فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي أَمْرِ الْكِلَابِ

رقم الحديث 1770 حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ أَبِي زُهَيْرٍ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُحَدِّثُ نَاسًا مَعَهُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لَا يُغْنِي عَنْهُ زَرْعًا، وَلَا ضَرْعًا، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ قَالَ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِي وَرَبِّ هَذَا الْمَسْجِدِ.


( ما جاء في أمر الكلاب)

( مالك عن يزيد) بتحتية فزاي ( ابن خصيفة) بضم المعجمة وفتح المهملة مصغر نسبه لجده واسم أبيه عبد الله الكندي ابن أخي السائب بن يزيد قال أبو عمر كان ثقة مأمونًا محدثًا محسنًا لم أقف له على وفاة روى عنه جماعة من أهل الحجاز ( أن السائب بن يزيد) الكندي صحابي صغير وحج به في حجة الوداع وهو ابن تسع سنين وولاه عمر سوق المدينة وهو آخر من مات بها من الصحابة سنة إحدى وتسعين وقيل قبلها ( أخبره أنه سمع سفيان بن أبي زهير) بضم الزاي قال ابن المديني وخليفة اسم أبيه الفرد وقيل نمير بن عبد الله بن مالك ويقال له النميري لأنه من ولد النمر بن عثمان بن نصر بن زهران نزل المدينة ( وهو رجل من أزد) بفتح الهمزة وسكون الزاي فدال مهملة ( شنوءة) بفتح الشين المعجمة وضم النون بعدها همزة مفتوحة ابن الغوث ابن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ ( من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعد في أهل المدينة ( وهو يحدث ناسًا معه عند باب المسجد) النبوي ( فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من اقتنى) بالقاف افتعال من القنية بالكسر وهي الاتخاذ أي من اتخذ ( كلبًا لا يغني عنه) أي لا يحفظ له ( زرعًا ولا ضرعًا) بفتح فسكون كناية عن المواشي وفي القاموس الضرع معروف للظلف والخف أو للشاة والبقر ونحوها قال عياض المراد بكلب الزرع الذي يحفظه من الوحش بالليل والنهار لا الذي يحفظه من السارق وكلب الماشية الذي يسرح معها لا الذي يحفظها من السارق وقد أجاز مالك اتخاذها للحفظ من السارق انتهى يعني إلحاقًا لما في معنى المنصوص عليه به كما أشار ابن عبد البر واتفقوا على أن المأذون في اتخاذه هو ما لم ينفق على قتله وهو الكلب العقور واستدل به على طهارة الكلب الجائز اتخاذه لأن في ملابسته مع الاحتراز عنه مشقة شديدة فالإذن في اتخاذه إذن في مكملات مقصوده كما أن المنع من لوازمه مناسب للمنع منه وهو استدلال قوي لا يعارضه إلا عموم الخبر الوارد في الأمر بغسل ما ولغ فيه الكلب من غير تفصيل وتخصيص العموم غير مستنكر إذا سوغه الدليل قاله في الفتح يعني تخصيص عموم حديث الولوغ المقتضي لنجاسته عنده بغير ما أذن في اتخاذه لأحاديث الإذن المسوغة لتخصيصه فليس مراده الجواب عن الاستدلال كما توهم بل تقويته ثم لا نسلم أن حديث الولوغ يقتضي النجاسة لأنه تعبدي أو لغير ذلك مما هو معلوم ( نقص من أجر عمله كل يوم قيراط) قدر لا يعلمه إلا الله قاله الباجي ( قال) السائب لسفيان يتثبت منه الحديث ( أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إي) بكسر الهمزة وسكون الياء حرف جواب بمعنى نعم فيكون لتصديق الخبر وإعلام المستخبر ولو عد الطالب ويوصل باليمين كما هنا أي نعم سمعته ( ورب هذا المسجد) أقسم تأكيدًا وفي رواية سليمان بن بلال ورب هذه القبلة قال أبو عمر احتج بهذا الحديث ومثله من أجاز بيع الكلب المتخذ لزرع وماشية وصيد لأنه ينتفع به وكل ما انتفع به جاز شراؤه وبيعه ولزم قاتله القيمة لأنه أتلف منفعة أخيه انتهى وأخرجه البخاري في المزارعة عن عبد الله بن يوسف ومسلم في البيع عن يحيى كلاهما عن مالك به وتابعه سليمان بن بلال عند البخاري وإسماعيل بن جعفر عند مسلم ( مالك عن نافع) زاد القعنبي وابن وهب وعبد الله بن دينار كلاهما ( عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اقتنى) أي