فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ

رقم الحديث 297 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ شُهُودُ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ، لَا يَسْتَطِيعُونَهُمَا أَوْ نَحْوَ هَذَا.


مَا جَاءَ فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ

( مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ) بن عمرو بن سنة بفتح المهملة وتثقيل النون ( الْأَسْلَمِيِّ) المدني صدوق ربما أخطأ.
وفي التمهيد صالح الحديث ليس به بأس، روى عنه مالك وابن عيينة وغيرهما من الأئمة ولم يكن بالحافظ، وكان يحيى القطان يغمزه، ثم روى بسنده عنه قال: كنت سيئ الحفظ فرخص لي سعيد بن المسيب في الكتابة، ولحرملة والده صحبة ورواية، ومات عبد الرحمن في خلافة السفاح، وقيل سنة خمس وأربعين ومائة، ولمالك عنه في الموطأ خمس أحاديث واحتج به مسلم وأصحاب السنن.

( عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ) آية وعلامة ( شُهُودُ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ) قال ابن عبد البر: كذا ليحيى، وقال جمهور رواة الموطأ: صلاة العتمة والصبح على طبق الترجمة وفيه جواز تسمية العشاء عتمة، ويعارضه حديث: لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم هذه إنما هي العشاء وإنما يسمونها العتمة لأنهم يعتمون بالإبل، ويشهد لهذا الحديث أحاديث فيها تسمية العشاء بالعتمة فجائز أن تسمى بالاسمين جميعًا ولا خلاف بين الفقهاء اليوم في ذلك قال وقوله: ( لَا يَسْتَطِيعُونَهُمَا أَوْ نَحْوَ هَذَا) شك من المحدّث انتهى.

وقال الباجي: شك من الراوي أو توق في العبارة.
وقال الرافعي: يعني إنهم لا يشهدونهما امتثالاً للأمر ولا احتسابًا للأجر ويثقل عليهم الحضور في وقتهما فيتخلفون، وقال في التمهيد: هذا الحديث مرسل في الموطأ لا يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندًا ومعناه محفوظ من وجوه ثابتة.
وفي الاستذكار هو مرسل في الموطأ وهو مسند من طريق وفي معناه قوله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح والعشاء: ما يشهدهما منافق.
وقال ابن عمر: كنا إذا فقدنا الرجل في هاتين الصلاتين أسأنا به الظن العشاء والصبح.
وقال شدّاد بن أوس: من أحب أن يجعله الله من الذين يدفع الله بهم العذاب عن أهل الأرض فليحافظ على صلاة العشاء وصلاة الصبح في جماعة، ومعناه عندي أن من شهدهما في جماعة أحرى أن يواظب على غيرهما، وفي ذلك تأكيد على شهود الجماعة وأن من علامات أهل الفسق والنفاق المواظبة على التخلف عنها بلا عذر.

( مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ) بضم السين المهملة وفتح الميم ( مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن الحارث بن هشام بن المغيرة القرشي المدني ( عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذكوان السمان ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَمَا) بالميم وأصله بين فأشبعت فتحة النون فصارت ألفًا وزيدت الميم ظرف زمان مضاف إلى جملة من فعل وفاعل ومبتدأ وخبر وهو هنا ( رَجُلٌ) النكرة المخصصة بالصفة وهي ( يَمْشِي بِطَرِيقٍ) أي فيها ( إِذْ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَّرَهُ) نحاه عن الطريق ( فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ) قال الحافظ: أي رضي فعله وقبل منه ( فَغَفَرَ لَهُ) .

وقال الباجي: يحتمل أن يريد جازاه على ذلك بالمغفرة أو أثنى عليه ثناء اقتضى المغفرة له أو أمر المؤمنين بشكره والثناء عليه بجميل فعله قال: ومعنى تعلق نزع الشوك من الطريق بالترجمة أنه غفر له مع نزارة هذا الفعل، فكيف بإتيان العشاء والصبح؟ وتعسفه لا يخفى وعلى تقدير تمشيته في هذا فكيف يصنع بالحديث بعده؟ وتبعه ابن المنير في هذا التوجيه واعترف بعدم مناسبة الثاني فإنما أدى الإمام هذه الأحاديث على الوجه الذي سمعه وليس غرضه منه إلا الحديث الأخير وهو: لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا قال ابن العربي: ترى الجهال يعبثون في تأويلها ولا تعلق للأوّل والثاني منها بالباب أصلاً.

وقال ابن عبد البر: وفي الحديث أن ذلك من أعمال البر وأنها توجب الغفران فلا ينبغي للمؤمن العاقل أن يحتقر شيئًا من أعمال البر فربما غفر له بأقلها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان وقال تعالى: { { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } } وقال الشاعر:

ومتى تفعل الكثير من الخير
إذا كنت تاركًا لأقله

( وَقَالَ:) صلى الله عليه وسلم بالإسناد المذكور ( الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ) بيّنها بقوله ( الْمَطْعُونُ) الميت بالطاعون وهو غدّة كغدة البعير يخرج في الآباط والمراق ( وَالْمَبْطُونُ) الميت بمرض البطن أو الاستسقاء أو الإسهال ( وَالْغَرِقُ) بفتح المعجمة وكسر الراء وقاف الميت بالغرق ( وَصَاحِبُ الْهَدْمِ) بفتح فسكون الميت تحته ( وَالشَّهِيدُ) الذي قتل ( فِي سَبِيلِ اللَّهِ) فكأنه قال المقتول فعبر عنه بالشهيد، ويؤيده قوله في رواية جابر بن عتيك عند المصنف فيما يأتي الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله فلا يلزم منه حمل الشيء على نفسه فكأنه قيل الشهيد هو الشهيد لأن قوله خمسة خبر للمبتدأ والمعدود بعده بيان له، وأجيب أيضًا: بأنه من باب قوله:

أنا ابن المنجم وشعري شعري

وبأن الشهيد مكرّر في كل واحد منها فيكون من التفصيل بعد الإجمال وتقديره الشهيد المطعون والشهيد كذا إلخ ثم الذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم أعلم بالأقل ثم أعلم بزيادة على ذلك فذكرها في وقت آخر ولم يقصد الحصر في شيء من ذلك، فلا تنافي بين سبعة وخمسة ولا بين ما ورد من نحو عشرين خصلة شهادة بطرق جيدة وتبلغ بطرق فيها ضعف أزيد من ثلاثين، وسيكون لنا إن شاء الله تعالى عودة لذكرها في الجنائز.

( وَقَالَ) أيضًا صلى الله عليه وسلم: ( لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ) أي الأذان وهي رواية بشر بن عمر عن مالك عند السراج ( وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ) من الخير والبركة كما لأبي الشيخ من رواية الأعرج عن أبي هريرة ( ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا) شيئًا من وجوه الأولوية بأن يقع التساوي ( إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا) أي يقترعوا ( عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا) أي اقترعوا.
وفي رواية عبد الرزاق عن مالك لاستهموا عليهما فضمير عليه في هذه الرواية عائد على ما ذكر من الأذان والصف ( وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ) البدار إلى الصلاة أوّل وقتها وقبله وانتظارها ( لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ) استباقًا معنويًا لا حسيًا لاقتضائه سرعة المشي وهو ممنوع ( وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ) أي العشاء ( وَالصُّبْحِ) أي ثواب صلاتهما في جماعة ( لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا) على المرافق والركب كما في حديث أبي الدرداء عند ابن أبي شيبة.

