فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ

رقم الحديث 1817 حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَكْذِبُ امْرَأَتِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا خَيْرَ فِي الْكَذِبِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعِدُهَا، وَأَقُولُ لَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا جُنَاحَ عَلَيْكَ.


( ما جاء في الصدق والكذب)

( مالك عن صفوان بن سليم) بضم السين المدني ثقة عابد تابعي صغير فهو مرسل قال أبو عمر لا أحفظه مسندًا بوجه من الوجوه وقد رواه ابن عيينة عن صفوان عن عطاء بن يسار مرسلاً ( أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكذب) بحذف همزة الاستفهام استغناء بهمزة الوصل ( امرأتي يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خير في الكذب) بل هو شر كله ( فقال الرجل يا رسول الله أعدها) بتقدير همزة الاستفهام ( وأقول لها) أفعل لك كذا وكذا ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا جناح) لا حرج ( عليك) قال الباجي للفرق بين الكذب والوعد لأن ذلك ماض وهذا مستقبل قد يمكنه تصديق خبره فيه ( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يقول) وصله البخاري ومسلم من طريق الأعمش عن شقيق عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم ( عليكم بالصدق) أي الزموه وداوموا عليه أي القول الحق وهو ضد الكذب وقد يستعمل في أفعال الجوارح نحو صدق فلان في القتال إذا أوفاه حقه ( فإن الصدق يهدي) بفتح أوله أي يوصل صاحبه ( إلى البر) أي إلى العمل الصالح الخالص والبر اسم جامع للخير وقيل اكتساب الحسنات ( والبر يهدي) بفتح أوله يوصل صاحبه ( إلى الجنة) يعني أن الصدق الذي هو بر يدعو إلى ما يكون برًا مثله وذلك يدعو إلى دخول الجنة فهو سبب لدخولها ومصداقه { { إن الأبرار لفي نعيم } } قال ابن العربي بين صلى الله عليه وسلم أن الصدق هو الأصل الذي يهدي إلى البر كله لأن الإنسان إذا تحراه لم يعص أبدًا لأنه إذا أراد أن يسرق أو يزني أو يؤذي أحدًا خاف أن يقال له زنيت أو سرقت فإن سكت جر الريبة إليه وإن قال لا كذب وإن قال نعم فسق وسقطت منزلته وذهبت حرمته زاد في رواية الصحيحين وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صادقًا ( وإياكم والكذب) أي احذروا الإخبار بخلاف الواقع ( فإن الكذب يهدي إلى الفجور) أي يوصل إلى الميل عن الاستقامة والانبعاث في المعاصي وهو اسم جامع لكل شر ( والفجور يهدي إلى النار) أي يوصل إلى ما يكون سببًا لدخولها وذلك داع لدخولها زاد في رواية الصحيحين ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا ( ألا ترى أنه يقال صدق وبر وكذب وفجر) استظهار لأن الصدق يهدي إلى البر والكذب يهدي إلى الفجور ولم يقع هذا في المرفوع عند الشيخين فهو موقوف على ابن مسعود لأن الإمام ذكره موقوفًا وفيه الحث على تحري الصدق والاعتناء به وهو أشد الأشياء نفعًا ولذا علت رتبته على رتبة الإيمان لأنه إيمان وزيادة { { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } } وفيه تحذير من الكذب والتساهل