياء كما أن عد إبراهيم ابنه صلى الله عليه وسلم لأنه أخص من مطلق أولاد المؤمنين وشهداء أحد لأنهم أخص من مطلق الشهداء هذا خلاصة ما ذكره الحافظ السخاوي في مؤلفه قائلاً هذا ما يسر الله لي الوقوف عليه في مدة متطاولة وليس ذلك على وجه الحصر فيه بل باب الفضل مفتوح ووقف بها السيوطي إلى نيف وسبعين ونظمها واعترضه السخاوي بأنه أدرج ما لا تصريح فيه بالمراد منه في أحاديثه وإن أشعرت به كالزهد وقضاء الحوائج وصالح العبيد والإمام المرتضى للمؤمنين ولو أريد استيفاء ما شابه ذلك لزادت كثيرًا وأطال في بيان ذلك وقد كنت لخصت تأليف السخاوي في وريقات ونظمت هذه الخصال تذييلاً على بيت أبي شامة وأبيات الحافظ فقلت

أتى في الموطأ والصحيحين سبعة
يظلهم الله الكريم بظله

أشار لهم نظما إمام زمانه
أبو شامة إذ قال في بيت وصله

محب عفيف ناشئ متصدق
وباك مصل والإمام بعدله

وزاد عليه العسقلاني بعده
ثلاثًا من السبعات نظمًا بقوله

وزد سبعة إظلال غاز وعونه
وإنظار ذي عسر وتخفيف حمله

وحامي غزاة حين ولوا وعون ذي
غرامة حق مع مكاتب أهله

وزد مع ضعف سبعتين إعانة
لا خرق مع أخذ الحق وبذله

وكره وضوء ثم مشي لمسجد
وتحسين خلق ثم مطعم فضله

وكافل ذي يتم وأرملة وهت
وتاجر صدق في المقال وفعله

وحزن وتصبير ونصح ورأفة
تربع بها السبعات من فيض فضله

وقد زادها ستًا بضعف ولم تقع
منظمة منه فخذ نظم جمله

فحب على ثم ترك الرشوة
زنا وربا حكم لغير كمثله

ومن أول الأنعام آي ثلاثة
عقيب صلاة الصبح غاية نفله

وأوصلها الشيخ السخاوي أربعًا
وتسعين مع ضعف لإسناد جله

مراقب شمس للمواقيت ساكت
بحلم وعن علم يقول وعقله

ومن حفظ القرآن حالة صغره
وفي كبر يتلو وحامل كله

مريض وتشييع لميت عيادة
شهيد ومن في أحد فاز بقتله

وعلم بأن الله معه وتاجر
أمين بلا مدح وذم لرحله

ومن لم يمد اليد نحو محرم
عليه ولم ينظر إلى غير حله

محسن طعم للفقير مصدق
على معسر ترك الغريم لعسره

وكافلة أيتامها بعد زوجها
ومشبع جوع ثم واصل أهله

محب الأناسي للجلال مؤذن
ومن لم يخف في الله لوما لعدله

كذا رحم ثم الأمانة بعدها
خيار ذوي التوحيد طيب فعله

مفرج كرب ثم محيي لسنة
مصل على الهادي كثيرًا بأجله

قران وأهل الجوع خوفًا وصائم
ثلاثة عشر من رجب حوله

ومن يقرأ الإخلاص من بعد مغرب
ثلاثين في ثنتين من بعد نفله

وأطفال ذي الإيمان نجل نبينا
وغير حسود لا يعق لأصله

وطاهر قلب ليس يمشي نميمة
بريء ومكلوف بحب لربه

منيب ومذكور بذكر إلهه
لحرمته غضبان داع لسبله

وأمر بمعروف ونهي لمنكر
وذكر بقلب مع لسان لنبله

ومستغفر الأسحار عمار مسجد
كذلك صوام معلم طفله

ومن يذكر الرحمن مع ذكرهم له
كذا أنبياء الله مع أهل صفوه

خليل إله العرش فاطمة كذا
علي ونجلاه وخاتم رسله

عليه صلاة مع سلام به نرى
بحرمته يوم القيام بظله

( مالك عن سهيل) بضم السين ( ابن أبي صالح) ذكوان ( عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أحب الله العبد) أي رضي الله عنه وأراد به خيرًا وهداه ووفقه قال عياض المحبة الميل وهو على الله محال فالمعنى إرادة الخير له وإيصاله إليه انتهى فيرجع الأول إلى صفة معنى هي الإرادة والثاني إلى صفة فعل هي الإيصال ( قال لجبريل قد أحببت فلانًا فأحبه) أنت يا جبريل بهمزة قطع مفتوحة وكسر الحاء وفتح الموحدة ثقيلة بإدغام أحد المثلين والأصل فأحببه ( فيحبه جبريل ثم ينادي) بأمر الله إذ لا يفعلون إلا ما يؤمرون ( في أهل السماء) زاد في مسلم فيقول ( إن الله قد أحب فلانًا فأحبوه فيحبه أهل السماء) ما قابل الأرض فالمراد السموات السبع قال المازري هذا إعلام منه سبحانه وأمره الملائكة بذلك تنويه به وتشريف له في ذلك الملأ الكريم وهو نحو قوله تعالى أنا مع عبدي إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم قال عياض محبة جبريل والملائكة تحتمل الحقيقة من الميل ويجوز أن يراد بها ثناؤهم عليه واستغفارهم له ( ثم يضع له القبول) بفتح