اتخذ ( إلا كلبًا) كذا ليحيى وقال غيره من اقتنى كلبًا إلا كلبًا ( ضاريًا) بضاد معجمة وبالياء والنصب أي معلمًا للصيد معتادًا له وروى ضار على لغة من يحذف الألف من المنقوص حالة النصب فيجوز اتخاذه حتى لمن لا يصيد لظاهر الحديث أو معناه لصائد به فينهى عنه من لا يصيد به ويؤيده رواية إلا كلب صيد قولان قاله عياض ( أو كلب ماشية) أو للتنويع لا للترديد قال عياض المراد به الذي يسرح معها لا الذي يحفظها من السارق ( نقص من أجر) عمله ( كل يوم) من الأيام التي اقتناه فيها ( قيراطان) أي قدرًا معلومًا عند الله ولا يخالفه قوله في الحديث قبله قيراط لأن الحكم للزائد لكون راويه حفظ ما لم يحفظ الآخر وأنه صلى الله عليه وسلم أخبر أولاً بنقص قيراط واحد فسمعه الراوي الأول ثم أخبر ثانيًا بنقص قيراطين زيادة في التأكيد في التنفير من ذلك فسمعه الراوي الثاني أو ينزل على حالين فنقص القيراطين باعتبار كثرة الإضرار باتخاذه والقيراط باعتبار قلته أو القيراطان لمن اتخذه بالمدينة الشريفة خاصة والقيراط بما عداها أو يلحق بالمدينة سائر المدن والقرى ويختص القيراط بأهل البوادي وهو ملتفت إلى معنى كثرة التأذي وقلته وكذا من قال يحتمل أنه في نوعين من الكلاب ففي ما لابسه أو نحوه قيراطان وفيما دونه قيراط وجوز ابن عبد البر أن القيراط الذي ينقص أجر إحسانه إليه لأنه من جملة ذوات الأكباد الرطبة أو الحرة ولا يخفى بعده والمراد بالنقص أن الإثم الحاصل باتخاذه يوازن قدر قيراط أو قيراطين من أجر عمله فينقص من ثواب عمل المتخذ قدر ما يترتب عليه من الإثم باتخاذه وهو قيراط أو قيراطان وقيل سبب النقص امتناع الملائكة من دخول بيته أو ما يلحق المارين من الأذى أو لأن بعضها شياطين أو عقوبة لمخالفة النهي أو ولوغها في الأواني عند غفلة صاحبها فربما ينجس الطاهر منها إذا استعمله في العبادة لم يقع موقع الطاهر عند من قال بنجاستها أو طهارتها لأنه ربما يكون في أفواهها نجاسة وقال ابن التين المراد أنه لو لم يتخذه لكان عمله كاملاً فإذا اقتناه نقص من ذلك العمل ولا يجوز أن ينقص من عمل مضى وإنما أراد أنه ليس عمله في الكمال عمل من لم يتخذ ونوزع فيما ادعاه من عدم الجواز بأن الروياني في البحر حكى الخلاف هل ينقص من العمل الماضي أو المستقبل وفي محل نقصان القيراطين فقيل من عمل النهار قيراط ومن عمل الليل قيراط وقيل من الفرض قيراط ومن النفل آخر واختلف في القيراطين هل هما كقيراطي صلاة الجنازة واتباعها أو دونهما لأن الجنازة من باب الفضل وهذا من باب العقوبة وباب الفضل أوسع من غيره لأن عادة الشارع تعظيم الحسنات وتخفيف مقابلها كرمًا منه ولو تعددت الكلاب هل تتعدد القراريط كصلاة الجنازة أو لا تتعدد كما في غسلات الولوغ تردد في ذلك الأبي وقال السبكي يظهر عدم التعدد بكل كلب لكن يتعدد الإثم فإن اقتناء كل واحد منهي عنه وقال ابن العماد تتعدد القراريط هذا وقد زاد مسلم في حديث الباب من طريق سالم عن أبيه وكان أبو هريرة يقول أو كلب حرث وكان صاحب حرث وفي الصحيح عن أبي هريرة مرفوعًا من أمسك كلبًا فإنه ينقص من عمله كل يوم قيراط إلا كلب حرث أو ماشية واستشكل الجمع بين حصري الحديثين إذ مقتضاهما التضاد من حيث أن حديث ابن عمر الحصر في الماشية والصيد ويلزم منه إخراج كلب الزرع وحديث أبي هريرة الحصر في الحرث والماشية ويلزم منه إخراج كلب الصيد وأجاب في الكواكب بأن مدار أمر الحصر على المقامات واعتقاد السامعين لا على ما في الواقع فالمقام الأول اقتضى استثناء كلب الصيد والثاني اقتضى استثناء كلب الزرع فصارا مستثنيين ولا منافاة في ذلك ولمسلم عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة إلا كلب صيد أو زرع أو ماشية وقد أنكر ابن عمر زيادة الزرع ففي مسلم عن عمرو بن دينار عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب غنم فقيل لابن عمر إن أبا هريرة يقول أو كلب زرع فقال ابن عمر إن