قال ابن عبد البر: هذه ثلاثة أحاديث في واحد أحدها نزع الغصن، والثاني الشهداء والثالث لو يعلم الناس إلى آخر الحديث هكذا يرويها جماعة رواة الموطأ لا يختلفون في ذلك عن مالك، وكذلك هي محفوظة عن أبي هريرة، وكذا رواه ابن وضاح عن يحيى، وسقط الثالث من رواية ابنه عبيد الله عنه هنا وهو ثابت عنده في باب النداء انتهى.

والصواب إثبات الثالث هنا حتى يكون في الأحاديث واحد مطابق للترجمة فساقها الإمام كما سمعها وإن كان غرضه منها واحدًا وهو الأخير واللذان قبله ليسا بمقصودين، وكأنّ ابن يحيى لما رأى الثالث تقدّم ظنّ أن ذكره تكرار محض فأسقطه وما درى عدم مطابقة ما ذكره للترجمة، ولا شك في تقديم رواية ابن وضاح لأنه حافظ ووافقه جميع رواة مالك عليه فإن لم يكن بالحافظ.

وقد أخرجه البخاري عن قتيبة بن سعيد عن مالك به بتمامه.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ) بفتح المهملة وإسكان المثلثة ثقة عارف بالنسب لا يعرف اسمه كما مر ( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَدَ) أباه ( سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ) بن غانم بن عامر بن عبد الله بن عويج بن عديّ بن كعب بن لؤي القرشي العدوي.
قال ابن حبان: له صحبة، وقال ابن منده: ذكر في الصحابة ولا يصح، وقال ابن عمر: رحل مع أمّه إلى المدينة وكان من فضلاء المسلمين وصالحيهم واستعمله عمر على السوق وجمع الناس عليه في قيام رمضان، وذكره ابن سعد فيمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحفظ عنه وذكر أباه في مسلمة الفتح ( فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَدَا إِلَى السُّوقِ وَمَسْكَنُ سُلَيْمَانَ بَيْنَ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ) ولذلك استعمله عليه لقربه ( فَمَرَّ) عمر ( عَلَى الشِّفَاءِ) بكسر الشين المعجمة وبالفاء الخفيفة كما ضبطه ابن نقطة.
قال ابن الأثير: والمد، وقال غيره: والقصر بنت عبد الله بن عبد شمس بن خلف القرشية العدوية ( أُمِّ سُلَيْمَانَ) المذكورة قيل اسمها ليلى، والشفاء لقب أسلمت قبل الهجرة وبايعت وهي من المهاجرات الأول وكانت من عقلاء النساء وفضلائهن، وكان صلى الله عليه وسلم يزورها في بيتها ويقيل عندها واتخذت له فراشًا وإزارًا ينام فيه فلم يزل ذلك عند ولدها حتى أخذه منهم مروان بن الحكم، وقال لها صلى الله عليه وسلم: علمي حفصة رقية النملة وأعطاها دارًا عند الحكاكين بالمدينة فنزلتها مع ابنها سليمان، وكان عمر يقدّمها في الرأي ويرعاها ويفضلها وربما ولاّها شيئًا من أمر السوق.
روى عنها ابنها سليمان وابناه أبو بكر وعثمان وحفصة أمّ المؤمنين وغيرهم.

( فَقَالَ لَهَا: لَمْ أَرَ سُلَيْمَانَ فِي الصُّبْحِ) فيه تفقد الإمام رعيته في شهود الخير ولا سيما قرابته ( فَقَالَتْ: إِنَّهُ بَاتَ يُصَلِّي فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَقَالَ عُمَرُ لَأَنْ أَشْهَدَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُومَ لَيْلَةً) لما في ذلك من الفضل الكبير.

وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سليمان بن أبي حثمة عن أمه الشفاء قالت: دخل عليّ عمر وعندي رجلان نائمان - تعني زوجها أبا حثمة وابنها سليمان - فقال: أما صليا الصبح؟ قلت: لم يزالا يصليان حتى أصبحا فصليا الصبح وناما.
فقال: لأن أشهد الصبح في جماعة أحب إلي من قيام ليلة.
قال أبو عمر: خالف معمر مالكًا في إسناده والقول قول مالك اهـ.
أي: لأنه قال عن الزهري عن أبي بكر بن سليمان أن عمر ومعمرًا قال عن الزهري عن سليمان عن أمّه فهي مخالفة ظاهرة، وسياق متنه فيه خلف أيضًا إلا أن يقال إن كان محفوظًا احتمل أن هذه مرة أخرى مع أبيه فهما قصتان فلا خلف.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاري ( عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) بن الحارث التيمي ( عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ) واسمه بشير وقيل بشر وقيل ثعلبة ( الْأَنْصَارِيِّ) الخزرجي، ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبوه صحابي شهير، وأمّه هند بنت المقوّم بن عبد المطلب صحابية بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره مطين وابن السكن في الصحابة.
وقال أبو حاتم: لا صحبة له.
قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث.

( أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَرَأَى أَهْلَ الْمَسْجِدِ قَلِيلًا فَاضْطَجَعَ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ النَّاسَ أَنْ يَكْثُرُوا) قال الباجي: لأن من أدب الأئمة ورفقهم بالناس انتظارهم بالصلاة إذا تأخروا وتعجيلها إذا اجتمعوا وقد فعله صلى الله عليه وسلم في صلاة العشاء ( فَأَتَاهُ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ) فيه التفات ( فَجَلَسَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ مَنْ هُوَ؟) والأصل فأتيته فجلست وهكذا ( فَأَخْبَرَهُ.
فَقَالَ: مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟ فَأَخْبَرَهُ)
بما معه ( فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: مَنْ شَهِدَ) أي صلى ( الْعِشَاءَ) في جماعة ( فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ لَيْلَةٍ وَمَنْ شَهِدَ الصُّبْحَ) أي صلاها في جماعة ( فَكَأَنَّمَا قَامَ لَيْلَةً) .

قال القرطبي: معناه أنه قام نصف ليلة أو ليلة لم يصل فيها العشاء والصبح في جماعة، إذ لو صلى ذلك في جماعة لحصل له فضلها وفضل القيام.

وقال البيضاوي: نزل صلاة كل من طرفي الليل منزلة نوافل نصفه ولا يلزم منه أن يبلغ ثوابه من قام الليل كله، لأن هذا تشبيه مطلق مقدار الثواب ولا يلزم من تشبيه الشيء بالشيء أخذه بجميع أحكامه، ولو كان قدر الثواب سواء لم يكن لمصلي العشاء والصبح جماعة منفعة في قيام الليل غير التعب.

وهذا الحديث وإن كان موقوفًا فله حكم الرفع لأنه لا يقال بالرأي وقد صح مرفوعًا أخرج مسلم وأبو داود والترمذي من طريق سفيان الثوري عن عثمان بن حكيم عن عبد الرحمن بن أبي عمرة قال: دخل عثمان المسجد فقعد وحده فقعدت إليه فقال: يا ابن أخي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة ومن صلى الصبح في جماعة كان كقيام ليلة.

وأخرج أحمد ومسلم من طريق عبد الواحد بن زياد عن عثمان بن حكيم عن عبد الرحمن بن أبي عمرة قال: دخل عثمان بن عفان المسجد بعد صلاة المغرب فقعد وحده فقعدت إليه فقال: يا ابن أخي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله.



رقم الحديث 298 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ، مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، إِذْ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ.
.

     وَقَالَ : الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،.

     وَقَالَ : لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا.


