فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْكَلَامِ

رقم الحديث 1805 حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرٌ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا.


( ما يكره من الكلام)

( مالك عن عبد الله بن دينار) ولابن وهب مالك عن نافع قال ابن عبد البر هو صحيح لمالك عنهما ( عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال لأخيه) في الإسلام ( كافر) بالتنوين ( فقد باء) بموحدة ممدود رجع ( بها) أي بكلمة الكفر ( أحدهما) لأنه إن كان القائل صادقًا في نفس الأمر فالمرمي كافر وإن كان كاذبًا فقد جعل الرامي الإيمان كفرًا فقد كفر كذا حمله البخاري على تحقيق الكفر على أحدهما وحمله غيره على الزجر والتغليظ فظاهره غير مراد وقال الباجي أي إن كان المقول له كافرًا فهو كما قال وإلا خيف على القائل أن يصير كافرًا وقال ابن عبد البر أي احتمل الذنب في ذلك القول أحدهما وقال أشهب سئل مالك عن هذا الحديث فقال أرى ذلك في الحرورية قيل أتراهم بذلك كفارًا قال ما أدري ما هذا والحديث رواه البخاري في الأدب عن إسماعيل عن مالك به ( مالك عن سهيل) بضم السين ( ابن أبي صالح عن أبيه) ذكوان الزيات ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا سمعت الرجل) جرى على الغالب والمراد الإنسان ولو أنثى ( يقول) وليحيى النيسابوري إذا قال الرجل ( هلك الناس) إعجابًا بنفسه وتيهًا بعلمه أو عبادته واحتقارًا للناس ( فهو أهلكهم) بضم الكاف على الأشهر في الرواية أي أشدهم هلاكًا لما يلحقه من الإثم في ذلك القول أو أقربهم إلى الهلاك لذمه للناس وذكر عيوبهم وتكبره وروى بفتحها فعل ماض أي أنه هو نسبهم إلى الهلاك لا أنهم هلكوا حقيقة أو لأنه أقنطهم عن رحمة الله تعالى وأيسهم من غفرانه وأيد الرفع برواية أبي نعيم فهو من أهلكهم قال النووي اتفق العلماء على أن هذا الذم إنما هو فيمن قاله على سبيل الإزراء على الناس واحتقارهم وتفضيل نفسه عليهم وتقبيح أحوالهم لأنه لا يعلم سر الله في خلقه فأما من قاله تحزنًا لما يرى في نفسه وفي الناس من النقص في أمر الدين فلا بأس عليه كما قال أنس لا أعرف من أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلا أنهم يصلون جميعًا هكذا فسره الإمام مالك وتابعه الناس عليه وقال الخطابي معناه لا يزال الرجل يعيب الناس ويذكر مساويهم ويقول فسد الناس وهلكوا ونحو ذلك فإذا فعل ذلك فهو أهلكهم أي أسوأ حالاً منهم بما يلحقه من الإثم والوقيعة فيها وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه ورؤيته أنه خير منهم وقال ابن رسلان وقد يكون هذا على جهة الوعظ والتذكير ليقتدي اللاحق بالسابق فيجتهد المقصر ويتدارك المفرط كما قال الحسن أدركت أقوامًا لو رأوكم لقالوا لا يؤمنون بيوم الحساب وهذا الحديث رواه مسلم عن يحيى عن مالك به وتابعه حماد بن سلمة وسليمان بن بلال عن سهيل في مسلم أيضًا ( مالك عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يقل) بالجزم على النهي وفي رواية لا يقولن بنون التوكيد الثقيلة ( أحدكم يا خيبة الدهر) بمعجمة وموحدة مفتوحتين بينهما تحتية ساكنة وهي الحرمان والخسران ( فإن الله هو الدهر) أي المدبر للأمور الفاعل ما تنسبونه إلى الدهر من