فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الصَّدَقَةِ

رقم الحديث 1841 حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِآلِ مُحَمَّدٍ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ.


( ما يكره من الصدقة)

( مالك أنه بلغه) رواه مسلم من طريق جويرية بن أسماء وقاسم بن أصبغ من طريق سعيد بن أبي داود كلاهما عن مالك عن ابن شهاب عن عبد الله بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث حدثه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تحل الصدقة لآل محمد) بني هاشم فقط عند مالك رضي الله عنه وأكثر أصحابه وأبي حنيفة إلا أنه استثنى آل أبي لهب وعند الشافعي رضي الله عنه وبعض المالكية بنو هاشم وبنو المطلب وعند أحمد القولان ( إنما هي أوساخ الناس) وهم منزهون عن ذلك صيانة لمنصبه لأنها تنبئ عن ذل الآخذ وعز المأخوذ منه لحديث اليد العليا خير من اليد السفلى وأبدلوا بالفيء المأخوذ على سبيل القهر والغلبة المنبئ عن عز الآخذ وذل المأخوذ منه وتعقب ابن المنير هذا التعليل بأنها مذلة بأن مقتضاه تحريم الهبة لهم ولا قائل به ولأن الواهب له أيضًا اليد العليا وقد جاء في بعض الطرق اليد العليا هي المعطية وهي المتصدقة فيدخل الهبات انتهى وقال الباجي لأنها تطهر أموالهم وتكفر ذنوبهم والأصح عند المالكية والشافعية أن المحرم عليهم صدقة الفرض دون التطوع لقول جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة فقيل له أتشرب من الصدقة فقال إنما حرم علينا الصدقة المفروضة رواه الشافعي والبيهقي قال الباجي محل حرمة الفرض ما لم يكونوا بموضع يستباح فيه أكل الميتة وفي الحديث قصة لا بأس بذكرها لأنها من مسند مالك خارج الموطأ قال مسلم حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي قال حدثنا جويرية بن أسماء عن مالك عن الزهري أن عبد الله بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب حدثه أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث حدثه قال اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا والله لو بعثنا هذين الغلامين قال لي وللفضل بن عباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلماه وأمرهما على هذه الصدقات فأديا ما يؤدي الناس وأصابا مما يصيب الناس قال فبينا هما على ذلك جاء علي بن أبي طالب فوقف عليهما فذكرا له ذلك قال علي لا تفعلا فوالله ما هو بفاعل فانتحاه ربيعة بن الحارث فقال والله ما تصنع هذه إلا نفاسة منك علينا فوالله لقد نلت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فما نفسناه عليك قال أرسلوهما واضطجع علي قال فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر سبقناه إلى الحجرة فقمنا عندها حتى جاء فأخذ بآذاننا ثم قال أخرجا ما تصررا ثم دخل ودخلنا عليه وهو يومئذ عند زينب بنت جحش قال فتواكلنا الكلام ثم تكلم أحدنا فقال يا رسول الله أنت أبر الناس وأوصل الناس وقد بلغنا النكاح فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات فنؤدي إليك كما تؤدي الناس ونصيب كما يصيبون قال فسكت طويلاً حتى أردنا أن نكلمه وجعلت زينب تلمع إلينا من وراء الحجاب أن لا تكلماه ثم قال إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس ادعو إلى محمية وكان على الخمس ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب فجاء فقال لمحمية أنكح هذا الغلام ابنتك للفضل بن عباس فأنكحه وقال لنوفل بن الحارث أنكح هذا الغلام ابنتك لي فأنكح لي وقال لمحمية أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا قال الزهري ولم يسمه ورواه أيضًا من طريق يونس عن ابن شهاب بنحو حديث مالك وقال في الحديث إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد قال النسائي لا أعلم من ذكر هذا الحديث عن مالك عن جويرية وتعقب بأنه رواه الحافظ قاسم بن أصبغ عن سعيد بن داود بن أبي زنبر بفتح الزاي والموحدة بينهما نون ساكنة صدوق له عن مالك مناكير لكنه هنا متابع لجويرية فلم ينفرد به جويرية كما ادعاه النسائي ( مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه) أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري مرسلاً ورواه أحمد بن منصور البلخي عن مالك عن عبد الله عن أبيه عن أنس ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً من بني عبد الأشهل) بفتح الهمزة وسكون المعجمة بطن من الأوس ( في الصدقة) أي عليها وفي نسخة على الصدقة ( فلما قدم سأله إبلاً من الصدقة) يعطيها له قال الباجي زيادة على أجرة عمله ( فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرف الغضب في وجهه) الوجيه ( وكان مما يعرف به الغضب في وجهه أن تحمر عيناه) لشدة الغضب وكان يكظمه ( ثم قال إن الرجل ليسألني) أن أعطيه ( ما لا يصلح لي ولا له فإن منعته كرهت المنع) لأنه مجبول على الجود وعدم المنع ( وإن أعطيته أعطيته ما لا يصلح لي ولا له) لعدم حله ( فقال الرجل يا رسول الله لا أسألك منها شيئًا أبدًا) وفقه الله لقبول الموعظة الحسنة ببركته صلى الله عليه وسلم ( مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال قال عبد الله بن الأرقم) بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة القرشي الزهري صحابي معروف ولاه عمر بيت المال ومات في خلافة عثمان ( ادللني على بعير من المطايا) جمع مطية الإبل التي تركب ( أستحمل عليه أمير المؤمنين) عمر أي أطلب منه أن يحملني عليه ( فقلت نعم جملاً من الصدقة فقال عبد الله بن الأرقم أتحب أن رجلاً بادنا) بنون أي سمينًا وفي نسخة بالتحتية أي من أهل البادية والغالب عليهم عدم النظافة ( في يوم حار غسل لك ما تحت إزاره ورفغيه) بضم الراء وإسكان الفاء وغين معجمة تثنية رفغ بضم الراء في لغة العالية والحجاز والجمع أرفاغ مثل قفل وأقفال وبفتح الراء في لغة تميم والجمع رفوغ وأرفغ كفلس وفلوس وأفلس قال ابن السكيت هو أصل الفخذ وقال ابن فارس أصل الفخذ وسائر المغابن وكل موضع اجتمع فيه الوسخ فهو رفغ ( ثم أعطاكه فشربته قال) أسلم ( فغضبت وقلت يغفر الله لك أتقول لي مثل هذا) الكلام الفظيع ( فقال عبد الله بن الأرقم إنما الصدقات أوساخ الناس) كما قال صلى الله عليه وسلم ( يغسلونها عنهم) فلا يجوز تناولها لغير من هو من أهلها وقد جاء مرفوعًا إنها داء في البطن وصداع في الرأس وكان مراد ابن الأرقم أن أسلم يدله على بعير من غير إبل الصدقة يطلبه من عمر فلما دله على حمله من الصدقة ضرب له هذا المثال لينبهه على ما غفل عنه انتهى.