مَا جَاءَ فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ

( مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ) بن عمرو بن سنة بفتح المهملة وتثقيل النون ( الْأَسْلَمِيِّ) المدني صدوق ربما أخطأ.
وفي التمهيد صالح الحديث ليس به بأس، روى عنه مالك وابن عيينة وغيرهما من الأئمة ولم يكن بالحافظ، وكان يحيى القطان يغمزه، ثم روى بسنده عنه قال: كنت سيئ الحفظ فرخص لي سعيد بن المسيب في الكتابة، ولحرملة والده صحبة ورواية، ومات عبد الرحمن في خلافة السفاح، وقيل سنة خمس وأربعين ومائة، ولمالك عنه في الموطأ خمس أحاديث واحتج به مسلم وأصحاب السنن.

( عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ) آية وعلامة ( شُهُودُ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ) قال ابن عبد البر: كذا ليحيى، وقال جمهور رواة الموطأ: صلاة العتمة والصبح على طبق الترجمة وفيه جواز تسمية العشاء عتمة، ويعارضه حديث: لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم هذه إنما هي العشاء وإنما يسمونها العتمة لأنهم يعتمون بالإبل، ويشهد لهذا الحديث أحاديث فيها تسمية العشاء بالعتمة فجائز أن تسمى بالاسمين جميعًا ولا خلاف بين الفقهاء اليوم في ذلك قال وقوله: ( لَا يَسْتَطِيعُونَهُمَا أَوْ نَحْوَ هَذَا) شك من المحدّث انتهى.

وقال الباجي: شك من الراوي أو توق في العبارة.
وقال الرافعي: يعني إنهم لا يشهدونهما امتثالاً للأمر ولا احتسابًا للأجر ويثقل عليهم الحضور في وقتهما فيتخلفون، وقال في التمهيد: هذا الحديث مرسل في الموطأ لا يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندًا ومعناه محفوظ من وجوه ثابتة.
وفي الاستذكار هو مرسل في الموطأ وهو مسند من طريق وفي معناه قوله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح والعشاء: ما يشهدهما منافق.
وقال ابن عمر: كنا إذا فقدنا الرجل في هاتين الصلاتين أسأنا به الظن العشاء والصبح.
وقال شدّاد بن أوس: من أحب أن يجعله الله من الذين يدفع الله بهم العذاب عن أهل الأرض فليحافظ على صلاة العشاء وصلاة الصبح في جماعة، ومعناه عندي أن من شهدهما في جماعة أحرى أن يواظب على غيرهما، وفي ذلك تأكيد على شهود الجماعة وأن من علامات أهل الفسق والنفاق المواظبة على التخلف عنها بلا عذر.

( مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ) بضم السين المهملة وفتح الميم ( مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن الحارث بن هشام بن المغيرة القرشي المدني ( عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذكوان السمان ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَمَا) بالميم وأصله بين فأشبعت فتحة النون فصارت ألفًا وزيدت الميم ظرف زمان مضاف إلى جملة من فعل وفاعل ومبتدأ وخبر وهو هنا ( رَجُلٌ) النكرة المخصصة بالصفة وهي ( يَمْشِي بِطَرِيقٍ) أي فيها ( إِذْ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَّرَهُ) نحاه عن الطريق ( فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ) قال الحافظ: أي رضي فعله وقبل منه ( فَغَفَرَ لَهُ) .

وقال الباجي: يحتمل أن يريد جازاه على ذلك بالمغفرة أو أثنى عليه ثناء اقتضى المغفرة له أو أمر المؤمنين بشكره والثناء عليه بجميل فعله قال: ومعنى تعلق نزع الشوك من الطريق بالترجمة أنه غفر له مع نزارة هذا الفعل، فكيف بإتيان العشاء والصبح؟ وتعسفه لا يخفى وعلى تقدير تمشيته في هذا فكيف يصنع بالحديث بعده؟ وتبعه ابن المنير في هذا التوجيه واعترف بعدم مناسبة الثاني فإنما أدى الإمام هذه الأحاديث على الوجه الذي سمعه وليس غرضه منه إلا الحديث الأخير وهو: لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا قال ابن العربي: ترى الجهال يعبثون في تأويلها ولا تعلق للأوّل والثاني منها بالباب أصلاً.

وقال ابن عبد البر: وفي الحديث أن ذلك من أعمال البر وأنها توجب الغفران فلا ينبغي للمؤمن العاقل أن يحتقر شيئًا من أعمال البر فربما غفر له بأقلها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان وقال تعالى: { { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } } وقال الشاعر:

ومتى تفعل الكثير من الخير
إذا كنت تاركًا لأقله

( وَقَالَ:) صلى الله عليه وسلم بالإسناد المذكور ( الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ) بيّنها بقوله ( الْمَطْعُونُ) الميت بالطاعون وهو غدّة كغدة البعير يخرج في الآباط والمراق ( وَالْمَبْطُونُ) الميت بمرض البطن أو الاستسقاء أو الإسهال ( وَالْغَرِقُ) بفتح المعجمة وكسر الراء وقاف الميت بالغرق ( وَصَاحِبُ الْهَدْمِ) بفتح فسكون الميت تحته ( وَالشَّهِيدُ) الذي قتل ( فِي سَبِيلِ اللَّهِ) فكأنه قال المقتول فعبر عنه بالشهيد، ويؤيده قوله في رواية جابر بن عتيك عند المصنف فيما يأتي الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله فلا يلزم منه حمل الشيء على نفسه فكأنه قيل الشهيد هو الشهيد لأن قوله خمسة خبر للمبتدأ والمعدود بعده بيان له، وأجيب أيضًا: بأنه من باب قوله:

أنا ابن المنجم وشعري شعري

وبأن الشهيد مكرّر في كل واحد منها فيكون من التفصيل بعد الإجمال وتقديره الشهيد المطعون والشهيد كذا إلخ ثم الذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم أعلم بالأقل ثم أعلم بزيادة على ذلك فذكرها في وقت آخر ولم يقصد الحصر في شيء من ذلك، فلا تنافي بين سبعة وخمسة ولا بين ما ورد من نحو عشرين خصلة شهادة بطرق جيدة وتبلغ بطرق فيها ضعف أزيد من ثلاثين، وسيكون لنا إن شاء الله تعالى عودة لذكرها في الجنائز.

( وَقَالَ) أيضًا صلى الله عليه وسلم: ( لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ) أي الأذان وهي رواية بشر بن عمر عن مالك عند السراج ( وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ) من الخير والبركة كما لأبي الشيخ من رواية الأعرج عن أبي هريرة ( ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا) شيئًا من وجوه الأولوية بأن يقع التساوي ( إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا) أي يقترعوا ( عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا) أي اقترعوا.
وفي رواية عبد الرزاق عن مالك لاستهموا عليهما فضمير عليه في هذه الرواية عائد على ما ذكر من الأذان والصف ( وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ) البدار إلى الصلاة أوّل وقتها وقبله وانتظارها ( لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ) استباقًا معنويًا لا حسيًا لاقتضائه سرعة المشي وهو ممنوع ( وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ) أي العشاء ( وَالصُّبْحِ) أي ثواب صلاتهما في جماعة ( لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا) على المرافق والركب كما في حديث أبي الدرداء عند ابن أبي شيبة.

قال ابن عبد البر: هذه ثلاثة أحاديث في واحد أحدها نزع الغصن، والثاني الشهداء والثالث لو يعلم الناس إلى آخر الحديث هكذا يرويها جماعة رواة الموطأ لا يختلفون في ذلك عن مالك، وكذلك هي محفوظة عن أبي هريرة، وكذا رواه ابن وضاح عن يحيى، وسقط الثالث من رواية ابنه عبيد الله عنه هنا وهو ثابت عنده في باب النداء انتهى.

