فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ الْقَائِمِ عَلَى صَلَاةِ الْقَاعِدِ

رقم الحديث 314 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَا يَقُولَانِ: الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الصُّبْحِ قَالَ مَالِكٌ: وَقَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ.


( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ) الكناني المدني تابع ثقة روى له مسلم والأربعة ( عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ) من ثقات التابعين لا يعرف اسمه ( أَنَّهُ قَالَ: أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا) مثلث الميم والأشهر الضم ( ثُمَّ قَالَتْ: إِذَا بَلَغْتَ هَذِهِ الْآيَةَ فَآذِنِّي) بالمد وذال مكسورة ونون ثقيلة أعلمني { { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ } } الخمس بأدائها في أوقاتها { { وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى } } أفردها بالذكر لفضلها { { وَقُومُوا للَّهِ قَانِتِينَ } } قيل معناه مطيعين لقوله صلى الله عليه وسلم كل قنوت في القراءة فهو طاعة.
رواه أحمد وغيره، وقيل ساكتين لحديث زيد بن أرقم: كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام رواه الشيخان.

( فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا فَأَمْلَتْ عَلَيَّ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) قال ابن عبد البر: فقوله: وصلاة العصر بالواو الفاصلة التي لم يختلف في ثبوتها في حديث عائشة هذا بخلاف حديث حفصة بعده قال: وثبوتها يدل على أنها ليست الوسطى.
قال الباجي: لأن الشيء لا يعطف على نفسه قال: وهذا يقتضي أن يكون بعد جمع القرآن في مصحف وقبل أن تجمع المصاحف على المصاحف التي كتبها عثمان وأنفذها إلى الأمصار لأنه لم يكتب بعد ذلك في المصاحف إلا ما أجمع عليه وثبت بالتواتر أنه قرآن.

( قَالَتْ عَائِشَةُ: سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قال الباجي: يحتمل أنها سمعتها على أنها قرآن ثم نسخت كما في حديث البراء، فلعل عائشة لم تعلم بنسخها أو اعتقدت أنها مما نسخ حكمه وبقي رسمه، ويحتمل أنه ذكرها صلى الله عليه وسلم على أنها من غير القرآن لتأكيد فضيلتها فظنتها قرآنًا فأرادت إثباتها في المصحف لذلك أو أنها اعتقدت جواز إثبات غير القرآن معه على ما روي عن أبيّ وغيره من الصحابة أنهم جوّزوا إثبات القنوت وبعض التفسير في المصحف وإن لم يعتقدوه قرآنًا اهـ.
واحتماله الثاني ليس بظاهر.

وقال أبو عمر: النسخ في القرآن ثلاثة أوجه.
نسخ رسم فلا يقرأ به إلا أنه ربما جاءت منه أشياء لا يقطع بأنها قرآن، والثاني نسخ خطه وبقاء حكمه كقوله وصلاة العصر عند من ذهب إليه، والثالث أن ينسخ حكمه ويبقى خطه كقوله: { { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأزْوَاجِهِم } } نسخها { { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } } اهـ باختصار.

وحديث عائشة هذا رواه مسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي والترمذي عن قتيبة الثلاثة عن مالك به.
وروى مسلم عن عقبة عن شقيق بن عقبة عن البراء بن عازب قال: نزلت هذه الآية ( حافظوا على الصلوات وصلاة العصر) فقرأناها ما شاء الله ثم نسخها الله فنزلت { { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى } } فقال رجل كان جالسًا عند شقيق له: هي إذًا صلاة العصر، فقال البراء: قد أخبرتك كيف نزلت وكيف نسخها الله فالله أعلم.

قال القرطبي: وهذا أقوى حجة لمن قال إنها غير العصر لأنه يشعر بأنها أبهمت بعدما عينت.
قال الحافظ: وفي إشعاره بذلك نظر بل الذي فيه أنها عينت ثم وصفت ولذا قال الرجل فهي إذًا العصر ولم ينكر عليه البراء نعم جواب البراء يشعر بالتوقف لما يطرقه من الاحتمال اهـ.