لأبي هريرة زرعًا لكن قال عياض لم يقل ابن عمر ذلك توهينا لرواية أبي هريرة بل تصحيحًا لها لأنه لما كان صاحب زرع اعتنى بحفظ هذه الزيادة دونه ومن اشتغل بشيء احتاج إلى تعرف أحواله قال ويدل على صحتها رواية غير أبي هريرة في مسلم كابن عمر من رواية الحكم عنه ولعله لما سمعها من أبي هريرة وتحققها عن النبي صلى الله عليه وسلم زادها في حديثه قال ابن عبد البر في الحديث إباحة اتخاذ الكلاب للصيد والماشية وكذلك الزرع لأنها زيادة من حافظ وكراهة اتخاذها لغير ذلك إلا أن يدخل في معنى الصيد وغيره مما ذكر كاتخاذها لجلب المنافع ودفع المضار قياسًا فتمحض كراهة اتخاذها لغير حاجة لما فيه من ترويع الناس وامتناع الملائكة من دخول بيته وفي قوله نقص من عمله أي من أجر عمله إشارة إلى أن اتخاذها ليس حرامًا لأن الحرام يمنع اتخاذه سواء نقص من الأجر أم لا فدل على أنه مكروه لا حرام قال ووجه الحديث عندي أن المعاني المتعبد بها في الكلاب من غسل الإناء سبعًا لا يكاد يقوم بها المكلف ولا يتحفظ منها فربما دخل عليه باتخاذها ما ينقص أجره من ذلك ويروى أن المنصور سأل عمرو بن عبيد عن سبب الحديث فلم يعرفه فقال إنما ذلك لأنه لا ينج الضيف ويروع السائل انتهى وتعقب بأن ما ادعاه من عدم التحريم واستدل له بما ذكره ليس بلازم بل يحتمل أن العقوبة تقع بعدم التوفيق للعمل بمقدار قيراط أو قيراطين مما كان يعمله من الخير لو لم يتخذ الكلب ويحتمل أن الاتخاذ حرام والمراد بالنقص أن الإثم الحاصل باتخاذه يوازن قدر قيراط أو قيراطين من أجره فينقص من ثواب عمله قدر ما يترتب عليه من الإثم باتخاذه وهو قيراط أو قيراطان كما تقدم وفي الحديث الحث على تكثير الأعمال الصالحة والتحذير من العمل بما ينقصها والتنبيه على أسباب الزيادة فيها والنقص منها لتجتنب أو ترتكب وبيان لطف الله بخلقه في إباحة ما لهم فيه نفع وتبليغ نبيهم صلى الله عليه وسلم لهم أمور معاشهم ومعادهم وترجيح المصلحة الراجحة على المفسدة لاستثناء ما ينتفع به مما حرم اتخاذه وأخرجه البخاري في الصيد عن عبد الله بن يوسف ومسلم في البيوع عن يحيى كلاهما عن مالك به ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب) زاد مسلم من رواية عمرو بن دينار عن ابن عمر إلا كلب صيد أو ماشية وزاد أيضًا من حديث عبد الله بن مغفل ثم قال ما بالهم وبال الكلاب ثم رخص في كلب الصيد والضرع والزرع وله أيضًا عن جابر عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان قال عياض أخذ مالك وأصحابه وجماعة بالحديث في قتلها إلا ما استثني وذهب آخرون إلى جواز اتخاذه ونسخ القتل والنهي عن الاقتناء إلا في الأسود والذي عندي في تنزيل هذه الأحاديث أن ظواهرها أولا تقتضي عموم القتل والنهي عن الاقتناء ثم نسخ هذا العموم بقصر القتل على الأسود البهيم ومنع الاقتناء إلا في الثلاثة وقال المازري واختلف في عدم قتلها هل هو منسوخ من العام الأول أو كان مخصصًا على ما جاء في بعض الأحاديث قال الأبي والظاهر أنه تخصيص وأن القتل لم يقع في الثلاث لأن الأمر بالقتل بلا استثناء هو حديث ابن عمر المذكور من رواية نافع وقال عمرو بن دينار عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو ماشية فهذه الرواية مقيدة والأولى مطلقة والمخرج متحد فيجب رد المطلق إلى المقيد باستثناء المتصل فلم يتناول الثلاثة فإخراجها إنما هو لتخصيص متصل والتخصيص متصل ومنفصل فالمتصل كالتخصيص بالاستثناء والشرط والغاية والمنفصل ما سوى ذلك نحو اقتلوا المشركين ثم بعد ذلك نهى عن قتل النساء والصبيان انتهى واتفق على قتل الكلب العقور وأما غيره ففي جواز قتله مطلقًا أو لا مطلقًا قولان وهذا الحديث رواه البخاري في بدء الخلق عن عبد الله بن يوسف ومسلم في البيع عن يحيى كلاهما عن مالك.



رقم الحديث 1771 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْبًا ضَارِيًا أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ.


