فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي تَرِكَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

رقم الحديث 1826 حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَدْنَ أَنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَيَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ لَهُنَّ عَائِشَةُ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ.


( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين) وهل يقال لهن أيضًا أم المؤمنات أم لا قولان مرجحان ( أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) اللاتي مات عنهن ( حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يبعثن عثمان بن عفان إلى أبي بكر الصديق فيسألنه ميراثهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو الثمن عملاً بعموم آية المواريث ( فقالت لهن عائشة أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي رواية البخاري عن شعيب عن الزهري عن عروة عن عائشة فقلت لهن ألا تتقين الله ألم تعلمن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ( لا نورث) بضم النون وفتح الراء مخففة وعند النسائي عن الزهري مرفوعًا إنا معاشر الأنبياء لا نورث ( ما تركنا فهو صدقة) بالرفع قطعا خبر لقوله فهو والجملة خبر ما تركنا وهذا يؤيد الرواية في حديث أبي بكر الصديق ما تركنا صدقة بإسقاط فهو برفع صدقة كما توارد عليه أهل الحديث في القديم والحديث خبر المبتدأ الذي هو ما تركنا والكلام جملتان الأولى فعلية والثانية اسمية وادعى بعض الرافضة أن الصواب قراءة لا يورث بتحتية أوله ونصب صدقة على الحال وهو خلاف الرواية وقد احتج بعض المحدثين على بعض الإمامية بأن أبا بكر احتج به على فاطمة وهما من أفصح الفصحاء وأعلم بمدلولات الألفاظ فلو كان الأمر كما يقول الروافض لم يكن فيما احتج به أبو بكر حجة ولا كان جوابه مطابقًا لسؤالها وهذا واضح لمن أنصف كما في فتح الباري وقال في تخريجه الأحاديث مختصرة ابن الحاجب إن الحديث لم يوجد بلفظ نحن معاشر الأنبياء ووجد بلفظ إنا ومفادهما واحد فلعل من ذكره بلفظ نحن ذكره بالمعنى وهو في الصحيحين والسنن الثلاثة عن الصديق بلفظ لا نورث ما تركناه صدقة انتهى وذهب النحاس إلى صحة نصب صدقة على الحال وأنكره عياض لتأييده مذهب الإمامية لكن قدره ابن مالك ما تركنا متروك صدقة فحذف الخبر وبقي الحال كالعوض منه ونظيره قراءة بعضهم ونحن عصبة بالنصب انتهى وفيه نظر لأنه لم يرو بالنصب حتى يتعسف له هذا التوجيه ولأنه لم يتعين حذف الخبر بل يحتمل ما قاله الإمامية ولذا أنكره عياض وإن صح في نفسه والحكمة في أنهم عليهم الصلاة والسلام لا يورثون أنهم لو ورثوا لظن أن لهم رغبة في الدنيا لوارثهم فيهلك الظان أو لأنهم أحياء أو لئلا يتمنى ورثتهم موتهم فيهلكون أو لأن النبي صلى الله عليه وسلم كالأب لأمته فيكون ميراثه للجميع وهو معنى الصدقة العامة وأما قوله تعالى { { وورث سليمان داود } } وقوله عن زكريا { { فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب } } فالمراد بذلك وراثة العلم والنبوة وزعم بعضهم أن خوف زكريا من مواليه كان على ماله لأنه لا يخاف على النبوة لأنها فضل من الله تعالى يعطيها من شاء فلزم أنه يورث متعقب بأن خوفه منهم لاحتمال سرعتهم من جهة تغيير أحكام شرعه فطلب ولدًا يرث نبوته ليحفظها قال الباجي أجمع أهل السنة على أن هذا حكم جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقال ابن علية إن ذلك لنبينا خاصة وقالت الإمامية جميع الأنبياء يورثون وتعلقوا في ذلك بأنواع من التخليط لا شبهة فيها مع ورود هذا النص وهذا الحديث أخرجه البخاري في الفرائض عن القعنبي ومسلم في المغازي عن يحيى كلاهما عن مالك به وأبو داود في الخراج والنسائي في