والصواب إثبات الثالث هنا حتى يكون في الأحاديث واحد مطابق للترجمة فساقها الإمام كما سمعها وإن كان غرضه منها واحدًا وهو الأخير واللذان قبله ليسا بمقصودين، وكأنّ ابن يحيى لما رأى الثالث تقدّم ظنّ أن ذكره تكرار محض فأسقطه وما درى عدم مطابقة ما ذكره للترجمة، ولا شك في تقديم رواية ابن وضاح لأنه حافظ ووافقه جميع رواة مالك عليه فإن لم يكن بالحافظ.

وقد أخرجه البخاري عن قتيبة بن سعيد عن مالك به بتمامه.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ) بفتح المهملة وإسكان المثلثة ثقة عارف بالنسب لا يعرف اسمه كما مر ( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَدَ) أباه ( سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ) بن غانم بن عامر بن عبد الله بن عويج بن عديّ بن كعب بن لؤي القرشي العدوي.
قال ابن حبان: له صحبة، وقال ابن منده: ذكر في الصحابة ولا يصح، وقال ابن عمر: رحل مع أمّه إلى المدينة وكان من فضلاء المسلمين وصالحيهم واستعمله عمر على السوق وجمع الناس عليه في قيام رمضان، وذكره ابن سعد فيمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحفظ عنه وذكر أباه في مسلمة الفتح ( فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَدَا إِلَى السُّوقِ وَمَسْكَنُ سُلَيْمَانَ بَيْنَ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ) ولذلك استعمله عليه لقربه ( فَمَرَّ) عمر ( عَلَى الشِّفَاءِ) بكسر الشين المعجمة وبالفاء الخفيفة كما ضبطه ابن نقطة.
قال ابن الأثير: والمد، وقال غيره: والقصر بنت عبد الله بن عبد شمس بن خلف القرشية العدوية ( أُمِّ سُلَيْمَانَ) المذكورة قيل اسمها ليلى، والشفاء لقب أسلمت قبل الهجرة وبايعت وهي من المهاجرات الأول وكانت من عقلاء النساء وفضلائهن، وكان صلى الله عليه وسلم يزورها في بيتها ويقيل عندها واتخذت له فراشًا وإزارًا ينام فيه فلم يزل ذلك عند ولدها حتى أخذه منهم مروان بن الحكم، وقال لها صلى الله عليه وسلم: علمي حفصة رقية النملة وأعطاها دارًا عند الحكاكين بالمدينة فنزلتها مع ابنها سليمان، وكان عمر يقدّمها في الرأي ويرعاها ويفضلها وربما ولاّها شيئًا من أمر السوق.
روى عنها ابنها سليمان وابناه أبو بكر وعثمان وحفصة أمّ المؤمنين وغيرهم.

( فَقَالَ لَهَا: لَمْ أَرَ سُلَيْمَانَ فِي الصُّبْحِ) فيه تفقد الإمام رعيته في شهود الخير ولا سيما قرابته ( فَقَالَتْ: إِنَّهُ بَاتَ يُصَلِّي فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَقَالَ عُمَرُ لَأَنْ أَشْهَدَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُومَ لَيْلَةً) لما في ذلك من الفضل الكبير.

وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سليمان بن أبي حثمة عن أمه الشفاء قالت: دخل عليّ عمر وعندي رجلان نائمان - تعني زوجها أبا حثمة وابنها سليمان - فقال: أما صليا الصبح؟ قلت: لم يزالا يصليان حتى أصبحا فصليا الصبح وناما.
فقال: لأن أشهد الصبح في جماعة أحب إلي من قيام ليلة.
قال أبو عمر: خالف معمر مالكًا في إسناده والقول قول مالك اهـ.
أي: لأنه قال عن الزهري عن أبي بكر بن سليمان أن عمر ومعمرًا قال عن الزهري عن سليمان عن أمّه فهي مخالفة ظاهرة، وسياق متنه فيه خلف أيضًا إلا أن يقال إن كان محفوظًا احتمل أن هذه مرة أخرى مع أبيه فهما قصتان فلا خلف.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاري ( عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) بن الحارث التيمي ( عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ) واسمه بشير وقيل بشر وقيل ثعلبة ( الْأَنْصَارِيِّ) الخزرجي، ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبوه صحابي شهير، وأمّه هند بنت المقوّم بن عبد المطلب صحابية بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره مطين وابن السكن في الصحابة.
وقال أبو حاتم: لا صحبة له.
قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث.

( أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَرَأَى أَهْلَ الْمَسْجِدِ قَلِيلًا فَاضْطَجَعَ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ النَّاسَ أَنْ يَكْثُرُوا) قال الباجي: لأن من أدب الأئمة ورفقهم بالناس انتظارهم بالصلاة إذا تأخروا وتعجيلها إذا اجتمعوا وقد فعله صلى الله عليه وسلم في صلاة العشاء ( فَأَتَاهُ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ) فيه التفات ( فَجَلَسَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ مَنْ هُوَ؟) والأصل فأتيته فجلست وهكذا ( فَأَخْبَرَهُ.
فَقَالَ: مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟ فَأَخْبَرَهُ)
بما معه ( فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: مَنْ شَهِدَ) أي صلى ( الْعِشَاءَ) في جماعة ( فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ لَيْلَةٍ وَمَنْ شَهِدَ الصُّبْحَ) أي صلاها في جماعة ( فَكَأَنَّمَا قَامَ لَيْلَةً) .

قال القرطبي: معناه أنه قام نصف ليلة أو ليلة لم يصل فيها العشاء والصبح في جماعة، إذ لو صلى ذلك في جماعة لحصل له فضلها وفضل القيام.

وقال البيضاوي: نزل صلاة كل من طرفي الليل منزلة نوافل نصفه ولا يلزم منه أن يبلغ ثوابه من قام الليل كله، لأن هذا تشبيه مطلق مقدار الثواب ولا يلزم من تشبيه الشيء بالشيء أخذه بجميع أحكامه، ولو كان قدر الثواب سواء لم يكن لمصلي العشاء والصبح جماعة منفعة في قيام الليل غير التعب.

وهذا الحديث وإن كان موقوفًا فله حكم الرفع لأنه لا يقال بالرأي وقد صح مرفوعًا أخرج مسلم وأبو داود والترمذي من طريق سفيان الثوري عن عثمان بن حكيم عن عبد الرحمن بن أبي عمرة قال: دخل عثمان المسجد فقعد وحده فقعدت إليه فقال: يا ابن أخي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة ومن صلى الصبح في جماعة كان كقيام ليلة.

وأخرج أحمد ومسلم من طريق عبد الواحد بن زياد عن عثمان بن حكيم عن عبد الرحمن بن أبي عمرة قال: دخل عثمان بن عفان المسجد بعد صلاة المغرب فقعد وحده فقعدت إليه فقال: يا ابن أخي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله.



رقم الحديث 301 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَدَ سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَدَا إِلَى السُّوقِ.
وَمَسْكَنُ سُلَيْمَانَ بَيْنَ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ فَمَرَّ عَلَى الشِّفَاءِ أُمِّ سُلَيْمَانَ، فَقَالَ لَهَا: لَمْ أَرَ سُلَيْمَانَ فِي الصُّبْحِ.
فَقَالَتْ: إِنَّهُ بَاتَ يُصَلِّي، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَقَالَ عُمَرُ: لَأَنْ أَشْهَدَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُومَ لَيْلَةً.


مَا جَاءَ فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ

( مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ) بن عمرو بن سنة بفتح المهملة وتثقيل النون ( الْأَسْلَمِيِّ) المدني صدوق ربما أخطأ.
وفي التمهيد صالح الحديث ليس به بأس، روى عنه مالك وابن عيينة وغيرهما من الأئمة ولم يكن بالحافظ، وكان يحيى القطان يغمزه، ثم روى بسنده عنه قال: كنت سيئ الحفظ فرخص لي سعيد بن المسيب في الكتابة، ولحرملة والده صحبة ورواية، ومات عبد الرحمن في خلافة السفاح، وقيل سنة خمس وأربعين ومائة، ولمالك عنه في الموطأ خمس أحاديث واحتج به مسلم وأصحاب السنن.

( عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ) آية وعلامة ( شُهُودُ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ) قال ابن عبد البر: كذا ليحيى، وقال جمهور رواة الموطأ: صلاة العتمة والصبح على طبق الترجمة وفيه جواز تسمية العشاء عتمة، ويعارضه حديث: لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم هذه إنما هي العشاء وإنما يسمونها العتمة لأنهم يعتمون بالإبل، ويشهد لهذا الحديث أحاديث فيها تسمية العشاء بالعتمة فجائز أن تسمى بالاسمين جميعًا ولا خلاف بين الفقهاء اليوم في ذلك قال وقوله: ( لَا يَسْتَطِيعُونَهُمَا أَوْ نَحْوَ هَذَا) شك من المحدّث انتهى.

وقال الباجي: شك من الراوي أو توق في العبارة.
وقال الرافعي: يعني إنهم لا يشهدونهما امتثالاً للأمر ولا احتسابًا للأجر ويثقل عليهم الحضور في وقتهما فيتخلفون، وقال في التمهيد: هذا الحديث مرسل في الموطأ لا يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندًا ومعناه محفوظ من وجوه ثابتة.
وفي الاستذكار هو مرسل في الموطأ وهو مسند من طريق وفي معناه قوله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح والعشاء: ما يشهدهما منافق.
وقال ابن عمر: كنا إذا فقدنا الرجل في هاتين الصلاتين أسأنا به الظن العشاء والصبح.
وقال شدّاد بن أوس: من أحب أن يجعله الله من الذين يدفع الله بهم العذاب عن أهل الأرض فليحافظ على صلاة العشاء وصلاة الصبح في جماعة، ومعناه عندي أن من شهدهما في جماعة أحرى أن يواظب على غيرهما، وفي ذلك تأكيد على شهود الجماعة وأن من علامات أهل الفسق والنفاق المواظبة على التخلف عنها بلا عذر.

( مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ) بضم السين المهملة وفتح الميم ( مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن الحارث بن هشام بن المغيرة القرشي المدني ( عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذكوان السمان ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَمَا) بالميم وأصله بين فأشبعت فتحة النون فصارت ألفًا وزيدت الميم ظرف زمان مضاف إلى جملة من فعل وفاعل ومبتدأ وخبر وهو هنا ( رَجُلٌ) النكرة المخصصة بالصفة وهي ( يَمْشِي بِطَرِيقٍ) أي فيها ( إِذْ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَّرَهُ) نحاه عن الطريق ( فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ) قال الحافظ: أي رضي فعله وقبل منه ( فَغَفَرَ لَهُ) .

وقال الباجي: يحتمل أن يريد جازاه على ذلك بالمغفرة أو أثنى عليه ثناء اقتضى المغفرة له أو أمر المؤمنين بشكره والثناء عليه بجميل فعله قال: ومعنى تعلق نزع الشوك من الطريق بالترجمة أنه غفر له مع نزارة هذا الفعل، فكيف بإتيان العشاء والصبح؟ وتعسفه لا يخفى وعلى تقدير تمشيته في هذا فكيف يصنع بالحديث بعده؟ وتبعه ابن المنير في هذا التوجيه واعترف بعدم مناسبة الثاني فإنما أدى الإمام هذه الأحاديث على الوجه الذي سمعه وليس غرضه منه إلا الحديث الأخير وهو: لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا قال ابن العربي: ترى الجهال يعبثون في تأويلها ولا تعلق للأوّل والثاني منها بالباب أصلاً.

وقال ابن عبد البر: وفي الحديث أن ذلك من أعمال البر وأنها توجب الغفران فلا ينبغي للمؤمن العاقل أن يحتقر شيئًا من أعمال البر فربما غفر له بأقلها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان وقال تعالى: { { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } } وقال الشاعر:

ومتى تفعل الكثير من الخير
إذا كنت تاركًا لأقله

( وَقَالَ:) صلى الله عليه وسلم بالإسناد المذكور ( الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ) بيّنها بقوله ( الْمَطْعُونُ) الميت بالطاعون وهو غدّة كغدة البعير يخرج في الآباط والمراق ( وَالْمَبْطُونُ) الميت بمرض البطن أو الاستسقاء أو الإسهال ( وَالْغَرِقُ) بفتح المعجمة وكسر الراء وقاف الميت بالغرق ( وَصَاحِبُ الْهَدْمِ) بفتح فسكون الميت تحته ( وَالشَّهِيدُ) الذي قتل ( فِي سَبِيلِ اللَّهِ) فكأنه قال المقتول فعبر عنه بالشهيد، ويؤيده قوله في رواية جابر بن عتيك عند المصنف فيما يأتي الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله فلا يلزم منه حمل الشيء على نفسه فكأنه قيل الشهيد هو الشهيد لأن قوله خمسة خبر للمبتدأ والمعدود بعده بيان له، وأجيب أيضًا: بأنه من باب قوله:

أنا ابن المنجم وشعري شعري

وبأن الشهيد مكرّر في كل واحد منها فيكون من التفصيل بعد الإجمال وتقديره الشهيد المطعون والشهيد كذا إلخ ثم الذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم أعلم بالأقل ثم أعلم بزيادة على ذلك فذكرها في وقت آخر ولم يقصد الحصر في شيء من ذلك، فلا تنافي بين سبعة وخمسة ولا بين ما ورد من نحو عشرين خصلة شهادة بطرق جيدة وتبلغ بطرق فيها ضعف أزيد من ثلاثين، وسيكون لنا إن شاء الله تعالى عودة لذكرها في الجنائز.

( وَقَالَ) أيضًا صلى الله عليه وسلم: ( لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ) أي الأذان وهي رواية بشر بن عمر عن مالك عند السراج ( وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ) من الخير والبركة كما لأبي الشيخ من رواية الأعرج عن أبي هريرة ( ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا) شيئًا من وجوه الأولوية بأن يقع التساوي ( إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا) أي يقترعوا ( عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا) أي اقترعوا.
وفي رواية عبد الرزاق عن مالك لاستهموا عليهما فضمير عليه في هذه الرواية عائد على ما ذكر من الأذان والصف ( وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ) البدار إلى الصلاة أوّل وقتها وقبله وانتظارها ( لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ) استباقًا معنويًا لا حسيًا لاقتضائه سرعة المشي وهو ممنوع ( وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ) أي العشاء ( وَالصُّبْحِ) أي ثواب صلاتهما في جماعة ( لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا) على المرافق والركب كما في حديث أبي الدرداء عند ابن أبي شيبة.