( ما جاء في أمر الكلاب)

( مالك عن يزيد) بتحتية فزاي ( ابن خصيفة) بضم المعجمة وفتح المهملة مصغر نسبه لجده واسم أبيه عبد الله الكندي ابن أخي السائب بن يزيد قال أبو عمر كان ثقة مأمونًا محدثًا محسنًا لم أقف له على وفاة روى عنه جماعة من أهل الحجاز ( أن السائب بن يزيد) الكندي صحابي صغير وحج به في حجة الوداع وهو ابن تسع سنين وولاه عمر سوق المدينة وهو آخر من مات بها من الصحابة سنة إحدى وتسعين وقيل قبلها ( أخبره أنه سمع سفيان بن أبي زهير) بضم الزاي قال ابن المديني وخليفة اسم أبيه الفرد وقيل نمير بن عبد الله بن مالك ويقال له النميري لأنه من ولد النمر بن عثمان بن نصر بن زهران نزل المدينة ( وهو رجل من أزد) بفتح الهمزة وسكون الزاي فدال مهملة ( شنوءة) بفتح الشين المعجمة وضم النون بعدها همزة مفتوحة ابن الغوث ابن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ ( من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعد في أهل المدينة ( وهو يحدث ناسًا معه عند باب المسجد) النبوي ( فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من اقتنى) بالقاف افتعال من القنية بالكسر وهي الاتخاذ أي من اتخذ ( كلبًا لا يغني عنه) أي لا يحفظ له ( زرعًا ولا ضرعًا) بفتح فسكون كناية عن المواشي وفي القاموس الضرع معروف للظلف والخف أو للشاة والبقر ونحوها قال عياض المراد بكلب الزرع الذي يحفظه من الوحش بالليل والنهار لا الذي يحفظه من السارق وكلب الماشية الذي يسرح معها لا الذي يحفظها من السارق وقد أجاز مالك اتخاذها للحفظ من السارق انتهى يعني إلحاقًا لما في معنى المنصوص عليه به كما أشار ابن عبد البر واتفقوا على أن المأذون في اتخاذه هو ما لم ينفق على قتله وهو الكلب العقور واستدل به على طهارة الكلب الجائز اتخاذه لأن في ملابسته مع الاحتراز عنه مشقة شديدة فالإذن في اتخاذه إذن في مكملات مقصوده كما أن المنع من لوازمه مناسب للمنع منه وهو استدلال قوي لا يعارضه إلا عموم الخبر الوارد في الأمر بغسل ما ولغ فيه الكلب من غير تفصيل وتخصيص العموم غير مستنكر إذا سوغه الدليل قاله في الفتح يعني تخصيص عموم حديث الولوغ المقتضي لنجاسته عنده بغير ما أذن في اتخاذه لأحاديث الإذن المسوغة لتخصيصه فليس مراده الجواب عن الاستدلال كما توهم بل تقويته ثم لا نسلم أن حديث الولوغ يقتضي النجاسة لأنه تعبدي أو لغير ذلك مما هو معلوم ( نقص من أجر عمله كل يوم قيراط) قدر لا يعلمه إلا الله قاله الباجي ( قال) السائب لسفيان يتثبت منه الحديث ( أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إي) بكسر الهمزة وسكون الياء حرف جواب بمعنى نعم فيكون لتصديق الخبر وإعلام المستخبر ولو عد الطالب ويوصل باليمين كما هنا أي نعم سمعته ( ورب هذا المسجد) أقسم تأكيدًا وفي رواية سليمان بن بلال ورب هذه القبلة قال أبو عمر احتج بهذا الحديث ومثله من أجاز بيع الكلب المتخذ لزرع وماشية وصيد لأنه ينتفع به وكل ما انتفع به جاز شراؤه وبيعه ولزم قاتله القيمة لأنه أتلف منفعة أخيه انتهى وأخرجه البخاري في المزارعة عن عبد الله بن يوسف ومسلم في البيع عن يحيى كلاهما عن مالك به وتابعه سليمان بن بلال عند البخاري وإسماعيل بن جعفر عند مسلم ( مالك عن نافع) زاد القعنبي وابن وهب وعبد الله بن دينار كلاهما ( عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اقتنى) أي اتخذ ( إلا كلبًا) كذا ليحيى وقال غيره من اقتنى كلبًا إلا كلبًا ( ضاريًا) بضاد معجمة وبالياء والنصب أي معلمًا للصيد معتادًا له وروى ضار على لغة من يحذف الألف من المنقوص حالة النصب فيجوز اتخاذه حتى لمن لا يصيد لظاهر الحديث أو معناه لصائد به فينهى عنه من لا يصيد به ويؤيده رواية إلا كلب صيد قولان قاله عياض ( أو كلب ماشية) أو للتنويع لا للترديد قال عياض المراد به الذي يسرح معها لا الذي يحفظها من السارق ( نقص من أجر) عمله ( كل يوم) من الأيام التي اقتناه فيها ( قيراطان) أي قدرًا معلومًا عند الله ولا يخالفه قوله في الحديث قبله قيراط لأن الحكم للزائد لكون راويه حفظ ما لم يحفظ الآخر وأنه صلى الله عليه وسلم أخبر أولاً بنقص قيراط واحد فسمعه الراوي الأول ثم أخبر ثانيًا بنقص قيراطين زيادة في التأكيد في التنفير من ذلك فسمعه الراوي الثاني أو ينزل على حالين فنقص القيراطين باعتبار كثرة الإضرار باتخاذه والقيراط باعتبار قلته أو القيراطان لمن اتخذه بالمدينة الشريفة خاصة