وعبارة المفهم يظهر منه التردّد لكن في ماذا هل نسخ تعيينها فقط وبقيت هي الوسطى أو نسخ كونها الوسطى فيه تردّد وإلا فقد أخبر بوقوع النسخ، وقال الأبيّ: لا يعترض على أنها العصر بقول البراء قد أخبرتك إلخ لاحتمال أن المنسوخ النطق بلفظ العصر، وقد أشار البراء إلى الاحتمال بقوله، فالله أعلم.

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَمْرِو) بفتح العين ( بْنِ رَافِعٍ) العدوي مولاهم المدني مقبول ( أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ مُصْحَفًا لِحَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ: إِذَا بَلَغْتَ هَذِهِ الْآيَةَ فَآذِنِّي) أعلمني ( { { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا للَّهِ قَانِتِينَ } } فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا فَأَمْلَتْ) بفتح الهمزة وسكون الميم وفتح اللام الخفيفة من أملى وبفتح الميم واللام مشدّدة من أملل يملل أي ألقت ( عَلَيَّ) يقال أمللت الكتاب على الكاتب إملالاً ألقيته عليه وأمليته عليه إملاء فالأولى لغة الحجاز وبني أسد والثانية لغة بني تميم وقيس، وجاء الكتاب العزيز بهما { { وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ } } فهي تملي عليه ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ) بالواو ( وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) وروي بحذف الواو وزعم بعضهم أن إثبات الواو وسقوطها سواء كقوله:

أنا الملك القرم وابن الهمام
وليث الكتيبة في المزدحم

أراد القرم ابن الهمام وقوله: { { مَن كَانَ عَدُوًّا للَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } } يريد وملائكته جبريل وميكائيل و { { فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } } أي فاكهة نخل ورمّان وخولف هذا القائل في ذلك، ومالك روى حديث حفصة موقوفًا، ورواه هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عمر فذكره، وزاد عن حفصة هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه ابن عبد البر.

وروى إسماعيل بن إسحاق وابن المنذر من طريق عبيد الله عن نافع: أن حفصة أمرت مولى لها أن يكتب لها مصحفًا فذكر مثله وزاد أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولها: قال نافع: فقرأت ذلك المصحف فوجدت فيه الواو.
قال أبو عمر: إسناده صحيح.

قال الحافظ: وحديث عائشة وحفصة من حجج من قال إنها غير العصر لأن العطف يقتضي المغايرة فتكون العصر غير الوسطى، وأجيب: باحتمال زيادة الواو، ويؤيده ما رواه أبو عبيد بإسناد صحيح عن أبيّ بن كعب أنه كان يقرؤها ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر) بغير واو وباحتمال أنها عاطفة لكن عطف صفة لا عطف ذات بدليل رواية ابن جرير عن عروة كان في مصحف عائشة والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر.

وقال الحافظ صلاح الدين العلائي: حاصل أدلة من قال إنّ الوسطى غير العصر يرجع إلى ثلاثة أنواع.
أحدها: تنصيص بعض الصحابة وهو معارض بمثله ممن قال منهم إنها العصر وترجح بالنص المرفوع وإذا اختلف الصحابة لم يكن قول بعضهم حجة على غيره فتبقى حجة المرفوع قائمة.
ثانيها: معارضة المرفوع بالتأكيد على فعل غيرها كالحث على المواظبة على الصبح والعشاء كما تقدّم وهو معارض بما هو أقوى منه وهو الوعيد الشديد الوارد في ترك العصر وتقدّم أيضًا.
ثالثها: ما جاء عن حفصة وعائشة من قراءة وصلاة العصر فإن العطف يقتضي المغايرة، وهذا يرد عليه إثبات القرآن بخبر الآحاد وهو ممتنع وكونه يتنزل منزلة خبر الواحد مختلف فيه سلمنا لكن لا يصلح معارضًا للنص الصريح فليس العطف صريحًا في اقتضاء المغايرة لوروده في نفس الصفات كقوله تعالى { { الأوَّلُ وَالآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ } } كذا قال ويردّ الأوّل بأن ما قال إنه النص محتمل كما يأتي عن الباجي، والثاني بأنه وإن صح الذي تفوته العصر كأنما وتر أهله وماله لكن لم يرد وصف تارك الجماعة فيها بالنفاق كما في الصبح والعشاء، والثالث بأنه لم يثبت القرآن بخبر الآحاد إنما هو بمنزلة الحديث فيحتج به إذا صرح القارئ به برفعه كما هنا على الأصح، وحمله على زيادة الواو أو جعله من عطف الصفات خلاف الأصل، والظاهر وقد علم أنّ ما قال إنه نص صريح لم يسلم.

( مَالِكٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ) بمهملتين مصغر ( عَنِ ابْنِ يَرْبُوعٍ الْمَخْزُومِيِّ) هو عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع نسب إلى جدّه تابعي ثقة وقيل يربوع أبوه، والصواب أنه جدّه قاله الدارقطني ( أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ: الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الظُّهْرِ) وجزم زيد بذلك لقوله كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ولم تكن صلاة أشدّ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها فنزلت { { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ } } الآية.
رواه عنه أبو داود.

وروى الطيالسي عن زهرة بن معبد قال: كنا عند زيد بن ثابت فأرسلوا يسألونه عن الصلاة الوسطى فقال: هي الظهر.
ورواه من وجه آخر وزاد: كان صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهجير فلا يكون وراءه إلا الصف أو الصفان والناس في قائلتهم وفي تجارتهم فنزلت.
وكذا جاء عن أبي سعيد وعائشة أنها الظهر أخرجه ابن المنذر وغيره وبه قال أبو حنيفة في رواية، فقول إسماعيل القاضي من قال إنها الظهر ذهب إلى أنها وسط النهار، أو لعل بعضهم روى في ذلك أثرًا فتبعه تقصير شديد لأن زيد بن ثابت اعتمد على نزول الآية في الظهر.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَا يَقُولَانِ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الصُّبْحِ) روى ابن جرير من طريق عوف الأعرابي عن أبي رجاء العطاردي قال: صليت خلف ابن عباس الصبح فقنت فيها ورفع يديه ثم قال هذه الصلاة الوسطى التي أمرنا أن نقوم فيها قانتين.
وأخرجه أيضًا من وجه آخر عن ابن عمر، وأما علي فالمعروف عنه أنها العصر رواه مسلم من طريق ابن سيرين ومن طريق عبيدة السلماني عنه والترمذي والنسائي من طريق زرّ بن حبيش قال: قلنا لعبيدة سل عليًا عن الصلاة الوسطى فسأله فقال: كنا نرى أنها الصبح حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الأحزاب: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر.
كذا في الفتح.

وسبقه في التمهيد إلى ذلك وزاد وقد قال قوم إن ما في الموطأ هنا عن علي أخذه من حديث حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جدّه عن علي أنه قال: الصلاة الوسطى صلاة الصبح لأنه لا يوجد إلا من حديث حسين وهو متروك كذا قال وفيه نظر لما علم أن بلاغ مالك صحيح وحسين ممن كذبه مالك، ومحال أن يعتمد على من كذبه.

( قَالَ مَالِكٌ وَقَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ) أنها الصبح ( أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ) وقال به أبيّ بن كعب وأنس وجابر وأبو العالية وعبيد بن عمير وعطاء وعكرمة ومجاهد وغيرهم نقله ابن أبي حاتم عنهم.
وروى ابن جرير عن أبي العالية: صليت خلف عبد الله بن قيس بالبصرة في زمن عمر صلاة الغداة فقلت لهم ما الصلاة الوسطى؟ قالوا: هي هذه الصلاة وهو قول مالك كما رأيت وهو الذي نص عليه الشافعي في الأمّ، واحتجوا بأن فيها القنوت وقد قال تعالى: { { وَقُومُوا للَّهِ قَانِتِينَ } } وقال تعالى: { { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ } } وبأنها لا تقصر في السفر وبأنها بين صلاتي جهر وصلاتي سر.