القاف المحبة والرضا وميل النفس ( في) أهل ( الأرض) أي يحدث له في القلوب مودة ويزرع له فيها مهابة فتحبه القلوب وترضى عنه النفوس من غير تودد منه ولا تعرض للأسباب التي يكتسب بها مودات القلوب من قرابة أو صداقة أو اصطناع معروف وإنما هو اختراع منه تعالى ابتداء تخصيصًا منه لأوليائه بكرامة خاصةً كما يقذف في قلوب أعدائه الرعب والهيبة إعظامًا لهم وإجلالاً لمكانهم قاله الزمخشري وقال ابن عبد البر فيه إن الله يبتدئ المحبة بين الناس والقرآن يشهد بذلك قال تعالى { { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا } } قال المفسرون يحبهم ويحببهم إلى الناس انتهى قال بعضهم وفائدة ذلك أن يستغفر له أهل السموات والأرض وينشأ عندهم هيبته وإعزازهم له { { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } } قال الأبي ولا يشكل علي الحديث أن كثيرًا ممن يحبه الله لا يعرف فضلاً عن وضع القبول له بدليل خبر رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لأن المعنى إذا أحبه قد يضع فالقضية مهملة في قوة الجزيئة لأن إذا وإن إهمال في الشرطيات لا كلية على ما تقرر في المنطق ( وإذا أبغض الله العبد) أي أراد به شرًا وأبعده عن الهداية ( قال مالك لا أحسبه) لا أظن سهيلاً ( إلا قال في البغض مثل ذلك) قال ابن عبد البر لم تختلف رواية مالك فيما علمت في هذا الحديث وقد رواه عن سهيل جماعة لم يشكوا منهم معمر وعبد العزيز ومنهم من لم يذكر البغض انتهى وأخرجه مسلم من طريق جرير عن سهيل بسنده فقال وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل فيقول إني أبغض فلانًا فأبغضه فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض ثم رواه من طريق يعقوب القاري وعبد العزيز الدراوردي والعلاء بن المسيب وابن وهب عن مالك وقال كلهم عن سهيل بهذا الإسناد غير أن حديث ابن المسيب ليس فيه ذكر البغض ثم أخرجه من طريق عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن سهيل قال كنا بعرفة فمر عمر بن عبد العزيز وهو على الموسم فقام الناس ينظرون إليه فقلت لأبي يا أبت إني أرى الله يحب عمر قال وما ذاك قلت لما له في قلوب الناس قال بأبيك أنت سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر مثل حديث جرير عن سهيل ورواه البخاري من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن أبي هريرة رفعه بدون ذكر البغض ( مالك عن أبي حازم) بمهملة وزاي سلمة ( بن دينار عن أبي إدريس) اسمه عائذ الله بالتحتية وذال معجمة ابن عبد الله ( الخولاني) التابعي الجليل ولد عام حنين ( أنه قال دخلت مسجد دمشق) بكسر الدال وفتح الميم بالشام ( فإذا فتى شاب براق الثنايا) أي أبيض الثغر حسنه قاله أبو عمر وقيل معناه كثير التبسم وفي رواية أدعج العينين وفي أخرى وضيء الوجه أكحل العينين وإذا الناس معه من الصحابة وغيرهم وفي رواية معه من الصحابة عشرون وفي أخرى ثلاثون أو نحو ذلك فكأنهم فوق العشرين ودون ثلاثين ( إذا اختلفوا في شيء أسندوا إليه) أي صعدوا إليه بمعنى أنهم يقفون عند قوله مأخوذ من أسند إلى الجبل إذا صعد فيه وفيه لطف هنا لأنه جبل علم بنص قوله صلى الله عليه وسلم أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل ( وصدروا عن قوله) ولقاسم بن أصبغ من طريق الوليد بن عبد الرحمن عن أبي إدريس فإذا اختلفوا في شيء فقال قولاً انتهوا إلى قوله ( فسألت عنه فقيل هذا معاذ بن جبل فلما كان الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير) أي التبكير إلى كل صلاة لحديث لو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولم يرد الخروج في الهاجرة قاله الهروي قال وهي لغة حجازية ( ووجدته يصلي قال فانتظرته حتى قضى صلاته) أي أتمها ( ثم جئته من قبل) جهة ( وجهه فسلمت عليه ثم قلت والله إني لأحبك لله) لا لغرض ( فقال آلله) بمد الهمزة والخفض ( فقلت آلله قال) أبو إدريس ( فقال معاذ) ثانيًا ( آلله فقلت آلله قال) أبو إدريس ( فأخذ) معاذ ( بحبو ردائي) بضم الحاء وإسكان الباء أي بالمحل الذي يحتبى به من الرداء فالحبوة ضم الساقين إلى البطن بثوب وفي رواية سعيد بن أبي مريم عن مالك فأخذ بحبوتي لم يقل ردائي ( فجبذني) تقديم الباء لغة صحيحة بمعنى جذبني بتقديم الذال وليست مقلوبة كما زعم وقد أنكره ابن السراج فقال ليس أحدهما مأخوذًا من الآخر لأن كل واحد متصرف في نفسه أي جرني وسحبني ( وقال أبشر) بهمزة قطع مفتوحة أبشر بالجنة ( فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تبارك وتعالى وجبت) وفي رواية ابن أبي شيبة عن عطاء بن مسلم حقت ( محبتي للمتحابين) بلفظ الجمع هنا وفيما بعده ( في والمتجالسين في) أي يتجالسون في محبتي بذكري وكان الجنيد مشغولاً في خلوته فإذا جاء إخوانه خرج وقعد معهم ويقول لو أعلم شيئًا أفضل من مجالستكم ما خرجت إليكم وذلك أن لمجالسة الخواص أثرًا في صفاء الحضور ونشر العلوم ما ليس لغيرهم ( والمتباذلين في) قال الباجي الذين يبذلون أنفسهم في مرضاته من الإنفاق على جهاد عدوه وغير ذلك مما أمروا به وقال غيره أي يبذل كل واحد منهم لصاحبه نفسه وماله في مهماته في جميع حالاته في الله كما فعل الصديق يبذل نفسه ليلة الغار وبذل ماله ( والمتزاورين في) لا لغرض دنيوي ولا أخروي زاد الطبراني في روايته والمتصادقين في وذلك لأن قلوبهم لهت عن كل شيء سواه فتعلقت بتوحيده فألف بينهم بروحه وروح الجلال أعظم شأنًا من أن يوصف فإذا وجدت قلوبهم نسيم روح الجلال كادت تطير في أماكنها شوقًا إليه فهم محبوسون بهذا الهيكل فصاروا في اللقاء يهش بعضهم لبعض ائتلافًا وتلذذًا وشوقًا لمحبوبهم الأعظم فمن ثم وجب لهم الحب ففازوا بكمال القرب وهذا الحديث صحيح قال الحاكم على شرط الشيخين وقال ابن عبد البر هذا إسناد صحيح وفيه لقاء أبي إدريس لمعاذ وأنكرته طائفة لقول الزهري عن أبي إدريس أدركت عبادة بن الصامت وفلانًا وفلانًا وفاتني معاذ بن جبل ولذا قال قوم وهم مالك فأسقط من إسناده أبا مسلم الخراساني وزعموا أن أبا إدريس رواه عن أبي مسلم عن معاذ وقال آخرون غلط أبو حازم في قوله عن أبي إدريس عن معاذ إنما هو عن عبادة بن الصامت وهذا كله تخرص وظن لا يغني من الحق شيئًا فقد رواه جماعة عن أبي حازم كرواية مالك سواء منهم ابن أبي حازم وجاء عن أبي إدريس من وجوه شتى غير أبي حازم منهم الوليد بن عبد الرحمن وعطاء الخراساني كلاهما عند قاسم بن أصبغ بإسناد صحيح بنحو حديث الموطأ وشهر بن حوشب حدثني عائذ الله بن عبيد الله أنه سمع معاذ بن جبل يقول إن الذين يتحابون من جلال الله في ظل عرشه فقد ثبت أن أبا إدريس لقي معاذًا وسمع منه فلا شيء في هذا على مالك ولا على أبي حازم فيحمل قول ابن شهاب عنه فاتني معاذ على فوات لزوم وطول مجالسته أو فاتني في حديث كذا أو معنى كذا وليس سماعه منه بمنكر فإنه ولد يوم حنين ومات معاذ بالشام سنة ثمان عشرة وهو ابن ثلاث أو أربع وثلاثين سنة ولا يقدح في ذلك رواية من رواه عنه عن عبادة لجواز أن عبادة ومعاذًا وغيرهما سمعوا ذلك منه صلى الله عليه وسلم انتهى ملخصًا ( مالك أنه بلغه عن عبد الله بن عباس أنه كان يقول) موقوفًا وله حكم الرفع إذ هو لا يقال رأيًا وقد أخرجه الطبراني في الكبير عن عبد الله بن سرخس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( القصد) أي التوسط في الأمور بين طرفي الإفراط والتفريط ( والتؤدة) بضم الفوقية وفتح الهمزة والدال المهملة أي الرفق والتأني ( وحسن السمت) الهيئة والمنظر وأصل السمت الطريق ثم استعير للزي الحسن والهيئة المثلى في الملبس وغيره ( جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة) قال الباجي يريد أن هذه من أخلاق الأنبياء وصفاتهم التي طبعوا عليها وأمروا بها وجبلوا على التزامها قال ونعتقد هذه التجزئة ولا ندري وجهها يعني لأن ذلك من علوم النبوة فطريق معرفة ذلك بالرأي والاستنباط مسدود.