جلب الحوادث ودفعها كان شأن الجاهلية ذم الدهر عند الحوادث أو عدم حصول المطلوب فقال ذلك ردًا لاعتقادهم وفي رواية فإن الدهر هو الله أي فإن جالب الحوادث ومتوليها هو الله لا غيره وقيل إنه على حذف مضاف أي صاحب الدهر أي الخالق له وقيل تقديره مقلب الدهر ولذا عقبه بقوله في رواية بيدي الله الليل والنهار فمعنى النهي عن سبه أن من اعتقد أنه فاعل للمكروه فسبه أخطأ فإن الله هو الفاعل فإذا سبه رجع إلى الله كما رواه الشيخان من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه يسب بنو آدم الدهر وأنا الدهر وفي رواية يؤذيني ابن آدم يسب الدهر قال القرطبي معناه يخاطبني من القول بما يتأذى به من يجوز في حقه التأذي والله منزه عن أن يصل إليه الأذى وإنما هذا من التوسع في الكلام والمعنى أن من وقع ذلك منه تعرض لسخط الله وقال عياض زعم بعض من لا تحقيق عنده أن الدهر من أسماء الله وهو غلط فإن الدهر مدة زمان الدنيا وعرفه بعضهم بأنه أمد مفعولات الله في الدنيا أو فعله لما قبل الموت قال وقد تمسك الجهلة من الدهرية والمعطلة بظاهر هذا الحديث واحتجوا به على من لا رسوخ له في العلم وهو بنفسه حجة عليهم لأن الدهر عندهم حركات الفلك وأمد العالم ولا شيء عندهم ولا صانع سواه وكفى في الرد عليهم قوله في بقية الحديث أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فكيف يقلب الشيء نفسه تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا قال المحققون من نسب شيئًا من الأفعال إلى الدهر حقيقة كفر ومن جرى على لسانه غير معتقد لذلك فليس بكافر لكن يكره له ذلك لتشبهه بأهل الكفر في الإطلاق وقال ابن أبي جمرة لا يخفى أن من سب الصنعة فقد سب صانعها فمن سب الليل والنهار أقدم على أمر عظيم بغير معنى ومن سب ما يجري فيهما من الحوادث وذلك هو أغلب ما يقع من الناس وهو الذي يعطيه سياق الحديث حيث نفى عنهما التأثير فكأنه قال لا ذنب لهما في ذلك وأما الحوادث فمنها ما يجري بوساطة العاقل المكلف فهذا يضاف شرعًا ولغة إلى الذي أجرى على يديه ويضاف إلى الله لكونه بتقديره فأفعال العباد من اكتسابهم ولذا يترتب عليها الأحكام وهي في الابتداء خلق الله ومنها ما يجري بلا واسطة فهو منسوب إلى قدرة القادر وليس لليل والنهار فعل ولا تأثير لا لغة ولا شرعًا ولا عقلاً وهو المعنى في هذا الحديث ويلتحق به ما يجري من الحيوان غير العاقل ثم النهي عن سب الدهر تنبيه بالأعلى على الأدنى فلا يسب شيء مطلقًا إلا ما أذن الشرع فيه لأن العلة واحدة واستنبط منه أيضًا منع الحيلة في البيع مثل العينة لأنه نهى عن سب الدهر لما يؤول إليه من حيث المعنى وجعله سبًا لخالقه انتهى وتابع مالكًا في هذا الحديث المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد به عند مسلم وهو في الصحيحين من طريق الزهري عن أبي سلمة وابن المسيب كلاهما عن أبي هريرة بنحوه ( مالك عن يحيى بن سعيد أن عيسى ابن مريم صلى الله على نبينا وعليه لقي خنزيرًا بالطريق فقال له انفذ) بضم الفاء وذال معجمة امض واذهب ( بسلام) سلامة مني فلا أوذيك ( فقيل له تقول هذا لخنزير فقال عيسى إني أخاف أن أعود لساني النطق بالسوء) لو قلت له غير هذا وهذا من حسن الأدب ولا بدع فهو صادر ممن تولى الله تأديبه.