فيه وهو أشد الأشياء ضررًا فإنه إذا تساهل فيه أكثر منه وعرف به فلا يعتمد نطقه ولا ينتفع به فينسلخ من الإنسانية لخصوصية الإنسان بالنطق إلى البهيمة فيصير هو والبهيمة سواء بل هو شر منها لأنها وإن لم ينفع نطقها لا يضر والكاذب يضر ولا ينفع ( مالك أنه بلغه أنه قيل للقمان) قيل إنه حبشي وقيل نوبي والأكثر أنه كان صالحًا أوتي الحكم ولم يكن نبيًا ولابن أبي حاتم عن قتادة إن لقمان خير بين الحكمة والنبوة فاختار الحكمة فسئل عن ذلك فقال خفت أن أضعف عن حمل أعباء النبوة قال السهيلي واسم والده عنقاء بن شروان وقال غيره هو لقمان بن باعورا بن ناصر بن آزر فهو ابن أخي إبراهيم وذكر وهب في المبتدأ أنه ابن أخت أيوب وقيل ابن خالته والصحيح أنه كان في عصر داود وقيل كان يفتي قبل بعثه وقيل عاصر إبراهيم وقيل كان بين عيسى والمصطفى وغلط من قال عاش ألف سنة التبس عليه بلقمان بن عاد ( ما بلغ بك ما ترى) يريدون الفضل الذي يشاهدونه منه ( فقال لقمان صدق الحديث) إذ هو أصل المحمودات وركن النبوات ونتيجة التقوى ولولاه لبطلت أحكام الشرائع ( وأداء الأمانة) إلى أهلها ( وترك ما لا يعنيني) بفتح أوله ( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يقول) موقوفًا وحكمه الرفع لأنه لا مدخل فيه للرأي ( لا يزال العبد يكذب وتنكت) بفتح أوله أو تحتية ضبط بهما ( في قلبه نكتة) أي أثر صغير ( سوداء حتى يسود قلبه كله) لتعدد النكتة بتعدد الكذب ( فيكتب عند الله من الكاذبين) أي يحكم له بذلك ويستحق الوصف به والعقاب عليه فالمراد إظهاره لخلقه بالكتابة ليشتهر في الملأ الأعلى ويلقي في قلوب أهل الأرض ويوضع على ألسنتهم كما يوضع القبول والبغضاء في الأرض كما أفاده الحافظ وغيره وكفاه ذلك إهانة وقد روى الديلمي عن أبي هريرة مرفوعًا لا يكذب الكاذب إلا من مهانة نفسه عليه ( مالك عن صفوان بن سليم أنه قال) مرسل أو معضل قال أبو عمر لا أحفظه مسندًا من وجه ثابت وهو حديث حسن مرسل ( قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيكون المؤمن جبانًا) أي ضعيف القلب ( فقال نعم) لأن ذلك لا ينافي الإيمان ( فقيل أيكون المؤمن بخيلاً) بخلاً لغويًا وهو منع السائل ما يغفل عنه ( فقال نعم) لعدم منافاته الإيمان وليس المراد البخل الشرعي وهو منع الواجب لمنافاته الإيمان الكامل ( فقيل له أيكون المؤمن كذابًا) بالتشديد صيغة مبالغة أي كثير الكذب ( فقال لا) يكون المؤمن كذابًا أي المؤمن الكامل إيمانه وروي عن أبي بكر مرفوعًا إياكم والكذب فإنه مجانب للإيمان أخرجه ابن عدي وصوب الدارقطني وقفه كما رواه أحمد وابن أبي شيبة وغيرهما عن الصديق موقوفًا ورواه ابن عبد البر عن عبد الله بن أبي شيبة وغيرهما عن الصديق موقوفًا وروى ابن عبد البر عن عبد الله بن جراد أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم هل يزني المؤمن قال قد يكون ذلك قال هل يكذب قال لا وللبزار وأبي يعلى عن سعيد بن أبي وقاص رفعه يطبع المؤمن على كل خلقه غير الخيانة والكذب وضعف البيهقي رفعه وقال الدارقطني الموقوف أشبه بالصواب قال غيره ومع ذلك فحكمه الرفع على الصحيح لأنه مما لا مجال للرأي فيه انتهى.