والقيراط بما عداها أو يلحق بالمدينة سائر المدن والقرى ويختص القيراط بأهل البوادي وهو ملتفت إلى معنى كثرة التأذي وقلته وكذا من قال يحتمل أنه في نوعين من الكلاب ففي ما لابسه أو نحوه قيراطان وفيما دونه قيراط وجوز ابن عبد البر أن القيراط الذي ينقص أجر إحسانه إليه لأنه من جملة ذوات الأكباد الرطبة أو الحرة ولا يخفى بعده والمراد بالنقص أن الإثم الحاصل باتخاذه يوازن قدر قيراط أو قيراطين من أجر عمله فينقص من ثواب عمل المتخذ قدر ما يترتب عليه من الإثم باتخاذه وهو قيراط أو قيراطان وقيل سبب النقص امتناع الملائكة من دخول بيته أو ما يلحق المارين من الأذى أو لأن بعضها شياطين أو عقوبة لمخالفة النهي أو ولوغها في الأواني عند غفلة صاحبها فربما ينجس الطاهر منها إذا استعمله في العبادة لم يقع موقع الطاهر عند من قال بنجاستها أو طهارتها لأنه ربما يكون في أفواهها نجاسة وقال ابن التين المراد أنه لو لم يتخذه لكان عمله كاملاً فإذا اقتناه نقص من ذلك العمل ولا يجوز أن ينقص من عمل مضى وإنما أراد أنه ليس عمله في الكمال عمل من لم يتخذ ونوزع فيما ادعاه من عدم الجواز بأن الروياني في البحر حكى الخلاف هل ينقص من العمل الماضي أو المستقبل وفي محل نقصان القيراطين فقيل من عمل النهار قيراط ومن عمل الليل قيراط وقيل من الفرض قيراط ومن النفل آخر واختلف في القيراطين هل هما كقيراطي صلاة الجنازة واتباعها أو دونهما لأن الجنازة من باب الفضل وهذا من باب العقوبة وباب الفضل أوسع من غيره لأن عادة الشارع تعظيم الحسنات وتخفيف مقابلها كرمًا منه ولو تعددت الكلاب هل تتعدد القراريط كصلاة الجنازة أو لا تتعدد كما في غسلات الولوغ تردد في ذلك الأبي وقال السبكي يظهر عدم التعدد بكل كلب لكن يتعدد الإثم فإن اقتناء كل واحد منهي عنه وقال ابن العماد تتعدد القراريط هذا وقد زاد مسلم في حديث الباب من طريق سالم عن أبيه وكان أبو هريرة يقول أو كلب حرث وكان صاحب حرث وفي الصحيح عن أبي هريرة مرفوعًا من أمسك كلبًا فإنه ينقص من عمله كل يوم قيراط إلا كلب حرث أو ماشية واستشكل الجمع بين حصري الحديثين إذ مقتضاهما التضاد من حيث أن حديث ابن عمر الحصر في الماشية والصيد ويلزم منه إخراج كلب الزرع وحديث أبي هريرة الحصر في الحرث والماشية ويلزم منه إخراج كلب الصيد وأجاب في الكواكب بأن مدار أمر الحصر على المقامات واعتقاد السامعين لا على ما في الواقع فالمقام الأول اقتضى استثناء كلب الصيد والثاني اقتضى استثناء كلب الزرع فصارا مستثنيين ولا منافاة في ذلك ولمسلم عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة إلا كلب صيد أو زرع أو ماشية وقد أنكر ابن عمر زيادة الزرع ففي مسلم عن عمرو بن دينار عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب غنم فقيل لابن عمر إن أبا هريرة يقول أو كلب زرع فقال ابن عمر إن لأبي هريرة زرعًا لكن قال عياض لم يقل ابن عمر ذلك توهينا لرواية أبي هريرة بل تصحيحًا لها لأنه لما كان صاحب زرع اعتنى بحفظ هذه الزيادة دونه ومن اشتغل بشيء احتاج إلى تعرف أحواله قال ويدل على صحتها رواية غير أبي هريرة في مسلم كابن عمر من رواية الحكم عنه ولعله لما سمعها من أبي هريرة وتحققها عن النبي صلى الله عليه وسلم زادها في حديثه قال ابن عبد البر في الحديث إباحة اتخاذ الكلاب للصيد والماشية وكذلك الزرع لأنها زيادة من حافظ وكراهة اتخاذها لغير ذلك إلا أن يدخل في معنى الصيد وغيره مما ذكر كاتخاذها لجلب المنافع ودفع المضار قياسًا فتمحض كراهة اتخاذها لغير حاجة لما فيه من ترويع الناس وامتناع الملائكة من دخول بيته وفي قوله نقص من عمله أي من أجر عمله إشارة إلى أن اتخاذها ليس حرامًا لأن الحرام يمنع اتخاذه سواء نقص من الأجر أم لا فدل على أنه مكروه لا حرام قال ووجه الحديث عندي أن المعاني المتعبد بها في الكلاب من غسل الإناء سبعًا لا يكاد يقوم بها المكلف ولا يتحفظ منها فربما دخل عليه باتخاذها ما ينقص أجره من ذلك ويروى أن المنصور سأل عمرو بن عبيد عن سبب الحديث فلم يعرفه فقال إنما ذلك لأنه لا ينج الضيف ويروع السائل انتهى وتعقب بأن ما ادعاه من عدم التحريم واستدل له بما ذكره ليس بلازم بل يحتمل أن العقوبة تقع بعدم التوفيق للعمل بمقدار قيراط أو قيراطين مما كان يعمله من الخير لو لم يتخذ الكلب ويحتمل أن الاتخاذ حرام والمراد بالنقص أن الإثم الحاصل باتخاذه يوازن قدر قيراط أو قيراطين من أجره فينقص من ثواب عمله قدر ما