فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ صَلَاةِ الضُّحَى

رقم الحديث 364 حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَتْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَامَ الْفَتْحِ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ.


صَلَاةِ الضُّحَى

( مَالِكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْسَرَةَ) الديلي بكسر الدال وسكون التحتية مولاهم أبي عروة المدني ثقة كان مالك يثني عليه ويصفه بالفضل مات سنة ثلاث وثلاثين ومائة ( عَنْ أَبِي مُرَّةَ) اسمه يزيد بتحتية وزاي وقيل عبد الرحمن المدني الثقة من رجال الجميع ( مَوْلَى عَقِيلِ) بفتح العين ( بْنِ أَبِي طَالِبٍ) الصحابي الشهير ويقال مولى أخته أمّ هانئ والصحيح الأوّل قاله في التمهيد.
وقال الحافظ: هو مولى أمّ هانئ حقيقة ونسب إلى ولاء عقيل مجازًا بأدنى ملابسة لأنه أخوها أو لأنه كان يكثر ملازمة عقيل.

( أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ) بكسر النون فهمزة ( بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ) الهاشمية اسمها فاختة على الأشهر وقيل فاطمة وقيل هند صحابية لها أحاديث ماتت في خلافة معاوية ( أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَامَ الْفَتْحِ) بمكة ( ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ) بكسر النون وفتح الياء مفعول صلى ( مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ) وذلك ضحى كما في الحديث بعده.

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بفتح النون وسكون المعجمة سالم بن أبي أمية ( مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بضم العين ( أَنَّ أَبَا مُرَّةَ) بضم الميم وشدّ الراء ( مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) حقيقة أو مجازًا وللأويسي والقعنبي والتنيسي مولى أمّ هانئ ( أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ) لمكة في رمضان سنة ثمان ( فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ) جملتان حاليتان وفيه ستر المحارم عند الاغتسال وذلك مباح حسن، وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أمّ هانئ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة واغتسل وصلى ثماني ركعات فلم أر صلاة قط أخف منها غير أنه يتم الركوع والسجود فظاهر هذا أن الاغتسال وقع في بيتها.

قال الحافظ: ويجمع بينهما بأن ذلك تكرّر منه ويؤيده ما رواه ابن خزيمة من طريق مجاهد عن أمّ هانئ أنّ أبا ذر ستره لما اغتسل، وفي هذه الرواية أنّ فاطمة سترته، ويحتمل أنه نزل في بيتها بأعلى مكة وكانت هي في بيت آخر بمكة فجاءت إليه فوجدته يغتسل فيصح القولان، وأما الستر فيحتمل أنّ أحدهما ستره في ابتداء الغسل والآخر في أثنائه.

( قَالَتْ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ:) بعد ردّ السلام ولم تذكره للعلم به قال أبو عمر فيه جواز السلام على من يغتسل وردّه عليه ( مَنْ هَذِهِ) يدل على أنّ الستر كان كثيفًا وعلم أنها امرأة لأن ذلك الموضع لا يدخل عليه فيه الرجال، واحتج به من ردّ شهادة الأعمى لأنه صلى الله عليه وسلم لم يميز صوت أمّ هانئ مع علمه بها.
قال الباجي: ولا حجة فيه لأنّ من يجيز ذلك لا يقول أنّ كل من يسمع يميز صوته.

( فَقُلْتُ: أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ) فيه إيضاح الجواب غاية التوضيح كما في ذكر الكنية والنسب هنا ( فَقَالَ: مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ) بباء الجرّ، وفي رواية يا أمّ هانئ بيا النداء والأولى رواية الأكثر كما في المشارق أي لقيت رحبًا وسعة وفيه كرم الأخلاق وتأنيس الأهل ( فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ) بضم الغين ( قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ) بكسر النون وفتح الياء مفعول فصلى حال كونه ( مُلْتَحِفًا) أي ملتفًا ( فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ) زاد كريب عن أمّ هانئ يسلم من كل ركعتين أخرجه ابن خزيمة وفيه ردّ على من تمسك به لصلاتها موصولة سواء صلى ثمانية أو أقل، وللطبراني عن ابن أبي أوفى أنه صلى ركعتين فسألته امرأته فقال: إنّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح ركعتين ورأت أمّ هانئ بقية الثمان وهذا يقوّي أنه صلاها مفصولة ( ثُمَّ انْصَرَفَ) من صلاته.

( فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ) أي قال أو ادّعى ( ابْنُ أُمِّي عَلِيٌّ) وهي شقيقته أمهما فاطمة بنت أسد بن هاشم لكن خصت الأمّ لأنها آكد في القرابة ولأنها بصدد الشكاية في إخفار ذمتها فذكرت ما بعثها على الشكوى حيث أصيبت من محل يقتضي أن لا تصاب منه لما جرت العادة أنّ الأخوة من جهة الأمّ أشد في الحنان والرعاية من غيرها.
قال ابن عبد البر: كانوا يسمون كل شقيق بابن أمّ دون الأب ليدلوا على قرب المحل من النفس إذ جمعهم بطن واحد.
قال هارون: { { يَا ابْنَ أُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي } } ويا { { ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي } } وهما شقيقان.

( أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا أَجَرْتُهُ) بالراء أي أمّنته وفيه إطلاق اسم الفاعل على من عزم على التلبس بالفعل وفي تأخيرها سؤال حاجتها حتى قضى صلاته جميل أدب وحسن تناول ( فُلَانُ) بالنصب بدل من رجلاً أو من الضمير المنصوب وبالرفع بتقدير هو فلان ( بْنُ هُبَيْرَةَ) بضم الهاء وفتح الموحدة ابن أبي وهب بن عمرو المخزومي زوج أمّ هانئ ولدت منه أولادًا منهم هانئ الذي كنيت به.

قال الحافظ: وعند أحمد والطبراني من طريق أخرى عن أبي مرة عن أمّ هانئ أني قد أجرت حموين لي قال أبو العباس بن شريح وغيره: هما جعدة بن هبيرة ورجل آخر من مخزوم كانا فيمن قاتل خالد بن الوليد ولم يقبلا الأمان فأجارتهما أمّ هانئ فكانا من أحمائها.

وقال ابن الجوزي: إن كان ابن هبيرة منها فهو جعدة كذا قال وجعدة فيمن له روية ولم يصح له صحبة وذكره من حيث الرواية في التابعين البخاري وابن حبان وغيرهما، فكيف يتهيأ لمن هذا سبيله في صغر السنّ أن يكون عام الفتح مقاتلاً حتى يحتاج إلى الأمان ثم لو كان ابن أمّ هانئ لم يهم علي بقتله لأنها كانت قد أسلمت وهرب زوجها وترك ولدها عندها، وجوّز ابن عبد البر أن يكون ابنًا لهبيرة من غيرها مع نقله أن أهل النسب لم يذكروا لهبيرة ولدًا من غير أمّ هانئ، وجزم ابن هشام في تهذيب السيرة بأن اللذين أجارتهما أم هانئ هما الحارث بن هشام وزهير بن أبي أمية المخزوميان.

وروى الأزرقي بسند فيه الواقدي في حديث أمّ هانئ هذا أنهما الحارث بن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة.
وحكى بعضهم أنهما الحارث وهبيرة بن أبي وهب وليس بشيء لأن هبيرة هرب عند فتح مكة إلى نجران فلم يزل بها مشركًا حتى مات كما جزم به ابن إسحاق وغيره، فلا يصح ذكره فيمن أجارته أمّ هانئ، والذي يظهر لي أن في رواية الباب حذفًا كأنه كان فيه فلان ابن عم هبيرة فسقط لفظ عم أو كان فيه فلان قريب هبيرة فتغير لفظ قريب بلفظ ابن وكل من الحارث بن هشام وزهير بن أبي أمية وعبد الله بن أبي ربيعة يصح وصفه بأنه ابن عم هبيرة وقريبه لكون الجميع من بني مخزوم.

( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ) أي أمّنا من أمّنت ( يَا أُمَّ هَانِئٍ) قال ابن عبد البر: فيه جواز أمان المرأة وإن لم تكن تقاتل؟ وبه قال الجمهور منهم الأئمة الأربعة.
وقال ابن الماجشون: إن أجازه الإمام جاز وإلا ردّ لقوله أجرنا من أجرت، وأجاب الجمهور: بأنه إنما قال ذلك تطييبًا لنفسها بإسعافها وإن كانت صادفت حكم الله في ذلك.

وقد خرّج قاسم بن أصبغ هذا الحديث بلفظ: أتاني يوم الفتح حموان فأجرتهما فأتى عليّ يريد قتلهما فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالأبطح بأعلى مكة فقلت: يا رسول الله إني أمّنت حموين لي وإن ابن أمي عليًا يريد قتلهما فقال: ما كان له ذلك.
وفي رواية: ليس له ذلك قد أجرنا من أجرت ففي قوله ليس له ذلك دليل على صحة هذا القول، ويدل عليه الحديث الآخر: المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمّتهم أدناهم ويردّ عليهم أقضاهم وهم يد على من سواهم إذ معنى يسعى بذمّتهم يجوز تأمين المسلم ولو كان ذمّيًا أو امرأة أو عبدًا اهـ.

وحكى ابن المنذر الإجماع على جواز تأمين المرأة إلا ابن الماجشون وحكاه غيره عن سحنون أيضًا.

( قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: وَذَلِكَ ضُحًى) أي صلاة ضحى ففيه إثبات استحباب الضحى وقال قوم: إنه لا دلالة فيه على ذلك، قال عياض: لأنها إنما أخبرت عن وقت صلاته.
قالوا: وإنما هي سنة الفتح، وقد صلاها خالد بن الوليد في بعض فتوحه كذلك.
وقال السهيلي: هذه الصلاة تعرف عند العلماء بصلاة الفتح، وكان الأمراء يصلونها إذا فتحوا بلدًا.
قال ابن جرير: صلاها سعد بن أبي وقاص حين افتتح المدائن في إيوان كسرى قال: وهي ثمان ركعات لا يفصل بينها ولا تصلى بإمام.
قال السهيلي: ومن سننها أيضًا أن لا يجهر فيها بالقراءة والأصل فيها صلاته يوم الفتح، وقيل إنها كانت قضاء عما شغل عنه تلك الليلة من حزبه، وتعقب ذلك النووي بأن الصواب صحة الاستدلال به لما رواه أبو داود وغيره من طريق كريب عن أمّ هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح سبحة الضحى ثمان ركعات يسلم من كل ركعتين.
ولمسلم في كتاب الطهارة من طريق أبي مرّة عنها ثم صلى ثمان ركعات لسبحة الضحى.

وروى ابن عبد البر في التمهيد من طريق عكرمة بن خالد عن أمّ هانئ قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم في فتح مكة فنزل بأعلى مكة فصلى ثمان ركعات فقلت: ما هذه الصلاة؟ قال: هذه صلاة الضحى واستدل به على أن أكثر الضحى ثمان ركعات، واستبعده السبكي ولكن وجه بأن الأصل في العبادة التوقيف وهذا أكثر ما ورد من فعله صلى الله عليه وسلم.

وورد أنه صلى الضحى ركعتين كما في الصحيح من حديث عتبان والطبراني وابن عدي عن ابن أبي أوفى، وفي مسلم عن عائشة كان صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعًا.
وفي الطبراني عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم صلى الضحى ست ركعات.

وورد من قوله زيادة على ذلك كحديث أنس مرفوعًا: من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصرًا في الجنة أخرجه الترمذي واستغربه، وضعفه النووي في شرح المهذب.
قال الحافظ: وليس في إسناده من أطلق عليه الضعف.

وللطبراني عن أبي الدرداء مرفوعًا من صلى الضحى ركعتين لم يكتب من الغافلين ومن صلى أربعًا كتب من القانتين ومن صلى ستًا كُفي ذلك اليوم ومن صلى ثمانيًا كُتب من العابدين ومن صلى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتًا في الجنة وفي إسناده ضعف أيضًا وله شاهد عن أبي ذرّ عند البزار وفي إسناده ضعف أيضًا، لكن إذا ضما إلى حديث أنس قوي وصلح للاحتجاج به، ونقل الترمذي عن أحمد أن أصح شيء ورد في الباب حديث أمّ هانئ وهو كما قال.

وقد أخرجه البخاري في مواضع عن عبد الله بن مسلمة، وعن إسماعيل بن أبي أويس، وعن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى أربعتهم عن مالك به، وله طرق.

وفي مسلم عن عبد الله بن الحارث الهاشمي سألت وحرصت على أن أحدًا من الناس يخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم سبح سبحة الضحى فلم أجد غير أمّ هانئ حدثتني، فذكر الحديث، وعبد الله بن الحارث هو ابن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ذكر في الصحابة لأنه ولد على عهده صلى الله عليه وسلم، وبين في رواية ابن ماجه وقت سؤاله فقال: سألت في زمن عثمان والناس متوافرون.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ) الزهري ( عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ) بن العوّام ( عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ) بضم السين أي نافلته وأصلها التسبيح وخصت النافلة بذلك لأن التسبيح الذي في الفريضة نافلة فقيل لصلاة النافلة سبحة لأنها كالتسبيح في الفريضة.

قال في التمهيد: كان الزهري يفتي بحديث عائشة هذا ويقول: إنه صلى الله عليه وسلم لم يصل الضحى قط وإنما كان أصحابه يصلونها بالهواجر ولم يكن عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود وابن عمر يصلونها ولا يعرفونها.

( وَإِنِّي لأستحبها) بفتح الهمزة والفوقية وكسر الحاء المهملة وبالموحدة المشدّدة من الاستحباب.
قال الباجي: كذا رواية يحيى، ورواه غيره لأسبحها أي بضم الهمزة وكسر الموحدة الثقيلة أي أتنفل بها.
قال الحافظ: ولكل وجه، لكن الثانية تقتضي الفعل بخلاف الأولى فلا تستلزمه.

وجاء عن عائشة في ذلك أشياء مختلفة رواها مسلم فله من طريق عبد الله بن شقيق قلت لعائشة: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: لا إلا أن يجيء من مغيبه، وعنده من طريق معاذة عنها: كان صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعًا ويزيد ما شاء الله، ففي الأوّل نفي رؤيتها لذلك مطلقًا، وفي الثاني تقييد النفي بغير المجيء من مغيبه، وفي الثالث الإثبات مطلقًا.

واختلف العلماء في ذلك فذهب ابن عبد البر وجماعة إلى ترجيح ما اتفق عليه الشيخان عنها يعني حديث مالك هذا دون ما انفرد به مسلم وقالوا: إنّ عدم رؤيتها لذلك لا يستلزم عدم الوقوع فيقدّم من روى عنه من الصحابة الإثبات انتهى.

وبه يعلم أن قول ابن عبد البر: حديث معاذة عن عائشة منكر غير صحيح مردود بحديث الباب معناه كصحة ما اتفق عليه الشيخان، وليس مراده تضعيفه الحقيقي فسقط تعجب السيوطي منه، وإنه لا سبيل إلى عدم صحة ما في مسلم، وذهب آخرون إلى الجمع.
قال البيهقي: عندي أنّ المراد بقولها ما رأيته يسبحها أي: يداوم عليها وقولها وإني لأسبحها أي أداوم عليها وكذا قولها: وما أحدث الناس شيئًا يعني المداومة عليها.

قال: وفي بقية الحديث إشارة إلى ذلك حيث قال: ( وَإِنْ) بكسر فسكون مخففة من الثقيلة أي وإنه ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَدَعُ) بفتح اللام أي يترك ( الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ خَشْيَةَ) بالنصب أي لأجل خشية ( أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ) بالنصب عطف على يعمل وليس مرادها تركه أصلاً.
وقد فرض عليه أو ندبه بل ترك أمرهم أن يعملوه معه لما مر أنهم لما اجتمعوا في رمضان للتهجد معه لم يخرج إليهم في الليلة الرابعة، ولا ريب أنه صلى الله عليه وسلم حزبه تلك الليلة.

