فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الرُّخْصَةِ فِي الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي

رقم الحديث 374 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الِاحْتِلَامَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي لِلنَّاسِ، بِمِنًى فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ، فَنَزَلْتُ، فَأَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ، وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ.


( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ) الزهري ( عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بضم العين ( بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بفتحها ( بْنِ عُتْبَةَ) بضم وفوقية ساكنة ( بْنِ مَسْعُودٍ) أحد الفقهاء السبعة.
قال ابن عبد البر: لم يكن بعد الصحابة إلى يومنا هذا فيما علمت فقيه أشعر منه ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ) بفتح الهمزة الأنثى من الحمير ( وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ) أي قاربت ( الِاحْتِلَامَ) المراد به البلوغ الشرعي ( وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي لِلنَّاسِ بِمِنًى) بالصرف أجود من عدمه سميت بذلك لما يمنى أي يراق بها من الدماء والأجود كتابتها بالألف.
قال الحافظ: كذا قال مالك وأكثر أصحاب الزهري.

ولمسلم من رواية ابن عيينة بعرفة قال النووي: يحمل ذلك على أنهما قضيتان وتعقب بأن الأصل عدم التعدّد ولا سيما مع اتحاد مخرج الحديث فالحق أن قوله بعرفة شاذ، ولمسلم أيضًا من رواية معمر عن الزهري وذلك في حجة الوداع أو الفتح، وهذا الشك من معمر لا يعول عليه والحق أن ذلك كان في حجة الوداع.
وزاد البخاري من رواية إسماعيل عن مالك إلى غير جدار أي إلى غير سترة أصلاً قاله الشافعي.

وسياق الكلام يدل عليه لأنّ ابن عباس أورده في معرض الاستدلال على أن المرور بين يدي المصلي لا يقطع صلاته، ويؤيده رواية البزار والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي المكتوبة ليس شيء يستره انتهى.

( فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ) أي قدام فالتعبير باليد مجاز إذ الصف لا يد له.
قال الكرماني: يحتمل أن يراد به صف من الصفوف أو بعض من أحد الصفوف انتهى.

وللبخاري من رواية ابن أخي الزهري حتى سرت بين يدي الصف الأوّل ( فَنَزَلْتُ فَأَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ) بفوقيتين وضم العين أي تأكل ما تشاء وقيل تسرع في المشي وجاء أيضًا بكسر العين بوزن تفتعل من الرعي وأصله ترتعي لكن حذفت الياء تخفيفًا والأوّل أصوب لرواية البخاري في الحج نزلت عنها فرتعت ( وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ) .

قال ابن دقيق العيد: استدل ابن عباس بترك الإنكار على الجواز ولم يستدل بترك إعادتهم للصلاة لأنّ ترك الإنكار أكثر فائدة.

قال الحافظ: وجهه إن ترك الإعادة يدل على صحتها فقط لا على جواز المرور وترك الإنكار يدل على جواز المرور وصحة الصلاة معًا، ويستفاد منه أن ترك الإنكار حجة على الجواز بشرطه وهو انتفاء الموانع من الإنكار وثبوت العلم بالاطلاع على الفعل ولا يقال لا يلزم مما ذكر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك لاحتمال أن يكون الصف حائلاً دون رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، لأنا نقول أنه صلى الله عليه وسلم كان يرى في الصلاة من ورائه كما يرى من أمامه.

وللبخاري في الحج أنه مرّ بين يدي بعض الصف الأوّل فلم يكن هناك حائل دون الرؤية ولو لم يرد شيء من ذلك لكان توفر دواعيهم على سؤاله صلى الله عليه وسلم عما يحدث لهم كافيًا في الدلالة على اطلاعه على ذلك، واستدل به على أن مرور الحمار لا يقطع الصلاة، فهو ناسخ لحديث أبي ذرّ في مسلم أن مرور الحمار يقطع الصلاة وكذا المرأة والكلب الأسود، وتعقب بأن مرور الحمار محقق في حال مرور ابن عباس وهو راكبه وذلك لا يضر لأنّ سترة الإمام سترة لمن خلفه، وأما مروره بعد أن نزل عنه فيحتاج إلى نقل.

وقال ابن عبد البر: حديث ابن عباس هذا يخص حديث أبي سعيد: إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدًا يمرّ بين يديه فإن ذلك مخصوص بالإمام والمنفرد، فأما المأموم فلا يضره من مرّ بين يديه لحديث ابن عباس هذا.
قال: وهذا كله لا خلاف فيه بين العلماء، وكذا نقل عياض الاتفاق على أن المأمومين يصلون إلى سترة، لكن اختلف هل سترتهم سترة الإمام أو سترتهم الإمام نفسه؟ لكن يعكر على الاتفاق ما رواه عبد الرزاق عن الحكم بن عمرو الغفاري الصحابي أنه صلى بأصحابه في سفر وبين يديه سترة فمرّ حمير بين يدي أصحابه فأعاد بهم الصلاة.
وفي رواية أنه قال لهم: إنها لم تقطع صلاتي ولكن قطعت صلاتكم.

وحديث سترة الإمام سترة لمن خلفه رواه الطبراني في الأوسط من طريق سويد بن عبد العزيز عن عاصم عن أنس مرفوعًا وقال: تفرد به سويد عن عاصم اهـ وسويد ضعيف عندهم.

ووردت أيضًا في حديث موقوف على ابن عمر أخرجه عبد الرزاق ويظهر أن ثمرة الخلاف الذي نقله عياض فيما لو مرّ بين يدي الإمام أحد، فعلى قول من يقول سترة الإمام سترة لمن خلفه يضر صلاته وصلاتهم، وعلى قول من يقول الإمام نفسه سترة لمن خلفه يضر صلاته ولا يضر صلاتهم اهـ.

وحديث ابن عباس رواه البخاري عن شيخه إسماعيل وعبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى بن يحيى ثلاثتهم عن مالك به.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ) مالك أحد العشرة ( كَانَ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ) أي قدام ( بَعْضِ الصُّفُوفِ وَالصَّلَاةُ قَائِمَةٌ) فدل على جواز ذلك والعمل به ( قَالَ مَالِكٌ: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ وَاسِعًا) أي جائزًا ( إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَبَعْدَ أَنْ يُحْرِمَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَجِدِ الْمَرْءُ مَدْخَلًا إِلَى الْمَسْجِدِ إِلَّا بَيْنَ الصُّفُوفِ) .

قال أبو عمر: هذا مع الترجمة يقتضي أن الرخصة عنده لمن لم يجد من ذلك بدًّا وغيره لا يرى بذلك بأسًا لحديث ابن عباس وللآثار الدالة على أن سترة الإمام سترة لمن خلفه وهو الظاهر.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ مِمَّا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي) وهذا البلاغ رواه سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن علي وعثمان موقوفًا.

( مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ مِمَّا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي) رواه مالك موقوفًا.
وأخرجه الدارقطني من وجه آخر عن سالم عن أبيه مرفوعًا لكن إسناده ضعيف وجاء أيضًا مرفوعًا عن أبي سعيد عند أبي داود وعن أنس وأبي أمامة عند الدارقطني عن جابر عند الطبراني في الأوسط، وفي إسناد كل منهما ضعف.
وقال قوم يقطعها المرأة والحمار والكلب الأسود لحديث أبي ذر مرفوعًا: إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل أخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود قال عبد الله بن الصامت: يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر والكلب الأصفر؟ قال: يا ابن أخي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما سألتني فقال: الكلب الأسود شيطان رواه مسلم.

وله أيضًا عن أبي هريرة مرفوعًا: تقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب.
وبقي ذلك مثل مؤخرة الرحل.
ورواه الطبراني عن الحكم بن عمرو وابن ماجه عن عبد الله بن مغفل نحوه من غير تقييد بالأسود، ولأبي داود عن ابن عباس مثله، لكن قيد المرأة بالحائض.

واختلف العلماء في العمل بهذه الأحاديث فمال الطحاوي وغيره إلى أن حديث أبي ذرّ وما وافقه منسوخ بحديث عائشة في الصحيحين أنه ذكر عندها ما يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة فقالت: شبهتمونا بالحمر والكلاب والله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة.
وقالت ميمونة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا نائمة إلى جنبه فإذا سجد أصابني ثوبه وأنا حائض، وتعقب بأن النسخ إنما صار إليه إذا علم التاريخ وتعذر الجمع والتاريخ هنا لم يتحقق والجمع لم يتعذر، ومال الشافعي وغيره إلى تأويل القطع في حديث أبي ذر بنقص الخشوع لا الخروج من الصلاة، ويؤيده أنه سأل عن حكمة التقييد بالأسود.
فأجيب: بأنه شيطان وقد علم أنّ الشيطان لو مرّ بين يدي المصلي لم يفسد صلاته كما سبق حديث: إذا ثوّب بالصلاة أدبر الشيطان فإذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه، وفي الصحيح أن الشيطان عرض لي فشدّ علي الحديث، وللنسائي فأخذته فصرعته ولا يرد أنه قال في هذا الحديث أنه جاء ليقطع صلاته لأنه بين في رواية مسلم سبب القطع وهو أنه أتى بشهاب من نار ليجعله في وجهه، وأمّا مجرد المرور فقد حصل ولم تفسد به الصلاة، وقال أحمد: يقطع الصلاة الكلب الأسود وفي النفس من الحمار والمرأة شيء، ووجهه ابن دقيق العيد بأنه لم يجد في الكلب الأسود ما يعارضه، ووجد في الحمار حديث ابن عباس وفي المرأة حديث عائشة.

ونازع بعضهم في الاستدلال به من وجوه.
أحدها: أن العلة في قطع الصلاة بها ما يحصل من التشويش، وقد قالت: البيوت يومئذ لم يكن فيها مصابيح فانتفى المعلول بانتفاء علته.
ثانيها: أن المرأة في حديث أبي ذر مطلقة، وفي حديث عائشة مقيدة بكونها زوجة فقد يحمل المطلق على المقيد ويقال بتقييد القطع بالأجنبية لخشية الفتنة بها بخلاف الزوجة فإنها حاصلة عنده.
ثالثها: أن حديث عائشة واقعة حال يتطرق إليها الاحتمال بخلاف حديث أبي ذر فإنه مسوق مساق التشريع، وقد أشار ابن بطال إلى أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم لأنه كان يقدر من ملك إربه على ما لا يقدر عليه غيره، وقال بعض الحنابلة: يعارض حديث أبي ذر وما وافقه أحاديث صحيحة غير صريحة وصريحة غير صحيحة فلا يترك العمل بحديث أبي ذر الصحيح الصريح بالمحتمل يعني حديث عائشة وما وافقه، والفرق بين المار وبين النائم في القبلة أن المرور حرام بخلاف الاستقرار نائمًا كان أم غيره، فهكذا المرأة يقطع مرورها دون لبثها.



رقم الحديث 375 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصُّفُوفِ، وَالصَّلَاةُ قَائِمَةٌ قَالَ مَالِكٌ: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ وَاسِعًا، إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، وَبَعْدَ أَنْ يُحْرِمَ الْإِمَامُ، وَلَمْ يَجِدِ الْمَرْءُ مَدْخَلًا إِلَى الْمَسْجِدِ إِلَّا بَيْنَ الصُّفُوفِ.


( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ) الزهري ( عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بضم العين ( بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بفتحها ( بْنِ عُتْبَةَ) بضم وفوقية ساكنة ( بْنِ مَسْعُودٍ) أحد الفقهاء السبعة.
قال ابن عبد البر: لم يكن بعد الصحابة إلى يومنا هذا فيما علمت فقيه أشعر منه ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ) بفتح الهمزة الأنثى من الحمير ( وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ) أي قاربت ( الِاحْتِلَامَ) المراد به البلوغ الشرعي ( وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي لِلنَّاسِ بِمِنًى) بالصرف أجود من عدمه سميت بذلك لما يمنى أي يراق بها من الدماء والأجود كتابتها بالألف.
قال الحافظ: كذا قال مالك وأكثر أصحاب الزهري.

ولمسلم من رواية ابن عيينة بعرفة قال النووي: يحمل ذلك على أنهما قضيتان وتعقب بأن الأصل عدم التعدّد ولا سيما مع اتحاد مخرج الحديث فالحق أن قوله بعرفة شاذ، ولمسلم أيضًا من رواية معمر عن الزهري وذلك في حجة الوداع أو الفتح، وهذا الشك من معمر لا يعول عليه والحق أن ذلك كان في حجة الوداع.
وزاد البخاري من رواية إسماعيل عن مالك إلى غير جدار أي إلى غير سترة أصلاً قاله الشافعي.

وسياق الكلام يدل عليه لأنّ ابن عباس أورده في معرض الاستدلال على أن المرور بين يدي المصلي لا يقطع صلاته، ويؤيده رواية البزار والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي المكتوبة ليس شيء يستره انتهى.

( فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ) أي قدام فالتعبير باليد مجاز إذ الصف لا يد له.
قال الكرماني: يحتمل أن يراد به صف من الصفوف أو بعض من أحد الصفوف انتهى.