رقم الحديث 1806 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ.


( ما يكره من الكلام)

( مالك عن عبد الله بن دينار) ولابن وهب مالك عن نافع قال ابن عبد البر هو صحيح لمالك عنهما ( عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال لأخيه) في الإسلام ( كافر) بالتنوين ( فقد باء) بموحدة ممدود رجع ( بها) أي بكلمة الكفر ( أحدهما) لأنه إن كان القائل صادقًا في نفس الأمر فالمرمي كافر وإن كان كاذبًا فقد جعل الرامي الإيمان كفرًا فقد كفر كذا حمله البخاري على تحقيق الكفر على أحدهما وحمله غيره على الزجر والتغليظ فظاهره غير مراد وقال الباجي أي إن كان المقول له كافرًا فهو كما قال وإلا خيف على القائل أن يصير كافرًا وقال ابن عبد البر أي احتمل الذنب في ذلك القول أحدهما وقال أشهب سئل مالك عن هذا الحديث فقال أرى ذلك في الحرورية قيل أتراهم بذلك كفارًا قال ما أدري ما هذا والحديث رواه البخاري في الأدب عن إسماعيل عن مالك به ( مالك عن سهيل) بضم السين ( ابن أبي صالح عن أبيه) ذكوان الزيات ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا سمعت الرجل) جرى على الغالب والمراد الإنسان ولو أنثى ( يقول) وليحيى النيسابوري إذا قال الرجل ( هلك الناس) إعجابًا بنفسه وتيهًا بعلمه أو عبادته واحتقارًا للناس ( فهو أهلكهم) بضم الكاف على الأشهر في الرواية أي أشدهم هلاكًا لما يلحقه من الإثم في ذلك القول أو أقربهم إلى الهلاك لذمه للناس وذكر عيوبهم وتكبره وروى بفتحها فعل ماض أي أنه هو نسبهم إلى الهلاك لا أنهم هلكوا حقيقة أو لأنه أقنطهم عن رحمة الله تعالى وأيسهم من غفرانه وأيد الرفع برواية أبي نعيم فهو من أهلكهم قال النووي اتفق العلماء على أن هذا الذم إنما هو فيمن قاله على سبيل الإزراء على الناس واحتقارهم وتفضيل نفسه عليهم وتقبيح أحوالهم لأنه لا يعلم سر الله في خلقه فأما من قاله تحزنًا لما يرى في نفسه وفي الناس من النقص في أمر الدين فلا بأس عليه كما قال أنس لا أعرف من أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلا أنهم يصلون جميعًا هكذا فسره الإمام مالك وتابعه الناس عليه وقال الخطابي معناه لا يزال الرجل يعيب الناس ويذكر مساويهم ويقول فسد الناس وهلكوا ونحو ذلك فإذا فعل ذلك فهو أهلكهم أي أسوأ حالاً منهم بما يلحقه من الإثم والوقيعة فيها وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه ورؤيته أنه خير منهم وقال ابن رسلان وقد يكون هذا على جهة الوعظ والتذكير ليقتدي اللاحق بالسابق فيجتهد المقصر ويتدارك المفرط كما قال الحسن أدركت أقوامًا لو رأوكم لقالوا لا يؤمنون بيوم الحساب وهذا الحديث رواه مسلم عن يحيى عن مالك به وتابعه حماد بن سلمة وسليمان بن بلال عن سهيل في مسلم أيضًا ( مالك عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يقل) بالجزم على النهي وفي رواية لا يقولن بنون التوكيد الثقيلة ( أحدكم يا خيبة الدهر) بمعجمة وموحدة مفتوحتين بينهما تحتية ساكنة وهي الحرمان والخسران ( فإن الله هو الدهر) أي المدبر للأمور الفاعل ما تنسبونه إلى الدهر من جلب الحوادث ودفعها كان شأن الجاهلية ذم الدهر عند الحوادث