وجمع ابن حبان بين قولها ما كان يصلي إلا أن يجيء من مغيبه، وقولها كان يصلي أربعًا ويزيد ما شاء الله بأنّ الأولى محمولة على صلاته إياها في المسجد، والثاني على البيت، ويعكر عليه حديث الباب ويجاب عنه بأن المنفي صفة مخصوصة، وقال عياض وغيره: قولها ما صلاها معناه ما رأيته يصليها والجمع بينه وبين قولها كان يصليها أنها أخبرت في الإنكار عن مشاهدتها، وفي الإثبات عن غيرها.

وجمع أيضًا باحتمال أنها نفت صلاة الضحى المعهودة حينئذ من هيئة مخصوصة بعدد مخصوص في وقت مخصوص، وأنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يصليها إذا قدم من سفر لا بعدد مخصوص كما قالت: كان يصلي أربعًا ويزيد ما شاء الله هذا وحديث عائشة يدل على ضعف ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن صلاة الضحى كانت واجبة عليه.
وعدّها جماعة من خصائصه صلى الله عليه وسلم لذلك ولم يثبت ذلك في خبر صحيح.

وقول الماوردي أنه صلى الله عليه وسلم واظب عليها بعد يوم الفتح إلى أن مات يعكر عليه ما في مسلم في حديث أم هانئ أنه لم يصلها قبل ولا بعد ولا يقال إن نفي أم هانئ يلزم منه العدم لأنا نقول يحتاج من أثبته إلى دليل، ولو وجد لم يكن حجة لأنّ عائشة ذكرت أنه كان إذا عمل عملاً أثبته فلا تستلزم المواظبة على هذا الوجوب انتهى.

وحديث الباب رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به، وتابعه ابن أبي ذئب عن ابن شهاب في البخاري وغيره.

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي الضُّحَى ثَمَانِيَ) بياء مفتوحة ( رَكَعَاتٍ ثُمَّ تَقُولُ: لَوْ نُشِرَ) بضم النون أي ( لِي أَبَوَايَ) أبو بكر وأم رومان ( مَا تَرَكْتُهُنَّ) أي الثمان ركعات.

قال الباجي: يحتمل أنها كانت تفعل ذلك بخبر منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم كخبر أم هانئ، ولذا اقتصرت على هذا العدد، ويحتمل أن هذا القدر هو الذي كان يمكنها المداومة عليه قال: وليست صلاة الضحى من الصلوات المحصورة بالعدد فلا يزاد عليها ولا ينقص منها ولكنها من الرغائب التي يفعل الإنسان منها ما أمكنه انتهى.

والمذهب عندنا أن أكثرها ثمان لأن ذلك أكثر ما ورد من فعله صلى الله عليه وسلم، وما ذكره الباجي من أنه لا حدّ لأكثرها اختيار له، وإليه ذهب قوم منهم ابن جرير.
ومن الشافعية الحليمي والروياني، وصوّبه السيوطي قائلاً فلم يرد في شيء من الأحاديث ما يدل على حصرها في عدد مخصوص.
وروى سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي قال: سأل رجل الأسود بن يزيد كم أصلي الضحى؟ قال: كم شئت.

وأخرج عن الحسن أنه سئل: هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون الضحى؟ قال: نعم كان منهم من يصلي ركعتين، ومنهم من يصلي أربعًا، ومنهم من يمدّ إلى نصف النهار.

وأخرج أحمد في الزهد عن الحسن أن أبا سعيد الخدري: كان من أشد الصحابة توخيًا للعبادة وكان يصلي عامة الضحى.

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن غالب: أنه كان يصلي الضحى مائة ركعة، وقد قال الحافظ زين الدين العراقي في شرح الترمذي: لم أر عن أحد من الصحابة والتابعين أنه حصرها في اثنتي عشرة ركعة، ولا عن أحد من أئمة المذاهب كالشافعي وأحمد، وإنما ذكر ذلك الروياني فقط فتبعه الرافعي ثم النووي انتهى.

وفي فتح الباري قال في الروضة: أفضلها ثمان وأكثرها عشرة ركعة ففرق بين الأكثر والأفضل ولا يتصوّر ذلك إلا فيمن صلى الاثنتي عشرة ركعة بتسليمة واحدة، فأما من فصل فيكون ما زاد على ثمان نفلاً مطلقًا فيكون الاثني عشر أفضل في حقه من ثمان لأنه أتى بالأفضل وزاد، ثم قال: وذهب آخرون إلى أن أفضلها أربع ركعات لكثرة الأحاديث الواردة في ذلك كحديث أبي الدرداء وأبي ذر عند الترمذي مرفوعًا عن الله تعالى: ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أوّل النهار أكفك آخره وورد بنحوه عن ست من الصحابة، ومر حديث عائشة عند مسلم، وللطبراني في الأوسط عن أبي موسى رفعه: من صلى الضحى أربعًا بنى الله له بيتًا في الجنة وللحاكم عن أبي أمامة مرفوعًا: أتدرون قوله وإبراهيم الذي وفى قال: وفىّ عمل يومه بأربع ركعات الضحى.
وروى الحاكم عن عقبة بن عامر قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي الضحى بسور منها: والشمس وضحاها والضحى ومناسبة ذلك ظاهرة جدًا انتهى.



رقم الحديث 365 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ، وَإِنِّي لِأُسَبِّحُهَا، وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَدَعُ الْعَمَلَ، وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ، خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ، فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ.


صَلَاةِ الضُّحَى

( مَالِكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْسَرَةَ) الديلي بكسر الدال وسكون التحتية مولاهم أبي عروة المدني ثقة كان مالك يثني عليه ويصفه بالفضل مات سنة ثلاث وثلاثين ومائة ( عَنْ أَبِي مُرَّةَ) اسمه يزيد بتحتية وزاي وقيل عبد الرحمن المدني الثقة من رجال الجميع ( مَوْلَى عَقِيلِ) بفتح العين ( بْنِ أَبِي طَالِبٍ) الصحابي الشهير ويقال مولى أخته أمّ هانئ والصحيح الأوّل قاله في التمهيد.
وقال الحافظ: هو مولى أمّ هانئ حقيقة ونسب إلى ولاء عقيل مجازًا بأدنى ملابسة لأنه أخوها أو لأنه كان يكثر ملازمة عقيل.

( أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ) بكسر النون فهمزة ( بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ) الهاشمية اسمها فاختة على الأشهر وقيل فاطمة وقيل هند صحابية لها أحاديث ماتت في خلافة معاوية ( أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَامَ الْفَتْحِ) بمكة ( ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ) بكسر النون وفتح الياء مفعول صلى ( مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ) وذلك ضحى كما في الحديث بعده.

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بفتح النون وسكون المعجمة سالم بن أبي أمية ( مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بضم العين ( أَنَّ أَبَا مُرَّةَ) بضم الميم وشدّ الراء ( مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) حقيقة أو مجازًا وللأويسي والقعنبي والتنيسي مولى أمّ هانئ ( أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ) لمكة في رمضان سنة ثمان ( فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ) جملتان حاليتان وفيه ستر المحارم عند الاغتسال وذلك مباح حسن، وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أمّ هانئ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة واغتسل وصلى ثماني ركعات فلم أر صلاة قط أخف منها غير أنه يتم الركوع والسجود فظاهر هذا أن الاغتسال وقع في بيتها.

قال الحافظ: ويجمع بينهما بأن ذلك تكرّر منه ويؤيده ما رواه ابن خزيمة من طريق مجاهد عن أمّ هانئ أنّ أبا ذر ستره لما اغتسل، وفي هذه الرواية أنّ فاطمة سترته، ويحتمل أنه نزل في بيتها بأعلى مكة وكانت هي في بيت آخر بمكة فجاءت إليه فوجدته يغتسل فيصح القولان، وأما الستر فيحتمل أنّ أحدهما ستره في ابتداء الغسل والآخر في أثنائه.