الفرائض ( مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقسم) بفوقية أوله وتحتية روايتان وفي رواية بتاء بعد القاف وأخرى بحذفها ( ورثني) قال ابن عبد البر الرواية برفع الميم على الخبر يعني الرواية المشهورة ففي فتح الباري بإسكان الميم على النهي وبضمها على النفي وهو الأشهر وبه يستقيم المعنى حتى لا يعارض ما تقدم عن عائشة وغيرها أنه صلى الله عليه وسلم لم يترك ما لا يورث عنه وتوجيه رواية النهي أنه لم يقطع بأنه لا يخلف شيئًا بل كان ذلك محتملاً فنهاهم عن قسمة ما يخلف إن اتفق أنه خلف وسماهم ورثة باعتبار أنهم كذلك بالقوة لكن منعهم من الميراث الدليل الشرعي وهو قوله لا نورث ما تركنا صدقة انتهى يعني لو كنت ممن يورث زاد التقي السبكي أو المراد لا يقسم مال تركته لجهة الإرث فأتى بلفظ ورثتي ليكون الحكم معللاً بما به الاشتقاق وهو الإرث فالمنفي قسمهم بالإرث عنه ( دنانير) كذا ليحيى بالجمع ولسائر الرواة دينارًا بالإفراد قال ابن عبد البر وهو الصواب انتهى قيل وهو تنبيه بالأدنى على الأعلى ولمسلم من رواية ابن عيينة عن أبي الزناد ولا درهمًا وهي زيادة حسنة تابعه عليها سفيان الثوري عند الترمذي في الشمائل قال بعضهم ويحتمل أن يكون الخبر بمعنى النهي فيتحد معنى الروايتين ويستفاد من رواية الرفع أنه أخبر أنه لا يخلف شيئًا مما جرت العادة بقسمه كالذهب والفضة وأن الذي يخلفه من غيرهما لا يقسم أيضًا بطريق الإرث بل يقسم منافعه لمن ذكر في قوله ( ما تركت بعدي نفقة نسائي) ويدخل فيه كسوتهن وسائر اللوازم كالمساكن لأنهن محبوسات عن الزواج بسببه أو لعظم حقوقهن لفضلهن وقدم هجرتهن وكونهن أمهات المؤمنين ولأنهن كما قال ابن عيينة في معنى المعتدات لأنهن لا يجوز لهن أن ينكحن أبدًا فجرت لهن النفقة وتركت حجرهن لهن يسكنها ( ومؤنة عاملي) قيل هو الخليفة بعده وهذا هو المعتمد والموافق لما حديث عمر في الصحيح وقيل العامل على النخل وبه جزم الطبراني وابن بطال وأبعد من قال هو حافر قبره وقيل خادمه وقيل عامل الصدقة وقيل العامل فيها كالأجير واستدل به على أجرة القاسم قاله الحافظ وقال الباجي المراد كل عامل يعمل للمسلمين من خليفة أو غيره قام بأمر من أمور المسلمين وبشريعته فهو عامل له صلى الله عليه وسلم فلا بد أن يكفي مؤنته وإلا ضاع ( فهو) أي المتروك بعدما ذكر ( صدقة) مني لأني لا أورث أو لا أخلف مالا فإن قيل ما وجه تخصيص النساء بالنفقة والمؤنة بالعامل وهل بينهما فرق أجاب التقي السبكي كما في الفتح بأن المؤنة في اللغة القيام بالكفاية والإنفاق بدل القوت وهذا يقتضي أن النفقة دون المؤنة والسر في التخصيص المذكور الإشارة إلى أن أزواجه صلى الله عليه وسلم لما اخترن الله ورسوله والدار الآخرة كان لا بد لهن من القوت فاقتصر على ما يدل عليه والعامل لما كان في صورة الأجير فيحتاج إلى ما يكفيه اقتصر على ما يدل عليه وفي الصحيح عن عروة فكانت هذه الصدقة بيد علي منعها على عباسًا فغلبه عليها أي بالتصرف فيها وتحصيل غلاتها لا بتخصيص الحاصل لنفسه قال ثم بيد حسن بن علي ثم بيد حسين ثم بيد علي بن حسين وحسن بن حسن كلاهما كانا يتداولانها ثم بيد زيد بن حسن وهي صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حقًا زاد عبد الرزاق عن معمر ثم كانت بيد عبد الله بن حسن حتى ولى هؤلاء يعني بني العباس فقبضوها وزاد إسماعيل القاضي أن إعراض العباس عنها كان في خلافة عثمان قال عمر بن شبة سمعت محمد بن يحيى المدني أن الصدقة المذكورة مكثت في عهده يولى عليها من قبله من يقبضها ويفرقها في أهل الحاجة من أهل المدينة قال الحافظ كان ذلك على رأس المائتين ثم تغيرت الأمور وهذا الحديث رواه البخاري في الوصايا والخمس عن عبد الله بن يوسف وفي الفرائض عن إسماعيل ومسلم في المغازي عن يحيى الثلاثة عن مالك به وأبو داود في الخراج.