قال ابن عباس: تصلى في سواد من الليل وبياض من النهار وهي أكثر الصلوات تفوت الناس رواه إسماعيل القاضي قال: ويدل على ذلك قوله تعالى { { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } } فخصت بهذا النص مع أنها مختصة بوقتها لا يشاركها غيرها فيه، وأوضحه الباجي فقال: ووقتها أولى بأن يوصف بالتوسط لأنها لا تشارك فلو جعلناها العصر لكنا فصلناها من مشاركتها الظهر وأضفنا إلى الظهر ما لا يشاركها وهي الصبح.

وأمّا قوله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر فيحتمل أن يريد به الوسطى من الصلوات التي شغل عنها وهي الظهر والعصر والمغرب لأنها وسطى هذه الثلاث لتأكد فضلها عن الصلاتين اللتين معها ولا يدل ذلك على أنها أفضل من صلاة الصبح وإنما الخلاف عند الإطلاق اهـ.

وذهب أكثر علماء الصحابة كما قال الترمذي وجمهور التابعين كما قال الماوردي وأكثر علماء الأثر كما قال ابن عبد البر إلى أنها العصر، وقال به من المالكية ابن حبيب وابن العربي وابن عطية وهو الصحيح عند الحنفية والحنابلة، وذهب إليه أكثر الشافعية مخالفين نص إمامهم لصحة الحديث فيه، وقد قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي.
قال ابن كثير: لكن صمم جماعة من الشافعية أنها الصبح قولاً واحدًا اهـ.
أي لأنه نص الشافعي وقد علم أن كون الحديث مذهبه محله إذا علم أنه لم يطلع عليه أمّا إذا احتمل اطلاعه عليه وأنه حمله على محمل فلا يكون مذهبه، وهذا يحتمل أن يكون حمله على نحو ما قال الباجي.

وقيل: المغرب رواه ابن أبي حاتم بإسناد حسن عن ابن عباس وابن جرير عن قتيبة بن ذؤيب، وحجتهم أنها معتدلة في عدد الركعات وأنها لا تقصر في الأسفار وأن العمل مضى على المبادرة إليها والتعجيل بها في أوّل ما تغرب الشمس ولأن قبلها صلاتا سرّ وبعدها صلاتا جهر وقيل العشاء نقله ابن التين والقرطبي، واحتج له بأنها بين صلاتين لا تقصران ولأنها تقع عند النوم، فلذا أمرنا بالمحافظة عليها واختاره الواحدي.

وقال الباجي: وصف الصلاة بالوسطى يحتمل أنها بمعنى فاضلة نحو { { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } } أي فاضلة قال أوسطهم وأن وقتها يتوسط أوقات الصلوات وأن توصف بذلك للتخصيص، وإن كان كل صلاة وسطى، وعلى هذه الوجوه الثلاثة فكل صلاة يصح أن توصف بأنها وسطى، لكن من جهة الفضيلة الصبح أحقها بذلك لتأكد فضيلتها إذ ليس في الصلوات أشق منها لأنها في ألذ أوقات النوم ويترك لها كالاضطجاع والدفء ويقوم في شدّة البرد ويتناول الماء البارد ووقتها أولى بأن توصف بالتوسط لأنها لا تشارك اهـ.

وقيل: الصبح والعصر معًا لقوة الأدلة فظاهر القرآن الصبح وظاهر السنة العصر قال ابن عبد البر: الاختلاف القوي في الصلاة الوسطى إنما هو في هاتين الصلاتين وغير ذلك ضعيف، وقيل جميع الصلوات الخمس قاله معاذ بن جبل، وأخرجه ابن أبي حاتم بإسناد حسن عن ابن عمر، والحجة له أن قوله { { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ } } يتناول الفرائض والنوافل فعطف عليه الوسطى وأريد بها كل الفرائض تأكيدًا لها، واختاره ابن عبد البر.