رقم الحديث 1818 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَالْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَالْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ: صَدَقَ وَبَرَّ وَكَذَبَ وَفَجَرَ.


( ما جاء في الصدق والكذب)

( مالك عن صفوان بن سليم) بضم السين المدني ثقة عابد تابعي صغير فهو مرسل قال أبو عمر لا أحفظه مسندًا بوجه من الوجوه وقد رواه ابن عيينة عن صفوان عن عطاء بن يسار مرسلاً ( أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكذب) بحذف همزة الاستفهام استغناء بهمزة الوصل ( امرأتي يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خير في الكذب) بل هو شر كله ( فقال الرجل يا رسول الله أعدها) بتقدير همزة الاستفهام ( وأقول لها) أفعل لك كذا وكذا ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا جناح) لا حرج ( عليك) قال الباجي للفرق بين الكذب والوعد لأن ذلك ماض وهذا مستقبل قد يمكنه تصديق خبره فيه ( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يقول) وصله البخاري ومسلم من طريق الأعمش عن شقيق عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم ( عليكم بالصدق) أي الزموه وداوموا عليه أي القول الحق وهو ضد الكذب وقد يستعمل في أفعال الجوارح نحو صدق فلان في القتال إذا أوفاه حقه ( فإن الصدق يهدي) بفتح أوله أي يوصل صاحبه ( إلى البر) أي إلى العمل الصالح الخالص والبر اسم جامع للخير وقيل اكتساب الحسنات ( والبر يهدي) بفتح أوله يوصل صاحبه ( إلى الجنة) يعني أن الصدق الذي هو بر يدعو إلى ما يكون برًا مثله وذلك يدعو إلى دخول الجنة فهو سبب لدخولها ومصداقه { { إن الأبرار لفي نعيم } } قال ابن العربي بين صلى الله عليه وسلم أن الصدق هو الأصل الذي يهدي إلى البر كله لأن الإنسان إذا تحراه لم يعص أبدًا لأنه إذا أراد أن يسرق أو يزني أو يؤذي أحدًا خاف أن يقال له زنيت أو سرقت فإن سكت جر الريبة إليه وإن قال لا كذب وإن قال نعم فسق وسقطت منزلته وذهبت حرمته زاد في رواية الصحيحين وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صادقًا ( وإياكم والكذب) أي احذروا الإخبار بخلاف الواقع ( فإن الكذب يهدي إلى الفجور) أي يوصل إلى الميل عن الاستقامة والانبعاث في المعاصي وهو اسم جامع لكل شر ( والفجور يهدي إلى النار) أي يوصل إلى ما يكون سببًا لدخولها وذلك داع لدخولها زاد في رواية الصحيحين ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا ( ألا ترى أنه يقال صدق وبر وكذب وفجر) استظهار لأن الصدق يهدي إلى البر والكذب يهدي إلى الفجور ولم يقع هذا في المرفوع عند الشيخين فهو موقوف على ابن مسعود لأن الإمام ذكره موقوفًا وفيه الحث على تحري الصدق والاعتناء به وهو أشد الأشياء نفعًا ولذا علت رتبته على رتبة الإيمان لأنه إيمان وزيادة { { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } } وفيه تحذير من الكذب والتساهل فيه وهو أشد الأشياء ضررًا فإنه إذا تساهل فيه أكثر منه وعرف به فلا يعتمد