قال ابن عبد البر: هذه ثلاثة أحاديث في واحد أحدها نزع الغصن، والثاني الشهداء والثالث لو يعلم الناس إلى آخر الحديث هكذا يرويها جماعة رواة الموطأ لا يختلفون في ذلك عن مالك، وكذلك هي محفوظة عن أبي هريرة، وكذا رواه ابن وضاح عن يحيى، وسقط الثالث من رواية ابنه عبيد الله عنه هنا وهو ثابت عنده في باب النداء انتهى.

والصواب إثبات الثالث هنا حتى يكون في الأحاديث واحد مطابق للترجمة فساقها الإمام كما سمعها وإن كان غرضه منها واحدًا وهو الأخير واللذان قبله ليسا بمقصودين، وكأنّ ابن يحيى لما رأى الثالث تقدّم ظنّ أن ذكره تكرار محض فأسقطه وما درى عدم مطابقة ما ذكره للترجمة، ولا شك في تقديم رواية ابن وضاح لأنه حافظ ووافقه جميع رواة مالك عليه فإن لم يكن بالحافظ.

وقد أخرجه البخاري عن قتيبة بن سعيد عن مالك به بتمامه.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ) بفتح المهملة وإسكان المثلثة ثقة عارف بالنسب لا يعرف اسمه كما مر ( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَدَ) أباه ( سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ) بن غانم بن عامر بن عبد الله بن عويج بن عديّ بن كعب بن لؤي القرشي العدوي.
قال ابن حبان: له صحبة، وقال ابن منده: ذكر في الصحابة ولا يصح، وقال ابن عمر: رحل مع أمّه إلى المدينة وكان من فضلاء المسلمين وصالحيهم واستعمله عمر على السوق وجمع الناس عليه في قيام رمضان، وذكره ابن سعد فيمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحفظ عنه وذكر أباه في مسلمة الفتح ( فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَدَا إِلَى السُّوقِ وَمَسْكَنُ سُلَيْمَانَ بَيْنَ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ) ولذلك استعمله عليه لقربه ( فَمَرَّ) عمر ( عَلَى الشِّفَاءِ) بكسر الشين المعجمة وبالفاء الخفيفة كما ضبطه ابن نقطة.
قال ابن الأثير: والمد، وقال غيره: والقصر بنت عبد الله بن عبد شمس بن خلف القرشية العدوية ( أُمِّ سُلَيْمَانَ) المذكورة قيل اسمها ليلى، والشفاء لقب أسلمت قبل الهجرة وبايعت وهي من المهاجرات الأول وكانت من عقلاء النساء وفضلائهن، وكان صلى الله عليه وسلم يزورها في بيتها ويقيل عندها واتخذت له فراشًا وإزارًا ينام فيه فلم يزل ذلك عند ولدها حتى أخذه منهم مروان بن الحكم، وقال لها صلى الله عليه وسلم: علمي حفصة رقية النملة وأعطاها دارًا عند الحكاكين بالمدينة فنزلتها مع ابنها سليمان، وكان عمر يقدّمها في الرأي ويرعاها ويفضلها وربما ولاّها شيئًا من أمر السوق.
روى عنها ابنها سليمان وابناه أبو بكر وعثمان وحفصة أمّ المؤمنين وغيرهم.

( فَقَالَ لَهَا: لَمْ أَرَ سُلَيْمَانَ فِي الصُّبْحِ) فيه تفقد الإمام رعيته في شهود الخير ولا سيما قرابته ( فَقَالَتْ: إِنَّهُ بَاتَ يُصَلِّي فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَقَالَ عُمَرُ لَأَنْ أَشْهَدَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُومَ لَيْلَةً) لما في ذلك من الفضل الكبير.

وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سليمان بن أبي حثمة عن أمه الشفاء قالت: دخل عليّ عمر وعندي رجلان نائمان - تعني زوجها أبا حثمة وابنها سليمان - فقال: أما صليا الصبح؟ قلت: لم يزالا يصليان حتى أصبحا فصليا الصبح وناما.
فقال: لأن أشهد الصبح في جماعة أحب إلي من قيام ليلة.
قال أبو عمر: خالف معمر مالكًا في إسناده والقول قول مالك اهـ.
أي: لأنه قال عن الزهري عن أبي بكر بن سليمان أن عمر ومعمرًا قال عن الزهري عن سليمان عن أمّه فهي مخالفة ظاهرة، وسياق متنه فيه خلف أيضًا إلا أن يقال إن كان محفوظًا احتمل أن هذه مرة أخرى مع أبيه فهما قصتان فلا خلف.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاري ( عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) بن الحارث التيمي ( عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ) واسمه بشير وقيل بشر وقيل ثعلبة ( الْأَنْصَارِيِّ) الخزرجي، ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبوه صحابي شهير، وأمّه هند بنت المقوّم بن عبد المطلب صحابية بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره مطين وابن السكن في الصحابة.
وقال أبو حاتم: لا صحبة له.
قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث.

( أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَرَأَى أَهْلَ الْمَسْجِدِ قَلِيلًا فَاضْطَجَعَ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ النَّاسَ أَنْ يَكْثُرُوا) قال الباجي: لأن من أدب الأئمة ورفقهم بالناس انتظارهم بالصلاة إذا تأخروا وتعجيلها إذا اجتمعوا وقد فعله صلى الله عليه وسلم في صلاة العشاء ( فَأَتَاهُ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ) فيه التفات ( فَجَلَسَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ مَنْ هُوَ؟) والأصل فأتيته فجلست وهكذا ( فَأَخْبَرَهُ.
فَقَالَ: مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟ فَأَخْبَرَهُ)
بما معه ( فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: مَنْ شَهِدَ) أي صلى ( الْعِشَاءَ) في جماعة ( فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ لَيْلَةٍ وَمَنْ شَهِدَ الصُّبْحَ) أي صلاها في جماعة ( فَكَأَنَّمَا قَامَ لَيْلَةً) .

قال القرطبي: معناه أنه قام نصف ليلة أو ليلة لم يصل فيها العشاء والصبح في جماعة، إذ لو صلى ذلك في جماعة لحصل له فضلها وفضل القيام.

وقال البيضاوي: نزل صلاة كل من طرفي الليل منزلة نوافل نصفه ولا يلزم منه أن يبلغ ثوابه من قام الليل كله، لأن هذا تشبيه مطلق مقدار الثواب ولا يلزم من تشبيه الشيء بالشيء أخذه بجميع أحكامه، ولو كان قدر الثواب سواء لم يكن لمصلي العشاء والصبح جماعة منفعة في قيام الليل غير التعب.

وهذا الحديث وإن كان موقوفًا فله حكم الرفع لأنه لا يقال بالرأي وقد صح مرفوعًا أخرج مسلم وأبو داود والترمذي من طريق سفيان الثوري عن عثمان بن حكيم عن عبد الرحمن بن أبي عمرة قال: دخل عثمان المسجد فقعد وحده فقعدت إليه فقال: يا ابن أخي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة ومن صلى الصبح في جماعة كان كقيام ليلة.

وأخرج أحمد ومسلم من طريق عبد الواحد بن زياد عن عثمان بن حكيم عن عبد الرحمن بن أبي عمرة قال: دخل عثمان بن عفان المسجد بعد صلاة المغرب فقعد وحده فقعدت إليه فقال: يا ابن أخي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله.