وللبخاري من رواية ابن أخي الزهري حتى سرت بين يدي الصف الأوّل ( فَنَزَلْتُ فَأَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ) بفوقيتين وضم العين أي تأكل ما تشاء وقيل تسرع في المشي وجاء أيضًا بكسر العين بوزن تفتعل من الرعي وأصله ترتعي لكن حذفت الياء تخفيفًا والأوّل أصوب لرواية البخاري في الحج نزلت عنها فرتعت ( وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ) .

قال ابن دقيق العيد: استدل ابن عباس بترك الإنكار على الجواز ولم يستدل بترك إعادتهم للصلاة لأنّ ترك الإنكار أكثر فائدة.

قال الحافظ: وجهه إن ترك الإعادة يدل على صحتها فقط لا على جواز المرور وترك الإنكار يدل على جواز المرور وصحة الصلاة معًا، ويستفاد منه أن ترك الإنكار حجة على الجواز بشرطه وهو انتفاء الموانع من الإنكار وثبوت العلم بالاطلاع على الفعل ولا يقال لا يلزم مما ذكر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك لاحتمال أن يكون الصف حائلاً دون رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، لأنا نقول أنه صلى الله عليه وسلم كان يرى في الصلاة من ورائه كما يرى من أمامه.

وللبخاري في الحج أنه مرّ بين يدي بعض الصف الأوّل فلم يكن هناك حائل دون الرؤية ولو لم يرد شيء من ذلك لكان توفر دواعيهم على سؤاله صلى الله عليه وسلم عما يحدث لهم كافيًا في الدلالة على اطلاعه على ذلك، واستدل به على أن مرور الحمار لا يقطع الصلاة، فهو ناسخ لحديث أبي ذرّ في مسلم أن مرور الحمار يقطع الصلاة وكذا المرأة والكلب الأسود، وتعقب بأن مرور الحمار محقق في حال مرور ابن عباس وهو راكبه وذلك لا يضر لأنّ سترة الإمام سترة لمن خلفه، وأما مروره بعد أن نزل عنه فيحتاج إلى نقل.

وقال ابن عبد البر: حديث ابن عباس هذا يخص حديث أبي سعيد: إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدًا يمرّ بين يديه فإن ذلك مخصوص بالإمام والمنفرد، فأما المأموم فلا يضره من مرّ بين يديه لحديث ابن عباس هذا.
قال: وهذا كله لا خلاف فيه بين العلماء، وكذا نقل عياض الاتفاق على أن المأمومين يصلون إلى سترة، لكن اختلف هل سترتهم سترة الإمام أو سترتهم الإمام نفسه؟ لكن يعكر على الاتفاق ما رواه عبد الرزاق عن الحكم بن عمرو الغفاري الصحابي أنه صلى بأصحابه في سفر وبين يديه سترة فمرّ حمير بين يدي أصحابه فأعاد بهم الصلاة.
وفي رواية أنه قال لهم: إنها لم تقطع صلاتي ولكن قطعت صلاتكم.

وحديث سترة الإمام سترة لمن خلفه رواه الطبراني في الأوسط من طريق سويد بن عبد العزيز عن عاصم عن أنس مرفوعًا وقال: تفرد به سويد عن عاصم اهـ وسويد ضعيف عندهم.

ووردت أيضًا في حديث موقوف على ابن عمر أخرجه عبد الرزاق ويظهر أن ثمرة الخلاف الذي نقله عياض فيما لو مرّ بين يدي الإمام أحد، فعلى قول من يقول سترة الإمام سترة لمن خلفه يضر صلاته وصلاتهم، وعلى قول من يقول الإمام نفسه سترة لمن خلفه يضر صلاته ولا يضر صلاتهم اهـ.

وحديث ابن عباس رواه البخاري عن شيخه إسماعيل وعبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى بن يحيى ثلاثتهم عن مالك به.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ) مالك أحد العشرة ( كَانَ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ) أي قدام ( بَعْضِ الصُّفُوفِ وَالصَّلَاةُ قَائِمَةٌ) فدل على جواز ذلك والعمل به ( قَالَ مَالِكٌ: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ وَاسِعًا) أي جائزًا ( إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَبَعْدَ أَنْ يُحْرِمَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَجِدِ الْمَرْءُ مَدْخَلًا إِلَى الْمَسْجِدِ إِلَّا بَيْنَ الصُّفُوفِ) .

قال أبو عمر: هذا مع الترجمة يقتضي أن الرخصة عنده لمن لم يجد من ذلك بدًّا وغيره لا يرى بذلك بأسًا لحديث ابن عباس وللآثار الدالة على أن سترة الإمام سترة لمن خلفه وهو الظاهر.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ مِمَّا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي) وهذا البلاغ رواه سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن علي وعثمان موقوفًا.

( مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ مِمَّا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي) رواه مالك موقوفًا.
وأخرجه الدارقطني من وجه آخر عن سالم عن أبيه مرفوعًا لكن إسناده ضعيف وجاء أيضًا مرفوعًا عن أبي سعيد عند أبي داود وعن أنس وأبي أمامة عند الدارقطني عن جابر عند الطبراني في الأوسط، وفي إسناد كل منهما ضعف.
وقال قوم يقطعها المرأة والحمار والكلب الأسود لحديث أبي ذر مرفوعًا: إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل أخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود قال عبد الله بن الصامت: يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر والكلب الأصفر؟ قال: يا ابن أخي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما سألتني فقال: الكلب الأسود شيطان رواه مسلم.

وله أيضًا عن أبي هريرة مرفوعًا: تقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب.
وبقي ذلك مثل مؤخرة الرحل.
ورواه الطبراني عن الحكم بن عمرو وابن ماجه عن عبد الله بن مغفل نحوه من غير تقييد بالأسود، ولأبي داود عن ابن عباس مثله، لكن قيد المرأة بالحائض.