( قَالَتْ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ:) بعد ردّ السلام ولم تذكره للعلم به قال أبو عمر فيه جواز السلام على من يغتسل وردّه عليه ( مَنْ هَذِهِ) يدل على أنّ الستر كان كثيفًا وعلم أنها امرأة لأن ذلك الموضع لا يدخل عليه فيه الرجال، واحتج به من ردّ شهادة الأعمى لأنه صلى الله عليه وسلم لم يميز صوت أمّ هانئ مع علمه بها.
قال الباجي: ولا حجة فيه لأنّ من يجيز ذلك لا يقول أنّ كل من يسمع يميز صوته.

( فَقُلْتُ: أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ) فيه إيضاح الجواب غاية التوضيح كما في ذكر الكنية والنسب هنا ( فَقَالَ: مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ) بباء الجرّ، وفي رواية يا أمّ هانئ بيا النداء والأولى رواية الأكثر كما في المشارق أي لقيت رحبًا وسعة وفيه كرم الأخلاق وتأنيس الأهل ( فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ) بضم الغين ( قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ) بكسر النون وفتح الياء مفعول فصلى حال كونه ( مُلْتَحِفًا) أي ملتفًا ( فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ) زاد كريب عن أمّ هانئ يسلم من كل ركعتين أخرجه ابن خزيمة وفيه ردّ على من تمسك به لصلاتها موصولة سواء صلى ثمانية أو أقل، وللطبراني عن ابن أبي أوفى أنه صلى ركعتين فسألته امرأته فقال: إنّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح ركعتين ورأت أمّ هانئ بقية الثمان وهذا يقوّي أنه صلاها مفصولة ( ثُمَّ انْصَرَفَ) من صلاته.

( فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ) أي قال أو ادّعى ( ابْنُ أُمِّي عَلِيٌّ) وهي شقيقته أمهما فاطمة بنت أسد بن هاشم لكن خصت الأمّ لأنها آكد في القرابة ولأنها بصدد الشكاية في إخفار ذمتها فذكرت ما بعثها على الشكوى حيث أصيبت من محل يقتضي أن لا تصاب منه لما جرت العادة أنّ الأخوة من جهة الأمّ أشد في الحنان والرعاية من غيرها.
قال ابن عبد البر: كانوا يسمون كل شقيق بابن أمّ دون الأب ليدلوا على قرب المحل من النفس إذ جمعهم بطن واحد.
قال هارون: { { يَا ابْنَ أُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي } } ويا { { ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي } } وهما شقيقان.

( أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا أَجَرْتُهُ) بالراء أي أمّنته وفيه إطلاق اسم الفاعل على من عزم على التلبس بالفعل وفي تأخيرها سؤال حاجتها حتى قضى صلاته جميل أدب وحسن تناول ( فُلَانُ) بالنصب بدل من رجلاً أو من الضمير المنصوب وبالرفع بتقدير هو فلان ( بْنُ هُبَيْرَةَ) بضم الهاء وفتح الموحدة ابن أبي وهب بن عمرو المخزومي زوج أمّ هانئ ولدت منه أولادًا منهم هانئ الذي كنيت به.

قال الحافظ: وعند أحمد والطبراني من طريق أخرى عن أبي مرة عن أمّ هانئ أني قد أجرت حموين لي قال أبو العباس بن شريح وغيره: هما جعدة بن هبيرة ورجل آخر من مخزوم كانا فيمن قاتل خالد بن الوليد ولم يقبلا الأمان فأجارتهما أمّ هانئ فكانا من أحمائها.

وقال ابن الجوزي: إن كان ابن هبيرة منها فهو جعدة كذا قال وجعدة فيمن له روية ولم يصح له صحبة وذكره من حيث الرواية في التابعين البخاري وابن حبان وغيرهما، فكيف يتهيأ لمن هذا سبيله في صغر السنّ أن يكون عام الفتح مقاتلاً حتى يحتاج إلى الأمان ثم لو كان ابن أمّ هانئ لم يهم علي بقتله لأنها كانت قد أسلمت وهرب زوجها وترك ولدها عندها، وجوّز ابن عبد البر أن يكون ابنًا لهبيرة من غيرها مع نقله أن أهل النسب لم يذكروا لهبيرة ولدًا من غير أمّ هانئ، وجزم ابن هشام في تهذيب السيرة بأن اللذين أجارتهما أم هانئ هما الحارث بن هشام وزهير بن أبي أمية المخزوميان.

وروى الأزرقي بسند فيه الواقدي في حديث أمّ هانئ هذا أنهما الحارث بن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة.
وحكى بعضهم أنهما الحارث وهبيرة بن أبي وهب وليس بشيء لأن هبيرة هرب عند فتح مكة إلى نجران فلم يزل بها مشركًا حتى مات كما جزم به ابن إسحاق وغيره، فلا يصح ذكره فيمن أجارته أمّ هانئ، والذي يظهر لي أن في رواية الباب حذفًا كأنه كان فيه فلان ابن عم هبيرة فسقط لفظ عم أو كان فيه فلان قريب هبيرة فتغير لفظ قريب بلفظ ابن وكل من الحارث بن هشام وزهير بن أبي أمية وعبد الله بن أبي ربيعة يصح وصفه بأنه ابن عم هبيرة وقريبه لكون الجميع من بني مخزوم.

( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ) أي أمّنا من أمّنت ( يَا أُمَّ هَانِئٍ) قال ابن عبد البر: فيه جواز أمان المرأة وإن لم تكن تقاتل؟ وبه قال الجمهور منهم الأئمة الأربعة.
وقال ابن الماجشون: إن أجازه الإمام جاز وإلا ردّ لقوله أجرنا من أجرت، وأجاب الجمهور: بأنه إنما قال ذلك تطييبًا لنفسها بإسعافها وإن كانت صادفت حكم الله في ذلك.

وقد خرّج قاسم بن أصبغ هذا الحديث بلفظ: أتاني يوم الفتح حموان فأجرتهما فأتى عليّ يريد قتلهما فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالأبطح بأعلى مكة فقلت: يا رسول الله إني أمّنت حموين لي وإن ابن أمي عليًا يريد قتلهما فقال: ما كان له ذلك.
وفي رواية: ليس له ذلك قد أجرنا من أجرت ففي قوله ليس له ذلك دليل على صحة هذا القول، ويدل عليه الحديث الآخر: المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمّتهم أدناهم ويردّ عليهم أقضاهم وهم يد على من سواهم إذ معنى يسعى بذمّتهم يجوز تأمين المسلم ولو كان ذمّيًا أو امرأة أو عبدًا اهـ.

وحكى ابن المنذر الإجماع على جواز تأمين المرأة إلا ابن الماجشون وحكاه غيره عن سحنون أيضًا.

( قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: وَذَلِكَ ضُحًى) أي صلاة ضحى ففيه إثبات استحباب الضحى وقال قوم: إنه لا دلالة فيه على ذلك، قال عياض: لأنها إنما أخبرت عن وقت صلاته.
قالوا: وإنما هي سنة الفتح، وقد صلاها خالد بن الوليد في بعض فتوحه كذلك.
وقال السهيلي: هذه الصلاة تعرف عند العلماء بصلاة الفتح، وكان الأمراء يصلونها إذا فتحوا بلدًا.
قال ابن جرير: صلاها سعد بن أبي وقاص حين افتتح المدائن في إيوان كسرى قال: وهي ثمان ركعات لا يفصل بينها ولا تصلى بإمام.
قال السهيلي: ومن سننها أيضًا أن لا يجهر فيها بالقراءة والأصل فيها صلاته يوم الفتح، وقيل إنها كانت قضاء عما شغل عنه تلك الليلة من حزبه، وتعقب ذلك النووي بأن الصواب صحة الاستدلال به لما رواه أبو داود وغيره من طريق كريب عن أمّ هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح سبحة الضحى ثمان ركعات يسلم من كل ركعتين.
ولمسلم في كتاب الطهارة من طريق أبي مرّة عنها ثم صلى ثمان ركعات لسبحة الضحى.