وقيل: الجمعة ذكره ابن حبيب واحتج بما اختصت به من الاجتماع والخطبة، وقيل الظهر في الأيام والجمعة يوم الجمعة وقيل الصبح والعشاء معًا لحديث الصحيح أنهما أثقل الصلاة على المنافقين واختاره الأبهري من المالكية، وقيل الصبح أو العصر على الترديد وهو غير المتقدم الجازم بأن كلاً منهما يقال لها الوسطى وصلاة الجماعة أو الخوف أو الوتر أو صلاة عيد الأضحى أو صلاة عيد الفطر أو صلاة الضحى أو واحدة من الخمس غير معينة أو التوقف، فقد روى ابن جرير بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مختلفين في الصلاة الوسطى هكذا وشبك بين أصابعه أو صلاة الليل فهذه عشرون قولاً: وزاد بعض المتأخرين أنها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

قال القرطبي: وصار إلى أنها أبهمت جماعة من العلماء المتأخرين وهو الصحيح لتعارض الأدلة وعسر الترجيح اهـ.

فإن أراد أبهمت في الخمس فهو القول المحكي وإن أراد أبهمت فيما هو أعم من الخمس فيكون زائدًا، وقد ضعف القرطبي القول بأنها الصلوات كلها لأنه يؤدّي إلى خلاف عادة الفصحاء لأنهم لا يذكرون شيئًا مفصلاً مبينًا ثم يذكرونه مجملاً بل يذكرون الشيء مجملاً أو كليًا ثم يفصلونه، وأيضًا لا يطلقون لفظ الجمع ويعطفون عليه أحد أفراده ويريدون بذلك الفرد ذلك الجمع إذ ذاك غاية في الإلباس، وأيضًا فلو أريد ذلك كان كأنه قيل حافظوا على الصلوات والصلاة ويريد بالثاني الأوّل وهذا ليس فصيحًا في لفظه ولا صحيحًا في معناه إذ لا يحصل بالثاني تأكيد الأوّل لأنه معطوف عليه ولا يفيد معنى آخر فيكون حشوًا، فحمل كلام الله تعالى على شيء من هذه الثلاثة غير سائغ ولا جائز كذا قال وهو مبني على فهمه أن المراد بالصلوات خصوص الخمس وليس كذلك، بل يتناول الفرائض والنوافل فعطف الوسطى مرادًا بها الفرائض للتأكيد والتشريف كما قدّمنا وهذا سائغ جائز وبعد وروده عن صحابي قال فيه المصطفى إنه أعلم بالحلال والحرام لا يليق التشغيب عليه بمثل هذه الأمور العقلية.



رقم الحديث 315 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ مَوْلًى لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَوْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: صَلَاةُ أَحَدِكُمْ وَهُوَ قَاعِدٌ مِثْلُ نِصْفِ صَلَاتِهِ وَهُوَ قَائِمٌ.


( مَالِكٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) مالك الزهري المدني ثقة حجة روى له الخمسة مات سنة أربع وثلاثين ومائة ( عَنْ مَوْلًى لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَوْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ) شك الراوي ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ) قال ابن عبد البر: كذا اتفق الرواة كلهم عن مالك، ورواه ابن عيينة عن إسماعيل المذكور فقال عن أنس والقول عندهم قول مالك، والحديث محفوظ لابن عمرو اهـ.

ورواه ابن ماجه من طريق الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عبد الله بن باباه بموحدتين بينهما ألف المكي عن عبد الله بن عمرو، والنسائي من طريق سفيان الثوري عن حبيب عن أبي موسى الحذاء عن عبد الله بن عمرو.
وأخرج مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: حدّثت أنه صلى الله عليه وسلم قال: صلاة الرجل قاعدًا نصف صلاة القائم فأتيته فوجدته يصلي جالسًا فوضعت يدي على رأسه فقال: ما لك؟ فأخبرته.
فقال: أجل ولكني لست كأحدكم وهذا ينبني على أن المتكلم داخل في عموم خطابه وهو الصحيح، وعدّ عياض وغيره هذا في خصائصه صلى الله عليه وسلم.

( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: صَلَاةُ أَحَدِكُمْ وَهُوَ قَاعِدٌ مِثْلُ نِصْفِ صَلَاتِهِ وَهُوَ قَائِمٌ) قال ابن عبد البر: لما في القيام من المشقة أو لما شاء الله أن يتفضل به، وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن أفضل الصلاة فقال: طول القنوت والمراد صلاة النافلة لأن الفرض إن أطاق القيام فقعد فصلاته باطلة عند الجميع عليه إعادتها فكيف يكون له نصف فضل صلاة بل هو عاص.
وإن عجز عنه ففرضه الجلوس اتفاقًا لأن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها فليس القائم بأفضل منه لأن كلا أدّى فرضه على وجهه.

وقال الباجي: يريد أجر الصلاة لا تتبعض وهذا وإن كان عامًا لكن المراد بعض الصلوات لأن القيام ركن باتفاق فهو فيمن صلى الفريضة غير مستطيع للقيام أو نافلة مطلقًا.
وعن ابن الماجشون أنه في المريض يستطيع القيام لكن القعود أرفق به.
فأمّا من أقعده المرض في فريضة أو نافلة فثوابه مثل صلاة القائم والأوّل أظهر وقال إسماعيل القاضي الحديث ورد في النوافل ويحتاج إلى دليل انتهى.
وتعقبه الحافظ بأنه إن أراد أنه لا يستطيع القيام إلا بمشقة فذاك وإلا فقد أبى ذلك أكثر العلماء.

وحكى ابن التين وغيره عن أبي عبيد وابن الماجشون وإسماعيل القاضي وابن شعبان والإسماعيلي والداودي: وغيرهم أنهم حملوا الحديث على المتنفل، وكذا نقله الترمذي عن سفيان الثوري قال: وأما المعذور إذا صلى جالسًا فله مثل أجر القائم.
وفي الحديث ما يشهد له يشير إلى ما أخرجه البخاري عن أبي موسى رفعه: إذا مرض العبد - أو سافر - كتب الله له صالح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم وشواهده كثيرة، ويؤيده قاعدة تغليب فضل الله تعالى وقبول عذر من له عذر والله أعلم.

( مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ) هو منقطع كما قال ابن عبد البر وغيره لأن الزهري ولد سنة ثمان وخمسين وابن عمرو مات بعد الستين فلم يلقه ( أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ نَالَنَا وَبَاءٌ) بالمدّ سرعة الموت وكثرته في الناس ( مِنْ وَعْكِهَا) بفتح الواو وسكون العين قال أهل اللغة الوعك لا يكون إلا من الحمى دون سائر الأمراض قاله ابن عبد البر ( شَدِيدٌ) بالرفع صفة وباء ( فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ فِي سُبْحَتِهِمْ قُعُودًا) يعني نافلتهم.
قال صلى الله عليه وسلم في الأمراء الذين يؤخرون الصلاة: صلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم معهم سبحة أي نافلة ففيه دليل على أن الحديث قبله في النافلة قاله ابن عبد البر.

( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَلَاةُ الْقَاعِدِ مِثْلُ) أجر ( نِصْفِ صَلَاةِ الْقَائِمِ) لأن الصلاة لا تتبعض ولا نصفها دون سائرها، وقد علم أن هذا محمول عند الأكثر على النافلة ولا يلزم منه أن لا تزاد صورة ذكرها الخطابي، وهي أن يحمل الحديث على مريض مفترض يمكنه القيام بمشقة فجعل أجر القاعد على النصف ترغيبًا له في القيام مع جواز قعوده، ويشهد له ما رواه أحمد من طريق ابن جريج عن ابن شهاب عن أنس قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهي محمة فحم الناس فدخل صلى الله عليه وسلم المسجد والناس يصلون من قعود، فقال صلى الله عليه وسلم: صلاة القاعد نصف صلاة القائم رجاله ثقات، وله متابع في النسائي من وجه آخر وهو وارد في المعذور فيحمل على من تكلف القيام مع مشقته عليه، ولم يبين في الأحاديث صفة القعود فيؤخذ من إطلاقه جوازه على أي صفة شاء المصلي، واختلف في الأفضل فعن الأئمة الثلاثة يصلي متربعًا، وقيل يجلس مفترشًا وهو موافق لقول الشافعي في مختصر المزني وصححه الرافعي ومن تبعه وقيل متوركًا وفي كل منها أحاديث.