واختلف العلماء في العمل بهذه الأحاديث فمال الطحاوي وغيره إلى أن حديث أبي ذرّ وما وافقه منسوخ بحديث عائشة في الصحيحين أنه ذكر عندها ما يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة فقالت: شبهتمونا بالحمر والكلاب والله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة.
وقالت ميمونة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا نائمة إلى جنبه فإذا سجد أصابني ثوبه وأنا حائض، وتعقب بأن النسخ إنما صار إليه إذا علم التاريخ وتعذر الجمع والتاريخ هنا لم يتحقق والجمع لم يتعذر، ومال الشافعي وغيره إلى تأويل القطع في حديث أبي ذر بنقص الخشوع لا الخروج من الصلاة، ويؤيده أنه سأل عن حكمة التقييد بالأسود.
فأجيب: بأنه شيطان وقد علم أنّ الشيطان لو مرّ بين يدي المصلي لم يفسد صلاته كما سبق حديث: إذا ثوّب بالصلاة أدبر الشيطان فإذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه، وفي الصحيح أن الشيطان عرض لي فشدّ علي الحديث، وللنسائي فأخذته فصرعته ولا يرد أنه قال في هذا الحديث أنه جاء ليقطع صلاته لأنه بين في رواية مسلم سبب القطع وهو أنه أتى بشهاب من نار ليجعله في وجهه، وأمّا مجرد المرور فقد حصل ولم تفسد به الصلاة، وقال أحمد: يقطع الصلاة الكلب الأسود وفي النفس من الحمار والمرأة شيء، ووجهه ابن دقيق العيد بأنه لم يجد في الكلب الأسود ما يعارضه، ووجد في الحمار حديث ابن عباس وفي المرأة حديث عائشة.

ونازع بعضهم في الاستدلال به من وجوه.
أحدها: أن العلة في قطع الصلاة بها ما يحصل من التشويش، وقد قالت: البيوت يومئذ لم يكن فيها مصابيح فانتفى المعلول بانتفاء علته.
ثانيها: أن المرأة في حديث أبي ذر مطلقة، وفي حديث عائشة مقيدة بكونها زوجة فقد يحمل المطلق على المقيد ويقال بتقييد القطع بالأجنبية لخشية الفتنة بها بخلاف الزوجة فإنها حاصلة عنده.
ثالثها: أن حديث عائشة واقعة حال يتطرق إليها الاحتمال بخلاف حديث أبي ذر فإنه مسوق مساق التشريع، وقد أشار ابن بطال إلى أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم لأنه كان يقدر من ملك إربه على ما لا يقدر عليه غيره، وقال بعض الحنابلة: يعارض حديث أبي ذر وما وافقه أحاديث صحيحة غير صريحة وصريحة غير صحيحة فلا يترك العمل بحديث أبي ذر الصحيح الصريح بالمحتمل يعني حديث عائشة وما وافقه، والفرق بين المار وبين النائم في القبلة أن المرور حرام بخلاف الاستقرار نائمًا كان أم غيره، فهكذا المرأة يقطع مرورها دون لبثها.



رقم الحديث 376 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ مِمَّا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي.


( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ) الزهري ( عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بضم العين ( بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بفتحها ( بْنِ عُتْبَةَ) بضم وفوقية ساكنة ( بْنِ مَسْعُودٍ) أحد الفقهاء السبعة.
قال ابن عبد البر: لم يكن بعد الصحابة إلى يومنا هذا فيما علمت فقيه أشعر منه ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ) بفتح الهمزة الأنثى من الحمير ( وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ) أي قاربت ( الِاحْتِلَامَ) المراد به البلوغ الشرعي ( وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي لِلنَّاسِ بِمِنًى) بالصرف أجود من عدمه سميت بذلك لما يمنى أي يراق بها من الدماء والأجود كتابتها بالألف.
قال الحافظ: كذا قال مالك وأكثر أصحاب الزهري.

ولمسلم من رواية ابن عيينة بعرفة قال النووي: يحمل ذلك على أنهما قضيتان وتعقب بأن الأصل عدم التعدّد ولا سيما مع اتحاد مخرج الحديث فالحق أن قوله بعرفة شاذ، ولمسلم أيضًا من رواية معمر عن الزهري وذلك في حجة الوداع أو الفتح، وهذا الشك من معمر لا يعول عليه والحق أن ذلك كان في حجة الوداع.
وزاد البخاري من رواية إسماعيل عن مالك إلى غير جدار أي إلى غير سترة أصلاً قاله الشافعي.

وسياق الكلام يدل عليه لأنّ ابن عباس أورده في معرض الاستدلال على أن المرور بين يدي المصلي لا يقطع صلاته، ويؤيده رواية البزار والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي المكتوبة ليس شيء يستره انتهى.

( فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ) أي قدام فالتعبير باليد مجاز إذ الصف لا يد له.
قال الكرماني: يحتمل أن يراد به صف من الصفوف أو بعض من أحد الصفوف انتهى.

وللبخاري من رواية ابن أخي الزهري حتى سرت بين يدي الصف الأوّل ( فَنَزَلْتُ فَأَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ) بفوقيتين وضم العين أي تأكل ما تشاء وقيل تسرع في المشي وجاء أيضًا بكسر العين بوزن تفتعل من الرعي وأصله ترتعي لكن حذفت الياء تخفيفًا والأوّل أصوب لرواية البخاري في الحج نزلت عنها فرتعت ( وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ) .

قال ابن دقيق العيد: استدل ابن عباس بترك الإنكار على الجواز ولم يستدل بترك إعادتهم للصلاة لأنّ ترك الإنكار أكثر فائدة.

قال الحافظ: وجهه إن ترك الإعادة يدل على صحتها فقط لا على جواز المرور وترك الإنكار يدل على جواز المرور وصحة الصلاة معًا، ويستفاد منه أن ترك الإنكار حجة على الجواز بشرطه وهو انتفاء الموانع من الإنكار وثبوت العلم بالاطلاع على الفعل ولا يقال لا يلزم مما ذكر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك لاحتمال أن يكون الصف حائلاً دون رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، لأنا نقول أنه صلى الله عليه وسلم كان يرى في الصلاة من ورائه كما يرى من أمامه.

وللبخاري في الحج أنه مرّ بين يدي بعض الصف الأوّل فلم يكن هناك حائل دون الرؤية ولو لم يرد شيء من ذلك لكان توفر دواعيهم على سؤاله صلى الله عليه وسلم عما يحدث لهم كافيًا في الدلالة على اطلاعه على ذلك، واستدل به على أن مرور الحمار لا يقطع الصلاة، فهو ناسخ لحديث أبي ذرّ في مسلم أن مرور الحمار يقطع الصلاة وكذا المرأة والكلب الأسود، وتعقب بأن مرور الحمار محقق في حال مرور ابن عباس وهو راكبه وذلك لا يضر لأنّ سترة الإمام سترة لمن خلفه، وأما مروره بعد أن نزل عنه فيحتاج إلى نقل.

وقال ابن عبد البر: حديث ابن عباس هذا يخص حديث أبي سعيد: إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدًا يمرّ بين يديه فإن ذلك مخصوص بالإمام والمنفرد، فأما المأموم فلا يضره من مرّ بين يديه لحديث ابن عباس هذا.
قال: وهذا كله لا خلاف فيه بين العلماء، وكذا نقل عياض الاتفاق على أن المأمومين يصلون إلى سترة، لكن اختلف هل سترتهم سترة الإمام أو سترتهم الإمام نفسه؟ لكن يعكر على الاتفاق ما رواه عبد الرزاق عن الحكم بن عمرو الغفاري الصحابي أنه صلى بأصحابه في سفر وبين يديه سترة فمرّ حمير بين يدي أصحابه فأعاد بهم الصلاة.
وفي رواية أنه قال لهم: إنها لم تقطع صلاتي ولكن قطعت صلاتكم.

وحديث سترة الإمام سترة لمن خلفه رواه الطبراني في الأوسط من طريق سويد بن عبد العزيز عن عاصم عن أنس مرفوعًا وقال: تفرد به سويد عن عاصم اهـ وسويد ضعيف عندهم.

ووردت أيضًا في حديث موقوف على ابن عمر أخرجه عبد الرزاق ويظهر أن ثمرة الخلاف الذي نقله عياض فيما لو مرّ بين يدي الإمام أحد، فعلى قول من يقول سترة الإمام سترة لمن خلفه يضر صلاته وصلاتهم، وعلى قول من يقول الإمام نفسه سترة لمن خلفه يضر صلاته ولا يضر صلاتهم اهـ.

وحديث ابن عباس رواه البخاري عن شيخه إسماعيل وعبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى بن يحيى ثلاثتهم عن مالك به.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ) مالك أحد العشرة ( كَانَ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ) أي قدام ( بَعْضِ الصُّفُوفِ وَالصَّلَاةُ قَائِمَةٌ) فدل على جواز ذلك والعمل به ( قَالَ مَالِكٌ: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ وَاسِعًا) أي جائزًا ( إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَبَعْدَ أَنْ يُحْرِمَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَجِدِ الْمَرْءُ مَدْخَلًا إِلَى الْمَسْجِدِ إِلَّا بَيْنَ الصُّفُوفِ) .

قال أبو عمر: هذا مع الترجمة يقتضي أن الرخصة عنده لمن لم يجد من ذلك بدًّا وغيره لا يرى بذلك بأسًا لحديث ابن عباس وللآثار الدالة على أن سترة الإمام سترة لمن خلفه وهو الظاهر.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ مِمَّا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي) وهذا البلاغ رواه سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن علي وعثمان موقوفًا.

( مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ مِمَّا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي) رواه مالك موقوفًا.
وأخرجه الدارقطني من وجه آخر عن سالم عن أبيه مرفوعًا لكن إسناده ضعيف وجاء أيضًا مرفوعًا عن أبي سعيد عند أبي داود وعن أنس وأبي أمامة عند الدارقطني عن جابر عند الطبراني في الأوسط، وفي إسناد كل منهما ضعف.
وقال قوم يقطعها المرأة والحمار والكلب الأسود لحديث أبي ذر مرفوعًا: إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل أخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود قال عبد الله بن الصامت: يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر والكلب الأصفر؟ قال: يا ابن أخي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما سألتني فقال: الكلب الأسود شيطان رواه مسلم.

وله أيضًا عن أبي هريرة مرفوعًا: تقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب.
وبقي ذلك مثل مؤخرة الرحل.
ورواه الطبراني عن الحكم بن عمرو وابن ماجه عن عبد الله بن مغفل نحوه من غير تقييد بالأسود، ولأبي داود عن ابن عباس مثله، لكن قيد المرأة بالحائض.

واختلف العلماء في العمل بهذه الأحاديث فمال الطحاوي وغيره إلى أن حديث أبي ذرّ وما وافقه منسوخ بحديث عائشة في الصحيحين أنه ذكر عندها ما يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة فقالت: شبهتمونا بالحمر والكلاب والله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة.
وقالت ميمونة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا نائمة إلى جنبه فإذا سجد أصابني ثوبه وأنا حائض، وتعقب بأن النسخ إنما صار إليه إذا علم التاريخ وتعذر الجمع والتاريخ هنا لم يتحقق والجمع لم يتعذر، ومال الشافعي وغيره إلى تأويل القطع في حديث أبي ذر بنقص الخشوع لا الخروج من الصلاة، ويؤيده أنه سأل عن حكمة التقييد بالأسود.
فأجيب: بأنه شيطان وقد علم أنّ الشيطان لو مرّ بين يدي المصلي لم يفسد صلاته كما سبق حديث: إذا ثوّب بالصلاة أدبر الشيطان فإذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه، وفي الصحيح أن الشيطان عرض لي فشدّ علي الحديث، وللنسائي فأخذته فصرعته ولا يرد أنه قال في هذا الحديث أنه جاء ليقطع صلاته لأنه بين في رواية مسلم سبب القطع وهو أنه أتى بشهاب من نار ليجعله في وجهه، وأمّا مجرد المرور فقد حصل ولم تفسد به الصلاة، وقال أحمد: يقطع الصلاة الكلب الأسود وفي النفس من الحمار والمرأة شيء، ووجهه ابن دقيق العيد بأنه لم يجد في الكلب الأسود ما يعارضه، ووجد في الحمار حديث ابن عباس وفي المرأة حديث عائشة.

ونازع بعضهم في الاستدلال به من وجوه.
أحدها: أن العلة في قطع الصلاة بها ما يحصل من التشويش، وقد قالت: البيوت يومئذ لم يكن فيها مصابيح فانتفى المعلول بانتفاء علته.
ثانيها: أن المرأة في حديث أبي ذر مطلقة، وفي حديث عائشة مقيدة بكونها زوجة فقد يحمل المطلق على المقيد ويقال بتقييد القطع بالأجنبية لخشية الفتنة بها بخلاف الزوجة فإنها حاصلة عنده.
ثالثها: أن حديث عائشة واقعة حال يتطرق إليها الاحتمال بخلاف حديث أبي ذر فإنه مسوق مساق التشريع، وقد أشار ابن بطال إلى أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم لأنه كان يقدر من ملك إربه على ما لا يقدر عليه غيره، وقال بعض الحنابلة: يعارض حديث أبي ذر وما وافقه أحاديث صحيحة غير صريحة وصريحة غير صحيحة فلا يترك العمل بحديث أبي ذر الصحيح الصريح بالمحتمل يعني حديث عائشة وما وافقه، والفرق بين المار وبين النائم في القبلة أن المرور حرام بخلاف الاستقرار نائمًا كان أم غيره، فهكذا المرأة يقطع مرورها دون لبثها.



رقم الحديث 377 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ مِمَّا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي.


( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ) الزهري ( عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بضم العين ( بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بفتحها ( بْنِ عُتْبَةَ) بضم وفوقية ساكنة ( بْنِ مَسْعُودٍ) أحد الفقهاء السبعة.
قال ابن عبد البر: لم يكن بعد الصحابة إلى يومنا هذا فيما علمت فقيه أشعر منه ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ) بفتح الهمزة الأنثى من الحمير ( وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ) أي قاربت ( الِاحْتِلَامَ) المراد به البلوغ الشرعي ( وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي لِلنَّاسِ بِمِنًى) بالصرف أجود من عدمه سميت بذلك لما يمنى أي يراق بها من الدماء والأجود كتابتها بالألف.
قال الحافظ: كذا قال مالك وأكثر أصحاب الزهري.

ولمسلم من رواية ابن عيينة بعرفة قال النووي: يحمل ذلك على أنهما قضيتان وتعقب بأن الأصل عدم التعدّد ولا سيما مع اتحاد مخرج الحديث فالحق أن قوله بعرفة شاذ، ولمسلم أيضًا من رواية معمر عن الزهري وذلك في حجة الوداع أو الفتح، وهذا الشك من معمر لا يعول عليه والحق أن ذلك كان في حجة الوداع.
وزاد البخاري من رواية إسماعيل عن مالك إلى غير جدار أي إلى غير سترة أصلاً قاله الشافعي.

وسياق الكلام يدل عليه لأنّ ابن عباس أورده في معرض الاستدلال على أن المرور بين يدي المصلي لا يقطع صلاته، ويؤيده رواية البزار والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي المكتوبة ليس شيء يستره انتهى.

( فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ) أي قدام فالتعبير باليد مجاز إذ الصف لا يد له.
قال الكرماني: يحتمل أن يراد به صف من الصفوف أو بعض من أحد الصفوف انتهى.

وللبخاري من رواية ابن أخي الزهري حتى سرت بين يدي الصف الأوّل ( فَنَزَلْتُ فَأَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ) بفوقيتين وضم العين أي تأكل ما تشاء وقيل تسرع في المشي وجاء أيضًا بكسر العين بوزن تفتعل من الرعي وأصله ترتعي لكن حذفت الياء تخفيفًا والأوّل أصوب لرواية البخاري في الحج نزلت عنها فرتعت ( وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ) .

قال ابن دقيق العيد: استدل ابن عباس بترك الإنكار على الجواز ولم يستدل بترك إعادتهم للصلاة لأنّ ترك الإنكار أكثر فائدة.

قال الحافظ: وجهه إن ترك الإعادة يدل على صحتها فقط لا على جواز المرور وترك الإنكار يدل على جواز المرور وصحة الصلاة معًا، ويستفاد منه أن ترك الإنكار حجة على الجواز بشرطه وهو انتفاء الموانع من الإنكار وثبوت العلم بالاطلاع على الفعل ولا يقال لا يلزم مما ذكر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك لاحتمال أن يكون الصف حائلاً دون رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، لأنا نقول أنه صلى الله عليه وسلم كان يرى في الصلاة من ورائه كما يرى من أمامه.

وللبخاري في الحج أنه مرّ بين يدي بعض الصف الأوّل فلم يكن هناك حائل دون الرؤية ولو لم يرد شيء من ذلك لكان توفر دواعيهم على سؤاله صلى الله عليه وسلم عما يحدث لهم كافيًا في الدلالة على اطلاعه على ذلك، واستدل به على أن مرور الحمار لا يقطع الصلاة، فهو ناسخ لحديث أبي ذرّ في مسلم أن مرور الحمار يقطع الصلاة وكذا المرأة والكلب الأسود، وتعقب بأن مرور الحمار محقق في حال مرور ابن عباس وهو راكبه وذلك لا يضر لأنّ سترة الإمام سترة لمن خلفه، وأما مروره بعد أن نزل عنه فيحتاج إلى نقل.

وقال ابن عبد البر: حديث ابن عباس هذا يخص حديث أبي سعيد: إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدًا يمرّ بين يديه فإن ذلك مخصوص بالإمام والمنفرد، فأما المأموم فلا يضره من مرّ بين يديه لحديث ابن عباس هذا.
قال: وهذا كله لا خلاف فيه بين العلماء، وكذا نقل عياض الاتفاق على أن المأمومين يصلون إلى سترة، لكن اختلف هل سترتهم سترة الإمام أو سترتهم الإمام نفسه؟ لكن يعكر على الاتفاق ما رواه عبد الرزاق عن الحكم بن عمرو الغفاري الصحابي أنه صلى بأصحابه في سفر وبين يديه سترة فمرّ حمير بين يدي أصحابه فأعاد بهم الصلاة.
وفي رواية أنه قال لهم: إنها لم تقطع صلاتي ولكن قطعت صلاتكم.

وحديث سترة الإمام سترة لمن خلفه رواه الطبراني في الأوسط من طريق سويد بن عبد العزيز عن عاصم عن أنس مرفوعًا وقال: تفرد به سويد عن عاصم اهـ وسويد ضعيف عندهم.

ووردت أيضًا في حديث موقوف على ابن عمر أخرجه عبد الرزاق ويظهر أن ثمرة الخلاف الذي نقله عياض فيما لو مرّ بين يدي الإمام أحد، فعلى قول من يقول سترة الإمام سترة لمن خلفه يضر صلاته وصلاتهم، وعلى قول من يقول الإمام نفسه سترة لمن خلفه يضر صلاته ولا يضر صلاتهم اهـ.

وحديث ابن عباس رواه البخاري عن شيخه إسماعيل وعبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى بن يحيى ثلاثتهم عن مالك به.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ) مالك أحد العشرة ( كَانَ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ) أي قدام ( بَعْضِ الصُّفُوفِ وَالصَّلَاةُ قَائِمَةٌ) فدل على جواز ذلك والعمل به ( قَالَ مَالِكٌ: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ وَاسِعًا) أي جائزًا ( إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَبَعْدَ أَنْ يُحْرِمَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَجِدِ الْمَرْءُ مَدْخَلًا إِلَى الْمَسْجِدِ إِلَّا بَيْنَ الصُّفُوفِ) .

قال أبو عمر: هذا مع الترجمة يقتضي أن الرخصة عنده لمن لم يجد من ذلك بدًّا وغيره لا يرى بذلك بأسًا لحديث ابن عباس وللآثار الدالة على أن سترة الإمام سترة لمن خلفه وهو الظاهر.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ مِمَّا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي) وهذا البلاغ رواه سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن علي وعثمان موقوفًا.

( مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ مِمَّا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي) رواه مالك موقوفًا.
وأخرجه الدارقطني من وجه آخر عن سالم عن أبيه مرفوعًا لكن إسناده ضعيف وجاء أيضًا مرفوعًا عن أبي سعيد عند أبي داود وعن أنس وأبي أمامة عند الدارقطني عن جابر عند الطبراني في الأوسط، وفي إسناد كل منهما ضعف.
وقال قوم يقطعها المرأة والحمار والكلب الأسود لحديث أبي ذر مرفوعًا: إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل أخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود قال عبد الله بن الصامت: يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر والكلب الأصفر؟ قال: يا ابن أخي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما سألتني فقال: الكلب الأسود شيطان رواه مسلم.

وله أيضًا عن أبي هريرة مرفوعًا: تقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب.
وبقي ذلك مثل مؤخرة الرحل.
ورواه الطبراني عن الحكم بن عمرو وابن ماجه عن عبد الله بن مغفل نحوه من غير تقييد بالأسود، ولأبي داود عن ابن عباس مثله، لكن قيد المرأة بالحائض.

واختلف العلماء في العمل بهذه الأحاديث فمال الطحاوي وغيره إلى أن حديث أبي ذرّ وما وافقه منسوخ بحديث عائشة في الصحيحين أنه ذكر عندها ما يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة فقالت: شبهتمونا بالحمر والكلاب والله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة.
وقالت ميمونة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا نائمة إلى جنبه فإذا سجد أصابني ثوبه وأنا حائض، وتعقب بأن النسخ إنما صار إليه إذا علم التاريخ وتعذر الجمع والتاريخ هنا لم يتحقق والجمع لم يتعذر، ومال الشافعي وغيره إلى تأويل القطع في حديث أبي ذر بنقص الخشوع لا الخروج من الصلاة، ويؤيده أنه سأل عن حكمة التقييد بالأسود.
فأجيب: بأنه شيطان وقد علم أنّ الشيطان لو مرّ بين يدي المصلي لم يفسد صلاته كما سبق حديث: إذا ثوّب بالصلاة أدبر الشيطان فإذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه، وفي الصحيح أن الشيطان عرض لي فشدّ علي الحديث، وللنسائي فأخذته فصرعته ولا يرد أنه قال في هذا الحديث أنه جاء ليقطع صلاته لأنه بين في رواية مسلم سبب القطع وهو أنه أتى بشهاب من نار ليجعله في وجهه، وأمّا مجرد المرور فقد حصل ولم تفسد به الصلاة، وقال أحمد: يقطع الصلاة الكلب الأسود وفي النفس من الحمار والمرأة شيء، ووجهه ابن دقيق العيد بأنه لم يجد في الكلب الأسود ما يعارضه، ووجد في الحمار حديث ابن عباس وفي المرأة حديث عائشة.

ونازع بعضهم في الاستدلال به من وجوه.
أحدها: أن العلة في قطع الصلاة بها ما يحصل من التشويش، وقد قالت: البيوت يومئذ لم يكن فيها مصابيح فانتفى المعلول بانتفاء علته.
ثانيها: أن المرأة في حديث أبي ذر مطلقة، وفي حديث عائشة مقيدة بكونها زوجة فقد يحمل المطلق على المقيد ويقال بتقييد القطع بالأجنبية لخشية الفتنة بها بخلاف الزوجة فإنها حاصلة عنده.
ثالثها: أن حديث عائشة واقعة حال يتطرق إليها الاحتمال بخلاف حديث أبي ذر فإنه مسوق مساق التشريع، وقد أشار ابن بطال إلى أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم لأنه كان يقدر من ملك إربه على ما لا يقدر عليه غيره، وقال بعض الحنابلة: يعارض حديث أبي ذر وما وافقه أحاديث صحيحة غير صريحة وصريحة غير صحيحة فلا يترك العمل بحديث أبي ذر الصحيح الصريح بالمحتمل يعني حديث عائشة وما وافقه، والفرق بين المار وبين النائم في القبلة أن المرور حرام بخلاف الاستقرار نائمًا كان أم غيره، فهكذا المرأة يقطع مرورها دون لبثها.



رقم الحديث 377 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ قَالَ أَبُو حَازِمٍ: لَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ يَنْمِي ذَلِكَ.


( مالك عن عبد الكريم بن أبي المخارق) بضم الميم وبالخاء المعجمة أبي أمية المعلم ( البصري) نزيل مكة واسم أبيه قيس وقيل طارق.
قال في التمهيد: ضعيف متروك باتفاق أهل الحديث لقيه مالك بمكة وكان مؤدّب كتاب حسن السمت فغرّه منه سمته ولم يكن من أهل بلده فيعرفه فروى عنه من المرفوع في الموطأ هذا الحديث الواحد فيه ثلاثة أحاديث مرسلة يتصل من غير روايته من وجوه صحاح ولم يرو عنه حكمًا إنما روى عنه ترغيبًا وفضلاً، وكذلك غرّ الشافعي من إبراهيم بن أبي يحيى حذقه ونباهته فروى عنه وهو مجمع على ضعفه لكنه أيضًا لم يحتج به في حكم أفرده به انتهى باختصار.

وقد روى البخاري لعبد الكريم هذا في قيام الليل، ومسلم في مقدمة صحيحه وأصحاب السنن إلا أن النسائي ما روى له إلا قليلاً مات سنة ست وعشرين ومائة.

( أنه قال: من كلام النبوة) أي مما اتفق عليه شرائع الأنبياء لأنه جاء في أولاها ثم تتابعت بقيتها عليه ولم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم لأنه أمر أطبقت عليه العقول ( إذا لم تستحي فافعل ما شئت) قال ابن عبد البر: لفظه أمر ومعناه الخبر بأن من لم يكن له حياء يحجزه عن محارم الله فسواء عليه فعل الصغائر والكبائر، ومنه حديث المغيرة مرفوعًا: من باع الخمر فليشقص الخنازير وقال أبو دلف:

إذا لم تصن عرضًا ولم تخش خالقًا
وتستحي مخلوقًا فما شئت فاصنع

وفيه معنى التحذير والوعيد على قلة الحياء ومنه أخذ القائل:

إذا لم تخش عاقبة الليالي
ولم تستحي فاصنع ما تشاء

فلا والله ما في العيش خير
ولا الدنيا إذا ذهب الحياء

وقيل: معناه إذا كان الفعل مما لا يستحيا منه شرعًا فافعله ولا عليك من الناس.
قال: وهذا تأويل ضعيف والأوّل هو المعروف عند العلماء والمشهور مخرجه عند العرب والفصحاء.

وهذا الحديث أخرجه البخاري وأبو داود وابن ماجه من طريق منصور عن ربعي بن حراش عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن مما أدرك الناس من كلام النبوّة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت ورواه بلفظ: فافعل ابن أبي شيبة وليس في رواية البخاري الأولى.

قال في فتح الباري: الناس بالرفع في جميع الطرق ويجوز النصب أي مما بلغ الناس قال وهو أمر بمعنى الخبر أو هو للتهديد أي فإن الله يجزيك أو معناه انظر إلى ما تريد فعله فإن كان مما لا يستحيا منه فافعله وإلا فدعه أو المعنى أنك إذا لم تستحِ من الله من شيء يجب أن لا تستحي منه من أمر الدين فافعله ولا تبال بالخلق أو المراد الحث على الحياء والتنويه بفضله أي لما لم يجز صنع جميع ما شئت لم يجز ترك الاستحياء.

( ووضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة) وقوله ( يضع اليمنى على اليسرى) من قول مالك ليس من الحديث، وهو أمر مجمع عليه في هيئة وضع اليدين إحداهما على الأخرى قاله أبو عمر في التقصي.
قال ابن حبيب: ليس لذلك موضع معروف.
وقال عبد الوهاب: المذهب وضعهما تحت الصدر وفوق السرة.
وقال أبو حنيفة: السنة وضعهما تحت السرة ويقبض يمناه على الكوع وبعض المعصم من اليسرى ولا يعتمد عليها.

قال العلماء: الحكمة في هذه الهيئة أنه صفة السائل الذليل وهو أمنع من العبث وأقرب إلى الخشوع، ومن اللطائف قول بعضهم القلب موضع النية والعادة أن من احترز على حفظ شيء جعل يديه عليه.
وروى أشهب عن مالك لا بأس به في النافلة والفريضة وكذا قال أصحاب مالك المدنيون.
وروى مطرف وابن الماجشون أن مالكًا استحسنه.

قال ابن عبد البر: لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه خلاف وهو قول جمهور الصحابة والتابعين وهو الذي ذكره مالك في الموطأ ولم يحك ابن المنذر وغيره عن مالك غيره.
وروى ابن القاسم عن مالك الإرسال وصار إليه أكثر أصحابه، وروي أيضًا عنه إباحته في النافلة لطول القيام وكرهه في الفريضة، ونقل ابن الحاجب أن ذلك حيث تمسك معتمدًا لقصد الراحة.

( وتعجيل الفطر والاستيناء بالسحور) أخرج الطبراني في الكبير بسند صحيح عن ابن عباس سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إنا معاشر الأنبياء أمرنا بتعجيل فطرنا وتأخير سحورنا وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة وروى الطبراني عن أبي الدرداء وابن عبد البر عن أبي هريرة رفعاه: ثلاث من أخلاق النبوّة تعجيل الإفطار وتأخير السحور ووضع اليمنى على اليسرى في الصلاة.
ورواه سعيد بن منصور عن عائشة وللطبراني عن يعلى بن مرّة رفعه: ثلاث يحبها الله عز وجل تعجيل الإفطار وتأخير السحور وضرب اليدين إحداهما بالأخرى في الصلاة.

( مالك عن أبي حازم) بمهملة وزاي سلمة ( بن دينار) المدني الثقة ( عن سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين ابن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي الصحابي ابن الصحابي مات سنة ثمان وثمانين وقيل بعدها وقد جاوز المائة ( أنه قال: كان الناس يؤمرون) قال الحافظ: هذا حكمه الرفع لأنه محمول على أن الآمر لهم النبي صلى الله عليه وسلم ( أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة) أبهم موضعه من الذراع، وفي حديث وائل عند أبي داود والنسائي ثم وضع صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ من الساعد، وصححه ابن خزيمة وغيره وأصله في مسلم والرسغ بضم الراء وسكون المهملة ومعجمة هو المفصل بين الساعد والكف ولم يذكر أيضًا محلهما من الجسد، ولابن خزيمة عن وائل أنه صلى الله عليه وسلم وضعهما على صدره، وللبزار عند صدره، وفي زيادات المسند من حديث عليّ أنه وضعهما تحت السرة وإسناده ضعيف.

( قال أبو حازم: لا أعلم إلا أنه) أي سهلاً ( ينمي ذلك) بفتح أوّله وسكون النون وكسر الميم أي يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وحكي في المطالع أن القعنبي رواه بضم أوّله من أنمى قال وهو غلط، وردّ بأن الزجاج وابن دريد وغيرهما حكوا نميت الحديث وأنميته ومع ذلك فالذي ضبطناه في البخاري عن القعنبي بفتح أوّله من الثلاثي فلعل الضم رواية القعنبي في الموطأ.

قال أهل اللغة: يقال نميت الحديث رفعته وأسندته وصرح معن بن عيسى وعبد الله بن يوسف وابن وهب ثلاثتهم عن مالك عند الدارقطني بلفظ يرفع ذلك، ومن اصطلاح أهل الحديث إذا قال الراوي ينمي فمراده يرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يقيد.

واعترض الداني في أطراف الموطأ فقال: هذا معلول لأنه ظنّ من أبي حازم، وردّ بأن أبا حازم لو لم يقل لا أعلم..... إلخ لكان في حكم المرفوع لأن قول الصحابي كنا نؤمر بكذا يصرف بظاهره إلى من له الأمر وهو النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الصحابي في مقام تعريف الشرع فيحمل على من صدر عنه الشرع، ومثله قول عائشة كنا نؤمر بقضاء الصوم فإنه محمول على أن الآمر بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم، وأطلق البيهقي أنه لا خلاف في ذلك بين أهل النقل قيل: لو كان مرفوعًا ما احتاج أبو حازم إلى قوله لا أعلم..... إلخ وجوابه أنه أراد الانتقال إلى التصريح فالأوّل لا يقال له مرفوع، وإنما يقال: له حكم الرفع.

وقد ورد ما يستأنس به على تعيين الآمر والمأمور ففي سنن أبي داود والنسائي وصحيح ابن السكن بإسناد حسن عن ابن مسعود قال: رآني النبي صلى الله عليه وسلم واضعًا يدي اليسرى على اليمنى فنزعها ووضع اليمنى على اليسرى انتهى.

وقال ابن عبد البر: رواه عمار بن مطرف عن مالك عن أبي حازم عن سهل قال: أمرنا أن نضع اليمنى على الذراع اليسرى في الصلاة انتهى.

وحديث الباب رواه البخاري عن القعنبي عن مالك به ثم قال وقال إسماعيل: ينمى ذلك ولم يقل ينمي أي قاله إسماعيل بن أويس بضم أوّله وفتح الميم بلفظ المجهول فعليه الهاء ضمير الشأن فيكون مرسلاً لأن أبا حازم لم يعين من نماه له، وعلى رواية غيره بفتح أوله وكسر الميم يكون متصلاً لأن الضمير لسهل شيخه كما تقدّم.