نطقه ولا ينتفع به فينسلخ من الإنسانية لخصوصية الإنسان بالنطق إلى البهيمة فيصير هو والبهيمة سواء بل هو شر منها لأنها وإن لم ينفع نطقها لا يضر والكاذب يضر ولا ينفع ( مالك أنه بلغه أنه قيل للقمان) قيل إنه حبشي وقيل نوبي والأكثر أنه كان صالحًا أوتي الحكم ولم يكن نبيًا ولابن أبي حاتم عن قتادة إن لقمان خير بين الحكمة والنبوة فاختار الحكمة فسئل عن ذلك فقال خفت أن أضعف عن حمل أعباء النبوة قال السهيلي واسم والده عنقاء بن شروان وقال غيره هو لقمان بن باعورا بن ناصر بن آزر فهو ابن أخي إبراهيم وذكر وهب في المبتدأ أنه ابن أخت أيوب وقيل ابن خالته والصحيح أنه كان في عصر داود وقيل كان يفتي قبل بعثه وقيل عاصر إبراهيم وقيل كان بين عيسى والمصطفى وغلط من قال عاش ألف سنة التبس عليه بلقمان بن عاد ( ما بلغ بك ما ترى) يريدون الفضل الذي يشاهدونه منه ( فقال لقمان صدق الحديث) إذ هو أصل المحمودات وركن النبوات ونتيجة التقوى ولولاه لبطلت أحكام الشرائع ( وأداء الأمانة) إلى أهلها ( وترك ما لا يعنيني) بفتح أوله ( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يقول) موقوفًا وحكمه الرفع لأنه لا مدخل فيه للرأي ( لا يزال العبد يكذب وتنكت) بفتح أوله أو تحتية ضبط بهما ( في قلبه نكتة) أي أثر صغير ( سوداء حتى يسود قلبه كله) لتعدد النكتة بتعدد الكذب ( فيكتب عند الله من الكاذبين) أي يحكم له بذلك ويستحق الوصف به والعقاب عليه فالمراد إظهاره لخلقه بالكتابة ليشتهر في الملأ الأعلى ويلقي في قلوب أهل الأرض ويوضع على ألسنتهم كما يوضع القبول والبغضاء في الأرض كما أفاده الحافظ وغيره وكفاه ذلك إهانة وقد روى الديلمي عن أبي هريرة مرفوعًا لا يكذب الكاذب إلا من مهانة نفسه عليه ( مالك عن صفوان بن سليم أنه قال) مرسل أو معضل قال أبو عمر لا أحفظه مسندًا من وجه ثابت وهو حديث حسن مرسل ( قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيكون المؤمن جبانًا) أي ضعيف القلب ( فقال نعم) لأن ذلك لا ينافي الإيمان ( فقيل أيكون المؤمن بخيلاً) بخلاً لغويًا وهو منع السائل ما يغفل عنه ( فقال نعم) لعدم منافاته الإيمان وليس المراد البخل الشرعي وهو منع الواجب لمنافاته الإيمان الكامل ( فقيل له أيكون المؤمن كذابًا) بالتشديد صيغة مبالغة أي كثير الكذب ( فقال لا) يكون المؤمن كذابًا أي المؤمن الكامل إيمانه وروي عن أبي بكر مرفوعًا إياكم والكذب فإنه مجانب للإيمان أخرجه ابن عدي وصوب الدارقطني وقفه كما رواه أحمد وابن أبي شيبة وغيرهما عن الصديق موقوفًا ورواه ابن عبد البر عن عبد الله بن أبي شيبة وغيرهما عن الصديق موقوفًا وروى ابن عبد البر عن عبد الله بن جراد أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم هل يزني المؤمن قال قد يكون ذلك قال هل يكذب قال لا وللبزار وأبي يعلى عن سعيد بن أبي وقاص رفعه يطبع المؤمن على كل خلقه غير الخيانة والكذب وضعف البيهقي رفعه وقال الدارقطني الموقوف أشبه بالصواب قال غيره ومع ذلك فحكمه الرفع على الصحيح لأنه مما لا مجال للرأي فيه انتهى.