رقم الحديث 1842 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ سَأَلَهُ إِبِلًا مِنَ الصَّدَقَةِ.
فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى عُرِفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ، وَكَانَ مِمَّا يُعْرَفُ بِهِ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ، أَنْ تَحْمَرَّ عَيْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَسْأَلُنِي مَا لَا يَصْلُحُ لِي، وَلَا لَهُ، فَإِنْ مَنَعْتُهُ كَرِهْتُ الْمَنْعَ، وَإِنْ أَعْطَيْتُهُ أَعْطَيْتُهُ مَا لَا يَصْلُحُ لِي وَلَا لَهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا أَسْأَلُكَ مِنْهَا شَيْئًا أَبَدًا.


( ما يكره من الصدقة)

( مالك أنه بلغه) رواه مسلم من طريق جويرية بن أسماء وقاسم بن أصبغ من طريق سعيد بن أبي داود كلاهما عن مالك عن ابن شهاب عن عبد الله بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث حدثه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تحل الصدقة لآل محمد) بني هاشم فقط عند مالك رضي الله عنه وأكثر أصحابه وأبي حنيفة إلا أنه استثنى آل أبي لهب وعند الشافعي رضي الله عنه وبعض المالكية بنو هاشم وبنو المطلب وعند أحمد القولان ( إنما هي أوساخ الناس) وهم منزهون عن ذلك صيانة لمنصبه لأنها تنبئ عن ذل الآخذ وعز المأخوذ منه لحديث اليد العليا خير من اليد السفلى وأبدلوا بالفيء المأخوذ على سبيل القهر والغلبة المنبئ عن عز الآخذ وذل المأخوذ منه وتعقب ابن المنير هذا التعليل بأنها مذلة بأن مقتضاه تحريم الهبة لهم ولا قائل به ولأن الواهب له أيضًا اليد العليا وقد جاء في بعض الطرق اليد العليا هي المعطية وهي المتصدقة فيدخل الهبات انتهى وقال الباجي لأنها تطهر أموالهم وتكفر ذنوبهم والأصح عند المالكية والشافعية أن المحرم عليهم صدقة الفرض دون التطوع لقول جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة فقيل له أتشرب من الصدقة فقال إنما حرم علينا الصدقة المفروضة رواه الشافعي والبيهقي قال الباجي محل حرمة الفرض ما لم يكونوا بموضع يستباح فيه أكل الميتة وفي الحديث قصة لا بأس بذكرها لأنها من مسند مالك خارج الموطأ قال مسلم حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي قال حدثنا جويرية بن أسماء عن مالك عن الزهري أن عبد الله بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب حدثه أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث حدثه قال اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا والله لو بعثنا هذين الغلامين قال لي وللفضل بن عباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلماه وأمرهما على هذه الصدقات فأديا ما يؤدي الناس وأصابا مما يصيب الناس قال فبينا هما على ذلك جاء علي بن أبي طالب فوقف عليهما فذكرا له ذلك قال علي لا تفعلا فوالله ما هو بفاعل فانتحاه ربيعة بن الحارث فقال والله ما تصنع هذه إلا نفاسة منك علينا فوالله لقد نلت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فما نفسناه عليك قال أرسلوهما واضطجع علي قال فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر سبقناه إلى الحجرة فقمنا عندها حتى جاء فأخذ بآذاننا ثم قال أخرجا ما تصررا ثم دخل ودخلنا عليه وهو يومئذ عند زينب بنت جحش قال فتواكلنا الكلام ثم تكلم أحدنا فقال يا رسول الله أنت أبر الناس وأوصل الناس وقد بلغنا النكاح فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات فنؤدي إليك كما تؤدي الناس ونصيب كما يصيبون قال فسكت طويلاً حتى أردنا أن نكلمه وجعلت زينب تلمع إلينا من وراء الحجاب أن لا تكلماه ثم قال إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس ادعو إلى محمية وكان على الخمس ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب فجاء فقال لمحمية أنكح هذا الغلام ابنتك للفضل بن عباس فأنكحه وقال لنوفل بن الحارث أنكح هذا الغلام ابنتك لي فأنكح لي وقال لمحمية أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا قال الزهري ولم يسمه ورواه أيضًا من طريق يونس عن ابن شهاب بنحو حديث مالك وقال في الحديث إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد قال النسائي لا أعلم من ذكر هذا الحديث عن مالك عن جويرية وتعقب بأنه رواه الحافظ قاسم بن أصبغ عن سعيد بن داود بن أبي زنبر بفتح الزاي والموحدة بينهما نون ساكنة صدوق له عن مالك مناكير لكنه هنا متابع لجويرية فلم ينفرد به جويرية كما ادعاه النسائي ( مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه) أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري مرسلاً ورواه أحمد بن منصور البلخي عن مالك عن عبد الله عن أبيه عن أنس ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً من بني عبد الأشهل) بفتح الهمزة وسكون المعجمة بطن من الأوس ( في الصدقة) أي عليها وفي نسخة على الصدقة ( فلما قدم سأله إبلاً من الصدقة) يعطيها له قال الباجي زيادة على أجرة عمله ( فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرف الغضب في وجهه) الوجيه ( وكان مما يعرف به الغضب في وجهه أن تحمر عيناه) لشدة الغضب وكان يكظمه ( ثم قال إن الرجل ليسألني) أن أعطيه ( ما لا يصلح لي ولا له فإن منعته كرهت المنع) لأنه مجبول على الجود وعدم المنع ( وإن أعطيته أعطيته ما لا يصلح لي ولا له) لعدم حله ( فقال الرجل يا رسول الله لا أسألك منها شيئًا أبدًا) وفقه الله لقبول الموعظة الحسنة ببركته صلى الله عليه وسلم ( مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال قال عبد الله بن الأرقم) بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة القرشي الزهري صحابي معروف ولاه عمر بيت المال ومات في خلافة عثمان ( ادللني على بعير من المطايا) جمع مطية الإبل التي تركب ( أستحمل عليه أمير المؤمنين) عمر أي أطلب منه أن يحملني عليه ( فقلت نعم جملاً من الصدقة فقال عبد الله بن الأرقم أتحب أن رجلاً بادنا) بنون أي سمينًا وفي نسخة بالتحتية أي من أهل البادية والغالب عليهم عدم النظافة ( في يوم حار غسل لك ما تحت إزاره ورفغيه) بضم الراء وإسكان الفاء وغين معجمة تثنية رفغ بضم الراء في لغة العالية والحجاز والجمع أرفاغ مثل قفل وأقفال وبفتح الراء في لغة تميم والجمع رفوغ وأرفغ كفلس وفلوس وأفلس قال ابن السكيت هو أصل الفخذ وقال ابن فارس أصل الفخذ وسائر المغابن وكل موضع اجتمع فيه الوسخ فهو رفغ ( ثم أعطاكه فشربته قال) أسلم ( فغضبت وقلت يغفر الله لك أتقول لي مثل هذا) الكلام الفظيع ( فقال عبد الله بن الأرقم إنما الصدقات أوساخ الناس) كما قال صلى الله عليه وسلم ( يغسلونها عنهم) فلا يجوز تناولها لغير من هو من أهلها وقد جاء مرفوعًا إنها داء في البطن وصداع في الرأس وكان مراد ابن الأرقم أن أسلم يدله على بعير من غير إبل الصدقة يطلبه من عمر فلما دله على حمله من الصدقة ضرب له هذا المثال لينبهه على ما غفل عنه انتهى.