يترتب عليه من الإثم باتخاذه وهو قيراط أو قيراطان كما تقدم وفي الحديث الحث على تكثير الأعمال الصالحة والتحذير من العمل بما ينقصها والتنبيه على أسباب الزيادة فيها والنقص منها لتجتنب أو ترتكب وبيان لطف الله بخلقه في إباحة ما لهم فيه نفع وتبليغ نبيهم صلى الله عليه وسلم لهم أمور معاشهم ومعادهم وترجيح المصلحة الراجحة على المفسدة لاستثناء ما ينتفع به مما حرم اتخاذه وأخرجه البخاري في الصيد عن عبد الله بن يوسف ومسلم في البيوع عن يحيى كلاهما عن مالك به ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب) زاد مسلم من رواية عمرو بن دينار عن ابن عمر إلا كلب صيد أو ماشية وزاد أيضًا من حديث عبد الله بن مغفل ثم قال ما بالهم وبال الكلاب ثم رخص في كلب الصيد والضرع والزرع وله أيضًا عن جابر عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان قال عياض أخذ مالك وأصحابه وجماعة بالحديث في قتلها إلا ما استثني وذهب آخرون إلى جواز اتخاذه ونسخ القتل والنهي عن الاقتناء إلا في الأسود والذي عندي في تنزيل هذه الأحاديث أن ظواهرها أولا تقتضي عموم القتل والنهي عن الاقتناء ثم نسخ هذا العموم بقصر القتل على الأسود البهيم ومنع الاقتناء إلا في الثلاثة وقال المازري واختلف في عدم قتلها هل هو منسوخ من العام الأول أو كان مخصصًا على ما جاء في بعض الأحاديث قال الأبي والظاهر أنه تخصيص وأن القتل لم يقع في الثلاث لأن الأمر بالقتل بلا استثناء هو حديث ابن عمر المذكور من رواية نافع وقال عمرو بن دينار عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو ماشية فهذه الرواية مقيدة والأولى مطلقة والمخرج متحد فيجب رد المطلق إلى المقيد باستثناء المتصل فلم يتناول الثلاثة فإخراجها إنما هو لتخصيص متصل والتخصيص متصل ومنفصل فالمتصل كالتخصيص بالاستثناء والشرط والغاية والمنفصل ما سوى ذلك نحو اقتلوا المشركين ثم بعد ذلك نهى عن قتل النساء والصبيان انتهى واتفق على قتل الكلب العقور وأما غيره ففي جواز قتله مطلقًا أو لا مطلقًا قولان وهذا الحديث رواه البخاري في بدء الخلق عن عبد الله بن يوسف ومسلم في البيع عن يحيى كلاهما عن مالك.



رقم الحديث 1772 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ.


( ما جاء في أمر الكلاب)

( مالك عن يزيد) بتحتية فزاي ( ابن خصيفة) بضم المعجمة وفتح المهملة مصغر نسبه لجده واسم أبيه عبد الله الكندي ابن أخي السائب بن يزيد قال أبو عمر كان ثقة مأمونًا محدثًا محسنًا لم أقف له على وفاة روى عنه جماعة من أهل الحجاز ( أن السائب بن يزيد) الكندي صحابي صغير وحج به في حجة الوداع وهو ابن تسع سنين وولاه عمر سوق المدينة وهو آخر من مات بها من الصحابة سنة إحدى وتسعين وقيل قبلها ( أخبره أنه سمع سفيان بن أبي زهير) بضم الزاي قال ابن المديني وخليفة اسم أبيه الفرد وقيل نمير بن عبد الله بن مالك ويقال له النميري لأنه من ولد النمر بن عثمان بن نصر بن زهران نزل المدينة ( وهو رجل من أزد) بفتح الهمزة وسكون الزاي فدال مهملة ( شنوءة) بفتح الشين المعجمة وضم النون بعدها همزة مفتوحة ابن الغوث ابن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ ( من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعد في أهل المدينة ( وهو يحدث ناسًا معه عند باب المسجد) النبوي ( فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من اقتنى) بالقاف افتعال من القنية بالكسر وهي الاتخاذ أي من اتخذ ( كلبًا لا يغني عنه) أي لا يحفظ له ( زرعًا ولا ضرعًا) بفتح فسكون كناية عن المواشي وفي القاموس الضرع معروف للظلف والخف أو للشاة والبقر ونحوها قال عياض المراد بكلب الزرع الذي يحفظه من الوحش بالليل والنهار لا الذي يحفظه من السارق وكلب الماشية الذي يسرح معها لا الذي يحفظها من السارق وقد أجاز مالك اتخاذها للحفظ من السارق انتهى يعني إلحاقًا لما في معنى المنصوص عليه به كما أشار ابن عبد البر واتفقوا على أن المأذون في اتخاذه هو ما لم ينفق على قتله وهو الكلب العقور واستدل به على طهارة الكلب الجائز اتخاذه لأن في ملابسته مع الاحتراز عنه مشقة شديدة فالإذن في اتخاذه إذن في مكملات مقصوده كما أن المنع من لوازمه مناسب للمنع منه وهو استدلال قوي لا يعارضه إلا عموم الخبر الوارد في الأمر بغسل ما ولغ فيه الكلب من غير تفصيل وتخصيص العموم غير مستنكر إذا سوغه الدليل قاله في الفتح يعني تخصيص عموم حديث الولوغ المقتضي لنجاسته عنده بغير ما أذن في اتخاذه لأحاديث الإذن المسوغة لتخصيصه فليس مراده الجواب عن الاستدلال كما توهم بل تقويته ثم لا نسلم أن حديث الولوغ يقتضي النجاسة لأنه تعبدي أو لغير ذلك مما هو معلوم ( نقص من أجر عمله كل يوم قيراط) قدر لا يعلمه إلا الله قاله الباجي ( قال) السائب لسفيان يتثبت منه الحديث ( أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إي) بكسر الهمزة وسكون الياء حرف جواب بمعنى نعم فيكون لتصديق الخبر وإعلام المستخبر ولو عد الطالب ويوصل باليمين كما هنا أي نعم سمعته ( ورب هذا المسجد) أقسم تأكيدًا وفي رواية سليمان بن بلال ورب هذه القبلة قال أبو عمر احتج بهذا الحديث ومثله من أجاز بيع الكلب المتخذ لزرع وماشية وصيد لأنه ينتفع به وكل ما انتفع به جاز شراؤه وبيعه ولزم قاتله القيمة لأنه أتلف منفعة أخيه انتهى وأخرجه البخاري في المزارعة عن عبد الله بن يوسف ومسلم في البيع عن يحيى كلاهما عن مالك به وتابعه سليمان بن بلال عند البخاري وإسماعيل بن جعفر عند مسلم ( مالك عن نافع) زاد القعنبي وابن وهب وعبد الله بن دينار كلاهما ( عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اقتنى) أي اتخذ ( إلا كلبًا) كذا ليحيى وقال غيره من اقتنى كلبًا إلا كلبًا ( ضاريًا) بضاد معجمة وبالياء والنصب أي معلمًا للصيد معتادًا له وروى ضار على لغة من يحذف الألف من المنقوص حالة النصب فيجوز اتخاذه حتى لمن لا يصيد لظاهر الحديث أو معناه لصائد به فينهى عنه من لا يصيد به ويؤيده رواية إلا كلب صيد قولان قاله عياض ( أو كلب ماشية) أو للتنويع لا للترديد قال عياض المراد به الذي يسرح معها لا الذي يحفظها من السارق ( نقص من أجر) عمله ( كل يوم) من الأيام التي اقتناه فيها ( قيراطان) أي قدرًا معلومًا عند الله ولا يخالفه قوله في الحديث قبله قيراط لأن الحكم للزائد لكون راويه حفظ ما لم يحفظ الآخر وأنه صلى الله عليه وسلم أخبر أولاً بنقص قيراط واحد فسمعه الراوي الأول ثم أخبر ثانيًا بنقص قيراطين زيادة في التأكيد في التنفير من ذلك فسمعه الراوي الثاني أو ينزل على حالين فنقص القيراطين باعتبار كثرة الإضرار باتخاذه والقيراط باعتبار قلته أو القيراطان لمن اتخذه بالمدينة الشريفة خاصة والقيراط بما عداها أو يلحق بالمدينة سائر المدن والقرى ويختص القيراط بأهل البوادي وهو ملتفت إلى معنى كثرة التأذي وقلته وكذا من قال يحتمل أنه في نوعين من الكلاب ففي ما لابسه أو نحوه قيراطان وفيما دونه قيراط وجوز ابن عبد البر أن القيراط الذي ينقص أجر إحسانه إليه لأنه من جملة ذوات الأكباد الرطبة أو الحرة ولا يخفى بعده والمراد بالنقص أن الإثم الحاصل باتخاذه يوازن قدر قيراط أو قيراطين من أجر عمله فينقص من ثواب عمل المتخذ قدر ما يترتب عليه من الإثم باتخاذه وهو قيراط أو قيراطان وقيل سبب النقص امتناع الملائكة من دخول بيته أو ما يلحق المارين من الأذى أو لأن بعضها شياطين أو عقوبة لمخالفة النهي أو ولوغها في الأواني عند غفلة صاحبها فربما ينجس الطاهر منها إذا استعمله في العبادة لم يقع موقع الطاهر عند من قال بنجاستها أو طهارتها لأنه ربما يكون في أفواهها نجاسة وقال ابن التين المراد أنه لو لم يتخذه لكان عمله كاملاً فإذا اقتناه نقص من ذلك العمل ولا يجوز أن ينقص من عمل مضى وإنما أراد أنه ليس عمله في الكمال عمل من لم يتخذ ونوزع فيما ادعاه من عدم الجواز بأن الروياني في البحر حكى الخلاف هل ينقص من العمل الماضي أو المستقبل وفي محل نقصان القيراطين فقيل من عمل النهار قيراط ومن عمل الليل قيراط وقيل من الفرض قيراط ومن النفل آخر واختلف في القيراطين هل هما كقيراطي صلاة الجنازة واتباعها أو دونهما لأن الجنازة من باب الفضل وهذا من باب العقوبة وباب الفضل أوسع من غيره لأن عادة الشارع تعظيم الحسنات وتخفيف مقابلها كرمًا منه ولو تعددت الكلاب هل تتعدد القراريط كصلاة الجنازة أو لا تتعدد كما في غسلات الولوغ تردد في ذلك الأبي وقال السبكي يظهر عدم التعدد بكل كلب لكن يتعدد الإثم فإن اقتناء كل واحد منهي عنه وقال ابن العماد تتعدد القراريط هذا وقد زاد مسلم في حديث الباب من طريق سالم عن أبيه وكان أبو هريرة يقول أو كلب حرث وكان صاحب حرث وفي الصحيح عن أبي هريرة مرفوعًا من أمسك كلبًا فإنه ينقص من عمله كل يوم قيراط إلا كلب حرث أو ماشية واستشكل الجمع بين حصري الحديثين إذ مقتضاهما التضاد من حيث أن حديث ابن عمر الحصر في