أو عدم حصول المطلوب فقال ذلك ردًا لاعتقادهم وفي رواية فإن الدهر هو الله أي فإن جالب الحوادث ومتوليها هو الله لا غيره وقيل إنه على حذف مضاف أي صاحب الدهر أي الخالق له وقيل تقديره مقلب الدهر ولذا عقبه بقوله في رواية بيدي الله الليل والنهار فمعنى النهي عن سبه أن من اعتقد أنه فاعل للمكروه فسبه أخطأ فإن الله هو الفاعل فإذا سبه رجع إلى الله كما رواه الشيخان من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه يسب بنو آدم الدهر وأنا الدهر وفي رواية يؤذيني ابن آدم يسب الدهر قال القرطبي معناه يخاطبني من القول بما يتأذى به من يجوز في حقه التأذي والله منزه عن أن يصل إليه الأذى وإنما هذا من التوسع في الكلام والمعنى أن من وقع ذلك منه تعرض لسخط الله وقال عياض زعم بعض من لا تحقيق عنده أن الدهر من أسماء الله وهو غلط فإن الدهر مدة زمان الدنيا وعرفه بعضهم بأنه أمد مفعولات الله في الدنيا أو فعله لما قبل الموت قال وقد تمسك الجهلة من الدهرية والمعطلة بظاهر هذا الحديث واحتجوا به على من لا رسوخ له في العلم وهو بنفسه حجة عليهم لأن الدهر عندهم حركات الفلك وأمد العالم ولا شيء عندهم ولا صانع سواه وكفى في الرد عليهم قوله في بقية الحديث أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فكيف يقلب الشيء نفسه تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا قال المحققون من نسب شيئًا من الأفعال إلى الدهر حقيقة كفر ومن جرى على لسانه غير معتقد لذلك فليس بكافر لكن يكره له ذلك لتشبهه بأهل الكفر في الإطلاق وقال ابن أبي جمرة لا يخفى أن من سب الصنعة فقد سب صانعها فمن سب الليل والنهار أقدم على أمر عظيم بغير معنى ومن سب ما يجري فيهما من الحوادث وذلك هو أغلب ما يقع من الناس وهو الذي يعطيه سياق الحديث حيث نفى عنهما التأثير فكأنه قال لا ذنب لهما في ذلك وأما الحوادث فمنها ما يجري بوساطة العاقل المكلف فهذا يضاف شرعًا ولغة إلى الذي أجرى على يديه ويضاف إلى الله لكونه بتقديره فأفعال العباد من اكتسابهم ولذا يترتب عليها الأحكام وهي في الابتداء خلق الله ومنها ما يجري بلا واسطة فهو منسوب إلى قدرة القادر وليس لليل والنهار فعل ولا تأثير لا لغة ولا شرعًا ولا عقلاً وهو المعنى في هذا الحديث ويلتحق به ما يجري من الحيوان غير العاقل ثم النهي عن سب الدهر تنبيه بالأعلى على الأدنى فلا يسب شيء مطلقًا إلا ما أذن الشرع فيه لأن العلة واحدة واستنبط منه أيضًا منع الحيلة في البيع مثل العينة لأنه نهى عن سب الدهر لما يؤول إليه من حيث المعنى وجعله سبًا لخالقه انتهى وتابع مالكًا في هذا الحديث المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد به عند مسلم وهو في الصحيحين من طريق الزهري عن أبي سلمة وابن المسيب كلاهما عن أبي هريرة بنحوه ( مالك عن يحيى بن سعيد أن عيسى ابن مريم صلى الله على نبينا وعليه لقي خنزيرًا بالطريق فقال له انفذ) بضم الفاء وذال معجمة امض واذهب ( بسلام) سلامة مني فلا أوذيك ( فقيل له تقول هذا لخنزير فقال عيسى إني أخاف أن أعود لساني النطق بالسوء) لو قلت له غير هذا وهذا من حسن الأدب ولا بدع فهو صادر ممن تولى الله تأديبه.