رقم الحديث 1843 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَرْقَمِ: ادْلُلْنِي عَلَى بَعِيرٍ مِنَ الْمَطَايَا أَسْتَحْمِلُ عَلَيْهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقُلْتُ: نَعَمْ جَمَلًا مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَرْقَمِ: أَتُحِبُّ أَنَّ رَجُلًا بَادِنًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ غَسَلَ لَكَ مَا تَحْتَ إِزَارِهِ وَرُفْغَيْهِ، ثُمَّ أَعْطَاكَهُ فَشَرِبْتَهُ قَالَ: فَغَضِبْتُ، وَقُلْتُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ، أَتَقُولُ لِي مِثْلَ هَذَا؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَرْقَمِ: إِنَّمَا الصَّدَقَةُ أَوْسَاخُ النَّاسِ يَغْسِلُونَهَا عَنْهُمْ.


( ما يكره من الصدقة)

( مالك أنه بلغه) رواه مسلم من طريق جويرية بن أسماء وقاسم بن أصبغ من طريق سعيد بن أبي داود كلاهما عن مالك عن ابن شهاب عن عبد الله بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث حدثه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تحل الصدقة لآل محمد) بني هاشم فقط عند مالك رضي الله عنه وأكثر أصحابه وأبي حنيفة إلا أنه استثنى آل أبي لهب وعند الشافعي رضي الله عنه وبعض المالكية بنو هاشم وبنو المطلب وعند أحمد القولان ( إنما هي أوساخ الناس) وهم منزهون عن ذلك صيانة لمنصبه لأنها تنبئ عن ذل الآخذ وعز المأخوذ منه لحديث اليد العليا خير من اليد السفلى وأبدلوا بالفيء المأخوذ على سبيل القهر والغلبة المنبئ عن عز الآخذ وذل المأخوذ منه وتعقب ابن المنير هذا التعليل بأنها مذلة بأن مقتضاه تحريم الهبة لهم ولا قائل به ولأن الواهب له أيضًا اليد العليا وقد جاء في بعض الطرق اليد العليا هي المعطية وهي المتصدقة فيدخل الهبات انتهى وقال الباجي لأنها تطهر أموالهم وتكفر ذنوبهم والأصح عند المالكية والشافعية أن المحرم عليهم صدقة الفرض دون التطوع لقول جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة فقيل له أتشرب من الصدقة فقال إنما حرم علينا الصدقة المفروضة رواه الشافعي والبيهقي قال الباجي محل حرمة الفرض ما لم يكونوا بموضع يستباح فيه أكل الميتة وفي الحديث قصة لا بأس بذكرها لأنها من مسند مالك خارج الموطأ قال مسلم حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي قال حدثنا جويرية بن أسماء عن مالك عن الزهري أن عبد الله بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب حدثه أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث حدثه قال اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا والله لو بعثنا هذين الغلامين قال لي وللفضل بن عباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلماه وأمرهما على هذه الصدقات فأديا ما يؤدي الناس وأصابا مما يصيب الناس قال فبينا هما على ذلك جاء علي بن أبي طالب فوقف عليهما فذكرا له ذلك قال علي لا تفعلا فوالله ما هو بفاعل فانتحاه ربيعة بن الحارث فقال والله ما تصنع هذه إلا نفاسة منك علينا فوالله لقد نلت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فما نفسناه عليك قال أرسلوهما واضطجع علي قال فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر سبقناه إلى الحجرة فقمنا عندها حتى جاء فأخذ بآذاننا ثم قال أخرجا ما تصررا ثم دخل ودخلنا عليه وهو يومئذ عند زينب بنت جحش قال فتواكلنا الكلام ثم تكلم أحدنا فقال يا رسول الله أنت أبر الناس وأوصل الناس وقد بلغنا