وروى ابن عبد البر في التمهيد من طريق عكرمة بن خالد عن أمّ هانئ قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم في فتح مكة فنزل بأعلى مكة فصلى ثمان ركعات فقلت: ما هذه الصلاة؟ قال: هذه صلاة الضحى واستدل به على أن أكثر الضحى ثمان ركعات، واستبعده السبكي ولكن وجه بأن الأصل في العبادة التوقيف وهذا أكثر ما ورد من فعله صلى الله عليه وسلم.

وورد أنه صلى الضحى ركعتين كما في الصحيح من حديث عتبان والطبراني وابن عدي عن ابن أبي أوفى، وفي مسلم عن عائشة كان صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعًا.
وفي الطبراني عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم صلى الضحى ست ركعات.

وورد من قوله زيادة على ذلك كحديث أنس مرفوعًا: من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصرًا في الجنة أخرجه الترمذي واستغربه، وضعفه النووي في شرح المهذب.
قال الحافظ: وليس في إسناده من أطلق عليه الضعف.

وللطبراني عن أبي الدرداء مرفوعًا من صلى الضحى ركعتين لم يكتب من الغافلين ومن صلى أربعًا كتب من القانتين ومن صلى ستًا كُفي ذلك اليوم ومن صلى ثمانيًا كُتب من العابدين ومن صلى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتًا في الجنة وفي إسناده ضعف أيضًا وله شاهد عن أبي ذرّ عند البزار وفي إسناده ضعف أيضًا، لكن إذا ضما إلى حديث أنس قوي وصلح للاحتجاج به، ونقل الترمذي عن أحمد أن أصح شيء ورد في الباب حديث أمّ هانئ وهو كما قال.

وقد أخرجه البخاري في مواضع عن عبد الله بن مسلمة، وعن إسماعيل بن أبي أويس، وعن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى أربعتهم عن مالك به، وله طرق.

وفي مسلم عن عبد الله بن الحارث الهاشمي سألت وحرصت على أن أحدًا من الناس يخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم سبح سبحة الضحى فلم أجد غير أمّ هانئ حدثتني، فذكر الحديث، وعبد الله بن الحارث هو ابن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ذكر في الصحابة لأنه ولد على عهده صلى الله عليه وسلم، وبين في رواية ابن ماجه وقت سؤاله فقال: سألت في زمن عثمان والناس متوافرون.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ) الزهري ( عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ) بن العوّام ( عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ) بضم السين أي نافلته وأصلها التسبيح وخصت النافلة بذلك لأن التسبيح الذي في الفريضة نافلة فقيل لصلاة النافلة سبحة لأنها كالتسبيح في الفريضة.

قال في التمهيد: كان الزهري يفتي بحديث عائشة هذا ويقول: إنه صلى الله عليه وسلم لم يصل الضحى قط وإنما كان أصحابه يصلونها بالهواجر ولم يكن عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود وابن عمر يصلونها ولا يعرفونها.

( وَإِنِّي لأستحبها) بفتح الهمزة والفوقية وكسر الحاء المهملة وبالموحدة المشدّدة من الاستحباب.
قال الباجي: كذا رواية يحيى، ورواه غيره لأسبحها أي بضم الهمزة وكسر الموحدة الثقيلة أي أتنفل بها.
قال الحافظ: ولكل وجه، لكن الثانية تقتضي الفعل بخلاف الأولى فلا تستلزمه.

وجاء عن عائشة في ذلك أشياء مختلفة رواها مسلم فله من طريق عبد الله بن شقيق قلت لعائشة: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: لا إلا أن يجيء من مغيبه، وعنده من طريق معاذة عنها: كان صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعًا ويزيد ما شاء الله، ففي الأوّل نفي رؤيتها لذلك مطلقًا، وفي الثاني تقييد النفي بغير المجيء من مغيبه، وفي الثالث الإثبات مطلقًا.

واختلف العلماء في ذلك فذهب ابن عبد البر وجماعة إلى ترجيح ما اتفق عليه الشيخان عنها يعني حديث مالك هذا دون ما انفرد به مسلم وقالوا: إنّ عدم رؤيتها لذلك لا يستلزم عدم الوقوع فيقدّم من روى عنه من الصحابة الإثبات انتهى.

وبه يعلم أن قول ابن عبد البر: حديث معاذة عن عائشة منكر غير صحيح مردود بحديث الباب معناه كصحة ما اتفق عليه الشيخان، وليس مراده تضعيفه الحقيقي فسقط تعجب السيوطي منه، وإنه لا سبيل إلى عدم صحة ما في مسلم، وذهب آخرون إلى الجمع.
قال البيهقي: عندي أنّ المراد بقولها ما رأيته يسبحها أي: يداوم عليها وقولها وإني لأسبحها أي أداوم عليها وكذا قولها: وما أحدث الناس شيئًا يعني المداومة عليها.

قال: وفي بقية الحديث إشارة إلى ذلك حيث قال: ( وَإِنْ) بكسر فسكون مخففة من الثقيلة أي وإنه ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَدَعُ) بفتح اللام أي يترك ( الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ خَشْيَةَ) بالنصب أي لأجل خشية ( أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ) بالنصب عطف على يعمل وليس مرادها تركه أصلاً.
وقد فرض عليه أو ندبه بل ترك أمرهم أن يعملوه معه لما مر أنهم لما اجتمعوا في رمضان للتهجد معه لم يخرج إليهم في الليلة الرابعة، ولا ريب أنه صلى الله عليه وسلم حزبه تلك الليلة.

وجمع ابن حبان بين قولها ما كان يصلي إلا أن يجيء من مغيبه، وقولها كان يصلي أربعًا ويزيد ما شاء الله بأنّ الأولى محمولة على صلاته إياها في المسجد، والثاني على البيت، ويعكر عليه حديث الباب ويجاب عنه بأن المنفي صفة مخصوصة، وقال عياض وغيره: قولها ما صلاها معناه ما رأيته يصليها والجمع بينه وبين قولها كان يصليها أنها أخبرت في الإنكار عن مشاهدتها، وفي الإثبات عن غيرها.

وجمع أيضًا باحتمال أنها نفت صلاة الضحى المعهودة حينئذ من هيئة مخصوصة بعدد مخصوص في وقت مخصوص، وأنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يصليها إذا قدم من سفر لا بعدد مخصوص كما قالت: كان يصلي أربعًا ويزيد ما شاء الله هذا وحديث عائشة يدل على ضعف ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن صلاة الضحى كانت واجبة عليه.
وعدّها جماعة من خصائصه صلى الله عليه وسلم لذلك ولم يثبت ذلك في خبر صحيح.

وقول الماوردي أنه صلى الله عليه وسلم واظب عليها بعد يوم الفتح إلى أن مات يعكر عليه ما في مسلم في حديث أم هانئ أنه لم يصلها قبل ولا بعد ولا يقال إن نفي أم هانئ يلزم منه العدم لأنا نقول يحتاج من أثبته إلى دليل، ولو وجد لم يكن حجة لأنّ عائشة ذكرت أنه كان إذا عمل عملاً أثبته فلا تستلزم المواظبة على هذا الوجوب انتهى.

وحديث الباب رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به، وتابعه ابن أبي ذئب عن ابن شهاب في البخاري وغيره.

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي الضُّحَى ثَمَانِيَ) بياء مفتوحة ( رَكَعَاتٍ ثُمَّ تَقُولُ: لَوْ نُشِرَ) بضم النون أي ( لِي أَبَوَايَ) أبو بكر وأم رومان ( مَا تَرَكْتُهُنَّ) أي الثمان ركعات.

قال الباجي: يحتمل أنها كانت تفعل ذلك بخبر منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم كخبر أم هانئ، ولذا اقتصرت على هذا العدد، ويحتمل أن هذا القدر هو الذي كان يمكنها المداومة عليه قال: وليست صلاة الضحى من الصلوات المحصورة بالعدد فلا يزاد عليها ولا ينقص منها ولكنها من الرغائب التي يفعل الإنسان منها ما أمكنه انتهى.

والمذهب عندنا أن أكثرها ثمان لأن ذلك أكثر ما ورد من فعله صلى الله عليه وسلم، وما ذكره الباجي من أنه لا حدّ لأكثرها اختيار له، وإليه ذهب قوم منهم ابن جرير.
ومن الشافعية الحليمي والروياني، وصوّبه السيوطي قائلاً فلم يرد في شيء من الأحاديث ما يدل على حصرها في عدد مخصوص.
وروى سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي قال: سأل رجل الأسود بن يزيد كم أصلي الضحى؟ قال: كم شئت.

وأخرج عن الحسن أنه سئل: هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون الضحى؟ قال: نعم كان منهم من يصلي ركعتين، ومنهم من يصلي أربعًا، ومنهم من يمدّ إلى نصف النهار.

وأخرج أحمد في الزهد عن الحسن أن أبا سعيد الخدري: كان من أشد الصحابة توخيًا للعبادة وكان يصلي عامة الضحى.

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن غالب: أنه كان يصلي الضحى مائة ركعة، وقد قال الحافظ زين الدين العراقي في شرح الترمذي: لم أر عن أحد من الصحابة والتابعين أنه حصرها في اثنتي عشرة ركعة، ولا عن أحد من أئمة المذاهب كالشافعي وأحمد، وإنما ذكر ذلك الروياني فقط فتبعه الرافعي ثم النووي انتهى.

وفي فتح الباري قال في الروضة: أفضلها ثمان وأكثرها عشرة ركعة ففرق بين الأكثر والأفضل ولا يتصوّر ذلك إلا فيمن صلى الاثنتي عشرة ركعة بتسليمة واحدة، فأما من فصل فيكون ما زاد على ثمان نفلاً مطلقًا فيكون الاثني عشر أفضل في حقه من ثمان لأنه أتى بالأفضل وزاد، ثم قال: وذهب آخرون إلى أن أفضلها أربع ركعات لكثرة الأحاديث الواردة في ذلك كحديث أبي الدرداء وأبي ذر عند الترمذي مرفوعًا عن الله تعالى: ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أوّل النهار أكفك آخره وورد بنحوه عن ست من الصحابة، ومر حديث عائشة عند مسلم، وللطبراني في الأوسط عن أبي موسى رفعه: من صلى الضحى أربعًا بنى الله له بيتًا في الجنة وللحاكم عن أبي أمامة مرفوعًا: أتدرون قوله وإبراهيم الذي وفى قال: وفىّ عمل يومه بأربع ركعات الضحى.
وروى الحاكم عن عقبة بن عامر قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي الضحى بسور منها: والشمس وضحاها والضحى ومناسبة ذلك ظاهرة جدًا انتهى.



رقم الحديث 366 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ تَقُولُ: لَوْ نُشِرَ لِي أَبَوَايَ مَا تَرَكْتُهُنَّ.


صَلَاةِ الضُّحَى

( مَالِكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْسَرَةَ) الديلي بكسر الدال وسكون التحتية مولاهم أبي عروة المدني ثقة كان مالك يثني عليه ويصفه بالفضل مات سنة ثلاث وثلاثين ومائة ( عَنْ أَبِي مُرَّةَ) اسمه يزيد بتحتية وزاي وقيل عبد الرحمن المدني الثقة من رجال الجميع ( مَوْلَى عَقِيلِ) بفتح العين ( بْنِ أَبِي طَالِبٍ) الصحابي الشهير ويقال مولى أخته أمّ هانئ والصحيح الأوّل قاله في التمهيد.
وقال الحافظ: هو مولى أمّ هانئ حقيقة ونسب إلى ولاء عقيل مجازًا بأدنى ملابسة لأنه أخوها أو لأنه كان يكثر ملازمة عقيل.

( أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ) بكسر النون فهمزة ( بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ) الهاشمية اسمها فاختة على الأشهر وقيل فاطمة وقيل هند صحابية لها أحاديث ماتت في خلافة معاوية ( أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَامَ الْفَتْحِ) بمكة ( ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ) بكسر النون وفتح الياء مفعول صلى ( مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ) وذلك ضحى كما في الحديث بعده.

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بفتح النون وسكون المعجمة سالم بن أبي أمية ( مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بضم العين ( أَنَّ أَبَا مُرَّةَ) بضم الميم وشدّ الراء ( مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) حقيقة أو مجازًا وللأويسي والقعنبي والتنيسي مولى أمّ هانئ ( أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ) لمكة في رمضان سنة ثمان ( فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ) جملتان حاليتان وفيه ستر المحارم عند الاغتسال وذلك مباح حسن، وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أمّ هانئ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة واغتسل وصلى ثماني ركعات فلم أر صلاة قط أخف منها غير أنه يتم الركوع والسجود فظاهر هذا أن الاغتسال وقع في بيتها.

قال الحافظ: ويجمع بينهما بأن ذلك تكرّر منه ويؤيده ما رواه ابن خزيمة من طريق مجاهد عن أمّ هانئ أنّ أبا ذر ستره لما اغتسل، وفي هذه الرواية أنّ فاطمة سترته، ويحتمل أنه نزل في بيتها بأعلى مكة وكانت هي في بيت آخر بمكة فجاءت إليه فوجدته يغتسل فيصح القولان، وأما الستر فيحتمل أنّ أحدهما ستره في ابتداء الغسل والآخر في أثنائه.

( قَالَتْ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ:) بعد ردّ السلام ولم تذكره للعلم به قال أبو عمر فيه جواز السلام على من يغتسل وردّه عليه ( مَنْ هَذِهِ) يدل على أنّ الستر كان كثيفًا وعلم أنها امرأة لأن ذلك الموضع لا يدخل عليه فيه الرجال، واحتج به من ردّ شهادة الأعمى لأنه صلى الله عليه وسلم لم يميز صوت أمّ هانئ مع علمه بها.
قال الباجي: ولا حجة فيه لأنّ من يجيز ذلك لا يقول أنّ كل من يسمع يميز صوته.

( فَقُلْتُ: أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ) فيه إيضاح الجواب غاية التوضيح كما في ذكر الكنية والنسب هنا ( فَقَالَ: مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ) بباء الجرّ، وفي رواية يا أمّ هانئ بيا النداء والأولى رواية الأكثر كما في المشارق أي لقيت رحبًا وسعة وفيه كرم الأخلاق وتأنيس الأهل ( فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ) بضم الغين ( قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ) بكسر النون وفتح الياء مفعول فصلى حال كونه ( مُلْتَحِفًا) أي ملتفًا ( فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ) زاد كريب عن أمّ هانئ يسلم من كل ركعتين أخرجه ابن خزيمة وفيه ردّ على من تمسك به لصلاتها موصولة سواء صلى ثمانية أو أقل، وللطبراني عن ابن أبي أوفى أنه صلى ركعتين فسألته امرأته فقال: إنّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح ركعتين ورأت أمّ هانئ بقية الثمان وهذا يقوّي أنه صلاها مفصولة ( ثُمَّ انْصَرَفَ) من صلاته.

( فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ) أي قال أو ادّعى ( ابْنُ أُمِّي عَلِيٌّ) وهي شقيقته أمهما فاطمة بنت أسد بن هاشم لكن خصت الأمّ لأنها آكد في القرابة ولأنها بصدد الشكاية في إخفار ذمتها فذكرت ما بعثها على الشكوى حيث أصيبت من محل يقتضي أن لا تصاب منه لما جرت العادة أنّ الأخوة من جهة الأمّ أشد في الحنان والرعاية من غيرها.
قال ابن عبد البر: كانوا يسمون كل شقيق بابن أمّ دون الأب ليدلوا على قرب المحل من النفس إذ جمعهم بطن واحد.
قال هارون: { { يَا ابْنَ أُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي } } ويا { { ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي } } وهما شقيقان.

( أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا أَجَرْتُهُ) بالراء أي أمّنته وفيه إطلاق اسم الفاعل على من عزم على التلبس بالفعل وفي تأخيرها سؤال حاجتها حتى قضى صلاته جميل أدب وحسن تناول ( فُلَانُ) بالنصب بدل من رجلاً أو من الضمير المنصوب وبالرفع بتقدير هو فلان ( بْنُ هُبَيْرَةَ) بضم الهاء وفتح الموحدة ابن أبي وهب بن عمرو المخزومي زوج أمّ هانئ ولدت منه أولادًا منهم هانئ الذي كنيت به.

قال الحافظ: وعند أحمد والطبراني من طريق أخرى عن أبي مرة عن أمّ هانئ أني قد أجرت حموين لي قال أبو العباس بن شريح وغيره: هما جعدة بن هبيرة ورجل آخر من مخزوم كانا فيمن قاتل خالد بن الوليد ولم يقبلا الأمان فأجارتهما أمّ هانئ فكانا من أحمائها.

وقال ابن الجوزي: إن كان ابن هبيرة منها فهو جعدة كذا قال وجعدة فيمن له روية ولم يصح له صحبة وذكره من حيث الرواية في التابعين البخاري وابن حبان وغيرهما، فكيف يتهيأ لمن هذا سبيله في صغر السنّ أن يكون عام الفتح مقاتلاً حتى يحتاج إلى الأمان ثم لو كان ابن أمّ هانئ لم يهم علي بقتله لأنها كانت قد أسلمت وهرب زوجها وترك ولدها عندها، وجوّز ابن عبد البر أن يكون ابنًا لهبيرة من غيرها مع نقله أن أهل النسب لم يذكروا لهبيرة ولدًا من غير أمّ هانئ، وجزم ابن هشام في تهذيب السيرة بأن اللذين أجارتهما أم هانئ هما الحارث بن هشام وزهير بن أبي أمية المخزوميان.

وروى الأزرقي بسند فيه الواقدي في حديث أمّ هانئ هذا أنهما الحارث بن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة.
وحكى بعضهم أنهما الحارث وهبيرة بن أبي وهب وليس بشيء لأن هبيرة هرب عند فتح مكة إلى نجران فلم يزل بها مشركًا حتى مات كما جزم به ابن إسحاق وغيره، فلا يصح ذكره فيمن أجارته أمّ هانئ، والذي يظهر لي أن في رواية الباب حذفًا كأنه كان فيه فلان ابن عم هبيرة فسقط لفظ عم أو كان فيه فلان قريب هبيرة فتغير لفظ قريب بلفظ ابن وكل من الحارث بن هشام وزهير بن أبي أمية وعبد الله بن أبي ربيعة يصح وصفه بأنه ابن عم هبيرة وقريبه لكون الجميع من بني مخزوم.

( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ) أي أمّنا من أمّنت ( يَا أُمَّ هَانِئٍ) قال ابن عبد البر: فيه جواز أمان المرأة وإن لم تكن تقاتل؟ وبه قال الجمهور منهم الأئمة الأربعة.
وقال ابن الماجشون: إن أجازه الإمام جاز وإلا ردّ لقوله أجرنا من أجرت، وأجاب الجمهور: بأنه إنما قال ذلك تطييبًا لنفسها بإسعافها وإن كانت صادفت حكم الله في ذلك.

وقد خرّج قاسم بن أصبغ هذا الحديث بلفظ: أتاني يوم الفتح حموان فأجرتهما فأتى عليّ يريد قتلهما فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالأبطح بأعلى مكة فقلت: يا رسول الله إني أمّنت حموين لي وإن ابن أمي عليًا يريد قتلهما فقال: ما كان له ذلك.
وفي رواية: ليس له ذلك قد أجرنا من أجرت ففي قوله ليس له ذلك دليل على صحة هذا القول، ويدل عليه الحديث الآخر: المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمّتهم أدناهم ويردّ عليهم أقضاهم وهم يد على من سواهم إذ معنى يسعى بذمّتهم يجوز تأمين المسلم ولو كان ذمّيًا أو امرأة أو عبدًا اهـ.

وحكى ابن المنذر الإجماع على جواز تأمين المرأة إلا ابن الماجشون وحكاه غيره عن سحنون أيضًا.

( قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: وَذَلِكَ ضُحًى) أي صلاة ضحى ففيه إثبات استحباب الضحى وقال قوم: إنه لا دلالة فيه على ذلك، قال عياض: لأنها إنما أخبرت عن وقت صلاته.
قالوا: وإنما هي سنة الفتح، وقد صلاها خالد بن الوليد في بعض فتوحه كذلك.
وقال السهيلي: هذه الصلاة تعرف عند العلماء بصلاة الفتح، وكان الأمراء يصلونها إذا فتحوا بلدًا.
قال ابن جرير: صلاها سعد بن أبي وقاص حين افتتح المدائن في إيوان كسرى قال: وهي ثمان ركعات لا يفصل بينها ولا تصلى بإمام.
قال السهيلي: ومن سننها أيضًا أن لا يجهر فيها بالقراءة والأصل فيها صلاته يوم الفتح، وقيل إنها كانت قضاء عما شغل عنه تلك الليلة من حزبه، وتعقب ذلك النووي بأن الصواب صحة الاستدلال به لما رواه أبو داود وغيره من طريق كريب عن أمّ هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح سبحة الضحى ثمان ركعات يسلم من كل ركعتين.
ولمسلم في كتاب الطهارة من طريق أبي مرّة عنها ثم صلى ثمان ركعات لسبحة الضحى.

وروى ابن عبد البر في التمهيد من طريق عكرمة بن خالد عن أمّ هانئ قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم في فتح مكة فنزل بأعلى مكة فصلى ثمان ركعات فقلت: ما هذه الصلاة؟ قال: هذه صلاة الضحى واستدل به على أن أكثر الضحى ثمان ركعات، واستبعده السبكي ولكن وجه بأن الأصل في العبادة التوقيف وهذا أكثر ما ورد من فعله صلى الله عليه وسلم.

وورد أنه صلى الضحى ركعتين كما في الصحيح من حديث عتبان والطبراني وابن عدي عن ابن أبي أوفى، وفي مسلم عن عائشة كان صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعًا.
وفي الطبراني عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم صلى الضحى ست ركعات.

وورد من قوله زيادة على ذلك كحديث أنس مرفوعًا: من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصرًا في الجنة أخرجه الترمذي واستغربه، وضعفه النووي في شرح المهذب.
قال الحافظ: وليس في إسناده من أطلق عليه الضعف.

وللطبراني عن أبي الدرداء مرفوعًا من صلى الضحى ركعتين لم يكتب من الغافلين ومن صلى أربعًا كتب من القانتين ومن صلى ستًا كُفي ذلك اليوم ومن صلى ثمانيًا كُتب من العابدين ومن صلى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتًا في الجنة وفي إسناده ضعف أيضًا وله شاهد عن أبي ذرّ عند البزار وفي إسناده ضعف أيضًا، لكن إذا ضما إلى حديث أنس قوي وصلح للاحتجاج به، ونقل الترمذي عن أحمد أن أصح شيء ورد في الباب حديث أمّ هانئ وهو كما قال.

وقد أخرجه البخاري في مواضع عن عبد الله بن مسلمة، وعن إسماعيل بن أبي أويس، وعن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى أربعتهم عن مالك به، وله طرق.

وفي مسلم عن عبد الله بن الحارث الهاشمي سألت وحرصت على أن أحدًا من الناس يخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم سبح سبحة الضحى فلم أجد غير أمّ هانئ حدثتني، فذكر الحديث، وعبد الله بن الحارث هو ابن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ذكر في الصحابة لأنه ولد على عهده صلى الله عليه وسلم، وبين في رواية ابن ماجه وقت سؤاله فقال: سألت في زمن عثمان والناس متوافرون.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ) الزهري ( عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ) بن العوّام ( عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ) بضم السين أي نافلته وأصلها التسبيح وخصت النافلة بذلك لأن التسبيح الذي في الفريضة نافلة فقيل لصلاة النافلة سبحة لأنها كالتسبيح في الفريضة.