رقم الحديث 302 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَرَأَى أَهْلَ الْمَسْجِدِ قَلِيلًا، فَاضْطَجَعَ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ، يَنْتَظِرُ النَّاسَ أَنْ يَكْثُرُوا.
فَأَتَاهُ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ، فَسَأَلَهُ: مَنْ هُوَ؟ فَأَخْبَرَهُ.
فَقَالَ: مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟ فَأَخْبَرَهُ.
فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: مَنْ شَهِدَ الْعِشَاءَ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ لَيْلَةٍ.
وَمَنْ شَهِدَ الصُّبْحَ فَكَأَنَّمَا قَامَ لَيْلَةً.


مَا جَاءَ فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ

( مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ) بن عمرو بن سنة بفتح المهملة وتثقيل النون ( الْأَسْلَمِيِّ) المدني صدوق ربما أخطأ.
وفي التمهيد صالح الحديث ليس به بأس، روى عنه مالك وابن عيينة وغيرهما من الأئمة ولم يكن بالحافظ، وكان يحيى القطان يغمزه، ثم روى بسنده عنه قال: كنت سيئ الحفظ فرخص لي سعيد بن المسيب في الكتابة، ولحرملة والده صحبة ورواية، ومات عبد الرحمن في خلافة السفاح، وقيل سنة خمس وأربعين ومائة، ولمالك عنه في الموطأ خمس أحاديث واحتج به مسلم وأصحاب السنن.

( عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ) آية وعلامة ( شُهُودُ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ) قال ابن عبد البر: كذا ليحيى، وقال جمهور رواة الموطأ: صلاة العتمة والصبح على طبق الترجمة وفيه جواز تسمية العشاء عتمة، ويعارضه حديث: لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم هذه إنما هي العشاء وإنما يسمونها العتمة لأنهم يعتمون بالإبل، ويشهد لهذا الحديث أحاديث فيها تسمية العشاء بالعتمة فجائز أن تسمى بالاسمين جميعًا ولا خلاف بين الفقهاء اليوم في ذلك قال وقوله: ( لَا يَسْتَطِيعُونَهُمَا أَوْ نَحْوَ هَذَا) شك من المحدّث انتهى.

وقال الباجي: شك من الراوي أو توق في العبارة.
وقال الرافعي: يعني إنهم لا يشهدونهما امتثالاً للأمر ولا احتسابًا للأجر ويثقل عليهم الحضور في وقتهما فيتخلفون، وقال في التمهيد: هذا الحديث مرسل في الموطأ لا يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندًا ومعناه محفوظ من وجوه ثابتة.
وفي الاستذكار هو مرسل في الموطأ وهو مسند من طريق وفي معناه قوله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح والعشاء: ما يشهدهما منافق.
وقال ابن عمر: كنا إذا فقدنا الرجل في هاتين الصلاتين أسأنا به الظن العشاء والصبح.
وقال شدّاد بن أوس: من أحب أن يجعله الله من الذين يدفع الله بهم العذاب عن أهل الأرض فليحافظ على صلاة العشاء وصلاة الصبح في جماعة، ومعناه عندي أن من شهدهما في جماعة أحرى أن يواظب على غيرهما، وفي ذلك تأكيد على شهود الجماعة وأن من علامات أهل الفسق والنفاق المواظبة على التخلف عنها بلا عذر.

( مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ) بضم السين المهملة وفتح الميم ( مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن الحارث بن هشام بن المغيرة القرشي المدني ( عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذكوان السمان ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَمَا) بالميم وأصله بين فأشبعت فتحة النون فصارت ألفًا وزيدت الميم ظرف زمان مضاف إلى جملة من فعل وفاعل ومبتدأ وخبر وهو هنا ( رَجُلٌ) النكرة المخصصة بالصفة وهي ( يَمْشِي بِطَرِيقٍ) أي فيها ( إِذْ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَّرَهُ) نحاه عن الطريق ( فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ) قال الحافظ: أي رضي فعله وقبل منه ( فَغَفَرَ لَهُ) .

وقال الباجي: يحتمل أن يريد جازاه على ذلك بالمغفرة أو أثنى عليه ثناء اقتضى المغفرة له أو أمر المؤمنين بشكره والثناء عليه بجميل فعله قال: ومعنى تعلق نزع الشوك من الطريق بالترجمة أنه غفر له مع نزارة هذا الفعل، فكيف بإتيان العشاء والصبح؟ وتعسفه لا يخفى وعلى تقدير تمشيته في هذا فكيف يصنع بالحديث بعده؟ وتبعه ابن المنير في هذا التوجيه واعترف بعدم مناسبة الثاني فإنما أدى الإمام هذه الأحاديث على الوجه الذي سمعه وليس غرضه منه إلا الحديث الأخير وهو: لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا قال ابن العربي: ترى الجهال يعبثون في تأويلها ولا تعلق للأوّل والثاني منها بالباب أصلاً.

وقال ابن عبد البر: وفي الحديث أن ذلك من أعمال البر وأنها توجب الغفران فلا ينبغي للمؤمن العاقل أن يحتقر شيئًا من أعمال البر فربما غفر له بأقلها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان وقال تعالى: { { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } } وقال الشاعر:

ومتى تفعل الكثير من الخير
إذا كنت تاركًا لأقله

( وَقَالَ:) صلى الله عليه وسلم بالإسناد المذكور ( الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ) بيّنها بقوله ( الْمَطْعُونُ) الميت بالطاعون وهو غدّة كغدة البعير يخرج في الآباط والمراق ( وَالْمَبْطُونُ) الميت بمرض البطن أو الاستسقاء أو الإسهال ( وَالْغَرِقُ) بفتح المعجمة وكسر الراء وقاف الميت بالغرق ( وَصَاحِبُ الْهَدْمِ) بفتح فسكون الميت تحته ( وَالشَّهِيدُ) الذي قتل ( فِي سَبِيلِ اللَّهِ) فكأنه قال المقتول فعبر عنه بالشهيد، ويؤيده قوله في رواية جابر بن عتيك عند المصنف فيما يأتي الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله فلا يلزم منه حمل الشيء على نفسه فكأنه قيل الشهيد هو الشهيد لأن قوله خمسة خبر للمبتدأ والمعدود بعده بيان له، وأجيب أيضًا: بأنه من باب قوله:

أنا ابن المنجم وشعري شعري

وبأن الشهيد مكرّر في كل واحد منها فيكون من التفصيل بعد الإجمال وتقديره الشهيد المطعون والشهيد كذا إلخ ثم الذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم أعلم بالأقل ثم أعلم بزيادة على ذلك فذكرها في وقت آخر ولم يقصد الحصر في شيء من ذلك، فلا تنافي بين سبعة وخمسة ولا بين ما ورد من نحو عشرين خصلة شهادة بطرق جيدة وتبلغ بطرق فيها ضعف أزيد من ثلاثين، وسيكون لنا إن شاء الله تعالى عودة لذكرها في الجنائز.

( وَقَالَ) أيضًا صلى الله عليه وسلم: ( لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ) أي الأذان وهي رواية بشر بن عمر عن مالك عند السراج ( وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ) من الخير والبركة كما لأبي الشيخ من رواية الأعرج عن أبي هريرة ( ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا) شيئًا من وجوه الأولوية بأن يقع التساوي ( إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا) أي يقترعوا ( عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا) أي اقترعوا.
وفي رواية عبد الرزاق عن مالك لاستهموا عليهما فضمير عليه في هذه الرواية عائد على ما ذكر من الأذان والصف ( وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ) البدار إلى الصلاة أوّل وقتها وقبله وانتظارها ( لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ) استباقًا معنويًا لا حسيًا لاقتضائه سرعة المشي وهو ممنوع ( وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ) أي العشاء ( وَالصُّبْحِ) أي ثواب صلاتهما في جماعة ( لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا) على المرافق والركب كما في حديث أبي الدرداء عند ابن أبي شيبة.

