فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الْعَمَلِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ

رقم الحديث 308 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ.


الْعَمَلِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) بكسر الزاي وخفة النون عبد الله بن ذكوان ( عَنِ الْأَعْرَجِ) عبد الرحمن بن هرمز ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ بِالنَّاسِ) إمامًا ( فَلْيُخَفِّفْ) مع التمام.
قال ابن دقيق العيد: التطويل والتخفيف من الأمور الإضافية فقد يكون الشيء خفيفًا بالنسبة إلى عادة قوم طويلاً بالنسبة إلى عادة آخرين.
قال: وقول الفقهاء لا يزيد الإمام في الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات لا يخالف ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يزيد على ذلك لأن رغبة الصحابة في الخير تقتضي أن لا يكون ذلك تطويلاً.
قال الحافظ: وأولى ما أخذ به حدّ التخفيف حديث أبي داود والنسائي عن عثمان بن أبي العاصي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أنت إمام قومك وأقدر القوم بأضعفهم.
إسناده حسن.

وأصله في مسلم: ( فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ) خلقة ( وَالسَّقِيمَ) من مرض ( وَالْكَبِيرَ) سنًا.
قال ابن عبد البر: أكثر رواة الموطأ لا يقولون والكبير وقاله جماعة منهم يحيى وقتيبة، وفي مسلم من وجه آخر عن أبي الزناد والصغير والكبير، وزاد الطبراني من حديث عثمان بن أبي العاصي، والحامل والمرضع.
وله من حديث عدي بن حاتم والعابر السبيل.

وفي البخاري ومسلم عن أبي مسعود الأنصاري: إن منكم منفرين فأيكم ما صلى بالناس فليتجوّز فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة وهي أشمل الأوصاف المذكورات ثم الجميع تعليل للأمر بالتخفيف، ومقتضاه أنه متى لم يكن فيهم متصف بصفة من المذكورات لم يضر التطويل، لكن قال ابن عبد البر: ينبغي لكل إمام أن يخفف جهده لأمره صلى الله عليه وسلم بالتخفيف، وإن علم الإمام قوّة من خلفه فإنه لا يدري ما يحدث عليهم من حادث وشغل وعارض حاجة وحدث بول وغيره.

وقال اليعمري: الأحكام إنما تناط بالغالب لا بالصورة النادرة فينبغي للأئمة التخفيف مطلقًا قال: وهذا كما شرع القصر في السفر وعلل بالمشقة وهي مع ذلك تشرع ولو لم يشق عملاً بالغالب لأنه لا يدري ما يطرأ عليه وهنا كذلك.

( وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ) ولمسلم: فليصل كيف شاء أي مخففًا أو مطوّلاً، واستدل به على جواز إطالة القراءة ولو خرج الوقت وصححه بعض الشافعية وفيه نظر لأنه يعارضه عموم حديث أبي قتادة في مسلم، وإنما التفريط بأن يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى، وإذا تعارضت مصلحة المبالغة في الكمال بالتطويل ومفسدة إيقاع الصلاة في غير وقتها كانت مراعاة تلك المفسدة أولى.

وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف، وأبو داود عن القعنبي كليهما عن مالك به.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ: قُمْتُ وَرَاءَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ غَيْرِي فَخَالَفَ عَبْدُ اللَّهِ بِيَدِهِ فَجَعَلَنِي حِذَاءَهُ) بكسر المهملة ومعجمة ممدود أي محاذيًا له عن يمينه لأنه موقف المأموم الواحد كما فعل صلى الله عليه وسلم مع ابن عباس.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَؤُمُّ النَّاسَ بِالْعَقِيقِ) موضع معروف بالمدينة ( فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَنَهَاهُ) عن الإمامة ( قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا نَهَاهُ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُعْرَفُ أَبُوهُ) فيكره أن يتخذ إمامًا راتبًا، وعلته عند مالك أنه يصير معرضًا لكلام الناس فيه فيأثمون بسببه، وقيل لأنه ليس له غالبًا من يفقهه في الدين فيغلب عليه الجهل.

وقال الباجي: لأن موضع الإمامة موضع رفعة وتقدّم في أهم أمر الدين وهي مما يلزم الخلفاء ويقوم به الأمراء فيكره أن يتقدّم لها من فيه نقص.