رقم الحديث 1819 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، أَنَّهُ قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا؟ فَقَالَ: لَا.


( ما جاء في الصدق والكذب)

( مالك عن صفوان بن سليم) بضم السين المدني ثقة عابد تابعي صغير فهو مرسل قال أبو عمر لا أحفظه مسندًا بوجه من الوجوه وقد رواه ابن عيينة عن صفوان عن عطاء بن يسار مرسلاً ( أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكذب) بحذف همزة الاستفهام استغناء بهمزة الوصل ( امرأتي يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خير في الكذب) بل هو شر كله ( فقال الرجل يا رسول الله أعدها) بتقدير همزة الاستفهام ( وأقول لها) أفعل لك كذا وكذا ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا جناح) لا حرج ( عليك) قال الباجي للفرق بين الكذب والوعد لأن ذلك ماض وهذا مستقبل قد يمكنه تصديق خبره فيه ( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يقول) وصله البخاري ومسلم من طريق الأعمش عن شقيق عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم ( عليكم بالصدق) أي الزموه وداوموا عليه أي القول الحق وهو ضد الكذب وقد يستعمل في أفعال الجوارح نحو صدق فلان في القتال إذا أوفاه حقه ( فإن الصدق يهدي) بفتح أوله أي يوصل صاحبه ( إلى البر) أي إلى العمل الصالح الخالص والبر اسم جامع للخير وقيل اكتساب الحسنات ( والبر يهدي) بفتح أوله يوصل صاحبه ( إلى الجنة) يعني أن الصدق الذي هو بر يدعو إلى ما يكون برًا مثله وذلك يدعو إلى دخول الجنة فهو سبب لدخولها ومصداقه { { إن الأبرار لفي نعيم } } قال ابن العربي بين صلى الله عليه وسلم أن الصدق هو الأصل الذي يهدي إلى البر كله لأن الإنسان إذا تحراه لم يعص أبدًا لأنه إذا أراد أن يسرق أو يزني أو يؤذي أحدًا خاف أن يقال له زنيت أو سرقت فإن سكت جر الريبة إليه وإن قال لا كذب وإن قال نعم فسق وسقطت منزلته وذهبت حرمته زاد في رواية الصحيحين وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صادقًا ( وإياكم والكذب) أي احذروا الإخبار بخلاف الواقع ( فإن الكذب يهدي إلى الفجور) أي يوصل إلى الميل عن الاستقامة والانبعاث في المعاصي وهو اسم جامع لكل شر ( والفجور يهدي إلى النار) أي يوصل إلى ما يكون سببًا لدخولها وذلك داع لدخولها زاد في رواية الصحيحين ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا ( ألا ترى أنه يقال صدق وبر وكذب وفجر) استظهار لأن الصدق يهدي إلى البر والكذب يهدي إلى الفجور ولم يقع هذا في المرفوع عند الشيخين فهو موقوف على ابن مسعود لأن الإمام ذكره موقوفًا وفيه الحث على تحري الصدق والاعتناء به وهو أشد الأشياء نفعًا ولذا علت رتبته على رتبة الإيمان لأنه إيمان وزيادة { { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } } وفيه تحذير من الكذب والتساهل فيه وهو أشد الأشياء ضررًا فإنه إذا تساهل فيه أكثر منه وعرف به فلا يعتمد نطقه ولا ينتفع به فينسلخ من الإنسانية لخصوصية الإنسان بالنطق إلى البهيمة فيصير هو والبهيمة سواء بل هو شر منها لأنها وإن لم ينفع نطقها لا يضر والكاذب يضر ولا ينفع ( مالك أنه بلغه أنه قيل للقمان) قيل إنه حبشي وقيل نوبي والأكثر أنه كان صالحًا أوتي الحكم ولم يكن نبيًا ولابن أبي حاتم عن قتادة إن لقمان خير بين الحكمة والنبوة فاختار الحكمة فسئل عن ذلك فقال خفت أن أضعف عن حمل أعباء النبوة قال السهيلي واسم والده عنقاء بن شروان وقال غيره هو لقمان بن باعورا بن ناصر بن آزر فهو ابن أخي إبراهيم وذكر وهب في المبتدأ أنه ابن أخت أيوب وقيل ابن خالته والصحيح أنه كان في عصر داود وقيل كان يفتي قبل بعثه وقيل عاصر إبراهيم وقيل كان بين عيسى والمصطفى وغلط من قال عاش ألف سنة التبس عليه بلقمان بن عاد ( ما بلغ بك ما ترى) يريدون الفضل الذي يشاهدونه منه ( فقال لقمان صدق الحديث) إذ هو أصل المحمودات وركن النبوات ونتيجة التقوى ولولاه لبطلت أحكام الشرائع ( وأداء الأمانة) إلى أهلها ( وترك ما لا يعنيني) بفتح أوله ( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يقول) موقوفًا وحكمه الرفع لأنه لا مدخل فيه للرأي ( لا يزال العبد يكذب وتنكت) بفتح أوله أو تحتية ضبط بهما ( في قلبه نكتة) أي أثر صغير ( سوداء حتى يسود قلبه كله) لتعدد النكتة بتعدد الكذب ( فيكتب عند الله من الكاذبين) أي يحكم له بذلك ويستحق الوصف به والعقاب عليه فالمراد إظهاره لخلقه بالكتابة ليشتهر في الملأ الأعلى ويلقي في قلوب أهل الأرض ويوضع على ألسنتهم كما يوضع القبول والبغضاء في الأرض كما أفاده الحافظ وغيره وكفاه ذلك إهانة وقد روى الديلمي عن أبي هريرة مرفوعًا لا يكذب الكاذب إلا من مهانة نفسه عليه ( مالك عن صفوان بن سليم أنه قال) مرسل أو معضل قال أبو عمر لا أحفظه مسندًا من وجه ثابت وهو حديث حسن مرسل ( قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيكون المؤمن جبانًا) أي ضعيف القلب ( فقال نعم) لأن ذلك لا ينافي الإيمان ( فقيل أيكون المؤمن بخيلاً) بخلاً لغويًا وهو منع السائل ما يغفل عنه ( فقال نعم) لعدم منافاته الإيمان وليس المراد البخل الشرعي وهو منع الواجب لمنافاته الإيمان الكامل ( فقيل له أيكون المؤمن كذابًا) بالتشديد صيغة مبالغة أي كثير الكذب ( فقال لا) يكون المؤمن كذابًا أي المؤمن الكامل إيمانه وروي عن أبي بكر مرفوعًا إياكم والكذب فإنه مجانب للإيمان أخرجه ابن عدي وصوب الدارقطني وقفه كما رواه أحمد وابن أبي شيبة وغيرهما عن الصديق موقوفًا ورواه ابن عبد البر عن عبد الله بن أبي شيبة وغيرهما عن الصديق موقوفًا وروى ابن عبد البر عن عبد الله بن جراد أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم هل يزني المؤمن قال قد يكون ذلك قال هل يكذب قال لا وللبزار وأبي يعلى عن سعيد بن أبي وقاص رفعه يطبع المؤمن على كل خلقه غير الخيانة والكذب وضعف البيهقي رفعه وقال الدارقطني الموقوف أشبه بالصواب قال غيره ومع ذلك فحكمه الرفع على الصحيح لأنه مما لا مجال للرأي فيه انتهى.