رقم الحديث 1807 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ.


( ما يكره من الكلام)

( مالك عن عبد الله بن دينار) ولابن وهب مالك عن نافع قال ابن عبد البر هو صحيح لمالك عنهما ( عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال لأخيه) في الإسلام ( كافر) بالتنوين ( فقد باء) بموحدة ممدود رجع ( بها) أي بكلمة الكفر ( أحدهما) لأنه إن كان القائل صادقًا في نفس الأمر فالمرمي كافر وإن كان كاذبًا فقد جعل الرامي الإيمان كفرًا فقد كفر كذا حمله البخاري على تحقيق الكفر على أحدهما وحمله غيره على الزجر والتغليظ فظاهره غير مراد وقال الباجي أي إن كان المقول له كافرًا فهو كما قال وإلا خيف على القائل أن يصير كافرًا وقال ابن عبد البر أي احتمل الذنب في ذلك القول أحدهما وقال أشهب سئل مالك عن هذا الحديث فقال أرى ذلك في الحرورية قيل أتراهم بذلك كفارًا قال ما أدري ما هذا والحديث رواه البخاري في الأدب عن إسماعيل عن مالك به ( مالك عن سهيل) بضم السين ( ابن أبي صالح عن أبيه) ذكوان الزيات ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا سمعت الرجل) جرى على الغالب والمراد الإنسان ولو أنثى ( يقول) وليحيى النيسابوري إذا قال الرجل ( هلك الناس) إعجابًا بنفسه وتيهًا بعلمه أو عبادته واحتقارًا للناس ( فهو أهلكهم) بضم الكاف على الأشهر في الرواية أي أشدهم هلاكًا لما يلحقه من الإثم في ذلك القول أو أقربهم إلى الهلاك لذمه للناس وذكر عيوبهم وتكبره وروى بفتحها فعل ماض أي أنه هو نسبهم إلى الهلاك لا أنهم هلكوا حقيقة أو لأنه أقنطهم عن رحمة الله تعالى وأيسهم من غفرانه وأيد الرفع برواية أبي نعيم فهو من أهلكهم قال النووي اتفق العلماء على أن هذا الذم إنما هو فيمن قاله على سبيل الإزراء على الناس واحتقارهم وتفضيل نفسه عليهم وتقبيح أحوالهم لأنه لا يعلم سر الله في خلقه فأما من قاله تحزنًا لما يرى في نفسه وفي الناس من النقص في أمر الدين فلا بأس عليه كما قال أنس لا أعرف من أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلا أنهم يصلون جميعًا هكذا فسره الإمام مالك وتابعه الناس عليه وقال الخطابي معناه لا يزال الرجل يعيب الناس ويذكر مساويهم ويقول فسد الناس وهلكوا ونحو ذلك فإذا فعل ذلك فهو أهلكهم أي أسوأ حالاً منهم بما يلحقه من الإثم والوقيعة فيها وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه ورؤيته أنه خير منهم وقال ابن رسلان وقد يكون هذا على جهة الوعظ والتذكير ليقتدي اللاحق بالسابق فيجتهد المقصر ويتدارك المفرط كما قال الحسن أدركت أقوامًا لو رأوكم لقالوا لا يؤمنون بيوم الحساب وهذا الحديث رواه مسلم عن يحيى عن مالك به وتابعه حماد بن سلمة وسليمان بن بلال عن سهيل في مسلم أيضًا ( مالك عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يقل) بالجزم على النهي وفي رواية لا يقولن بنون التوكيد الثقيلة ( أحدكم يا خيبة الدهر) بمعجمة وموحدة مفتوحتين بينهما تحتية ساكنة وهي الحرمان والخسران ( فإن الله هو الدهر) أي المدبر للأمور الفاعل ما تنسبونه إلى الدهر من جلب الحوادث ودفعها كان شأن الجاهلية ذم الدهر عند الحوادث