رقم الحديث 1827 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دَنَانِيرَ، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي، وَمَئُونَةِ عَامِلِي، فَهُوَ صَدَقَةٌ .


( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين) وهل يقال لهن أيضًا أم المؤمنات أم لا قولان مرجحان ( أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) اللاتي مات عنهن ( حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يبعثن عثمان بن عفان إلى أبي بكر الصديق فيسألنه ميراثهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو الثمن عملاً بعموم آية المواريث ( فقالت لهن عائشة أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي رواية البخاري عن شعيب عن الزهري عن عروة عن عائشة فقلت لهن ألا تتقين الله ألم تعلمن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ( لا نورث) بضم النون وفتح الراء مخففة وعند النسائي عن الزهري مرفوعًا إنا معاشر الأنبياء لا نورث ( ما تركنا فهو صدقة) بالرفع قطعا خبر لقوله فهو والجملة خبر ما تركنا وهذا يؤيد الرواية في حديث أبي بكر الصديق ما تركنا صدقة بإسقاط فهو برفع صدقة كما توارد عليه أهل الحديث في القديم والحديث خبر المبتدأ الذي هو ما تركنا والكلام جملتان الأولى فعلية والثانية اسمية وادعى بعض الرافضة أن الصواب قراءة لا يورث بتحتية أوله ونصب صدقة على الحال وهو خلاف الرواية وقد احتج بعض المحدثين على بعض الإمامية بأن أبا بكر احتج به على فاطمة وهما من أفصح الفصحاء وأعلم بمدلولات الألفاظ فلو كان الأمر كما يقول الروافض لم يكن فيما احتج به أبو بكر حجة ولا كان جوابه مطابقًا لسؤالها وهذا واضح لمن أنصف كما في فتح الباري وقال في تخريجه الأحاديث مختصرة ابن الحاجب إن الحديث لم يوجد بلفظ نحن معاشر الأنبياء ووجد بلفظ إنا ومفادهما واحد فلعل من ذكره بلفظ نحن ذكره بالمعنى وهو في الصحيحين والسنن الثلاثة عن الصديق بلفظ لا نورث ما تركناه صدقة انتهى وذهب النحاس إلى صحة نصب صدقة على الحال وأنكره عياض لتأييده مذهب الإمامية لكن قدره ابن مالك ما تركنا متروك صدقة فحذف الخبر وبقي الحال كالعوض منه ونظيره قراءة بعضهم ونحن عصبة بالنصب انتهى وفيه نظر لأنه لم يرو بالنصب حتى يتعسف له هذا التوجيه ولأنه لم يتعين حذف الخبر بل يحتمل ما قاله الإمامية ولذا أنكره عياض وإن صح في نفسه والحكمة في أنهم عليهم الصلاة والسلام لا يورثون أنهم لو ورثوا لظن أن لهم رغبة في الدنيا لوارثهم فيهلك الظان أو لأنهم أحياء أو لئلا يتمنى ورثتهم موتهم فيهلكون أو لأن النبي صلى الله عليه وسلم كالأب لأمته فيكون ميراثه للجميع وهو معنى الصدقة العامة وأما قوله تعالى { { وورث سليمان داود } } وقوله عن زكريا { { فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب } } فالمراد بذلك وراثة العلم والنبوة وزعم بعضهم أن خوف زكريا من مواليه كان على ماله لأنه لا يخاف على النبوة لأنها فضل من الله تعالى يعطيها من شاء فلزم أنه يورث متعقب بأن خوفه منهم لاحتمال سرعتهم من جهة تغيير أحكام شرعه فطلب ولدًا يرث نبوته ليحفظها قال الباجي أجمع أهل السنة على أن هذا حكم جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقال ابن علية إن ذلك لنبينا خاصة وقالت الإمامية جميع الأنبياء يورثون وتعلقوا في ذلك بأنواع من التخليط لا شبهة فيها مع ورود هذا النص وهذا الحديث أخرجه البخاري في الفرائض عن القعنبي ومسلم في المغازي عن يحيى كلاهما عن مالك به وأبو داود في الخراج والنسائي في الفرائض ( مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقسم) بفوقية أوله وتحتية روايتان وفي