الماشية والصيد ويلزم منه إخراج كلب الزرع وحديث أبي هريرة الحصر في الحرث والماشية ويلزم منه إخراج كلب الصيد وأجاب في الكواكب بأن مدار أمر الحصر على المقامات واعتقاد السامعين لا على ما في الواقع فالمقام الأول اقتضى استثناء كلب الصيد والثاني اقتضى استثناء كلب الزرع فصارا مستثنيين ولا منافاة في ذلك ولمسلم عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة إلا كلب صيد أو زرع أو ماشية وقد أنكر ابن عمر زيادة الزرع ففي مسلم عن عمرو بن دينار عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب غنم فقيل لابن عمر إن أبا هريرة يقول أو كلب زرع فقال ابن عمر إن لأبي هريرة زرعًا لكن قال عياض لم يقل ابن عمر ذلك توهينا لرواية أبي هريرة بل تصحيحًا لها لأنه لما كان صاحب زرع اعتنى بحفظ هذه الزيادة دونه ومن اشتغل بشيء احتاج إلى تعرف أحواله قال ويدل على صحتها رواية غير أبي هريرة في مسلم كابن عمر من رواية الحكم عنه ولعله لما سمعها من أبي هريرة وتحققها عن النبي صلى الله عليه وسلم زادها في حديثه قال ابن عبد البر في الحديث إباحة اتخاذ الكلاب للصيد والماشية وكذلك الزرع لأنها زيادة من حافظ وكراهة اتخاذها لغير ذلك إلا أن يدخل في معنى الصيد وغيره مما ذكر كاتخاذها لجلب المنافع ودفع المضار قياسًا فتمحض كراهة اتخاذها لغير حاجة لما فيه من ترويع الناس وامتناع الملائكة من دخول بيته وفي قوله نقص من عمله أي من أجر عمله إشارة إلى أن اتخاذها ليس حرامًا لأن الحرام يمنع اتخاذه سواء نقص من الأجر أم لا فدل على أنه مكروه لا حرام قال ووجه الحديث عندي أن المعاني المتعبد بها في الكلاب من غسل الإناء سبعًا لا يكاد يقوم بها المكلف ولا يتحفظ منها فربما دخل عليه باتخاذها ما ينقص أجره من ذلك ويروى أن المنصور سأل عمرو بن عبيد عن سبب الحديث فلم يعرفه فقال إنما ذلك لأنه لا ينج الضيف ويروع السائل انتهى وتعقب بأن ما ادعاه من عدم التحريم واستدل له بما ذكره ليس بلازم بل يحتمل أن العقوبة تقع بعدم التوفيق للعمل بمقدار قيراط أو قيراطين مما كان يعمله من الخير لو لم يتخذ الكلب ويحتمل أن الاتخاذ حرام والمراد بالنقص أن الإثم الحاصل باتخاذه يوازن قدر قيراط أو قيراطين من أجره فينقص من ثواب عمله قدر ما يترتب عليه من الإثم باتخاذه وهو قيراط أو قيراطان كما تقدم وفي الحديث الحث على تكثير الأعمال الصالحة والتحذير من العمل بما ينقصها والتنبيه على أسباب الزيادة فيها والنقص منها لتجتنب أو ترتكب وبيان لطف الله بخلقه في إباحة ما لهم فيه نفع وتبليغ نبيهم صلى الله عليه وسلم لهم أمور معاشهم ومعادهم وترجيح المصلحة الراجحة على المفسدة لاستثناء ما ينتفع به مما حرم اتخاذه وأخرجه البخاري في الصيد عن عبد الله بن يوسف ومسلم في البيوع عن يحيى كلاهما عن مالك به ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب) زاد مسلم من رواية عمرو بن دينار عن ابن عمر إلا كلب صيد أو ماشية وزاد أيضًا من حديث عبد الله بن مغفل ثم قال ما بالهم وبال الكلاب ثم رخص في كلب الصيد والضرع والزرع وله أيضًا عن جابر عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان قال عياض أخذ مالك وأصحابه وجماعة بالحديث في قتلها إلا ما استثني وذهب آخرون إلى جواز اتخاذه ونسخ القتل والنهي عن الاقتناء إلا في الأسود والذي عندي في تنزيل هذه الأحاديث أن ظواهرها أولا تقتضي عموم القتل والنهي عن الاقتناء ثم نسخ هذا العموم بقصر القتل على الأسود البهيم ومنع الاقتناء إلا في الثلاثة وقال المازري واختلف في عدم قتلها هل هو منسوخ من العام الأول أو كان مخصصًا على ما جاء في بعض الأحاديث قال الأبي والظاهر أنه تخصيص وأن القتل لم يقع في الثلاث لأن الأمر بالقتل بلا استثناء هو حديث ابن عمر المذكور من رواية نافع وقال عمرو بن دينار عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو ماشية فهذه الرواية مقيدة والأولى مطلقة والمخرج متحد فيجب رد المطلق إلى المقيد باستثناء المتصل فلم يتناول الثلاثة فإخراجها إنما هو لتخصيص متصل والتخصيص متصل ومنفصل فالمتصل كالتخصيص بالاستثناء والشرط والغاية والمنفصل ما سوى ذلك نحو اقتلوا المشركين ثم بعد ذلك نهى عن قتل النساء والصبيان انتهى واتفق على قتل الكلب العقور وأما غيره ففي جواز قتله مطلقًا أو لا مطلقًا قولان وهذا الحديث رواه البخاري في بدء الخلق عن عبد الله بن يوسف ومسلم في البيع عن يحيى كلاهما عن مالك.