النكاح فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات فنؤدي إليك كما تؤدي الناس ونصيب كما يصيبون قال فسكت طويلاً حتى أردنا أن نكلمه وجعلت زينب تلمع إلينا من وراء الحجاب أن لا تكلماه ثم قال إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس ادعو إلى محمية وكان على الخمس ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب فجاء فقال لمحمية أنكح هذا الغلام ابنتك للفضل بن عباس فأنكحه وقال لنوفل بن الحارث أنكح هذا الغلام ابنتك لي فأنكح لي وقال لمحمية أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا قال الزهري ولم يسمه ورواه أيضًا من طريق يونس عن ابن شهاب بنحو حديث مالك وقال في الحديث إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد قال النسائي لا أعلم من ذكر هذا الحديث عن مالك عن جويرية وتعقب بأنه رواه الحافظ قاسم بن أصبغ عن سعيد بن داود بن أبي زنبر بفتح الزاي والموحدة بينهما نون ساكنة صدوق له عن مالك مناكير لكنه هنا متابع لجويرية فلم ينفرد به جويرية كما ادعاه النسائي ( مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه) أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري مرسلاً ورواه أحمد بن منصور البلخي عن مالك عن عبد الله عن أبيه عن أنس ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً من بني عبد الأشهل) بفتح الهمزة وسكون المعجمة بطن من الأوس ( في الصدقة) أي عليها وفي نسخة على الصدقة ( فلما قدم سأله إبلاً من الصدقة) يعطيها له قال الباجي زيادة على أجرة عمله ( فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرف الغضب في وجهه) الوجيه ( وكان مما يعرف به الغضب في وجهه أن تحمر عيناه) لشدة الغضب وكان يكظمه ( ثم قال إن الرجل ليسألني) أن أعطيه ( ما لا يصلح لي ولا له فإن منعته كرهت المنع) لأنه مجبول على الجود وعدم المنع ( وإن أعطيته أعطيته ما لا يصلح لي ولا له) لعدم حله ( فقال الرجل يا رسول الله لا أسألك منها شيئًا أبدًا) وفقه الله لقبول الموعظة الحسنة ببركته صلى الله عليه وسلم ( مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال قال عبد الله بن الأرقم) بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة القرشي الزهري صحابي معروف ولاه عمر بيت المال ومات في خلافة عثمان ( ادللني على بعير من المطايا) جمع مطية الإبل التي تركب ( أستحمل عليه أمير المؤمنين) عمر أي أطلب منه أن يحملني عليه ( فقلت نعم جملاً من الصدقة فقال عبد الله بن الأرقم أتحب أن رجلاً بادنا) بنون أي سمينًا وفي نسخة بالتحتية أي من أهل البادية والغالب عليهم عدم النظافة ( في يوم حار غسل لك ما تحت إزاره ورفغيه) بضم الراء وإسكان الفاء وغين معجمة تثنية رفغ بضم الراء في لغة العالية والحجاز والجمع أرفاغ مثل قفل وأقفال وبفتح الراء في لغة تميم والجمع رفوغ وأرفغ كفلس وفلوس وأفلس قال ابن السكيت هو أصل الفخذ وقال ابن فارس أصل الفخذ وسائر المغابن وكل موضع اجتمع فيه الوسخ فهو رفغ ( ثم أعطاكه فشربته قال) أسلم ( فغضبت وقلت يغفر الله لك أتقول لي مثل هذا) الكلام الفظيع ( فقال عبد الله بن الأرقم إنما الصدقات أوساخ الناس) كما قال صلى الله عليه وسلم ( يغسلونها عنهم) فلا يجوز تناولها لغير من هو من أهلها وقد جاء مرفوعًا إنها داء في البطن وصداع في الرأس وكان مراد ابن الأرقم أن أسلم يدله على بعير من غير إبل الصدقة يطلبه من عمر فلما دله على حمله من الصدقة ضرب له هذا المثال لينبهه على ما غفل عنه انتهى.