أو عدم حصول المطلوب فقال ذلك ردًا لاعتقادهم وفي رواية فإن الدهر هو الله أي فإن جالب الحوادث ومتوليها هو الله لا غيره وقيل إنه على حذف مضاف أي صاحب الدهر أي الخالق له وقيل تقديره مقلب الدهر ولذا عقبه بقوله في رواية بيدي الله الليل والنهار فمعنى النهي عن سبه أن من اعتقد أنه فاعل للمكروه فسبه أخطأ فإن الله هو الفاعل فإذا سبه رجع إلى الله كما رواه الشيخان من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه يسب بنو آدم الدهر وأنا الدهر وفي رواية يؤذيني ابن آدم يسب الدهر قال القرطبي معناه يخاطبني من القول بما يتأذى به من يجوز في حقه التأذي والله منزه عن أن يصل إليه الأذى وإنما هذا من التوسع في الكلام والمعنى أن من وقع ذلك منه تعرض لسخط الله وقال عياض زعم بعض من لا تحقيق عنده أن الدهر من أسماء الله وهو غلط فإن الدهر مدة زمان الدنيا وعرفه بعضهم بأنه أمد مفعولات الله في الدنيا أو فعله لما قبل الموت قال وقد تمسك الجهلة من الدهرية والمعطلة بظاهر هذا الحديث واحتجوا به على من لا رسوخ له في العلم وهو بنفسه حجة عليهم لأن الدهر عندهم حركات الفلك وأمد العالم ولا شيء عندهم ولا صانع سواه وكفى في الرد عليهم قوله في بقية الحديث أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فكيف يقلب الشيء نفسه تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا قال المحققون من نسب شيئًا من الأفعال إلى الدهر حقيقة كفر ومن جرى على لسانه غير معتقد لذلك فليس بكافر لكن يكره له ذلك لتشبهه بأهل الكفر في الإطلاق وقال ابن أبي جمرة لا يخفى أن من سب الصنعة فقد سب صانعها فمن سب الليل والنهار أقدم على أمر عظيم بغير معنى ومن سب ما يجري فيهما من الحوادث وذلك هو أغلب ما يقع من الناس وهو الذي يعطيه سياق الحديث حيث نفى عنهما التأثير فكأنه قال لا ذنب لهما في ذلك وأما الحوادث فمنها ما يجري بوساطة العاقل المكلف فهذا يضاف شرعًا ولغة إلى الذي أجرى على يديه ويضاف إلى الله لكونه بتقديره فأفعال العباد من اكتسابهم ولذا يترتب عليها الأحكام وهي في الابتداء خلق الله ومنها ما يجري بلا واسطة فهو منسوب إلى قدرة القادر وليس لليل والنهار فعل ولا تأثير لا لغة ولا شرعًا ولا عقلاً وهو المعنى في هذا الحديث ويلتحق به ما يجري من الحيوان غير العاقل ثم النهي عن سب الدهر تنبيه بالأعلى على الأدنى فلا يسب شيء مطلقًا إلا ما أذن الشرع فيه لأن العلة واحدة واستنبط منه أيضًا منع الحيلة في البيع مثل العينة لأنه نهى عن سب الدهر لما يؤول إليه من حيث المعنى وجعله سبًا لخالقه انتهى وتابع مالكًا في هذا الحديث المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد به عند مسلم وهو في الصحيحين من طريق الزهري عن أبي سلمة وابن المسيب كلاهما عن أبي هريرة بنحوه ( مالك عن يحيى بن سعيد أن عيسى ابن مريم صلى الله على نبينا وعليه لقي خنزيرًا بالطريق فقال له انفذ) بضم الفاء وذال معجمة امض واذهب ( بسلام) سلامة مني فلا أوذيك ( فقيل له تقول هذا لخنزير فقال عيسى إني أخاف أن أعود لساني النطق بالسوء) لو قلت له غير هذا وهذا من حسن الأدب ولا بدع فهو صادر ممن تولى الله تأديبه.