قال في التمهيد: كان الزهري يفتي بحديث عائشة هذا ويقول: إنه صلى الله عليه وسلم لم يصل الضحى قط وإنما كان أصحابه يصلونها بالهواجر ولم يكن عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود وابن عمر يصلونها ولا يعرفونها.

( وَإِنِّي لأستحبها) بفتح الهمزة والفوقية وكسر الحاء المهملة وبالموحدة المشدّدة من الاستحباب.
قال الباجي: كذا رواية يحيى، ورواه غيره لأسبحها أي بضم الهمزة وكسر الموحدة الثقيلة أي أتنفل بها.
قال الحافظ: ولكل وجه، لكن الثانية تقتضي الفعل بخلاف الأولى فلا تستلزمه.

وجاء عن عائشة في ذلك أشياء مختلفة رواها مسلم فله من طريق عبد الله بن شقيق قلت لعائشة: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: لا إلا أن يجيء من مغيبه، وعنده من طريق معاذة عنها: كان صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعًا ويزيد ما شاء الله، ففي الأوّل نفي رؤيتها لذلك مطلقًا، وفي الثاني تقييد النفي بغير المجيء من مغيبه، وفي الثالث الإثبات مطلقًا.

واختلف العلماء في ذلك فذهب ابن عبد البر وجماعة إلى ترجيح ما اتفق عليه الشيخان عنها يعني حديث مالك هذا دون ما انفرد به مسلم وقالوا: إنّ عدم رؤيتها لذلك لا يستلزم عدم الوقوع فيقدّم من روى عنه من الصحابة الإثبات انتهى.

وبه يعلم أن قول ابن عبد البر: حديث معاذة عن عائشة منكر غير صحيح مردود بحديث الباب معناه كصحة ما اتفق عليه الشيخان، وليس مراده تضعيفه الحقيقي فسقط تعجب السيوطي منه، وإنه لا سبيل إلى عدم صحة ما في مسلم، وذهب آخرون إلى الجمع.
قال البيهقي: عندي أنّ المراد بقولها ما رأيته يسبحها أي: يداوم عليها وقولها وإني لأسبحها أي أداوم عليها وكذا قولها: وما أحدث الناس شيئًا يعني المداومة عليها.

قال: وفي بقية الحديث إشارة إلى ذلك حيث قال: ( وَإِنْ) بكسر فسكون مخففة من الثقيلة أي وإنه ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَدَعُ) بفتح اللام أي يترك ( الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ خَشْيَةَ) بالنصب أي لأجل خشية ( أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ) بالنصب عطف على يعمل وليس مرادها تركه أصلاً.
وقد فرض عليه أو ندبه بل ترك أمرهم أن يعملوه معه لما مر أنهم لما اجتمعوا في رمضان للتهجد معه لم يخرج إليهم في الليلة الرابعة، ولا ريب أنه صلى الله عليه وسلم حزبه تلك الليلة.

وجمع ابن حبان بين قولها ما كان يصلي إلا أن يجيء من مغيبه، وقولها كان يصلي أربعًا ويزيد ما شاء الله بأنّ الأولى محمولة على صلاته إياها في المسجد، والثاني على البيت، ويعكر عليه حديث الباب ويجاب عنه بأن المنفي صفة مخصوصة، وقال عياض وغيره: قولها ما صلاها معناه ما رأيته يصليها والجمع بينه وبين قولها كان يصليها أنها أخبرت في الإنكار عن مشاهدتها، وفي الإثبات عن غيرها.

وجمع أيضًا باحتمال أنها نفت صلاة الضحى المعهودة حينئذ من هيئة مخصوصة بعدد مخصوص في وقت مخصوص، وأنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يصليها إذا قدم من سفر لا بعدد مخصوص كما قالت: كان يصلي أربعًا ويزيد ما شاء الله هذا وحديث عائشة يدل على ضعف ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن صلاة الضحى كانت واجبة عليه.
وعدّها جماعة من خصائصه صلى الله عليه وسلم لذلك ولم يثبت ذلك في خبر صحيح.

وقول الماوردي أنه صلى الله عليه وسلم واظب عليها بعد يوم الفتح إلى أن مات يعكر عليه ما في مسلم في حديث أم هانئ أنه لم يصلها قبل ولا بعد ولا يقال إن نفي أم هانئ يلزم منه العدم لأنا نقول يحتاج من أثبته إلى دليل، ولو وجد لم يكن حجة لأنّ عائشة ذكرت أنه كان إذا عمل عملاً أثبته فلا تستلزم المواظبة على هذا الوجوب انتهى.

وحديث الباب رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به، وتابعه ابن أبي ذئب عن ابن شهاب في البخاري وغيره.

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي الضُّحَى ثَمَانِيَ) بياء مفتوحة ( رَكَعَاتٍ ثُمَّ تَقُولُ: لَوْ نُشِرَ) بضم النون أي ( لِي أَبَوَايَ) أبو بكر وأم رومان ( مَا تَرَكْتُهُنَّ) أي الثمان ركعات.

قال الباجي: يحتمل أنها كانت تفعل ذلك بخبر منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم كخبر أم هانئ، ولذا اقتصرت على هذا العدد، ويحتمل أن هذا القدر هو الذي كان يمكنها المداومة عليه قال: وليست صلاة الضحى من الصلوات المحصورة بالعدد فلا يزاد عليها ولا ينقص منها ولكنها من الرغائب التي يفعل الإنسان منها ما أمكنه انتهى.

والمذهب عندنا أن أكثرها ثمان لأن ذلك أكثر ما ورد من فعله صلى الله عليه وسلم، وما ذكره الباجي من أنه لا حدّ لأكثرها اختيار له، وإليه ذهب قوم منهم ابن جرير.
ومن الشافعية الحليمي والروياني، وصوّبه السيوطي قائلاً فلم يرد في شيء من الأحاديث ما يدل على حصرها في عدد مخصوص.
وروى سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي قال: سأل رجل الأسود بن يزيد كم أصلي الضحى؟ قال: كم شئت.

وأخرج عن الحسن أنه سئل: هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون الضحى؟ قال: نعم كان منهم من يصلي ركعتين، ومنهم من يصلي أربعًا، ومنهم من يمدّ إلى نصف النهار.

وأخرج أحمد في الزهد عن الحسن أن أبا سعيد الخدري: كان من أشد الصحابة توخيًا للعبادة وكان يصلي عامة الضحى.

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن غالب: أنه كان يصلي الضحى مائة ركعة، وقد قال الحافظ زين الدين العراقي في شرح الترمذي: لم أر عن أحد من الصحابة والتابعين أنه حصرها في اثنتي عشرة ركعة، ولا عن أحد من أئمة المذاهب كالشافعي وأحمد، وإنما ذكر ذلك الروياني فقط فتبعه الرافعي ثم النووي انتهى.

وفي فتح الباري قال في الروضة: أفضلها ثمان وأكثرها عشرة ركعة ففرق بين الأكثر والأفضل ولا يتصوّر ذلك إلا فيمن صلى الاثنتي عشرة ركعة بتسليمة واحدة، فأما من فصل فيكون ما زاد على ثمان نفلاً مطلقًا فيكون الاثني عشر أفضل في حقه من ثمان لأنه أتى بالأفضل وزاد، ثم قال: وذهب آخرون إلى أن أفضلها أربع ركعات لكثرة الأحاديث الواردة في ذلك كحديث أبي الدرداء وأبي ذر عند الترمذي مرفوعًا عن الله تعالى: ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أوّل النهار أكفك آخره وورد بنحوه عن ست من الصحابة، ومر حديث عائشة عند مسلم، وللطبراني في الأوسط عن أبي موسى رفعه: من صلى الضحى أربعًا بنى الله له بيتًا في الجنة وللحاكم عن أبي أمامة مرفوعًا: أتدرون قوله وإبراهيم الذي وفى قال: وفىّ عمل يومه بأربع ركعات الضحى.
وروى الحاكم عن عقبة بن عامر قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي الضحى بسور منها: والشمس وضحاها والضحى ومناسبة ذلك ظاهرة جدًا انتهى.