قال ابن عبد البر: هذه ثلاثة أحاديث في واحد أحدها نزع الغصن، والثاني الشهداء والثالث لو يعلم الناس إلى آخر الحديث هكذا يرويها جماعة رواة الموطأ لا يختلفون في ذلك عن مالك، وكذلك هي محفوظة عن أبي هريرة، وكذا رواه ابن وضاح عن يحيى، وسقط الثالث من رواية ابنه عبيد الله عنه هنا وهو ثابت عنده في باب النداء انتهى.

والصواب إثبات الثالث هنا حتى يكون في الأحاديث واحد مطابق للترجمة فساقها الإمام كما سمعها وإن كان غرضه منها واحدًا وهو الأخير واللذان قبله ليسا بمقصودين، وكأنّ ابن يحيى لما رأى الثالث تقدّم ظنّ أن ذكره تكرار محض فأسقطه وما درى عدم مطابقة ما ذكره للترجمة، ولا شك في تقديم رواية ابن وضاح لأنه حافظ ووافقه جميع رواة مالك عليه فإن لم يكن بالحافظ.

وقد أخرجه البخاري عن قتيبة بن سعيد عن مالك به بتمامه.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ) بفتح المهملة وإسكان المثلثة ثقة عارف بالنسب لا يعرف اسمه كما مر ( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَدَ) أباه ( سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ) بن غانم بن عامر بن عبد الله بن عويج بن عديّ بن كعب بن لؤي القرشي العدوي.
قال ابن حبان: له صحبة، وقال ابن منده: ذكر في الصحابة ولا يصح، وقال ابن عمر: رحل مع أمّه إلى المدينة وكان من فضلاء المسلمين وصالحيهم واستعمله عمر على السوق وجمع الناس عليه في قيام رمضان، وذكره ابن سعد فيمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحفظ عنه وذكر أباه في مسلمة الفتح ( فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَدَا إِلَى السُّوقِ وَمَسْكَنُ سُلَيْمَانَ بَيْنَ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ) ولذلك استعمله عليه لقربه ( فَمَرَّ) عمر ( عَلَى الشِّفَاءِ) بكسر الشين المعجمة وبالفاء الخفيفة كما ضبطه ابن نقطة.
قال ابن الأثير: والمد، وقال غيره: والقصر بنت عبد الله بن عبد شمس بن خلف القرشية العدوية ( أُمِّ سُلَيْمَانَ) المذكورة قيل اسمها ليلى، والشفاء لقب أسلمت قبل الهجرة وبايعت وهي من المهاجرات الأول وكانت من عقلاء النساء وفضلائهن، وكان صلى الله عليه وسلم يزورها في بيتها ويقيل عندها واتخذت له فراشًا وإزارًا ينام فيه فلم يزل ذلك عند ولدها حتى أخذه منهم مروان بن الحكم، وقال لها صلى الله عليه وسلم: علمي حفصة رقية النملة وأعطاها دارًا عند الحكاكين بالمدينة فنزلتها مع ابنها سليمان، وكان عمر يقدّمها في الرأي ويرعاها ويفضلها وربما ولاّها شيئًا من أمر السوق.
روى عنها ابنها سليمان وابناه أبو بكر وعثمان وحفصة أمّ المؤمنين وغيرهم.

( فَقَالَ لَهَا: لَمْ أَرَ سُلَيْمَانَ فِي الصُّبْحِ) فيه تفقد الإمام رعيته في شهود الخير ولا سيما قرابته ( فَقَالَتْ: إِنَّهُ بَاتَ يُصَلِّي فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَقَالَ عُمَرُ لَأَنْ أَشْهَدَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُومَ لَيْلَةً) لما في ذلك من الفضل الكبير.

وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سليمان بن أبي حثمة عن أمه الشفاء قالت: دخل عليّ عمر وعندي رجلان نائمان - تعني زوجها أبا حثمة وابنها سليمان - فقال: أما صليا الصبح؟ قلت: لم يزالا يصليان حتى أصبحا فصليا الصبح وناما.
فقال: لأن أشهد الصبح في جماعة أحب إلي من قيام ليلة.
قال أبو عمر: خالف معمر مالكًا في إسناده والقول قول مالك اهـ.
أي: لأنه قال عن الزهري عن أبي بكر بن سليمان أن عمر ومعمرًا قال عن الزهري عن سليمان عن أمّه فهي مخالفة ظاهرة، وسياق متنه فيه خلف أيضًا إلا أن يقال إن كان محفوظًا احتمل أن هذه مرة أخرى مع أبيه فهما قصتان فلا خلف.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاري ( عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) بن الحارث التيمي ( عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ) واسمه بشير وقيل بشر وقيل ثعلبة ( الْأَنْصَارِيِّ) الخزرجي، ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبوه صحابي شهير، وأمّه هند بنت المقوّم بن عبد المطلب صحابية بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره مطين وابن السكن في الصحابة.
وقال أبو حاتم: لا صحبة له.
قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث.

( أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَرَأَى أَهْلَ الْمَسْجِدِ قَلِيلًا فَاضْطَجَعَ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ النَّاسَ أَنْ يَكْثُرُوا) قال الباجي: لأن من أدب الأئمة ورفقهم بالناس انتظارهم بالصلاة إذا تأخروا وتعجيلها إذا اجتمعوا وقد فعله صلى الله عليه وسلم في صلاة العشاء ( فَأَتَاهُ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ) فيه التفات ( فَجَلَسَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ مَنْ هُوَ؟) والأصل فأتيته فجلست وهكذا ( فَأَخْبَرَهُ.
فَقَالَ: مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟ فَأَخْبَرَهُ)
بما معه ( فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: مَنْ شَهِدَ) أي صلى ( الْعِشَاءَ) في جماعة ( فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ لَيْلَةٍ وَمَنْ شَهِدَ الصُّبْحَ) أي صلاها في جماعة ( فَكَأَنَّمَا قَامَ لَيْلَةً) .

قال القرطبي: معناه أنه قام نصف ليلة أو ليلة لم يصل فيها العشاء والصبح في جماعة، إذ لو صلى ذلك في جماعة لحصل له فضلها وفضل القيام.

وقال البيضاوي: نزل صلاة كل من طرفي الليل منزلة نوافل نصفه ولا يلزم منه أن يبلغ ثوابه من قام الليل كله، لأن هذا تشبيه مطلق مقدار الثواب ولا يلزم من تشبيه الشيء بالشيء أخذه بجميع أحكامه، ولو كان قدر الثواب سواء لم يكن لمصلي العشاء والصبح جماعة منفعة في قيام الليل غير التعب.

وهذا الحديث وإن كان موقوفًا فله حكم الرفع لأنه لا يقال بالرأي وقد صح مرفوعًا أخرج مسلم وأبو داود والترمذي من طريق سفيان الثوري عن عثمان بن حكيم عن عبد الرحمن بن أبي عمرة قال: دخل عثمان المسجد فقعد وحده فقعدت إليه فقال: يا ابن أخي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة ومن صلى الصبح في جماعة كان كقيام ليلة.

وأخرج أحمد ومسلم من طريق عبد الواحد بن زياد عن عثمان بن حكيم عن عبد الرحمن بن أبي عمرة قال: دخل عثمان بن عفان المسجد بعد صلاة المغرب فقعد وحده فقعدت إليه فقال: يا ابن أخي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله.