فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب الأمر بالمحافظة عَلَى السُّنَّة وآدابِها

رقم الحديث 156 ( فالأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال) لما خطب وقال: { يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا} ، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها مراراً، فقال رسول الله: «لو قلت نعم لوجب ولما استطعتم» ثم قال: ( دعوني) أي: من كثرة السؤال ولفظ مسلم «ذروني» ( ما تركتكم) «ما» فيه ظرفية مصدرية وآثر تركتكم على وذرتكم ماضي يذر، لأن العرب لا تستعمله إلا في الشعر.
قال سيبويه: اغتناء عنه بترك، وقال غيره: لما كانت الواو ثقيلة وكان في هذا الكلام بمعناه فعل لا واو فيه أنفوه، حكاهما القرطبي في تفسير سورة هود من تفسير الكبير وكذا ودع.
وقيل: بل استعمل ودع قليلاً، ومنه قوله تعالى: { ما ودعك ربك} ( الضحى: 3) على قراءة التخفيف شاذاً، وحديث: «دعوا الحبشة ما ودعوكم» ومعنى قوله: ذروني الخ: لا تكثروا الاستفصال عن المواضع التي تفيد بوجه ظاهر وإن صلحت لغيره كما في «فحجوا» فإنه وإن أمكن أن يراد به التكرار ينبغي أن يكتفي منه بما يصدق عليه اللفظ وهو المرة الواحدة فإنها مفهومة من اللفظ قطعاً وما زاد مشكوك فيه فيعرض عنه، ولا يكثر السؤال لئلا يقع الجواب بما فيه التعب والمشقة كما وقع لبني إسرائيل فخاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أمته من مثل ذلك ومن ثم قال: ( إنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم) وعند مسلم: «فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم» بالرفع لأنه أبلغ في ذم الاختلاف إذ لا يتقيد حينئذٍ بالأكثرية بخلاف لو جرّ ( على أنبيائهم) استفيد منه تحريم الاختلاف وكثرة المسائل من غير ضرورة، لأنه توعد عليه بالهلاك، والوعيد عن الشيء دليل تحريمه بل كونه كبيرة، ووجهه في الاختلاف أنه سبب تفرق القلوب ووهن الدين، وذلك حرام فسببه المؤدي إليه حرام، وفي كثرة السؤال إنه من غير ضرورة مشعر بالتعنت أو مفض إليه وهو حرام أيضاً ( فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه) دائماً على كل تقدير ما دام منهياً عنه حتماً في الحرام وندباً في المكروه إذ لا يمتثل النهي إلا بترك جميع جزئياته، وإلا صدق عليه أنه عاص أو مخالف، وأيضاً فترك المنهي عنه هو استصحاب حال عدمه والاستمرار على حال عدمه وليس في ذلك ما لا يستطاع حتىيسقط التكليف به، وكون الداعي للمعصية قد يقوى حتى لا يستطاع الكفّ عنها نادر لا يعوّل عليه، وخرج بقوله ما دام الخ نحو أكل الميتة للمضطر وشرب المسكر لإساغة اللقمة لعدم النهي عنه حينئذٍ ( وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) أي: أطقتم لأن فعله هو إخراجه من العدم إلى الوجود، وذلك متوقف على شروط وأسباب كالقدرة على الفعل ونحوها وبعضها يستطاع وبعضها لا يستطاع فكان التكليف بما يستطاع منه لأن الله تعالى أخبر أنه لا يكلف نفساً إلا وسعها.
قال المصنف: وهذا الحديث موافق لقوله تعالى: { فاتقوا الله ما استطعتم} ( التغابن: 116) ولتوقف المأمور به على فعل بخلاف المنهي عنه فإنه كف محض، قال في ذاك ( فأتوا منه ما استطعتم) وفي هذا ( فاجتنبوه) وهذا من قواعد الإسلام المهمة، ومما أوتيه من جوامع الكلم، لأنه يدخل فيه ما لا يحصى من الأحكام وبه أو بالآية الموافقة له يخص عموم قوله تعالى: { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} ( الحشر: 7) وحديث أحمد في «مسنده» عن عبد ابن عمرو مرفوعاً من جملة حديث قال فيه: «انظروا الذي أمرتم به فاعملوا به، والذي نهيتم عنه فانتهوا عنه» فمن عجز عن ركن أو شرط لنحو وضوء أو صلاة أو قدر على غسل أو مسح بعض أعضاء الوضوء أو التيمم أو على بعض الفاتحة أو إزالة بعض المنكر أتى بالممكن وصحت عبادته ( متفق عليه) ورواه أحمد وقال: «فأتمروا ما استطعتم» وله طرق عن أبي هريرة ورواه الترمذي وأبو عوانة وابن حبان، وقد بسط طرقه وتخاريجه الحافظ السخاوي في تخاريج الأربعين للمصنف.


رقم الحديث 157 ( الثاني: عن أبي نجيح) بفتح النون وكسر الجيم وسكون التحتية بعدها مهملة ( العرباض) بكسر المهملة وسكون الراء وبعدها موحدة وآخره ضاد معجمة وأصله الطويل ( ابن سارية) بمهملتين بينهما ألف وبعد الراء تحتية خفيفة السلمي من أهل الصفة وهو أحد البكائين، وكان يقول إنه رابع الإسلام ( رضي الله عنه) في «التهذيب» للمصنف.
قال محمدبن عوف الحمصي: كل واحد من العرباضبن سارية وعمروبن عنبسة كان يقول: أنا رابع الإسلام.
أي رابع من أسلم، ولا يدرى أيهما أسلم قبل صاحبه اهـ.
نزل الشام وسكن حمص ومات في فتنة ابن الزبير رضي الله عنهما ويقال سنة خمس وسبعين.
قال ابنحزم في آخر «سيرته» روي له عن النبي أحد وثلاثون حديثاً، روى له أصحاب السنن الأربع ( وقال: وعظنا رسول الله) أي: بعد صلاة الصبح كما جاء في رواية أخرى ( موعظة) من الوعظ، وهو النصح والتذكير بالعواقب وتنوينها للتعظيم: أي موعظة جليلة، وجاء في رواية موعظة ( بليغة وجلت) بكسر الجيم أي: خافت ( منها) أي: من أجلها ويصح أن تكون لابتداء الغاية ( القلوب) وكان المقام للتخويف فأتى بذلك لمناسبته ( وذرقت) بفتح المعجمة والراء من باب ضرب: سالت ( منها العيون) أي دموعها، وأخر هذا عما قبله لأنه إنما ينشأ عنه غالباً ( فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع) كأنّ وجه فهمهم لذلك مزيد مبالغته في تخويفهم وتحذيرهم على ما كانوا يألفون منه قبل، فظنوا أن ذلك لقرب موته ومفارقته لهم إذ المودع يستقصي ما لا يستقصي غيره في القول والفعل، ففيه جواز تحكيم القرائن والاعتماد عليها في بعض الأحيان لأنهم فهموا توديعه بقرينة إبلاغه في الموعظة أكثر من العادة ( فأوصنا) أي: وصية جامعة كافية ( قال: أوصيكم بتقوى ا) جمع في هذا كل ما يحتاج إليه من أمور الآخرة، لما مر أن التقوى امتثال الأوامر واجتناب النواهي وتكاليف الشرع لا تخرج عن ذلك ( والسمع والطاعة) جمع بينهما تأكيداً للاعتناء بهذا المقام، ومن ثم خصة بالذكر عاطفاً له على ما يشمله وغيره وهو التقوى فهو من عطف الخاص على العام لمزيد الاهتمام، ويحتمل أنه من عطف المغاير من حيث إنّ أظهر مقاصد التقوى انتظام الأمور الأخروية، والإمامة أظهر مقاصدها انتظام الأمور الدنيوية، ومن ثم قال عليّبن أبي طالب رضي الله عنه: إن الناس لا يصلحهم إلا إمام عادل أو فاجر ( وإن تأمر عليكم عبد) هو من باب ضرب المثل بغير الواقع على سبيل الفرض والتقدير وإلا فهو لا تصح ولايته، أو من باب الإخبار بالمغيبات: أي إن نظام الشريعة يختلّ حتى توضع الولاية في غير أهلها، الأمر بالطاعة إيثار لأخف الضررين ( وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً) فيه من معجزاته الإخبار بما يقع بعده من كثرة الاختلاف وغلبة المنكر، وقد كان عالماً به جملة وتفصيلاً، لما صح أنه كشف له عما يكون إلى أن يدخل أهل الجنة والنار منازلهم، ولم يكن يبينه لكل أحد وإنما كان يحذر منه على العموم، وكان يلقي بعض التفاصيل إلى الخصوص كحذيفة وأبي هريرة ( فعليكم) الزموا حينئذٍ التمسك( بسنتي) أي طريقتي وسيرتي القويمة التي أنا عليها مما فصلته لكم من الأحكام الاعتقادية والعملية الواجبة والمندوبة وغيرها، وتخصيص الأصوليين لها بالمطلوب طلباً غير جازم اصطلاح طارىء قصدوا به التمييز بينها وبين الفرض ( وسنة) أي: طريقة ( الخلفاء الراشدين المهديين) وهم أبو بكر فعمر فعثمان فعليّ فالحسن رضي الله عنهم وعن بقية الصحابة أجمعين، فإن ما عرف عن هؤلاء أو عن بعضهم أولى بالاتباع من بقية الصحابة إذا وقع بينهم الخلاف فيه ومحل تقليد الصحابة بالنسبة للمقلد الصرف في تلك الأزمنة القريبة من زمنهم.
أما في زمننا فقال بعض أئمتنا: لا يجوز تقليد غير الأئمة الأربعة.
الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد لأن هؤلاء عرفت مذاهبهم واستقرّت أحكامها وخدمها تابعوهم وحرروها فرعاً فرعاً وحكماً حكماً فقلّ أن يوجد فرع إلا وهو منصوص لهم إجمالاً أو تفصيلاً، بخلاف غيرهم فإن مذاهبهم لم تحرر وتدوّن كذلك فلا يعرف لها قواعد يتخرج عليها أحكامها، فلم يجز تقليدهم فيما حفظ عنهم منها لأنه قد يكون مشترطاً بشروط أخرى وكلوها إلى فهمها من قواعدهم، فقلت الثقة بخلوّ ما حفظ عنهم من قيد أو شرط فلم يجز التقليد حينئذٍ ( عضوا عليها بالنواجذ) سيأتي معناها، والمعنى: عضوا عليها بجميع الفم احترازاً من النهش وهو الأخذ بأطراف الأسنان، فهو إما مجاز بليغ فيه تشبيه المعقول بالمحسوس، أو كناية عن شدة التمسك بالسنة والجد في لزومها كفعل من أمسك بنواجذه شيئاً وعض عليه لئلا ينزع منه، لأن النواجذ محدودة فإذا عضت على شيء نشبت فيه فلا يتخلص.
وقيل معناه الأمر بالصبر على ما يصيبه من العض في ذات الله كما يفعله المتألم مما أصابه من الألم ( وإياكم ومحدثات الأمور) كلاهما منصوب بفعل مضمر أي: باعدوا أنفسكم واحذروا الأخذ بالأمور المحدثة في الدين واتباع غير سنن الخلفاء الراشدين ( فإن) ذلك بدعة وإن ( كل بدعة) وهي لغة المخترع على غير مثال سابق.
وشرعاً ما أحدث على خلاف أمر الشارع، ودليله الخاص أو العام ( ضلالة) لأن الحق فيما جاء به الشرع فما لا يرجع إليه يكون ضلالة، إذ ليس بعد الحق إلا الضلال، والمراد بالضلالة هنا ما ليس له أصل في الشرع وإنما حمل عليه مجرد الشهوة أو الإرادة، بخلاف محدث له أصل في الشرع إما بحمل النظر على النظير أو بغير ذلك فإنه حسن، إذ هو سنة الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين فمنشأ الذم في البدعة ليس مجرد لفظ محدث أو بدعة بل ما اقترن بهمن مخالفته للسنة ورعايته للضلالة، ولذا انقسمت البدعة إلى الأحكام الخمسة، لأنها إذا عرضت على القواعد الشرعية لم تخل عن واحد منها، فمن البدع الواجبة على الكفاية تعلم العلوم المتوقف عليها فهم الكتاب والسنة والتي فيها حفظ الشريعة، لأن حفظها واجب على الكفاية فيما زاد على التعين ولا يتأتى حفظها إلا بذلك فوجب.
ومن البدع المحرّمة مذاهب سائر أهل البدع المخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة.
ومن المندوبة كل إحسان لم يعهد في الصدر الأول كإحداث نحو الربط والمدارس والكلام في دقائق التصوف.
ومن المكروهة زخرفة المساجد وتزويق المصاحف، ومن المباحة التوسع في لذيذ المآكل والمشارب؛ فعلم أن قوله: «وكل بدعة ضلالة» عام أريد به خاص إذ سنة الخلفاء الراشدين منها مع أنا أمرنا باتباعها لرجوعها إلى أصل شرعي وكذا سنتهم عام أريد به خاص، إذ لو فرض خليفة راشد سنّ سنة لا يعضدها دليل شرعي امتنع اتباعها، ولا ينافي ذلك رشده لأنه قد يخطىء المصيب ويزيغ المستقيم يوماً ما ( رواه) أحمد والدارمي في «مسنديهما» .
ورواه عن أحمد ( أبو داود) في «سننه» ( و) كذا ( الترمذي وقال: حديث صحيح) وفي الأربعين للمصنف: وقال حديث حسن، وفي نسخة من كل من الرياض والأربعين: وقال صحيح حسن.
وبالنسخة الثانية يعلم أن المصنف اقتصر على أحد الوصفين في كل من الكتابين، ويحتمل أن النسخ عنده مختلفة في ذلك فنقل عن كل من النسخ في كتاب، والله أعلم بالصواب.
ورواه ابن ماجه وأبو نعيم وقال: حديث جيد من صحيح الشاميين.
وأخرجه الحاكم بنحوه في «مستدركه» وكذا أخرجه الطبراني في «الكبير» والبغوي في «معجم الصحابة» ، وله طرق كثيرة واختلاف في ألفاظه ورواياته، وقد بسطها السخاوي في «تخريج الأربعين» التي جمعها المصنف ثم قال: وبالجملة فقد قال الترمذي: إنه حسن صحيح، وقال الحاكم: إنه صحيح على شرط الشيخين وصححه ابن حبان، بل وعزى شيخنا: يعني الحافظ ابن حجر تصحيحه لابن خزيمة اهـ ( النواجذ بالذال المعجمة: الأنياب) كذا اقتصر عليه القاضي عياض في «المشارق» ( وقيل: الأضراس) ومن هذا قوله في الحديث «حتى بدت نواجذه» .
قال القاضي عياض في «المشارق» : وهي الأضراس، وقيل: الضواحك، والنواجذأيضاً: أواخر الأسنان وهي أضراس العقل اهـ: أي: الذي يدل نباتها على الحلم وهي من فوق وأسفل من كل من الجانبين، فللإنسان أربع.
وأشار في «النهاية» إلى أنه المشهور، واقتصر عليه السيوطي فقال في «مختصر النهاية» : النواجذ أواخر الأضراس واحده ناجذ اهـ وبهذا المعنى فسر جمع النواجذ هنا.


رقم الحديث 158 ( الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كل أمتي) أي: أمة الدعوة ( يدخلون الجنة إلا من أبى) بفتح الموحدة، أي: امتنع، قال العلقمي: قال الحافظ: ظاهره أن العموم مستمرّ لأن كلاً منهم لا يمتنع من دخول الجنة فلذلك ( قيل: ومن يأبى) أي: يمتنع من دخولها ( فقال) ( من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى) قال: فبين به أن إسناد الامتناع إليهم عن الدخول مجاز عن الامتناع عن سببه وهو عصيان الرسول والموصوف بالإباء وهو الامتناع إن كان عن أصل الدخول في الإسلام فكافر لا يدخل الجنة البتة، وإن كان بعد الدخول فيه فالمراد منعه عن الدخول فيها من الفائزين اهـ.
وقال العاقولي: لما كان المرتكب للمعصية كالرادّ لما دل على تحريمها من الكتاب والسنة أطلق عليه لفظ الإباء وأريد به استحقاقه النار وضعاً للسبب موضع المسبب قال الجوهري: الإباء بالكسر أي: والهمزة الممدوة، ويقال إباءة ( رواه البخاري) .


رقم الحديث 159 ( الرابع: عن أبي مسلم) بصيغة اسم الفاعل من الإسلام ( وقيل) : يكنى بـ ( أبي إياس) ففيه حذف الجار وإبقاء عمله ومثله سماعي وهو بكسر الهمزة بعدها تحتية ويقال أبو عامر ( سلمة) بفتح أوّليه ( ابن عمروبن الأكوع) واسمه سنانبن عبد ابن قشيربن خزيمةبن مالك بن سلامانبن أسلم الأسلمي ( رضي الله عنه) شهد بيعة الرضوان بالحديبية، وبايعرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذٍ ثلاث مرات في أول الناس وأوسطهم وآخرهم، وكان شجاعاً رامياً محسناً خيراً فاضلاً، غزا مع النبي سبع غزوات.
روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعة وسبعون حديثاً، اتفقا على ستة عشر، وانفرد البخاري بخمسة، ومسلم بتسعة، وكان يسكن المدينة، ثم بعد قتل عثمان خرج إلى الربذة فسكن بها، ثم عاد قبل وفاته إلى المدينة وتوفي بها سنة أربع وسبعين وهو ابن ثمانين سنة ( أن رجلاً) .
قال المصنف في «المبهمات» : قال الخطيب: هو بسر ابن راعي العير بفتح المهملة وسكون التحتية الأشجعي ونقله كذلك في «شرح مسلم» وقال ذكره أبو نعيم وابن منده وابن ماكولا وآخرون، وهو صحابي مشهور عده هؤلاء وغيرهم في الصحابة ( أكل عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشماله) تكبراً ( فقال: كل بيمينك) أمر ندب على المعتمد والدعاء الآتي عليه لقصده مخالفة السنة النبوية ( قال: لا أستطيع، قال) : ( لا استطعت) دعاء عليه لمخالفته الحكم الشرعي بلا عذر كما قال الراوي مبيناً لذلك مدرجاً له بآخر الحديث ( ما منعه) من متابعة السنة ( إلا الكبر) ولا يدل مجرد الكبر والمخالفة على نفاقه كما قال المصنف، بل هو معصية إن كان الأمر في قوله: «كل بيمينك» أمر إيجاب.. وأخذ القاضي عياض من ذلك نفاقه رده المصنف بما ذكر.
ومحل النهي عن الأكل بالشمال حيث لا عذر يمنع من الأكل باليمين من مرض أو قطع وإلا فلا كراهة حينئذٍ ( فما رفعها إلى فيه) إجابة لدعوته لاستحقاقه لها بقصده السابق ( رواه مسلم) وأخرجه أحمد وابن حبان ورواه الحافظ ابن حجر في «أمالي الأذكار» من طريق الدارمي وقال: «إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبصر رجلاً وفي آخره» : «فما وصلت يمينه إلى فيه بعد» .


رقم الحديث 160 ( الخامس: عن أبي عبد الله النعمان) بضم النون وسكون العين ( ابن بشير) بفتح الموحدة وكسر المعجمة وسكون التحتية ابن سعدبن ثعلبةبن جلاس بضم الجيم وتخفيف اللام كذا قيده عبد الغني المقدسي وغيره.
وقال ابن ماكولا: هو خلاس بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام ابن بدربن مالكبن ثعلبةبن كعببن الخزرج الأنصاري هو وأبوه صحابيانرضي الله عنهما شهد أبوه العقبة الثانية وبدراً وأحداً والمشاهد كلها مع رسول الله.
وهو أول أنصاري بايع أبا بكر رضي الله عنه، واستشهد مع خالدبن الوليد بعين التمر سنة اثنتي عشرة من الهجرة بعد انصرافه من اليمامة.
وأما النعمان فولد على رأس أربعة أشهر من الهجرة، وهو أول مولود من الأنصار بعد الهجرة.
روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة وأربعة عشر حديثاً، اتفقا على خمسة منها، وانفرد البخاري بحديث ومسلم بأربعة قتل النعمان بالشام بقرية من قرى حمص في ذي الحجة سنة أربع وستين.
وقال ابن أبي خيثمة سنة ستين، كذا نقل من «التهذيب» للمصنف ملخصاً، سكن النعمان الشام ثم ولي أمره الكوفة ( قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لتسوُّن صفوفكم) بضم الفوقية وفتح المهملة وضم الواو وتشديد النون، قال البيضاوي: هذه اللام هي التي يتلقى بها القسم، والقسم هنا مقدر ولذا أكده بالنون المشددة وتسوية الصفوف اعتدال القائمين بها على سمت واحد ( أو) عاطفة بفتح فسكون: أي: ليكونن منكم التسوية أو ( ليخالفنّ الله بين وجوهكم) أي: إن لم تسووا.
واختلف في هذا الوعيد، فقيل هو على حقيقته، والمراد تشويه الوجه بتحويل خلقه عن موضعه بجعله موضع القفا، أو تغيير صورة الإنسان وتحويلها إلى صورة أخرى أو نحو ذلك، ويؤيد حمله عليها حديث أبي أمامة «لتسونّ الصفوف أو لتطمسنّ الوجوه» رواه أحمد وفي إسناده ضعف، ولذا قال ابن الجوزي: إنه مثل الوعيد في قوله: { من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها} ( النساء: 47) وقيل: إنه محمول على المجاز، قال المصنف: معناه يوقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب، كما تقول: تغير وجه فلان: أي: ظهر لي من وجهه كراهية، لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في الظواهر، واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن، ويؤيده رواية أبي داود في حديث النعمان هذا «أو ليخالفنّ الله بين قلوبكم» والحاصل أن الوجه إن حمل على العضو المخصوص فالمخالفة إما بحسب الصورة الإنسانية أو جعل القدام وراء، وإن حمل على ذات الشخص: فالمخالفة بحسب المقاصد، أشار إلى ذلك الكرماني.
قال الحافظ: ويحتمل أن يراد بالمخالفة في الجزاء فيجازي المسويّ بخير ومن لا يسوي بشرّ ( متفق عليه) .
( وفي رواية لمسلم) عن النعمان ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسوي صفوفناحتى كأنما يسوي بها القداح) قال المصنف: بكسر القاف هو خشب السهام واحدها قدح بكسر القاف معناه: يبالغ في تسويتها حتى تصير كأنما يقوّم بها السهام لشدة استوائها واعتدالها ( حتى رأى أنا قد عقلنا) بفتح المهملة والقاف أي فهمنا ( عنه، ثم خرج يوماً) للصلاة بالقوم ( فقام حتى كاد يكبر) تكبير التحرم ( فرأى) عطف على خرج أي أبصر ( رجلاً) حال كونه ( بادياً صدره) أي: ظاهراً خارجاً عن سمته ( فقال: عباد الله لتسوُّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) قال المصنف: فيه الحثّ على تسويتها، وفيه جواز الكلام بين الإقامة والدخول في الصلاة، وهذا مذهبنا ومذهب جماهير العلماء ومنعه بعض العلماء والصواب الجواز، وسواء كان لمصلحة الصلاة أو لغيرها أو لا لمصلحة.


رقم الحديث 161 ( السادس: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: احترق بيت بالمدينة على أهله من الليل) أي فيه: في «مغني اللبيب» في معاني «من» أنها تكون مرادفة في نحو قوله تعالى: { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة} ( الجمعة: 9) اهـ قال المراد في الجني الداني، وهو منقول عن الكوفيين، ومن حججهم قول الشاعر: عسى سائل ذو حاجة إن منعته من اليوم مسئولاً إن أيسر في غد قال: ويحتمل أن تكون من «فيه» تبعيضية على حذف مضاف أي بعض مسئولات اليوم اهـ ( فلما حدث) بالبناء للمفعول: أي: أخبر ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشأنهم قال: إن هذه النار عدوّ لكم، فإذا نمتم) قال في «المصباح» : نام ينام من باب تعب.
نوماً ومناماً فهو نائم والجمع نوّم على الأصل ونيم على لفظ الواحد ونيام أيضاً ويتعدى بالهمز والتضعيف اهـ.
والنوم: زوال الشعور من القلب لاسترخاء أعصاب الدماخ بسبب رطوبات الأبخرة الصاعدة إليه من المعدة،والنعاس مقدمته ( فأطفئوها) بقطع الهمزة ( عنكم) قال القرطبي: الأمر في الحديث للإرشاد، قال: وقد يكون للندب، وجزم المصنف بأنه للإرشاد لكونه لمصلحة دنيوية.
وتعقب بأنه قد يفضي إلى مصلحة دينية وهي حفظ النفس المحرم قتلها والمال المحرم تبذيره.
وقال الطبري: إذا بات الواحد في بيت ليس فيه غيره وفيه نار فعليه أن يطفئها قبل نومه أو يفعل بها ما يأمن معه الاحتراق، وإن كان في البيت جماعة فإنه يتعين على بعضهم وأخصهم بذلك آخرهم نوماً، فمتى فرّط في ذلك كان مخالفاً للسنة.
قال المصنف: والحديث عام يدخل فيه نار السراج وغيره، أما القناديل المسرجة وغيرها إذا أمن الضرر كما هو الغالب فالظاهر أن لابأس به اهـ ملخصاً من «فتح الباري» ( متفق عليه) ورواه ابن ماجه.


رقم الحديث 162 ( السابع: عنه قال: قال رسول الله: إن مثل) بكسر فسكون ويقال مثل بفتحتين، وهو في اللغة النظير ثم استعمل في كل صفة أو حال فيها غرابة وهي المراد هنا أي إن صفة ( ما بعثني الله به من الهدى والعلم) قال ابن ملك: ذكر في العوارف الهدى وجدان القلب موهبة العلم من الله ويجوز أن يكون المراد منهما شيئاً واحداً ( كمثل غيث أصاب أرضاً) قيل: فيه تشبيه متعدد، فشبه العلم بالغيث لأنه يحيى القلب الميت إحياء المطر البلد اليابس، وفي التعبير بالغيث دون المطر لطيفة، إذ الغيث مطر محتاج إليه يغيث الناس عند قلة المياه، وقد كان الناس متحيرين قبل بعثته حتى أغاثهم الله بوابل علومه؛ وشبه من ينتفع به بالأرض الطيبة، وشبه من يحمله ولم ينتفع به بالأرض الصلبة الماسكة للماء فينتفع به الناس وشبه من يحمله ولا ينتفع به بالقيعان.
وقال ابن ملك: الأولى أنه تشبيه مركب لتوقف أوله على آخره، ألا ترى أنه وصف الغيث بقوله: «أصاب أرضاً» فعلم أنه تشبيه واحد وهو تشبيه الوحي النازل من السماء إلى من ظهر نفعه، وإلى من لم يظهر بالغيث النازل من السماء إلى الأرض ظهر نفعه فيها أو لم يظهر ( فكانت منها) حال ( طائفة) أي: قطعة ( طيبة قبلت الماء وأنبتتالكلأ) مهموز مقصور: وهو المرعى ( والعشب الكثير) قال المصنف: العشب والخلى والكلأ والحشيش كلها اسم للنبات، لكن الحشيش مختص باليابس، والعشب والخلى بالقصر مختصان بالرطب، والكلأ بالهمز يقع على اليابس والرطب.
قال ابن ملك: فيكون عطف العشب عليه عطف الخاص على العام للاهتمام بشأنه، وقيل: الكلأ مختص أيضاً بالرطب إلا أنه ما يتأخر نباته ويقل، والعشب ما يتقدم نباته ويكثر ولهذا وصف العشب بالكثير اهـ.
وقال الخطابي وابن فارس: الخلى يقع على اليابس وهذا شاذ ضعيف.
وفي «شرح المشارق» للكازروني بعد أنّ ذكر أنهما بمعنى.
وقيل: الكلأ اليابس.
والعشب الذي ابتدأ فيه اليبوسة: وقيل: العشب الرطب، وقيل: الكلأ النبات والعشب الرطب، وعطف الأخص على الأعم جائز إذ كان بحيث يهتم بأفراده ( وكانت) وفي نسخة وكان ( منها أجادب) بالجيم والدال المهملة جمع أجدب وهي الأرض التي لا تنبت كذا قال ابن ملك، وكأنه باعتبار القياس، وإلا فقد نقل المصنف عن ابن بطال وصاحب «المطالع» وآخرين أنه جمع جدب بفتح الدال المهملة على غير قياس كما قالوا في حسن جمعه محاسن، والقياس أن محاسن جمع محسن.
قال المصنف.
قال القاضي عياض: لم يرد هذا الحرف في مسلم ولا في غيره إلا بالدال المهملة، من الجدب ضد الخصب وعليه شرح الشارحون، وكأنه قصد الرد على الخطابي حيث ذكر في اللفظ وجوهاً وجعلها روايات مقبولة وهي أخاذات بالخاء والذال المعجمتين جمع أخاذة وهي الغدران وأحادب بالحاء والدال المهملتين، قال: وليس بشيء.
وروي أجارد بالجيم والراء والدال، قال: وهو صحيح المعنى إن ساعدته الرواية، ومعناه: متجردة من النبات جمع أجرد ( أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة أخرى، إنما هي قيعان) جمع قاع: وهي الأرض المستوية، وقيل: الملساء، وقيل: التي لا نبات فيها قال المصنف وهذا هو المراد في الحديث ( لا تمسك ماء) ولما كان بعض القيعان قد ينبت كلأ نفاه بقوله: ( ولا تنبت كلأ، فذلك) إشارة إلى ما ذكر من الأنواع الثلاثة وشروع في بيان موارد المثل الثلاثة، فمثل الطائفة الأولى القابلة للماء المنبتة للكلأ ( مثل من فقه في دين الله تعالى ونفعه ما بعثني الله به فعلم) بكسر اللام ( وعلَّم) بتشديد اللام ( ومثل من لم يرفع بذلك رأساً) هذا مثل الطائفة الثانية التي أمسكت الماء ولم تنبت به شيئاً، فنفع الله الناس بها ولم تنتفع هي به، وهذا كعالم لم يعمل بعلمه وعلم غيرهوعدم رفع رأسه بالعلم كناية عن عدم الانتفاع به لعدم العمل به ( و) مثل من ( لم يقبل هدى الله الذي أرسلت به) هذا مثل الطائفة الثالثة التي لا تمسك الماء ولا تنبت الكلأ، ومثل هذه الطائفة رجل فات عنه التعلم والتعليم، ولا يخفى أن عدم قبول الهدى مستلزم لعدم النفع بالعلم لا في نفسه ولا في غيره ( متفق عليه) لكن السياق لمسلم ( فقه بضم القاف على المشهور) في الرواية قاله صاحب «العين» والهروي وغيرهما ( وقيل: بكسرها) قاله ابن دريد ( أي: صار فقيهاً) عالماً بالأحكام الشرعية.
أم الفقه بالمعنى اللغوي فهو فقه بكسر القاف لا غير، والضم والكسر روايتان والمشهور الضم، قاله المصنف.
وقد تقدم في باب التقوى ذكر هذين الوجهين كما في الفقه بمعنى علم أحكام الشعر، وكان الأخصر الاكتفاء بذلك.


رقم الحديث 163 ( الثامن: عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله: مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً فجعل الجنادب) قال المصنف: وفي رواية الدوابّ ( والفراش يقعن فيها) لعدم إدراكهن بما يضرهن ( وهو) أي: الرجل ( يذبهن) بالمعجمة وتشديد الموحدة، أي: يمنعهن رحمة بهن ( عنها) لما يعلمه من أن حتفهم بها ( وأنا آخذ) روي بوجهين أحدهما اسم فاعل بكسر الخاء وتنوين الذال والثاني فعل مضارع ذكرهما المصنف وقال: هما صحيحان والأول أشهر ( بحجزكم) جمع حجزة بضم المهملة وبعدها جيم ثم زاي، وهي معقد الإزار والسراويل ( عن النار وأنتم تفلتون) روي بوجهين فتح أوله وتشديد اللام وبضم الفوقية وسكون الفاء وكسر اللام المخففة وكلاهما صحيح، يقال أفلت مني وتفلت: إذا نازعك الغلبة والهرب ثم غلب وهرب، ومقصود الحديث أنه شبه تساقط الجاهلين والمخالفين بمعاصيهم وشهواتهم في نار الآخرة وحرصهم على الوقوع في ذلك مع منعه إياهم وقبضهعلى موضع المنع منهم بتساقط الفراش في نار الدنيا لهواه وضعف تمييزه، وكلاهما حريص على هلاك نفسه ساغ في ذلك لجهله ( رواه مسلم) ورواه أحمد كما في «الجامع الصغير» .
( الجنادب) جمع جندب بضم الدال وفتحها والجيم مضمومة فيهما، والثالثة حكاها عياض بكسر الجيم وفتح الدال ( نحو الجراد) وهو الصرصار.
قال أبو حاتم: الجندب على خلقه الجراد له أربعة أجنحة كالجراد وأصغر منها يطير ويصرّ بالليل صرّاً شديداً، وقيل: غيره ( والفراش هو المعروف) قال في «شرح مسلم» : قال الخليل: هو الذي يطير كالبعوض، وقال غيره: ما تراه كصغائر البق يتهافت في النار، ولذا قال المصنف ( الذي يقع في النار، والحجز جمع حجزة: وهي معقد الإزار والسراويل) .


رقم الحديث 164 ( التاسع: عنه) أي: عن جابر ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر) بالبناء للفاعل ( بلعق الأصابع) إما يلعقها بنفسه أو يلعقها غيره ممن لا يتقذر بذلك من زوجة وجارية وولد ومن في معناه كتلميذ يعتقد بركته ويود التبرك به ( و) لعق ( الصحفة) وذلك لكسر النفس بالتواضع ( قال) منبهاً على علة الأمر بذلك ( فإنكم لا تدرون في أية) أي: أيّ طعامكم كما في الرواية بعده ( البركة) قال المصنف: الطعام الذي يحضر الإنسان فيه بركة ولا يدري أن تلك البركة فيما أكل أو فيما بقي على أصابعه أو فيما بقي في أسفل القصعة أو في اللقمة الساقطة، فينبغي أن يحافظ على هذا كله لتحصيل البركة، والمراد بالبركة هنا ما يحصل به التغذية وتسلم عاقبته من أذى ويقوى على طاعة الله تعالى أو غير ذلك ( رواه مسلم) .
( وفي رواية له) عن جابر ( إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها) ولا يدعها كما يفعله بعض المترفين استكباراً ( فليمط) بضم التحتية.
قال الجوهري حكى أبو عبيد ماطه وأماطه: نجاه وقال الأصمعي: أماطه لا غير أي لينح ويزل ( ما كان) أي: حصل ( بها) أي: فيها أو الباء للإلصاق أو الملابسة ( من أذى) أي: مستقذر من غبار وتراب، فإن وقعت على موضع نجس تنجست ولا بد منغسلها إن أمكن، فإن تعذر أطعمها حيواناً ولا يتركها للشيطان ( وليأكلها ولا يدعها) يتركها ( للشيطان) قيل: إنه مأخوذ من شطن بمعنى بعد، وقيل: من شاط بمعنى احترق، وأل يحتمل كونها للجنس أو للعهد الذهني أي إبليس.
وفي الحديث إثبات الشياطين وأنهم يأكلون ( ولا يمسح يده بالمنديل) قال المصنف: هو معروف وهو بكسر الميم.
قال ابن فارس في «المجمل» لعله مأخوذ من المندل وهو النعل، وقال غيره: مأخوذ من الندل وهو الوسخ لأنه يندل به، قاله أهل اللغة: تندلت بالمنديل.
قال الجوهري: ويقال أيضاً تمندلت، وأنكر الكسائي تمندلت ( حتى يلعق) بفتح التحتية ( أصابعه) محافظة على البركة ( فإنه لا يدري في أي طعامه البركة) .
فائدة: قال العلقمي في «حاشية الجامع الصغير» : قال شيخ شيوخنا: يعني الحافظ العسقلاني: وقع من حديث كعببن عجرة عند الطبراني في «الأوسط» صفة لعق الأصابع ولفظه «رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل بأصابعه الثلاث بالإبهام والتي تليها والوسطى، ثم رأيته يلعق الثلاث قبل أن يمسحها الوسطى ثم التي تليها ثم الإبهام» قال شيخنا في «شرح الترمذي» : كأن السرّ فيه أن الوسطى أكثر تلويثاً لأنها أطول فيبقى فيها من الطعام أكثر من غيرها ولأنها لطولها أول ما ينزل في الطعام، أو أن الذي يلعق يكون بطن كفه إلى جهة وجهه، فإذا ابتدأ الوسطى انتقل إلى السبابة على جهة يمينه وكذلك الإبهام اهـ.
( وفي رواية له) عن جابر أيضاً ( إن الشيطان يحضر أحدكم عند شأنه كله) وفي نسخة «عند كل شيء من شأنه» فيه التحذير منه والتنبيه على ملازمته للإنسان في جميع أحواله وتصرفاته، فينبغي أن يتأهب ويحترز منه ولا يغترّ بما يزينه له ( حتى) غاية لملازمته ( يحضره عند، طعامه فإذا سقطت من أحدكم لقمة فليمط ما كان بها من أذى فليأكلها ولا يدعها للشيطان) وسيأتي زيادة في معاني هذه الأحاديث في كتاب آداب الطعام إن شاء الله تعالى.


رقم الحديث 165 ( العاشر: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بموعظة) تقدم فيحديث النوّاس معنى الموعظة وأن تنوينها للتعظيم ( { فقال: يا أيها الناس إنكم محشورون} ) بعد البعث ( إلى الله عزّ وجلّ حفاة) جمع حاف من لا نعل برجله ( عراة) عن الثياب ( غرلاً) بضم المعجمة وسكون الراء: أي قلفاً.
والغرلة: القلفة ( { كما بدأنا أول خلق نعيده} ) بعد إعدامه والكاف متعلقة بنعيد وضميره عائد لأول وما مصدرية ( { وعداً علينا} ) منصوب بوعدنا مقدر قبله وهو مؤكد لمضمون ما قبله ( { إنا كنا فاعلين} ) ما وعدنا، وذكره استدلالاً على إعادة كل مخلوق بجميع أجزائه ( ألا) بتخفيف اللام أداة استفتاح وما بعدها مقدر وعطف عليه قوله: ( وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم) إن قلت: هذا يدل على أن إبراهيم أفضل.
قلت: لا يلزم من اختصاص النبي بفضيلة كونه أفضل مطلقاً، أو المراد غير المتكلم بذلك قاله الكرماني.
قال السيوطي في «التوشيح» : قيل: الحكمة في ذلك أنه ألقي في النار عرياناً، وقيل: لأنه أول من لبس السراويل وقد جبر عن هذا السبق بكونه يكسي حلتين كما في حديث ذكره البيهقي.
قال القرطبي ( ألا وإنه) أي: الشأن ( سيجاء) بالبناء للمفعول ( برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال) بكسر الشين والمراد جهة النار.
قال ابن النحوي: لعلهم منافقون، وقيل هم مسلمون قصروا في بعض الحقوق، وسيأتي معنى قوله مرتدين على الوجهين ( فأقول: يا ربّ هم أصحابي) رواية البخاري في «التفسير» «فأقول يا رب ارحم أصحابي» قال السيوطي في «التوشيح» : هو للأكثر مصغر، وللكشميهني غير مصغر.
قال الخطابي: فيه إشارة إلى قلة عدد من وقع لهم ذلك، وإنما وقع ذلك لبعض جفاة الأعراب ولم يقع لأحد من الصحابة المشهورين اهـ.
قلت: ويحتمل أن المراد بقوله أصحابي: أي من أمتي التابعين لملتي.
فالصحبة مجازية ومعرفته لهم حينئذٍ برؤية نحو الغرّة والتحجيل مما تختص به هذه الأمة، وهذا أنسب بقوله في أول الحديث «برجال من أمتي دون أصحابي» ( فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) أبهم ولم يعين تفخيماً لشأنه وبيانه بعد ليكون أدلّ على قيام العدل وقوام الحجة عليهم ( فأقول) مسلماً الأمر الله ( كما قالالعبد الصالح) يعني عيسىبن مريم ( وكنت عليهم شهيداً) أي: رقيباً أمنعهم مما يقولون ( { ما دمت فيهم} { فلما توفيتني كنت أنت الرقيب} ) الحفيظ ( { عليهم} ) على أعمالهم ( { وأنت على كل شيء} ) من قولي لهم وقولهم بعدي وغير ذلك ( { شهيد} ) مطلع عالم به ( { إن تعذبهم} ) أي: من دام على الكفر منهم ( { فإنهم عبادك} ) وأنت مالكهم متصرف فيهم كيف شئت لا اعتراض عليك ( { وإن تغفر لهم} ) أي: لمن آمن منهم ( { فإنك أنت العزيز} ) الغالب على أمره ( { الحكيم} ) في صنعه كذا في «تفسير الجلالين» .
وظاهر التشبيه في قوله كما قال العبد الصالح الخ أن هذا القول كان من عيسى على جهة التسليم وأنه قد علم من آمن منهم، فقوله: { إن تعذبهم} أي: على كفرهم وفريتهم السابقة فهم مستحقون لذلك، ولا اعتراض عليك لأنك تصرّفت في عبادك { وإن تغفر لهم} أي: لمن تاب منهم، أشار إليه ابن النحوي.
قال: وقيل علم عيسى أنهم يعصون بعده، فقال: { وإن تغفر لهم} أي: ما أحدثوه من المعاصي ( فيقال لي) بيان لما أحدثوا ( إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم) قال القاضي عياض: هذا لصحة من تأول أنهم أهل الردة، ولذا قال فيهم سحقاً سحقاً، ولا يقول ذلك في مذنبي أمته بل يشفع لهم ويهتم بأمرهم.
وقيل هؤلاء صنفان: أحدهما عصاة مرتدون عن الاستقامة لا عن الإسلام وهؤلاء مبدلون الأعمال الصالحة بالسيئة، والثاني مرتدون إلى الكفر حقيقة ناكصون على أعقابهم اهـ «ومنذ» هنا ظرف ( متفق عليه.
غرلاً)
بضم فسكون جمع أغرل ( أي: غير مختونين) .