رواية بتاء بعد القاف وأخرى بحذفها ( ورثني) قال ابن عبد البر الرواية برفع الميم على الخبر يعني الرواية المشهورة ففي فتح الباري بإسكان الميم على النهي وبضمها على النفي وهو الأشهر وبه يستقيم المعنى حتى لا يعارض ما تقدم عن عائشة وغيرها أنه صلى الله عليه وسلم لم يترك ما لا يورث عنه وتوجيه رواية النهي أنه لم يقطع بأنه لا يخلف شيئًا بل كان ذلك محتملاً فنهاهم عن قسمة ما يخلف إن اتفق أنه خلف وسماهم ورثة باعتبار أنهم كذلك بالقوة لكن منعهم من الميراث الدليل الشرعي وهو قوله لا نورث ما تركنا صدقة انتهى يعني لو كنت ممن يورث زاد التقي السبكي أو المراد لا يقسم مال تركته لجهة الإرث فأتى بلفظ ورثتي ليكون الحكم معللاً بما به الاشتقاق وهو الإرث فالمنفي قسمهم بالإرث عنه ( دنانير) كذا ليحيى بالجمع ولسائر الرواة دينارًا بالإفراد قال ابن عبد البر وهو الصواب انتهى قيل وهو تنبيه بالأدنى على الأعلى ولمسلم من رواية ابن عيينة عن أبي الزناد ولا درهمًا وهي زيادة حسنة تابعه عليها سفيان الثوري عند الترمذي في الشمائل قال بعضهم ويحتمل أن يكون الخبر بمعنى النهي فيتحد معنى الروايتين ويستفاد من رواية الرفع أنه أخبر أنه لا يخلف شيئًا مما جرت العادة بقسمه كالذهب والفضة وأن الذي يخلفه من غيرهما لا يقسم أيضًا بطريق الإرث بل يقسم منافعه لمن ذكر في قوله ( ما تركت بعدي نفقة نسائي) ويدخل فيه كسوتهن وسائر اللوازم كالمساكن لأنهن محبوسات عن الزواج بسببه أو لعظم حقوقهن لفضلهن وقدم هجرتهن وكونهن أمهات المؤمنين ولأنهن كما قال ابن عيينة في معنى المعتدات لأنهن لا يجوز لهن أن ينكحن أبدًا فجرت لهن النفقة وتركت حجرهن لهن يسكنها ( ومؤنة عاملي) قيل هو الخليفة بعده وهذا هو المعتمد والموافق لما حديث عمر في الصحيح وقيل العامل على النخل وبه جزم الطبراني وابن بطال وأبعد من قال هو حافر قبره وقيل خادمه وقيل عامل الصدقة وقيل العامل فيها كالأجير واستدل به على أجرة القاسم قاله الحافظ وقال الباجي المراد كل عامل يعمل للمسلمين من خليفة أو غيره قام بأمر من أمور المسلمين وبشريعته فهو عامل له صلى الله عليه وسلم فلا بد أن يكفي مؤنته وإلا ضاع ( فهو) أي المتروك بعدما ذكر ( صدقة) مني لأني لا أورث أو لا أخلف مالا فإن قيل ما وجه تخصيص النساء بالنفقة والمؤنة بالعامل وهل بينهما فرق أجاب التقي السبكي كما في الفتح بأن المؤنة في اللغة القيام بالكفاية والإنفاق بدل القوت وهذا يقتضي أن النفقة دون المؤنة والسر في التخصيص المذكور الإشارة إلى أن أزواجه صلى الله عليه وسلم لما اخترن الله ورسوله والدار الآخرة كان لا بد لهن من القوت فاقتصر على ما يدل عليه والعامل لما كان في صورة الأجير فيحتاج إلى ما يكفيه اقتصر على ما يدل عليه وفي الصحيح عن عروة فكانت هذه الصدقة بيد علي منعها على عباسًا فغلبه عليها أي بالتصرف فيها وتحصيل غلاتها لا بتخصيص الحاصل لنفسه قال ثم بيد حسن بن علي ثم بيد حسين ثم بيد علي بن حسين وحسن بن حسن كلاهما كانا يتداولانها ثم بيد زيد بن حسن وهي صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حقًا زاد عبد الرزاق عن معمر ثم كانت بيد عبد الله بن حسن حتى ولى هؤلاء يعني بني العباس فقبضوها وزاد إسماعيل القاضي أن إعراض العباس عنها كان في خلافة عثمان قال عمر بن شبة سمعت محمد بن يحيى المدني أن الصدقة المذكورة مكثت في عهده يولى عليها من قبله من يقبضها ويفرقها في أهل الحاجة من أهل المدينة قال الحافظ كان ذلك على رأس المائتين ثم تغيرت الأمور وهذا الحديث رواه البخاري في الوصايا والخمس عن عبد الله بن يوسف وفي الفرائض عن إسماعيل ومسلم في المغازي عن يحيى الثلاثة عن مالك به وأبو داود في الخراج.