وقال ابن عبد البر: هذه كناية كالتصريح أنه ولد زنى فكره أن ينصب إمامًا لخلقه من نطفة خبيثة كما يعاب من حملت به أمه حائضًا أو من سكران ولا ذنب عليه هو في ذلك قال: وليس في شيء من الآثار ما يدل على مراعاة نسب في الإمامة وإنما فيها الدلالة على الفقه والقراءة والصلاح في الدين.



رقم الحديث 309 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّهُ قَالَ: قُمْتُ وَرَاءَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ، وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ غَيْرِي، فَخَالَفَ عَبْدُ اللَّهِ بِيَدِهِ، فَجَعَلَنِي حِذَاءَهُ.


الْعَمَلِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) بكسر الزاي وخفة النون عبد الله بن ذكوان ( عَنِ الْأَعْرَجِ) عبد الرحمن بن هرمز ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ بِالنَّاسِ) إمامًا ( فَلْيُخَفِّفْ) مع التمام.
قال ابن دقيق العيد: التطويل والتخفيف من الأمور الإضافية فقد يكون الشيء خفيفًا بالنسبة إلى عادة قوم طويلاً بالنسبة إلى عادة آخرين.
قال: وقول الفقهاء لا يزيد الإمام في الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات لا يخالف ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يزيد على ذلك لأن رغبة الصحابة في الخير تقتضي أن لا يكون ذلك تطويلاً.
قال الحافظ: وأولى ما أخذ به حدّ التخفيف حديث أبي داود والنسائي عن عثمان بن أبي العاصي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أنت إمام قومك وأقدر القوم بأضعفهم.
إسناده حسن.

وأصله في مسلم: ( فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ) خلقة ( وَالسَّقِيمَ) من مرض ( وَالْكَبِيرَ) سنًا.
قال ابن عبد البر: أكثر رواة الموطأ لا يقولون والكبير وقاله جماعة منهم يحيى وقتيبة، وفي مسلم من وجه آخر عن أبي الزناد والصغير والكبير، وزاد الطبراني من حديث عثمان بن أبي العاصي، والحامل والمرضع.
وله من حديث عدي بن حاتم والعابر السبيل.

وفي البخاري ومسلم عن أبي مسعود الأنصاري: إن منكم منفرين فأيكم ما صلى بالناس فليتجوّز فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة وهي أشمل الأوصاف المذكورات ثم الجميع تعليل للأمر بالتخفيف، ومقتضاه أنه متى لم يكن فيهم متصف بصفة من المذكورات لم يضر التطويل، لكن قال ابن عبد البر: ينبغي لكل إمام أن يخفف جهده لأمره صلى الله عليه وسلم بالتخفيف، وإن علم الإمام قوّة من خلفه فإنه لا يدري ما يحدث عليهم من حادث وشغل وعارض حاجة وحدث بول وغيره.

وقال اليعمري: الأحكام إنما تناط بالغالب لا بالصورة النادرة فينبغي للأئمة التخفيف مطلقًا قال: وهذا كما شرع القصر في السفر وعلل بالمشقة وهي مع ذلك تشرع ولو لم يشق عملاً بالغالب لأنه لا يدري ما يطرأ عليه وهنا كذلك.

( وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ) ولمسلم: فليصل كيف شاء أي مخففًا أو مطوّلاً، واستدل به على جواز إطالة القراءة ولو خرج الوقت وصححه بعض الشافعية وفيه نظر لأنه يعارضه عموم حديث أبي قتادة في مسلم، وإنما التفريط بأن يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى، وإذا تعارضت مصلحة المبالغة في الكمال بالتطويل ومفسدة إيقاع الصلاة في غير وقتها كانت مراعاة تلك المفسدة أولى.

وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف، وأبو داود عن القعنبي كليهما عن مالك به.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ: قُمْتُ وَرَاءَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ غَيْرِي فَخَالَفَ عَبْدُ اللَّهِ بِيَدِهِ فَجَعَلَنِي حِذَاءَهُ) بكسر المهملة ومعجمة ممدود أي محاذيًا له عن يمينه لأنه موقف المأموم الواحد كما فعل صلى الله عليه وسلم مع ابن عباس.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَؤُمُّ النَّاسَ بِالْعَقِيقِ) موضع معروف بالمدينة ( فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَنَهَاهُ) عن الإمامة ( قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا نَهَاهُ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُعْرَفُ أَبُوهُ) فيكره أن يتخذ إمامًا راتبًا، وعلته عند مالك أنه يصير معرضًا لكلام الناس فيه فيأثمون بسببه، وقيل لأنه ليس له غالبًا من يفقهه في الدين فيغلب عليه الجهل.

وقال الباجي: لأن موضع الإمامة موضع رفعة وتقدّم في أهم أمر الدين وهي مما يلزم الخلفاء ويقوم به الأمراء فيكره أن يتقدّم لها من فيه نقص.

وقال ابن عبد البر: هذه كناية كالتصريح أنه ولد زنى فكره أن ينصب إمامًا لخلقه من نطفة خبيثة كما يعاب من حملت به أمه حائضًا أو من سكران ولا ذنب عليه هو في ذلك قال: وليس في شيء من الآثار ما يدل على مراعاة نسب في الإمامة وإنما فيها الدلالة على الفقه والقراءة والصلاح في الدين.



رقم الحديث 309 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمَدَنِيِّ، وَعَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يُصَلِّي جَالِسًا.
فَيَقْرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ، فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ قَدْرُ مَا يَكُونُ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً.
قَامَ فَقَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ.
ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ.
ثُمَّ صَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ.


مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ الْقَاعِدِ فِي النَّافِلَةِ

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ) بتحتية فزاي ابن سعيد الكندي آخر من مات بالمدينة من الصحابة سنة إحدى وتسعين أو قبلها ( عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ) بفتح الواو والدال الحارث بن صبرة بمهملة ثم موحدة ابن سعيد بالتصغير ( السَّهْمِيِّ) أبي عبد الله صحابي أسلم يوم الفتح ونزل المدينة ومات بها وأمّه أروى بنت الحارث بن عبد المطلب بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم صحابية هاشمية ذكرها ابن سعد وغيره ( عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فيه من لطائف الأسانيد ثلاثة صحابة يروي بعضهم عن بعض.

( أَنَّهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي سُبْحَتِهِ) بضم السين وسكون الموحدة سميت النافلة بذلك لاشتمالها على التسبيح من تسمية الكل باسم بعضه وخصت به دون الفريضة قال ابن الأثير لأن التسبيحات في الفرائض نفل وفي النوافل يلزم أنها نوافل في مثلها ( قَاعِدًا قَطُّ) بل قام حتى تورمت قدماه ( حَتَّى كَانَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِعَامٍ فَكَانَ يُصَلِّي فِي سُبْحَتِهِ قَاعِدًا) إبقاء على نفسه ليستديم الصلاة ( وَيَقْرَأُ بِالسُّورَةِ فَيُرَتِّلُهَا) يقرأها بتمهل وترسل ليقع مع ذلك التدبر كما أمره تعالى: { { وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } } ولذا كانت قراءته صلى الله عليه وسلم حرفًا حرفًا كما قالت أم سلمة وغيرها ( حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا) إذا قرئت بلا ترتيل.

وهذا الحديث رواه مسلم عن يحيى والترمذي من طريق معن عن مالك به، وتابعه يونس ومعمر عن الزهري بهذا الإسناد غير أنهما قالا: بعام واحد أو اثنين كما في مسلم أي بالشك، ولا ريب أن الجازم مقدم على الشاك لا سيما ومالك أثبت ومقدّم خصوصًا في ابن شهاب على غيره وقد جزم عنه بعام.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا: لَمْ تَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي صَلَاةَ اللَّيْلِ) حال كونه ( قَاعِدًا قَطُّ حَتَّى أَسَنَّ) أي دخل في السن.
وفي رواية للبخاري حتى كبر وبينت حفصة أن ذلك قبل موته بعام، قال ابن التين: قيدت بصلاة الليل ليخرج الفريضة وبحتى أسن ليعلم أنه إنما فعل ذلك إبقاء على نفسه ليستديم الصلاة وأنه كان لا يجلس عما يطيقه من ذلك ( فَكَانَ يَقْرَأُ) في صلاته ( قَاعِدًا حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً) قائمًا ( ثُمَّ رَكَعَ) وفي الطريق الثالثة أنه كان يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك، وأو تحتمل الشك من الراوي أيهما قالت عائشة وأنها قالتهما معًا بحسب وقوع ذلك منه مرة كذا ومرة كذا أو بحسب طول الآيات وقصرها.

والحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به، وتابعه حماد بن زيد ومهدي بن ميمون ووكيع وعبد الله بن نمير ويحيى القطان كلهم عن هشام عند مسلم.

( مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ) من الزيادة المخزومي الأعور ( الْمَدَنِيِّ وَعَنْ أَبِي النَّضْرِ) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة سالم بن أبي أمية القرشي المدني مولى عمر بن عبيد الله التيمي.
قال في التمهيد: ولا خلاف بين رواة الموطأ أن الحديث لمالك عنهما جميعًا ولا إشكال فيه، وسقطت الواو من عبيد الله بن يحيى عن أبيه وهو وهم واضح لا يعرج عليه ولا يلتفت إليه ولا إلى مثله.

( عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن عوف ( عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ) بعد أن أسن ( يُصَلِّي) النافلة ( جَالِسًا) قبل موته بعام ( فَيَقْرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ قَدْرُ مَا يَكُونُ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً قَامَ فَقَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ ثُمَّ صَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ) المذكور من قراءة ما بقي قائمًا وغيره، وفيه جواز القعود في أثناء صلاة النافلة لمن افتتحها قائمًا كما يباح له أن يفتتحها قاعدًا ثم يقوم، إذ لا فرق بين الحالتين ولا سيما مع وقوع ذلك منه صلى الله عليه وسلم في الركعة الثانية ففيه ردّ على من اشترط على من افتتح النافلة قاعدًا أن يركع قاعدًا أو قائمًا أن يركع قائمًا.

وحكي عن أشهب وبعض الحنفية لما في مسلم وغيره من رواية عبد الله بن شقيق عن عائشة في سؤالها عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: إذا قرأ قائمًا ركع قائمًا وإذا قرأ قاعدًا ركع قاعدًا، وهذا صحيح لكن لا يلزم منه منع ما رواه عروة وأبو سلمة عنها فيجمع بأنه كان يفعل كلاً من ذلك بحسب النشاط وعدمه، وقد أنكر هشام بن عروة على عبد الله بن شقيق هذه الرواية واحتج بما رواه عن أبيه أخرج ذلك ابن خزيمة ثم قال: لا مخالفة عندي بين الخبرين لأن رواية ابن شقيق محمولة على ما إذا قرأ القراءة قاعدًا أو قائمًا.
ورواية هشام بن عروة محمولة على أنه قرأ بعضها جالسًا وبعضها قائمًا.
وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به بزيادة فإذا قضى صلاته نظر فإن كنت يقظى تحدث معي وإن كنت نائمة اضطجع، ورواه مسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي والترمذي من طريق معن كلهم عن مالك به.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَا يُصَلِّيَانِ النَّافِلَةَ وَهُمَا مُحْتَبِيَانِ) قال الباجي: يريد في حال القيام والأصل أن الجلوس في الصلاة موضع القيام ليس له صورة مخصوصة لا تجزئ إلا عليها بل تجزئ على صفات الجلوس من احتباء وتربع وتورّك وغيرها، قال القاضي عبد الوهاب: وأفضلها التربع لأنه أوقر ولعل عروة وسعيدًا كانا يحتبيان عند السآمة للتربع اهـ.
وقد روى الدارقطني عن عائشة كان صلى الله عليه وسلم يصلي متربعًا.



رقم الحديث 310 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَؤُمُّ النَّاسَ بِالْعَقِيقِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَنَهَاهُ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا نَهَاهُ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُعْرَفُ أَبُوهُ.


الْعَمَلِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) بكسر الزاي وخفة النون عبد الله بن ذكوان ( عَنِ الْأَعْرَجِ) عبد الرحمن بن هرمز ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ بِالنَّاسِ) إمامًا ( فَلْيُخَفِّفْ) مع التمام.
قال ابن دقيق العيد: التطويل والتخفيف من الأمور الإضافية فقد يكون الشيء خفيفًا بالنسبة إلى عادة قوم طويلاً بالنسبة إلى عادة آخرين.
قال: وقول الفقهاء لا يزيد الإمام في الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات لا يخالف ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يزيد على ذلك لأن رغبة الصحابة في الخير تقتضي أن لا يكون ذلك تطويلاً.
قال الحافظ: وأولى ما أخذ به حدّ التخفيف حديث أبي داود والنسائي عن عثمان بن أبي العاصي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أنت إمام قومك وأقدر القوم بأضعفهم.
إسناده حسن.

وأصله في مسلم: ( فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ) خلقة ( وَالسَّقِيمَ) من مرض ( وَالْكَبِيرَ) سنًا.
قال ابن عبد البر: أكثر رواة الموطأ لا يقولون والكبير وقاله جماعة منهم يحيى وقتيبة، وفي مسلم من وجه آخر عن أبي الزناد والصغير والكبير، وزاد الطبراني من حديث عثمان بن أبي العاصي، والحامل والمرضع.
وله من حديث عدي بن حاتم والعابر السبيل.

وفي البخاري ومسلم عن أبي مسعود الأنصاري: إن منكم منفرين فأيكم ما صلى بالناس فليتجوّز فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة وهي أشمل الأوصاف المذكورات ثم الجميع تعليل للأمر بالتخفيف، ومقتضاه أنه متى لم يكن فيهم متصف بصفة من المذكورات لم يضر التطويل، لكن قال ابن عبد البر: ينبغي لكل إمام أن يخفف جهده لأمره صلى الله عليه وسلم بالتخفيف، وإن علم الإمام قوّة من خلفه فإنه لا يدري ما يحدث عليهم من حادث وشغل وعارض حاجة وحدث بول وغيره.

وقال اليعمري: الأحكام إنما تناط بالغالب لا بالصورة النادرة فينبغي للأئمة التخفيف مطلقًا قال: وهذا كما شرع القصر في السفر وعلل بالمشقة وهي مع ذلك تشرع ولو لم يشق عملاً بالغالب لأنه لا يدري ما يطرأ عليه وهنا كذلك.

( وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ) ولمسلم: فليصل كيف شاء أي مخففًا أو مطوّلاً، واستدل به على جواز إطالة القراءة ولو خرج الوقت وصححه بعض الشافعية وفيه نظر لأنه يعارضه عموم حديث أبي قتادة في مسلم، وإنما التفريط بأن يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى، وإذا تعارضت مصلحة المبالغة في الكمال بالتطويل ومفسدة إيقاع الصلاة في غير وقتها كانت مراعاة تلك المفسدة أولى.

وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف، وأبو داود عن القعنبي كليهما عن مالك به.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ: قُمْتُ وَرَاءَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ غَيْرِي فَخَالَفَ عَبْدُ اللَّهِ بِيَدِهِ فَجَعَلَنِي حِذَاءَهُ) بكسر المهملة ومعجمة ممدود أي محاذيًا له عن يمينه لأنه موقف المأموم الواحد كما فعل صلى الله عليه وسلم مع ابن عباس.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَؤُمُّ النَّاسَ بِالْعَقِيقِ) موضع معروف بالمدينة ( فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَنَهَاهُ) عن الإمامة ( قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا نَهَاهُ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُعْرَفُ أَبُوهُ) فيكره أن يتخذ إمامًا راتبًا، وعلته عند مالك أنه يصير معرضًا لكلام الناس فيه فيأثمون بسببه، وقيل لأنه ليس له غالبًا من يفقهه في الدين فيغلب عليه الجهل.

وقال الباجي: لأن موضع الإمامة موضع رفعة وتقدّم في أهم أمر الدين وهي مما يلزم الخلفاء ويقوم به الأمراء فيكره أن يتقدّم لها من فيه نقص.

وقال ابن عبد البر: هذه كناية كالتصريح أنه ولد زنى فكره أن ينصب إمامًا لخلقه من نطفة خبيثة كما يعاب من حملت به أمه حائضًا أو من سكران ولا ذنب عليه هو في ذلك قال: وليس في شيء من الآثار ما يدل على مراعاة نسب في الإمامة وإنما فيها الدلالة على الفقه والقراءة والصلاح في الدين.